الإسلام السياسي في زمن القاعدة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٤٢، ١٦ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام السياسي في زمن القاعدة

ترجمة: سحر سعيد

إعادة أسلمية ، تحديث ، راديكالية

يصدر هذا الكتاب بدعم من وزارة الخارجية الفرنسية والسفارة الفرنسية في لبنان قسم التعاون والعمل الثقافي وذلك في إطار برنامج جورج شحاده للمساعدة على النشر .

مقدمة

لا رغم كل شئ أفضل أن يرشح العسكريون المصريون الذين يحتفظون بالقسم الأساس من السلطة الإخوان المسلمين ، أكثر من أن أري هؤلاء يفوزون في انتخابات حرة واضعين شخصا مثل طارق رمضان وزيرا للثقافة (...) أنا أؤيد إذن إبقاء الديكتاتوريات المستنيرة بقدر الإمكان

أو حتى غير المستنيرة البتة ، في مصر وفي السعودية بدلا من تطبيق المبادئ الديمقراطية في هذه البقاع من العالم الأمر الذي لن يجلب ، في الوقت الحالي ، سوى الفوضى والعنف (الكسندر آدلر ، باحث فرنسي)

نتذكر الرجل الذي رأي الرجل الذي رأى الرجل الذي رأى الدب الذي افترس ساعي البريد ، والذي لم يشعر بالخوف ، ينال الأول بعضا من مجد الأخير هنا هذه هرطقة شيطانية تنالها تلك أو ذاك الذي يعرف شخصا يتحدث أحد أصدقائه أحيانا بالخير عن أحد صافح ذات يوم بشكل عرضي شخصا مقربا من طارق رمضان

ويغدو ذلك جواز مرور لمن يريد أن يفضح مبادرة سياسية ، أو موقفا، أو شبكة ، أو تيارا أو أيضا شعارا ... رمضانية ، رمضاني ، مرمضنة ، وهذا مختصر القول (....) لم يكن هائه أو هؤلاء الذين انخرطوا في انتقاد عمل المثقف الآتي من جنيف سبب ظهور اسمه كشتيمة أو كفضيحة

بل كان سبب ذلك هاته أو هؤلاء الذين يرون الجهل فضيلة ، أو نتيجة حتمية لاحتقار متطرف (لوران ليفي ، مناضل فرنسي ضد العنصرية 2005 م)

كان بن لادن واضحا عندما قال لأمريكا الأسباب التي دفعته لشن الحرب ، لم يكن لأى من هذه الأسباب أدني علاقة بحريتنا أو باستقلالنا ، أو بديموقراطيتنا ، بالمقابل كانت لها كل العلاقة بسياسات الولايات المتحدة وتصرفاتها في العالم الإسلامي (ميشيل شوبر ، عميل سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (2004م).

وسط سوء التفاهم الذي يغذي التوترات بين أوربة ، والولايات المتحدة والعالم الإسلامي ، تكمن صعوبة مشتركة غربية : صعوبة القيام بتقويم منطقي وعقلاني للدور السياسي ، ثم الثقافي والأخلاقي ، لتيارات (الإسلام السياسي) أو (الإسلامية) أو (الإسلام السياسي الراديكالي) المعتبرة عادة عقبات كثيرة أمام التحديث التوافقي والتعايش السلمي لقبائل العالم .

منذ القمة التأسيسية لمكافحة الإرهاب في شرم الشيخ في آذار عام (1996م) فإن الولايات المتحدة وأوربة وإسرائيل ، إضافة أيضا إلى الأنظمة الاستبدادية وقسم من النخبة المثقفة العربية

تبنت في هذا المنحي لغة وإستراتيجية متشابهة تشابها يثقير الفضول ، وبعد سقوط جدار برلين بأقل من عشر سنوات ، أصبح طيف "الأصولية الإسلامية" العدو العالمي رقم واحدا تماما .

وتقترح علينا لغة أقوياء العصر الراهن الطنانة ما يلي : لو لم يكن أصوليو أبي مصعب الزرقاوي متغلغلين في صفوف العراقيين ، هل كان هؤلاء سيرفضون الانفتاح الديمقراطي الذي أتي جورج بوش يقدمة لهم ؟

ولو لم يكن مناضلو حماس وجهاديون آخرون قد أفسدوا عقول مواطنيهم، هل كان الشيشان والفلسطينيون قد ظلواا رافضين سلام فلاديمير بوتن أو آرييل شارون ؟

وأخيرا ، ألن يكون في نجاحنا في منع (طارق رمضان) من كل تصريح علني نهاية هذه الحجابات النسائية التي تشوه المسالك التحديدية للجمهورية الفرنسية ، وكذلك هذه (التحولات الإجرامية) وربما كذلك انعدام الأمان في سلالم أبنية الضواحي ؟

وباختصار ، لو أن ابن تيمية (في الشرق الأوسط في القرن السادس عشر) أو سيد قطب (في مصر في الخمسينات) لم يخترعا الإسلام السياسي الراديكالي ما كان العالم بأكمله ليتذوق أخيرا طعم هناء الديموقراطية العلملنية ، الحديثة والتوافقية التي تبدو اليوم مستحيلة ؟.

لقد جعل الغزو الحديث لقراءة الظاهرة أكثر عاطفية بالطبع لا يتعلق الأمر أبدا بالإقلال من الإدانة الضرورية لتظاهراتها الإرهابية لكننا نريد أن نظهر هنا أنها قرئت بشكل أحادي إلى درجة كبيرة مبسط أكثر مما ينيغي ، وعاطفي بشكل لا يجعله موضوعيا

وبالتالي فعالا بالقدر الذي يسمح بوضع حد لها وأنها عندما نقيم كل هذه الجدران الجديدة حيث كان ينبغي ، في الواقع أكثر من أى وقت مضي ، مذ جسور جديدة فنحن نسرع عجلة الأصولية التي تهددنا بدلا من أن نعكسها .

فخ التصنيف

تعاني المعرفة والإدارة العقلانية لعلاقتنا بـ " الإسلاميين " قبل كل شئ الهشاشة البالغة للتصانيف التي وضعناها لتمثلها ، إن نمط تفكير المحللين والخبراء العسكريين والخبراء الآخرين ، يقتصر اليوم على نحو متزايد الوضوح

على التقويم المتفائل بالنسبة للبعض ، (والمتشائم أو الواقعي بالنسبة لآخرين) لأداء ومستقبل الإرهابيين الإسلاميين وهؤلاء الذين يبذلون جهدا مماثلا لمقاومتهم كذلك في واشمطن أو في باريس وفي الجزائر أو الرياض ، على السواء .

لقد تغلب منطق التحريم بشكل قاهر على منطق التقويم والتحليل ، ومنذ الحادي عشر من أيلول وهم يكررون على مسامعنا أن الديمقراطيات وسائر المدافعين عن الحرية أو عن "التسامح" سيواجهون الخطر الإرهابي للإسلام السياسي الأصولي ، هل الأمر كذلك حقا ؟

ترمي هذه الصفحات إلى دعوة لاستقصاء الأسس السياسي والأيديولوجية لشبه الإجماع العالمي هذا على "الحرب الشاملة على الإرهاب " وإلى قياس النتائج الكارثية التي يوشك أن يتسبب بها معتنقوها المتحمسون:تعميم وتطرف (راديكالية) هذه الثورة التي يدعون بأنهم يستأصلونها .

هل العنف الذي يواجهه الغرب "إيديولوجي" و "ديني فقط" ؟. هل نمنح أنفسنا فرصة التمييز الأساس بين تعصب ديني وعنف سياسي مضاد، حتى لو اجتمع الإثنان أحيانا ، من دون أن يختلطا مع ذلك ؟

هل موضوعة الحرب التي أعدها سيد قطب تحت التعذيب الناصري، مهما تكن مدانة هي فعلا "سبب " الراديكالية الإسلامية ؟ أم أنها فقط تعبير عن ثورة قد تكون أسبابها بالأخص أكثر دنيوية ؟.

تدعي القوى الغربية اليوم أن سبب مهاجمة قيمها هو " كره الديمقراطية والحرية" الذي يرك المعتدين عليها أكثر فأكثر ، كلما انغمس هؤلاء في الإسلام الراديكالي

لكن الثورة المعادية للغرب تبدو كرد متوقع نسبيا على القبطية الأحادية ، والأنانية ، وظلم السياسات المتبعة ، مباشرة أو عبر طغاة مسخرين ، في منطقة بكاملها من العالم ، وتحصد الولايات المتحدة اليوم ، على رأس الغرب الإميريالي

حيث التحقت بأوربة الاستعمارية وروسيا ، ثم تجاوزتهما الثمار المرة للسياسات اللامسئولية البتة التي تقودها منذ عدة عقود في العالم الثالث عموما ، والعالم الإسلامي خصوصا:

فإن في هذه البلدان آلاف الضحايا لهذه السياسات الأبرياء بقدر ضحايا يرجي التجارة العالمية إضافة إلى الإبقاءة منذ عقود على ديكتاتوريات قاضية على الحريات وقد غذت لدى السكان شعورا باليأس ، مناسبا لأكثر أشكال الثورة تطرفا .

وأبعد من مسألة عنف "إسلامي" نري جيدا أن ما يحصل هو صعوبة قبول الانبعاث العادي للمصطلحات السياسية الإسلامية في المجتمعات ذات الثقافة الإسلامية أن ثقافة غير غربية تدعي كسر الاحتكار الغربي القديم للتعبير العام

وبين المثقفين السلبيين الذين فضحهم أمس في فرنسا ببير بوردبو لتورطهم في أكثر أعمال المجموعة الحاكمة الجزائرية وضاعة والمثقفين الستار في الجنوب الذين يخفون اليوم عن الجمهور الغربي الذي يرغبون في استمالته أو استخدامه ، حقيقة المجتمعات التي يدّعون أنهم سفراؤها الوحيدون : هل ما زالت الوساطة العلمية لعالم الآخر قادرة على ممارسة دورها ؟.

ومنذ بداية الألفية الثالثة ، يدعي المجتمع الدولي ، الذي تسيطر عليه في الواقع القوى العظمي الأميركية أنه يقوم بإصلاحات ثقافية وتعليمية في العالم العربي لدينا كل الحق في أن نتساءل

عما إذا لم تكن تخدم في تجريم مظاهر مقاومة نتائجها السيئة أكثر مما تخدم في إيجاد حل واقعي وعادل لهذه الأخيرة ، أمام عدم توازن النظام العالمي ، هل يكون إغراء تجريم كل نظرة ذاتية نقدية هو حقا أفضل الحلول لتحاشي المواجهة ؟.

الخروج من مأزق الحرب الشاملة على الإرهاب

موضوع هذا الكتاب هو محاولة الإسهام في إيجاد مخرج من مثل هذا الطريق المسدود .. وبعد حوالي عشرين سنة من اقتراحي في كتاب (الإسلام السياسي : صوت الجنوب) بعد بحث طويل في الوسط المغربي ، أول معالم (طريقة استعمال) ثقافية وسياسية لفزاعة "إسلامي"

وبعد عشر سنوات من توسيعي لقاعدة هذا التحليل وتحديد عباراته في كتاب (الإسلام السياسي وجها لوجه) بعد إقامتي خمس سنوات في المشرق، أعود هنا إلى المسألة المزعجة التي تضني علاقة الغرب بعالم إسلامي غدا من الآن فصاعدا جزءا من ذاته

هذه المقاربة التي أغنتها إقامة ست سنوات في اليمن تدمج بعد الآن قسما من الخبرات في شبه قارة عربية كانت فيها البصمات الاستعمارية أقل وضوحا منها في أنحاء العالم العربي الأخرى، إلا أنها تشكل ، كما أظهرت أحداث (11) أيلول ، أرضية تبدو دراستها ضرورية للتمكن من الموضوع الإسلامي .

وقد سمحت الطبعات الجديدة لكتاب (الإسلام السياسي وجها لوجه) و(آخرها كانت عام 2002 م) بالشروع في تحديث الديناميكيات الفكرية أو السياسية المخصصة لاعتداءات (11) أيلول ، أو التي عجلت هذه الأخيرة في ظهورها هذه العودة الثالثة إلى الموضوع الإسلامي لا تهدف فقط إلى إدخال تطورات عملية

بل كذلك إلى متابعة تورخة مزدوجة أولا بالطبع تورخة الفرضيات التي أعلنت منذ منتصف الثمانينات وتورخة السلوك (الإسلامي) الذي غذته الملاحظة .

هذه الفرضيات التي اقترحتها في كتبي السابقة ، والتي ادعو إلى الرجوع إليها للإطلاع على العرض الموضّح لصياغتها الأولي ، بقيت في قلب هذا العمل ، وكي تقابلها بالأرضيات الجديدة المدروسة وبتأثير الزمن

سأحاول أن أستند عليها من دون أن آخذ منها سوى الجوهر ، ومع أنها غدت من الآن فصاعدا موضحة ومثراه بشكل باهر من قبل زملاء شباب ، يدين لهم هذا الكتاب بفضل كبير ، فهي في الواقع لا تزال بعيدة من أن تكون شائعة بالقدر الذي يسمح بالاستغناء عن إعادة التذكير بها .

زمانيا ومكانيا ، سنري أن الإكثار من مراكز المراقبة هذه فقط هو الذي يسمح بتجنب خطاب البداهة والانفعال الذي تستند عليه حاليا التخطيطات الغربية ، العمياء ، وبالتالي غير المثمرة بشكل خطر ، للحرب الشاملة ضد "الإرهاب" المرعبة .

في هذا الكتاب ، أتمنى أولا التذكير بالفرق الأساس بين ظاهرة متعلقة أساسا بالهوية ، وعودة شعبية (المعجم الإسلامي) والألف طريقة وطريقة لمعتنقيه ليستخدموه في السياسة كما في المجتمع

هذا المصطلح "المعاد إليه اعتباره" (القسم 2) وكي نعيد وضع تعبئة الإسلام السياسي في سياقات تطورت كثيرا خلال قرن، اقترح، بعد ذلك ، أن تميز بين الفترات الثلاث التي انتشرت خلالها (قبل الاستقلال وبعده (القسم 3)

ثم سنستكشف التوترات بين الخصوصيات الوطنية وظواهر تعدد القوميات ، والتوترات التي تسمح بفهم أكبر لتنوع الساحة الإسلامية الكبير ، وفي الوقت نفسه للقوى التي تؤثر في ديناميكيتها (الأقسام 4 -6)

ويعمل القسم (7) بشكل أكثر تحديدا على إظهار دوافع الراديكالية التي هي أصل ظهور القاعدة في هذه الساحة ، والتيمن المهم أن نميز بين أبعادها " المتعصبة " و" السياسية " ويبحث القسم (8) مسار أربعة رجال ضمن الأكثر تمثيلا لهذا التحول الراديكالي ، من العقائدي سيد قطب إلى الطيار المنفذ لـ (11) أيلول ، محمد عطا .

وكي نحاول أن نفهم سبب ميل الانفعال غالبا إلى تجريد التحليل من عقلانية الضرورية يذكر القسم (9) بأن العقبات التي ينبغي على قراءة ظاهرة الإسلام السياسي أن تتغلب عليها لا ترتبط فقط بالخوف وسوء التفاهم الموروث من الماضي الاستعماري الغربي

إنها أيضا " مستغلة " اليوم عمدا من قبل كل الذين لهم مصلحة في تشويه المقاومات المعبر عنها بلغة الإسلام السياسي ، وأخيرا في القسم (10) نستعرض تناقضات الأحادية المرافقة "للرد" الغربي التالي لـ (11) أيلول

وكذلك الآثار غير المثمرة لإعطاء الأولوية للأمن الذي ينمو على حساب ما كان يجب أن يكون ردا سياسيا فعالا حقا على هذه التهديدات ، التي يثقل بها "الإسلام السياسي الراديكالي" ولاعبون آخرون في الساحة الدولية معها ، على السلام العالمي .

شكر

ظهرت النسخة الفرنسية من هذا الكتاب إلى الوجود في إيكس – أن – بروفانس هو يدين إذن بكثير لمعارف الزملاء من (المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية) وخبراتهم وآرائهم المقابلة

وكذلك معارف طلاب قسم (العالم العربي) للماجستير في العلوم السياسية المقارنة في (معهد الدراسات السياسية) في إيكس – أن بروفانس ، وهو يدين كذلك لصبر من حولي ، أو قلة صبرهم ، من أليكس إلى سيلفي ، مرورا بسامي وكل الآخرين

من كامي التي تعرفت على أصحاب اللحي الذين يتحدث عنهم أبوها إلى ماري التي تعيد قراءتهم منذ زمن طويل ، يعرف الجميع ما أدين به لهم كما أشكر جيمس ، ويحيى وزملاء (مركز أكسفرد للدراسات الإسلامية) لأنهم هم أيضا فعلوا المستحيل : بث الدفء في ربيع أكسفرد الماطر .

أخيرا ، وبعد كل شئ ربماء على هضاب اليمن العالية، في المركز الفرنسي للآثثار في صنعاء أو على طرق شبه الجزيرة بلغ هذا الكتاب مرحلة النضج .

ولحسن الحظ ، كان لكثيرين من سكان هذه المنطقة وزوارها صلة وثيقة بهذا الكتاب : باسكال مينوريه ، الذي غذاه بخبراته السعودية المثمرة وإريك فاليه الذي خلصه مرات عدة من إشكاليات لم تكن متعلقة فقط بالأسلوب ولوران بونفوا ، لطرقةالهادية دوما،وسيتفان لـ، وماري وسيغولين ، ولور ، وهدي أيوب ، وطلابها الحيويين من (المدرسة النظامية العليا)

وابتسام وجرأتها الشاعرية ، محمد السبيطلي أيضا والعديد من الأصدقاء اليمنيين كذلك ، من القاضي إسماعيل الأكوع إلى محمد قحطان ، مرورا بناصر يحيي وآخرون أيضا .

وأخيرا لقد أصبح فرانسوا جيز منذ زمن طويل أكثر من ناشر ، وعلى الآخرين جميعهم أن يعرفوا أنني ... كلا ، لم أنسهم ، لحسن الحظ ، أيضا أدين بكثير لهؤلاء (اذلين يخافون خطاب طارق رمضان المزدوج)

وأسعفهم الحظ بترديد ذلك على أسماعنا في فرنسا ، صباحا ومساءا في ساعات الاستماع العظمي ، على كل الأقنية التلفزيونية ، أو محطات الإذاعة العامة ، أو على الصفحات الأولي للمحلات التي رددت أصداءهم ، اعترف بأني من دولهم ، لم أكن حتما لاستمتع بهذا الغدر بكتابة هذا الكتاب لأستطيع أن أعبر لهم في ذيل هذه الصفحة ، عن ودي وتعاطفي .

الأصول الهوياتية للعودة إلى المعجم الإسلامي

في العالم الاقتصادي لا يلجأ الفرد إلى الاستدانة ولا هو راصد مذخور قبل أن يراعي رصيده فيري إن كان فيه غناء ، ولا تلجأ الدولة إلى الاستيراد قبل أن تراجع خزائنها وتنظر في خاماتها ومقدراتها كذلك أفلا يقوم رصيد الروح وزاد الفكر ووراثة القلب والضمير كما تقوم السلع والأموال في حياة الناس ؟

بلي ولكن ألا يأخذ الناس في هذا العالم الذي يطلقوا عليه اسم العالم الإسلامي رصيدهم الروحي وتراثهم الفكري بالحسبان قبل التفكير في استيراد المبادئ والخطط واستعارة النظام والشرائع من خلف السحب ومن وراء البحار ؟ (سيد قطب : العدالة الاجتماعية في الإسلام 1948م).

في غياب اتفاقية للمصطلحات لا يصبح للكلمات حتما المعني نفسه ، وإنما يتغير تبعا لمستخدمها في نهاية جنوح انفعالي خطير ، فإن تسمية (إسلام سياسي) التي كانت تشغل في القرن التاسع عشر مكان المرجعية (للإسلام) اتخذت ، عبر السنوات ، مضمونا شبه إجرامي: للأقل انتباها ، أو للأكثر جرأة ، من وسطاء هذا الجزء من التركيبة الإنسانية للكرة الأرضية يمكن أن يتعرض المرء اليوم للاشتباه بكونه إسلاميا أو حتى لاتهامه بذلك .

وبالطبع فإن الهيمنة الراهنة لمصطلحات الحرب لا تساعد في تعريف هادئ لحدود ظاهرة معقدة ، مع ذلك فلنقبل التحدي : لا نعت أتباعها بالشياطين ، ولا ميل هؤلاء إلى المرجعية الإلهية يستطيعان منعنا من أن نخشى بوجود وسائل العلوم الاجتماعية العالمية ، دوافع تعبئة إنسانية تماما ، رغم فيض التسميات

فلنؤكد إذن على حق (الإسلام السياسي) وإمكانية جعله موضوعيا ، وعقلنة معرفته وتأسيس سياسي وأخلاقي للأجوبة التي يلتمسها ، عند اللزوم ، الشركاء الجدد الذين تفرضهم علاقتنا بالعالم .

إن برنامجهم ليس مبهما أو مشوشا بهذا القدر ، إنهم يريدون طبعا تأكيد " حقهم في العودة إلى المعجم الإسلامي " ومن ذلك ينشأ قسم من معاناتهم في إسماع صوتهم ولكن في الأساس خلف ستار اللغة الدينية الطنانة ، هم يطالبون غالبا بالاعتراف بحقوق عامة تماما ، في الاقتصاد أو في السياسة على الصعيد المحلي أو العالمي

وربما كانت هذه النقطة بالتحديد العائق دون إصغاء الغرب إليهم ، إن لمن السهل للغاية الحط من قدر احتجاج على احتلال عسكري هنا ، أو على استبداد حاكم هناك

أو أخيرا على أساليب القوة العظمي الأميركية ، إذ كان مسبوقا بعبارة (إسلامية ولكي لا يضطر سادة السياسة العالمية للإعتراف بشرعية معارضة هيمنتهم واضطرارهم إلى تقاسم سلطتهم يكتفون غالبا بتشويه سمعة المقاومات التي يواجهونها ، فقط بسبب " غرابة " المفردات التي تستخدمها .

الإسلام السياسي أو حق العودة إلى المعجم الإسلامي

حتى وإن كانت جذور ظاهرة الإسلام السياسي المعاصرة تمتد في الأربعة عشر قرنا من التاريخ الإسلامي ، وبغض النظر عن حقيقة ، أو خرافة ، تفاعل طويل مع الغرب ، يمكن حصر تفسيرها في الحدود الزمنية للمائة سنة الأخيرة

وكي تسير غورها، من الضروري أن نميز بين سياقين ، وبالتالي مستوى تحليل: من جهة ، الأسباب المتعلقة أساسا بالهوية، التي من أجلها اختار جيل من العاملين بالسياسة أن (يعودوا إلى المعجم الإسلامي)

أى : أن يلجؤوا بشكل مفضل ، وأحيانا تفاخري ، إلى معجم أو مفردات مستعارة من الثقافة الإسلامية ، ومن جهة أخري الاستعمالات المتنوعة لهذا المعجم من قبل هؤلاء العاملين في بلادهم أو في حلبة الشمال - الجنوب ، تبعا لمتغيرات متعددة وعادية ودنيوية في الوقت نفسه تحدد مطالبهم المختلفة وتعبئاتهم السياسية .

فلنهتم أولا بـ (التركيز على الهوية) الذي يميز تطور الإسلام السياسي ، وهذا التطور في الأساس تعبير عن (إعادة الاعتبار) عن إعادة تأكيد الطموح العام لنظام مرجعية الثقافة الإسلامية ، يمكن أن نعزوه

في السياقات المتتالية للسيطرة الاستعمارية أولا ثم أولي التأكيدات الاستقلالية فيما بعد وأخيرا الهجمة الإميريالية الأميركية ، إلى رغبة ثلاثة أو أربعة أجيال من النشطاء السياسيين في رد الاعتبار (للعودة إلى المعجم الإسلامي)

وتجديد شرعية هذا المعجم أو بشكل أوسع ، مرجعية قفافتهم الموروثة ، وسنعود إلى ذلك بالتفصيل في الفصل التالي ، قد نستطيع إرجاع بواعثهم إلى طابع تفسيري مشترك

وبالمقابل ، إن تساءلنا عن تأثير استخدام هذه المرجعية الإسلامية في سلوكهم في المجتمع أو في السياسة ، في مجتمعهم الوطني ، أو في الساحة الدولية ، سنري أن إعطاء إجابة موحدة أو مشتركة هو أكثر صعوبة بكثير .

وعن عودة ازدهار المرجعية الإسلامية في السياسة قدمنا منذ زمن طويل فرضيات لا شئ يدعونا اليوم إلى التخلي عنها ، بدت لنا إعادة الاعتبار لمعجم الثقافة الإسلامية (الموروثة) نتيجة طبيعية ، على الصعيد الثقافي والرمزي ، للديناميكية القديمة (لإبقاء الغرب المستعمر بعيدا)

في سياق التوسع الاستعماري للقرن التاسع عشر والقرن العشرين، ثم في امتداده ، شعر جيل بالحاجة إلى إعادة رؤية قوانين الثقافة الإسلامية الموروثة ومركزيتها من أجل مقاومة الموضع الذي احتله غصبا خطاب ومفاهيم ثقافة استعمارية مستوردة ومفروضة بشكل واسع في الوقت نفسه .

وبخحصر تدريجي لمواضع تعبير الثقافة الدينية " الإسلامية " (ولكن المحلية وداخلية المنشأ قبل كل شئ) بالمجال الخاص لقانون الأحوال الشخصية كرّس إدخال (العلمانية) نوعا من الانفصال بين الثقافة داخلية المنشأ والشأن العام ، ومن الجهة الإسلامية التي عوملت بهذا الشكل ، اعتبرت العلمانية أداة شكل من الاغتصاب الرمزي .

وتم تثبيت المفاهيم الثقافية المستوردة حتما على حساب التعابير (الدستورية والقانونية ، وكذلك الجمالية والعلمية) للثقافة (الإسلامية) المحلية ، وبعكس الرؤية الغربية لرد الأشياء إلى الصفة الدنيوية

ما يسمح بتسهيل تعايش انتماءات دينية متنازعة حكما ، اعتبرت غالبا كحصان طروادة لثقافة المحتل ، ووجدت الثقافة (الخاسرة) نفسها مهمشة تدريجيا ، وممنوعة على كل حال من المشاركة في إنتاج الإدراك أو التعبير عن قيم تعتبر عامة وتحولت بشكل خفي إلى شئ " بلدي أو " فولكلوري " ولم تعد خصائصها الرمزية المنقوصة تساهم إلا بتأكيد مركزية الثقافة الغربية المكتسحة والمهينة.

لقد وصف الناشطون أنفسهم بشكل واسع التعابير المختلفة للقلق المحسوس ، تحت ضربات التحديث (خارجي المنشأ) ويظهر الثمن الاجتماعي لاقتحام نماذج استهلاك وإنتاج أجنبية في السيرة الذاتية للذين قاموا بمجابهة الاستعمار

وفي المسيرات النضالية المختلفة كمسيرة المصري سيد قطب (1906 -1966 م) أعدمه جمال عبد الناصر ، أو كمسيرة الجزائري مالك بن نبي (19051973م) الذي بقي بمعزل عن أى منطق مجابهة

وفي سيرة حياة سيد قطب ، يظهر المؤرخ البريطني وليم شبرد أن هذا التحديث ، الذي أنتج " رابحين وخاسرين " غذي عملية تمايز اجتماعي ولكن أيضا شرخا ثقافيا (أفنديات القطاع الحديث) يتبعون نمط حياة ويرتدون ملابس " أكثر شبها بالغرب " قريبا جدا من ذلك الذي أرسي قواعد الثورة الثقافية الإيرانية عام (1979م) .

والزعماء الإسلاميون المستقبلون ليسوا في معظم الأحيان أشخاصا تخلي عنهم التحديث الاقتصادي ، إن الصدمة الرمزية والثقافية تترك في ذاكرتهم السياسية آثارا عميقة أكثر مما تفعله كلفة الاستعمار المادية ومثل قطب ، نجا مالك بن نبي ، أهم رموز مثقفي التيار الجزائري ، من الإفقار الاقتصادي بفضل تعليمه

مع أن هذا لم يسمح له بالخروج من معزل (غيتو) الوظائف المخصصة للفرنسيين المسلمين ، وهو يعطي فضلا على ذلك أهمية كبيرة لما يمكن أن يساهم به الفكر المنهجي العقلاني الذي درسه في مدارس المستعمر مع ذلك يسمح كتابة (مذكرات شاهد على العصر) بقياس حجم العنف الرمزي للنموذج الاستعماري الفرنسي في الجزائر ، وبالتالي عظم الجزء المتعلق بالهوية من رد الفعل " الإسلامي " الرافض الذي أثاره هذا العنف .

ولد بن نبي عام (1905 م) في زمن التقاء البربرية اللامتناهية لحرب الاحتلال ببذور التعبئة الأولي من أجل الاستقلال ، واستطاع أن يغرف من ذاكرة المقربين منه شهادة صدمة الانكسار الأول ، عندما احتلت قسنطينة عام (1852م) ماتت إحدي جديته

" قربانا على مذبح وطن مهدّم من أجل إنقاذ شرف عائلة مسلمة ": على طول الجروف الشاهقة لشعاب الرومل (منطقة جيلية في الجزائر) كانت الحبال ، التي غالبا ما أرادت العائلات تهريب بناتها بواسطتها تنقطع

وينطبع الاستعمار الراسخ في ذاكرته الشخصية فيما بعد في أثناء النصف الأول من القرن العشرين في سجل سلب مزدوج: سلب مادي بالطبع، إلى حد أن الإفقار غدا حادا وعاما ، وسلب ثقافي ومعنوي فيما بعد ، في مجتمع محكوم عليه بأن ينكفئ على ذاته ، حيث سيختزل نظامه الرمزي تدريجيا إلى أن يقتصر دوره على إبراز مزايا حداثة نظام المحتل .

وتتراجع الأطر الاقتصادية والثقافية للمجتمع المغلوب ، واحدا ، واحدا ، أمام النماذج المستوردة : كنا نحافظ على المظاهر لكننا كنا نخسر الجوهر كلّما تغير " النظام الروحي والاجتماعي

يبدأ المظهر نفسه بالتغير ، أصبح المجتمع مبتذلا من المجتمع مبتذلا من الأعلي وفقيرا من الأسفل "حتى الملابس الرجالية خضعت " لهذا التطور المهين " تاركة المجال قهرا " للملابس الأوروبية الآتية من متاجر مرسيليا للملابس المستعملة.

"وانشرخت المدين" هي أيضا "إلى عالمين : انكمشت المدينة الأصلية لاجئة إلى أزقة حي سيدي راشد وحاراته المسدودة" ولم يسلم السجل الفني من العنف الرمزي للتجديدات المستوردة ، مساء (14) تموز كانت جدته ، "عندما تسمع الأبواق النحاسية"

والطبول والطبل الكبير لهذه الموسيقي التي كان صداها يتردد في كل أرجاء المدينة في ليالي الصيف التبيسية الرائعة تقول دوما شيئا من قبيل : كم هذا متوحش !. وأصبح الانخراط في جيش المحتل الملاذ الأخير لهؤلاء الذين رمى بهم النظام إلى الهامش ، من فلاحين مسلوبين أو حرفيين مفلسين ، " واكتسح التشرد كل شئ ".

برأي القارئ الغربي اليوم ، يمكن لهذا الحديث عن " تطور منحدر" أن يذكر بالخطب المحافظة للنخب الأوروبية الرجعية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (وبعض أتباعهم الحاليين) التي تنتقد البلبلة الاجتماعية والثقافية التي أدخلها العصر الحديث

و مع فارق بسيط ، أساس بالطبع: كان الخطاب الرجعي الأوروبي خطا مثقفين نظاميين من طبقة نبيلة تواجه إعادة طرح داخلية بورجوازية أو شعبية ، أدخلتها حداثة مصرة على إنهاء التفاوت الطبقي للنظام القديم ، بينما خطاب بن ني (وأقرانه المسلمين) خطاب مثقف يواجه اقتحاما خارجيا وحادا لمجتمعه من مستعمر يتزين بفضائل هذه الحداثة ليفرض بالحديد والدم ، أسوأ أنظمة التمييز .

ذاك هو بشكل أساس تذكير بالإشكالية الهوياتية (المتعلقة بالهوية - لديناميكية) (إعادة الأسلمة) إذا سجلنا نشأتها ضمن هذا التصور، الذي تؤكده مذكرات لا حصر لها لأشخاص عايشوها ، من كل أطراف الإمبراطورية، فإن إعادة مقولات الثقافة البدهية (للأب) المسلم

وبالتالي استمرار سلالة رمزية مقطوعة بالفاصل الاستعماري، لا تؤدي إلا إلى انقطاع نسبي ، إنها تؤكد طموحات الثقافة الذاتية إلى تقديم مساهمتها في عصر الكونية، على غرار ثقافات العالم الأخرى ، وخصوصا ثقافة المستعمر .

أشكال سوء التفاهم والاضطراب في إعادة الأسلمة

بقي أن هذه العودة لا تتم دائما من دون أن تثير صدمات جديدة وبالفعل أن تغلق فاصلا "رمزيا" هو شئ وأن نعيد الاتصال بنتاج معياري إسلامي منقطع ، أى: مقطوع عن جدلية حيوية ينبغي على كل نظام معايير أن يرعاها من المجتمع الحقيقي ، خلال كل فترة "التغريب" لهو ، كما سنرى شئ آخر .

هل تكفي هذه الإشكالية لتفسير كل شئ ؟ كلا بالطبع إنها تسمح بفهم أسباب الشعبية الجديدة للمفردات السياسية الإسلامية وهذا شئ قليل ، لكنه كاف ، إنه يساعد على تفادي عدد من أسواء التفاهم المنهجية إن إظهار الطبيعة الدلالية أساسا للقاسم المشترك الذي يجمع كل هؤلاء النشطاء (الإسلاميين) يؤكد هشاشة التحليلات التي تجيز لنفسها تعميم البعد التفسيري لاستخدام نفس المصطلح .

إن إيضاح القالب الهوياتي للإسلام السياسي لا يوصل في الواقع إلى معرفة " سياسية " للمجموعة التي تسمح بتعيينه ، ولا يمكن أن نسقط من خطاب النشطاء الأنماط المعقدة والمتغيرة التي سيتصرفون تبعا لها في محيطهم الاجتماعي أو السياسي، المحلي أو العالمي أمام تحديات عصرهم الأخلاقية والاجتماعية أو السياسي.

كما لا يجب أن تخفي خصوصية (عودتهم إلى المعجم الإسلامي) الضرورة المنهجية لإنشاء موضوع ثان ، مختلف ومعقد ، يحلل هذه المرة تنوع سلوك هذه الثقافة المشتركة واستخداماتها:

وهكذا يجب حتما عند إنشاء موضوع إسلامي (اجتماعي وسياسي) أن يكون مكملا لموضوع المعجم الإسلامي المنشأ مع الإشكالية الهوياتية ، لماذا في صفوف هؤلاء الذين ينوون تبنيّ وتشجيع العودة إلى المعجم الإسلامي ، هناك سياق راديكالية يؤدي إلى تشكيل متطرفين من نمط متطرفي القاعدة ؟..

ما لم نتبع الطرق السهلة للجوهرية (التي هي للثقافة كالعنصرية للإثنية) لا نستطيع أمام مثل هذا السؤال ، في هذه المرحلة من التحليل ، إلا أن نصوغ جوابا حذرا : لا يمكن عد راديكالية قسم من مستخدمي المعجم الإسلامية نتيجة لجوئهم لمثل هذه المفردات .

غير أن الضرورة المنهجية لعدم جعل " الإسلام " وحده دلاليا لنشطاء القاعدة ، أو أعضاء بقية الحركة الإسلامية ، أو .. سكان العالم الإسلامي والتحديد أو التفسير الأساس لخياراتهم السياسية لا تزال كلها أمورا غير مقبولة عادة

وينظر في الواقع إلى ضرورة فصل الانتماء الديني (أو فقط الثقافي) عن البرنامج السياسي بتحفظ ، سواء بالنظرة الخارجية للحس الجمعي أو الأكاديمي ، أو بنظر قسم على الأقل من النشطاء المعنيين

ما يتعلق بالنظرة الغربية ما زالت إسلامية لغة للمتطرفين الشيشان واللبنانيين ، والفلسكينيين ، أو العراقيين ، تحد غالبا من تفسير مقاومتهم أو معارضتهم وكلما ضعف تعمق المراقب في التنفيذ الاجتماعي والسياسي للحلبة (الإسلامية) ازداد ميله إلى الاعتماد على ما يعرفه ، أو ما يظن أنه يعرفه ، أى : العقيدة ، المصطلحات (جهاد ، فتنة ، تكفير ، سلفي ، ... الخ)

وتأثير شخصيات النشطاء على تاريخهم الطويل ، مختارا بذلك سهولة تفسير ثقافاتي يحمل .والتهلي عن هذه المقاربة ، ذات العلاقة المتبادلة الحتمية بين استعمال الخطاب الإسلامي والراديكالية السياسية ، هو أكثر صعوبة بالنسبة لجماعة الخبراء بالإرهاب "الإسلامي"

لا سيما وأن هذا يحرمهم من العمود الفقري لتفسيرهم ، إذا لم يكن هؤلاء الإرهابيون يهاجمون الغرب لأنهم ينصاعون لوصايا إيديولوجية متعصبة وليهاجموا "قيمنا" فيجب بالفعل البحث عن تفسير آخر

بدل من معاينة للنصوص أو الخطابات ، يتطلب هذا التفسير الآخر الفحص الدقيق جدا للظروف الاجتماعية والسياسية التي خصصت لها هذه النصوص ، التي كتبت ، لسوء الحظ ، بلغة يجهلها عدد من "خبرائنا" أو التي قيلت فيها هذه الخطابات

يجب أن نبحث عن هذا التفسير على أرضية اجتماعية ، حيث بعيدا عن قناعات " الخبراء " الجامدة " يسود تنوع مشوش ، وليونة غير متوقعة للمراجع واستثناءات شاذة للقاعدة وكذلك تطورات محيرة .

وأكثر من ذلك ، فإن موضوعة الدافع الهوياتي لإعادة الأسلمة ليست بالضرورة مقبولة بشكل أفضل لدي النشطاء الإسلاميين ، ويميل أتباع القسم الحرفي للتيار إلى تصغيرها ، أو رفضها لصالح قراءة جوهرية بقدر قراءة المحللين الغربيين الأقل تزودا بالوثائق

بنظرهم باخترال " الشريعة الإسلامية " إلى " فاقوس " أو إلى " عالم انتماء رمزي " لا أكثر وبإذابة مبادئه ضمن تعددية تفسيراتها الممكنة ، فإن مثل هذا الإشكالية تميل في الواقع إلى جعل الصفة المقدسة والخصوصية وبالتالي قيم هذا القانون أمرا نسبيا .

باكستان:دروس أرض الطاهرين

مع ذلك تتعدد الأمثلة التي تظهر على العكس، أن المرجع الذي تنتسب إليه مجموعة ماء ، وإن تكن دينية ومعروفة بأنها مقدسة، لا يمكنه أبدا أن يمنع التنوع اللانهائي للشأن الاجتماعي والسياسي ، وحتى العرقي ، من أن يؤكد حقوقه.

