الإخوان ومحاربة الاستعمار في الدول الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٤٠، ٢٢ يوليو ٢٠١٨ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان ومحاربة الاستعمار في الدول الإسلامية" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان ومحاربة الاستعمار في الدول الإسلامية


مقدمة

منذ دخول المستعمر الأجنبي وسقوط دولة الخلافة الإسلامية عام 1924م وقد أصبح العالم الإسلامي متشرذم ومتناحر بسبب السياسة التي غرسها المحتل في قلوب ونفوس الشعوب الإسلامية لبعضها البعض، فرسم بينهم الحدود السياسية وحاول طمس الهوية الإسلامية في نفوس أبناء الوطن، فظل التنافر بين البلاد، حتى نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م

فاهتم الإمام البنا بغرس بذور الحب والوحدة في نفوس وقلوب الشعوب الإسلامية، واهتم بالقضايا الإسلامية، بل دعم الإخوان الحركات التحررية في البلدان الإسلامية من إندونيسيا شرقا حتى المغرب غربا، وأصبح المركز العام ملاذ قادة هذه الحركات، يتعلمون فيه الأطر الإسلامية، ويعملون على بثها في شعوبهم.

وللعناية بهذا الجانب أنشأ الإخوان قسم الاتصال بالعالم الخارجي ليكون حلقة الوصل بين الشعوب الإسلامية والإخوان، وليغرس في قلوبهم بذور الوحدة والتصدي للمستعمر الأجنبي.

التنظيم الدولي

لقد اهتم الإمام الشهيد بقضايا العالم الإسلامي بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وجعل لذلك قسمًا في الجماعة هو "قسم الاتصال بالعالم الإسلامي" وساند جميع حركات التحرر ضد الاستعمار في الأمة الإسلامية كلها، وكانت قضية فلسطين في بؤرة تفكيره ومن ضمن اهتماماته، ولذلك حين أسس جماعة الإخوان كان من الطبيعي أن يكونوا هم أول من نبهوا إلى خطورة القضية وأبعادها المستقبلية، فضلاً عن مشاركتهم الفعلية والعملية فيها، بل إن أول شهيد سقط على أرض فلسطين كان من الإخوان المسلمين.

حيث قال في رسالة المنهج:

"بيان الدعوة في وضوح، ومصارحة الناس بها، وتوجيهها إلى كافة هيئات الشعب، على أن تتبع الخطوات القولية بخطوات عملية ..و العمل على نشر الدعوة خارج القطر، وتوثيق الصلة بالهيئات العاملة هناك". (1)

ويضيف قوله:

"إن هذا الإسلام الحنيف نشأ عربيًّا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين، وقد جاء في الأثر: "إذا ذل العرب ذل الإسلام"، وقد تحقق هذا المعنى حين دال سلطان العرب السياسي وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم ومن إليهم، فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه". (2)

ويؤكد أن التقسيمات والحواجز التي أقامها المستعمر ما هي إلا سياسة فرق تسود بين الشعوب العربية والإسلامية، وأنها تصب في مصلحة المستعمر لرغبته الجامحة في تمزيق الدول المحتلة، فيقول في ذلك: "إن هذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبدًا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد وهدف واحد، وجعلت من مكان هذه الأقطار جميعًا أمة واحدة مهما حاول المحاولون وافترى الشعوبيون". (3)

وقد هدف الإخوان من نشأة هذه القسم:

