الإخوان المسلمون وقضية توطين سيناء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢١، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وقضية توطين سيناء

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

شبه جزيرة سيناء هي شبه جزيرة صحراوية وتقع في مصر بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة. تربط أفريقيا بآسيا عبر الحد المشترك مع فلسطين شرقا، ومساحتها 60,088 كم2 .

قاعدتها العريش. حيث تنقسم إلى العريش في الشمال والتيه في الوسط والطور في الجنوب حيث الجبال العالية أهمها جبل موسى 2,285 متر وجبل القديسة كاترينا 2,638 متر (أعلى جبال في مصر) وفي هذا الجبال يوجد دير سانت كاترين، وتضم محافظتي شمال وجنوب سيناء.

اهتم الإخوان المسلمين بسيناء كما اهتموا بكل بقعة على ارض مصر، لكن كان لسيناء شأن أخر حيث أنها بوابة مصر الشرقية، كما أنها مهبط الوحي على سيدنا موسى بطور سيناء.

محاولات التوطين

استطاع الإنجليز السيطرة على مصر عام 1882، كما عقد اليهود مؤتمرهم الأول بمدينة بازل بسويسرا عام 1897م وحددوا فيه ملامح الدولة التي يريدونها.

ولقد تعاون الإنجليز مع اليهود على تنفيذ مخططهم والسيطرة على فلسطين بعدما وقع الاختيار عليها في المؤتمر، ولذا بحثت سبل توطين اليهود المشردين في العالم في سيناء التي تقع تحت سيطرة الإنجليز حتى يتم استكمال الخطة بالسيطرة على فلسطين وتحقيق حلم من النيل إلى الفرات.

ففي 12 /7/ 1902م نجد رسالة هرتسل إلى تشمبرلين (1) لعمل مخطط لتسكين اليهود المشردين في شبه جزيرة سيناء، وفي فلسطين المصرية وفي قبرص، حيث جاء في الرسالة ما يلي:

رسالة هرتسل إلى تشمبرلين حول مشروع توطين اليهود في سيناء 12/ 7/ 1902م الرجاء أن تجد طيه ملخصاً عاماً لمخطط تسكين اليهود المشردين في شبه جزيرة سيناء وفي فلسطين المصرية وفي قبرص الناحية السياسية باللغة الإنجليزية والناحية المالية بالألمانية.
ولمنع أي سوء تفاهم قد يحصل الآن أو في المستقبل دعني أذكر أنني أعددت هذا المخطط لك لأنك أبديت معارضة بخصوص فلسطين إنك أعظم قوة مؤثرة على شعبنا منذ تشرده وإني لأشعر أنه من واجبي أن أقدم لك نصائحي المتواضعة شرط أن تكون عندك النية لعمل أمر مهم لتعسائنا.
ويجب أن لا أكون فقط شديد التمسك بالمثل وأرفض المساعدة السريعة لأفقر فقرائنا مهما كان شكل هذه المساعدة بل يجب أن أكون أكثر من ذلك يجب أن أعطي نصحي حسب ما أراه افضل.
عندي إلى جانب الناحية الإنسانية غاية سياسية أيضاً. إن توطين اليهود شرق البحر الأبيض المتوسط سيقوي إمكان الحصول على فلسطين. سيكون يهود الشركة الشرقية في المستعمرة الإنجليزية صهيونيين مخلصين تماما كيهود هيرش المستعمرين في الأرجنتين.
لا أدري إذا كنت سأستطيع أن أساعد في تحقيق المشروع أي إذا كنت سأجعل منظمتنا الصهيونية تعمل له لأن هذا يعتمد على قرار حزبي. سأدعو أعضاء اللجنة من جميع البلدان إلى اجتماع سري وابحث معهم الموضوع.

وإلى جانب هذا فإن عندي مخططا ثانيا لك يمكن تحقيقه في الوقت نفسه ولكن على حده.وهذا المخطط سري تماما يتعلق بالعراق.لقد أخبرتك أن السلطان عرض عليّ الاستيطان في العراق (وذلك في شباط من هذه السنة لما ذهبت إلى القسطنطينية بناء على دعوته)

وقد رفضت العرض لأنه لم يشمل فلسطين. أستطيع أن أعود إليه غدا ما دامت علاقاتنا ممتازة. وبدل هذا علينا أن نقدم له بعض المساعدات المالية.

يقوم بالمطالبة بهذا رجل أستطيع أن أسميه لك شفهيا. ولكن السلطان يفضل أن يعهد بهذا المشروع لي لأنه يعرف اني شخصياً لست وراء المنفعة المالية وهو بالطبع يريد شروطا أفضل ولكن حتى ولو أعطى شروطا أفضل يمكن وضع ما يقرب من مائتي مليون جنيه على الحساب. هذا الربح يذهب للشركة اليهودية لأنها تستطيع بذلك أن تبدأ حياتها بربح من مليوني جنيه وفي رأيي أن هذا يسهل تحقيق المخطط.

لا أدري إذا كانت عندك معلومات كافية عني ولكني أود أن أؤكد هنا أنه ليست لي في هذا المخطط أية غاية مادية لست أعمل لعمالة مالية إنما كل ما أريده هو أن يكون للصندوق القومي اليهودي حساب محترم فيما إذا سار هذا المشروع المالي أنا لا أضع هذا شرطاً لا بد منه.

إني أفضل المخطط الأول لأن ضمانات مشروع العراق السياسية للمستقبل قليلة. أما إذا لم نتمكن من إقامة المستعمرة اليهودية في المملكات البريطانية بسبب رفض الحكومة الإنجليزية أو إذا لم يرغب في هذا المخطط رجال المال فعندها فقط أقدم لك المشروع الثاني. (2)

لقد صدر قرار الأمم المتحدة عام 1947م بتقسيم فلسطين إلى نصفين بين الفلسطينيين واليهود وهو القرار الذي رفضته الدول الإسلامية كلها، وخاضت من اجله حرب ضد الصهاينة لكنها كانت حرب غير متكافئة حيث كانت كل القوى الغربية تعمل بكل قوتها على توطين اليهود في فلسطين، واستيقظ المسلمين على فاجعة سقوط فلسطين في قبضة الصهاينة الذين قاموا بعمليات قتل وإرهاب تجاه الفلسطينيين وتهجيرهم من بلدانهم لتوطينهم في بلدان مجاوره.