في العالم الإسلامي ، أحد هذه الأمثلة قدمه قدر بضعة ملايين من سكان السراج امبراطورية الهند البريطانية السابقة ، فقد قرروا عام (1947م) أن يؤسسوا أمة جديدة حرصا على الحفاظ على انتمائهم الإسلامي بمواجهة أغلبية مواطنيهم الهندوسية الساحقة ، وستكون هذه الأمة ،(أرض الطاهرين) (باك ستان) مسلمة .

ومع أن فكرة إبقائها للمسلمين فقط لم تفرض نفسها إلا مع بداية مذابح طائفية اجتاحت شبه القارة بسرعة كبيرة فإن باكستان أنشئت حقا عبر المرجعية الإسلامية ومن أجلها و والتي كان عليها أن تكون رابطا وطنيا

وبالتالي فإن القرب التاريخي ووحده المكان يجعلان منها مسرح تجربة حية مثالية على إنشاء إسلام سياسي ، هل يحلم المرء بمدرسة أفضل من حال بلد سيجعل عام (1971 م) من إسلام أياد (مدينة الإسلام) المبنية كلها لهذا الغاية ، عاصمة له ؟ .

ما الذي حدث إذن لهؤلاء الملايين من المواطنين المصممين بالإجماع على (العودة إلى المعجم الإسلامي) بعد أن راهنوا على إقامة قدرهم على مرجعية دينية مشتركة ؟.

باعتمادها على معتقدات الجوهرية كان الأحرى بمثل هذه الأمة التي توحدها عقيدة واحدة ، بمثل هذه القوة ، أن تسير بخطئ واحدة ، بنفس الإيقاع ، وبنفس الاتجاه ، بما لا يرقي إليه الشك

وبالطبع ، لم يحدث شئ من ذلك ، وليس من الأمور المفاجئة أنه في الباكستان لا المركزية المؤسسة للمرجعية الإسلامية ولا شبه الاحتكار الرمزي منعا ديناميكيات تنوع قوية من الظهور

ولا حتى التجانس الإسلامي للساحة السياسية ولا كذلك وحدة البلاد الإقليمية لم تقاوم متطلبات الزمن المتعددة عام (1971 م) انتهت وحدة البلاد الإقليمية بعنف حيث أدى انفصال الإقليم الشرقي إلى ظهور بنغلادش

ومنذ ما قيل هذا الانفصال ، أظهر عديد من الديناميكيات ، السياسية أو الإثنية ، الدينية أو الديناميكيات ، السياسية أو الإثنية أو الدنيوية ، والمحلية أو الدولية أو الإقليمية ، نهاية الامكانية الموحدة للمرجعية الدينية المشتركة.

نجمت الأولي عن تباين وجهات النظر الذي يؤدي إليه حتما تفسير مدونات مرجعية وإن كانت دينية ، من دون مفاجأة تبنت أقسام المجتمع الباكستاني ، بتنوعها المعقد اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ... الخ أو أكدت تفسيرات مختلفة لنفس العقيدة

ما أدي في سياق الأحداث إلى نشوء العديد من التيارات الدينية أو الثقافية أو السياسية أو ترسيخها : كصوفية الفرس ، المنغرسة ضمن تقاليد شعبية قوية ، التي تعارض تمسك العلماء المتغطرس بحرفية القوانين

والتي تشغلها مع ذلك ميول شديدة الحداثة ، غير ليبرالية بالضرورة من جهة أخري ، للعمل السياسي ، والإصلاحية العلمانية لقسم من النخبة (غربية الميل) (والسلفية الديوباندية) التي تهدف إلى إعادة تقاليد تظهر لها تفسيرات جديدة بين الفينة والفينة مع ذلك

كما أعادت الانقسامات إلى الذكرى التمزقات القديمة المتعصبة بين الشيعة والسنة، وأخيرا شهدت الباكستان ازدهار أقلية قوية من المسلمين الذين قرؤوا في المرجعية الإسلامية (المفهومة فهما صحيحا) الحق في أن يتحرروا منها باسم حرية معتقدهم .

ونجمت ديناميكية تنوع أخرى ، خارج المرجعية الدينية هذه المرة ، عن منافسة الانتماءات الإثنية العديدة ، التي تزخر بها الباكستان ، للمرجعية الدينية ، وتظهر جيدا ملاحظة القومي وليد خان

الشهيرة القوة التي تستمدها المرجعية الإثنية من أقدميتها مقارنة بمنافساتها الدينية،والأحري الوطنية: أنا باشتون منذ أربعة آلاف سنة ، مسلم منذ ألف وأربعمائة سنة، وباكستاني منذ أربعين .

لقد أخضع المحيط الإقليمي والدولي وحدة المرجعية الدينية للتجربة ، لقد اضطر استخدام باكستان إسلامها ، من الدولة أو من المعارضة ، لأخذ المتطلبات الخارجية المتغيرة والمتناقضة بالحسبان

فالولايات المتحدة ، التي "وظفت " الباكستان منذ ولادتها ضمن إستراتيجيتها لإقامة سد في وجه الاتحاد السوفييتي ، قنعت لمدة طويلة بمختلف مظاهر إسلام حليفتها ، ونعرف كيف تورطت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ، منذ عام (1979 م)

في سليق تصديها للمد السوفييتي في أفغانستان انطلاقا من الأراضي الباكستانية بحشد هؤلاء الذين كان الإعلام الغربي يدعوهم حينها (المجاهدون) بعد عشر سنوات ، أدي انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وانهياره على الساحة الإقليمية والدولية إلى تخل فظ عن اللجوء إلى جاهدي الحرب الباردة ضد عدو روسي غدا حليفا .

فيما بعد عجلت اعتداءات (11 أيلول 2001م) بطريقة حاسمة أكثر بكثير هذه المرة ، بإعادة تقويم لوضع الحلفاء أو أدوات سياسة إسلام أباد الخارجية "الإسلامية" (طالبان، أو المجموعات المسلحة المرسلة إلى كشمير)

واضطر "الإسلام" الباكستاني إلى التكيف مع تطور مشابه في مزاج جيرانه المقرّبين : ساهمت أنظمة جزيرة العرب ، مثل عدد كبير من أنظمة عربية أخري ، في تطوير الموقف الباكستاني من المرجعية الإسلامية

وبعد أن موّلت دول الخليج الحشود الجهادية المعادية للإتحاد السوفييتي ، بدأت بالتنصل منها منذ عام (1990م) ووضع خطة صارمة لضبط المظاهر النضالية لإعادة الأسلمة وإذ تعرضت لمدّ معارضتها الإسلامية الخاصة ، طالبت إسلام أباد ، قبل حتى إن تقوم الولايات المتحدة بذلك ، بإعادة تقويم مشابه لذاك الذي سوف تفرضه واشنطن عليها قريبا .

وأصبح اللجوء إلى المصادر الراديكالية للتعبئة الدينية ، التي كانت لفترة مصادر سياسية سبب توتر وأرضية فصام نسبي : بينما ظل " الجهاد " ضمن مجموعة أدوات السياسة الخارجية لإسلام أباد،أصبح اجتثاثه من الآن فصاعدا هدفا هاما لتعاون الأمني العالمي

وهكذا فمنذ انسحابها المزدوج من أفغانستان وكشمير عام (2003م) كان على باكستان أن تدير " إسلامها " موفقة بشكل كلاسيكي بين مطلبين متناقضين : الحفاظ على دعم شركائها الأميركيين والعرب ، من دون أن تمتنع مع ذلك عن اللجوء إلى الإمكانية الثمينة " للأسلمة" بما في ذلك بعض أكثر أشكالها راديكالية .

كيف نواجه هذا التعقيد الباكستاني ، ناهيك عن البلاد التي تعيش فيها أغلبية مسلمي العالم مثل إندونيسيا أو ماليزيا ، بغير ما يفعله العديد من محللينا الذين يصدرون أحكامهم الجازمة المتسرعة قابعين في غرفهم عندما يحدثوننا عن باكستان " الأصوليوة " والمملكة السعودية " الوهابية والنفطية " وإيران " الشيعية " واليمن " القبلية "

وكل البلدان التي تصر النظرة الإعلامية الغربية على بترها عن مجتمعها، وعن تاريخها، وعن جغرافيتها، وفي أثناء ذلك ، عن إنسانيتها ، فقط بحجة أن الناس فيها (يعودون إلى المعجم الإسلامي).

هوية عبر مجتمعية

كما يظهره جيدا مثال بن نبي ، فإن سياق رد الفعل الذي تثيره القطيعة الرمزية والثقافية الناجمة عن الاستعمار كان أولا وقبل كل شئ ذا طابع هوياتي ، لذا يبدو البحث عن تفسيرات أو سببيات

قد تكون خاصة ببعض فئات المجتمع تحدد نزوع أعضائها لأن " يصبحوا إسلاميين " سرابا ، ولا يساعدنا كثيرا علم اجتماع الفئات ضمن السياق الدولي لحلبة الصراع السياسي بين الشمال والجنوب ، في تفسير الحوافز (الهوياتية) للعودة الشرعية لـ (المعجم الإسلامي)

والتفرع إلى "نحن" و"هم" الذي ينجم عنها وعندما ينحرف هذا العلم فضلا على ذلك نحو شكل أو آخر من الحتمية الاجتماعية (يصبح المرء إسلاميا لأنه " مريض " أو " فتي " أو غير متعلم " يمكنه أن يكون خادعا بشكل واضح .

عندما تعبأ طائفة ، بشكل سلمي أو راديكالي ، ضد ما تراه سيطرة أجنبية سياسية أو ثقافية ، تشمل هذه التعبئة في الواقع ، كل مكوناته ، مهما كان ترتيب انضمام هذه الفئات الزمنى ، وهذه حال التعبئة الإسلامية ، باعتبارها تأكيد شرعية " العودة إلى امعجم الإسلامي " وحقوق أتباعها أمام محاور أجنبي ، سلطة استعمارية أولا ، ثم سلطة " إمبريالية " وفي الواقع يبدو جرد الفئات الاجتماعية (مثقفين وبورجوازيين وعمالا ..إلخ)

المنخرطين في التعبئة الإسلامية دائما غير كامل وجزئيا وغير منجز ، لأن فئات جديدة تستطيع في أى وقت الالتحاق بها ولا تستطيع أى منها بمفردها كشف مفتاح انتساب الأخريات رغم التأثيرات الممكنة للزعامة .

إذا أراد مؤرخ "تفسير" المقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني مختزلا إياها باستراتيجية واحدة فقط من استراتيجيات الفئات الاجتماعية للمواطنين مخفيا بذلك أساسها "الوطني " (وحادا، فضلا على ذلك ، من قوة البواعث المشتركة لجميع النشطاء فيها)

فسيثير الشك ، ومن دون أن نقارن هنا بالطبع أهداف أسامة بن لادن الأميركية بأهداف المقاومين الفرنسيين في الحرب العالمية الثانية ، وجورج بوش و أرييل شارون أو بعض الطغاة العرب بزعماء الرايخ الثالث

سنقبل أن تميل تعبئة يراها الناشطون فيها تعبيرا عن مقاومة لعملية سيطرة إلى التجرد قليلا من حدود الفئات الاجتماعية إن قراءة اجتماعية لهذا النمط من التعبئة (التي تلح مثلا في حال المقاومة الفرنسية ، على أنه من الأكثر سهولة أن نكسب رجال المقاومة إن كان المرء فقيرا ، مما لو كان يخاطر بمصادرة أملاك صناعية ضخمة .. إلخ) ليست ضرورية لكنها مكملة لإيضاح عوامل ، مساعدة ، وظرفية وليس السببية الأساس .

من ذلك تتلاقي استقصاءات الوضع لتظهر أن ليس هناك من شكل اجتماعي اقتصادي نمطي لـ "معتنق العودة إلى المعجم الإسلامي " ولا كذلك لمتطرف القاعدة أو الاستشهادي الفلسطيني في كل مكان تثبت الدراسة الاجتماعية للأرضية الإسلامية حقيقة واحدة : حقيقة تنوع النشطاء الاجتماعي وضحالة تفسير اجتماعي – اقتصادي بحت لالتزامهم .

إن تشبث المراقبين بالحط من شأن انبعاث المرجعية الإسلامية باختزاله إلى نوع من المرض ، غالبا ما يقودهم مع ذلك إلى أن يريدوا أن " يسري الداء " بشكل أساس أو ربما حصري ، في بعض الفئات الاجتماعية ، الأكثر عوزا اقتصاديا وثقافيا في هذه الحالة ، وقبل الاعتراف المتأخر بالدور الحاسم للنخبة المثقفة في تشكيل المطالب التي ترددها كل مكونات المجتمع

لم يشأ عدد من الكتاب ومعهم الرأي العام أن يروا إسلاميين ، سوى القادمين من صفوف "شبان المدن العاطلين عن العمل" ، و"غير المتعلمين" أو بشكل أوسع "الذين لفظهم التطور".

وقد أظهرت انتصارات الإسلاميين المصريين في بداية التسعينيات في نقابات المهن الحرة جميعها (باعتبار أن النقابات العمالية ظلت تحت السيطرة الصارمة لجهاز الدولة) بشكل واسع نهاية هذه الموضوعة

الشائعة بقدر ما هي مبسطة وقد أجهز عليها دخول الأحداث الإسلامية لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري تحت الأضواء ، ملياردير سعودي وجراح مصري ، سليل عائلة كبيرة ، مع ذلك تنبثق اليوم نفس التفسيرات التي يحاول فيها الاجتماعي إخفاء السياسي ، " لتفسير " بواعث الشباب الانتحاريين المغاربة أو اللندنيين .

وفي صفوف الإسلاميين ، من المعروف بالفعل أن أعضاء الطبقة العاملة المدينية الموجودرين لكن ليسوا أغلبية المجموعة يجاورون أصحاب المقامات العالية البروجوازية (النفطية ، والتجارية ، والعسكرية ، والقبلية) وكل أطياف الطبقة الوسطي ، كل طبقات الارستقراطية

ظهر أيضا أن الأجيال تقف هنا جنبا إلى جنب وكذا الفروع المهنية ، وأيضا مستويات وأشكال التعليم وأخيرا ، وليس آخرا بدأ الحس المشترك يخضع لحقيقة أن معيار "الجنس" ليس بأكثر وظيفية .

مهما كان رسوخ الفكرة النمطية التي ترغب في أن تكون النساء اللائي يصبحن " إسلاميات " لا يفعلن ذلك إلا خضوعا للعنف الذكورى لآبائهن وإخوتهن وأزواجهن ، فإن النساء ، أفغانيات وإيرانيات وتونسيات ، يتسابقن إلى ذلك.

إذن هؤلاء الإسلاميون ليسوا مجرد فقراء "أهملتهم التنمية" وليسوا كذلك " أغنياء " أسكرتهم أموال النفط المبددة ، ولا " فتية " (نتاج تكاثر سكاني غير منضبط) ولا " بورجوازين أتقياء " ولا " مثقفين " ، ولا مجرد " مدنيين ، أ، " عسكريين " أو " رجال " (ذكوريين) أو " نساء " (مسحوقات) إنهم كل هذا معا ، ضمن تنوع مشابه لتنوع فاعلي تعبئات أخرى ولدت كرد فعل على شكل أو آخر من أشكال السيطرة.

إن نزوع تعبئة هويانية إلى أن تكون لها قاعدة عبر المجتمع لا يتطلب مع ذلك ، سواء في الحلبة الدولية أم في الحلبات الوطنية استثناء المعايير الاقتصادية بشكل منهجي من التحليل (حتى عندما تفرق هذه المعايير ، عند الاقتضاء بين بعض الفئات الاجتماعية)

وبالطبع فإن التعبئات الاحتجاجية ، والتأكيدات ، الهواياتية أيضا (رفض هوية لحساب آخرى) ذات صلة بالتالي بسببيات من النمط الاقتصادي إذا لم يعد المرء إلى (المعجم الإسلامي) فقط لأن لديه اقتصادا مشلولا

فإن إرادة التنصل من انتماء للمطالبة بآخر يمكن أن تكون طريقة للشكوى من إحباط ذي بعد اقتصادي ، وتشير إرادة مجموعة تأكيد هوية مختلفة عن هوية المجموعة الحاكمة فيما تشير ، إلى سوء عمل آليات توزيع الموارد السياسية والاقتصادية ، لدي الانتماء "المرفوض"

وبصورة خاصة في الاستعمار "على النمط الفرنسي" يفسر رفض الهوية الفرنسية ، في جزء منه على الأقل ، بأن القوة المستعمرة التي كانت تريد "مشاطرة" هويتها لم تهتم البتة "بمشاطرة" مواردها السياسية ولا الاقتصادية وداخل الأسوار الوطنية في الجنوب هذه المرة على نفس أرضية التأكيد الهويّاتي

عندما عبئ (الرجوع إلى المعجم الإسلامي) ضد نخبة من سكان البلاد الأصليين متهمين بالانسياق مع محيط " أجنبي " لا يمكن إنكار الدور الكامن للعوامل الاقتصادية ، كما أن الانخفاض الحاد في طاقات إعادة توزيع الثروة في الدول النفطية الذي حدث في بداية الثمانينيات (إثر انهيار أسعار المحروقات)

ساهم كما يبدى ، لدي هؤلاء الذين تخلخلت أوضاعهم بفضل التقشف المتزايد ، في الاعتقاد بانتماء " إسلامي " ينظر إليه كبديل لانتماء هذه النخب الحاكمة العلماني ، وبالتالي " الأجنبي " التي لم تعد قادرة على تلبية طموحاتهم الاقتصادية .

لكن هذه الأسباب المتنوعة لا تستطيع تسويغ الحتمية الاجتماعية التي لا تزال سائدة غالبا لتفسير الصحوة الإسلامية بكاملها ، ويجب أن يكفي حال المملكة السعودية الغنية المشهر بها لغناها والمتهمة دوما في الوقت نفسه بأنها "المصدر العالمي الأول للإسلام السياسي"

للاقتناع بأن كل نفط العام (أو ذهبه) وكذا كل فروض البنك الدولي لن تنجح في إعادة تغيير أنصار إعادة شرعية المعاني الرمزية للثقافة الإسلامية ، في مجتمعاتهم أو في حلبة الشمال - جنوب ، وجعلهم "علمانيين" أو "ماركسيين"

خلف شجرة الإسلام السياسي (الهوياتية) الغابة الاجتماعية والسياسية

يظهر الفحص الدقيق لمختلف أشكال المفردات الإسلامية أن الذين اختاروا استخدامها، حتى بطريقة "تفاخرية" وحصرية يقومون بذلك اليوم خدمة "البرامج" لا حصر لها ، مستعملين تقريبا كل أنماط العمل السياسي .

والوصول إلى مفاتيح سلوكهم على كل حال أشد صعوبة بكثير من الاعتماد على القناعات التمييزية التي تود أن تجعل من "المسلم الجيد" إرهابيا مؤكدا بنظر البعض ، وإنسانيا مثاليا بنظر البعض الآخر .

وحسب قناعة قلناها منذ زمن طويل لا ينشأ الإسلام السياسي في الواقع عن ظهور إيديولوجية سياسية نوعية (راديكالية ومتعصبة في هذه الحالة) ولكن من إعادة ارتباط بين مرجعية الثقافة الإسلامية وكامل الإنتاج المحلي للهويات السياسية ويمكن للإسلاميين ، بشكل خاص

تبعا لمسارهم التعليمي والسياق الاجتماعي والسياسي ، المحلي والإقليمي ، الذي يتطورون ضمنه ، وحسب طبيعة وممارسات محاوريهم السياسيين المحليين أو الدوليين وسنعود إلى ذلك في الفصول القادمة ، أن يظهروةا حرفيين أو ليبراليين ، ديمقراطيين أو استبداديين ، شرعويين أو ثوريين

ومن الرفض التام "للتقنية" الديمقراطية الغربية (حسب التفسير الحرفي الذي يقول يقول إن السلطة الإلهية تتعارض مع سلطة الشعب) إلى الادعاء بأنهم مصدرها (الشورى لدي المسلمين "سبقت" ظهور الديمقراطية الفرنسية ... إلخ) يمكن ملاحظة الطيف الكامل للمواقف والتصرفات ، سواء في وضع المعارضة أو ممارسات الأنظمة " الإسلامية " الحاكمة .

وبالنسبة لهذه الأخيرة فإن إنجازاتها بالطبع أقل تجانسا مما يدركه الاعتقاد الشعبي عادة ، ولا يمكن البتة إثبات أن إيقاع طلب التحرير السياسي والتحديث الاجتماعي (أى : تطوير مساحة من السياسة المستقلة ، والحد من لجوء الحكومات إلى العنف القمعي ، وتأكيد مكانة المرأة في الحيز العام المهني أو السياسي) البطئ وغير المتساوى عالميا

كان هكذا في "إيران الملالي" أو في "سودان الترابي" أكثر منه في جزائر بوتفليقة ، ومصر مبارك الأزلي ، أو تونس الجزال – الرئيس "حامي العلمانية"

ومهما كان سير الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية قريبة من الكمال، ومهما كان إشكاليا مبدأ شرعية مزدوجة شعبية ودينية (ولاية الفقيه) فإن الفرص التي لدي الناخب الإيراني اليوم في التأثير في ميزان القوى السياسية على رأس الدولة هي حتما أكبر بكثير من فرص نظيره الجزائري أو التونسي ، أو المصري

المحكوم بإعادة انتخاب تخلو من المفاجآت من دون حتى إن يستحق تعاطف الطبقة السياسية الغربية ، مع كبار حلفاء الغرب الجمهوريين (أو الملكيين) في شمالي إفريقية .

ولكي نفهم آليات هذا التنوع الأيديولوجي الداخلي للتعبئة الإسلامية نستفيد من أدوات علم اجتماع المجموعات لقد قلنا إن هذه الأدوات لا تفيد كثيرا في تفسير القاسم المشترك الهوياتي أمام المقابل الغربي

لكنها تستعيد وظيفتها حالما يتعلق الأمر بفك طلاسم خفايا "المجتمع الإسلامي" الاجتماعية والسياسية ، بكل تعقيدها الإنسان ، أى : عندما يتعلق الأمر بشرح الاستخدامات المتنوعة التي سيقوم بها أتباع (العودة إلى المعجم الإسلامي) لمفرداتهم

حسب المظاهر الاجتماعية ، والتربوية ، والاقتصادية والسياسية ، المحلية أو الإقليمية ، التي يتطورون ضمنها ، على علم الاجتماع إذن أن يساهم في تفسير تنوع المسارات الفردية " الأيديولوجية " و" المذهبية للإسلاميين "

لهؤلاء الذين يعزلون أنفسهم في خانة التقوية الصوفية والتعايش مع صاحب السلطة المحلي ، حتى هؤلاء الذين يختارون العمل النيابي التشريعي أو أخيرا ، هؤلاء الذين يتطورون نحو راديكالية ثورية ، أو حتى إرهابية

خفايا مسار إيديولوجي: سلفي يمني بين الراديكالية الدينية والاستراتيجية الاجتماعية

لنتفحص مثلا حالة الشيخ مقبل بن هادي الوادي (1930 -2000م) الذي اتبع مسارا " إسلاميا " طويلا قبل أن يصبح المنظر الرئيس لأكثر اتجاهات التيار السلفي اليمني (والعالمي) حرفية خطابه يقدم حوافز متنوعة على أنها ذات طابع مذهبي، دعته إلى التنصل فشئ من انتمائه الشيعي ّ الزيدي البدئي

ثم إلى اعتناق اتجاه (سلفي) للسنة السعودية ، مؤكدا في الوقت نفسه معارضته لنظام السعودية وإلى التحالف فترة مع الإخوان المسلمين الموجودين في اليمن ثم محاربتهم ،إلى قبول التعاون مع النظام اليمني للرئيس على عبد الله صالح قبل أن صيتصالح قبل وفاته بقليل مع النظام السعودي .

لم يكن التزامه الأول في صباه سياسيا ولا إيديولوجيا لكنه كان مهنيا جدا وكالآلاف من مواطنيه ، ذهب للعمل في المملكة السعودية للخروج من الضائقة الاقتصادية وفي مكة كسب قوته من العمل في البناء متابعا تعليما دينيا في الوقت نفسه

ووضعته زيديته في وضع خطر مع قوانين البلاد التي استقبلته في مجتمع حيث الأقلية الشيعية غير مقبولة إذن كان ثمن الاندماج الناجح " بالعامل الديني " والاقتصادي وكذلك الاجتماعي السعودي يمر عبر التخلي عن انتمائه الطائفي الاصلي وهذا ما قام به .

وفور عودته الأولي للبلاد في أواسط السبعينيات أظهر على كل حال أنه اعتنق المعتقدات الوهابية السائدة في المملكة السعودية : تخلص من تقديس الوسطاء " بين الخالق والإنسان سواء كان هؤلاء أولياء ، أو زعماء روحيين لأخويات صوفية ، وهو ما تنكره التقاليد معتبرة إياه " إشراكا "

أى : رفعا للمخلوقات إلى نفس مرتبة الخالق ، وفي قريته القريبة من صعدة استنكر وجود قبور في المساجد ، واستخدام التمائم أو التعاويذ ، وباعتبار أنه أعلن انتقاداته علنا بشكل واسع وحاول المزاحمة ، مارس وجهاء الزيدية ضغوطا على المقربين منه " كسي يجروا له غسيل دماغ " حسب تعبيره

ولإعادته إلى الصواب ، أرغموه على اتباع دروس جامع الإمام الهادي مهد مذهبهم وقاوم ثلاث سنوات وقبل بألا يدرس سوى النحو حينذاك لم تكن العزلة والنفي اللذان بدأ يعانيهما إيديولوجيتين فقط كان لهما بعد اجتماعي صريح وتعبير عن احتقار " السادة " سليلي الرسول ، له

وحالما حاول الامتناع عن ذلك ، بفعاليته الدينية وبالتالي السياسية فرضيا ، ذكره أعضاء الآرستقراطية الدينية بصراحة بمكانه في السلم الاجتماعي : إنه ليس سوى قبائلي وضيع ولن يحلم بالخروج من طبقته ، وتهكموا قائلين : مهما دعكنا الممسحة لن تصبح أبدا بيضاء كان هذا التنبيه الديني والاجتماعي مهينا بشكل خاصا

لأنه صدر عن هؤلاء الذين يحمون شحوب بشرتهم بمظلات واسعة كيلا يصبحوا كالفلاحين لقد دوّن مقبل في سيرة حياته: سأذكر ذلك طيلة حياتي .

في نهاية السبعينيات أنجز الزيدي مقبل مساره نحو السلفية ، وسبب له كونه آتيا من بلد "شيعي" مرة أخري شكوكا في شرعيته في المملكة السعودية التي عاد إليها طلبا للرزق

وبينما كان يطمح لتغيير وضعه والوصول إلى مقام تدريس القانون الإسلامي متسلحا بشهاداته الجديدة شككت لجنة تحقيق من جديد بسلامة معتقدة لقد تم استجوابه بشكل خاص عن طريقة رفع الأذان للصلاة وعن جواز الصلاة مع انتعال الحذاء وأكد قائلا : أنا سنّي ، وأفكر مثلكم ، ومن حينها حارب الشكوك التي تعوق مهنته بنوع من المزايدة المعادية للزيدية .

وسجن لفترة وجيزة بتهمة الارتباط بجماعة (جهيمان) التي احتلت بعد ذلك بقليل (20 تشرين الثاني 1979) مسجد مكة الكبير (وهو عمل أدى قمعه ، بالاستعانة المباشرة بمجموعات التدخل في الدرك الوطني الفرنسية ، إلى مئات القتلى)

عندها لجأ مقبل نهائيا إلى موطنه الأصلي اليمن ، ومنذ عام (1970م) انتصرت الجمهورية هناك على الإمامة ، وقد شجعه في خياراته الدينية مع ذلك " المادية " والشيوعية " النسبية للنظام الذي أتي به إلى الحكم عام (1962م) التدخل العسكري لجمال عبد الناصر ،لدي عودته من السعودية ، استقبله الإخوان المسلمون ودعموه ماديا؛

حينها كان الإخوان ، كما في الماضي ، حلفاء النظام المباشرين ، ويستند رئيس الدولة عليهم طبعا ، ما دام على الجمهورية التي أكدت أنها ضد ثيوقراطية زيدية ما زالت راسخة بقوة في في الثقافة الشعبية أن تسد ثغرة في الشرعية الدينية .

في البدء كان للسلفي مقبل موقف مزدوج من تيار الإخوان المسلمين وقد قال إن بعض أساتذته السعوديين " حذروه من أن يسلم لهم مصيره ".

لكن ذلم لم يمنعه ، عند الحاجة، من التعاون مع الذين كانوا حينذاك حلفاء السلطة الأقوياء ، وقبل بالتالي إدارة أحد معاهدهم وبعد سنة ، عام (1982م) في سياق سياسي مختلف ، قام بالمقابل بتحول مذهل ، في مؤلفه " المؤسس" .

(المخرج من الفتنة) الذي يحدد فيه الخطوط العريضة لرؤيته " السلفية " للإسلام قطع علاقته بفظاظة مع هؤلاء الذين سوف يدعوهم متهكما (الإخوان المفلسين) وأصبح حلفاؤه بالأمس مثل أى " كافر : أو يكادون " كبش محرقته المفضلين .

كان الباعث على تغيره طبعا حججا ذات طبيعة " دينية : أسقطت طل التجديدات " القراءة الكلاسيكية للقرآن والسنة ، المنسوبة للإخوان وشبهت بتجديدات مماثلة مخالفة لصحة المعتقد التقليدية (بدعة)

فالإخوان المسلمون ، بدخولهم لعبة الانتخابات ، متهمون بتغذية انقسام الجماعة إلى أحزاب (الحزبية) ، وبالتالي ، تجزئتها بالنهاية (الفتنة) لكن هناك دوافع عميقة جدا ، قومية ومهنية – اجتماعية وتحزيبية تكمل إيضاح هذه الواجهة المذهبية .

وتصادف بالفعل أن أستاذية العلماء المدرسين المصريين ، وهم غالبا مجرد مهاجرين "اقتصاديين" يتم التدرب عليها في اليمن ما يضر بالنخبة الدينية المحلية .

وبالتالي فإن الإخوان " المستوردين " هم هدف لانتقاد لا يخلو من غيرة حرفية وقومية ، هؤلاء الذين أفسدوا الإخوان المسلمين في اليمن ، هم المصريون الذين أتوا للعمل في "المعاهد العلمية" ومكتب التوجيه والهداية ومعظمهم انتهازيون

يتظاهرون بالانضمام بحماس للإخوان المسلمين ليكسبوا ثقة مدراء المعاهد ويحافظوا على عملهم لكن معظم هؤلاء المصريين " يغيرون لونهم " إنهم مستعدون

ليصبحوا سنيين بين السنة ، وشيعيين بين الشيعة وحتى صوفيين (..) يرفض اليمنيون حتما أن يكونوا أذيالا للمصريين والسودانيين الذين يرسّخون لديهم المبادئ التي سبق أن رفضها الشباب المصريون .

وفي شريط معنون ببلاغة " الحمير ذوو العمائم " يبسط مقبل حدة لسانه لتطال علماء جامعة الأزهر القاهرية الكبيرة ضغينة إذن واضحة تجاه هؤلاء المميزين الذي كانت الحكومة اليمنية تأتي بهم بمشقة في محاولة لتهدئة الخواطر في سياق توحيد البلاد الذي حصل في أيار (1990م)

كما نري بوضوح تشابه " مرونة التأقلم مع المحيط التي يستنكرها مقبل لدي المهاجرين المصريين في اليمن ، و" مرونة التأقلم " التي أظهرها بنفسه كمهاجر في السعودية أو كما سوف نري " كرجل سياسة " في اليمن .

هذه المنافسة الداخلية للتيار الإسلامي ليست في الواقع التفسير الوحيد للراديكالية الفظة لخطاب " السلفيين " اليمنيين ضد إخوانهم المسلمين إن عودة تاريخية وجيزة لهي أمر ضروري لنفهم كيف حصلت القطيعة

بمواجهة وصراع أكبر بكثير مما في المملكة السعودية المجاورة ، في المحيط السعودي يبدو أن "الإخوان ألمستوردين " أيضا من مصر (التي هربوا منها خشية قمع عبد الناصر)

والناقلين الأساسين لنوع من التجديد الديني والسياسي امتنعوا عن الدخول في توتر مفتوح مع تبعية سلفية شديدة الانغراس في النسيج الاجتماعي والنخب الحاكمة معا ، بالمقابل في اليمن ساهمت اعتبارات السياسة المحلية في تأكيد " إيديولوجي " للسلفية والإخوان المسلمون المحليون الذين ورثوا

كما رأينا ، تاريخا طويلا من التعاون مع النظام ، ساهموا في عام (1982م) مرة أخرى في الدفاع عنه مناضلين ضد مقاتلي الجبهة الديمقراطية التي زرعها الاشتراكيون العدنيون في المنطقة الحدودية الجنوبية .

ورفضوا في هذه الفترة الانضمام للنظام ، من دون أن يؤكدوا معارضتهم الممكنة له ، وأعلنوا ذلك ، وكان الرئيس على عبد الله صالح قد شكل حزبا وحيدا هو (مؤتمر الشعب العام)

وقد أمل خصوصا أن ينتسب إليه الإخوان المكون الأساس للتيار الإسلامي ، الذي يعلم حاجته إلى دعمه الأيديولوجي وصلاته القبلية كذلك واقتنع عبد الملك منصور ، أحد أكبر زعماء الإخوان بالانتقال إلى معسكر الحزب الجديد؛

لكن معظم الفرق رفضت أن تتبعه وأعطى قائد الحركة أحمد ياسين الأمر بمقاطعة منصور وهكذا دخل الإخوان المسلمون السياسة بواسطة التعددية التي بدأت معالمها في الظهور

ولكي يقسم النظام المعسكر الإسلامي بذل جهدا مع المحافظة على علاقات طيبة مع الإخوان الذي سوف حتى يشركهم في الحكومة عندما سيحتاج لذلك عام (1993 م) ليتصدي للاشتراكيين في استمالة خصومهم المحتملين

وضمن هذا السياق أبرم مقبل اتفاقا مع النظام بادئا معه تعاونا طويلا متعدد الأشكال، وبصورة شديدة المغزى في حين انتقد الإخوان بشدة في كتابه البرامجي "المخرج من الفتنة" هادن منصور ، الذي أصبح عضوا في حزب الرئيس

وبالتالي فإن التيار السلفي الرئيس أصبح بعد الآن ليس فقط مقبولا ، وإنما مدعوما من السلطة وصمد هذا التعاون بقوة أمام وحدة عام (1990م) والانفتاح الانتخابي التعددي الذي ترسحه .

وقاتل السلفيون الاشتراكيين مع بقية المعسكر الإسلامي إلى جانب الجيوش الحكومية إبّان الحرب الأهلية عام (1994م) (بين اليمن الشمالي سابقا والجنوبي سابقا " الاشتراكي)

وبعد انتصار الشمال ، استمروا في مساعدة النظام على محاربة تأثير حزب اشتراكي ضعف كثيرا لكنهم أصبحوا السلاح الانتخابي المفضل للنظام ضد الإخوان (الذين طردهم النظام من الحكومة بعد انتصاره على الاشتراكيين)

وخلافا لهؤلاء حظر أتباع مقبل المشاركة في المشاورات الانتخابية ، ساهموا إذن في تقسيم الناخبين الإسلاميين ليس إلى معسكرين (معارضة وسلطة) ولكن إلى ثلاثة لأن معسكر المستنكفين يقلل بالمقدار ذاته من تمكن المعارضة الانتخابية من حزب الرئيس .

توفي مقبل في تموز عام (2000م) وكان قبلها قد تصالح مع السعوديين الذين قدموا لهه إقامة للعلاج في الولايات المتحدة الأميركية ، إذن رغم الحرفية المحافظة لتعاليمه ، كان "السلفي" حليفا موضوعا أكثر منه خصما لأنظمة شبه جزيرة العرب

مثل هذا التعاون يفسر لوحة كاملة من مسيرة إسلامي " سلفي " إذن يتضح أن راديكالية السلفيين المذهبية ضد الإخوان المعارضين لنظام على عبد الله صالح هي ، جزئيا على الأقل ، نتاج تهاون السلطة المتسامحة؛

وباعتبار أن السلفيين هم بشكل واضح أقل انخراطا من الإخوان في ديناميكية التحديث السياسي ، لا يخلو مثل هذا الدعم الذي له مل يماثله في العديد من بلدان المنطقة ، من الواقعية والاستخفاف .

في اليمن كما في أى مكان آخر ، ثمة خلف شجرة الإسلام والأيديولوجي كما تري ، غابة الاجتماعي والسياسي ، وهي أكثر كثافة أحيانا مما يمكن أن نظنه .

الإسلام السياسي في أحواله جميعها

بعد أن نوضح طابعه الهوياتي ، والخاصية عبر المجتمعية لقاعدته ، وتعددية وابتذال المتغيرات التي تشرح سلوك جوهره البشري في السياسة لن يفهم "الموضوع الإسلامي"

فقط بتعميم هذا أو ذاك من الأشكال ، الداخلية أو الدولية ، التي يوجدفيها، وعلى تحليله أن يوازن أكبر عدد ممكن من هذه الأشكال، باعتبار أن كلا منها ، فضلا على ذلك ، أسير تاريخيته الخاصة لا تكمن بداية الإسلام ونهايته إذن فقط في الإخفاقات أو في النجاحات

وقد حدثت بما في ذلك على صعيد التحديث الاجتماعي والسياسي لحكومات السوداني حسن الترابي ، أو الإيراني الخمينبي ولا تتلخص في شعار الإخوان المسلمين المصريين :"الإسلام دستورنا" .

طرق عمله ليست فقط طرق حزب الله اللبناني ، أو الجهاد الإسلامي أو حماس الفلسطينيين المناضلين ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي ولا تختزل إلى التوترات الطائفية التي ما زالت تمزق أحيانا السنة والشيعة ، الصوفية والسلفية ، الماركسيين والإسلاميين

كما لا يستطيع عرض دقيق للإسلام أن يتجاهل حرفية طالبان الأفغان المحافظة والتيار السلفي ، ولا الإصلاح التحديثي لرئيسي الوزراء التركيين أربكان أو أردوغان، وكذلك لا يمكن أن ينحصر في الانجازات الانتخابية المثيرة للدهشة لزعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية عامي (1990 ، 1991م) أو لافتقارهم الواضح لحس التواصل:

يجب عليه أيضا أن يشمل ألفاظ ميثاق الحكومة الذي أبرمته هذه الجبهة نفسها في كانون الثاني (1995م) في روما بإشراف مجموعة (سانت إجيديو) الكاثوليكية مع التروتسكية لويزا حنّون وأعضاء من جبهة التحرير الوطني القديمة وعلماني جبهة القوى الاشتراكية ، وضد السلطة العسكرية التي أتي بها انقلاب كانون الثاني (1992 م) .