  1. توحيد كلمة الشعوب الإسلامية على كلمة واحدة ضد المحتل الأجنبي. يقول الأستاذ البنا: "وأظنك بعد هذا أيها القارئ الكريم قد فهمت ما قدمت لك من قبل، ندعوك إلى أن تعتقد أن كل مسلم أخ لك تألم لألمه، وتفرح لفرحه، وأن كل شبر من الأرض فيه مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إنما هو قطعة من حمى الله الذي يجب على كل مسلم أن يذود عنه، ويحتفظ به، ويعمل لخير أهله". (4)
  2. دعم الحركات التحررية في العالم الإسلامي.
  3. نشر قضايا البلاد الإسلامية في المحافل الدولية والمؤسسات الرسمية.
  4. تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الغير نحو الإسلام، ونشر الإسلام الوسطي الشامل بين الشعوب. (5)
  5. نشر الإخوة الحقيقية بين الشعوب العربية والإسلامية. يقول الأستاذ البنا: وأما الثمرة الثانية فإن الأخوة الإسلامية جعلت كل مسلم يعتقد أن كل شبر من الأرض فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم قطعة من الأرض الإسلامية العامة التي يفرض الإسلام على كل أبنائه أن يعملوا لحمايتها وإسعادها. (6)
  6. العمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض، وتوحيد السياسة العامة لها، ويتم ذلك بعدة طرق منها: توحيد مناهج الثقافة الإسلامية، وتوحيد القوانين والتشريعات الاقتصادية والصناعية والقضائية، ورفع الحواجز الجمركية، وتسهيل إجراءات الدخول والإقامة بين هذه الأقطار، وتبادل البعثات الفنية والعسكرية وبعثات المدرسين وغيرها، وتقوية روابط التعرف والإخاء بين الشعوب، وإزالة عوامل الفرقة والانقسام بينها. (7)

أول شعبة في الخارج

لم تكن دعوة الإخوان دعوة محلية تقتصر على مصر فحسب لكنها دعوة عالمية تعمل للعمل على عودة الناس إلى معين دينهم الصافي، وترسخ فيهم معاني التربية والعزة بدينهم، ولهذا عمل البنا على نشر فكره خارج نطاق مصر

وكان يهدف من ذلك تربويا:

  1. الاتصال بأقطار العالم الإسلامي عن طريق أبنائه الموجودين في مصر للدراسة، أو عن طريق الاهتمام بقضاياه.
  2. إرسال بعثات إلى الأقطار المختلفة، لبناء علاقات صداقة مع أبنائها.
  3. استضافة العلماء والمفكرين أو أصحاب النشاط الإسلامي في بلدان العالم، وعقد الندوات واللقاءات معهم في شعب الإخوان المختلفة. (8)

ومن المعروف أن أول شعبة أنشأت للإخوان كانت في دولة جيبوتي وذلك عام 1933م، وبعد رحلة الحج الأولى التي قام بها الإمام البنا استطاع أن يلقى كلمة في مؤتمر وفود الحج الإسلامية التي دعى إليه الملك عبد العزيز آل سعود واستطاع أن يجذب الانتباه إلى دعوة الإخوان، والتي سارع إليها الكثير من شتى البلدان.

التواصل مع الشعوب

لم يهتم الإمام البنا والإخوان بالشعوب العربية والإسلامية من أجل التحرر من قبل المستعمر فحسب، لكنهم وضعوا لهذه الشعوب روشتات تربوية للعودة لحقيقة الدين الإسلامي، فتنهض الأمم تربويا وأخلاقيا وعلميا.

يقول الأستاذ البنا:

توالت الاعتداءات أخيرًا على المسلمين فى كل قطر من أقطار الأرض، وكشر أعداؤهم عن ناب البغضاء، وآذنوهم بحرب بعيدة المدى، وصرحوا بنيّاتهم، وكشفوا عن مخبآت ضمائرهم، وأعلنوا على رءوس الأشهاد أنهم يريدون أن يكون الدين كله لهم والحكم بيدهم، وتزول من الوجود تلك البقية من المسلمين فى كثير من أنحاء الأرض، وكلها بشدة وبلهجة قاسية وبحروف من نار، ولكن لمن نحتج؟
أيها المسلمون، عبثًا تحاولون أن يكون الخصم هو الحكم، وأن تجدوا النصفة من أعدائكم. صدقوني يا إخواني، لقد ذاب قلبي أسفًا، وأردت أن أحتج فسألت نفسي: لمن؟ فأخذت أقلب الفكر، وأستعرض الأمم البعيدة فلم أجد فيها رحيمًا. أن الاحتجاج وحده لا يكفى، فقد تعوّدنا أن نهبّ ونحتج، وبعد إرسال الاحتجاج نتناسى كل شيء كأن لم يكن، ويشعر أحدنا براحة الضمير لأنه احتج، ثم تأتى الحادثة الثانية، فيكون موقفنا منها موقف الأولى..
ولذا لابد من:
الوسيلة الأولى:
ضم الصفوف وتوحيد القوى والتعارف حتى يكون المسلمون الغيورون فى كل قطر سلسلة متصلة الحلقات
الوسيلة الثانية:
مقاطعة كل ما هو غير شرقى فى العادات والتقاليد والبضائع، والاعتزاز بالعصبية الشرقية الإسلامية، والتظاهر بهذه العصبية
الوسيلة الثالثة:
أن نجاهد أنفسنا قليلاً ونحكمها ونردها إلى العقل والتبصر.