يعد مشروع "ماك غي" (1949) أقدم مشاريع التوطين، بعد الحرب وقد توالت المشاريع بعد ذلك، ويمكن إجمال المواقف والأفكار التي حملتها فيما يلي:

اعتماد المقاربة الاقتصادية للتوطين والدمج في بلدان اللجوء. فلجنة "كلاب" أوصت بإيجاد برنامج للأشغال العامة. و"جون بلاندفورد" (1951) أوصى بتخصيص 250 مليون دولار لدمج اللاجئين. ومبعوث الرئيس الأميركي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط (1953-1955) اقترح توطين اللاجئين في الضفة الشرقية للأردن تحت مسمى الإنماء الموحد.
ممارسة الضغط أو الابتزاز أو الإغراء على الدول العربية لإجبارها على القبول بتوطين اللاجئين على أراضيها.
لم تستثن بعض المشاريع إمكانية إعادة بضعة آلاف من اللاجئين إلى إسرائيل، شرط أن توافق إسرائيل، ويوافق العائدون على العيش في كنف الحكومات الإسرائيلية (جون فوستر دالاس 1955، كينيدي 1957)
بعض المشاريع قامت على أساس مقايضة أو مساواة حق العودة بالتعويض، علاوة على مدخل التنمية الاقتصادية في حل المشكلة (دراسة هيوبرت همفري 1957، مشروع داغ همرشولد 1959، جوزيف جونسون 1962)
اشتملت المشاريع اللاحقة للتوطين على تقديم تصورات تفصيلية وعملية تتعلق بالأعداد وأماكن التوطين وغير ذلك. المحامية الأمريكية "دونا آرزت" (1977) قدمت اقتراحاً بتوطين نحو 75 ألف فلسطيني. وتضمن مشروع "فانس" (1969) إنشاء صندوق دولي لتوطين (700) ألف في الأردن و (500) ألف في سوريا وتفريغ لبنان من اللاجئين؛
كما تدفع تعويضات لأصحاب الأملاك وفق الجداول التي وضعتها لجنة التقديرات عام 1950. كما تضمنت رؤية بيل كلينتون (2000) اقتراح توطين بعض اللاجئين في دولة فلسطينية جديدة وفي الأراضي التي ستنقل من إسرائيل.
تميزت المشاريع المقدمة من وكالة غوث اللاجئين بالطابع العملي كما تجلى الأمر على سبيل المثال في مشروع سيناء، أو تحسين حياة اللاجئين من خلال إعطائهم قطع أرض وقروض لتوطينهم كما جاء ضمن خطة لعام 1959 التي كان هدفها توطين 60% من اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان.
تأثرت المشاريع المقترحة بالسياقات التاريخية، فقد أظهرت بعض المقترحات الأمريكية أن أحد محددات الموقف الأميركي تجاه اللاجئين يكمن في مواجهة الخطر السوفييتي في المنطقة، فمشروع أيزنهاور (1957-1958) ربط بين التنمية الاقتصادية ومحاربة الشيوعية.
كما أن دعوات التوطين في العراق تصاعدت إبان حصاره ومن ثم احتلاله عام 2003. كما اتسمت معظم المعالجات المقترحة قبل صعود الحركة الوطنية الفلسطينية بالطابع الإنساني.
مثلت المشاريع الدولية المقترحة في اغلبها انحيازاً واضحاً لإسرائيل، علاوة على أن المجتمع الدولي لم يتخذ أية تدابير عملية للضغط على إسرائيل أو إجبارها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ومع الحرج الذي تسبب به هذا الانحياز، لم تتردد بعض الجهات الدولية في محاولة إبراز هيئات تتحدث باسم اللاجئين بما يفكك قضيتهم ويضعفها أمام الرأي العام العالمي، ومن ذلك أيضاً محاولات وكالة الغوث تحويل قضية اللاجئين من قضية دولية إلى قضية تتحمل مسؤولياتها الحكومات المحلية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.

أنكرت إسرائيل مسؤوليتها عن التسبب في نشأة مشكلة اللاجئين منذ البداية. وحملت مسؤولية المشكلة، وبالتالي حلها على الجانب العربي. يمكن استخلاص بعض الأفكار من جملة المشاريع المقترحة:

  1. أجمعت المشاريع الإسرائيلية المقترحة على منع عودة اللاجئين، وعلى توطينهم في البلدان المضيفة لهم أو في بلدان أخرى ودائماً بتمويل دولي أو عربي. هذا ما خلصت إليه لجنة بن غوريون عام 1948، وكذلك مشروع ييغال ألون بعد عام 1967 الذي دعا إلى توطين اللاجئين في سيناء. كما اقترح أبا إيبان (1968) التوطين في أماكن اللجوء بمساعدة دولية وإقليمية.
  2. بعض المشاريع غير الرسمية تضمنت بصورة أو بأخرى بعض "التنازلات" ويمكن تفسير الأمر برغبة إسرائيل بالحد من الضغط الدولي أو تجنب الحرج أو الخديعة في أحيان أخرى لاصطياد تنازلات بالمقابل من الطرف الفلسطيني أو الأطراف العربية. فقد تضمن مشروع ليفي أشكول (1965) اقتراحاً باستعداد إسرائيل للمساهمة المالية. واشتملت دراسة أعدها شلومو غازيت (1994) على اقتراح بعودة بعض لاجئي سنة 48 ونازحي 1967 إلى مناطق الحكم الذاتي.
  3. دفعت أطراف إسرائيلية مختلفة بالعديد من الأفكار والمقترحات، والممارسات التي تنطوي على عنصرية شديدة، وتعكس درجة الخوف من بقاء مشكلة اللاجئين بلا حل، أو حلها بعودتهم إلى ديارهم التي شردوا منها. مارست إسرائيل ابتزاز الدول العربية بطرحها مشكلة يهود الدول العربية، والدعوة إلى الوطن البديل في الأردن، وهي فكرة طرحها بن غوريون وتضمنها مشروع ألون (1968) وتمسك بها شارون بهدف السيطرة على الضفة الغربية، وُشنت حرب 82 كمحاولة لتحقيق هذه الفكرة. ومن ذلك أيضاً السعي المحموم لإزالة المخيمات واستهدافها في كل الحروب.
  4. من التكتيكات التي اتبعتها إسرائيل في مواجهة مشكلة اللاجئين: الضم الزاحف (دايان)، تشجيع الجذب الاقتصادي والرحيل الإرادي (العملية الليبية 1953-1958)، المساومات مع الأطراف الإقليمية والدولية (التوطين في العراق)، التأهيل والتذويب، المذابح (1982)، استدراج الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات بوهم تشجيع مبادرات السلام (جنيف 2002). (3)

سيناء مكان للتوطين

قبلت الحكومة المصرية عام 1953 اقتراح توطين بعض لاجئي قطاع غزة في سيناء تحت ضغوط دولية تعرضت لها مصر آنذاك لتلافي وقوع حرب مع إسرائيل ليست مستعدة لها من ناحية، ولتجنب العمليات الانتقامية التي كانت تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة، من ناحية ثانية.