يجب على تحليل الإسلام السياسي أن يأخذ في الاعتبار التصميم البارد لطياري بوينغ الخطوط المتحدة ، أو الأميركية ، الانتحاريين في (11 أيلول 2001م) وفيضان المقاومة العراقية بجميع الأشكال (وخصوصا عندما تضع قنابل في الكنائس كما يقال)

وكذلك الوقاحة المهنية لجلادي المجموعة الحاكمة الجزائرية عندما يذبحون باسم خصومهم (يتظاهر العسكريون بأنهم إسلاميون ليقترفوا جرائمهم) أو صفاقة السجانين الأميركيين التابعين للحرب الشاملة ضد الإرهاب

يجب أن يدمج انتصارات رئيس مجلس النواب اليمني "الإسلامي" (وأنصاره " القبليين) وانتصارات النواب الإسلاميين الأردنيين والكويتيين واللبنانيين والأتراك، بامتصاص أزمات محيطهم الوطني

يجب أن يكون قادرا على أن يأخذ في الاعتبار كل هذه المعطيات وآلاف آخري ضمن تنوعها الذي لا ينتهي ، ومن أجل هذا يجب بالتالي أن يملك ليس فقط مرصدا ولكن مئات اللواقط المرتبطة بأشكال سياسية واجتماعية وقومية عديدة بقدر المستطاع .

وأخيرا على تحليل دقيق للظاهرة الإسلامية (الإسلام السياسي ، زم ) أن يكون قادرا على الصمود أمام تقلبات الزمن في الواقع ، وجب تورخة لقطات الملاحظة الخاطفة بقدر المستطاع

لأن القيمة الإخبارية في كل زمان وكل مكان لخطب وسلوكيات زعيم أو ناشط سياسي تتعلق بالطريقة التي تواجه فيها تعاليمه بالزمن وتتجدد : ينطبق هذا المبدأ الأساس في العلوم السياسية على الجميع ، بمن فيهم إسلاميو اليوم

ولإثبات الحجة في مناظر حول الإسلام السياسي عام (2005م) فإذا استخدمنا أسلوب الإخوان المسلمين المصريين في الأربعينات فإن ذلك يتطلب جهدا لربطه بالسياق بماثل الجهد الذي يتطلبه الاستشهاد بخطابات اليسار أو اليمين الفرسي في تلك الحقبة لتفسير مواقفهما الحالية

وكذلك بالعودة بالزمن إلى الوراء ، فإن تصريحات وممارسات الزعيم الأصولي لجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية عام (1989م) على بلحاج ، ليس لها فائدة في تفسير الوضع الحالي لبلاده والتيار السياسي الذي يمثله هناك سوى في المنظور المستقبلي:

يجب مقابلتها مع خطابات الإسلاميين الآخرين الذين كانوا يعارضون حينها خطه السياسي في الجزائر وفي العالم ، ولكن أيضا مع خطابات على بلحاج نفسه ومواقفه المختلفة جذريا حول نقاط جوهرية ، التي حلت محل مواقف وخطابات الثمانينيات بعد عشر أو خمس عشرة سنة .

يمكن أن تتخوف بذلك في الوقت نفسه من آلية عودة الأسلمة والتنوع اللانهائي لتجلّياتها داخل كل سياق وطني ، وكذلك في حلبة الشمال - جنوب ، ولذلك لا يجب أن يقودنا إثبات مرونة المرجعية الإسلامية وتنوع الاستخدامات السياسية التي يسمح بها قاموسها إلى تجاهل أو الاستخفاف بالميول الجسيمة ، والمعترضة ، التي تؤثر في الوضع في المساحات الجغرافية التي تسيطر عليها

وكذلك الأمر بالنسبة للإغلاق المتعمّم الذي يميز اليوم المشاركة السياسية في العالم العربي سواء تعلق الأمر في الداخل بتجميد شبه شامل للحياة السياسية المشروعة ، أم في الخارج بانعدام المساواة الصارخ لموازين القوى مع المحيط (الإسرائيلي) والغربي.

من النضالات الوطنية إلى خيبات أمل إعادة الاستعمار:الزمنيات الثلاث للإسلام السياسي

إنّ كون الإشكالية الهوياّتية تنطبق قليلا أو كثيرا على مجمل النشطاء لا يضعهم ، مع ذلك ، في منجى من التاريخ . حتى لو كنا نستطيع أن نكشف هنا ، خلف التنوع عن قالب مشترك ، وفي التغيير ، عن عناصر استمرارية فإن أنماط تنقل شخص بين انتماءين (علماني - فرنسي ، ديني - إسلامي . إلخ) ليست نفسها تماما

لا في الحيزّ الاجتماعي أو القومي ، ولا في الزمن ، وهكذا إذا كان لدينا الحق في عد أن كل عضو من الأجيال المتعاقبة للتعبئة الإسلامية يساهم بنفس تأكيد هويّته المسلمة تجاه الآخر المقابل الغربي والأنظمة المتهمة بتقديم تنازلات له أكثر مما يجب ، فمن المهم أن نسيق كل مرة وحدة الإشكالية الهوّياتية هذه تبعا للفضاءات المكانية وللزمنيات .

تنّوع مسارات الإسلام السياسي

كانت ردود العالم العربي الأولي على الهجمة التسلطية الغربية في القرن التاسع عشر ذات طابع ثقافي ، وعلى قاعدة هذا الفكر الإصلاحي ، في سياق احتلال بريطاني مستمر ، تبلور أول تعبير لفكر الإخوان المسلمين فيما بعد في مصر في الثالث الأول من القرن العشرين

كانت المملكة المتحدة تحمي إذّاك ملكية برلمانية هشة تتميز النخبة فيها بنوع من تعدّدية التعبير البرلمانية ، وبعد جيل ، تبدل المحيط الإيديولوجي الوطني : تزعزعت الحدود والأوطان والذهنيات بإنشاء الدولة العبرية

ومد القومية العربية والعدوان الثلاثي الذي نظمته عام (1956م) لندن وباريس وتل أبيب لمقاومة تأميم قناة السويس ، وتأكد استبداد الأنظمة بشكل كبير مدعومة بنتائج انتصاراتها القومية وتأجلت مسيرات الدخول في "الإسلام السياسي" بالطبع تبعا للسير الشخصية والسيّاقات الوطنية

ولم يتبع الناصريون أو البعثيون المصريون والسوريون، والعراقيون أو العرب ، للعودة إلى الفكر الديني نفس خط السير الذي تبعه هؤلاء الذين تركوا انتماءاتهم التقليدية للجمعيات الصوفية في السودان أو مصر أو غير من أجل إصلاحية إسلام أقل سلبية وبالتالي سياسي بدرجة أكبر .

في اليمن ، تلقي الإخوان المسلمون (الذين شكّلهم حسن البنا في القاهرة) في نضالهم ضد إمامة دينية انعزالية ومحافظة، وعون حسن البنا في البداية ثم عون جمال عبد الناصر في نفس الوقت الذي كان فيه هذا الأخير يمارس فيه حملة قمع فظيعة على نظرائهم القاهرين

وإذا كان محمد عطا (1968 -2001م) المهندس المصري الطالب في هامبورغ، قد استبطن عام (1995م) مقولات موضوعة سيد قطب اللاهوتيّة إلى درجة أنه أراد المغامرة بحياته ليجعلها تنتصر ، فقد كوّن مع ذلك تصميمه القاتل ، ردا على أحداث لم يعشها سيد قطب، حتى تنظيم اعتداءات (11) أيلول .

ولكي نعيد بقدر المستطاع تشكيل هذا الاختلاف وكذلك هذا المنطق الزمني للإسلام السياسي، نقترح التمييز في انتشار تعبئته، بين ثلاثة سياقات وبالتالي ثلاث فترات كبيرة متعاقبة .

الفترة الأولي هي فترة بزوغ التعبئة الإسلامية في مواجهة الوجود الاستعماري المباشر، ولنحيط بمداخلها ومخارجها و من الضروري بالمقابل أن نذكر، ولو باختصار ، بالإصلاحيين السابقين في القرن التاسع عشر

والثانية غداة الاستقلال ، هي فترة تأكيد الخيارات الثقافية والأنموذج السياسي المطرد التسلط لجيل النخب الوطنية الأول ، وتبدأ الثالثة في عام (1990م) مع ولادة عقبت انهيار الاتحاد السوفييتي لنظام سمي عالميا

وسينكشف مع ذلك أنه مرتب أكثر فأكثر حول المصالح .. الأميركية فقط ، في خلال هذه الزمنية الثالثة ، في الضواحي الاستعمارية السابقة ، كلما وضح ارتباط مصالح المواجة الغربي بالنخب الوطنية في السلطة يصبح من جديد وبشكل خفي المقابل الرئيس لجزء من نضالات المعارضة

تجاه جبهة زاحفة لنوع من إعادة الاستعمار فإن فقدان النخب الاستقلالية سيادتها سيجعل القوة العظمي العالمية هي الخصم الأول بدلا عنها ويظهر عراق ما بعد صدام حسين أنموذجا مثاليا لهذا الشكل:أصبح المحتل العسكري الأمريكي أكثر من النخب الجديدة التي أتي بها، الهدف المفضل للمقاومة ضد نظام سياسي يعتبر وبحق مفروضا من قبله .

الإصلاحيون السابقون للإخوان المسلمين :من الأفغاني إلى عبد الوهّاب

خلال زمنية الإسلام الأولي ، عينت مصادر الثقافة الدينية محلية المنشأ بالتدريج لتغذي المقاومة السياسية لهيمنة المستعمر الغربي المباشرة وعام (1928م) أى : بعد عشرة أعوام من تقسيم الإمبراطورية العثمانية

وبعد أربعة أعوام من حلّ الخلاقة، آخر مظهر دستوري للوحدة الإسلامية وقبل ثمانية أعوام من معاهدة لندن لعام (1936م) التي تعترف باستقلال مصر (ولكن تحتفظ بالجيش البريطاني في منطقة القناة) يمكن عد تأسيس حسن البنا (الإخوان المسلمين) أول أسس (رد الفعل الإسلامي) هذا .

إلا أن ظهور الإخوان يدين كثيرا لإرث تعبئة ثقافية سابقة ، صادرة عن منطق مشابه جدا ، كان السؤال الوجودي (ما العمل كي نقاوم الهجمة الغربية ؟) قد طرحه سابقا بالفعل مؤسسو التيار المتطابق مع فكر جمال الدين الأفغاني (1838 -1897م) ومحمد عبده (1849 -1905م) ورشيد رضا (1865 -1935م) .

في الأساس ، تابع الإخوان المسلمون خصوصا المساعي الثقافية الأولي لهؤلاء السابقين ، ناقلين إياها إلى الميدان السياسي ، وبذلك تناقض شهادات أغلبية ساحقة من الآباء المؤسسين وجود أى قطيعة بين الإسلاميين المعاصرين والفكر الإصلاحي لسابقيهم .

في هذا الميدان تعطينا شهادة الجزائري مالك بن نبي ، الذي ذكرناه سابقا ، كثيرا من التفسيرات بصورة خاصة ، لقد أعاد بن نبي بشكل متناقض اكتشاف الشرق العربي والتركي ، الذي قطعه المد الاستعماري الغالب شمال - جنوب ، عبر أدب المستشرقين الفرنسيين

وأعطاه هذا الأدب صورة جذابة جماليا عن الشرق، ولكن كانت تنقصها مفاتيح قراءة تسمح بتفسير حالة الانحطاط الفظيعة التي هو عليها،غير أنه يشرح في مذكراته أن كتابات محمد عبده والإصلاحي اللبناني أحمد رضا (1872 -1953م) هي التي أعطته المفتاح السياسي

لهذا الانحطاط الشرقي: أخيرا اكتشفت ، في مكتبة النجاح كتابين اعتبرهما أكثر مصادر موهبني الثقافية بعدا وحسما ، اتحدث عن " الإفلاس الأخلاقي للسياسة الغربية في الشرق " لأحمد رضا ، و "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده ، ترجمة مصطفي عبد الرزاق ، بالتعاون مع مستشرق فرنسي

طبع هذان الكتابان في ظني ، كل أبناء جيلي في المدرسة وأدين لهما بكل الأحوال بتغير فكري ، منذ تلك الفترة ، في الواقع كان كتاب رضا ، بتوثيق حول روائع المجتمع الإسلامي في أوج حضارته يمنحني عينة صحيحة لأدرك مدى محنته الاجتماعية الحالية المحزنة ، وكتاب عبده

وأتحدث عن المقدمة الهامة لترجمية حول غني الفكر الإسلامي عبر العصور، كان يمنجني نقطة مرجع لأحكم على فقرة المخيف الثقافي في الوقت الراهن ، كانت هذه القراءات تخفف كآيتي وهذا الحنين إلى الشرق الذي كان يمنحني إياه لوتي (وكلود فارير)، وحتى لا مارتين ، وشاتوبريان

لقد كشفت لى عن شرق تاريخي وحقيقي كنت أعيه وأعي كذلك وضعه البائس الحالي ، لقد شكّلت قوة تذكير أخري ذات طابع ثقافي منعتني من الوقوع في الرومنسية التي كانت سائدة حينذاك بين جيل المثقفين الجزائريين هذا .

هناك العديد من الأمثلة الأخري التي توضح على نحو ملموس استمرارية الفكر بين الإصلاحيين والإخوان ، في الطرف الآخر من العالم العربي، في يمن الإمام يحيي لم تفرق حركة (اليمنيين الأحرار) الحداثية سياسيا ، وسنعود إلى ذلك لاحقا ، إطلاقا بين تأثير الإخوان المسلمين أتباع البنا وتأثير التيارات الإصلاحية التي سبقتهم .

في جزيرة العرب هذه في اليمن ولكن أيضا في المملكة السعودية سبقت جهود إصلاحية تيار الأفغاني هل يمكن ربطها أيضا بإنشاء إسلام القرن العشرين السياسي ؟

الأقل شهرة هي جهود اليمنيين محمد إسماعيل الأمير (1769) ومحمد الشوكاني (1790 -1834م) هذا الأخير ، وهو قاض زيدي (شيعي) ظل حوالي أربعين سنة في خدمة أئمة السفوح العليا لجبال اليمن الشمالي ، كان من أوائل الذين استنكروا أضرار الاقتداء اللاعقلاني بالتقليد على حساب الاقتباسات المجدّدة التي يسمح بها الاجتهاد

كما يحتوى فكره على بذور بعض الرجوع إلى الدستورية والحد من سلطات الحكومة ، التي يقترح عليها قبول نصائح الأمة لقد ألهمته أفكار محمد عبده كثيرا وحاول أخيرا وبشكل خاص أن يتجاوز الانقسامات بين المدارس القانونية المحتلفة والانتماءات الطائفية الزيدية (الشيعية) والشافعية (السنية) .

هذه السوابق الإصلاحية للصدمة الاستعمارية ، والاستمرارية بين محمد عبده وسلفه اليمني محمد الشوكاني،تجعل فرضية عالم إسلامي نجحت المواجهة مع الغرب لوحدها في انتزاعه من خموله المذهبي أمرا نسبيا

وعلى العكس فهي تؤكد فكرة أن الحركية الإصلاحية التي بدأت قبل المجابهة الاستعمارية تعطلت فيما يبدو منذ أن شبهت إسهاماتها بتنازلات ممكنة لثقافة الغازي ، إن دوافع هذا المنطق الارتكاسي الذي سيطبع كل الحقبة التي بدأت حينذاك فصّلتها بنجاح عبارة طارق البشري ، وهو حقوقي مصري مقرب من الإخوان المسلمين:عندما تقاوم، هل تعتقد أنك تستطيع أن تمضي قدما ؟

ومهما كانت النتائج التي تلت جهود محمد الشوكاني، هناك سبب على الأقل يفترض مع ذلك ألا نجمعه مباشرة مع فترة ما قبل الإصلاح هذه للإسلام السياسي المعاصر:بعكس أعضاء التيار التالي للأفغاني لم يعبأ الشوكاني تحت ضغط تهديد غربي محدد بشكل واضح

ربما حاول فقط مساعدة الأئمة الزيدية الذين خدمهم بإخلاص خلال أربعين سنة على الخروج من معزل انتمائهم الطائفي ليشرع بذلك بشكل أفضل سيطرتهم على مواليهم السنة الشافعيين ، وأخيرا وخصوصا حاول أن يتجاوز الانقسامات بين مختلف المدارس القانونية والانتماءات الطائفية .

الذي خلدت شهرته كثيرا من إصلاحي القرن الثامن عشر هو السعودي (محمد بن عبد الوهاب . اعتبارا من عام 1744م) باشر الداعية النجدي إعادة تأكيد صارمة للتوحيد والوحدانية الإلهية ووضع دعوته في خدمة السلالة الحاكمة الوليدة لمحمد بن سعود ، الذي راهن على التحالف معه

مقدما له نوعا ما اللوجستية الإيديولوجية التي ستسمح للحاكم بتوحيد قسم كبير من شبه الجزيرة وإنشاء وحدة سياسية مستقرة وذاتية المركز فيها، من منظور الإسلامية المعاصرة إذن وضع سعي محمد عبد الوهاب أكثر ازدواجية من مسعي اليمني الشوكاني .

وإذا لم تكن رسالته نتاج رد فعل على تهديد غربي فلها في الواقع صدي قومي ذو بعد عالمي ، إنه يساهم في إنشاء أمة عربية جديدة على حساب الإمبراطورية العثمانية، وله بعد ميّال للإتحادية بما أنه يسمح لسلطة سياسية ممركزة أن تتفوق على انقسامات مختلف المدارس السنية .

كما أن له مدي إصلاحيا : فاتحادية الوهّابية تنفض في الواقع الأشكال السياسية ، الدينية غير الشرعية التي تعتبر معتدية على الوحدانية الإلهية ، وبالتالي قاتل التشيع في الشرق وتقديس على؛

وفي كل الأماكن الأخرى تقريبا ، تقديس الأولياء الذين يجلّهم الصوفيون ، إن بصمة الوهّابية ، وإن تكن لا تزال غالبا موضع استهزاء الأدبيات المعاصرة ستطيع إلى الأبد التعبير اللاحقة لديناميكية إعادة الأسلمة بما فيها فكر الإخوان المسلمين (يتعلق الأمر بالتحفظ تجاه بعض تعبيرات الصوفية).

في الأساس في سياق المواجهة مع الاستعمار ، ساهم أول جيل إسلامي فيما بعد في إعادة تأكيد مكان المرجعية الدينية في قاموس الصراعات الاستقلالية ليس الثقافة فقط ولكن أيضا السياسية

ومع أن القاموس الإسلامي استخدم هنا بشكل واسع فهو لم يحتكر في الواقع التعبير عن التعبئة الاستقلالية المعادية للغرب لقد استقي قوميو الجيل الأول كثيرا من الترسانة المعنوية للقوة الاستعمارية وأكثر من ذلك في ترسامة الصديق الموثوق والمنافس السوفييتي

فالاشتراكية "المعادية للإمبريالية" وكذلك القومية "الإثنية" أى : العروبة المسمّاة علمانية التي كان من بين منظريها الأوائل ، على نحو له مغزي مفكرون مسيحيون على رأسهم السوري ميشيل عفلق احتلتا جزءا واسعا من الحّيز العائد تقليديا إلى المرجعية الدينية

ومرّ عدد كبير من الأعضاء المستقبلين للجيل الإسلامي في عالم العروبة "الاشتراكية" و"العلمانية" هذا قبل أن يشعروا في نهاية مسارات شديدة التنوع ، بحاجة مماثلة إلى إعادة إعطاء المرجعية الدينية مكانها في التعبير عن المشروع الاستقلالي .

مع ذلك أخفق الجيل الأول الإسلامي، في تونس أو في الجزائر خصوصا، في جمع الثمار السياسية لمسعاه وفي السيطرة على جهاز الدولة الذي تركه رحيل المستعمرين

أما ممثلوه ، سواء كانوا الإخوان المسلمين المصريين ، أو تيار مالك بن نبي ورابطة العلماء التي أسسها الشيخ بن باديس في الجزائر أو اليوسفيين التونسيين فقد وجدوا أنفسهم يبعدون عن السلطة بصورة منهجية لصالح النخب الاستقلالية المدعوة "علمانية" لغاية الآن

لم توثق كل التغيرات الفجالية في هذا السياق ، وخصوصا الدور الذي لعبته القوى الاستعمارية في اختيار "محاوريها" الاستقلاليين وخصوصا في حالة جبهة التحرير الوطني الجزائرية .

خيبات أمل التحرير:من العجز الثقافي إلى السلطوية السياسية

تمتد الزمنية الثانية للإسلام السياسي من فترة الاستقلال حتى بداية التسعينيات وهي زمنية تأكيد الأنموذج السياسي للنخب المحلية التي وصلت للسلطة ، وهي أيضا زمنية المعارضة الناشئة لهذه النخب ، اليوم ، المقابل السياسي الرئيسي لمؤسسي القاعدة هو حتما هذا الجيل الناصري أو المؤيد لناصر من النخب الاستقلالية في المنطقة كلها

لقد غدت تدريجيا موضع اتهام مزدوج من الجيل الإسلامي الصاعد الاتهام الأول أنها لم تف بوعود الاستقلال كونها لم تتابع القطيعة مع المستعمر على الصعيد الرمزي والثاني الذي سينبثق ببطء أنها لم تقابل طلبات المشاركة السياسية الأولي سوى باستبدادية قمعية .

يقوم الخلاف إذن بين التيارات الإسلامية ، ومعظمها في المعارضة والنخب التي في السلطة ، حول نوع من القصور الثقافي للاستقلال أولا ، يريد الإسلاميون أن تستمر عملية إقصاء المستعمر التي انتهت للتو على الصعيد السياسي على الصعيد الإيديولوجي والرمزي قبل أن تمتد على الصعيد الاقتصادي بالتأميم (تأميم النفط والأراضي الزراعية وقناة السويس .. إلخ)

إنهم يطالبون بقطيعة مع المقولات ماركسية الاتجاه خصوصا من نوع (معاداة الإمبريالية) ثم (العالم الثالث) المستخدمة خلال الزمنية الأولي للديناميكية القومية ، إذن وجدت النخب المحدثة التي في السلطة نفسهّا ملومة لعدم القيام بالقطيعة الثقافية والرمزية المنتظرة مع المحيط الاستعماري

وبعبارة أخرى ، لعجزها عن إتمام إقصاء الهيمنة الأجنبية عبر إرجاع هيمنة النظام الرمزي الإسلامي أى : داخلي المنشأ في المغرب التوترات المرتبطة بالإصرار على استخدام اللغة الفرنسية وتهميش الدولة المؤسسات الدينية (وخصوصا الجامعية) الموروثة من النظام الإسلامي ما قبل الاستعماري تشكل الجزء المنبثق من هذا السياق

وسريعا أصبحت النخب التي في السلطة معرفة بـ (حزب فرنسا) في الحقيقة ، يقول التونسي راشد الغنوشي المنفي والمنتمي إلى "جيش الذين هزمهم بورقيبة" حسب تعبيره ، أن الاستقلال "كان انتصارا على الحضارة العربية – الإسلامية في تونس أكثر منه انتصارا على المحتل الفرنسي "

ثم اتسعت اللائحة الثقافية لهذا المطالب الأولي لتضم، ببساطة التنديد بالاستبدادية المتزايدة للأنظمة وطلائع هذا (الأنموذج السياسي العربي) الذي سريعا ما ستشعر النخب الاستقلالية التي وصلت للسلطة بحاجتها للحماية بواسطته ظهر هذا الإغلاق للساحة السياسية بالتدريج

وكأنه مقبول بصورة أقلّ ومتمتع بتسامح مجامل في الوقت نفسه وغالبا، بدعم صريح من القوى الاستعمارية القديمة ظهرت التشكلات الراديكالية الأولي (وعلى رأسها التابعة لسيد قطب) خلال هذه الزمنية الثانية ردا على القمع الذي تمارسه النخب الاستقلالية (الذي يشكل قمع ناصر للإخوان المسلمين المرجع المؤسس له)

أكثر من كونها رد فعل على العنف الاستعماري ذاته ، في الغالبية الساحقة من الحالات منعت مظاهر التعبئة الإسلامية في وقت مبكر جدا من دخول المسرح السياسي الشرعي ، وأرغم أعضاءها

بالتالي لفترة طويلة على العمل السري ، أو ، في أحسن الأحوال ، في الهامش المؤسسي (نقابات ، حركات روابط ناشئة) للحياة السياسية ، وكلما تأكدت قدراتهم على التعبئة ، اشتدت حدة سياسة إقصاء الأنظمة ونفي الإعلام الغربي .

ورغم تنوّع أشكال الحكم المحلّية فقد تبلورت حصيلة راديكالية قسم من السكان الإسلاميين بفضل نفس المقومات : أنظمة استهلكت جوهر الموارد الوطنية (الجزائر ، تونس ، المغرب) أو الثورية (المكتسبة خلال الثورات الشعبية التي سبقت الاستقلال مثل مصر وليبيا)

نسقت تدريجيا ممارساتها السلطوية في قالب شبه "نموذج مؤسسي عربي" ورغم التحريفات الظاهرة لكل المبادئ الإنسانية التي يرفع الغرب شعاراتها فقد تمتعت بدعم فعّال منه .

بعد مرحلة فض قومي ، قاد انهيار أسعار النفط وآليات الدمج الاقتصادي العالمي النخب الاستقلالية حتما إلى قبول أشكال جديدة من الارتباط بدءا من الثمانينيات ، مقدمة لمحيطها الغربي تنازلات بقدر ما ضعفت قواعدها الشعبية

وبالتدريج أنهم أبطال الاستقلال وثوريون آخرون من العالم الثالث ، أو من تلاهم ليس فقط بإعادة علاقات الهيمنة الثقافية ، ولكن بضمان (عودة تبعية) جديدة اقتصادية في البدء ثم سياسية فيما بعد (وحتى عسكرية في الشرق الأوسط ، حالما تكف دول المنطقة عن مقاومة المطالب الإسرائيلية) عبر أكثر أسلحة القمع السياسي لا إنسانية .

وفي الملكيات النفطية المحافظة التي يفترض أنها بقيت أكثر قربا من المرجعية الدينية فإن المرور بنوع من " العلمنة " ثم الاستبدادية وعودة التبعية موجود فعلا، ويغذي توترات مماثلة، في المملكة السعودية خلال الثمانينيات وسنعود إلى ذلك

اختزل العلماء إلى دور توابع للسلطة إلى موزّعين لفتاوى مالية تشرع أشكال الاستثمار ، أو إلى دور معارضين صامتين وتقلّص نفوذ القانون الديني تدريجيا إلى حيزّ الأحوال الشخصية فقط ، غير مكتسب ساحات جديدة سوى مجال المال المدعو إسلامي فضلا على ذلك

يبدو الثمن السياسي لتبعية المملكة السعودية للغرب متناسبا مع الشهبة الأميركية والأوروبية للموارد النفطية ، إذن سيشكل كل من الاستبدادي والفساد والقوى الغربية حتما ، الأرضية التي ستنمو عليها المطالب الإسلامية أولا ، وراديكالية قسم من أعضائها فيما بعد .

أمام عودة الاستعمار:القاعدة وزمنية الإسلام السياسي الثالثة

تصبح الولايات المتحدة الآن مشكلة للعالم ، كنا معتادين على أن نري فيها حلا بالأحري، بعد أن ظلت نصف قرن ضامنا للحريات السياسية وللنظم الاقتصادي تبدو أكثر فأكثر عامل فوضي عالمية ، مغذية الريبة والترعات حيث تستطيع (إيمانويل تود 2002م)

هل تساءلتم لماذا لم تكن السويد هي البلد الذي هاجمناه ؟ (أسامة بن لادن ، رسالة إلى الشعب الأميركي 2004 م)

تبدأ زمنية الإسلام السياسي الثالثة ، التي تم خلالها تبلور نفوذ القاعدة في بداية التسعينيات وهي ترسخ نوعا من النقلة في المشهد العالمي ، أو بالأحرى "عودة " إلى الدول لحركات الكفاح المعارضة في الوطن العربي ، في نظر جيل سياسي

أصبحت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي فرضت نفسها، ثانية وبالتدريج الخصم الأساس الذي كانته خلال الحقبة الاستعمارية وهكذا تقترب صورة تحوّل جديد من العدو القريب إلى العدو البعيد

التي استخدمها المصري أيمن الظواهري لوصف إستراتيجية منظمته المتطرّفة من صورة عودة إلى المواجهات الثنائية للشكل الاستعماري ، بما أن القوى العظمي تأكدت من جديد رغم وجود النخب الحاكمة المختزلة إلى مرتبة محاسيب أصحاب " الإمبراطورية " الجدد.

في الأساس تعود أصول الراديكالية وتدويل الثورة التي اجتاحت قسما من الصفوف الإسلامية إلى ثلاث حالات " منع من التمثيل " أولها هو ما يتألم منه الجيل الصاعد من المعارضين للأنظمة الحكومية العربية ، الذي يعي سنة بعد سنة إحكام إغلاق الأنموذج السياسي الذي حل في كل مكان محل وعود ، "التحول الديمقراطي " الزائلة

والثاني إقليمي : "إخفاق السياسي" وينجم عن تفاقم الصراع العربي الإسرائيلي ، " الغير متكافئ" أكثر من أى وقت مضي ، وحالة الإهمال الذي انتهت إليه آمال المعسكر الفلسطيني، المضعف فوق ذلك بانهيار حليفة التقليدي السوفيتي ، فور إغلاق الطريق المسدود لاتفاقيات أوسلو عام (1993 م)

الاختلال السياسي الثالث عالمي : انهيار الاتحاد السوفييتي ، الذي بإنهائه تقسيم "المعسكر الغربي " أزال نوعا من الضبط الضروري لشهية واشنطن ، التي نظمت سياستها الخارجية بعد ذلك حول تدخل وحيد الجانب أكثر فأكثر

ويؤكد رشيد خليل أن: هذه الحرب (الأميركية في العراق عام (2003م) أرادت بالدرجة الأولي أن تظهر أن الولايات المتحدة كانت قادرة على التحرر من وصاية القانون الدولي ومن ضرورة أخذ رأيه

ومن موافقة الأمم المتحدة ، ومن الاضطرار إلى التصرّف ضمن تخالفات (....) بما أن أحداث (11 أيلول كانت (...) فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف الذي ظل طويلا يداعب خيالها .

العلاقة المشتركة بين مستويات الأزمة الثلاثة هذه وطني وإقليمي وعالمي، وسعت تدريجيا هوّة سوء التفاهم بين ملايين المواطنين في منطقة كاملة من العالم الذين يعتبرون أنفسهم ضحيتها من جهة

ومن جهة أخرى ائتلاف المستفيدين منها على المستوى العالمي، أو الإقليمي، أو ضمن مختلف المناصب الوطنية : الإدارة الأميركية وحلفاؤها الأيديولوجيون المحافظون الجدد ، ثم الدولة العبرية التي يدعمها بقوة رأيها العام وقدراتها القوية على الاتصالات ثم النخب الحاكمة العربية ، المجردة غالبا من أى دعم شعبي

هذا الإخفاق المتكامل للضبط السياسي لتوترات العالم هو الذي ساهم إلى حد ما في بداية التسعينيات في فتح علبة باندورا (علبة الشرورة في الأساطير اليونانية) للراديكالية الإسلامية ، ويمكن عد تمرّد القاعدة ، الطفل المسخ لكل ظلم العالم إحدى مظاهرها الرئيسية .

في المحيط الغربي الديمقراطي إجمالا تشير مطالب التيار المناهض للعولمة ، بوسائل مختلفة جذريا ، إلى الاختلالات السياسية والاقتصادية التي لا تخلو من علاقة مع تلك التي ساهمت في ظهور القاعدة في الأراضي التي تبلغ فيها الهيمنة الغربية الناتجة من المصالح النفطية والأمن الإسرائيلي حدة خاصة

وحيث فوق كل شئ يمنع الأنموذج السياسي المحلي كل أشكال الاحتجاج الشرعي ، تفضي الراديكالية إلى ظهور اللغة الثورية ثم الممارسة والراديكالية المتعصبة لأسامة بن لادن وأنصاره .

عدم معاقبة أشباه بينوشيه العرب

تتحلي هيمنة (الأنموذج المؤسسي العربي) الذي يكفله النظام الدولي ، قبل كل شئ ، يمنع القوى السياسية الحقيقية ، ثم تجريحها تدريجيا ، وتمثل الأحزاب المحرومة من حق التشكل أو من الوصول إلى المسرح السياسي الشرعي ، في أغلبيتها الساحقة الجذع المركزي للتيار الإسلامي

ونستبدل بها الأنظمة " شركاء " معارضين مسبقي الصنع من أجل متطلبات إخراج " تعددية " الغاية منها قبل كل شئ صنع واجهة ديموقراطية تحظي ببعض المصداقية في الخارج وبسبب رفض هذه الأنظمة دفع ثمن وجود آليات تمثيل حقيقية فإنها تلجأ إلى القمع لتواجه التوترات الناشئة لا محالة من هذه الثنائية بين الحقيقي والمؤسسي .

ويستخدم التعذيب بشكل شائع ومنهجي ، من الرياض إلى الرباط ، وهو لا يطال فقط السجناء السياسيين ولكن أيضا أقاربهم رجالا ونساء في أغلب الأحيان ، ويستخدم وجود أطياف متطرفة للمعارضة الإسلامية

وكذلك إخراجها إعلاميا والتلاعب بها بصورة منتظمة ذريعة لإغلاق المسرح السياسي الشرعي ، وهكذا تعيش مصر الرئيس مبارك الذي " انتخب " في أيلول (2005م) لولاية خامسة مدتها ست سنوات

في ظل قانون الطوارئ منذ عام (1981م) إن النظام الانتخابي المعطل من كل تأثير في ميزان القوى في رأس الدولة أو " المنزوع الفتيل " حسب التعبير لعالم السياسة المغربي محمد توزى غير ذي فائدة في كل مكان تقريبا .

وأخيرا وليس آخرا ، هذا "الأنموذج السياسي العربي" متعايش مع دعم غربي بلا تحفظ تقريبا ، أولي تناقضات النظام العالمي الجديد الأمريكي هي طبعا رضاه بزوال الحظوة العميق للأنظمة الاستبدادية التي يستند إليها

نستطيع أن نري هنا عمي مستمرا ، نشأ خصوصا من الميل الأميركي الموروث من الأزمة الإيرانية لعامي (1979م - 1980م) إلى تجريم الجيل الإسلامي بكامله من دون تمييز ، أو نري على العكس ، وضوح رؤية كبيرا للمدى القومي للانطلاقة الإسلامية وللفوائد التي يمنحها الأنموذج الحال للقائمين عليها ، ولو على حساب التضحية ببعض المبادئ .

تعتمد مصادر حشد أتباع لابن لادن إذن على إحباط جيل سياسي بعد نفسه بين مطرقة التدخل الأميركي المتزايد العنف وسندان الاستبدادية القامعة لنخبة الحاكمة بالذات ،خلال التسعينيات ، تركزت استراتيجيات التحرير شيئا فشيئا على (ضرب) اليد الأميركية التي تعتبر ممسكة بالمطرقة .

فلسطين السجينة

لا يفاجئنا بعد ذلك أن الصراع العربي الإسرائيلي على فلسطين يقع في قلب اختلال الضبط السياسي للعالم خلال التسعينيات، لم تتلق منظمة التحرير الفلسطينية، التي تخطت العتبة المذهلة للإعتراف الرسمي بدولة إسرائيل سوى تعويض وهي إداري أظهرته الحدود الحقيقية لاتفاقيات أوسلو

وحلت صورة معازل " كانتونات " مخنوقة ، يعاد رسمها بتزايد استيطاني لا نهاية له بلا رحمة محل صورة دولة فلسطينية قابلة للحياة ، تؤجل إقامتها باستمرار إن حزب العمل المعروف

مع ذلك بأنه " نصير السلام " هو وضع قبل مجئ الليكود إلى السلطة بوقت طويل أرضية هذا الاستيطان المنهجي للضفة الغربية الذي أفرغ المبدأ المنادي به (الأرض مقابل السلام) من محتواه .

ومنذ نهاية عام (2000م) أعطت الانتفاضية الثانية للمتطرفين في معسكر شارون التويغ لإعادة احتلال المعازل الفلسطينية بلا قيد ولا شرط وجعل العنف يتخطي عتبة جديدة واقتحمت مخيمات اللاجئين بالأسلحة الثقيلة والجرافات

ويظهر "الجدار الأمني " الذي يلحق مئات الهكتارات من الأراضي الفلسطينية ، في مساره أكثر من منه هو بحد ذاته ، حقيقة الاستراتيجية الإسرائيلية ، سريعا ما يغدو من الواضح لكل الفلسطينيين وللذين حافظوا في مختلف بقاع العالم على ميزة وجود إعلام موضوعي بدرجة عقلانية أن الإسرائيليين ، لا يتمنون السلام فقط

ولكنهم يطمعون أيضا .. في الأراضي التي احتلوها منذ (1967م) كما يبدو جليا أن الإدارة الأميركية لا تقل في ذلك إدارة كلينتون عن إدارة بوش الإبن ، لا تنوى فعلا معارضة سياسة الضمّ غير القانوني بها هذه لمساحات كاملة من الضفة الغربية .

النضال ضد السيد خير من النضال ضد أتباعه : القاعدة تهاجم النظام العالمي الأميركي

في بداية التسعينيات ترك الأنموذج ما بعد الاستعماري مكانه لنظام جديد إميريالي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية بشكل أكثر وضوحا من أى وقت مضي ، والأساليب التي تستخدمها واشنطن لتثبيت سيطرتها ، أو لتنجزها ليست جديدة بالتأكيد .

عام (1973م) في تشيلي أد ، حادثة مشابهة لحادثة (11) أيلول إلى قيام ديكتتورية رهيبة "خاضعة" على أنقاض ديمقراطية متمردة وتضاف إن الأهداف المرجوة من وضع كل القارة الأمريكية الجنوبية تحت الوصاية الطبيعة الاستراتيجية للرهانات النفطية والمتطلبات الخاصة بأمن الدولة العبرية في الشرق الأوسط ، في المنطقة

إن مبدأ إبعاد فريق حكومي منتخب قانونا ولكنه وطني أكثر مما ينبغي لصالح نظام استبدادي أكثر تساهلا ، طبق للمرة الأولي في شهر آب عام (1953 م) عند الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني مصدق بالتنسيق مع البريطانيين .

واستهلت حرب الخليج الثانية عام (1991م) عقد التدخل الأمريكي في شبه الجزيرة ، ودفعت الديكتاتورية العراقية ، التي كانت حتى ذلك الحين الحليف المفضّل للولايات المتحدة ثمن انقلاب السياسة الخارجية الأمريكية وتعبئة الأمم المتحدة لقاء محاولتها " المشؤومة " للاستيلاء على آبار النفط الكويتية في آب عام (1990م)

وبعد التضحية بجيش صدام حسين ، الذي قصفته طائرات (بي 52) أتي دور مئات آلاف السكان المدنيين في دفع ثمن الحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف ، وأعطي نزع سلاح القوة الإقليمية الوحيدة القادرة

على أن تقاوم الدولة العبرية عسكريا ، واشنطن فرصة توطيد وجودها المسلح في البلاد المتاخمة للعراق ، ومنها المملكة السعودية ، وبدأت المرحلة المؤسسة لنهب منتظم لأكبر احتياطي نفطي عالمي وهي من أهم أسباب الثورة المقبلة لمعسكر القاعدة .