الوسيلة الرابعة:
أن نذكر هذه النكبات دائمًا، وأن نتلوها على أنفسنا صباحًا ومساءً، وأن نلقنها أبناءنا ونساءنا وإخواننا، وأن ننشرها بين أصدقائنا وفى مجالسنا، حتى ينشأ شبابنا وهم على بينة من أمر أعدائهم، فلا يخدعون كما خدعنا ولا يلاقون ما لاقينا. (9)
أيها المسلمون: إن الوطن الإسلامي لا يتجزأ، وإن كل شبر أرض فيه مسلم يقول لا إله إلا الله، أو رفعت عليه يوما من الأيام راية الله قد صار أمانة فى يد المسلمين قاطبة ولله ولرسوله، ووجب عليهم أن يفدوا حريته بالنفوس والأرواح، وأن يبذلوا فى سبيل المحافظة عليه الدماء والأموال. (10)

التأثير والتأثر

لقد ظهرت بصمات جهود الإخوان وقسم الاتصال بالعالم الخارجي جلية خاصة بعدما نالت الشعوب استقلالها، مثل باكستان، حيث أرسل الأستاذ البنا إلى محمد علي جناح (مؤسس باكستان) أكد لها على سعادة الإخوان بالتحرر وإنشاء دولة إسلامية تقوم على التعاليم الإسلامية فقال: سعد العالم الإسلامي كله بميلاد دولة الباكستان الإسلامية... وإن سعادتنا مضاعفة -نحن الإخوان المسلمين- الداعين إلى النظام الإسلامي. (11)

كما اهتم قسم الاتصال بالعالم الخارجي بالطلبة الوافدين حيث سهل لهم مهمتهم بمصر، كما عقد لهم المؤتمرات وغيرها، حيث حرص كثير من الطلبة الوافدين على التزام منهج الإخوان والانضمام إلى شعبة الطلبة فيها، ومن ذلك ما ورد في جريدة الإخوان تحت عنوان "الإسلام في "بولونيا" ما نصه: "انضم إلى شعبة الطلبة لجمعية الإخوان المسلمين كل من الأخوين الفاضلين علي إسماعيل ورونوفيتش ماجستير الفلسفة، ومصطفى يحيى الكساندروفيتش ماجستير الأدبيات من جامعات بولونيا، وقد قدما إلى مصر لتعلم اللغة العربية وأصول الدين بالجامع الأزهر الشريف" (12)

ولقد نشط لقسم في التصدي للمحتل الأجنبي وعمل على دعم الحركات التحررية في البلدان الإسلامية فساند إندونيسيا حتى نالت استقلالها، كما ساند سوريا ولبنان حتى نالتا استقلالهما عام 1946م عن فرنسا، كما وقف ضد محاولة فصل السودان فكتب أ.عبد الحفيظ الصيفي مفندًا مزاعمهم تحت عنوان: "أجل: السودان للسودانيين". (13)

وقد حرص قسم الاتصال بالعالم الإسلامي على تنمية علاقات المودة والرحمة مع الأشقاء السودانيين، فانتهز فرصة تواجد فريق من السودانيين في القاهرة ودعاهم إلى حفلة شاي أقامها على شرفهم في المركز العام، إلا أن أوامر البوليس صدرت في اللحظة الأخيرة بعدم إلقاء خطب أو كلمات في تلك الحفلة، فالتزم الإخوان بذلك، وأقيمت الحفلة وحضرها المرشد، واعتذر للمدعوين عن الحديث، وبعد تناول واجب الضيافة انصرف الجميع مشكورين، وقد كتبت مجلة الإخوان عن ذلك تحت عنوان: "حفلة شاي صامتة". (14)