تضمن المشروع المقدم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين توطين حوالي 12 ألف أسرة على أراض يجري تحويلها إلى أراضي زراعية في شمال غرب سيناء، دون أن يتعارض هذا الأمر بالضرورة مع حق العودة، كما يشتمل المشروع على إمكانيات التوسع في المستقبل.

يمكن القول أن مشروع توطين اللاجئين في سيناء يعد من بين أخطر وأبرز المشاريع، لأكثر من سبب:

  1. جرى المشروع بموافقة الحكومة المصرية وبتعاونها تعاوناً تاماً مع وكالة الغوث.
  2. قدم المشروع في زمن حرج، حيث لم تكن الثورة قد ثبتت أقدامها بعد، بما يعني عدم قدرتها على مواجهة إسرائيل عسكرياً.
  3. المشروع الوحيد الذي يمكن وصفه بالمشروع المتكامل والمنظم وبدخوله حيز التنفيذ العملي.
  4. بدا أن سلوك وكالة الغوث بوصفها آلية دولية ليست في منأى عن تأثير القوى النافذة في النظام العالمي حيث يمكن استغلالها في غير الهدف الذي أنشئت من أجله.
  5. كشفت تداعيات المشروع وردود الفعل عليه وموقف الحكومة المصرية الذي استجاب لهبة مارس مدى غضب إسرائيل وحنقها من فشل المشروع، ما دفعها، من بين أسباب أخرى، للمشاركة في العدوان الثلاثي 1956.
  6. أظهرت انتفاضة مارس 1955 مدى تمسك الفلسطينيين بحقهم وعدم التفريط به واستعدادهم للموت في سبيله، كما أظهرت أهمية وحدتهم في مواجهة التحديات والمخاطر والمؤامرات الخارجية.
  7. المشروع وردود الأفعال عليه نبه القيادة المصرية الشابة إلى الخطر الذي تمثله إسرائيل ومدى التواطؤ الدولي معها، فاختار عدم الانحياز والاستفادة من الفرص التي تخلقها الحرب الباردة. (4)

ويقول حسين أبو النمل:

وبعد قيام الثورة في مصر واستقرار الحكم نسبيا استؤنفت "المحاولات التي كانت قد بدأت قبل ذلك لتوطينهم" ، وقد استفادت المحاولات اللاحقة من التجارب السابقة الفاشلة بعد أن تأكد المعنيون أن قضية التوطين ليست بالأمر السهل الذي يمكن تنفيذه ببساطة.
ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة بطابع أكثر تنظيما وعمقا ، ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة فى مرحلة 1952-1955 بطابع أكثر تنظيماً وعمقاً.وكان من أهم هذه المشاريع مشروع توطين اللاجئين في شمال غرب سيناء الذي ووجه بردود فعل تفيض بالسخط والقلق من جانب الفلسطينيين في قطاع غزة.

وقد حاولت الإدارة المصرية تنفيس ذلك السخط ، فأصدرت لهذه الغاية بيانين ،أولهما في الثامن والعشرين من أيار (مايو) سنة 1953 وثانيهما في التاسع عشر من أيلول (سبتمبر) 1953 .

وقد خاطب نائب الحاكم العام أهالي قطاع غزة قائلا:

"كانت بعض الصحف المحلية قد نشرت خلال شهر مايو سنة 1953 ، أن هناك محاولات لإسكان اللاجئين خارج فلسطين، مستندة في ذلك إلى ما نشر في بعض الصحف الخارجية حول مشروع تقدمت به هيئة الإغاثة الدولية التابعة لهية الأمم المتحدة لتشغيل وإسكان اللاجئين في شبه جزيرة سيناء ، وغزة ، مما دعانا إلى أن نصدر بياننا المؤرخ في 28/5/1953 نعلن فيه أنه قد أرجئ البحث في هذا الموضوع.
ولما كان هذا المشروع قد أصبح شاغلا للأهالي ومدار حديثهم ، ولما تعلمه هذه الإدارة التي دأبت جاهدة على العمل لما فيه الخير والرفاهية للجميع ، وتحقيقا لرغباتهم ليسرها أن تعلن لأهالي ومهاجري المنطقة جميعا ، بأنه قد تمت مقابلة بين السيد قائد عام القوات المسلحة والسيد الحاكم الإداري العام للمنطقة الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين بخصوص هذا الموضوع؛
وقد انتهت بالموافقة على أن إسكان اللاجئين هو محل إعادة نظر السلطات المختصة في الوقتت الحاضر ،ولن تتخذ فيه أية إجراءات أو خطوات إلا بما يحقق أماني الفلسطينين ومصالهم. ولذلك نلفت النظر إلى أن الحديث حول هذا المشروع قد أصبح غير ذي موضوع.

كان نائب الحاكم الإداري لا يقول الحق ، لأن الحكومة المصرية كانت قد اقترحت اعتبار نهر النيل كمصدر لمياه الري للأراضي الواقعة مباشرة شرق قناة السويس. ونتيجة لهذا الاقتراح أتمت الوكاالة في 30 يونيو عام 1953 إتفاقية برنامج مع الحكومة المصرية أتاحت الاحتفاظ بمبلغ 30 مليون دولار لأغراض أبحاث المشروع في شبه جزيرة سيناء وغزة والباقي ليستعمل في الإنشاء والاستيطان ، إذا ما أثبتت الدراسات الأولية أن هناك مشروعات عملية يمكن القيام بها .

أي أن تخوف اللاجئين والأهالي في القطاع كان له ما يبرره. وبجانب ذلك فقد اتفقت الحكومة المصرية ووكالة الغوث على إسناد المسئولية المشتركة عن إدارة الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع ، المحدد في الاتفاقية ، إلى المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، ممثلا للجانب المصري، وإلى مكتب وكالة الغوث في القاهرة ممثلا للوكالة . وقد تم هذا الاتفاق خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1953 ، أي بعد ما يقرب من شهر من صدور بيان الحاكم الإداري الأخير المشار إليه آنفا.