ولا يقتصر مسرح عمليات أكثر مبادرات السياسة الخارجية الأميركية والغربية استهجانا في التسعينيات على شبه القارة العربية ، لقد افتتح العقد في الجزائر بنصر انتخابي مزدوج (حزيران 1990 وأيلول 1991 م) لمعارضة متعددة مجتمعة في جبهة الإنقاذ الإسلامية

من دون شك ليست هذه الجبهة أكثر ديمقراطية بشكل ذي مغزى من العسكر الذين هددت مصالحهم وقتها لكنها ليست بالضرورة أقل منهم ، كما أن المؤسسة الرئاسية القوية ، التي تعطل الدستور وتملك القوة المسلّحة تحد كثيرا من مدى عمل أغلبيتها النيابية الممكنة مع ذلك

وبحجة المحافظة على الديمقراطية تركت أوربة والولايات المتحدة السلطة العسكرية تصادر نتائج هذه الانتخابات الأولية التنافسية وتضع إستراتيجية قمعية فظيعة اعتبارا من كانون الثاني (1992 م) .

وانضم إلى صمت الولايات المتحدة المؤيد دعم إعلامي وسياسي واقتصادي مؤكد لفرنسا فرانسوا ميتران ، وشاع شيئا فشيئا شعور بثنائية غربية صلفة في نظر الأغلبية الساحقة للرأي العام في العالم الإسلامي التي لا تشاطر باريس والجزائر العاصمة التفسير الذي حاولنا

جعله قابلا للتصديق ثنائية مشابهة شعر بها عام (1995م) عندما ذبح آلاف السكان المسلمين في البوسنة رغم وجود الجيوش الغربية المنتدبة من الأمم المتحدة والتي يفترض أنها أتت لحمايتهم .

وأخيرا خارج الشرق الأوسط ولكن في أرض مسلمة أيضا أعطي النظام الأميركي الجديد لعدوّه السابق الروسي تفويضا كاملا ليقود في الشيشان ضمن حطام إمبراطوريته حربا استعمارية لا تقل وحشية عن تلك التي خسرها للتو في أفغانستان

من تخطي قوميات السياسات الأمنية إلى تدويل مقاومة إسلامية

تربط الأزمات السياسية الداخلية في العالم العربي وجزء من العالم الإسلامي في مخيلة جيل بأكمله ، وليس فقط لدي الإسلاميين بشكل متزايد ومنهجي بهذا النظام الذي يرغب أن يكون عالميا لكنه يبدو أكثر فأكثر أمريكيا فقط

ويتعاظم ميل واشنطن إلى اللجوء إلى القوة المفرطة ، على غرار ميل الحكومات العربية التابعة لها إلى اللجوء إلى القمع ويعبر الاثنان عن عجز مشترك في الشرعية السياسية ، هذا النظام العالمي لا يتأمرك " (بفعل غياب الثقل المقابل السوفييتي ) فحسب

لكنه يميل أيضا إلى أن يصبح طائفيا ، بسبب استخدام المحافظين الجدد المرجعية المسيحية استخداما متزايدا وهو يميل أيضا إلى التخلص من ضمانة المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها ، واشنطن ، والتي تتناقص بها بعد كل شئ .

يرأى ملايين من سكان العالم الإسلامي (وبرأى غيرهم كذلك ، تراجع سراب نظام عالمي جديد "عمومي" غير مغرض وسلمي ، أمام حقيقة الدعم الذي تقدمه قوة عظمي متغطرسة ومنغلقة أكثر فأكثر بشكل واضح ، بكل الوسائل

بما فيها العسكرية، إلى معسكر واحد ، من السهل تحديد ممثليه ، إنهم أولا رسل مصالحها الخاصة المالية ورؤيتها الإيديولوجية الضيقة أى، بالترتيب ، مجموعة صغيرة عسكرية - صناعية ذات ارتباط وثيق بالسلطة وناخبون مسيحيون ويهود منظمون للغاية

ثم بعد ذلك الفاعلون الحكوميون الإقليميون الذين يساعدونها في حمايتهم ، إسرائيل من جهة والأنظمة الإستبدادية العربية من جهة أخري .

وفي عقد التسعينيات ازداد وضوح العلاقة المشتركة بين سياسة التدخل الأميركية والتصعيد القمعي للأنظمة الحكومية الداخلية العربية . فحتى قبل (1/9/2001م) منحت تلك العلاقة منهجة تعاون أمني ومأسسته مظهرا جديدا

وأكملت "الحرب على الإرهاب" تماثل بعض هذه الأنظمة العربية مع النظام الأميركي ، وبالعكس ، المصالح الأميركية مع بقاء هذه الأنظمة ، رغم سقوطها الواضح شعبيا .

وتستند الصيغة التي تدعم هذه الصفقة غير الشرعية بين النظام العالمي والأنظمة الاستبدادية إلى تبادل الموارد : "تشترى " تلك الأنظمة السكوت والدعم الغربيين بتنازلات تمتد من طلبيات شراء ضخمة للأسلحة إلى المساعدة في ضبط أسعار النفط مرورا برشي شخصية ، هذا ما ستبقيه طويلا في الذاكرة قصة العلاقات الثنائية الأميركية – السعودية بالطبع ، وأيضا قصة العلاقات الفرنسية – الجزائرية .

وتشكل أول قمة عالمية كبيرة ضد الإرهاب (الإسلامي) في شرم الشيخ في شهر آذار عام (1996 م) على نحو خاص تعبيرا رمزيا لهذا السياق ، وهي تسبق بخمسة شهور دعوة بن لادن الأولي إلى "الحرب على الأميركيين " التي أطلقها في (23 /8/1996م) ونشأ ارتباط مزدوج سياسي ولغوى رمزي بين مسؤولي النظام الأميركي وحلفائهم العرب والإسرائيليين

ومنذ ذلك الحين أصبح "الإرهاب الإسلامي" وحلفائهم العرب والإسرائيليين ، ومنذ ذلك الحين أصبح "الإرهاب الإسلامي" العدو المشترك لكلينتون وبوتين ونتانياهو وكل الحكام المستبدين العرب

وأعلن عن تحالف بين الأجهزة الأمنية الأميركية والأوروبية (بما فيها الروسية) والدوائر الإسرائيلية والأجهزة القمعية لأشد الأنظمة العربية استبدادية ، العدو هو ذلك "الإرهاب الإسلامي" المشار إليه ، من دون تمييز وهو يشمل كل أنواع الواقع:واقع فلسطين نتياهو وشيشان يلتسين ثم بوتين ، وجزائر الجنرالات أو تونس بن علي.

لقد كرست لغة شرم الشيخ ، إلى حد ما ، تجريم كل مقاومة ، مسلحة كانت أم سلمية ، موجهة ضد إساءات الجبهة الواسعة جدا للإستبداديات الوطنية والإقليمية والعالمية كل ناشطي هذه المعارضات وهذه المقاومات هم "مدعوون"

بالتالي عبر وسم مماثل إلى أن يتماثلوا مع بعضهم ، وهذا ما قاموا به فعلا في الحالات التي لم يكن قد أنجز فيها بعد هذا التنسيق الرمزي والسياسي ، في نظر كثيرين ممن توجه لهم هذه الرسالة فإن تدويل قمع كل أشكال التعبير الاحتجاجي أو الاعتراضي الذي يستخدم القاموس الإسلامي يشجع شرعية تدويل مماثل للمقاومة وضرورته .

من منظور مقاتلي القاعدة ، هكذا يحدد "العدو" الأميركي "البعيد" مصيره الذي ارتبط منذ الآن فصاعدا مع مصير "العدو القريب ، والذي كانت له الأولوية لفترة طويلة وتمثله الأنظمة العربية ويتحقق في الحراك الإسلامي تدويل وإعادة تموضع الكفاح المسلح في نفس الحقبة ، كصدي لهذه العولمة الأميركية لنظام الاعتراض عليه .

مجاهد بلا حدود أو آثار دور الجهاد في أفغانستان

يشكل انخراط بضعة آلاف من الشبان المسلمين (بين 10000 و15000) في صفوف المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي (بين عامي 1979، 1987م) فصلا يجب على تحليل جيل القاعدة أن يأخذه بالحسبان بالطبع

من المؤكد أن هذا "العامل الأفغاني" والفرصة الممنوحة لعدة آلاف المناضلين للمشاركة بنصر في الكفاح المسلح ضد القوة العالمية الثانية في تلك الفترة ، مارسا دورا ذا مغزى في بلورة جيل القاعدة وتثبيته ، مماثلا نوعا ما ، لما ستقوم به صراعات يوغوسلافيا السابقة والشيشان فيما بعد ، مع ذلك لا يمكن عده عاملا مفسرا وحيدا أو حتى مركزيا .

ومن دون شك سهل الانتقال إلى الفعل بتسريع انتقال وتدويل الاستراتيجية الثورية أكثر من كونه فرصة تدريب عسكري ، كما أكد فعالية أو فقط قابلية تحقيق الكفاح المسلح ضد أحد أسس النظام العالمي ، على حساب سائر الاستراتيجيات السياسية

إن انطلاقه "معسكر الرفض" المؤلف من أقلية من أنصار العمل المسلح قد أهّب لها في الواقع فشل الصراعات القائمة ضمن الحدود "الوطنية" (في مصر وفي الجزائر خصوصا)

وكذلك الغياب الفاضح لمخارج يقدمها النظام العالمي لمن يحل محلها ممن يتقيدون بحرفية الشريعة ضمن الجذع المركزي للتيارات الإسلامية ، ولا سيما الإخوان المسلمين خصوصا .

نشأت الفترة الأفغانية حول أطوار ومناهج منطقية متتابعة ومختلفة نسبيا ، كانت الأولي ، في بداية الثمانينيات ، مرحلة التعبئة الشرعية ، وحتى الرسمية (من وجهة النظر المزدوجة للمحيط العربي وأمريكا) لآلاف الشبان المتطوعين في صفوف مقاومة الاحتلال السوفييتي

وتصادف الوجود الشرعي لهؤلاء " المقاتلين بلاد حدود الذي سموا " الأفغان العرب " لفترة طويلة (مع أنهم كانوا قادمين في الواقع من مجمل العالم الإسلامي) لفترة طويلة مع نصر تحالف المعارضين لنظام كابول وانسحاب القوات السوفييتية الذي تلاه ، والذي كان نصرا لهم أيضا .

بدأت بين المنتصرين عام (1992 م) حرب أهلية دامت أربع سنوات ، ودفع ثمنها " العرب " في البدء وتصادف اضطرار معظمهم إلى الانكفاء خارج الملاذ الأفغاني مع بداية مرحلة قمع متعاظم من أنظمة بلادهم (وخصوصا المملكة السعودية والجزائر) التي توجست خيفة من هؤلاء الذين تهورت وأرسلتهم ، أو تركتهم يذهبون ليتدربوا على الجهاد ، وبنظر وسائط الإعلام الغربية ، تحول "المجاهدون" فجأة إلى "المهاويس الدينيين".

قلب مجئ "طالبان" إلى السلطة عام (1996م) اللعبة الإقليمية مرة أخري ونال الاتفاق الذي عقده معهم أسامة بن لادن دعم أيمن الظواهري وأعضاء حركته المصرية (منظمة الجهاد) الثانية ، مع الجماعة الإسلامية ، من فرعي الإسلام السياسي الراديكالي المصري المنخرط في صراع مفتوح مع النظام اللذين نجيا من قمع السنوات السابقة الفعال

قرر الظواهري عندها أن ينقل جبهة صراعه القديم (وغير المثمر) مع عدوه "القريب" الدولة المصرية نحو عدو (أميركي) بغيد بالتأكيد لكنه يجمع حوله عددا متزايدا من المستائين استياء واضحا ، أعطت هذه المرحلة الأخيرة إشارة الانتشار الشرعي (من وجهة مضيفيها الأفغان) للشبكات الدولية للقاعدة .

وهكذا تحولت إتهامات الجيل الإسلامي ومطالبه التي وجهت طويلا صوب الأنظمة ، لتصبح أولويتها القوى الاستعمارية الأوروبية القديمة بالدرجة الأولي أو بشكل أكث تحديدا إلى قمة الهيكل العالمي للسلطة ، أى : أمريكا ، التي حلت محلها بشكل لا يقاوم أثر انكسار الاتحاد السوفييتي .

ضمن هذا السياق ، كتب مصري اسمه محمد عطا وصيته في نيسان عام (1996م) وفي ذلك التاريخ أيضا انخرط معه معظم منفذي اعتداءات (11) أيلول معه على الطريق الطويلة التي ستمر بأفغانستان ، وهامبورغ ومدارس الطيران المدني الأميركية لتنتهي ذات صباح من شهر أيلول عام (2001م) في أتون مركز التجارة العالمي .

من السفور الاستعماري إلى التحديث خلف الحجاب:زمنيات الإسلام السياسي وتقال:الحجاب الإسلامي

كان المحرّك الأساسي للهوية الإسلامية ، خلال الوجود الاستعماري ثم بعده ، موضع استراتيجيات متحمسة ، ويوضح الجدل بخصوص ارتداء الحجاب الإسلامي في القرن المنصرم بطريقته تعقيد الصدمة الناتجة من الاحتلال وكذلك الزمنيات المتتابعة (واستمرار الرهانات) لرد الفعل "الإسلامي" .

تبدأ قصة الحجاب "السياسية" المعاصرة في سياق تثبيت الوجود الاستعماري. تم نوع من "إزالة الأسلمة" الرمزية تحت تأثير الارتقاء القوى لثقافة المستعمر وباسم التحديث الذي ينوى تشجيعه ، وفي زمن تال،حارب ناشطوا ديناميكية "إعادة الأسلمة" ، "محو التقاليد" المحدث هذا الذي أعاد تبنيه

وعلى نحو واسع الجيل الأول للنخب الاستقلالية ، إلا أن ديناميكية "إعادة الحجاب" المعارضة في الأساس ، قامت بها أنظمة في بعض الحالات بما يتضمنه ذلك من تجاوزات استبدادية أحيانا .

اليوم خرج الجدل حول الحجاب ، الذي بدأ على أراضي المسلمين عندما كانت مستعمرة ، من حدوده الأولي لينتشر في العالم ، إنه يدور أيضا وبنفس الحماس، في المجتمعات الغربية ، حيث قاد تاريخ مشترك صاخب إلى توطن "سكان مستعمرات الجمهورية الأصليين " السابقين ، بذاكراتهم وطموحاتهم وحقوقهم .

أول هزة مرتبطة " بمسألة الحجاب " كانت إذن هزة نوع من "محو التقاليد ، تحديث " تمت تحت تأثير خارجي : فاعتبارا من الثلاثينات تقريبا قرر عدد قليل (جدا) من النساء المسلمات اللواتي على غرار أمهاتهن لم يكن يرتدين الحجاب

لكنهن كن قد ولدن وترعرعن داخله أن يتخلص منه ، قاصدات الإشارة بهذه الحركة إلى مرحلة رمزية من تحررهن ، في عام (1923 م)

ومن على جسر السفينة التي كانت تقلها في طريق عودتها من إيطاليا ، ألقت هدى شعراوي ، ابنة رئيس أول مجلس نيابي مصري ، محمد سلطان باشا ، الحاكم العام لمصر العليا ، عمدا ، من على السفينة قطعة قماش مربعة كانت أمها من دون شك قد غطت بها رأسها منذ طفولتها

ومن دون أن تطرح أسئلة فيما بعد حذت حذوها شخصيات بارزة أخرى من الجيل الأول للحركة النسائية " العصرية " وخصوصا المغربيات ، في عام (1924م) خلعت التونسية منوبية ورتاني علنا منديلها في نادي النهضة الأدبي الاشتراكي

وقام عدد من النسوة عندها بنفس العمل بمطلق إرادتهن مقتنعات بأن هذا الرمز لهوية دينية يثقل استقلالهن النسوى أكثر مما يحميهن ، عندها وافقن بين الثقافة والتحرر وإعادة تفسير للمرجعية الدينية حتى إن عددا قليلا منهن قام بقطيعة معها .

وإذا كان بعضهن يتصرف بمبادرة خاصة بهن ، فقد تلقي الجميع دعم السلطات الاستعمارية المؤكد ما استدعي بالتالي شجب أحد أقسام الصفوة الوطنية على الأقل ، إن مناضلات الجيل الأول من حركة التحرر النسائية العربية هن موضع رهان استراتيجيات ليست كلها من فئة التحرر ، هنا وهناك تتبدى ازدواجية هذا الحنوّ الاستعمارية والتحاور الخبيث بين " تحرر مستقبلي" ممكن ، وحجة إبقاء "احتلال" حاضر .

برأي بعض منظري استعمار تلك الحقبة فإن وضع المرأة العربية، التي هي "ضحية مجتمعات متأخرة" هو في الواقع الدليل الحي على عجز هذه المجتمعات عن حكم نفسها بنفسها ، وانطلاقا من ذلك ، الدليل على شرعية وجود القوة " المحضرة" القادمة لتحريرها وعملها .

وكان اللورد كرومر قد جعل من الحجاب في الإمبراطورية البريطانية رمز احتقار المجتمعات المسلمة للمرأة ما سمح له بأن يقدم نفسه كمدافع عن هذه المرأة الشرقية المحتقرة ، مع ذلك ، وبشكل ذي مغزى كبير ، لم يكن دعمه لقضايا الشأن العام في أرجاء الإمبراطورية ، يمنعه من النضال في انجلترا بكل قواه ضد حركات تحرير المرأة .

وهكذا حمل الخطاب حول " تحرير المرأة المسلمة "، متظللا بمظاهر خارجية إنسانية ،قسما من تناقضات الخطاب الاستعماري : ففي الوقت الذي كان يحلم فيه برفع الحجاب عنها ، كان ينكر عليها ، كما على إخوتها وآبائها ، بلوغ مواطنية سياسية مطلقة وكاملة ، وبالتالي في الجزائر وسواها ، رمز رفض السفور تدريجيا إلى أحد أشكال مقاومة النظام المحدث

وبالتالي ، وبكل بساطة ، النظام الذي كانت القوى الاستعمارية تحاول الحفاظ عليه ، ولا يدهشنا أن (فرانز فانون) لم يفته شئ من هذا الإرتباط بين " نزع الحجاب المحدث " وديمومة الهيمنة الاستعمارية .

فقد كتب في (سنة النصر للثورة الجزائرية) بدأت المعركة الفاصلة قبل عام (1954م) وبشكل أكثر تحديدا منذ الأعوام (1930 -1935م) مسئولو الإدارة الفرنسية في الجزائر ، المكلفون بتخريب أصالة الشعب

الذين أوكلت السلطات إليهم مهمة القيام بها ، مهما كان الثمن ، بتفكيك أشكال الوجود القابلة للتذكير من قريب أو بعيد بواقع وطني ركزوا معظم جهودهم على مسألة ارتداء الحجاب .

في الجزائر هذه المرشحات "للتحرر" كن كذلك أحيانا تلبية لنداء زوجة أحد القائمين بحفظ الأمن العسكري الاستعماري الرئيسين ، الجنرال مأسو ، كما فعلت أخريات في عدن تلبية لنداء زوجات الضباط البريطانيين .

وتحلل اليوم حوزية بوتلجة أنه ، عندما صعدت مسلمات على منصة في (13 أيار عام 1958م) في الجزائر العاصمة في ساحة الحكومة ليحرقن حجابهن ، فإن الرهان على هذا الإخراج المسرحي كان كبيرا:من منظور السلطات كان على النساء الجزائريات ألا يتضامن مع معركة أقاربهن وكان هذا العرض تعبيرا عن أسلوب سلطة استعمارية تعمل كي تكسب النساء إلى جهة التحرر وخلود "الحضارة الفرنسية"

أما رد فعل المجتمع الجزائري فكان إبقاء النساء ، وهذا أمر حيوي ، خارج الغزو الاستعماري للمحافظة على الكيان الجزائري ، كتب فرانز فانون : عاد بعض من كن قد خلعن الحجاب منذ زمن طويل لارتدائه ، مؤكدات بذلك أنه غير صحيح أن المرأة تتحرر بدعوة من فرنسا أو من الجنرال ديغول .

الحداثة ترتدي الحجاب من جديد

فوز تحاوز السياق المضطرب لأول ديناميكية تحديث مكثفة بتداخلات الهيمنة الاستعمارية، خلعت نساء من نفس الجيل حجابهن أيضا،ولكن هذه المرة ، في نطاق حركات الاستقلال الجديد قمن بذلك إذن بمعزل عن أى ضغط أجنبي

وفوق ذلك بتشجيع من الجيل الأول للنخب الوطنية التي كانت ما تزال مكللة بانتصارها على المستعمر ، مع أن هذه الصفحة الثانية من التحديث المناصر للنساء لا تخلو من سوء التفاهم والتناقضات

وبشكل أكثر راديكالية أيضا مما جرؤت عليه السلطات الاستعمارية فإن الأنظمة "المحدثة" الآتية من سياق تأكيد الهوية الوطنية لم تخش في الواقع التحرر من قوانين الثقافة (الدينية) الموروثة .

بدأ هذا الطريق منذ العشرينات في تركيا، عندما أبطل "أبو العلمانية كمال أتاتورك" الخلافة، منهيا كل مظهر مؤسسي للانتماء الإسلامي عبر الوطني منع عندئذ استعمال الأبجدية العربية وتبني التقويم المسيحي الغريغوري

وأدخل أجزاء كاملة من التشريعات الأوروبية في قانون الأحوال الشخصية والقانون العام و منع النساء من ارتداء الحجاب بمرسوم صدر في (30 آب عام 1925م) وفي الوقت نفسه، اختار فوق ذلك أن يحظر على أزواجهن وآبائهن وإخوتهن ارتداء الطربوش غطاء رأي آبائهم "التقليدي" أو المعتبر كذلك ، بعد بضع سنوات (عام 1935م)

وعلى الحدود التركية الشرقية جعل الإمبراطور الإيراني بهلوى من رأس المرأة المكشوف ، وكذلك من وجه الرجل الحليق الذقن ، رموز حداثة ينوى فرضها ، وهكذا منع النساء من ارتداء الحجاب وانتزع أمام الملا ذقن أصحاب المقامات الديني .

وفي البلاد العربية التي استقلت حديثا في الخمسينات والستينيات تبع العديد من المحدثين العلمانيين خطي هؤلاء الرواد ، بكثير أو بقليل من الاستبدادية ، ومنهم التونسي الحبيب بورقيبة وهكذا وباسم هذا التحديث نفسه ندد بورقيبة بمعظم العلاقات الإسلامية للمجتمع الذي يريد أن يقوده قسرا نحو " التقدم " من صيام شهر رمضان إلى نحر أضاحي العيد

مرورا بالحج إلى مكة أو جامعة الزيتونة الإسلامية التي همشها هؤلاء وهاته الذين شرعوا تدريجيا بالتملّص من هذا " التحديث ، إزالة التقاليد " الثاني تمثلوه كسابقة كنوع من " إزالة أسلمة" دينية وبشكل أوسع ثقافية .

على كل حال ، وبعد ربع قرن أكدت العلامات الأولي لديناميكية سياسية جديدة هذه الفرضية ، دخلت مسألة الحجاب في حلقة جديدة من الاضطرابات حلقة "إعادة الأسلكة" وردود الفعل المتعددة التي أرثارتها ، ضمن العدد القليل

ومن المهم أن نتذكر هذه النقطة من اللواتي خلعن الحجاب أو لدي بناتهن، حدث عندئذ غالبا نوع من عودة التزام ارتكاسية به ومنذ حوالي منتصف السبعينيات طالبت نساء ينتمين عموما ، أيضا إلى نخبة المدن بحقهن في ارتدائه .

كان هذا حال هند شليي ، أستاذة جامعة من عليّة مجتمع مدينة تونس التي قررت ، عام (1974م) أن تغطي رأسها خلال احتفال ترأسه رئيس الدولة ، الذي رفضت ، فضلا على ذلك ، قبلته الأبوية ومصافحته ، على أن بورقيبة ، على غرار شاه إيران ، كان أحد رموز معركة " تحرير المرأة " في العالم العربي

و رغم أنه قبل أن ينضم إلى الدعوات إلى خلع الحجاب كان قد انفصل عنها طويلا ، إذ رأى فيه إحدي " العلامات التمييزية " وبالتالي إحدى آخر دفاعات هوية وطنية في خطر

في الواقع إن هند شليي تجري بذلك قطيعة مع المعايير المتعلقة بالثياب (رأس وذراعان وركب مكشوفة) لنخبة صغيرة مدينية خلدها الجيل الأول للسينما المصرية ورأي فيها الغرب طويلا أفضل دليل على تأثيره المحدّث .

واصطدمت حركة " عودة الحجاب " هذه ولا عجب ، بعدائية النخب الوطنية التي كانت قد شجعت السفور المحدّد وكذلك بعدائية نظرائها على الضفة الشمالية للبحر المتوسط الذين رأوا فيها دحضا لعمومية تركتهم

وبما أن الأساليب المختلفة لارتداء الحجاب تسمح غالبا بالتمييز بين جيل "اللواتي لم تركنه أبدا" واللواتي يرغبن في العودة إليه ، بقي التمييز بين "استمرارية" التقاليد "وإعادة امتلاكها" عموما أمرا ممكنا .

ومنذ عام (1980م) ومنذ الثورة الخمينية ، اتخذت المطالبة بهذا الحجاب "الارتكاسي" وتأكيده منعطفا سياسيا أشد وضوحا، وارتبطت على نحو غير محسوس بانبعاث المعارضة الإسلامية في جميع أرجاء المنطقة تقريبا

عندها أدركت الأنظمة الواحد تلو الآخر ، مدى ظاهرة اختزلوها لفترة من الوقت إلى ذكريت مبهمة لسلفية في طريق الزوال ، في تونس "العلمانية" جعل بورقيبة وخلفاؤه وبعض جيرانه موقفة من رمز الانتماء للمعارضة المتعلق بالثياب راديكاليا بالتدريج

منذ ذلك الحين ولفترة طويلة منعت نساء (وخصوصا فيالمغرب وتونس) من ارتداء الحجاب إن أردن دخول مجموعة كبيرة من الفعاليات المهنية .

لقد أفسح ارتداء الحجاب تماما مثل منعه ، المجال لممارسات استبدادية ولم يكن حال "إعادة الأسلمة" الإختيارية بأفضل من حال "التحديث المزيل للإسلام" إذ لم تسلم من الطرق المختصرة لاستبدادية الأشخاص أو الأنظمة .

في إيران أو في المملكة السعودية ، بتأميمها التقاليد الدينية ، أو ، باختصار التقاليد جمعت أنظمة إسلامية بين فرض ارتداء الحجاب لدي جزء من هذه المجتمعات على الأقل وانعدام شرعيتها المتزايد ، وفي عام (1980م)

وبعد أن أطاح مؤسسو الجمهورية الإسلامية ، بدعم من ملايين الرجال والنساء ، بالإمبراطور الذي كان قد منع ارتداء الحجاب ، لم تكن لديهم حكمة الاكتفاء بإعادة حرية ارتدائه ، فقد فرضوا التزاما معاكسا غدا احترامه شرطا لا غني عنه لاندماج المرأة في المجتمع الشرعي

بالتالي فقدت المرحعية " الإسلامية " جزءا من شرعيتها لدى قسم على الأقل من اللواتي أردن التخلص من استبدادية الأنظمة التي فرضته ، حتى إن مجموعة صغيرة من النساء في المملكة السعودية ، قامت علنا في نهاية مظاهرة نظمت في الرياض في تشرين الثاني عام (1999 م) بدوس الحجاب الذي فرضه من نصبوا أنفسهم حراسا للشريعة .

وبينما شرعت أغلبية واسعة من النساء الإيرانيات المحجبات بنجاح في متابعة ثورة بطيئة من أجل وضعهن تبنت أقلية منهن أساليب مقاومة ، ملتحقات بعد عشرات السنين بممارسات أول مناضلات الحركة النسائية .

وهكذا بعد أكثر من عشرين سنة على الثورة الإسلامية ، اختارت المحامية الإيرانية شيرين عبادي أن تتقدم حاسرة الرأس لتسلم جائزة نوبل للسلام في أوسلو في كانون الأول عام (2003م) وبعد أن أكدت حقها في عدم ارتداء الحجاب حرصت مع ذلك على فضح ما تعده تلوّنا في قيم هذا الغرب الذي قبلت اعترافه بفضلها ، من دون أن ترغب مع ذلك بالتماثل معه .

وهكذا قبلت اعترافه بفضلها ، من دون أن ترغب مع ذلك بالتماثل معه، وهكذا استطردت بشكل واضح في إدانة القانون الفرنسي الذي أقر فيما بعد في شباط عام (2004م) والذي بمنعه ارتداء الحجاب في المدارس الرسمية اتبع نفس الطرق المختصرة للإكراه الذي أرادت أن تدينه .

وفي تشرين الثاني عام (2003م) في أثناء حرب العراق ، وقبل شهر من تحدّى المثقفة الإيرانية للأمر "الإسلامي" بارتداء الحجاب ، قررت خديجة بن قنة الصحفية الجزائرية ونجمة قناة الجزيرة القطرية أن تلتزم به بمحض إرادتها وأن تبرز هذا الحجاب الذي رفضته هدي شعراوي في زمنها وشيرين عبادي فيما بعد وضمن سباق مختلف .

منذ ذلك الحين تتردد بانتظام أصداء ديناميكيات نزع الحجاب - عودة الحجاب هذه المفروضة أو المطلوبة ، وخلف التعقيد الظاهر لهذا المدّ والجزر تبقي قراءة مستعرضة ممكنة مع ذلك ، إن الجزائريات اللواتي كنّ يرفضن زوجة الجنرال ماسو بأن "يتحررن" من حجابهن

من البديهي أنهن كنّ يتحرّكن ضمن سياق مختلف عن ذاك الذي ارتدت فيه التونسية هند شلبي الحجاب ثانية عام (1974م) إلا أنهن كن يردن مثل أستاذة الجامعة التونسية الإشارة إلى معارضتهن لما كان الحبيب بورقيبة أو السلطات الاستعمارية يروه تحديثا ، والذي كن يشعرن من ناحيتهن بأنه نوع من "إزالة الثقافة" أو "التغريب" .

كانت بواعثهن نفسها مختلفة إلا أنها مشابهة لتلك التي قادت عام (2003م) صحافية قناة الجزئرة " للإلتحاق بهن " في زمن العولمة ، لم تتابع خديجة بن قنة فقط عن كثب الجدل الفرنسي حول منع ارتداء الحجاب ولكن قبل ذلك ببضعة شهور طرد طالبة رفضت أن تخضع لذلك من المدرسة الفرنسية في الدوحة (حيث بدرس أولادها).

بعد هند شلبي بثلاثين عاما انتهت الفترة الاستعمارية بالتأكيد لكن الوقت أصبح من الآن فصاعدا زمن " الحرب الشاملة ضد الإرهاب " حيث العلامات الهوياتية للإسلام ، التي طابقتها النخب المحدثة الإسلامية مع علامات التخلف مرتبطة من جديد بالعنف الإرهابي

كما في زمن الكفاح من أجل الاستقلال إلا أن الضغط لم يعد يمارس من قبل نفس الاتجاهات لم تعد زوجة الجنرال ماسو هي التي تهتم بتحديث "الفرنسية" المسلمة "حل محلها" محدثون "آخرون و"محدثات" أخريات مسلخحين هنا بقلقهم من المعارضة السياسية ، وبتفسيرهم الضيق جدا للعلمانية هناك غير أن الجميع يتشاطرون الطموح نفسه : جعلها تتخلي عن غطاء رأسها ... " الإسلامي "

الساحة الإسلامية بين الخصوصيات القومية وتخطي القوميات

بعد وضع تعبئة القاعدة ضمن التسلسل التاريخي لزمنيات الإسلام السياسي وللإحاطة بخصوصيتها يجب وضعها أيضا "أفقيا" أو "بالتزامن" بالنسبة للتجليات المعاصرة الأخرى للساحة الإسلامية وللديناميكيات التي تميل إلى تقوية خصائص الأشكال القومية

أو على العكس من ذلك ، جعلها نسبية هذا يسمح بتكرار القول، وهذا متعلق بحقيقة يتناقص الاعتراف بها مع ذلك، إن شبكة المتعاطفين مع أسامة بن لادن لا تمثل اليوم التعبير المذهبي أو السياسي الوحيد أو جحتى الرئيس عن ديناميكية إعادة الأسلمة

(بما في ذلك على صعيد التطرف المسلح حيث تتطور حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي) يمكن أن يتم أخذ تنوع المواقف الإسلامية والحركات التي تؤثر فيها بالحسبان على عدة مراحل .

في هذا الفصل ، سنذكر أولا بطبيعة المتغيرات الوطنية التي تخط ، تبعا للمسارات التاريخية للمجتمعات المعنية الواقع الإسلامي النوعي من بلد لآخر ، في (الإسلام السياسي : صوت الجنوب) اقترحت تصنيفا أوليا لمتغيرات التمايز الوطنية هذه

وبالمقابل لعوامل الاندماج والتجانس ، إذن الأمر هنا يتعلق بتقاطعها مع التسلسل التاريخي لزمنيات تحدثت عنها ، وهي إشكالية ستتعمق في التعامل معها في الفصلين التاليين .

من أنماط الصدمة الاستعمارية إلى الإدارة الثقافية والسياسية للإستقلال

كان لتقطيع العالم الإسلامي إلى أقسام مستقلة تأثير حاسم فعلا في أشكال ديناميكية إعادة الأسلمة وخصوصا على دور مختلف المتغيرات التي تؤثر في إيقاعها واتساعها وأنماط تجلياتها .

ففي الحقيقة إن ناشطي الحراك الإسلامي يبذلون جهدا في جعل مدى هذه الانقسامات ، التي ينجم قسم منها على الأقل عن الاستعمار ، أمرا نسبيا إضافة لذلك تجري بشكل واضح سياقات تدويل وحتى "عولمة" للإسلام تطمس الفروقات الوطنية

ولكن حتى من منظور الذين يتظاهرون بوضع وحدة المرجعية الدينية وديمومتها فوق انتماءاتهم القومية فمن الواضح أن المسارات التي تقود إلى الانخراط في التعبئة الإسلامية يمكن أن تختلف من بلد لآخر، أن يكون المرء إسلاميا في عام (2005م)

ليس له نفس المعني ولا نفس النتائج في ما إذا كان المرء مواطنا عراقيا أو كويتيا أو ليبيا أو جزائريا أو من الإمارات العربية المتحدة ، وبالأخرى إذا كان يعيش في مجتمع غربي ذي تقليد ثقافي مسيحي في غالبيته .

إن مدى المتغير المتعلق بالهوية (من نكون بمنظور للغرب) الذي يمكن عدة محددا للطاقة الكامنة للتعبئة الإسلامية قد تغير بشكل واضح، أولا تبعا للظروف العنيفة بدرجة ثقل أو تكثر الصادمة أيضا بدرجة تقل أو تكثر ، التي تم فيها اللقاء البدائي مع الغرب بعدئذ بوضع النخب الاستقلالية

وخاصة في المجال الثقافي الديني، على هذا الصعيد ، يجب الأخذ في الحسبان المميزات الخاصة بالمجتمعات حين سقطت للاستعمار وخاصة حسبما كان يجري سياق تحديث " مستورد أو داخلي المنشأ ، أو لا يجري محددا ما أسماه مالك بن نبي ، وبعده الحبيب درجة القابلية للاستعمار".

تنجم الفروق بعد ذلك عن فترة الوجود الاستعماري وشكله المؤسسي وكذلك عن المناهج والمطامح المتايزة للسلطات الاستعمارية الفرنسية أو الإيطالية أو البريطانية والتقاليد الثقافية لكل منها ولأن عنف محو الثقافة الاستعماري يدع مجالا لتثاقف شديد التمايز ، حسبما يكون المستعمر فرنسيا أو بريطانيا؛

فإن الاختلافات القومية على هذا الصعيد متعددة الأشكال ومعقدة : فمثقف "إسلامي" تشكل في مقابل الاستعمار الفرنسي مثل مالك بن نبي ، الذي نهل بشكل واسع من منابع الفكر الديكارتي ، مختلف عن نظيره الليبي أو المصري ، الذي لم يكن لديه نفس " المقابل " الثقافي .

وهكذا فإن الأطر التاريخية المحلية ، التي غالبا ما كانت مختلفة للغاية من بلد لأخر ، تؤدي دورا رئيسا ، بدأ الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر بحرب غزو طويلة (بين عامي 1830 -1849م) ومدمرة بشكل خاص في الوقت نفسه (مثل تلك التي قامت بها إيطاليا الفاشية في ليبيا)

وبالمقابل بدأ في سورية ولبنان تحت غطاء انتداب دولي وباستخدام أساليب أقل تخريبا ، إن لم تقل سلمية وتحترم حقوق الإنسان ، كذلك تنوعت مدة هذا الوجود الاستعماري كثيرا : من مئة واثنين وثلاثين عاما مدة الوجود الفرنسي في الجزائر

أو مئة وثمانية وعشرين عاما مدة وجود البريطانيين في عدن وفي سائر اليمن الجنوبي أو جزء منه إلى ستة وعشرين عاما من الانتداب على سورية ولبنان ، أو خمسة وسبعين عاما و أربعة وأربعين عاما ، من الحماية الفرنسية في تونس والمغرب على التوالي .

في الطرف الآخر من الطيف العربي – الإسلامي ، ظل اليمن الشمالي ، بعد رحيل العثمانيين عام (1918م) محميا من كل اجتياح غربي، وعرفت المملكة السعودية نفسها كل أنواع الضغوط الخارجية ، دونما استعمار مباشر وعلى غرار اليمن الشمالي ، لم تتمكن اتجاهات التحديث هنا ، كما يبدو ، من التماثل بشكل طبيعي مع اتجاهات هيمنة حكومية أجنبية .

بعد ذلك مارست القاعدة المؤسسية وأساليب السلطات الاستعمارية دورا حاسما، وتنوعت النماذج على هذا الصعيد أيضا بشكل كبير : في الجزائر ، أدي استعمار استيطاني إلى اغتصاب واسع للأراضي من السكان الأصليين الذين ألحقت أراضيهم سياسيا وإداريا بأراضي الجمهورية بلا قيد أو شرط

وفي محميات اليمن الجنوبي ،كان التأثير البريطاني بالمقابل أقل بكثير مقتصرا في الغالب على مراقبة المرور التجاري والاستراتيجي من دون أن يؤثر مباشرة في المراتب الاجتماعية والممارسات الثقافية

وخلافا للاستعمار كان نموذج الحماية يبقي إمكانية وجود سلطة (باى : سلطان) تبقي رغم ضعفها من سكان البلد الأصليين ، فهذا المستعمر (ليونلي في المغرب) اختار الاعتماد على النخب الموجودة وخصوصا الدينية بينما آخرون (بوجو في الجزائر) خربوها بشكل منهجي ليخلقوا بشكل كلي أتباعا مخلصين لقضيتهم بشكل كامل .

بعد أنماط الاستعمار كانت سياسة النخب الاستقلالية هي التي أعطت للساحة الإسلامية خصوصياتها القومية منذ بداية النضالات القومية، وبشكل أكثر دقة أيضا ، غداة الاستقلال

ساهمت القاعدة المؤسسية ووضع الأنظمة في الساحتين الثقافية والدينية في إنتاج أشكال معقدة ، ترسخت فيها اختلافات في احتمالات حدوث التعبئة الإسلامية يمكن أن تميز هذه الإختلافات حين تظهر كيف لبت النخب الوطنية التطلعات الهوياتية للمستفيدين من "الاستقلال" أو على العكس تركت قسما منها غير مشبع .