وفي مصر تضافر الإخوان مع إخوانهم في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الروسية على أفغانستان عام 1979م، فندد الإخوان باحتلال الإتحاد السوفيتي لأفغانستان، كما أرسلوا الوحدات الطبية وبعض المجاهدين أمثال الشهيد كمال السنانيري وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم. (15)

وحينما اندلعت حرب البوسنة والهرسك كان للإخوان دور في الدعم الإنساني والوجستي لها أثناء الحرب التي وقعت رحاها عام 1992م وراح ضحيتها آلاف من الشعب البوسني المسلم، وجاء في حديث للرئيس علي عزت بيجوفيتش: الإخوان المسلمون.. نور يتفجر من عمق الظلام .. ينير درب السائرين .. يزرع على جنبات الطريق مشاعل الهداية .. ويصرخ في الركب: أنا نور هذا الكون إن هو أظلما !

لكي تشرق الشمس من جديد على زوايا الخمول والنسيان والضعف والهوان جعلوا رسالتهم (أننا ندعو بدعوة الله ، وهى أسمى الدعوات، وننادى بفكرة الإسلام ، وهى أقوم الفكر ، ونقدم للناس شريعة القرآن ، وهى أعدل الشرائع).

أقول جمله للتاريخ لأعطى الحق لمن ضحوا من أجل الإسلام والمسلمين فى كل مكان لولا الإخوان المسلمون لضاعت البوسنة والهرسك (16). ومن المعلوم أن الإمام البنا كان من أوائل من تنبه لمشكلة البوسنة والهرسك حينما كتب فقال: والبوسنة والهرسك فى يوغسلافيا. إن حماية الأقليات الدينية فى الدول المجاورة حجة باطلة وفكرة خبيثة شريرة لا تتمشى مع روح هذا العصر التى تحققت فيه الحريات الدينية. (17)

ولقد قام الدكتور أحمد الملط والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بالتوجه للبوسنة والوقوف بجوار المجاهدين حتى أن الدكتور الملط رفع الأذان في سراييفوا. لم يتوقف معاونة الإخوان عند البوسنة والهرسك فحسب لكنه امتدد للشيشان وقت غزو الروس لها، ما جعل روسيا تضع جماعة الإخوان المسلمين فى موقف العداء لها ، بل وتضعها على قمة قوائم الجماعات الداعمة للإرهاب فى العالم عام 2003م.

وقالت مصادر روسية مطلعة للصحيفة مؤخرا إن وضع جماعة الإخوان المسلمين على هذه القائمة جاء بسبب "علاقاتها بالانفصاليين الشيشان فى تسعينيات القرن الماضى"، وأرجع خبراء روس استمرار الجماعة على القائمة إلى "الآلة البيروقراطية الروسية الشهيرة التى تعمل ببطء شديد".

من جهة أخرى، رأى مراقبون أن عدم شطب "الإخوان" من قائمة الإرهاب ربما يعود إلى هواجس القيادة الروسية من احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة فى مصر، مشيرين إلى أن الرئيس الروسى ديميترى ميدفيديف عبر منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير عن مخاوفه من وصول من سماهم بالمتطرفين إلى السلطة، معتبرا أن هذا "سيؤثر بصورة مباشرة على روسيا".

كما قال البروفيسور فيتالي نعومكين المستشرق والمؤرخ والباحث الروسي ومدير مركز الدراسات العربية في معهد الاستشراف بأكاديمية العلوم الروسية لـ "المصري اليوم" منتقدا موقف بلادة من وضع الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الغير شرعية فى العالم أن التصنيف الروسي لجماعة الإخوان المسلمين علي أنها جماعة غير شرعية لاقي اعتراضات من جانب بعض الخبراء الروس ومن دول عربية وأجنبية، رغم الأدلة التي كشفت بها روسيا تورط الجماعة في تمويل ومشاركة بعض من أعضائها في دعم الحركات الانفصالية في روسيا. (18)