"ويمكن لنا اعتبار هذا المشروع ، الذي أعد خصيصا لتوطين لاجئي قطاع غزة من أكثر المشاريع خطورة ، لأنه يطرح تصورا شاملا لكيفية تنفيذ المشروع، كما أنه يعكس من الناحية الثانية الجدية الفائقة لوكالة الأمم المتحدة وللحكومة المصرية لتنفيذ ذلك المشروع.

وقد رمى المشروع إلى زراعة خمسين ألف فدان في الشمال الغربي لسيناء لتوطين اللاجئين فيها ليتولوا زراعتها ، وليعيشوا حياة عادية معتمدين على أنفسهم وعلى إنتاجهم. كما اقترح قيام نوع من الحكم المحلي ، مع أخذ التجمعات التي انتظم اللاجئون على أساسها بعين الاعتبار ، بحيث يكون أبناء العشيرة الواحدة والقرية الواحدة في مستوطنة واحدة. (5)

ويؤكد الكلام السابق الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان بقولها:

يقوم هذا المشروع على توطين اللاجئين الفلسطينيين المتمركزين في قطاع غزة في سيناء التابعة للأراضي المصرية، وأثناء الاتصالات بين وكالة الغوث والحكومة المصرية عام 1951 والجهات المعنية الأخرى عبرت مصر عن استعدادها لقبول 50 ألف لاجئ في شبه جزيرة سيناء وبدأ البحث عن الحياة في منطقة العريش.
ويرى مشروع سيناء على أن لاجئين قطاع غزة مرشحون لتقبل التوطين أكثر من سواهم، كون الأوضاع التي كان يعيشها سكان القطاع اللاجئون منهم وغير اللاجئين هي أوضاع متردية للغاية اجتماعياً وديمغرافياً، بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني الهائل حيث بلغت الكثافة السكانية أعلى نسبة لها إضافة إلى ذلك فقد عانى القطاع من تدني في الموارد.
وفي 14 تشرين الأول عام 1953 توصلت وكالة الغوث مع الحكومة المصرية إلى اتفاق محدد تقدم مصر بموجبه 230 ألف مدان من الأراضي الصحراوية إلى وكالة الغوث لإجراء اختبارات زراعية فيها مع إعطاء وكالة الغوث الحق بانتقاء 50 ألف فدان من بينها من أجل أعمال التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين...
شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية تصل إلى حدود 1 % من حجم مياه نهر النيل سنوياً لا رواء هذه الأراضي، وقد استغرقت أعمال هذا المشروع نحو ثلاثة أعوام من تاريخ توقيعه حتى 28 حزيران عام 1955، حين قدمت اللجنة الموكل إليها العمل تقريرها إلى وزير الدولة المصري لشؤون الإنتاج وإلى مدير الأونروا؛

وقد قدرت الفترة لتحقيقه كاملا بخمسة وعشرين عاما وقد جاء هذا في تقرير أعدته وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عام 1955 عن المشروع وأن عدد الذين سيرحلون نحو 59500 نسمة يشكلون 12200 أسرة منها 10 آلاف أسرة زراعية و 1750 أسرة خدمات و 700 أسرة بالقطاع الثانوي وقد قررت الفترة الزمنية اللازمة لتوطين الأسرة بعشرة أعوام وقد أمنح المشروع مجال زيادة عدد السكان وما تقتضيه هذه الزيادة من خدمات، فمن المتوقع حسب المشروع أن تصل الزيادة في عدد السكان خلال 25 عاماً إلى 85000 ألف نسمة. (6)

ويقول عبد الله أبو عزة:

رأيت بنفسي "ملف مشروع سيناء" عندما انتقلت للعمل في مكتب المدير العام لعمليات وكالة الأمم المتحدة للإغاثة والتشغيل سنة 1958 ، بيد أنني لم أتمكن من الاطلاع على جميع محتوياته ، لأنه لم يكن في عهدتى ، وإنما كان في عهدة سكرتيرة المدير .
إن هذا يؤكد وجود قدر كبير من التفاهم المشترك بين السلطات المصرية ووكالة الغوث من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، أو على الأقل تصفية الجزء الذي اضطلعت الحكومة المصرية بمسئوليته منها ، من خلال إدارتها لقطاع غزة ، وقد تجاوز مرحلة التفاهم إلى مرحلة الاتفاق الرسمي،وتخصيص الأموال بتفاصيل واضحة لتفي باحتياجات المشروع ومكملاته لفترة طويلة. (7)

رؤية واضحة لتطوير سيناء

كان اهتمام الإخوان بسيناء منذ نشأة الجماعة عام 1928م، فقد كتب الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يناشد الحكومة المصرية العناية بها وبأهلها وعدم إسقاطها من حساباتها حتى لا تنعدم الهوية لدى أهلها

فكتب يقول في جريدة الإخوان المسلمين اليومية عام 1946م تحت عنوان (سيناء والسودان):