وتنوعت السياسات اللغوية في البدء من بلد لآخر حسبما تمت المحافظة إبان الاستقلال على التحدث بالعربية (ليبيا ، مصر ... الخ) أو تقويته أو ، على العكس ازداد التحدث بالفرنسية (تونس والمغرب) فيما بعد تنوع طلب الأنظمة التي غدت مستقلة لمرجعية الانتماء العرقي العربي

ويعكس جزائر هواري بومدين ، فلا شك أن تونس الحبيب بورقيبة هي التي ظلت الأكثر تحفظا إزاءه لأن التعريب في نظرها يؤثر سلبا في الاستقلال وفي مركزية الاعتزاز " بالانتماء التونسي"

ويهدد بإعطاء مسوغات تدخلية لمزاحم مصري شاب كانت تخشاه بشكل خاص وبصورة أكثر إيضاحا هاجم بورقيبة بقوة الذين اشتهروا من بين معارضة بأنهم يريدون تأكيد هوية اللد العربية والإسلامية أكثر منه

في سورية والعراق وليبيا ومصر ساهمت المكانة الأكبر التي احتلتها المرجعية الإثنية العربية في الحد من تلك التي تركت للمرجيعة " الدينية الإسلامية " المرجعية الأخرى الآتية من الداخل ، وفي ليبيا العلمانية المثبتة

وخصوصا لمحاربة ما بقي من التبعية الدينية للملكية السنوسية الأخوية تمت موازنتها جزئيا بتعزيز عروبي مزدوج لغوى وثقافي (منع كل استخدام للأحرف اللاتينية أو ترجمة للغة أجنبية في الحيز العام) وكذلك سياسي في خدمة الوحدة العربية .

كما حدّد الرسوخ المؤسسي للأنظمة في الساحة الدينية اختلافات أكثر جوهرية إن " أصولية الدولة " (أى:قدرة المسئولين في السلطة على استمالة جوهر مصادر ديناميكية إعادة الأسلمة ما يضر بمصلحة معارضتهم)

التي قام بها أمير المؤمنين في المغرب أو ملك سعودي وريث وحليف الإصلاح الوهابي قد ساهمت ، فترة من الزمن على الأقل في الحد من التعبير المعارض لإعادة الأسلمة

ورغبت كل الملكيات (في الخليج والأردن) في حماية نفسها من البعثية والناصرية بالاعتماد على خصوم هذه الإيديولوجيات (ومنهم الإخوان المسلمون) وعلى العكس ، قلصت الجمهوريات العلمانية بشكل أكثر أو اقل صراحة (اليمن الجنوبي وتونس وليبيا) تقليصا أكثر منهجية الحيّز السياسي للمرجعية الدينية

وبينما كان الملوك المحافظون يستطيعون الادعاء ، إلى حد ما ، بأنهم يستغلون المطالبة " بإعادة الأسلمة" ويحوّلون عنها قسما من المصادر لصالح عروشهم ، فقد كان بورقيبة يقبل المخاطرة بالإنقطاع عنها ، بخطاب علماني صريح

أو حتى لا ديني ، "المجاهد الأكبر" (وهو نعت يحتفظ به المصطلح الديني عادة للخالق) هو بلا شك من دفع إلى أبعد مدّى الحد الفاصل للخطاب السياسي تجاه الفئات الرمزية للإرث الإسلامي ممكنا منه بذلك الجيل الإسلامي لمعارضيه .

ضمن الحدود التي ذكرناها، رسخ التأثير المساعد للمتغير الاقتصادي في التبعئات المعارضة اختلافات وطنية أيضا ، فقدرات الأنظمة على إعادة توزيع الثروة ، المرتفعة أكثر بشكل كبير للأنظمة المستفيدة من العائد النفطي

أثرت بالطبع في قدراتها على "شراء الوفاق السياسي" وبالتالي حماية نفسها بذلك من المظاهر المعارضة لإعادة الأسلمة . جزئيا على الأقل (وكليا بالنسبة للبعض ، كإمارات الخليج النفطية وحتى اليوم) .

النماذج السياسية بين التصلّب الداخلي والتنازلات الأجنبية

إن المعايير " الوطنية " الأخرى هي نتاج الفروق بين النماذج السياسية النوعية لكل دولة من جهة ، ومن جهة أخري وضعها في المشهد الإقليمي أو الدولي أمام التحدي الإسرائيلي وتنامي الأحادية الأميركية ، للأنظمة العربية ، لاعتبارات عدة ، معارضين (إسلاميين) "تتبادلهم" فيما بينها:

في الواقع تساهم إنجازاتها الخاصة في المجال الديمقراطي بشكل واسع في التأثير في نمط عمل معارضيها ، ولا تتساوى النماذج السياسية التالية للاستقلال ، ودرجة وأشكال مظاهر استبدادية الأنظمة ، من الخليج إلى المحيط ، مع ذلك ، وخلا بعض الاستثناءات تقريبا " للنموذج المؤسسي العربي "

ترفض معظم هذه النماذج مشاركة المعارضين الإسلاميين ، وخصوصا الإخوان المسلمين ، في المنافسة الانتخابية ، حتى وإن كانت هذه عموما مفصولة بشكل واسع عن أى رهان سياسي حقيقي .

وإذا كانت كل المسالك قد أدت اليوم إلى سلطوية واسعة الانتشار، فالاختلافات لا تقل عنها أهمية ، سواء في إيقاع الراديكالية القمعية للأنظمة أو في وضعها النهائي ، وتتأثر بذلك مخيّلات النشطاء الإسلاميين وسلوكياتهم والأنظمة (وخصوصا التونسي والمغربي) التي لم تستأثر على غرار جبهة التحرير الجزائرية بمصادر النضال الوطني

اضطرت بصورة مبكرة جدا إلى إيجاد صيغ سياسية للمصالحة مع معارضيها ، واتخذت أشكالا متنوعة ، حركات نقابية أو جمعيات مهنية (تونس) أو تعددية شكلية (المغرب ، تونس ، مصر) ثم حركات تعاضدية من كل نوع ، ومهما تكن حدود العمل الانتخابي (الذي يميزه التزوير غالبا)

وواقع السلطات المعطاة للمعارضات النيابية إلا أن عددا قليلا من البلاد العربية يسمح اليوم بمشاركة القوى السياسية الحقيقية:وهذا حال اليمن، حيث رئيس المجلس النيابي آت من الحزب الإسلامي المقرّب من الإخوان المسلمين ، وهو كذلك حال لبنان، حيث لحزب الله ممثلون في المجلس النيابي

أو أيضا الأردن والكويت والبحرين، وسيحدث ذلك من دون شك ذات يوم في العراق ، وكما ذكرنا ، تميل الأنظمة المحافظة إلى تقبل ، وأحيانا إلى دمج جزئي للمعارضين " المتدينين " الذين بدأت الجمهوريات ناصرية الاتجاه بصورة مبكرة بتحريمهم وتعذيبهم وبالتالي تحولهم إلى حركات راديكالية

وبصورة عامة ، مالت الأنظمة التي استأثرت بالمصادر الثورية أو القومية ، كالجزائر ومصر إلى الإبقاء على النماذج السياسية المغلقة لمدة أطول .

في بداية الثمانينات على كل حال لم يكن شئ أكثر اختلافا من المخيلة السياسية لفرد من الإخوان المسلمين الأردنيين الذين عاشوا منذ بداية الخمسينات في تعايش سلمي مع العرش الهاشمي عن مخيلة أحد " إخوانه " المصريين الذين قضوا نفس الفترة تحت التعذيب، في السجون الناصرية

إن عقلية فرد من الإخوان المسلمين السوريين تختلف بنفس القدر عن عقلية أخ يمني خارجا من مرحلة تعاون طويلة يفتتح في السنة ذاتها مرحلة معارضة معتدلة جدا لنظام كانت أفكاره ممثلة فيه بشكل واسع وسنعود إلى ذلك .

إن تورّط الحكومات ، أو الأفراد بموافقة هذه الحكومات أو من دونها في صراعات إقليمية قد عمق فيما بعد اختلافات كبيرة بإنشاء ديناميكيات متنوعة أو تسريعها ، وليست عسكره المعارضات بأكثرها أهمية

حيث إن الطاقات المنشورة في ساحات المعركة العالمية (فلسطين والعراق واليمن وأفغانستان بالطبع والبوسنة والشيشان) لم تكن قد حشدت بشكل منهجي ضد النخب الحاكمة في البلاد التي أتي منها "الجهاديون"

وبصورة عامة يمكن اعتبار أنه في كل مرة رضخ فيها نظام عربي لضغوط المحيط الغربي، الأوروبي أو الإسرائيلي أو الأميركي ، أثار ذلك احتجاجا شعبيا استثمره الجيل الإسلامي غالبا

بالتالي ظهرت اختلافات في الساحة الإسلامية تبعا لوضع الأنظمة على الساحة الدولية وقدراتها المؤكدة قليلا أو كثيرا على مقاومة ضغوط المحيط الدولي لفترة طويلة أو قصيرة غداة الاستقلال ، دفعت أنظمة بلدان "جبهة الرفض" التي قبلت تحمل مسؤولية دور عامل توتر مع المحيط الغربي

أو بلدان "ساحة المعركة " المنخرطة في مواجهة مسلحة مع إسرائيل ، ثمنا دوليا لذلك على شكل ضغوط أمريكية وأوروبية لكنها حصلت من ذلك على مكاسب داخلية على نطاق الشرعية .

إذن أثر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل كبير ومنهجي في مصير التيارات الإسلامية المتوضعة في "بلاد ساحة المعركة" مساهما بشكل حاسم في تنويع علاقتها بالنخب الحاكمة وقدرتها الخاصة على التعبئة في مصر طبعا وقبل كل شئ

ولكنها أيضا في لبنان والأردن ، لقد أعطت هزيمة عبد الناصر عام (1967م) إشارة الانطلاق للتعبئة الإسلامية في كل مكان تقريبا ، منذ إنشاء الدولة العبرية عام (1948م) وحتى اتفاقيات أوسلو عام (1993م)

أو في أولي قمم شرم الشيخ عام (1996م) كل الالتفافات، أى:على وجه الخصوص ، في هذه المرحلة ، كل الوجوه السيئة للسياسات الخارجية وبالتالي الأنظمة العربية في الصراع الفلسطيني ضبطت إيقاع نبض التعبئات الإسلامية الوطنية .

لم تتشكل هوية الإخوان المسلمين المصريين السياسية في الواقع مقابل الوجود الاستعماري البريطاني فقط ، ولكن بنفس القدر مقابل إنشاء دولة إسرائيل والحرب الإسرائيلية العربية الأولي التي نجمت عنه

فقد لعبوا عندئذ دورا هاما وخصوصا في الكشاف المسلم، إن الحدة الخاصة التي تظهرها تجاههم حتى اليوم بعض وسائط الإعلام الغربية المتأثرة بالدولة العبرية هي بالتأكيد ذات صلة بهذه الحادثة المؤسسة ويرون أن ولادة التيارات المصرية الأخرى (وخاصة الجماعة الإسلامية ، التي دعمت فترة من الزمن السادات المنتصر في حرب تشرين)

ثم تجذرها ، ترتبط مباشرة بالتنازلات التي قام بها فيما بعد بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام (1978م) وكذلك نشأ حزب الله اللبناني عام (1982م) ردا على الغزو الإسرائيلي للبنان ، وظهور الجهاد وحماس الفلسطينيتين هو أيضا التعبير المباشر لمقاومة هذا الاحتلال

عوامل الاندماج العبرقومية

مع ذلك تميل ديناميكيات متعددة بشكل بديهي إلى الحدّ من مدى هذه المعايير القومية ، تغدو " الحدود الإسلامية " للدول نسبية بقدر ما يتطور انتقال الأشخاص ويتسارع ، أو انتقال المعلومات والأفكار وحسب ، وبالتالي بقدر ما تسند ديناميكيات تعدد القوميات ، أو حتى عولمة فكرية وإيديولوجية وكذلك تعبوية وإستراتيجية .

في العالم الإسلامي كما في سائر أنحاء العالم فإن النواقل الأساس لتوافق المرجعية الإسلامية معروفة جيدا ، كانت أوائلها الحج وليس فقط إلى مكة تاريخيا وطرق التجارة ومؤخرا تطورت الهجرات الاقتصادية والسياسية والدراسية والتنقلات السياحية

وباعتبار أن الإسلام السياسي المصري كان الرائد بصورة عامة ، فقد صدّر بشكل واسع أنموذج " الإخوان " أولا ، وسيد قطب فيما بعد ، وعلى العكس ، فالمملكة السعودية

التي تأثرت بالإخوان فترة من الزمن أثرت حتما هي نفسها في التيارات الإسلامية بتصدير نوع من " الرجعية السلفية" ، مع العلامة التجارية للوهابية أو من دونها، ومع التسلط الخاص بالأنموذج "الإخواني"

تاريخيا تخطّى [[الإخوان] المصريون الذين شكلوا سريعا فرعا عالميا حدود مصر منذ عام (1948م) ليشاركوا كما رأينا ، في الحرب العربية الأولي ضد إسرائيل

لكن نفيهم الجماعي المكثف كان ناجما عن القمع الناصري عام (1954م) وتشكل هذه الحلقة الأنموذج المثالي المؤسس لهذا النمط من "الترويج الإسلامي" ذهب الإخوان عندئذ بأعداد كبيرة إلى المملكة السعودية والخليج أولا

ثم إلى المغرب (وخصوصا إلى الجزائر حيث استخدموا في تعريب التعليم العالي اعتبارا من عام 1973 م) ولكن أيضا إلى اليمن حيث كان تأثيرهم خارج دورهم السياسي المباشر ، ناجما عن وجودهم الكثيف إلى جانب مدرسين سودانيين ، في سلك التعليم وهكذا أثر الإخوان في كل مكان

عن طريق التعليم بشكل كبير ودائم في تكوين التيارات الإسلامية الوليدة والتحديث "الداخلي المنشأ" للمرجعية السياسية كما سنري فيما بعد لكن مصر لم تصدّر العلماء والمدرسين فقط ، لقد استوردت أيضا إلى جامعة الأزهر الدينية وخصوصا "دار العلوم" ألوف الطلاب العرب والمسلمين .

واعتبارا من الثمانينيات ، غذي المحاربون الإسلاميون غير المنظمين أيضا التعبئات المسلحة متعددة القوميات التي كانت الحلقة الأفغانية المعلم المؤسس لها ، ثم تأتي على هذه اللائحة البوسنة ، وكوسوفو ، والشيشان

ثم زادت موجات القمع الجديدة في التسعينات (ولا سيما في الجزائر وتونس) من ضخامة تدفق المنفيين السياسيين ويجب تأكيد الأهمية القصوى لهذه الظاهرة بقدر ما كانت الأنظمة الاستبدادية العربية تقترب من "المعسكر الغربي لتؤمن بقاءها ، كانت تشدد قمع" حركاتها "الإسلامية الوطنية ، وينال الجنرالات" المستأصلون " الجزائريون بهذا الشأن حتما وسام الاستحقاق في الوحشية والشر.

وهكذا ساهموا في تغذية تشتت على الصعيد العالمي أصبح أحد مستنبيات الانحراف الراديكالي " لجيل القاعدة " حتى وإن لم ينخرط به عدد من المنفيين .

وأخيرا منذ منتصف التسعينيات ، حل بزوغ تقنيات الاتصالات الجديدة من المحطات الفضائية إلى الإنترنت ، مرورا بالمؤتمرات الهاتفية بقوة محل الأثر الحاسم لهذا الانتقال البشري والاقتصادي والسياسي أو الثوري

حيث ضخمت جميعها وسرعت من إيقاع عملية العلاقات المتبادلة هذه التي ساهمت في تحديد مدى الخصوصيات القومية وإعطاء الإسلام السياسي صبغته المعولمة

أسرار البحر الأحمر أو الإسلام السياسي من دون الاستعمار

في كل مكان في العالم العربي حاول أتباع حسن البنا إعادة تبيت وجود الإسلام في الدساتير في اليمن على العكس ، ساهموا في إدخال الدستور في الإسلام (محمد قحطان ، أحد قادة التجمع اليمني من أجل الإصلاح 2003م)

تشهد حالة جزيرة العرب ، مهد "القاعدة" بشكل واسع على هذا التراجع التدريجي لخصائص الوطنية أمام تخطيّ قوميات المخيلات السياسية في القسم الأعظم من اليمن وفي المملكة السعودية ولدت التيارات الإسلامية في الواقع على حيزّ تفادي الوجود الاستعماري المباشر إجمالا ، وهذه خصوصية كبري بالنسبة إلى أحكام الزمنية الأولي للإسلامية .

والجمهورية العربية اليمنية التي ولدت عام (1962م) في صنعاء على أراض تقارن غالبا "بأفغانستان القبلية" أو توصف بأنها "تبيت البحر الأحمر" ، تلت ملكية دينية (شيعية زيدية) عملت غداة انتصارها عام (1918م) على الإمبراطورية العثمانية المحتضرة بنجاح على حماية نفسها من كل اجتياح أجنبي؛

وبما أنه لا يمكن ربط التحديث بالوجود الأجنبي فلا ينبغي بالتالي نظريا أن يستطيع الإسلاميون في شمال اليمن بأكمله ، المطالبة " بإحياء عالم رمزي " كان قد سلب منهم وأن يستندوا بشكل طبيعي ، كنظرائهم التونسيين والجزائريين

على انتقاد تحديث يعتبر "نزعا للإسلام" كنظرائهم التونسيين والجزائريين ، على انتقاد تحديث يعتبر "نزعا للإسلام" الفرضية العامة التي قدمناها دائما هي أنه كلما كانت "إزالة الإسلام" الثقافية أكثر فظاظة ، كان النزوع لاحقا إلى معارضة الأمر المفروض أقوى

وبالتالي كان احتمال التعبئة الإسلامية أكبر ، مع ذلك على مرّ تاريخ غير أنموذجي للغاية ، تمثل التيارات الإسلامية اليمنية والسعودية ، كما في سائر بلدان المنطقة قوة المعارضة الأولي ، ماذا يستطيع اليمن ، وإلى حد ما المملكة السعودية أن تعطينا إذن كإيضاح "الشمولية" مثل هذه التعبئة ؟

لماذا أصبح هذان البلدان "منتجين" هامين للإسلاميين الراديكاليين ، موردين لأكبر عدد من انتحاري (11) أيلول مع أنهما لم يتعرضا لاحتلال غربي مباشر ؟ كيف نما الإسلام السياسي خارج المقابل الاستعماري؟ هل ورثت إسلاميات شبه الجزيرة بعضا من خصائصها؟ وما الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من تفرّد جزيرة العرب هذا ؟

شبه جزيرة لكنها غير معزولة

يظهر الجواب الأساس بشكل واضح إذا حللنا زمنية التعبئة الإسلامية حسب الفترات التاريخية الثلاث المقترحة.

أولا إذا كان تاريخ شبه الجزيرة قد كتب في غياب قاطع للمقومات الخاصة بالزمنية الأولي للمواجهة الاستعمارية ، فإن تأثيرات كبيرة مسّت هذين البلدين بنفس القدر خلال هذه المرحلة

من الملائم إذن أن نتدرج في تقديم مجتمعات ، لم تعش التحديث إلا داخلي المنشأ فقط في غياب الحدث الاستعماري ، مفلتة بذلك من ظاهرة "نزع الثقافة" إن غياب الاستعمار في الشمال هو أولا متفرّد بشدة نتيجة كون المجتمع اليمني

منذ الوحدة عام (1990م) نتائج تلاق مع القسم الجنوبي من البلاد الذي كان مستعمرا لمدة تغارب المائة وثلاثين عاما، في الجنوب ولدت الجمهورية الديمقراطية الشعبية عام (1967م) من نضال وطني ضد الإمبراطورية البريطانية التي كانت قد احتلت عدن

ثم داخل البلاد بين عامي (1839،1967م) هذا الجنوب إذن لا يخالف الأنموذج الاستعماري بشكل ذي مغزى ، إن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، المنفتحة على تيارات العالم

مثل أى ميناء كبير على طريق الهند غداة البدء بتشغيل قناة السويس ، كانت إضافة إلى ذلك ، بعد استقلالها في عام (1967م) إحدى أنظمة العالم الإسلامي النادرة التي استخدمت المرجعية الماركسية بشكل واضح .

دخل مجتمع الشمال قبل الوحدة عام (1990م) بكل عزلته وحواجزه ، في تماس وخاصة بسبب الحجم الكبير لتدفق الهجرات ، مع هذا الجنوب البريطاني الذي يمكنه وارد كثيف من نفس مهاجري الشمالي الذين ظلت العلاقات الأسرية موجودة معهم دوما

ثم خضع مجتمع الشمال فيما بعد إلى التأثير الغربي عبر نواقل أخري غير الوجود البريطاني ، كان الشبّان الأتراك ، الذين يمثلون إمبراطورية عثمانية تحمل إصلاحات عميقة رغم أنها كانت آيلة إلى الزوال

من دون شك الوسطاء الأوائل لهذه التنظيمات المتأثرة بأوربا وبشكل ذي دلالة كان هؤلاء الفاعلون لتحديث "مستورد" موضع تشهير المقاومة "الوطنية" والدينية التابعة للإمام يحيي (1904 -1948م) بهم كفكار سوقيين ، متهمين "بارتداء البنطال" وشرب الخمور .

مرّت معظم التحديثات ، ليس التقنية فقط ولكن الفكرية والسياسية أيضا، التي لم يدخلها العثمانيون عبر عدن ومن دون شك كانت إحدى أكثرها أهمية إنشاء أحمد محمد نعمان مدرسة تجريبية ، حديثة مستوحاة مباشرة من التجربة العدنية في جنوبي تعز عام (1936م)

وكان من أوائل الدعم للتأثير الفكري العربي والأجنبي تبادل الطلاب "والتعاون التقني" الذي نظّمه الإمام يحيي تدريجيا مع لبنان والعراق ، ثم مع مصر ، بعد أن أدرك عام (1934م) التأخر التقني لجيشه الذي انتصر عليه غريمه عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود

هذا التحديث للعقول مهّد الطريق أمام ثورة (1948م) الدستورية التي أطلقتها حركة اليمنيين الأحرار المنفيين إلى عدن ولكن أيضا المقربين جدا من الإصلاحيين المصريين وبشكل خاص من الإخوان المسلمين التابعين لحسن البنا .

واعتبارا من الخمسينات ، ترك الإصلاحيون الإسلاميون الساحة جزئيا للناصريين والبعثيين الذين بدؤوا ينافسوهم ثم حل محلهم في نقل الأفكار الجديدة الطلاب اليمنيون المسجلون في الأزهر أو دار العلوم

ثم بشكل مباشر على نحو مطرد الزيادة الصحافة المكتوبة وإذاعة (صوت العرب) لم تكن الثورة الجمهورية التي غداها تحجر واستبداد نظام الإمام أحمد (1948 -1962م) ابن يحيي وخليفته ، لتقوم أبدا مع ذلك عام (1962م)

حتى مع أن البدر ، الليبرالي للغاية خلف أباه أحمد ، لو لم يرغب جمال عبد الناصر مدعوما ومسلحا من الإتحاد السوفييتي ، بالتصدي في جنوب شبه الجزيرة للمطامح السياسية والإيديولوجية لمنافسيه السعوديين ومن يدعمهم من الأميركيين والبريطانيين .

هذه الإشكالية، التي تجعل غياب الاستعمار أمرا نسبيا يمكن في الجوهر بسطها على المملكة السعودية حيث تزداد أهمية التأثيرات الأجنبية متغيرة النمو منذ الوجود العثماني حتى حرب الخليج الثانية

لقد أظهر باسكال مينوربه جيدا أن فكرة يجتمع سعودي باق بمعزل عن الحدث الاستعماري تبقي في الواقع نسبية إلى حد كبير حتى وإن رأي البريطانيون أن المملكة السعودية ليست مهمة كفاية ليستعمروها

فقد عاشت في نظام من النمط الاستعماري كان له في الحقيقة ثلاثة مكلفين متتابعين ، كان الاستعمار "عثمانيا" في البداية ، سواء بشكل تدخلات عسكرية في قلب نجد منذ عام (1818م) وحتى منتصف القرن العشرين، أو في الأغلب ، بشكل إعانات مالية تدقع للنخب التقليدية لتسييرها كالاحتلال تماما ، ثم أصبح الاستعمار بريطانيا قبل أن يصبح أمريكيا .

هذه الهيمنات ذات الأشكال غير النموذجية كانت وظيفية تماما هي أيضا ، فبعد حماية بريطانية عابرة بين عامي (1915، 1927م) مارس هناك الديبلوماسيون أو العملاء السريون البريطانيون ثم الأمريكيون أولا

ثم فيما بعد المدراء المنفطيون الأمريكيون "لدولة" أرامكو، حتى التأميم المتأخر عام (1988م) بفعالية مماثلة ، الدور الذي مارسته في مكان آخر الأداة الأكثر كلفة لجهاز الدولة الاستعماري .

مقومات الحصيلة الإسلامية الخاصة بالزمنيتين الثانية والثالثة ، اللتين شهدتا تعدد التنازلات الثقافية والاقتصادية ، ثم السياسية أو حتى العسكرية للنخب الحاكمة تجاه المحيط الغربي ، تقرب مظهر شبه الجزيرة من مظهر بقية العالم العربي ، عندما لا تكون معلنة أيضا كما في المملكة السعودية ،تحت الوصاية الأميركية .

إن بلدان شبه الجزيرة التي أفلتت جزئيا من نموذج التثاقف الاستعماري لكونها لم تعرف الأداة الحكومية لهذه السيطرة ، لم تفلت بالتالي البتة و كما سنري ، من الطابع المفسر العالم للإسلامية المعاصرة .

اليمن والمملكة السعودية أمام واشنطن أو نهاية استثناء شبه الجزيرة

في اليمن كما في المملكة السعودية ، الغياب الجزئي أو الصبغة اللاأنموذجية لزمنية المواجهة الاستعمارية عوض عنه ، نوعا ما ، التوزيع النوعي جدا للزمنّيتين التاليتين ، حيث أصبحت أشكال الضغط الأجنبي المختلفة أشد وضوحا بالأحرى بقدر ما كان المجتمع قد تعرض له بصورة أقل مباشرة .

أتي حافز "التحديث الثوري" في اليمن عام (1962م) (كما كان الحال عام 1948م) من عاصمة أجنبية القاهرة ، عاصمة "القومي العربي العلماني جمال عبد الناصر " اذلي كان وقتها منخرطا في حملة قمعية عنيفة ضد الإخوان المسلمين

حتى إن ناصر نفسه أعلن الثورة ، فضلا على ذلك لم يكلف نفسه عناء إعلام زعماء اليمنيين الأحرار المتقيين في القاهرة بها، ولم يخش كذلك أن يتصرّف ضد شعور حلفائه العسكريين في صنعاء الضباط الأحرار اليمنيين ، في الواقع خشي هؤلاء أن يتعرضوا

كما في عام (1948م) لغضب وانتقام القبائل المعتادة على شححب التدخلات المعتبرة " أجنبية " ناصر أيضا هو الذي أمّن ، بواسطة وجود عسكري طويل ، بقاء النظام الجديد حتى اتفاق (1970م) الذي وضع نهاية للحرب الأهلية ، ناصر أيضا هو الذي حكم بالفعل من دون منازع تقريبا

حتى خروج قواته في حزيران عام 1967م) الجمهورية التي ولدت على أرض مملكة ملكة سبأ القديمة بواسطة عسكريين أو أتباع مخلصين مسخّرين (عبد الله السّلال من أصل متواضع أو عبد الرحمن البيضاني المولود من "أم مصرية وأب مجهول" كما يحلو لمعارضيهما وصفهما ، ومنهم الشريك في تأسيس الأحرار ، أحمد محمد نعمان).

وتسمح مرحلة رمزية بشكل خاص بقياس قوة هذه الوصاية:عندما بدا لمستشار ناصر للشؤون اليمنية في ذلك الحين ،أنور السادات، أن الحكومة هذا البلد ميلا إلى التحرر

قام ناصر بكل بساطة (في أيلول عام 1966م) بسجن أعضاء البعثة الحكومية والدبلوماسية الستين الذين أتوا إلى القاهرة في طائرة خاصة، وضمتهم كل أعضاء الحكومة لقد أمضي أحمد محمد نعمان، الذي يعده مسؤولا عن ميول محميّيه الاستقلالية، أكثر من عام في السجن .

لا يمكن بالتالي الإقلال من شأن تأثيرات هذا الاقتحام الفظ ، والمسلح للناصرية في مخيلة الشمال السياسية ، قبل ثورة عام (1962م) وبعدها .

إذا كانت أولي "الزمنيات" الثلاث، زمنية المواجهة الاستعمارية ، غائبة جزئيا عن تسلسل الأحداث التاريخية اليمني والسعودي ، فإن ناشطي الزمنية الثانية عاشوا بحق وضعا مشابها للأراضي التي تعرّضت للإحتلال

في بداية الستينيات تشهد ذاكرة اليمن الشمالي على بعض المراحل القريبة جدا من تلك التي عاشها مواطنوا أكثر الجمهوريات علمانية حتى وإن تمتع إنشاء جمهورية اليمن العربية عام (1962م) بدعم الإخوان المسلمين

وأصبح الجناح الناصري الراديكالي فيها أقلية ، فقد شعر كثيرون أن سقوط الملكية كان فعلا بداية تقهقر لا يطاق للمرجعية الدينية ، في الواقع ، يبدو أن سقوط إمامة زيدية معتبرة دينية قبل كل شئ ساعد ، ظرفيا على الأقل ، في تنامي موقف معاد صراحة للدين في بعض دوائر السلطة؛

تشهير بممارسة الصلاة في بعض مؤسسات التعليم ، وتخل ، أو حتى منع للعبادة في الكليات العسكرية ونغمة ناصرية في الخطاب السياسي في سنوات الجمهورية الأولي ، أدخلت كلها بشكل بديهي نوعا من الانقطاع في هذا التاريخ الرمزي المتواصل .

في الوقت نفسه عملت إشكالية " نزع الأسلمة" طبعا بشكل أكثر كلاسيكية في الجنوب ، بعد الاستقلال عام (1967م) رغم مقاومات شعبية صلبة على هذا الصعيد ، وتم فيها تهميش "أنصار الإسلام " في قليل أو كثير في المجال العام والتمثيل السياسي ، وأصبحت الأوقاف (وهي مؤسسة كانت إدارتها تؤمن تقليديا موارد المؤسسات الدينية) تحت السيطرة الحكومية .

بصورة كلاسيكية ، تم تشجيع تقديس الأخويات الصوفية للقديسين ، من مبدأ "تجديد تقاليد" الممارسة الدينية الذي يفترض أن يقي من "يسييسها" المعارض أو يبطئه، وبتأثير من الشقيق الأكبر السوفييتي؛

تمت "علمنة" التشريعات المدنية بقوة ، وخاصة وأن ارتداء الحجاب كان مقاوما في الوظائف العامة عندئذ اختار جززء من النخبة الدينية طريق المنقي نحو الشمال أو المملكة السعودية .

في المملكة السعودية ، خلف ستار "أصولية الدولة" حصل تطور ذو علاقة بتطور اليمن الشمالي ، فقد استخدم الملكان سعود وفيصل وشجعا تكنوقراط مؤهلين على الطريقة الغربية وأقصيا علماء الدين تدريجيا إلى مناصب فخرية فقط .

يمكن منذ ذلك الوقت تفسير العمل "الجيد" للنموذج الإسلامي ضمن محيط لم يتعرض للصدمة الاستعمارية بنفس الطريقة التي نفسّر بها وجود درجة معينة من الحداثة الغربية في بلد لم يكن على تماس مباشر مع المنتج البدئي لهذه الحداثة .

تم ردّ الفعل الإسلامي على هذه الحداثة بنفس الإيقاع البطئ الذي تم فيه استيرادها ، حتى وإن كان ذلك على يد وسطاء عرب ، "وأكملتها" الزمنية الثالثة وسرّعت عودة شبه الجزيرة إلى الجذع المشترك للتاريخ الإقليمي

وأمام تنامي تدخل القوة الأمريكية العظمي وهيمنتها فإن مسارات شبه الجزيرة لم تلتحق فقط بالجذع المشترك لتاريخ التعبئة الإسلامية ، لكنها اكتسبت فيه مثالية خاصة .

ومع حرب الخليج الثانية ، وبعد أقل من سنتين على تأميم أرامكوا (1988م) الذي سيقلل بشكل كبير من تأثيرها تجلي اقتحام النظام الإميريالي الأميركي شبه الجزيرة على الصعيد العسكري

عندئذ قبل الأمراء السعوديون الخالفون على عروشهم ، الدعوة الملحة للولايات المتحدة لتمويل حملة تحرير الكويت وإنزال الجيوش الأميركية على أرضهم ، ونعرف الدور الحاسم الذي لعبته هذه الفترة في تصاعد المعارضة الإسلامية وتداعي القمع الحكومي .

ولم يفلت اليمن من هذه الظروف ، منذ عام (1990م) الذي سيقلل بشكل كبير من تأثيرها ، تجلّي اقتحام النظام الإمبريالي الأميركي شبه الجزيرة على الصعيد العسكري؛

عندئذ قبل الأمراء السعوديون الخائفون على عروشهم، الدعوة الملحة للولايات المتحدة لتمويل حملة تحرير الكويت وإنزال الجيوش الأميركية على أرضهم ، ونعرف الدور الحاسم الذي لعبته هذه الفترة في تصاعد المعارضة الإسلامية وتداعي القمع الحكومي .

ولم يفلت اليمن من هذه الظروف ، منذ عام (1990) أتهم بأنه دعم معسكر صدام حسين ونبذته واشنطن وحليفاتها من الملكيات النفطية وكانت نتائج هذه المقاطعة المالية كارثية على اقتصاد بلد مرّ للتو بتجربة وحدة طرد مليون عامل مهاجر من المملكة السعودية ، ما أحدث أزمة اقتصادية واجتماعية هائلة لم تتعاف منها البلاد تماما حتى بعد مرور خمس نشرة سنة

وأصبحت الضغوط الأمريكية أكثر مباشرة بعد (11) أيلول ، قامت واشنطن عندئذ "بتطبيع اليمن" وهكذا التقي اليمن والمملكة السعودية في قلب تأثيرات أحادثة الجانب الأميركية ، وقد أعاد قسم من عاياهما بلا تحفظ "شمولية" التمرد الإسلامي على وصاية أجنبية غير شرعية .

اليمن الأقل استبدادية لفترة من أنظمة المنطقة تميل بذلك بشدة إلى (لتحاق بصفوف أتباع "الأنموذج السياسي العربي" وكان "تطبيعها" على كل حال السبب المباشر لحملة القمع التي أطلقت في حزيران عام (2004م) ضد أنصار حسين بدر الدين الحوثي ، الذي يمثل التمزق الكبير الأول للصبغة القديمة التصالحية بين الإسلاميين وسلطة الرئيس على عبد الله صالح

ربما كانت الضغوط الأميركية على اليمن تعيد بذلك طرح مسألة التوازنات الدقيقة للمصالحة بين السلطة والإسلاميين والقبائل التي كانت ولفترة طويلة تتاح استقرار البلد السياسي الذي يسمح له بالتخلص من التوترات اللازمة لسياسات قمع الجيل الإسلامي وحتى اجتثاثه .

وكما الرياض ، فإن نظام صنعاء مرغم اليوم على القيام بتنازلات دنيوية دبلوماسية تضعف مصداقيته الإيديولوجية والسياسية أمام معارضته ، ما سهل تماثل الرأي العام مع خط مقاومة "إسلامية" جعلها رمزية أسامة بن لادن ، أحد أبنائها المهاجرين نحو الشمالي السعودي .

رد الفعل الإسلامي إذا على " اضطراب " عملية " تغريب " تعد تهديدا لانتماء الثثقافي والسياسي الإسلامي ، كان " مستوردا " نوعا ما إلى شبه الجزيرة وهي تخرج تدريجيا من وضعها المحمي جزئيا من الضغوط الغربية مباشرة

وأعادت العولمة السياسية نوعا ما ضبط توقيت التاريخ بأن صدرت إليها الديناميكيات الارتكاسية التي نجت منها لفترة من الزمن ، إذن ، رغم الأسباب الثقافية الأقل وضوحا بسبب عدم وجود " إزالة استعمارية للإسلام "

فقد تغذت التعبئة الإسلامية في شبه الجزيرة بإدراك " شامل " أكثر فأكثر ، على صعيد العالم الإسلامي ، للحقيقة وللأثر الحاسم الثقافي وكذلك الاقتصادي والسياسي ، للهيمنة الغربية على طول عولمة التمثيل هذه تبعت مخيلة اليمنيين والسعوديين السياسية بسرعة التعبئات الكبيرة والتوترات الإيديولوجية الإقليمية والعالمية .

الإخوان المسلمون في المرأة اليمنية

مسارات الإسلام السياسي في اليمن لا تعطينا تفسيرات جديدة حتى عندما تدخل في الجذع المشترك للإشكالية الهويّاتية في الواقع كانت ديناميكية إعادة الأسلمة التي حملها الإخوان المسلمون

خصوصا مجتمعة فيها بشكل وثيق مع ديناميكية التحديث من السياق الخاص جدا لمجتمع لم يكن .. منزوع الإسلام ، أى : لدي قدوم أشكال جديدة من التنظيم السياسي (وفي الدرجة الأولي ، تبني دستور) ولكن أيضا من تجاوز الحواجز التي أقامتها الانتماءات الأولية الملازمة للترابية الاجتماعية أو الانشقاقات الطائفية .

فى الواقع كان الإخوان المسلمون في اليمن ، بتحريض مباشر من حسن البنا المحركين الفعالين (النشيطين) لإدخال الدستورية في الفكر الإسلامي وبالتالي لتحديث هذا الفكر ، لكن الدرس اليمني على هذا الصعيد ، لا يتوقف عند ذلك

عندما أرادوا عام (1948م) إدخال المرجعية الدستورية في التسبيح المؤسسي والمذهبي للإمامة ، رفض المجتمع السياسي التقليدي ممثلي المنظمة المصرية وحلفاءهم اليمنيين "كغرباء" غير مقبولين ، كما حصل مع الشباب الأتراك ، مع أنهم "مسلمون" هم أيضا ، لأسباب مختلفة ولكن مشابهة بعض الشئ.

يمكن استخلاص خلاصة ثلاثية من هذا الفصل التأكيد أولا أن الإخوان المسلمين المصريين " الآباء المؤسسين " للإسلامية المعاصرة ، لم ينكروا الإرث المحدّث للإصلاحيين الذين سبقوهم وألهموهم ، ولم يكونوا في قطيعة معهم أو في ارتداد عنهم كما كتب عديد من الذين يشنعون عليهم حديثا

رغم التحذيرات المعطاة قبلا من مثل هذه التبسيطات إن موقف الطبقة المثقفة المحدثة اليمنية من مبعوثي حسن البنا لهو شديد المغزي من وجهة النظر هذه بين محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وحسن البنا لم يدرك اليمنيون الأحرار أيا من هذه الحدود التي يعتقد اليوم الذين يدافعون عن فكرة تعارض راديكالي بين فكرهم وفكر سابقيهم الإصلاحيين أن بإمكانهم رسمها .