لقد وضح جهود الإخوان في احتواء الزعماء والنهوص بالشعوب أن هجرة الكثير من أعلام هذه البلاد وزعمائها المجاهدين إلى مصر للمطالبة باستقلال بلادهم من أراضيها، ومن هؤلاء: الفضيل الورتلاني، والحبيب بورقيبة، والأمير مختار الجزائري، ومحيي الدين القليبي وغيرهم. حيث حرص زعماء هذه البلاد على عرض قضيتهم من فوق منبر الإخوان، حتى أن الحبيب بورقيبة رئيس الحزب التونسي الدستوري الحر (قبل أن يتحول) يقول: ليس هناك دعوة يمكن أن تنجح إلا إذا جاءت من مصر، ومصر ليس فيها أحد مهتم بالقضايا الإسلامية إلا الإخوان. (19)

حرص الإخوان على قوة العلاقة بينهم وبين اللبنانيين حكومة وشعبًا، ففي الأسبوع الثاني من المحرم عام 1363 ه الموافق يناير 1944 استقبلت دار الإخوان وفدًا لبنانيا كان على رأسه رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح بك. اهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة مصطفي السباعي وعمر بهاء الدين الأميري. (20)

ويتضح الأثر التربوي في الكلمات التي ذكرها الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد:

استقبلني الطلاب بمظاهر الترحيب، وكنت محتفظًا دون زملائي المدرسين المصريين بالطربوش تمسكًا بمصريتي، ولاحظت أن العراقيين بوجه عام يحبون مصر، وكان أول سؤال سُئلته في أول حصة درستها للتلاميذ: إيش لون أسمهان؟ أي: كيف حال هذه المغنية المشهورة في ذلك الوقت.. فقلت للسائل: إن مصر قد أسكرها طويلاً صوت أسمهان وصباح وأم كلثوم، وهي اليوم قد عرفت أنها أحوج ما تكون إلى أصوات جديدة وألحان فريدة، قالوا: وما هذه الأصوات وتلك الألحان في مصر؟
قلت: إن الأصوات الجديدة التي عرفتها أمتنا العربية والإسلامية في مصر هي أصوات الحق والقوة والحرية... هي أصوات الدعوة الإسلامية الخالدة التي انبعثت هذه الأيام من جامعات مصر.. الله أكبر.. إسلامية ربانية لا شرقية ولا غربية.. إنسانية قرآنية لا قومية ولا حزبية.. إن الأمم -يا شباب العراق- لا تحيا بالأغاني والأماني، ولا بأغاريد أم كلثوم، وألحان أسمهان، ولو امتد ذلك الزمن إلى عصرنا الحاضر لقلت لهم: ولا بموسيقى الأطرش، وأنات "نزار القباني" شاعر المرأة.
وإنما تحيا الأمم بروح أبي بكر، وجهاد عمر، وبذل عثمان، وكفاح صلاح الدين.. وقد اندفعت في هذه التوجيهات الإسلامية، وانصرفت لحظات طوالاً عن موضوع الدرس الذي أعددته لهؤلاء الطلاب، وأخيرًا اعتذرت للطلاب عن خروجي عن موضوع الدرس إلى هذه التوجيهات، فأجاب الطلاب: إن هذه التوجيهات خير لنا من موضوع الدرس، وحبذا لو كان حديثكم معنا دائمًا حول هذه الموضوعات التربوية النافعة! ثم سارعت إلى العودة إلى الدرس المقرر في المدة الباقية من الحصة، وقد لاحظت أن الطلاب قد تأثروا بهذه الكلمات تأثرًا عميقًا".