" أكتب هذا بمناسبة ما ورد فى بيان صدقى باشا على لسان أحد الساسة المصريين عن التعبير عن سينا المباركة بلفظ برية سيناء، ووصفها بعد ذلك بأنها أرض قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات إلا أربعة بلاد جعلت للتموين وقت اللزوم.
وقد أثار هذا المعنى فى نفسى سلسلة من المحاولات التى قام بها المستعمرون منذ احتلوا هذه الأرض؛ ليركزوا هذا المعنى الخاطئ فى أدمغة السياسيين المصريين، وفى أبناء سينا أنفسهم، فأخذوا يقللون من قيمتها وأهميتها، ويضعون لها نظاما خاصا فى التعليم والتموين والحكم والإدارة؛
ويحكمها إلى العام الماضى فقط محافظ إنجليزي يعتبر نفسه مطلق التصرف فى كل مقدراتها، ويجعلون الجمرك فى القنطرة لا فى رفح إيذانا بأن ما وراء ذلك ليس من مصر حتى صار من العبارات المألوفة عند أهل سينا وعند مجاوريهم من المصريين أن يقال هذا من الجزيرة، وهذا من وادى النيل كأنهما إقليمان منفصلان.
مرت بنفسى هذه الخواطر جميعا فأحببت أن أنبه الساسة الكبار والساسة الصغار وأبناء هذا الشعب إلى الخطر الداهم العظيم الذى تخفيه هذه الأفكار الخاطئة، ولا أدرى كيف نقع فى هذا الخطأ الفظيع مع أن القرآن الكريم نبهنا إليه و لفت أنظارنا إلى ما فى هذه البقاع من خير وبركة وخصب ونماء؟ وأنها إنما أجدبت لانصرافنا عنها وإهمالنا إياها فذلك قوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سيناء تَنْبُتُ بِالدُّهنِ وَصِبْغٍ لِّلآََكِلِيِن﴾ "المؤمنون: 20"
إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونا من الأفدنة أى ضعف مساحة الأرض المنزرعة فى مصر، وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعا من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثا؛
ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سينا من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة وهى عظيمة القابلية للزراعة، وفى الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات يانعة على نحو بيارات فلسطين تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات، وقد تنبه اليهود إلى هذا المعنى ووضعوه فى برنامجهم الإنشائي وهم يعملون على تحقيقه إذا سنحت لهم الفرص، ولن تسنح بإذن الله.
فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود.
فلعل هذا من أصلح المواطن للصناعة، ويرى بعض المفكرين العقلاء أن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش تضم من شاء من المصريين، ومن وفد من فلسطين وسورية والعراق ولبنان وشرق الأردن وغيرها من سائر أوطان العروبة والإسلام، ويرون فى هذه البقعة أفضل مكان للتربية البدنية والروحية والعقلية على السواء.
وحرام بعد اليوم أن تظن الحكومة أو يتخيل أحد من الشعب أن سيناء برية قاحلة لا نبات فيها ولا ماء فهى فلذة كبد هذا الوطن ومجاله الحيوى ومصدر الخير والبركة والثراء، ونرجو أن يكون ذلك كله بأيدينا لا بأيدي غيرنا.
كم نتمنى أن نستقل ونتحرر فى أفكارنا ومشاعرنا لنتحرر بحق فى أوطاننا وتصرفاتنا ﴿وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ "الحج: 41". (7)

تحذير إخواني نحو سيناء

لقد حذر الإخوان الحكومة المصرية من ترك سيناء فريسة للأطماع أو الاحتلال أو التوطين، وأنه وجب على الحكومة الاهتمام بهذا الجزء المهم من جسد الأمة المصرية، وعدم تجاهله حتى لا يكون فريسة سهلة للمغتصبين.

فقد كتب الأستاذ سيد قطب مقالا في جريدة الدعوة عام 1952م يحذر من أن تهمل الحكومة سيناء، وأطلقها صيحة تنبيه للغافلين شارحا أهمية سيناء وخطورتها كمجال حيوي للشعب المصري ومحذرًا من التفريط في هذا الجزء العزيز من أرض الوطن ، وأن إسرائيل تقترب يوما بعد يوم من حدود سيناء المصرية وأنهم يقيمون على الحدود استحكامات قوية وأن أمامهم ألوف الأميال المربعة في الشقة المصرية خلاء.

فإذا أرادوا هم أن يزحفوا فسيزحفون من استحكاماتهم على الحدود ووراءهم العمار. وإذا أردنا نحن يقصد المصريين حتى أن ندافع وقفت جيوشنا ووراءها هذه الألوف من الأميال القاحلة الجرداء الخالية من السكان. ودعا إلى الاهتمام بسيناء فهي كافية لإعاشة مليون من الناس لو وجدت من يعمرها ويرد إليها الحياة.

ويقول عمر التلمساني:

إننا لو تركنا الضفة الغربية والجولان وسيناء لليهود حفاظًا منا على الأمن والسلام فإن هذا لا يكفيهم ولن يقتنعوا به.. والدليل القاطع قائم على جدران الكنيست في تلك الخرائط التي ألصقت عليه تنادي بإسرائيل من الفرات إلى النيل .. فاليهود إذن أقاموا لهم دولة على أرض المسلمين وإنها لحقيقة لا تخفى حتى على البلهاء .. فمتى يؤمن بها أصحاب الحق ويدركون خطرها ويعملون لمواجهتها؟!. (8)

ويضيف في مقال أخر:

ثم تصدمنا الحقائق المرة التي لا نريد أن نتفهمها، ونعمل في ظلها، ونعيش في أحداثها، حين تقول الصحف أن إسرائيل تبني مستوطنة في شمال سيناء وأخرى في الجولان وأنها تفتح مستوطنة جديدة في الضفة الغربية لنهر الأردن، هل تفعل إسرائيل ذلك عابثة؟
هل تنفق أموالها اليوم في إقامة المستوطنات لتتركها في الغد لمصر أو سوريا أو الأردن؟؟ هل هذه هي سياسة الدولة التي تريد إعادة الحق لأصحابه؟ هل إسرائيل بهذا التحدي والعناد تنوي التخلي عن الأراضي التي احتلتها سنة 1967 لماذا نتعلق بموقف لهذا الحاكم أو ذلك؟
أو هو الواقع الأليم الذي تصر إسرائيل على المضي فيه؟؟ إني لا أحب المغامرات، ولا أقول لحكام المسلمين ألقوا بشعوبكم في أتون حروب لا يعلم مغبتها إلا الله.
ولكني أقول وأكرر ولا أكل ولا أمل، من القول والتكرار، أن دعوا الأمور كما هي ولا تعطوا إسرائيل اعترافًا بجعل وجودها في فلسطين مشروعًا، لا تعقدوا صلحًا ولا معاهدة تعطيها ذرة من تراب أرض فلسطين ثم اعكفوا متضامنين على تقوية شعوبكم وإعدادها لليوم الفاصل. (9)

ويؤكد على أن سيناء لابد أن تكون حرة ولا نقبل بالصهاينة كمغتصبين حيث يقول:

وإننا لو أعطيناهم سيناء وبيت المقدس بلا قيد ولا شرط، ولو أننا أعطيناهم قناة السويس ومنطقة من أرض محافظة الشرقية لحماية القناة وهي تحت أيديهم، ولو أن سوريا أعطتهم الجولان، والسعودية أعطتهم تبوك وما حولها، لو أنهم أخذوا كل هذا منا برضانا واختيارنا، ليحصل العالم الإسلامي على السلام والهدوء والأمن والاستقرار ولينصرف المسلمون إلى توحيد صفوفهم ومداواة جراحهم والنهوض ببلادهم؛
لو أننا أعطينا لهم كل ذلك إشباعًا لنهمهم، وتأكيدًا للعالم الغربي والشرقي أننا حسنوا النية، وأننا لا نريد إلا السلام، لما رضي اليهود ولا أمريكا ومن يدور في فلكها، ولا روسيا ومن يدور معها لسبب واحد لا ثاني له على الإطلاق، ذلك أن اليهود والشرق والغرب، لا يريدون أن يروا على ظهر الأرض شيئًا اسمه الإسلام، ولا أناسًا يوصفون بأنهم مسلمون. (10)

تصدي الإخوان لعملية توطين سيناء

لم تكن سيناء بعزل عن تفكير ورؤية الإخوان المسلمين، حيث أنشأ الإخوان فيها الكثير من شعبهم، وعملوا على تنمية المكان ومعاونة الأهالى، والتعريف بقضايا الوطن كقضية فلسطين.