الإخوان المسلمون ، عندما كان فكرهم كما في مصر ، مسبوقا بدخول التحديث السياسي، بذلوا جهدا في "أسلمته" وإعادة إدخال المرجعية الإسلامية في عالم الدستورية الحديثة، ما دعا بعض المراقبين، الذين يخلطون بين الشكل والأساس إلى التفكير بأنهم كانوا صناع رفض هذا التحديث؛

وتعطي الأرضية اليمنية دليلا ساطعا على أن التاريخ هو أكثر تعقيدا بشكل خاص : عندما وجد نفس هؤلاء الإخوان المسلمين المصريين لدي خروجهم من المواجهة مع التحديث السياسي ، أنفسهم في اليمن إزاء نظام سياسي خال من أى تحديث ، صاروا أصحاب منح الشرعية لهذا التحديث وليس رفضه .

هذا الدرس اليمني هو الذي أوضحه الإسلامي محمد قحطان ، أحد مسئولي حزب الإصلاح عند تعيين المسار التاريخي للتحديث في اليمن ، يلفت النظر إلى أن:أتباع حسن البنا في كل مكان في العالم العربي حاولوا إعادة تأكيد وجود الإسلام في الدساتير؛

بينما ساهموا في اليمن على العكس من ذلك ، في إدخال الدستور في الإسلام ، وفي الحالتين ، كان لموقفهم البعيد عن التقليدية تأثيرا موطدا للدستورية كشكل محدّث من أشكال السياسة .

لا شك في أن الاستنتاج الثاني المنهجي هو أكثر أهمية أيضا ، لا يختزل الخطاب الديني بالضرورة إلى التقليد أو إلى الأشكال داخلية المنشأ للثقافة الموروثة: يمكن أن يكون وسيلة نقل كل أشكال الديناميكيات ، بما فيهم ديناميكيات القطيعة المحدثة ، أو حتى الثورية؛

وتميل النظرة الغربية بانتظام إلى تجاهل البعد السياسي والمبالغة في تقدير البعد الديني في فكر الإخوان المسلمين خصوصا ، وفي التعبئة الإسلامية عموما ، وعدت شرائح كاملة من المجتمع اليمني التقليدي أن هذا الفكر ، على العكس ، يهدف إلى " إدخال السياسي ضمن الديني وعلى حسابه " وبالتالي رفضته كما هو .

وهكذا لم يحجد الإمام يحيي قبل عام (1948م) أى صعوبة في الحط من شأن خطاب الإخوان المسلمين وجعل كتابه يبدون وكأنهم يريدون "اختصار" القرآن (وبالتالي ، بتره) وبرأي الغربيين ، ظل الإخوان المسلمون (تى اليوم) غير شرعيين كونهم يؤكدون من جديد مكان المرجع الديني في الساحة السياسية ويسيئون بذلك لاستقلال السياسي؛

وبالعكس فيرأي يمنيين (1948م) المعارضين لإصلاحات "الأحرار" المحدثة هؤلاء الإخوان نفسهم مهما كانوا مسلمين ، بدوا ومععهم إصلاحهم الدستورى؛

غير شرعيين بسبب أن تأكيدهم الاستقلال السياسي تم على حساب مركزية المرجع الديني ، وحصل نفس الشئ عام (1962م) عندما لم ينجح الانقلاب العسكري ، المجرد من الدعم الشعبي ، إلا بفضل الدعم المكثّف لمصر الناصرية .

كان إذن فكر الإخوان "الديني" جدا مسقطا مرتين من قبل جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي لليمن .. كناقل للقطيعة المحدثة الاستنتاج الثالث ، مهما كانت الفرضية التي يؤكدها واضحة ، هو الرسالة التي يؤكدها الفشل المزدوج للثورة اليمنية للإصلاحيين أو حتى للسياسيين من كل الاتجاهات .

أفضل القضايا ، إذا اعتممدت على تواصل سئ يمكن أن تؤدي إلى رفض " لاعقلاني " من الذين يفترض أن يستفيدوا منها ، والدرس الذي تكرر في الاخفاقين المتعاقبين للثورتين اليمنيتين عامي (1948 ، 1962م) واضح :

عندما تنقطع اللغة السياسية عن المحيط الرمزي للثقافة البدهيئة تتعرض قاطرة التحديث إلى خطر الانفصال عن عربات المجتمع الذي ترغب في تغييره وهذا هي الفرضية التي أخذها على عاتقه ثانية محمد الزبيري ، أحد مؤسسي الأحرار ، الذي تقع خبرته في لبّ " التظاهر " اليمني .

في عام (1962 م) إن الأحرار الذين هزموا أول مرة عندما أرادوا إصلاح الإمامة عام (1948م) خافوا من أن يهزموا من جديد لكثرة ما بذلوا جهدا في احتواء الثورة الملكية المضادة المرسخة بقوة في النسيج الريفي .

ولاحظ الزبيري ، الذي كان وقتها مهمشا جزئيا بسبب قربه من الإخوان المسلمين حتما أن المحدثين الإسلاميين اليمنيين أخفقوا مرة أخري في تعبئة سكان الريف ضد ملكية يتفق الجميع مع ذلك على طابعها الاستبدادي

ورغم الدعم العسكري الأساس لحلفائهم المصريين ، وربما بسببه ، فإن الجمهورية التي يظن عدد كبير من سكان الريف أنها ليست سوى "زوجة ناصر" كان عليها أن تواجه نفورا متعاظما من القبائل (أى : جوهر المجتمع الريفي) وشهد (الأحرار) حدوث فشل جديد سياسي وعسكري جارح ، عندما يتساءل الثوري بخيبة أمل : لماذا أخفقت الثورتان اليمنيتان على التوالي ؟.

كان الجواب واضحا : إن "المحدثين" وبسبب ابتعادهم عن أكثر صور اللغة الدينية بداهة ، يدفعون الآن بعزلتهم ثمن عدم احترامهم قاعدة عامة من قواعد التبعئة السياسية .

وعام (1964م) عندما رأي الزبيري قواعد نظام على عبد الله صالح الجمهورية تتفكك بشكل خطير استقال من منصبه الوزاري ، وانطلق يصحبه بعض المقّربين (وممنهم عبد المجيد زنداني ، الذي سيصبح قائد حزب الإصلاح للإخوان المسلمين) إلى لقاء القبائل القوية في محيط صنعاء

وكي لا يكرر أخطاء التواصل الماضية ، قرر هذه المرة أن البرنامج السياسي الإيديولوجي للمصالحة بين القبائل و" المحدثين " الجمهوريين من جهة والمجتمع الريفي والنخبة المدنية سيدعي .. (حزب الله) لا أكثر ولا أقل

ولقد أراد متسلحا بخبرات هزيمته المزدوجة أن يستدعي مصادر الثقافة الأكثر تقليدية لدي أهل القبائل ويمتنع عن هذا المختصر التحديثي الذي أثارهم ضد جيل الإصلاحيين الأول؛وقد أثبت انضمام القبائل التدريجي إليه صحة رأيه أكثر من أى وقت مضي ، وقبل أن يكون إلها ، كانت الشريعة عندئذ في اليمن كما في كل مكان آخر ،داخلية المنشأ .

الإخوان والسلفيون بين التحديث والحرفية مع راديكالية أو من دونها

في العالم الإسلامي حتى الذين يبدون بعض التفهم تجاه غضب أنصار العمل المسلح ويستطيعون عند الحاجة أن يكفلوا اللجوء إلى السلاح ، لا يأخذون على عاتقهم التبسيطية التصنيفية لموضوعة أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري اللاهوتية عن الحرب

إن الشعور المعادي للغرب إجمالا ، والمعادي لأمريكا وإسرائيل بصورة خاصة ، منتشر بالتأكيد بشكل واسع في التيارات الإسلامية المعاصرة ، لكن الإرجاع إلى الأسباب الطائفية والشخصية الذي يستخدمه خطاب القاعدة في تحليل أسباب الرد الإسلامي وشرعيته وأنماط تعبيره لا يوجد بالضرورة لدي الجميع .

على هذا الصعيد لا يمثل أتباع القاعدة إذن في الواقع سوي جزء ، بين سائر فاعلي ديناميكية فكرية وسياسية ، ويمكن تأكيد عزلتهم ، ولو النسبية إنهم ليسوا سوي إحدي مكونات ساحة إسلامية متنوعة وفي تطور مستمر .

من حلفاء ابن لادن الأفغان الطالبان المخلوعين ، ولكن الذين ليسوا بالضرورة من دون شعبية في كل المناطق الريفية التي ساسوها وحتى إلى رئيس الوزراء التركي أردوغان والزعيم المغربي لحزب العدالة والتنمية أو رئيس مجلس النواب اليمني مرورا بالمقاتلين اللبنانيين لحزب الله الشيعي بقيادة حسن نصر الله

وحركة فتحي يكن السنية أو حزب التحرير الإسلامي (الذي أسسه تقّي الدين النبهاني في عام (1952م) في الأردن لإعادة الخلافة) تنتج ديناميكية إعادة الأسلمة في الساحة السياسية تيارات ذات اختلافات إيديولوجية مؤكدة : يلجأ أتباعها اليوم على كل حال إلى كل أنواع العمل السياسي الكلاسيكي ، وتساهم أغلبيتهم الساحقة مساهمة فعالة في عمليات تحديث وتطوير مجتمعاتهم وبصورة أوسع العالم المحيط بهم .

ولكي لا نخاطر بالوقوع في الاختزالية التي تبذل جهدا لإدانتها ، من الواضح أننا هنا لا نقدمهم بكل تنوعهم فكل وضع قومي يتطلب في الواقع دراسة أحادية منطقية ، أكثر ما نطمح إليه هو أن نذكر بإلحاح بالخطر الذي يكمن حين نترك تعبيرا ، راديكالية سياسيا ولكن أيضا في قطيعة أصولية مع ديناميكية التحديث السياسي ، يصادر كامل رؤية ديناميكية لا تختزل به البتة .

الإخوان المسلمون وإعادة تأهيل التحديث داخلية المنشأ

التيارات التي تأثرت عند إنشائها بالفكر المؤسس للإخوان المسلمين ، سواء أكانت مرتبطة عضويا أم لا ، بالمركز المصري وتقر بهذا التأثير أو لا تقر به، يمكن اليوم عدّها الأكثر نفوذا تقريبا في القسم الأكبر من العالم الإسلامي السني

وتبقي المواضيع الكبيرة المؤسسة لفكر حسن البنا المواضيع الراهنة في كل مكان ، حتى وإن كان منطق التحديث والتأميم يخترق العالم الإسلامي ، وتميل التوترات الملازمة للتأكيد الفكري والسياسي للمسلمين الذين يعيشون في البلدان الغربية ذات التقاليد المسيحية في الحقيقة إلى أن تطرح ثانية للبحث

أو تجعل سيطرة هذه النواة المصرية المؤسسة أو حتى مركزيتها السياسية والمذهبية نسبية ، في كل مكان تقريبا .

مع ذلك ، يبقي هذا التيار "الإخواني" بالمعني الواسع للكلمة، في معظم البلاد التي له فيها وجود شرعي قالب المعارضة الإسلامية النيابية تشهد صناديق الاقتراع على هذه المركزية حيث إن متحدّيه الإسلامي الرئيس التيار السلفي ، لا يحاول عموما حتى إن ينافسه عليها

كما يشهد على ذلك أن كل الأنظمة التي تخشي كثيرا حكم نصاديق الاقتراع تفضل ، بصورة لها دلالتها ، إقصاء الإخوان عن المشهد الانتخابي (المغرب وتونس ومصر وسورية) إلا أنهم حاضرون فيه غالبا ، حتى وإن كان ذلك بهويات مستعارة (المغرب، ومصر ، واليمن ، والكويت ، الجزائر)

كما أشركوا بدرجات مختلفة ، في ممارسة السلطة في عدة بلدان (في اليمن ، والأردن وخارج العالم العربية ، في تركيا) وبقبولهم قواعد النظام البرلماني ، أجروا قطيعة مع القراءة الحرفية للفكر السياسي الإسلامي التقليدي الذي كانوا بذلك الصناع الأساسيين لتحديثه الداخلي المنشأ في العالم الإسلامي في الجوهر ، اصطفوا بوضوح في الواقع في معسكر الذين يقبلون مبدأ ومتطلبات علمنة السياسي واستقلاله .

لم يكن دفاعهم ولا دفاعات محاميهم هي التي أظهرت ذلك ، ولكن عنف القطيعة النتي أظهرها معهم سيد قطب وأتباعه، والتي تجلّت خصوصا في حدة هجوم أيمن الظواهري على برنامج عمل أتباع حسن البنا منذ إنشائهم عام (1928م)

هذا الاتهام يوجهّه ذاك الذي أصبح الرجل الثاني في القاعدة في كتابه (الحصاد المرّ، ستون عاما من الإخوان المسلمون الذي نشر عام (1988م) هناك عدة أساليب لاختيار نصوص منظري القاعدة وقراءتها على وجه التحديد وجعلها تتحدّث عن نفسها

مع ذلك تكمن أهمية (الحصاد المر) الخفية والجوهرية في أنه يسمح بقياس حجم القطيعة المحدثة التي قام بها الإخوان بالعلاقة مع القراءة الحرفية للعقيدة الإسلامية لمؤسسي القاعدة " القطبين " المستندين إلى رفضهم اللامشروط للإسهامات التشريعية والدستورية للحداثة الغربية ، من منظور الظواهري؛

كما من منظور سيد قطب في زمته ، فإن مصر استأصلت من البلاد بفظاظة سيادة المرجعية الإسلامية عندما استوردت المرجعيات الدستورية والتشريعية الأوروبية . وهذه التبعية لعالم الغرب الرمزي والقانوني هي برأيه مصدر كل مشاكل البلاد الاجتماعية والسياسية .

تظهر مخيّلة الظواهري هنا بجلاء استمرار الإشكالية الارتكاسية بين الأولي والثانية من زمنيات الإسلام السياسي الثلاث ، وليضع إطارا لانتقاده "علمنة" الإخوان المسلمين يقول مندّدا : بعد أن اختلس البريطانيون مصر التي كانوا يحتلونها منذ عام (1992م) من الإمبراطورية العثمانية دفعوا طبقة سكان البلاد الأصليين المصريين التي كانت قد صنعتها إلى تبني دستور يضع أسس العلمانية

كان ذلك في عام (1923م) أول دستور مصري وحتى أول دستور لبلد عربية ، يعتبر التي اقتبست عنه فيما بعد ، وعام (1883م) أى : بعد بداية الاحتلال البريطاني بعام " ثم إصدار " قوانين مشتقة في الجوهر عن القوانين الفرنسية مخصصة للمحاكم المصرية ، مكان أحكام (العرف أو) القانون الإسلامي (...) التي ظل يطبق منها فقط بعض المواد المتعلقة بقانون الأسرة أو ما يسمي : قانون الأحوال الشخصية

وكي يدعم لائحته ، يسرد الظواهري مطولا بنود دستور (1923م) والآراء المعاكسة لها في دستور عام (1971م) كانت المرجعية الإسلامية قد أقصيت فيها لصالح هذا " القانون الإيجابي " أو هذا " القانون " الذي كانت أول مواصفاته برأيه كونه دخيلا على النظام الرمزي الإسلامي

هناك حيث هدف المشرع ، كلما رجع إلى " القانون " هو الدلالة على تراجع الكيفي ، لا تريد مخيلة الظواهري بالتالي أن ترى سوى تراجعا للنظام الرمزي الإسلامي وإسقاطا له : تطور "القانون" يعني "إقصاء الشريعة " وتزايد هيمنة " قانون الكفار "

ويدين هكذا قائلا : تجرؤ المادة السادسة من الدستور على أن تنص على ما يلي : لا توجد جرائم ولا عقوبات من دون قانون ، وهذا يظهر برأيه أن الجرائم والعقوبات وقعت في جعبة " القانون الأجنبي" وأفلتت بذلك من التأثير الناظم للقانون الشرعي الوحيد القانون الإسلامي .

وتتبع لائحة سوء التفاهم مسار كامل الصرح الدستوري: ألا ينص الدستور على أن قرارات السلطات القضائية تطبق بموجب القانون؟ ألم تؤخذ هذه النصوص ثانية في دستور عام (1971م) ؟ .

ألا تنص المادة (123) من دستور عام (1923م) على أن " القضاة مستقلون ولا يتبعون لأى سلطة أخري سوى سلطة القانون " ؟ يتضح " سوء التفاهم " كذلك على صعيد السيادة التي يقول النظام الجديد (أو يدعي) أنها شعبية يعهد بالسلطة التشريعية في دستور عام (1923م)

كما في دستور عام (1971م) إلى أيدي مصادر "بشرية" : السيادة للشعب ، وله وحده وهو مصدر كل السلطات، ويبرهن قائلا: إذن كل هذه المواد تعطي سلطة التشريع إلى أشخاص بشريين

وهذا الانتهاك للألوهية السامية بالإشراك ، أى : مشاطرة الإنسان الإلوهية ، وهو في نظر الظواهري لبّ " الديمقراطية " التي يدينها قطعا ، لأنه " لا يملك أحد سوى الله سلطة التشريع لمخلوق "

ويستخلص قائلا : غير أنه على أساس هذه الدساتير حكم على التوالي الملك فؤاد حتى عام (1936م) ثم الملك فاروق (1936 -1952م) وجمال عبد الناصر (1954 -1970م) وأنور السادات (1970 -1981م) ثم حسني مبارك .

على الصعد الأخرى ، ومنها بلوغ المرأة المجال العام المهني والسياسي تخطي الإخوان المسلمون أيضا بصعوبة عددا من المراحل الرمزية الكبرى التي تظل موضع حصار في أجزاء أخرى من الساحة الإسلامية .

الأصوات الداعية إلى الإسراع في التحديث

وهكذا تتآلف إحدى التصنيفات الممكنة من تحديد موضع المكونات المختلفة للتيار الإسلامي على جدول الحداثة الاجتماعية والسياسية ، المحددة مسبقا ضمن نواتها التي تمد كونية إن الإيقاع النسبي الذي سار عليه كل تيار

وهو يعيد الكتابة " بألوان الثقافة الإسلامية الداخلية المنشأ " أو " يعيد ثقافيا انتحال " منتوجات التحديث الأساس الذي جرى خلال القرن التاسع عشر في المجالات التي صادف أن الغرب سبق فيها المجتمعات ذات الثقافة الإسلامية

يظهر لدي كل جهات الإخوان ، اتجاهين متنافسين يميلان إما إلى لجم إيقاع إعادة التأهيل داخلية المنشأ هذه أو تسريعة ، ،إن كانت اصطفائية " للحداثة المستوردة "

وتتميز التفرعات الإسلامية " للأرومة الإخوائية " عن ذلك فيما يخص حجم إيقاع التحديثات الاجتماعية والسياسية القائمة حتى هذا اليوم ، برأي البعض كانت هذه التحديثات (التي تعطي مثالا جيدا عنها مواقف الشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة القطرية) وتعد غير مقبولة في مبادئها

وعلى كل حال سريعة في إيقاعها أكثر مما ينبغي بكثير ، برأي آخرين ، الذين يبدو ترسخهم الاجتماعي مع ذلك أقل أهمية بصورة ذات دلالة ، فهي تبدو ، على العكس غير كافية أو غير مكتملة .

اعتبارا من التسعينيات قام هؤلاء الناشطون الأخيرون أنصار تحديث متسارع بالتنصل مما يعدونه شكلا من تحجَر الإخوان ، وهم ينددون عموما بالصعوبة التي يلقاها أتباع حسن البنا

على غرار مجلس السوفييت الأعلي في الاتحاد السوفييتي في عصره الذهبي ، في تجديد أعضاء قيادتهم ، ما يؤدي إلى توتر بين الأجيال داخل حركتهم نفسها ، وبذلك يجرد حزب العمل ، ثم حزب الوسط (الذي حرص على ضم مسيحيين أقباط)

وبعد الآن عدة فروع مستقلة في مصر ، الإخوان " التاريخيين " من احتكار المعارضة " الإسلامية " لحسنى مبارك الذي يصعب طرده ، وكذلك من احتكار تحديث المرجعية الدينية " داخلي المنشأ"

وعلى طول خط يفصل الأجيال ، جزئيا على الأقل ، يعيد الإصلاحيون (مثل فريق موقع الإنترنت إسلام أون لاين) طرح موضوع الأقفال التي يرون أنها لا تزال تعرقل تحديث تركه حسن البنا:

تتناول الانتقادات غالبا ميل الحرس القديم إلى الانغلاق الأصولي ، وثقافة السرّية التي ورثها عن سنوات القمع والعمل السرّي السوداء ، ونوعا من صعوبة التواصل مع تيارات إسلامية أخرى وحتى لمسة .. من "المركزية المصرية" .. إلخ .

ومن جهتهم تبني دعاة إعلاميون يعتبر عمرو خالد أحد رموزهم في مصر ، أسلوب تعبئة إعلامية وتقوية في الوقت نفسه ، وغير منخرطة في الحقل السياسي ، وذرائعية بصورة خاصة في علاقتها باستبدادية النظام

هل يعلن بذلك هؤلاء " الدعاة الموجهون " ذوو الأسلوب القريب من أسلوب الانجليين الأميركيين " عدم تسييس " الإسلام السياسي ، الذي يكون بذلك " تجاوزه " على جدول الأعمال مرة أخرى كما هي الإشكالية الهوياتية للإسلامية ؟

يبدو هذا قليل الاحتمال ، إن سيطرة النظام المستمرة على الساحة الاجتماعية والسياسية في حالة مصر (وغيرها أيضا) هو معيار يحد حتما بشكل كبير من مدى " عدم التسييس " الظاهر هذا لبعض أجزاء التعبئة الإسلامية .

وخارج " مصر الأم " آثرت كل التيارات المستوحاة أو غير المستوحاة مباشرة من التيار المصري ، نوعا من استقلال الفكر والعمل في الممارسة في المغرب ، تشكل نادية ياسين ، ابنة مؤسس (جمعية العدل والإحسان) المغربية مثالا جيدا على هذا التحديث الفعال لفكر لم " يخضع " أبدا للإخوان

إنما تأثر بتركتهم في البداية و(حزب العدالة والتنمية) المغربي الذي اختار التوافق مع متطلبات النظام ، يفتش في المملكة ، التي أعطتها اعتداءا الدار البيضاء عام (2003م) مسوغا للعودة من جديد إلى عادتها القمعية القديمة عن إمكانيات المعارضة الشرعية وحدودها في المملكة السعودية

حيث ساهم تيار الإخوان بشكل واسع في تحديث تركة الوهابية تتابع حرمة ليبرالية هي تجمع لبعض المثقفين الشيعيين والسنيين قراءة نقدية لتركة الوهّابية باحثة هي أيضا عن إمكانيات الإصلاح "السياسي"

أو على الأقل غير المعارض ، والعمل الإصلاحي الذي قام به راشد الغنوشي ، زعيم (حركة النهضة) التونسية المنفي في لندن والمعارض العنيد لزين العابدين بن علي ، هو أكثر طموحا في العديد من النقاط من عمل علماء الأزهر

وقد كان بصورة خاصة أحد أوائل الزعماء الدينيين الذين تنصلوا من الإدانة المسلم بها للردّة ، عدا عن ذلك تلعب التيارات الإصلاحية الممأسسة قليلا أو كثيرا ، والموجودة في أوربا أو الولايات المتحدة ، دورا متعاظما في تطوير تركة حسن البنا

وهكذا وفي مقدمة هذه الحركية الإصلاحية تجرأ السويسري طارق رمضان على اقتراح مهلة عامة في مجمل العالم الإسلامي بخصوص تطبيق العقوبات الجزائية القرآنية .

أشكال الرجعية السلفية باستثناء التيارات التقوية القديمة جماعة التبليغ

فإن البديل الرئيس للتيار الإخواني في الطرف الآخر من الطيف هو التيار السلفي ، الذي يمكن ربط منظري القاعدة به من بعض النواحي ويختلف تاريخ الحراك السلفي من حدود قومية إلى آخري ، وفي الواقع لا تزال المفاهيم التي تسمح بكتابته غير متوفرة حتما كلها

أتي السلفيون أحيانا من انشقاق واضح في الأرومة الإخوانية ، مثل سلالة سيد قطب في مصر ، واستطاعوا ، كما في المملكة السعودية ، امتلاك قاعدة متقدمة على هذا التيار مع الخضوع لتأثيره ، لا شك في أن أحد الأخطار الرئيسة المنهجية هي أن تتم دراستهم بنفس الالتباس الذي يقوم به الرأي العام حتى هذا اليوم تجاه ظاهرة الإسلام السياسي بأكملها .

خلف حمودة المعلن ، فإن التيار السلفي ، في الواقع متنوع ، و" وحيوي " بالقدر نفسه ، لقد ذكر باسكال مينوربه بما يتضمنه تشييه الجامد " بالوهابية " من اختزال .

بإظهار التاريخانية الخاصة بالإرجاع إلى أيديولوجية مؤسس المملكة السعودية وتعدد استعمالاتها اليوم مع ذلك إذا كان علينا إيجاد قاسم ، مشترك لهذا الجزء من المشهد الإسلامي

فإن ذلك يتم بإتباع الحد الفاصل الذي تنميه الغالبية العظمي من أعضائه تجاه الإخوان المسلمين ، إن الدراسة التي ذكرناها سابقا عن مسيرة اليمني مقبل ، حتى لو لم نستطع أن نجعله يمثل كل السلفية ، وآخذين في الاعتبار خصوصا متغّيرات خاصة بالسياق السعودي ، اليمني تسمح بتأكيد سماته المذهبية الأساس .

ويشترك السلفيون باعتبار محصلّة التنازلات التي قام بها الإخوان المسلمون لليبرالية السياسية والتحديث الاجتماعي ، إساءات غير مقبولة للمرجعية القرآنية وسنة نبي الإسلام

حتى وإن لم يكن أى تعبير تطرفي للانتماء الديني (لا التبليغيين) الذين ظهروا في الهند في العشرينات ، ولا حزب التحرير الإسلامي الذي تأسس عام (1952م) في الأردن) يبدو حسنا بنظرهم

فإن الإخوان المسلمين هم الذين يشكلون على صعيد القرن المنصرم ، المقابل الرئيس لتأكيدهم المذهبي ، كما يشهد بذلك مقبل : لم ندع أهل السنة إلا لأننا رأينا أن الإخوان المسلمين تبعوا البدعة وكذلك جماعة التبليغ (.....) أهل السنة هم الذين اقتدوا بالنبي في أقواله وخياراته وأفعاله

عندما أخذ علينا الإخوان ذلك وشرعوا يبدون وكأنهم ينتمون إلى عالم مختلف أصبح كل من لم يتبعهم موضع عداوتهم ، وعندما تراجعت سمعتهم ضمن المجتمع اليمني

وأدرك العديد من الناس أن دعوتهم أصبحت مادية في حين كان كل شخص يظن أن كل من يدعو إلى الله ينتمي إلى الإخوان المسلمين قررنا ، مع خشيتنا أن نزيد الوضع سوءا بتعدد الفرق ، أن نختار اسما ليميزنا .

إلا أن هذا " المذهب " السلفي ليس متجانسا ، وليس ساكنا كذلك ، خاصة على الصعيد الأساس للمشاركة في السلطة السياسية ومعايير تقويم الأنظمة ، حتى إن كانت عدة تيارات سلفية في جزيرة العرب ترفض المبدأ الديمقراطي في جوهره فهي تنتخب وتقدم مرشحين (وخصوصا خلال الانتخابات التشريعية اليمنية عام (2003م)

وخلال الانتخابات البلدية الأولي في المملكة السعودية عام (2005م) هذا الابتعاد عن حرفية المؤسسين المذهبية (الذين كانوا يرفضون تصوير البثر وبالتالي التلفاز ، والعلوم التجريبية ... إلخ) يقربها بشكل واضح من المواقف التي أتخذها الإخوان المسلمون منذ فترة طويلة

وهذه هي حال أتباع منشق سوري من الإخوان المسلمين ، محمد بن نايف زين العابدين سرور ، وأتباع عبد الرحمن عبد الخالق ، وهو مصري استقر في سورية ، في الواقع توجد جسور فردية بشكل طبيعي

ولا سيما أن حراك الإخوان المسلمين احتفظ هو نفسه بمكون أو اتجاه " سلفي " وهو يتمثل عموما في اليمن ، في (حزب التجمع والإصلاح) بعبد المجيد زنداني

وعلى العكس ينجم الشرخ الأساس في المعسكر السلفي اليمني المتمثل بانشقاق أبو حسن المغربي عن ديناميكية " تحديث " تميل إلى تقريبه من مواقف الإخوان المذهبية .

يمكن إذن للفرضيات المذكورة على أساس ملاحظة الساحة اليمنية حتما أن تعمم في جزء منها على الأقل على ساحات قومية أخرى للسلفية : رد الفعل المندد بالتحديث الذي يقوده تيار الإخوان والقطيعة معهم المتفاوتة في الصراحة

والنزاع تبعا للمظاهر القومية ، لا تمنع سيرورة تحديث مشابه من متابعة سيرها حتى لو كان ذلكبإيقاع أخف ، على طول معالم مشابهة أهمها من دون شك منح المشاركة في الاستشارات الانتخابية شرعية .

عودة الصوفيين إلى السياسة؟

ليست التفرعات "الحرفية" والمحدثة "للأرومة التاريخية للإخوان المسلمين حتما آخر لائحة " الساحة الإسلامية في الواقع تبدو حدودها مع شكل آخر من أشكال تظاهرات التدين الإسلامي المفرط ، أى : الصوفية ، أقل جزما مما يوحي به التقديم الكلاسيكي ثنائي التفرّع الذي يقابل الانتماءين .

تساهم الأخويات الصوفية تماما في ديناميكية "إعادة الأسلمة" على الصعيدين التثقيفي والاجتماعي أولا ، ولكن بشكل متزايد الوضوح ، على الصعيد السياسي ، عندما كانت هذه الأخويات تقاوم الاختراق الاستعماري كانت همي التي تمثل "الخطر الإسلامي" في نظر الغرب في تلك الحقبة

وقد نسينا ذلك أحيانا ، لم بعد دورها اليوم "سلبيا" بنفس المنهجية التي تحب النظرة الغربية أن نظنها أحيانا ، ومن دون أن نتبني مع ذلك مقولات الفكر السلفي ، أو نستغني عن متطلباتها الرمزية فهي ليست على الهامش في المطالبة بتطبيق القانون الإسلامي ، ولا نبقي بالضرورة سلبية إزاء مظاهر الهيمنة الأجنبية .

في الواقع ليس الالتزام السياسي المحلي ، ولا الكفاح المسلّح (الجهادي) بعيدين اليوم عن عالم الأخويات ، في الباكستان ، قامت حركة الأخوية الجديدة لطاهر القدري ، عبر حزب سياسي (باكستان عوامي تحريك) بظهور عابر في الحلبة النبابية ، ومنذ عدة سنوات ، تنخرط أخويات في كشمير الباكستانية

وفي أفغانستان ممارسة كانت شائعة في القرن التاسع عشر ، أعلن الأعضاء العراقيون في أخوية القادرية إنشاء سرية عبد القادر الجيلاني الجهادية (باسم مؤسس الأخوية) في نيسان عام (2005م) أجمل قدري ، زعيم مجموعة من (الحزب الإسلامي الديوباندي تدعي (جمعية علماء الإسلام) القريبة من المجموعة الجهادية (جيش محمد) (المعروف هو أيضا بقربه من القاعدة)

ظهر كصوفي مدرب على الأخوية النقشبندية والقادرية معا ، ويعد نفسه زعيم أخوية جديدة متعددة القوميات أنشئت تحت شعار مبتكر (خدام الدين العالمية) يمكن بالتالي للعديد من الجسور "الصوفية – الإسلامية" مهما تكن معقدة أن تكون مثبتة بين شكلين من أشكال التعبئة لم يكونا أبدا متعارضين تماما ، رغم خطاب ناشطي المعسكرين .

ويظهر وضع الاختلافات بالمنظور التاريخي سبب تلاشي بعضها اليوم يمكن عد ظهور الصوفية البدئي وإعادة تأكيدها البعد الروحاني للدين رد فعل على فرط تمسك بعض المشايخ بالقوانين وحرفيتهم هاجمت الانتقادات الإصلاحية أو "الإسلامية" المتكررة (من عبد الوهاب إلى سليليه السلفيين المعاصرين)

فيما بعد هذا البعد الروحاني للقانون أقل من مهاجمتها الممارسات الأخوية لتقديس الوسطاء البشريين الأحياء أو الأموات ، مع الله ، المسيئة لمبدأ الوحدانية الإلهية ، أو بعض الأساليب المستخدمة للوصول إلى النشوة الصوفية

وعدا هذا النقد لبعض الطقوس الشعبية، نما التوتر بين الإسلاميين والصوفيين بسبب السلبية الظاهرة للأخويات في الساحة السياسية المحلية أو الإقليمية ، غير أن هذه الوداعة الظاهرة تجاه السلطات الاستعمارية نجمت خصوصا عن "فعالية" عنف هذه السلطات

كان هو وليس "جوهر الروحانية الصوفية" الذي حطّم قدرة المقاومة لدي الأخويات جاعلا إياها غير قادرة على تأكيد سيطرتها على الحركات الاستقلالية التي فقدت مكانها في الساحة الدينية؛

غالبا منذ ذلك الحين لصالح التيارات الإصلاحية هذه الهزيمة الاستعمارية في المغرب بشكل خاص ساهمت بالتالي في إعطاء مصداقية لفكرة وجود تضاد جذري بين "الإسلام السياسي" وسلبية الصوفيين اللاسياسية .

ثم تمت تنمية هذه المعارضة وتوظيفها وتنميطها من كل النشطاء ، داخل العالم الإسلامي وخارجه ، الذين كانوا يتمنون إيجاد بديل دبي لقوة المعارضة الإسلامية ، وهكذا شاركت أنظمة استبدادية ، ونخب "علمانية" عربية ومراقبون غربيون من جميع الاتجاهات ، بما فيها الحقل الأكاديمي

وحتى هذا اليوم في ميل موحد لتقديم بديل صوفي مطمئن للتهديد الإسلامي، حتى لو تطلب الأمر المغالاة في تقدير قدرته على التعبئة ، أو أحيانا ، القيام بقراءة "سياسية" تبسيطية له بالتأكيد إن خصوصيات الفرقتين الإسلام السياسي والصوفية تبقي مدركة تماما في الخطابات

كما في الممارسات وتبقي إدانة الإسلاميين لتقديس الوسطاء البشريين كاملة لكن اختلاف عدد من المؤلفين "الإسلاميين" في درجة إدانتهم للصوفيين ، وكذلك التفرعات المحدثة لدي الأخويات الصوفية الكبيرة وميلها إلى تجديد الاهتمام بالساحة السياسية تدعو إلى جعل المسافة التي تفصلها نسبية .

على كل حال ، يدعو هذا الالتفاف خارج الساحة الإسلامية المحددة كلاسيكيا إلى عدم عد الراديكالية السياسية مرتبطة بالضرورة بمواقف النشطاء في هذا الجزء أو ذاك من الساحة الدينية ، أو بمكان معيّن على جدول التحديث الاجتماعي والسياسي؛

ليس من الضروري بالتأكيد أن يكون المرء سلفيا ، ولا أن يكون من الإخوان المسلمين مستندا إلى انتمائه الديني لكي يقرر أن يعارض بعض مظاهر فيضان الوجود الغربي في العالم الإسلامي .

إذن لا تكون إعادة وضع ظاهرة ابن لادن "في مكانها" كما يفعل عدد من الكتاب وخاصة المسلمين بألا نرى من جبل الثلج العائد للمعارضة العالمية إلا قسمة الظاهر ، مختزلين إياه إلى ظاهرة محصورة (وخصوصا التيار السلفي) في المناطق التي لم تلقي عليها الحداثة السياسية بعد أشعة نورها؛

إن الخطر المزدوج لهذا الوضع ، الذي يشعر المدافعون عن الإسلام بالرغبة في الانسياق له يكمن في تصغير اتساع الحرمان من التمثيل الذي يغذي الراديكالية والإيهام بأن مزيجا من السياسة التثقيفية قد يكفي لإعادتها ضمن صفوف نظام الحداثة السياسية العالمي ، بالتأكيد لا يمثل أتباع المجموعات الراديكالية سوى أقلية صغيرة في العالم الإسلامي

لكن عدد هؤلاء الذين يرفضون تجريم عملهم كما يفعل جورج بوش وطوني بلير هو أكثر من ذلك بكثير وممارسات مبتدعي "الحرب الشاملة على الإرهاب" في نسختها الأميركية – العراقية أو الأوروبية لا تسمح يجعله يتراجع بل على العكس .

الراديكالية الإسلامية بين التعصب الديني والعنف السياسي المعاكس

يستوحي أسامة بن لادن وزعماء إرهابيون إسلاميون آخرون من تقليد طويل ذي صلة بعدم التسامح المفرط داخل أحد تيارات الإسلام (تقليد أقلية) منذ ابن تيمية على الأقل ، مرورا بمؤسسي الوهابية والإخوان المسلمين حتى سيد قطب . (تقرير رسمي للكونغرس الأميركي عن اعتداءات 11 أيلول 2001م).

ستبقي أقوالنا حروفا ميتة ، مثل دمي الشمع ، جامدة بلا روح ، وحدة الموت سيأتي ببعثنا ودخولنا عالم الأحياء . (أغنية منسوبة إلى محاربي القاعدة) .

أمام التهديد الذي تمثله تعبئة إسلامية راديكالية تعلن أنها " معادية للغرب " من الضروري أن نميز بين البعدين الأصولي والسياسي ، المتداخلين غالبا بشكل وثيق؛

إذا لم تكن هذه التعبئة في الواقع سوى "أصولية" فيجب التفكير فقط بجبهة معارضة (كما في الماضي في مواجهة النازية) وإن كانت جزئيا ، أو حتى بشكل أساس ، سياسية ، عندها ليست جبهة الرفض حتما الحل الأكثر شرعية ولا الأكثر فعالية للإقلال من التهديد وإزاحته .

فرضية هذا الكتاب المركزية هي أنه ، إذا أمعنا النظر ، نرى أن تمرد القاعدة سياسي أكثر من كونه دينيا ، و"الإسلامية الراديكالية" تخفي من الأصولية الدينية والتعصب والتجهيل أقل بكثير مما تخفيه من الدفاع الذي هو مشروع أحيانا عن مصالح سياسية ، أو اقتصادية متداخلة بشكل معقد في تأكيد عادي جدا للهوية؛

نريد أيضا إثبات أن فك طلاسم آليات الراديكالية الإسلامية لا يمكن قراءته بمعزل عن مرآة سلوك المحيط الغربي ، حيث تساهم مكونات أصولية مدانة بنفس القدر بعدد لا بأس به من التعبئة السياسية .