ثم يحكي قصته مع بعض الطلبة العراقيين فيقول:

"وقد حدث أن زارني في مسكني بالعراق خمسة طلاب من المعجبين بكلماتي وتوجيهاتي، وأخذوا يوجهون إلي الأسئلة الكثيرة حول الدعوة الإسلامية، وكيف يؤدون رسالتهم نحوها، وما لبثنا أن سمعنا أذان الظهر، فدعوتهم جميعًا إلى صلاة الظهر جماعة، فاستجابوا لدعوتي، وقد فهمت أن صلاتهم هذه هي أول صلاة لهم، وأنهم لم يتلقوا من آبائهم وأمهاتهم أمرًا بالصلاة، ولا من أساتذتهم؛ وذلك لأنهم لم يجدوا القدوة الصالحة لهم في أداء هذه الفريضة.
فعلمتهم كيف الوضوء وكيف الصلاة.. ولما بدأنا الصلاة لاحظت أن أحد الطلاب المصلين سبقني في الركوع والسجود، فعجبت لذلك في نفسي وقلت: لعله نوى المفارقة على بعض المذاهب، ولما قضينا الصلاة بادرت بسؤاله: لماذا لم تصل معنا جماعة، ولماذا انفردت في صلاتك معنا؟ فأجاب: لقد صليت معكم جماعة ولم أصل منفردًا! فقلت: لماذا لم تتابع الإمام في ركوعه وسجوده؟ فقال: وهي صلاة الجماعة تقتضي بهذه المتابعة في الركوع والسجود؟
قلت: عجبًا لك يا بني! ألم تدخل مسجدًا من المساجد وتلاحظ كيف يصلي المصلون وراء الإمام، وأنهم يسجدون كما يسجد، ويرفعون كما يرفع!! قال: لم ألاحظ هذا الأمر، ونشكر لكم يا أستاذنا أن علمتنا لأول مرة ما لم نكن نعلم. وقد سألني بعض إخواني في مصر بعد عودتي في أجازة صيفية عن حال الدين في العراق فقلت له: إن الدين في مصر "يتيم"، ولكنه في العراق "لطيم". (21)

المراجع

  1. رسالة المنهج: مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م.
  2. رسالة المؤتمر الخامس: المرجع السابق، صـ 362.
  3. رسالة دعوتنا في طور جديد : المرجع السابق، صـ (486-487).
  4. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 12 - 14ربيع الثاني 1353هـ.
  5. عبده مصطفى دسوقي: نشأة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين: من النشأة حتى السبعينات، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، 2013م
  6. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية: السنة الثانية، العدد 12، 14ربيع الثاني 1353هـ.
  7. لائحة قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، لائحة عام 1944م، كتاب مجموعة ولوائح وقوانين الإخوان، اقرأ للنشر والتوزيع، 2013م.
  8. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الثانية، العدد 41 ، 6 ذي الحجة 1353هـ - 21 مارس 1935م.
  9. مجلة الفتح ، العدد (255)، السنة السادسة، 2 صفر 1350ه - 18 يونيو 1931م.
  10. مجلة النذير، العدد (23)، السنة الأولى، 8 رمضان 1357ه- 31 أكتوبر 1938م، ص(3-4).
  11. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (701)، السنة الثالثة، 10 شوال 1367ه- 15 أغسطس 1948م، ص(1).
  12. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الثانية، العدد 41 ، 6 ذي الحجة 1353هـ - 21 مارس 1935م.
  13. حسن مكي محمد أحمد: حركة الإخوان المسلمين في السودان من 1944- 1969م، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، ص(17).
  14. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد (63)، السنة الثالثة، 3 شعبان 1364ه- 12 يوليو 1945م، صـ (9).
  15. مجلة الدعوة العدد 45، السنة 29، ربيع الأول 1400 هـ الموافق فبراير 1980م.
  16. علي عزت بيجوفيتش: من محاضرة ألقاها على الجمعية الألمانية للشؤون الخارجية، فى بون بتاريخ 17 مارس 1995 م
  17. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (101)، السنة الرابعة، 9 جمادى الثانية 1365ه- 11 مايو 1946م، ص(19).
  18. الصحيفة الروسية يلينا سوبوتينا بتاريخ 22/4/2011 وجريدة المصرى اليوم بتاريخ 25/6/2011.
  19. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان، الجزء السابع، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ 114
  20. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد (27)، السنة الثانية، 3 صفر 1363ه- 29 يناير 1944م، ص(5).
  21. محمد عبد الحميد أحمد: ذكرياتي، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، سنة 1993م، صـ 92.