ففى رفح عام 1947م أيضا أقامت رهوط جوالة الإخوان بالاشتراك مع نجادة مدينة خان يونس وغزة وبعض قرى لواء جنوب فلسطين استعراضا وحضره مندوبو الصحف الفلسطينية وألقى الأستاذ رشاد الشريف نائب الشعبة ومحمد صبرة زعيم الرهط كلمات تناولت قضية فلسطين كما تحدث الأخ السيد حمزة الفرا ضابط نجاة خان يونس.

ولقد حرص الإمام البنا على زيارة مدن سيناء خاصة حينما كان متجها إلى غزة لزيارة أهلها وافتتاح الشعب بها ولدراسة موقف التصدي للصهاينة الغزاة،

حيث أورد الأستاذ سعد الدين الوليلي سكرتير المرشد العام تفاصيل هذه الزيارة في جريدة الإخوان المسلمين فقال:

"وفي منتصف العاشرة من صباح يوم الخميس 7 من جمادي الأولى عام 1367هـ غادر فضيلته القاهرة في سيارة خاصة جهزتها لهذا الغرض الشركة العربية للنقل والتجارة لصاحبها ومديرها الوجيه يوسف بك بامية يقودها الأخ الحاج عبد الغفور العباسي وفي صحبته الإخوان الشيخ محمد فرغلي رئيس مكتب القنال والأستاذ عبده أحمد قاسم السكرتير المالي للإخوان ومدير هذه المجلة...
والحاج سيد الصولي عضو الإخوان ومن وجهاء الإسماعيلية ومحمود طويلة أفندي من إخوان المركز العام وعبد الهادي شعبان أفندي مندوب المركز العام في العريش ورفح وسيناء والأستاذ سعد الوليلي.
وحوالي الظهر وصلت السيارة إلى دار الإخوان المسلمين بالإسماعيلية وصلى الإمام البنا الظهر في مسجدها واطمأن على صحة الأخ المجاهد يوسف طلعت أحد رجال الكتيبة الذي نجا من حادث انقلاب إحدى سيارات الحملة التي كان يقودها الأخ المرحوم حسين الحلوس في طريق العريش وكانت محملة ببعض المؤمن والمهمات للكتيبة المجاهدة.
وفي غروب هذا اليوم وصل الإمام البنا إلى المعسكر فأقبل الإخوان بالمعسكر يتسابقون إلى لقائه يتقدمهم إمامهم المجاهد الشيخ سيد سابق.
وعقب الصلاة ردد الجو أصداء هتافات إخوانية تتعالى تبين بعدها أن جمعًا من إخوان وأهالي العريش قد قدموا إلى المعسكر يرحبون بمقدم فضيلته وكان على رأسهم الشيخ سمري مرعي رئيس قبائل الفواخرية والحاج مسلم علي سلمى من زعماء الفواخرية والأخ أحمد القصاص ممثلاً لقبيلة القصاص وسكرتير الإخوان.

على مائدة رئيس قبيلة الفواخرية:

وبناء على دعوة الحاج سمري مرعي رئيس قبائل الفواخرية توجهت بالسيارات إلى دار العامرة حيث تناول فضيلته ومن معه طعام العشاء مع قبائل العريش وكانوا قد حضروا لمشاركة الإخوان سرورهم بحضور المرشد العام.
وفي ساعة متأخرة من الليل حل فضيلته ومن معه ضيوفًا على الحاج عثمان رفاعي رئيس الإخوان بالعريش ورئيس جوالتها الفخري.
وفي اليوم الثاني حرص الإمام البنا على زيارة المحافظة حيث كان سعادة محافظ العريش حريصًا على زيارة المرشد العام في دار الإخوان ولكن عدم معرفته بانتقالات المرشد العام في اليوم السابق لم تمكنه من ذلك؛
وما أن تبين فضيلته ذلك حتى توجه لزيارته مع وفد من الإخوان يتقدمهم. الحاج سمري مرعي والحاج عثمان رفاعي والحاج مطر الرباب والحاج إبراهيم الغزالي والحاج مسلم علي سلمي من زعماء القبائل. ولقد كان سعادته كريمًا في استقباله. كريمًا في ترحيبه بالمرشد العام كريمًا في إبداء أسفه على حرمانه من شرف الاشتراك في استقبال فضيلته ساعة حضوره.

وبعد زيارة دار الإخوان بالعريش التي غصت بجموع الإخوان والأهلين أقلت سيارتان كبيرتان فضيلته ومن معه من إخوان مصر وأعيان العريش إلى المعسكر حيث كانت طليعة الكتيبة على أهبة الاستعداد بأسلحتها وعتادها ومؤنها لتلقي تعليمات قائدهم ومرشدهم بالتحرك. (11)

قام الإخوان بدور كبير في حرب فلسطين حيث كانت العريش وسيناء ورفح وغزة قواعد إمداد للمجاهدين كما أنها أصبحت قاعدة للجيش المصري قبل انتهاء الحرب.