أى راديكالية؟

كسلمة راديكالية متعددة المعاني .. يمكن أن تعني : اللجوء إلى العنف أو إلى الكفاح المسلح لحل صراعات أو خلافات ، يدل المفاوضات السياسية أو الصفقات الديبلوماسية يمكنها بعدئذ وصف التشنج الإيديولوجي أو "الأصولي"

لانكفاء دفاعي ومتشبث خلف حدود الانتماء الأصلي القومي أو العراقي أو الديني ، تقود هذه الراديكالية أتباعها إلى تجريم خصومهم ليس بسبب أفعالهم ولكن فقط بسبب " كينوتهم "

بالتالي إنكار وصول انتماءات أخرى عداهم إلى العام ، وهم ينكرون بذلك وجود مخزون قيم مشتركة يسمح بقيام تعايش ومشاركة بين أصحاب الانتماءات المختلفة وبالتالي تجاوزها تغذي الراديكالية المتعصبة المواقف العنصرية ، وتساعد في إعطاء شرعية لجرائم الكراهية في زمن السلم، والتطهير العرقي وجرائم الحرب " في زمن الصراع" .

وبما أن أحد شروط التعايش مع الأنا المقابل هو أن تكون .. مختلفا عنها تقود الهويات الخاصة إذن "المسلمين" تماما كما تقود "الغربيين" إلى جوهرة انتماءهم (ثقافتهم ، وقيمهم وحضارتهم)

وبالتالي يلحّ الرأي العام بصوت واحد ، من داخل الانتماء الإسلامي ومن خارجه على نبرة مجرمة للبعض مثمنة للآخر ، لتأكيد وجود صلة ملموسة بين "الكلام" و"الفعل" الإسلاميين ، بين إسلامية النشطاء وسلوكهم في السياسة والمجتمع مع المجازفة باتخاذ منحي خطير .

ماذا يحدث في الواقع عندما يقرر ناشط سياسي أن يعيد للمرجع الإسلامي مركزيته المفقودة؟ ويمكن للأفضلية المعطاة فجأة من المسلم " الآخر " لمرجعه (على حساب مرجعنا) أن تغذي انكفاء أصوليا مزدوجا في إحدى نهايتي طيف إعادة الأسلمة؛

على الأقل هناك أتباع حرفية ضيقة يوجد بينهم من دون شك ممثلون لأعضاء التيار السلفي ومنظري القاعدة يستطيعون الخضوع لإغراء خبيث : رفض من دون تمييز لشرائح كاملة من أكثر محتويات الإرث المحدث الغربي شمولية بحجة وحيدة

هي أنه لم يتم التعبير عنها أصلا من داخل الانتماء الإسلامي بالأدوات الرمزية المأخوذة من هذه الثقافة هذا العجز عن الخروج من الانتماء الأصلي الإسلامي يعبر عن صعوبة تشكل من دون شك ، العقبة الأساس أمام التحديث السياسي للعالم أى : تأكيد قاسم مشترك إنساني قادر على التفوق على الانتماءات الثقافية والدينية .

غير وارد إذن إنكار ، أو الإقلال من حجم كون انحراف الانكفاء الطائفي (وحدة انتائي الثقافي أو الديني يستطيع إنتاج الحسن ، والشامل) يشكل جزءا من المشهد الإسلامي ، أو بعض أجزائه ، يبقي مع ذلك أن توازن بين الامتداد النسبي لهذا الانكفاء ومقدار خصوصيته "الإسلامية"

غير أن الانحراف الأصولي يحتل في العالم الإسلامي مكانا مشابها تماما للمكان الذي يحتله لدي الهويات الأخرى ، بما فيها المسيحية أو "الغربية" ولا شئ يسمح بأى حال أن نجعل منه فحوى أو الجوهر المفسر لديناميكية إعادة الأسلمة .

في الواقع ، ليس أكثر الإسلاميين "حرفية" الوحيدين المعرضيّن لإغراء رفض كل مظاهر ثقافة " الآخر " بشكل لا منطقي . غالبا ما تسلك النظرة الغربية نفسها ، حتى في أعلي مستويات الطبقة المثقفة والطبقة السياسية ، الدروب المختصرة بنفس القدر

الإغراء قوى لدي المحاور الغربي لرفض حق الجلوس إلى المائدة وإلى المفاوضات السياسية لهؤلاء الذين يعارضون وضعه المميز ويعبرون عن ذلك بغير مقولاته اللفظية إن ظهور مطالب على المشهد العالمي أو بالأحرى معارضات مصوغة بمفردات "إسلامية" غريبة بشكل غير مقبول

يزعج بشكل ما الإدراك المريح الذي كان يريد أن تحتل (الجمعية) الغربية كل ميدان العام بصورة مشروعة وبشكل أقل إدراكا لا شك في أن "الخوف من مفردات الآخر" يغذيه أيضا الشعور بأن هذه "الانحدار" في صفوف "الجمعي العالمي" يمكن أن يؤدي إلى تراجعات أخري اقتصادية أو سياسية ، أشد صعوبة أيضا .

يمكن إذن "الأصولية"، في هذا الميدان كما في غيره أن تكشف أصولية أخرى ، ليس من السهل أبدا قبول مطالبة "جار" بالأراضي وتصبح غير مقبولة البتة حالما لا يتم التعبير عنها بقوانين ثقافتنا البدهية وماذا نقول عن الحالة التي لا تصدر فيها عن الجار ولكن تنجلي داخل منطقة النفوذ الهوياتي القومي ؟

عندما ترغب الأصوات "المسلمة" في أوربا خارجة من أسوار طائفتها في التعبير عن طموحات شمولية تثير رفضا يقارب اللاعقلاني وهكذا تفسر ربما وإن كان ذلك لا يعطيها عذرا الانزلاقات المؤسفة لمعارضي طارق رمضان الفرنسيين هذا "الوغد"

كما سمح الوزير السابق برنار كوشنر لنفسه بأن يصفه عندما يحل نوع من الترهات الجارحة والمتغطرسة محل المنطق والأخلاق في الرد عليه ألا يعيد المثقف المسلم الذي يدعي أنه خرج من أسوار انتمائه ، مع محافظته على مفرداته ، القبيلة "الغالية" التي استأثرت لفترة باحتكار التعبير عن العام ، إلى الحقيقة الأكثر ضيقا والأقل تثمينا لمجموعيتها الخاصة ؟.

شقافات مختلفة ولكن قيم مشتركة

"أمريكا الشمالية وأوربا هما بلدان (كذا) يتشاطرون نفس القيم تقليديا وتاريخيا وبالتالي يميلان إلى خوض نفس المعارك " لم نفت المراقبين فرصة السخرية من زلة اللسان التي جعل بها الرئيس جاك شيراك في مؤتمر صحفي أقيم في لندن في (18/10/ 2004م)

مع رئيس الوزراء طوي بلير من " أمريكا الشمالية" وأوربا" " بلدين " ويفترض أن ذلك جعل الجنرال دينول يتقلب في قبره ... بالمقابل لم يبين أحد توزيع " القيم " الأحادي الجانب بشدة الذي تنطوى عليه مثل هذه العبارة .

ألا تشاطرنا القارات الأخري إذن أيا من قيمنا ؟،... وهل يجب بالتالي أن تخوض أوربا وأمريكا " معاركهما " المشتركة المقبلة ضد سكان هذه القارات إفريقيين وآسيويين ؟

إذا خلطنا كل الانتماءات الدينية أو الثقافية نري في الواقع كثرة عددنا نحن الذين نحول بشكل واع ، قليلا أو كثيرا ، الأصالة الحقيقية والجديرة بالاحترام لثقافاتنا إلى " خصوصية " أو حتى " وحدانية " إيديولوجية كثيرة لقيمنا .

في الواقع يشعر المسلمون ، وغير المسلمين ، بنفس الصعوبة في إقامة تمييز أساس : مثل أتاتورك (الذي كان يري أنه لا يمكن اكتساب الحداثة إلا بارتداء كاسكيت (قبعة ذات حافة واقية من الشمس مماثلة لما يرتديه الأوروبيون)

وهم يخلطون بين اللوازم الرمزية " المأخوذة من التاريخ أو الدين أو الثقافة " التي تعطي القيم " العدالة الاجتماعية ، والمساواة بين الأفراد ... الخ ) النكهة " المحلية التي تمنحها شرعية في نظر كل طائفة عرقية ، أو قومية أو دينية ، مع الرهان العملي الشامل للرجوع لهذه " القيم " وبالتالي هم يفكرون إذن أن استخدام مفردات مختلفة ينطوى على تبني قيم مختلفة بذات القدر .

إلا أن شيئا من ذلك لا يحدث ، في الأساس لا يمكن اليوم ربط القيم الإنسانية بأي ثثقافة خاصة يمكنها في أحسن الأحوال أن تتجلي بشكل مغاير حسب السياق الاجتماعي والثقافي ، في مجتمع ريفي وزراعي ما قبل العصري

أو في مجتمع صناعي ومديني يمكن لقيم مماثلة أن تكون مشروعة في نظر مجموعات إنسانية متنوعة من حيث الإيديولوجيات (الدينية أو المادية) المختلفة بعدا أو حتى المتصارعة ، شريطة أن يكون لها قاسم وظيفي مشترك هو أن تكون مسنبطة من الإرث التاريخي ، الديني أو الدنيوي

الخاص بالمجموعة المعينة يمكن لحقوق الفرد أو المجموعة الإنسانية ، الأساس ، أن تجد اليوم المرجعيات التي تسوغ احترامها وضمانتها ضمن كل ثقافة وضمن كل ديانة باسم الله أو المسيح أو باسم الجمهورية .

ليس الدفاع عن القيم إذن مشروطا بالدفاع عن الانتماءات الأصلية (الدينية أو الثقافية أو اللغوية ، الوطنية أو القارية) لأن الخلط بين الاثنين يقود إلى تمييز الانتماءات الأخرى لا يفهم هذا الاختلاف دائما

مع أنه واضح عندما يستقبل المرء زائرا على مائدته أو عندما يستقبله مضيف أجنبي على مائدته ، من المشروع أن يرغب في تذوق أو جعل الآخر يتذوق مظاهر التنوع الثقافي الأوسع

وعند الاقتضاء في الدفاع عنه ، نفس الشئ ينطبق على المنتدى الأدبي أو الموسيقي ، أو على الملابس أو اللغة ، من المشروع أن نرغب في المحافظة على هذه المجموعة الواسعة من النكهات والأصوات

والتعبيرات الفنية وأنماط التدامج الاجتماعي .. هذه العلاقات بالعالم الخاصة للفرد هي كذلك بالقدر نفسه مصادر ضرورية لتصالحه مع هذا المحيط ..

ولكن إذا حدث أن نشبت النار في المسكن، أو انتهت المؤن ، أو مرض أحد السكان ، أو حدث تهديد من معتد شرس ، فإن تحليل المشكلة ، وتقويم الوضع واتخاذ القرارات " الضرورية " لا يتطلب أى " تنوع ثقافي "

مسلما كان أم مسيحيا أم دنيويا أم ملحدا أم اشتراكيا أم ليبراليا ، كل شخص ، مهما كانت " هويته الثقافية " سينخرط في عمل مماثل ، لأن القيم التي توجهها ثقافة كل شخص ستأخذ على الفور معني مشتركا ، أى اختلاف سيبقي ؟

هذا سيفكر أنه يقوم بالشئ الصحيح ، لأنه يتبع تعاليم ابن مريم وآخر سيقول لنفسه أنه يطيع " تعاليم الأمر بالمعروف " أو " النهي عن المنكر " التي أوحي بها الرسول محمد ، وثالث ، ملحد سيكتفي بضميره الإنساني فقط .

عندما يتوجب على المجموعة الدولية أن تواجه موقفا اسمه التعذيب ، أو المجاعة ، أو المرض أو أيضا الحرمان من الحرية ، والاستبداد السياسي ، والعنف الأعمى ، وعدم التسامح

وكل " المعارك " التي تود فرنسا والولايات المتحدة من دون شك خوضها " معا " لا يعود للتنوع الثقافي الذي يميز معسكر " أمريكا وفرنسا " مكان العدالة الاجتماعية ولا الدولية ولا احترام الحقوق المختلفة للأفراد أو الأقليات لا تأبه " بالتنوع " أو أنها تقبل به ، لكن النتيجة واحدة عندها ميدان العمل الاجتماعي أو السياسي ، لا يحدده الانتماء الثقافي ولا تبني مرجعية دينية .

لا تخفي عالمية أو عمومية القيم هذه حتما على الجميع وتأخذ الفكرة مكانها ببطء بما في ذلك في المعسكر " الإسلامي " وهكذا أوضح منذ خمسة عشر عاما لبث شيلات الذي كان وقتها زعيم إحدي التشكيلات الإسلامية في الساحة الأردنية ، ونائبا منتخبا بدعم من قسم من الطائفة المسيحية

فقال : لو كان الغرب يستطيع فقط أن يحترم قيمه الخاصة لأصبحنا جميعا .. غريبين مع ذلك ، ظلت هذه الملاحظة الأساس لعالمية القيم منذ ذلك الحين من دون أهمية بقدر ما ظل خطاب المسئولين السياسيين الغربيين لا يقوم بشئ ، كما ذكرنا ، ليمنحها مصداقية تاركا المحاورين المسلمين يعتقدون أنها لا يمكن أن توجد إلا بلغة وإهاب ثقافتهم وحدها .

وحتى قبل الراديكالية الأصولية لجورج بوش (معنا أو ضدّنا) ولطوني بلير الذي ذكر سابقا ، ساهمت راديكالية أمريكا رونالد ريغان ، أو المملكة المتحدة لمارغريت ثاتشر في تغذية راديكالية أصولية مشابهة ، تحت راية الإسلام بشكل لم يفاجئ أحدا ، وساهمت اختلال التوازنات السياسية في العالم في تضخيمها منذ ذلك الحين .

اعتمادا على هذه الراديكالية المزدوجة " الجيوسياسية " يجب أن نحلل شكلي راديكالية التعبئة الإسلامية السياسي والأصولي ، اللذين تطورا معا كما رأيناه غالبا في مواقف تاريخية عديدة أخرى ، بمعزل عن كل وجود لمرجعية " إسلامية ".

العنف السياسي وتزايد التعصب

من السهل نسبيا إيضاح "الخط الأحمر" لانكفاء الإسلام السياسي الأصولي وآلية انتهاكه : فهو يتجلي في كل مرة تتم فيها محاربة الجنود الإسرائيليين أو الأميركيين ، ليس كمحتلين إنما "كيهود" أو "كمسيحيين" باسم ديانتهم أو جنسيتهم "ككفار" أى : باسم كونهم دخلاء على مجموعة من يحاربهم

من الواضح أن العديد من المقاتلين الإسلاميين يمارسون الازدراء الأصولي لهؤلاء الذين ينوون مقاتلتهم : مسلمين ليسوا كذلك " بما يكفي " بنظرهم يهودا أو مسيحيين " ليسوا كذلك البتة " وتشمل الإدانات على نحو مستمر الهوية الأولية للخصم

ثم برنامجه السياسي ، وأمام مسلم آخر تجند مقولة " التكفير " لحرمان الخصم من ضمانات انتماء شرعي ويلجأ إلى " تكفير " مماثل تجاه غير المسلمين للحط من شأنهم ، إن انغلاق سيد قطب النهائي ثم ابن لادن وأتباعه ضمن انتمائهم الديني ، المعبأ ضد " الصليبيين " و" اليهود " يكشف جيدا هذا الموقف الذي يجب إدانته ومحاربته .

إن قوة الإدانات التي تتصاعد كلما تم الاعتداء على كرامة أو ذاكرة مواطن من الطائفة اليهودية ، هي أمر أساس إن معاداة السامية ، التي ننسي أحيانا أنها نتاج التاريخ الأوروبي أكثر من كونها نتاج تاريخ العالم الإسلامي ، تشكّل إحدى أكثر صفحاته سوادا والتي لا يجب نسيانها إطلاقا ، من منظور أقارب الضحايا بالطبع

إنما بصورة أكبر ربما من منظور كل المنحدرين من سلالة النشطاء أو شهود هذا الفعل ، ولا يقبل التذكير بهذا المبدأ أى تحفظ ، وأى فتور وأى " إيحاء " .

على أساس هذا التأكيد ، يجب بالتحديد إعادة تأكيد حق التفكير والانتباه الكامل والواضح ، أسوأ طريفة لتقوية الوعي المعادي للأصولية هي ترك حراسة المفترضين يجردّونه من قاعدته العامة ، ونشوء شعور بأن التأثر الإنساني مخصص من الآن فصاعدا لبعض الأشخاص دون الآخرين

وأن المبادئ التي تؤسس الأمم والعالم لها بذلك ذات معيارين لا يمكن تحويل الوعي المعادي للأصولية عن وظيفته ووضعه في خدمة أهداف انتهازية إقطاعية أو طموحات إقليمية لمعسكر أو قبيلة على حساب أهداف الجميع أو طموحاتهم .

إلا أن هذا الانحراف الخطير ، تحديدا وغير المثمر إطلاقا ، هو الذي يتجلي فيالخطاب الأساس للسياسة الأميركية عن "الراديكالية الإسلامية" وباختزاله إياها إلى مكوناتها الأصولية فقط ، ويرفضه الاعتراف بالتنوع اللامتناهي للثورات السياسية التي تحتويها ، والتي ليست كلها غير شرعية ، يقود هذا الخطاب حتما إلى استبعاد أى رد آخر سوى العسكري

وباستبعاد الحلول السياسية الممكنة ، يساهم بالطبع في تغذية جذور هذا " الداء " الذي يدّعي أنه " يجتثه " وللبحث عن الوسائل الفعالة حقا للإقلال من التهديدات التي يثقل بها على السلم العالمي ، إذا كان هذا فعلا هو الهدف الذي تسعى إليه القوى الغربية على كل حال

من الضروري ، على العكس ، القيام بتحليل واقعي وموثق للتشوش المعقد للمكونات الأصولية والسياسية لهذه المقاومة "الإسلامية الراديكالية" التي ينظر إليها غالبا على أنها لا تستحق سوى اللعنة .

حتما لا يمكن " تسويغ " كل الإنكفاءات الأصولية بوجود منطق عنف مضاد .. ولكن هل يكفي وصم الجزء الأصولي لتعبئة سياسية للحط من شأنها بأكملها ؟..

وبالتالي هل يكفي أن نختار ، وهو أمر ممكن تماما ، من تاريخ الإخوان المسلمين المصريين الطويل أو في التاريخ الأحدث لمقاتلي حماس ، تصريحات دينية إقصائية

وألفاظا تخلط الحدود بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية ، أو آثار انكفاء أصولي أخري لنخلص منها "علميا" إلى الأصولية الأزلية لهذه التيارات السياسية ولكل هؤلاء الذين ، في لحظة أو أخرى من تاريخهم أعلنوا انتماءهم أو دعموا معاركها ؟.

أى قبول سيكون في فرنسا لمثل هذا المعيار في تقويم شرعية النشطاء السياسيين إذا طبق على مواقف أسلاف (أو ناشطين حاليين) لأى من الأسر السياسية الفرنسية ، إن كان ذلك بشأن علاقتهم باليهودية ، أو تصورهم للسكان الألمان ، أو بشكل أوضح أيضا لتصورهم ومعاملتهم سكان الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية أو أنسالهم ؟ ..

يجب حتما تحديد المكونة الأصولية لتعبئة هوياتية أو سياسية ، ولنقل ذلك ثانية ، ،إدانتها بوضوح لما هي عليه ، بالمقابل لا يمكنها أن تستخدم كمفتاح وحيد لقراءة وتحديد هذه التعبئة بكاملها إذا كان على المكونة المتعصبة التي يمكن كشفها وإدانتها في تاريخ الإخوان المسلمين أن تكفي لإقصائهم من الحلبة المعاصرة لما هو مشروع سياسيا

كان يجب إذن إقصاء العديد من الأسر السياسية في الغرب وأكبرها ، ومنذ زمن بعيد ، مع ذلك تمارس النظرة الغربية إلى التعبئة الإسلامية باستمرار هذا الخلط .

ولكي نعطي الإدانة الضرورية " للأصولية الإسلامية " من الإضارة بقدر ما تحدثه باستمرار من الجلبة ، ولكي نتمكن من إدانة ومكافحة الأصوليات جميعها ، كلما وجدت وأينما كانت وبالقوة التي تستحقها فعلا ، يجب تحليل عملية تكونها

وإيضاح الدور الصحيح الذي تلعبه ، أو لا تلعبه ، في عملية العنف المتهم ، سواء كان ذلك في الأنظمة السياسية الداخلية ، مثلما في الجزائر أو مصر ، وفي الحلبة الدولية للصراعات الشيشانية ، والفلسطينية ، أو العراقية أو ضمن الهجمات الموجهة منذ عام (1998م) ضد أهداف أميركية أو أوروبية؛

وهكذا من الملائم أن نستطيع الإجابة عن سؤال مزدوج : هل الانكفاء الأصولي منتج ملازم "لداء الإسلام أهو مشارك فقط للتعبئة الإسلامية التي يشكل نوعا من الواسم الخاص بها ، يستحق وصما مخزيا خاصا ؟

أم هل يساهم بصورة عادية في " انسجام " عام نسبيا من الانكفاء الهوياتي والأصولي موجود بأشكال وخطابات متغيرة لدي الانتماءات الأخرى، الدينية أو المادية ، الإثنية أو الثقافية الموجودة في كل مكان تقريبا من هذا الكوكب بما في ذلك ضمن الغرب التابع لمعسكر المهيمنين ؟.

السؤال الطبيعي هو من دون شك أكثر جوهرية أيضا : هل سبق الطوفان الأصولي لدي الإسلاميين العنف السياسي ، مشكلا سببه ، أم على العكس ، كان العنف (عنف التمييز السياسي والقمع) هو مبعثه ؟..

وتحديدا في حالة الممثلين الأسطوريين للراديكالية الإسلامية ، سيد قطب في الخمسينات وابن لادن في التسعينيات هل يمكن عد الانكفاء على الانتماء الإسلامي السببية الأولي للعنف ، أم أنه لم يكن سوى التابع البدئي لعنف معاكس أثارته أسباب سياسية خارجية ودنيوية للغاية ؟

إن الفحص الدقيق للأوضاع التاريخية الواقعية التي ولدت هذه الراديكالية الإسلامية ضمنها يسمح لنا بالإجابة عن ذلك انطلاقا من فرضيتين سنحاول توثيقهما .

منشأ تشنجات التعصب

ثم في السابق جزئيا الفرضية الأولي في هذا الموضوع ، وسنعود إلى ذلك في الفصل الختامي حول أنصار " القوة المفرطة ": يتجلي التشنج المتعصب أيضا بنفس القدر من الانتشار خارج المشهد الإسلامي تحت مظاهر خارجية وبدلالات مختلفة في كل مكان تقريبا في هذا الكوكب تتجاوز الاستعارات المجازية المعبئة الهادفة للحط من شأن العدو الخط الأحمر للتشهير العنصري

يشهد على ذلك بشكل واسع في فرنسا لفظة (بوش) المخصصة لوصف الألمان في حرب (1914-1918) أو في تاريخ أقرب لفظة البونيول الجزائري لتسمية " العرق القذر " داخل الحدود الرسمية للكنيست الإسرائيلي ، تم تشبيه الفلسطينيين دونما عقاب بدود الأرض الذي يتكاثر في كل مكان إن قول الرئيس بوتين ، متحدثا عن المسلمين الشيشان " سنقتلهم حتى داخل المراحيض "

وقد قدّم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيوا برلسكوني متحدثا عن الحضارة الإسلامية (الأدنى من الغرب) مساهمات هامة بهذا المحال ، إنّ المسيحيين والمسلمين اللبنانيين ، ضمن أسوار الطائفية ، يجرم كل منهم انتماء الآخر؛

يجب طبعا تحديد كل هذه الانزلاقات كما هي ، سواء كانت مجازية أم لا ، وإدانتها بحزم إنها ليست البتة ملازمة لعالم الإسلام لكنها خفية أيضا ، وأحيانا واضحة في تظاهرات الأحادية الغربية السياسية والثقافية .

الفرضية الثانية هي أن الراديكالية الأصولية لجيل القاعدة ومن قبلها راديكالية الجيل الذي كان سيد قطب شعاره ، هي النتيجة المباشرة للجو القمعي والعنيف للمحيط السياسي ، الوطني والدولي الذي حصلت ضمنه وليس العكس ..

غالبا ما يميل الحس العام إلى عد الراديكالية الأصولية مدخلا إلى الراديكالية السياسية مع ذلك لم تؤكد هذه القاعدة بعد على العكس ، ربما كانت الراديكالية السياسية في العديد من الحالات ، هي المدخل إلى الراديكالية الأصولية التي تستدعيها وتتطلبها ، في الحالة الرمزية المزدوجة لقطب وبن لادن

يبدو أن عنف المحيط السياسي المحلي ، واستبعاد جيل سياسي من التمثيل ودعم المحيط الدولي لهذا العنف وإضفاء الشرعية عليه ، هي التي مارست دورا حاسما كما سنري في عملية الانغلاق الأصولي على الانتماء الديني .

الفرق أساس ، حين يخضع فاعل سياسي لعنف محيطه سيلجأ حتما ، قبل أن ينتقل إلى العنف المعاكس ، إلى البحث عن لغة تشهد بعدم شرعية خصمه وشرعية معركته الخاصة

هناك حيث استقاها من سبقوهم من مصادر انتمائهم العرقي مثلما استقي المحتل من فضائل التقدم الذي كان يريد فرضه على عالم " الهمجيين " استقي سيد قطب ومن تبعوه من الإرث الموروث من الثقافة الراديكالية لمضطهدهم القومي الذي يمنح عنفه مشروعية عبر الانتماء العرقي العربي من دون إنكار سنععود إلى ذلك أن الحرفية المدققة للسلفيين يمكن أن تشكل مدخلا للانكفاء الأصولي

وأن هذا يمكن أن يصاحب الانتقال إلى المقاومة المسلحة فإن انخراط "الجهاديين" وسائر المقاتلين الانتحاريين في العمل المباشر لا يحتاج بالضرورة إلى هذا الشكل من التسويغ الإيديولوجي .

إن وجود أفراد ينتمون إلى كل أقسام الطيف السياسي المحلي (وليس فقط الإسلاميين) في صفوف المرشحين الفلسطينيين للعمليات الانتحارية يظهر على طريقته هذا الواقع الذي تسعي النظرة الخارجية لإنكاره غالبا

ويذكر الأستاذ الجامعي الأميركي روبرت بيب في هذا الشأن بما تأخر إثباته كحقيقة : إن الاحتلال (للأراضي الفلسطينية) وليس الأصولية الإسلامية، هو سبب الهجمات الانتحارية

ويؤكد: إن الأصولية الإسلامية ليست ذات صلة وثيقة بالهجمات الانتحارية بالقدر الذي يظنه كثير من الناس . إن أشهر من قام بذلك في العالم هم (...) تمور التامول وسريلانكا ، الذين هم ماركسيون وعلمانيون تماما

لا تتزايد الهجمات الانتحارية كما نسمع غالبا ، لأن " الإيديولوجية الجهادية تنتشر بسهولة خصوصا بفضل الانترنت " ولكن بالأحرى لأن عنف المحيط الغربي يزداد بشكل موضوعي ، من فلسطين إلى العراق

ومن الشيشان إلى أفغانستان ، إنها تتزايد لأن الثنائية التبسيطية للإيديولوجية الجهادية القائمة على تصارع لا يمكن التغلب عليه بين الانتماء الإسلامي والانتماء الغربي تعطيها ، يوما بعد يوم ، مصداقية النظرة الأحادثة الصلفة للعديد من المسئولين السياسيين الغربيين تجاه العالم الإسلامي ..

أو بعدم التسامح اللامتناهي لدروعهم الإعلامية ، الذي يسمح لهم صراحة بامتداح استمرار حكم " أشباه بينوشيه العرب " وأساليبهم الهمجية بدلا من التفكير بوجوبهم التخلي ولو عن سنتيمتر واحد من امتيازاتهم .

من سيد قطب إلى محمد عطا:تعصب أم عنف سياسي معاكس ؟

كثيرا ما نسمع أن أهم مرجعية نظرية لمؤسسي القاعدة ، أسامة بن لادن وأكثر منه أيضا أيمن الظواهري ، وعدد من أتباعهما الشبان ليست أبا الوهابية محمد بن عبد الوهاب (1703 -1792م) أو مصدر إلهامه البعيد

كما يقال تقي الدين بن تيمية (1263 -1328م) الشهير بأنه شرع "حق محاربة الحاكم الكافر" إنها بالأحرى الباحث ثم المتطرف المصري سيد قطب الذي حكم عليه عبد الناصر بالموت

ثم أعدمه في (29 أيار عام 1966م) وهذا القول صحيح ، فعلا سيد قطب هو الذي منح ، طوال القرن المنصرم ، في أثناء الزمنية الثانية لرد الفعل الإسلامي ، هذا الأخير جزءا كبيرا من قواعده الإيديولوجية

ومع ذلك ومهما كانت هذه المرجعية الكاسحة لنظرية قطب اللاهوتية ولرفضه الراديكالي لعالم الحداثة السياسية واضحة في الدرجة الأولي فهي لا تمنحنا التفسيرات الفعلية .

بقي أن نفهم بالفعل تماما طبيعة هذا التسلسل ومداه ، من أجل ذلك يجب أولا أن نذكر ضمن أى سياق تكونت هذه المرجعية؟ ثم يجب أن نسأل إن كنا نستطيع أن نري فيها "سبب " راديكالية قسم من الجيل الإسلامي الأحدث؛

وانطلاقا منه ، " أصل " القاعدة " أو فقط إحدى إضافاته البلاغية ؟ هل احتاج محمد عطا ، أحد الطيارين الانتحاريين في (11) أيلول إلى سيد قطب حقا ليسير في طريق الراديكالية ؟.

لاهوت الحرب لسيد قطب والظواهري أو الأسس السياسية للقاعدة

تسهم بالطبع نظرية الحرب اللاهوتية التي أعدّها سيد قطب، وأورثها لعبد السلام فرج ، ثم لأيمن الظواهري وابن لادن وحيل " الجهاديين" الأخير في فهم جيلهم

يجب كذلك طرح الأسئلة الصحيحة وعدم خلط الأسباب والنتائج المرجع الأيديولوجي والبرنامج السياسي ، مثالية مسار سيد قطب و" أصل " ، أو بالأحرى " سببه " الراديكالية الإسلامية

والتوضيح الذي يأتي به تسييق راديكالية سيد قطب في بداية الستينيات ذو أهمية مضاعفة : إنه يكشف الدوافع الحقيقية لهذه الراديكالية السياسية أكثر منها أصولية لدي سيد قطب ، لم نستبق اليوم فعلا من عمله المتناقض المرتبط بصورة وثيقة باضطرابات عصره سوى الصبغة النهائية الراديكالية لإيديولوجيته

وأخفينا المسار الذي أعطي لهذه " الحرب القرآنية " التي شنّها على أصحابه ، معناها وضرورتها ، ونادرا ما تم توضيح الدوافع الإنسانية والسياسية لراديكالية فكرة المتخفية بالمقولات التي تعبر عن هذه الراديكالية ، كما كان ينبغي .

بعد ذلك يسمح تسييق القطيعة القطبية بفهم أن بقاء العوامل السياسية نفسها هو الذي يؤمن أكثر من قوتها الأيديولوجية الجوهرية ، "الشرعية" لهذه البلاغة الراديكالية بنظر قسم من الجيل التالي ، إنه يظهر أن قوة الكلمات والعبارات ليست ليست هي التي " لوقت " عقول جيل

ولكن عنفا مماثلا لم يكونوا مثل سيد قطب ، بمنأى عنه هو الذي قادهم إلى مشاطرته قناعاته في الواقع العنف الذي غذي فكر سيد قطب هو في الأساس نفس العنف الذي غذي فكر سيد قطب هو في الأساس نفس العنف الذي غذي بعد عشرين سنة ، راديكالية ابن لادن البطيئة جدا ، أو بعد ثلاثين سنة ، راديكالية محمد عطا

ويترك التاريخ الحقيقي مكانا صغيرا لفرضية انكفاء أصولي بحت قد يكون " أفسد " عقولا سليمة" بواسطة "الكتيبات" المؤذية التي سرت بفعل " خطأ " تقنية غوتنيرغ (الذي كان قد شجب أصلا في زمنه)

ثم بعد أشرطة التسجيل بخطأ الإنترنت ، الذي وضع اليوم بدوره في قلب كل التفسيرات وألقيت عليه هو أيضا كل المسؤوليات التي لا يتحملها ؟

وإذا كان المتحدرون من سيد قطب يجدون مقولات " نظريته اللاهوتية عن التحرير " جذابة فذلك قبل كل شئ لأنهم يواجهون نفس الحرمان من التمثيل ونفس الاختلالات السياسية الوطنية والإقليمية التي دفعت بقطب إلى الانقطاع عن عالمه .

وكما لبن لادن أو لعطا ، يحتل اقتحام الدولة العبرية والقوى الغربية اللعبة السياسية الداخلية للمنطقة مكانا أساسا في هذا السياق ، فقد عاصر سيد قطب إنشاء دولة إسرائيل ، والهزيمة العربية الأولي ، والعدوان الثلاثي على مصر عام (1956م)

وشرح ابن لادن أنه عندما تأمل صور المدفعية الإسرائيلية وهي تقصف أبراج بيروت الجنوبية عام (1982م) تشكل لديه مشروع ضرب الدولة العبرية ومن يدعمها بطريقة مشابهة إن القمع مدعوما بالتعذيب ورفض السياسة وتفضيل العنف من النشطاء الحكوميين الوطنيين والأجانب في أحداث الشرق الأوسط هي أصلا في قلب هذا السياق

ثار سيد قطب ومن أتي بعده على ما عدوه اتحادا بين قوى أجنبية مهيمنة وصلفة فاقدة الثقة في قيمها ، نجحت في إخضاع نخب محلية متسلطة ومتلاعبة هي نفسها ، يشكل قمع السلطة واستخدامها العنف قسما من هذه الحصيلة ، " التعذيب اللاإنساني "

هذا التعذيب نفسه الذي تعهده الولايات المتحدة بصفاقة حتى اليوم لحلفائها المصريين المخلصين الذي تعرض له سيد قطب ، وكذلك الظواهري وإلى جانبهما ابن لادن وعطا ، يبدو بالفعل ، في النهاية أحد العوامل النهائية لراديكاليتهم الأصولية والسياسية في الوقت نفسه "اللاهوتية " والإستراتيجية .

إن سيد قطب ، من دون شك ، هو الذي يعطي للراديكالية السياسية لمؤسسي القاعدة مصدرها اللاهوتي ، السياسي الأساس ، حتى اليوم بتفسير تعليماته ، وخاصة تلك الواردة في " في ظلال القرآن " أو في (أعلام محلي الدرب) التي كتبها في السجون الناصرية ، يشجب " الجهاديون " السلفيون تلوث المسلمين بالتأثير الغربي وتخليّهم عن التشريع الإلهي لصالح القانون "الوثني " .

برأي سيد قطب ، كما برأي أيمن الظواهري وابن لادن ، فإن أصحاب السلطة ليسوا مذنبين فقط بتجاوزات تقليدية استبدادية دنيوية ، إنهم متهمون قبل كل شئ بأنهم عادوا إلى جاهلية ما قبل الإسلام ، وحق عليهم قصاص المؤمنين لعجزهم عن احترام الشريعة الإلهية.

هذا العجز الذي " يفسر " فسقهم السياسي والدليل الأكبر هو تلوثهم بهذه " العلمانية " التي ينص جوهرها على تنظيم إحلال " القانون الوضعي " أى : بنظرهم ، قانون من وضع " إنسان " محل قانون مستوحي من الوحي الإلهي ،" الشريعة " وتعبيرها القانوني " الفقه ".

إن هذا التصميم على إعادة تفوق القانون الإسلامي ، المعبر عن الإرادة الإلهية ،على القانون الديمقراطي ، المعبر عن إرادة " بشرية " فقط ، هو الذي يستخدمه منذئذ جيل كامل من الإسلام السياسي الراديكالي ، وعلى رأسه أسامة بن لادن ، في الحط من شأن محيطه " الإسلامي " أنظمة

وبشكل أكثر ندرة مجتمعات بأكملها ، وباسم القراءة التي قام بها سيد قطب لمعني تغريب النظام القانوني ومداه يأخذ أيمن الظواهري كما رأينا ، على حسني مبارك وأسلافه ما يأخذه أسامة بن لادن منذ عام (1995م) على الملك فهد

أى : كونه يحكم بقوانين أخرى غير التي أوحي بها الله للبشر ، يستلهم سيد قطب من دون شك من نصوص ابن تيمية المعادية للمغول (1328م) وبتعميم تقليدي ، بدرجة أو بأخرى يهاجم الحكام المتهمين بعدم احترام دينهم بما يكفي .

ويؤكد أيمن الظواهري ، بعد سيد قطب بحوالي ثلاثين سنة استمرار هذا التركيب البلاغي ، الذي استبطئه تماما ، كما يشهد بذلك حكمه الناقد الذي سبق أن ذكرناه ، لسلوك أتباع حسن البنا منذ إنشائهم عام (1928م) من أجل أن نفهم نجاح هذه اللغة لاحقا

يجب بالتالي أن نذكر بالدوافع السياسية لصنعها لدي سيد قطب ، كيف وصل الموظف البورجوازي الصغير ، والباحث اللامع والمشبع ، إلى تلك المرحلة ؟

لقد أعاد وليم شبرد بعناية رسم مراحل المسيرة الثقافية لسيد قطب نحو الراديكالية وقام بذلك بصورة مبتكرة ، مقارنا الطبعات المتلاحقة لكتابه الأول ، (العدالة الاجتماعية في الإسلام) الذي كتبه قبل عودته من الولايات المتحدة "ودخوله في الإسلام " طبع الكتاب خمس مرات : عام (1949 م) قبل انتسابه للإخوان

وعام (1954م) قبل القطيعة بين الإخوان والسلطة ، وعام (1958م) بعد سجنه واغتيال رفاقه في السجن ، وعام (1964م) عندما نشر وهو في السجن كتابه الرمزي (أعلام على الدرب) قبل قتله بعام .

وتتضمن الطبعة الأخيرة أكثر الرؤى راديكالية التي تطورت في نهاية حياته في " أعلام على الدرب " عندما كان يلامس قعر المأزق القمعي للناصرية تكشف تحولات فكره على طول هذه السنوات الستة عشر آلية الانكفاء الأصولي : يزداد فيها التركيز على اللاهوتية

ثم على الإسلام وتمارس فيها التأثيرات المذهبية دورا لايستهان به ، وخصوصا تأثير الباكستاني المودودي الذي ترجمت كتاباته إلى العربية في الخمسينات عندها تزداد المسافة مع سياسات العلمنة وبالتالي " التغريب " للزعماء المصريين والعرب ، الذين يقبل علماء الدين الرسميون مع ذلك أن يمنحوهم كفالتهم

وأخيرا وليس آخرا إن تجربة السجن الطويلة والعزلة وسوء المعاملة بكل أشكاله والتعذيب هي التي تساهم في تشكيل تطور فكره ، أعطي سيد قطب بنفسه إضافات شرح أساس لا تزال قليلة الاستخدام في التحليلات الغربية لخطابه .