غير أن علاقة الإخوان بسيناء وغزة وفلسطين لم تكن وليدة هذه الأيام بل ترجع لعام 1936م حينما اندلعت الثورة القسامية فساندها الإخوان ماديا ومعنويا، حيث جمعوا التبرعات، ووجهوا النداءات، وطالبوا المجتمع بمقاطعة كل المنتجات الصهيونية والإنجليزية؛

وقد كانت الشُعَب القريبة من الحدود الفلسطينية هي المعنية بذلك، وقد حرصت جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية على نشر هذه المقاطعة بين الناس ليقتدوا بها، فكتب تحت عنوان: "صدى حوادث فلسطين في العريش" ما نصه:

علمنا أن العرب في العريش أجمعوا على مقاطعة اليهود وقد جروا في سبيل هذه المقاطعة شوطًا بعيدًا حتى أن أحد أبناء البيوتات الكبيرة منهم حرق قرار المقاطعة فكان نصيبه الاعتداء الصارم من أهله أنفسهم ومن أقرب الأقارب إليه؛
مما دعت إلى تدخل محافظة العريش ولكن المعتدين صمموا على عزمهم على الاعتداء على كل من يخرج على هذا الإجماع، ولا تزال حركة المقاطعة قائمة على أشدها، وقد اكتتب العرب بمبلغ مائة جنيه أرسلوها إلى إخوانهم في فلسطين كما أرسلوا كثيرًا من الغلال والمواد الغذائية الأخرى.
لقد كانت الطور مراكز اعتقال للإخوان بعد حل جماعتهم واعتقال المجاهدين فيها حيث مكث الإخوان في سجن الطور حتى أقيل إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء، وقد كتب الكثيرين عن أيامهم فى سجن الطور الموجود بسيناء.
وحينما ظهر مشروع توطين اللاجئين في سيناء وقف له الإخوان بالمرصاد، لكن المحنة التي تعرض لها الإخوان في مصر جعل عبء المهمة ملقاة على الإخوان في غزة وفلسطين، وعلى من هرب من بطش جمال عبد الناصر خارج مصر.
فحينما بدأ المشروع قام الإخوان الأعمال الفدائية التي كان ينفذها الإخوان كانت تهدف إلى تخريب ما جرى من اتفاقات وما تبعها من ترتيبات لتنفيذها ، وما ينطوي عليه مشروع سيناء من خطوات لتصفية القضية الفلسطينية.
وقد أعطى هذا النشاط الإخواني ثماره المرجوة ، فعلى أثر كل عملية كان يتبعها رد إسرائيلي سريع ، يتراوح بين أن يكون هجوما بريا أوجويا ، أو أن يجمع بينهما في نفس الوقت، وبحجم لا يتانسب مع حجم العمل الفدائي إذ كانت إسرائيل ترد بغارات جوية وحشية ومسرفة على النقاط العسكرية الصغيرة المتناثرة على خط الهدنة الذي كان يفصل قطاع غزة عن فلسطين المحتلة ، وقد تحرك قوة برية كبيرة لتهاجم الموقع ، أو المواقع التي تحددها لتوجيه الرد .
وقد جرت العادة أن يعقب الهجوم الإسرائيلي في صباح اليوم التالي صدور بلاغ عسكري في القاهرة يعلن أن القوات الإسرائيلة هاجمت موقع كذا، وأن القوات المصرية تصدت لها وقامت بهجوم مضاد ، وأجبرت العدو على الفرار. والواقع أن ذلك كان مغايرا للحقيقة تماما إذ لم يكن يحدث هجوم مضاد وكان الموقع يخرب ويقتل بعض الجنود ويهرب البعض.
أدى تكرار هذه الحوادث إلى إحراج كبير لحكم جمال عبد الناصر، فبدأت الدولة تهتم بتقوية الدفاعات في قطاع غزة، وأنشأت الكتيبة الفلسطينية وجعلت قاعدتها قرب رفح، على حافة سيناء، قرب الحدود المصرية الفلسطينية؛
ومع استمرار التسلل وضرب الأهداف الإسرائيلية بالمتفجرات ازدادت ردود الفعل الإسرائيلية عنفا... لقد انفجرت المظاهرات في قطاع غزة منددة بما يجرى للجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، ومنددة بمشروع التوطين، وكانت هتافات المتظاهرين (فليسقط مشرع سيناء).
وكان من الملفت للنظر أن يتعاون الإخوان المسلمون والشيوعيون لأول مرة في تحريك المظاهرات وقيادتها. (12)

ويضيف أبو عزة وهو أحد شهود العيان تصدت القوات المصرية للمظاهرات في قطاع غزة بعنف بالغ، فقتل وجرح عدد من الأفراد، وجرى اعتقال بضع عشرات من الإخوان المسلمين ومن الشيوعيين، وحملوا بالقطار إلى القاهرة وأودعوا السجون والمعتقلات فيها. وكان معظم المعتقلين من المدرسين وطلاب الثانويات.

وإذا كان الحكم في القاهرة قد قابل هذا الانفجار الشعبي المفاجئ بإجراءات عنيفة، أو حازمة، فقد اضطر على ما يبدو إلى اتخاذ خطوتين إيجابيتين:

أولاهما صرف النظر عن مشروع سيناء لإسكان اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم، وثانيتهما إدخال قوات كبيرة من الحرس الوطني المصري إلى قطاع غزة، وبهذا الإجراء غدا من الصعب على القوات الإسرائيلية أن تقوم بغارات سريعة وتحقق أهدافها وتنسحب دون عقاب أو خسائر. وهكذا دخلت المناوشات الحدودية طورا جديدا. (13)

سيناء والتوطين الآن

لقد أثيرت شبهات كثيرة منذ وصل الإخوان لسدة الحكم، بأنهم يسعون بالاتفاق مع حماس لتوطين الفلسطينيين في سيناء، رغم نفي الجانب المصري ذلك والجانب الفلسطيني، حيث قال إسماعيل هنية رئيس وزراء فلسطين:

أنه لا توطين للفلسطينيين في سيناء أوغيرها، وأن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وعدم التنازل عن شبر واحد منها.
إن الشعب الفلسطيني رفض وأسقط مشاريع توطينه في سيناء عام 1954 وهو ما يدلل على كذب ما يروج عن سعى الفلسطينيين في غزة للتوطين بها"، مشددا على أن سيناء أرض مصرية وذات سيادة مصرية، كما أن الضفة وغزة والقدس أرض فلسطينية. (14)

كما علق الدكتور محمد الجوادي، المؤرخ والمفكر السياسي، على الخطة التي وضعها مهندس إسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية في سيناء، عن طريق بيع الجزء الشمالي الشرقي من سيناء وضمه إلى قطاع غزة، ووضع الضفة الغربية كلها تحت تصرف الفلسطينيين، بأن هذه أفكار قديمة وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

وشدد الجوادي على أن الشعب الفلسطيني لا يريد أي دولة لتصبح وطناً له، بل يريد أرضه ليسكن بها، وأضاف أنه منذ عشرات السنين عُرض على الشعب الإسرائيلي العديد من الأماكن ليتخذها وطناً له ومنها جنوب إفريقيا، لكنه أصر على احتلال فلسطين، فما بال شعب فلسطين التي تعتبر هذه ديارهم، كيف يتركوها ويذهبون لدولة أخرى.

وتعجب الجوادي من المخطط الذي طرح أكثر من مرة لتحويل سيناء إلى جزء من الأراضي الفلسطينية، موضحا أن سيناء كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي لمدة طويلة، فكان من الممكن وقتها للدولة الإسرائيلية أن تجعل سيناء موطنا للفلسطينيين، وكان الأمر سيصبح أكثر سهولة من جعلها وطنا للفلسطينيين الآن بعد أن استردتها مصر. (15)

لقد اثتيرت هذه الشبهات كثيرا دون ان يقدم واحد ممن أثارها دليل واحد، او وثيقة واحدة على هذا الاتهام، واكتفي فقط بالكلام المرسل والتناغم بين البعض لترديد هذه الشائعات على الرأى العام.

إن الإخوان منذ نشأتهم وهم لا يقبلون بتهجير الفلسطينيين للبلدان المجاورة، ولا يقبلون بتوطينهم فيها حتى لا تضيع حقوقهم في أرضهم التي اغتصبها الصهاينة، وحتى لا يكونوا عالة على الشعوب الأخرى مما يثير الفتنة والأزمات بينهم وبين السكان الأصليين.

ولذا رفض الإخوان ويرفضون توطين أحد غير المواطن المصري في سيناء الغالية، حتى أنهم تقدموا مؤخرا بمشروع لتنمية سيناء.

حيث تتلخص خطتهم في توطين 3.5 مليون نسمة، مع توفير قرابة مليون فرصة عمل، خلال دمج سيناء فى البناء الاقتصادي والاجتماعي لبقية أقاليم مصر، ضمن خريطة استثمارية متكاملة، "زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية وعمرانية وأمنية".

كما تقوم الخطة على تقسيم منطقة سيناء إلى خمسة أقاليم تنموية رئيسية تبعاً لمقومات التنمية، حيث يختص إقليم شمال سيناء وعاصمته العريش بالمشروعات الزراعية والتجارية والصناعية ورعي الماشية، وإقليم وسط سيناء يختص بمشروعات التعدين والصناعات الصغيرة، وإقليم غرب سيناء (القنطرة) ويختص بمشروعات الزراعة والتجارة والرعي، وإقليم جنوب شرق سيناء (نويبع) ويختص بالمشروعات السياحية، وإقليم جنوب غرب سيناء (الطور) ويختص بمشروعات السياحة والتعدين واستخراج البترول.

ولا تكتفي خطة الإخوان بذلك بل تهدف إلى إنشاء جامعة حكومية توزع كلياتها على عواصم الأقاليم التنموية الخمسة بحسب مقومات التنمية. وأيضا إنشاء 5 مدن كبيرة و20 مدينة متوسطة و100 مدينة صغيرة وقرية، بالإضافة إلى إنشاء وتطوير 10 طرق رئيسية و3 أنفاق.

وفي المجال الزراعي أكد الإخوان في خطتهم أن مساحة الأراضي القابلة للاستزراع تبلغ 900 ألف فدان كأراض جيدة، و1300 فدان أراضى متوسطة، خصوصا مع توافر مياه صالحة للشرب عبر ترعة السلام.

وشدد واضعو هذه الخطة على أن خطة التنمية بحاجة إلى إنشاء 3 مشروعات لإنتاج الطاقة، وإنشاء شبكات ربط كهربائى تغطى جميع مدن وقرى سيناء، كما تستهدف الخطة إدخال عدة صناعات لشبه جزيرة سيناء تتمثل في صناعة مواد البناء، والصناعات الكيماوية، والصناعات المعدنية، بجانب صناعات مواد البناء.

وفي مجال التعدين فإن سيناء تنقسم إلى 7 مناطق بحسب توزيع المعادن الطبيعية، ومن بينها منطقة العريش والمغارة حيث تهدف خطة الحزب بها إلى استخراج الفحم من منجم الصفا مع تأكيد احتياطيات فحم جديدة وتنميتها.

كما تعتمد الخطة على استخراج الرمال السوداء وإنتاج ملح الطعام والصودا الكاوية وكربونات الصوديوم والزجاج، بالإضافة إلى منطقة عيون موسى وتهدف الخطة بها إلى توليد كهرباء تعمل بالفحم من منجم المغارة ومن طبقات الفحم الغائرة بتكنولوجيا الإسالة واستخراج الجبس من وادى الريان وتصنيعه، وكذلك استخراج الجبس على نطاق واسع وتصنيعه.

المراحع

  1. جوزف تشمبرلين: سياسي بريطاني، تزعم عام 1891 "الاتحاديين الأحرار" في مجلس العموم. عيّن وزيراً للمستعمرات بين عامي 1895- 1906
  2. مركز الدراسات الفلسطينية: وثائق فلسطين: مائتان وثمانون وثيقة مختارة، 1839-1987 " (تونس: منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة الثقافة، 1987)، ص ٣٨ "
  3. تيسير محسين: عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، المركز الفلسطين (بديل) لمصادرة حقوق المواطنة واللاجئين
  4. تيسير محسين: مرجع سابق
  5. حسين أبو النمل ، قطاع غزة 1948 ،1967، تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية (بيروت: مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية) نيسان أبريل 1979 ، ص 82 –85
  6. بيسان عدوان: مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين ، الحوار المتمدن العدد: 1234 20/6 /2005م.
  7. عبد الله أبو عزة: مع الحركة الإسلامية في الدول العربية، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1986م، صـ 33
  8. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (137)، السنة الأولى، 18 ذو القعدة سنة 1365هـ 13 أكتوبر 1946م، ص(1، 4).
  9. الدعوة العدد (21) ربيع الأول فبراير 1978م.
  10. الدعوة العدد (26) شعبان 1398هـ يوليو 1978م.
  11. الدعوة العدد (34) ربيع الثاني 1399هـ مارس 1979م.
  12. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (137)، السنة الأولى، 18 ذو القعدة سنة 1365هـ الموافق 13 أكتوبر 1946م.
  13. عبد الله أبو عزة: مرجع سابق، صـ 33، 37
  14. المرجع السابق، صـ 38
  15. صحيفة الأهرام المصرية: 29/ 3/ 2013م
  16. صحيفة الوطن المصرية: 3/ 5/ 2013م