الدوافع السياسية لانشقاق سيد قطب

" لماذا أعدموني " هو نص لسيد قطب نشر بعد وفاته ، وظل بشكل كبير بمنأى عن فضول مفسري الإسلام السياسي الراديكالي ، هذه السيرة الذاتية المكتوبة في السجن ، لا تمثل فقط الأهمية العابرة لإعطاء نوع من الأصل للتعبير الذي يستخدم اليوم في تسمية منظمة أسامة بن لادن عبر ثنايا عنوان أحد فصوله (تبدأ الحركة الإسلامية من القاعدة)

إنها تعرض خصوصا أسباب وأهداف انتقاله إلى " العمل المباشر " (الدفاع المشروع عن حركة مهددة بنظره بالتصفية العنيفة) والمخطوط المحرر في نهاية أسابيع من التعرّض لهذا التعذيب الجسدي الذي لا تصادف مثيلا له في " التجارب " المعاصرة " لـ " الإرهاب الإسلامي " يضع في المنظور مسيرة هذا الذي كان نظام عبد الناصر

الذي فشل في تحطيمه فكريا ، يتأهب لقتله ، لا يفسر منطق سيد قطب المنشأ " الفلسفي " أو " اللاهوتي " لراديكالية جهاديي اليوم بقدر ما يحلل البواعث الدنيوية لإنتاج هذه الراديكالية ، موضحا ، من الجزائر إلى القاهرة مرورا بالرياض ، الأحداث الراهنة لـ " آلة صنع واضعي القنابل " التي لا تزال معاصرة جدا للأسف .

سيد قطب البورجوازي الصغير ، والموظف في وزارة التعليم ، المبعوث في مهمة إلى الولايات المتحدة عام (1948م) في عامة الثاني والأربعين هو أولا طالب في جامعة كلرادو العليا في بولدر وفضولي ثم ثائر ، وتبعا لمسيرة شائعة

سنجدها خصوصا لدى محمد عطا بالتأكيد وقبل كل شئ إن التماس مع هذه الغيرية هو الذي صنع إدراكه هويته ويكل ما يعتقد أنه يهدد ازدهارها في محيطها القومي لقد تسارع رفضه المجتمع الأميركي كما يبدو أو يمكن أنه استثير ، بالاحتقار العنصري الذي سببه ه في بلاد المتغنين بالديمقراطية لون جلده بما أن أصل أمه من النوبة .

وعلى كل حال تتصل بسرعة من المواربات اللاهوتية للإنجيليين الأميركيين في كنيسة الثالوث الأقدس الانغليكانية التي كان يرتادها ، وأكثر من ذلك أيضا ، من الصفاقة الاقتصادية السائدة المحيطة والتساهل الأخلاقي للأميركيين التي تتناقض بشكل حاد مع مناخ الاحتشام وكثافة الروابط الاجتماعية لموطنه الأصلي مصر العليا

كل تصويرات أقانيم الثالوث المقدّس والخطيئة الأصلية ، وافتداء المسيح تسئ إلى العقل وإلى الضميرا ، ورأسمالية التراكم هذه ، والاحتكار ، والمصالح الانتهازية ، والجشع !

وهذه الفردية الأنانية التي تمنع كل تضامن تلقائي عدا الذي يزرغمنا عليه القانون ! هذه النظرة المادية البائسة ، الفاحلة للحياة ! هذه الحرية الحيوانية التي يسمونها الاختلاط سوق الرقيق هذا المسمي " تحرير المرأة " هذه الحيل والقلق لنظام زواج وطلاق مخالف للحياة الطبيعية ! هذا التمييز العنصري القوى والوحشي !

لدى عودته إلى القاهرة عام (1950م) لم يكن وقتها سوى باحث وكاتب افتتاحيات غزير الإنتاج ، وأصل اهتمامه بالإخوان المسلمين ، الذين كان يجعل وجودهم عندما سافر للولايات المتحدة هو ذو مغزي بشكل خاص

إن الارتياح الواضح للصحافة الانغلوسكسونية تجاه القمع الذي يتعرض له الإخوان هو ما جعله يدرك المدي المعادي للإمبريالية لعملهم : لم أكن أعلم سوى القليل عن الإخوان المسلمين إلى أن سافرت للولايات المتحدة في ربيع عام (1948م) ضمن بعثة من وزارة التعليم (.....) صعقتي الاهتمام الكبير الذي أبدته الصحافة الأميركية

وكذلك الصحافة البريطانية التي توزع في الولايات المتحدة تجاه الإخوان المسلمين وهذا الارتياح الظافر الذي أظهرناه لدى حل جمعيتهم إثر الضربات التي وجهّت إليهم ولجدي وفاة مرشدهم ، أدركت فجأة التهديد الذي كانت هذه الجمعية تمثله للمصالح الغربية في هذه المنطقة وللثقافة والحضارة الغربيتين .

عندها قامت عصبية سيد قطب القومية بهذا الانضمام في قلب الحصيلة الإسلامية ، إلى انتمائه الديني ، وقوت الأدبيات الاستشراقية في ذلك الحين من حالته الفكرية : لفت نظري كل هذا إلى الأهمية التي كانت لهذه الجمعية في عيون ناشطي الصهيونية والاستعمار الغربي ..

عام (1949م) لفت انتباه الإخوان المسلمين الذين فقدوا مؤسسهم حسن البنا الذي اغتيل للتو ، أكثر مما شعر هو بالانجذاب إليهم حينها : في هذه الفترة عام (1949م) نشر (العدالة الاجتماعية في الإسلام) يسبقه جملة إهداء (...) حيث اعتقد الإخوان أنهم يرون نفسهم فيها (...) رأوا في مؤلف الكتاب شخصا صادقا شرعوا يظهرون له بعض الاهتمام .

بعد ثورة (1952م) بدأ عداؤه يتبلور ، بقدر ما كان التنافس بين الإخوان وعبد الناصر يصبح أكثر وضوحا ، للتنازلات الرمزية ثم السياسية ، التي كان نظام عبد الناصر " العلماني " يقدمها للغرب بنظره بمحاربة هؤلاء الإخوان الذين يعدهم هو نفسه أفضل درع لأمته.

في (26 تشرين الأول عام 1954م) وفي ظروف غامضة ، اقتنع سيد قطب أنه يري فيها تلاعبا بريطانيا ، جرت محاولة لاغتيال عبد الناصر ألقيت التهمة فيها على الإخوان

وابتدأت بعدها عملية القمع الجهنمية ، ولم يخرج الإخوان من هذا النفق الطويل إلا بعد وفاة عبد الناصر (1970م) بثلاث سنوات سجن للمرة الأولي لبضعة أشهر فقط ، ثم اعتقل من جديد بسرعة نهائيا هذه المرة بتهمة كونه " مسؤول قسم المطبوعات للفرع السري للإخوان" ، وهو اتهام أنكره بشدة .

من السجن الذي لم يخرج منه بعد ذلك حتى شنق في (29 آب عام 1966م) وسع سيد قطب بالتدريج إدانته كل المعارضين ، ولعدد منهم في التيار المركزي للإخوان المسلمين

وضمن هذا السياق تمت قطيعته " اللاهوتية " مع الجذع المركزي للإخوان الذين تنصل منهم تدريجيا ، في محنة العزل والتعذيب الطويلة ، غدا واضحا تركيزه على اللاهوت ، الذي يحبس فكره تدريجيا وهو يصبح راديكاليا شيئا فشيئا ، ودفعه إلى " أدلجة " متزايدة الوضوح للوم الذي يوجهه لخصومه ، الذين كان عددهم في ازدياد بقدر ما تتأكد سلبية المجتمع تجاه المعاملة التي لقيها

حتى شمل هذا المجتمع بأكمله ، وتساءل في البدء ، كيف يمكن لمسئولي نظام يسمح بمثل هذه الممارسات القمعية أن يكونوا مسلمين حقا ثم وسع ساحة إدانته ومداها حتى الإقصاء الأصولي المعمّم لتشمل كل هؤلاء الذين يتسامحون مع مثل هذه الحكومات أى : كل المجتمع الذي يتهمه ، وهنا بيت القصيد بالعودة إلى " عصر الجاهلية " .

عندها شكّلت عدة قناعات قراءته للأزمة السياسية المصرية التي هو إحدى ضحاياها:يحاول الأميركيون ، حلفاء الدولة العبرية التغلغل في المشهد المصري عبر الحركة التعاضدية التي يشجعونها

وأحد أهدافهم تصفية الإخوان المسلمين (الذين ظهرت منهم فرق المتطوعين خلال الحرب الأولي على إسرائيل) بما في ذلك التلاعب بالرأي العام (منشورات مزيفة عزبت للإخوان وزعها رجال الكنيسة) شك بالتالي بهؤلاء الذين وصمهم

على غرار ابن لادن بعد أربعين سنة بـ " الاستعمار الصليبي " وحلفائهم " الصهاينة " واتهمهم يزرع بذور الشقاق عمدا بين عبد الناصر والإخوان المسلمين إنه مقتنع بأن تدخل الأجهزة البريطانية في محاولة اغتيال عبد الناصر لم يكن سوى بداية سلسلة من التلاعب الهادفة إلى جعل الإخوان يقترفون الغلطة التي ستعطي مبررا لتصفيتهم .

لقد سوغت الأحداث اللاحقة مخاوفة بدرجة كبيرة : أعلم وهو في السجن بمشروع تمرد موجة من الخارج ، قد يعطي ذريعة للتصفية الجسدية لعدد من السجناء في أثناء أشغال جماعية خارج السجن منع العصيان لكن المذبحة وتمت ويشهد سيد قطب أنه عام (1957م) في سجن الليمان القاهرى

تم قتل واحد وعشرين سجينا عزلا من السلاح بالرصاص داخل زنزاناتهم وجرح مثل ذاك العدد ، ويؤكد أنهم لو كانوا يقومون حقا بتمرد لكان كافيا قطع الماء عنهم لأربع وعشرين ساعة كي يستسلموا ..

ولا ينكر سيد قطب ، ضمن هذا السياق أنه شارك في إعداد خطة لمهاجمة النظام ، لكنه يسوغها طويلا بأنها الرد الوحيد الممكن عندها على حملة القمع الجارية ضد الإخوان ، ويقصر أهدافها السياسية على الدفاع للمشروع : اتفقنا على عدم استخدام القوة للقيام بانقلاب وفرض نظام إسلامي من الأعلي

ويؤكد بالفعل من جديد عدة مرات معارضته المبدئية لفكرة " أسلمة من الأعلي " مذكرا كيف رفض الرسول نفسه أن يصبح حاكم المدينة المنورة لأنه لم يشأ أن تتمثل الدولة بالدين

ويوضح قائلا : لكننا اتفقنا أيضا على مبدأ ثورة متناسية مع حجم الهجوم الواقع عملا بالمبدأ السماوى : (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) غير أن الهجوم تم فعلا ، عامي (1954، 1957م) واتخذ شكل اعتقالات وتعذيب ، واغتيالات وحرمات من أى كرامة إنسانية في أثناء التعذيب

ثم تخريب البيوت وطرد النساء والأطفال إلى الشارع ، كنا قد قررنا ألا نرد على هذا الهجوم ، لكن السؤال طرح من جديد إزاء الاعتداء الجديد الحاصل ، قررنا أن نرد عليه .

بعد فاصل زمني يقدر بحوالي أربعين سنة ، يظهر (لماذا أعدموني) قربا كبيرا من تشكيل المخيلة السياسية لمنافسي ابن لادن ، لم تمتلئ مخيلة سيد قطب بالصور المؤؤدلجة والهازئة فقط بالهيمنة التي يندد بها ليس أكثر من مخيلة " المليونير السعودي" المناضل ضد الفساد القمعي لنخبه الأميرية المتآمركة:

لقد وقف أمام الانحرافات الحقيقية للأنظمة السياسية في عصره وفي الواقع اتضحت صحة قسم كبير من مخاوفه الشديدة الدنيوية في الستينيات سواء أفي ما يتعلق بتطور القضية الفلسطينية ، أو بالانحراف القمعي للأنظمة العربية ، أو بالتنسيق الدولي للسياسات " الأمنية " (أى : سياسات القمع) .

الحوافز الدنيوية لحرب العصابات العالمية التي أطلقها ابن لادن والظواهري ضد الولات المتحدة وتبّناها انتحاريو (11) أيلول الشبان هي نتاج ظروف سياسية قريبة بشكل مدهش . في كانون الأول عام (2004م) بعد أن ذكر ابن لادن بأن معركته ، لم تكن موجهة بعد في هذا اليوم نحو الحكام السعوديين

ولكن فقط نحو المحتلين الأميركيين ، ذكر بهذه العبارات بمنهج معركته : ما يجري الآن هو في الحقيقة امتداد للحرب ضد تحالف الصليبيين الذي تقوده أمريكا ، التي تشن علينا الحرب في كل مكان ، ونحن نتصرف بالتالي بالمثل وهذا يتضمن بلد الحرمين الشريفين وننوي طردهم منها إن شاء الله .

يبدو هذا الخطاب قليل التطابق مع إشكالية "تسلسل" وأقل من ذلك مع "عدوى إيديولوجية" بسيطة من "أبي الإسلام السياسي الراديكالي": بشأن التسلسل ، أى شخص يريد أن يقترب ببعض الجدية من تاريخ المنطقة السياسي يكتشف خصوصا التشابه الصارخ للظروف السياسية التي غذت هذه الراديكالية .

أيمن الظواهري بين الشرخ الرمزي والتعذيب الجسدي

يعرف أيمن الظواهري منذ (1998م) بأنه الرجل الثاني في القاعدة ، وهو يعد نفسه الوريث الفكري والسياسي المباشر لسيد قطب ، كما يشرح اليوم منافسة القديم منتصر الزيات العضو السابق في المنظمة المنافسة (الجماعة الإسلامية)

ولد عام (1951م) في الشارع رقم (9) في حي " المعادي " الأنيق الغربي الطابع ، وينجدر والده من عائلة عريقة أعطت مصر العديد من الشخصيات الدينية منها من جهة أبية أحد شيوخ الأزهر ، ومن جهة أمة عزام ، زعيم أخوية صوفية .

نال شهادة الطب عام (1974م) وعام (1966) سنة شنق سيد قطب الذي يمكن عدة بلا شك أحد أوائل حوافز انخراطه ، وقبل هزيمة حزيران عام (1967م) الرهيبة بعام ، أنشأ جماعته المتطرفة الأولي ، عام (1980م) بعد اجتياح الجيوش السوفيتية أفغانستان ، قام بما يمكن تسميته ، لو لم يكن مسلما بتدريب إنساني طويل في مشفي أفغاني متابعا دراسته للجراحة في الوقت نفسه .

لدي عودته إلى مصر ، نجا عام (1981م) من حملة اعتقال (1500م) من المثقفين من كل الاتجاهات التي أطلقها السادات قبل اغتياله ببضعة أسابيع (6 تشرين أول)

لكنه اعتقل بعدها بقليل ، وتحت جلسات التعذيب الرهيبة التي تشكل حتى اليوم القانون المشترك لاستجوابات الشرطة المصرية ، أرغم على البوح بكل أسماء رفاقه ومرؤوسيه ، والمساهمة باعتقالهم ، والشهادة ضدهم أمام القاضي؛

ولما أطلق سراحه، بفضل نفوذ عائلته الكبيرة من دون شك ، اختار أن يترك مصر نهائيا ، عبر حجة رحلة مع مجموعة سياحية إلى تونس ، من أجل الذهاب ثانية إلى أفغانستان .

كانت لديه وقتها صعوبات على ما يبدو في اتخاذ قرار بالاستقرار من جديد في هذا الوسط المناضل حيث فكر أنهم يدينون هذا الضعف الذي لم يصب الجميع أمام التعذيب إلا أنه منذ ذلك الحين ، لم يعد يثنيه شئ

(بعكس بعض زعماء منظمة الجماعة الإسلامية المنافسة ، الذين ألقوا عام (1996م) نداء لإلقاء السلاح) عن اتباع دروب الثورة المسلحة ونظم من بيشاور أو أفغانستان هجمات منتظمة ضد شصخصيات سياسية مصرية

إلا أن قمعا فعالا بصورة خاصة استطاع أن يحد بشكل كبير من عمل منظمته وبشكل متناقض ، حتى عام (1998م) لم يكن الظواهري نفسه موضع أى اتهام من قبل الحكومة المصرية التي خالته فترة من الزمن مختبئا في سويسرا فلم تشأ بلا شك أن تمنحه مسوغا لطلب اللجوء السياسي .

إن القناعة التي ترسخت بعمق لدي سيد قطب ، بأن هناك تعاونا متناميا بين القوى الأجنبية (العدو البعيد) والنظام المصري المحلي (العدو القريب) جزء أساس من مخيلته السياسية التي تحمل بذلك بذور فكرة التدويل النهائي لالتزامه ويؤكد قائلا :

من الصعب التمييز بين دور الملك فاروق ودور الانجليز أو بين دور عبد الناصر ودور الأمريكيين (في بداية عهده) أو فيما بعد بين دور عبد الناصر ودور الروس ، إلا أنه في نيسان عام (1995م) في مقال نشرته مجلة (المجاهدون) السرية تحت عنوان (طريق القدس نمر بالقاهرة)

يذكر بأن ترتيب أولوياته التكتكية يبدأ بالعدو القريب ، لن تتحرر القدس إلا بعد الانتصار في معركة القاهرة والجزائر غير وارد إذن إعطاء الأولوية للكفاح الفلسطيني أو عند الاقتضاء للنضال ضد الدعم الغربي للدولة العبرية وبقيت هذه رؤيته حتى عام (1998م) .

وعندما غير رأيه ليلتحق بمعسكر أسامة بن لادن ، كانت أسبابه متعددة من دون شك ، تحت تأثير ابن لادن ، وأمام الإخفاقات المتكررة لإستراتيجية المصرية ولتعدد الاعتقالات في صفوف منظمته "جهاد"

اقتنع بتغيير الخطة والانتساب لجبهة "ضد الصليبيين واليهود" موجهة بالدرجة الأولي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بواعثه إذن هي على الأقل في قسم منها داخلية ومرتبطة بسلسلة الاعتقالات الرهيبة التي أصابت حركته

التي تعرضت لإخفاقات متكررة لكنها أيضا " خارجية" بشكل كبير : التدخل المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة يشير في نظره بشكل واضح أكثر فأكثر إلى واشنطن كمحرك للقمع العالمي للتيار الإسلامي .

غير أنه ، بعيدا عن الظروف المصرية القاسية يملك ابن لادن إمكانيات مالية ضخمة ، وتلقي حديثا دعم نظام الطالبان ، الذين يسيطرون على حوالي (95%) من الأراضي الأفغانية ، في بداية شهر آب عام (1998م)

فإن المطالب المسبقة للظواهري الذي " أعلن " الهجمات على السفارتين الأمريكيتين في تتزانيا وفي كينيا في السابع من الشهر نفسه ، كان هدفها من دون شك ، كما يري منتصر الزيات ، إعطاءه " مصداقية " من جديد على الساحة الداخلية المصرية

حيث فقدت حركته جزءا من موطئ قدمها ، ومع المنطق اللوجستي للملياردير السعودي ، استطاع أن يعطي لطموحاته الأبعاد الموافقة لما يشبه كثيرا رغبة في الانتقام ، كصدي للإتهامات التي صرخ بها الطبيب الشاب من وراء القضبان التي كانت تفصله عن قاعة المحكمة في وجه الصحفيين الذين أتوا من العالم بأجمعه ليحضروا محاكمته القاهرية عام (1982م)

لقد تعرضنا لشحنات كهربائية ، واستخدموا كلابا متوحشة،و استخدموا كلابا متوحشة ، وعلقونا على الأبواب ، وأيدينا مقيدة إلى ظهورنا ، أعتقلوا الزوجات والأمهات ، والآباء ، والأخوات والأبناء إذن أين الديموقراطية؟ أين الحرية ؟ أين حقوق الإنسان ؟ أين العدالة؟ أين العدالة . لن ننسي أبدا ؟ لن ننسي أبدا !.

ابن لادن والدلائل الدنيوية على عدم احترام الشريعة الإلهية

محروقات الخليج الفارسي وانعدام بديل أمريكي جدي في مجال الطاقة هي محور قضية ابن لادن ، من أجل نفط رخيص وسهل الاستخراج ، دعمت واشنطن والغرب الطغاة المسلمين الذين يحاول انب لادن وغيره محاربتهم (ميشيل شوبر ، 2004)

بتحليل النظرة الإعلامية أو الأكاديمية الغربية ، ابن لادن هو أولا وبشكل شبه حصري " الداعية " الذي يؤنب الأمراء الذين نسوا التشريع الإلهي واعوجاج " الصهاينة" و" الصليبيين " وسائر " الكفار"

إن مساره كفاعل سياسي أيضا معروف بصورة أقل ما الأسباب التي دفعت الطالب السابق ذي الامتيازات الذي كان لفترة هاويا للتحذيف على نهر التيمز في أكسفرد أو اللاعب الممارس للكرة الطائرة

عندما أصبح مقاولا ناجحا إلى التخلي عن رفاه غناء الخرافي ، لماذا فضل مخاطر المنفي المعارض وحرب العصابات في جبال أفغانستان القاحلة على مكاسب التعاون المتبادل الفائدة مع الأمراء السعوديين ؟

ليس لدينا معلومات كافية عن الفترة الطويلة التي كان فيها متقيدا تماما بحرفية الشريعة والتي سبقت ثورته السياسية ولائحة محاولاته المتعددة لتعديل سياسة نظام الرياض سلميا قبل أن يقرر أن يقاتل بالسلاح داعمي هذا النظام الأميركيين وليس النظام بحد ذاته

والأسباب التي دعته فيما بعد إلى مهاجمة " الولايات المتحدة بدلا من السويد " حسب تعبيره باختصار إذا كانت لغة ابن لادن تبدو للوهلة الأولي أنها تسجنه في معزل تعصبه الديني فإن قليلا من المحللين من يحاولون بشكل جدي دراسة مسيرته بكل تعقيدها .

واعتبارا من عام (1993م) فإن النظام السعودي الذي رضي عام (1992م) القيام بتعديل خجول لاستبدادية ، وقبل أن ينشئ " مجلسا استشاريا " عين أعضاءه بنفسه من باب الحيطة ، انكفأ على حل قمعي فقط

لم تقتصر الاعتقالات الوقائية على أعضاء المقاومة الأفغانيين القدامي، الذين اعتقلوا لدى عودتهم ، في نهاية الثمانينيات وعذبوا بشكل منهجي حتى الموت أحيانا ، إنها تشمل أيضا أكثر المعارضين اعتدالا ، الذين تلقوا أحكاما قاسية بالسجن وعذّبوا هم أيضا

في هذا السياق قام ابن لادن ، الذي نجحت الضغوط الأمريكية في طرده من السودان بإيضاح وتجذير هجومه على النظام الذي سحب منه جنسيته السعودية .

عام (1995م) عندما لم يكن بعد قد أطلق دعوته إلى طرد الولايات المتحدة من شبه الجزيرة (1996م) ولا أعلن عن إنشاء (الجبهة الإسلامية العالمية) (1998م) نشر أول عرائضه العديدة المعارضة للملك فهد.

ولهذه النصوص أهمية مزدوجة فهي أولا تعطي مفاتيح قراءة مفصل بين المكونات اللاهوتية والسياسية للخلاف القائم بينه وبين النظام وحماته وسارقيه الأجانب ، ثم تسمح برؤية القالب السياسي أصلا لراديكاليته ، لمن يريد أن يبذل جهدا ليعير إلى ما وراء ستار " موضوعة المعارضة اللاهوتية "

هذه (رسالة إلى أبي رغال) التي وجهها ابن لادن عام (1995م) إلى الملك فهد ملك المملكة السعودية ، وفيها زبدة القول ، تحوى لائحة طويلة مشفوعة بالوثائق والأدلة لاعتداءات الملك "على الله والإسلام" على أرض الإسلام والمسلمين ، وعلى مدينة مكة المقدسة وعلى طائفة المسلمين

وبإلحاح خاص ، أكد فيها ابن لادن أولا ، على نحو كلاسيكي ، الأولويات الدينية واللاهوتية لمطالبة ، التي كانت لا تزال وقتها في نطاق الإصلاح ، وإذ يظهر للمرة الأولي مخالبه السياسية تجاه الملك (القمع السياسي) الذي يطال كل النخب ، (...) والفساد ، وتبديد الثروات) فذلك كي يؤكد بصورة أفضل أن الإساءات الموجهة إلى أسس الدين هي التي يقصد إدانتها بالدرجة الأولي .

وبنفس الكلاسيكية ، يستند عرضه إلى مرجع قرآنية توضحها تفاسير علماء الدين ، ويذكر خصوصا بالفرض الواجب على الحكام بأن يستندوا إلى الشرائع الموحي بها ويحطوا من شأن " المنافقين " الذين يتخذون الطاغوت مرجعا في الأساس

هو يعيد أخذ النقاشات الحجج ، البراهين التي تبناها سيد قطب ليسوغ سقوط النظام الناصري ، الملك السعودي يسئ إلى مبدأ وحدانية الله لأنه يدع التشريعات الدنيوية ، اليشرية المعتبرة كافرة وبإيحاء أجنبي تحتل مكان المرجعية الإلهية

وهكذا فإن المملكة ، كعضو في مجلس التعاون الخليجي ، تقبل الخضوع لقرارات تشريعات دولية ، غير أن تلك القرارات مؤسسة على هيكل من المرجعيات هي بالترتيب " دستور مجلس التعاون ، القانون الدولي ، المعايير الدولية ، ومبادئ القانون الإسلامي "

ويتأجج ابن لادن غاضبا: هذا هو الدليل على الاستخفاف بالشريعة الإلهية المصنف في الصف الأخير لمرجعيات المملكة ، وبعد أن أثبت الطبيعة الدينية لمخالفات الملك

ينتقل إلى قائمة ما يبدو بنظره نتائج منطقية (بما أن العصا المعوجةّ لا تعطي ظلا مستقيما بالطبع) لهذه المخالفة للشريعة الإلهية وبتوسيع أكبر بكثير ، بعدد عندئذ تلك النتائج السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدنيوية تماما جميعها .

بنظره النتيجة الأولي لتخلي الحكام السعوديين عن المرجعية الدينية هي الشكل الاصطفائي جدا ، وعلى أى حال ، قليل الانتماء للإسلام ، لدوافع سياسة المملكة الخارجية

يشير العرض إلى أن كثيرا ممن يحللون شؤون المملكة السعودية وهم قابعون في الغرف ، مستعجلين لإدانة "أصولية" الأمراء ، لا يتمهلون لملاحظة حدود تفسير "إسلامي" للسياسة الأجنبية للمملكة النفطية ويتهم تحديدا الملك بأنه مول وسلح على التوالي مقاتلين قليلي الصلة "بالإسلام"

والكتائب الماروتية المسيحية التي كانت تحارب "المسلمين اللبنانيين ، وعصابات الثوار المسيحيين في جنوب السودان ضد نظام الشمال الإسلامي والصديق القديم صدام حسين ، الذي موله بـ (25) مليار دولار حين كان يقاتل الثورة الإيرانية والنظام الجزائري" الذي يقاتل الإسلام ويسحق المسلمين تحت جزمته وشيوعيي اليمن الجنوبي في أثناء حرب (1994م) الأهلية، التي انتهت عندئذ.

ويتابع قائلا : أظهرت قضية اليمن كم كان دعمك للمقاتلين الأفغان لا علاقة له بقضية الإسلام : كان يهدف فقط إلى حماية المصالح الغربية المهددة بانتصار سوفيتي محتمل ، ويتابع ، بلا هوادة : لأن الشيوعي الأفغاني لم يكن مختلفا عن الشيوعي اليمني (...)

كيف تستطيع تبرير أنك كنت تدعم في الوقت نفسه المسلمين ضد الشيوعيين في أفغانستان والشيوعيين ضد المسلمين في اليمن ؟ (....) لا يمكن للمرء فهم هذا التناقض إذا لم يكن يعرف أن سياساتك يمليها عليك في الواقع عالم الصليبيين الغربيين الذين ربطت مصيرك بهم .

ثم يتحول العرض إلى الميدان الاقتصادي ويحاول الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها كل شخص على نفسه في المملكة وفي أرجاء العالم ، ويتساءل : حين نعرف أن المملكة راكمت في نهاية الثمانينيات احتياطيات تقارب (140) مليار دولار ، وتملك إيرادا يوميا يقارب المائة مليون دولار كيف أصبحت عام (1995م) إحدى أكثر بلدان المنطقة مديونية ؟.

لماذا تبقي أجهزتها التعليمية والصحية مزدحمة وغير كافية ، وتفتقر إلى التجهيزات ، وتقع بأزمات ويبقي (150000) من حملة الشهادات الشباب فيها عاطلين عن العمل ؟ ، والضائقة الاقتصادية هي الأفق الوحيد للعديد من العائلات ؟ ويلح ابن لادن : ولكن أين ذهبت كل هذه الأموال إذن ؟

في مصروفات العائلة المالكة على الكماليات أولا ، ولا يعرف الراوي على هذا الصعيد ، من أين يبدأ:بتعداد القصور والمساكن الأخرى التي تسد الأفق في المملكة وفي سائر أرجاء العالم ؟

كلفة هذه القصور ، التي " تستطيع باحة واحدة منها احتواء دولة " البحرين " بأكملها " وتقاس " بآلاف ملايين الدولارات " وتبقي مع ذلك منارة ليل نهار في حين يدعو حكام الأقاليم إلى توفير الطاقة .

غير أن قلب المرافعة ليس هناك ، لكنه في معاني صفقات جائرة مع شركاء المملكة الغربيين : العون الحقيقي المقدم للغرب ليس فقط التمويل الدقيق لرغباته الجيوسياسية المتنوعة : تستنزف المملكة عبر إجراءات سيئة آخري ، أولاها عقود التسلح التي يبرهن ابن لادن على أنها لا تتناسب البتة مع حاجات الجيش السعودي وموارده البشرية

ويذكر بأن المقدار المئوى من ميزانية الدولة الذي تخصصه المملكة السعودية للدفاع هو حوالي (30%) وليس له مثيل في العالم غير أن العقود لا تبرم بحسب الحاجات التقنية للجيش إنما " لخلق موارد للأمراء الحاكمين " الذين ينالوا ما يصل إلى (60%)

من قيمة الصفقات ، ولتقديم " تعويضات " شخصية لرؤساء الدول (الأمريكي والبريطاني : بوينغ لإعادة انتخاب كلنتن ، تورنيدوس لشكر ميحور ، إلخ) " تساعد في البقاء في السلطة " النتائج الوحيدة لهذه الإنفاقات هي أكوام من الأسلحة من دون أى موارد بشرية لتستعملها (...) وقواعد عسكرية هائلة ظهر أنها مخصصة في الواقع للقوي الأجنبية .

جعلت حرب الخليج عام (1991م) " هذا التعاون " العسكري المالي يغير من نطاقه نوعا ما وجدت قوى التحالف المشكل حول الولايات المتحدة ضد العراق " فرصة عمرها لتبتزكم ولتستغل مخاوفكم وجبنكم " لقد أصرّوا على جعلكم تدفعون تقريبا كامل نفقات الحرب (...) أى (60) مليار دولار

ذهب منها (30) مليارا في جيوب الولايات المتحدة وتقريبا 15 مليار في جيوب الحلفاء الباقين (....) وأنفق الباقي عمولات وصفقات ورشوات أخرى ، ويتابع ابن لادن اتهامه قائلا : إن نتائج حرب الخليج تروي كثير عن فعالية سياسة التسلح (...) فالطيران (السعودي) الذي كان لديه خمسمائة طائرة لم يكن قادرا سوى على التغلب على آليتين عراقيتين محرومتين من التغطية الجوية والبحرية رغم قطعها الثلاثين

التي كان منها عشرون مجهزة بقاذفات الصواريخ ، لم تطلق النار مرة واحدة ، ولم تكن القوات البرية بأفضل حالا : اضطرت البلاد لجلب تقنيين من الباكستان لتنجح في تجهيز كتيبة مدفعية مصفحة واحدة

مع ذلك لم تضع نهاية الحرب حدا لهذا الإخفاق المكلف ، بعد الحرب قادكم تضامنكم مع التحالف إلى إبرام عقود جديدة لصالحهم تزيد قيمتها على (40) مليار دولار للأميركيين وحدهم .

مع ذلك فهذه القائمة الطويلة للتبذير " والنفقات الجنونية المرتبطة بوجود قوى التحالف طيلة حرب الخليج " ليست كل شئ بقي الأعظم تقودنا لائحة نتائج " تدهور أسعار النفط ، ودراستها ، بالبرهان القاطع مدعومة بأرقام من البنك الدولي إلى حقيقة رهيبة

لم تفلس المملكة السعودية إلا لأن حكامها دفعوا بالسعر الأغلى ، ثمن امتياز.. الخضوع للاحتلال العسكري وما زالوا يدفعون ثمنا أغلي للاستمرار في نيل إعجاب حماتهم والاستفادة بالتالي من حمايتهم بأن يقيموا لهم نوعا من تضحية مالية دائمة :

بزيادة إيقاع سحب مخزونهم يتسابق الأمراء الخائفون بنشاط إلى تنظيم زيادة الإنتاج التي تخفض من القيمة المالية لمنتجهم ، معيدين بذلك نسبة مئوية ضخمة من عائداتهم إلى حماتهم

حتى وإن كان الغرب يهتم بألا يقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا أسود فهو يهتم كثيرا بأن يكون ثمن هذا البيض أقل ما يمكن ، بذلك تكون المملكة برأي بن لادن ضحية " أكبر عملية سطو في التاريخ " كما كتب عام (1995م).

هل التهمة مبالغ بها لهذه الدرجة ؟ هل وضع " الإسلامي الراديكالي السعودي " هو الوحيد الذي يؤدي إلى تقويم فادح بهذا القدر ؟ كلا بالتأكيد، إن أكثر الإحصائيات رسمية وأكثر الخيرات بعدا عن الحلقات " الإرهابية " تدعو إلى التفكير بأن ما ورد في هذا العرض أبعد من أن يكون كله من نسج الخيال :

وقد اعترف روبرت باير وهو موظف كبير في وكالة الاستخبارات الأميركية عام (2003م) قائلا : نحن نشترى النفط بسعر السوق ، لكن هذا السعر يخضع للعرض والطلب ، بزيادة العرض ، يبقى السعوديون الأسعار منخفضة

وهذا شئ يدفعونه من جيبهم ، لم دفع لهم أبدا تعويضا لقاء زيادة الإنتاج هذه التي ابتكرناها في الستينيات والسبعينيات ، وعندما أمموا أرامكوا ، استمروا في دفع ذلك لا نستطيع إذن أن نقول ببساطة إن "هؤلاء الناس كانوا دوما ضدنا" أو أن "العائلة المالكة أطلقت المتطرفين الوهابيين في إثر الغرب" .

في الوقت الذي كان فيه ابن لادن يطلق اتهاماته الرهيبة كان مواطن فرنسي جان ميشيل فولكييه (اسم مستعار لسفير ظل عدة سنوات في عاصمة المملكة السعودية) قد توصل إلى نتيجة مماثلة تماما

إن لم يكن بالتالي قد صاغها بعبارات أقل لاهوتية مستخلصا وصفا لا هوادة فيه لطبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية شبه هذه العلاقة (أنت تدفع وأنا أحميك) بتلك التي تجمع بين ... قواد وبغي .

واستخلص خبير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركي من ناحيته قائلا :

اعتقد أن بواعث الإرهابيين هي قبل كل شئ ذات طبيعة سياسية ، وكلما بكرنا بالكف عن التدخل في الشرق الأوسط ، استطعنا بصورة أفضل ، إقامة هدنة مع الإرهاب هل وصلت الرسالة ؟

كلا بالتأكيد ، أعلن الرئيس بوش قبل أن يستقبل في مزرعته ولي العهد الأمير عبد الله .. ويحصل على زيادة جديدة في إنتاج المملكة ليحاول وضع سعر أفضل : أظن أنهم لا يضخون لأقصى حد . لم تكلل المحاولة بالنجاح هذه المرة استثنائيا ولكن لأسباب أكثر ارتباطا بعدم فعالية الإرادة السعودية الحسنة وحدها أكثر من إعادة اتهامها .

في الواقع من دون الخروج من إطار الفكر الإسلامي الكلاسيكي ، الذي كان يعطي التفكير المنطقي الدنيوى مكانه الكامل خرج ابن لادن فعلا من النطاق الديني البحت ليتحرك ضمن النطاق "العقلاني" عندما نذكر بمكانة التحليل الدنيوي والسياسي والاقتصادي والمالي في المنطق الديني فهو يحتل حتى في منطقة موضعا حاسما لا يأخذه كثير من المراقبين في اعتبارهم مع ذلك .

محمد عطا أو المسار الدامي لأحد طياري (11) أيلول

سيرة حياة محمد عطا معبرة بنفس القدر ، مساره كمحارب بالغ ، الأقصر مدة بما أنه ولد في أول أيلول عام (1968م) في القاهرة ومات في الثالثة والثلاثين من عمره يندرج بأكمله تقريبا ضمن الزمنية الثالثة للإسلامية

لقد أعاد العديد من المحققين بدقة تشكيل حياة ذاك الذي كان يقود أولي طائرتي البوينغ (767) اللتين تحمتا على مركز التجارة العالمي في نيويورك في (11أيلول عام 2001 م) ومن السهل بصورة خاصة إيضاح الطابع الهوياتي لدخوله في "الإسلام السياسي" وكذلك هي الأعلام على طريق راديكاليته .

محمد عطا أيضا لم يأت من وسط معدم ، ولكن من عالم البورجوازية الصغيرة المدينية المصرية ، أبوه رجل قانون ، وتابعت أخواته تعليما عاليا مثله ، نال امتياز الدراسة في الخارج ، وهو مهندس معماري عضو في نقابة المهندسين المصريين التي سيطر عليها التيار الإسلامي في بداية التسعينيات

في القاهرة ، أدان بشكل كلاسيطي أجواء القمع وميل النظام ، بدعم من الغرب ، إلى تجريم التيار الإسلامي خصوصا ، وكل أشكال المعارضة السياسية عموما

ويثيره بنفس القدر مشروع الرئيس حسني مبارك الرامي إلى الإضرار بسلامة المدنية القديمة في القدر مشروع الرئيس حسني مبارك الرامي إلى الإضرار بسلامة المدينة القديمة في القاهرة ، منشئا فيها ما يعتبره محمد عطا نوعا من مدينة ديزني إسلامية للسواح الأجانب .

وعندما ذهب من جامعة هامبورغ عام (1995م) إلى سورية ليصنع فيها " الأرضية " الأولي لشهادته في العمارة ، قال إنه أصيب بالصدمة لأن المظاهر المعمارية للثقافة الغربية تطغي على تلك العائدة لحضارتها الإسلامية

كل يدعونا للتفكير بأن صرامته التقوية انبثقت بعد ذلك ، جزئيا على الأقل على غرار تلك العائدة لسيد قطب خلال إقامته في الولايات المتحدة في مقابل إباحية المجتمع الألماني إن العداوة الثقافية

والثورة تجاه اللائحة الطويلة للظلم الدولي ، وتفاوت الثروات الهائل بين موطنه الأم مصر الفوضوية وألمانيا الموسرة والعملية وخضوع أنظمة غير شرعية وقمعية في الوقت نفسه للمطالب الأميركية من كل نوع أعطت كلمحمد عطا التصميم البارد لأبي عبد الرحمن المصري ، الإسم الحركي الذي اتخذه لنفسه لحظة انخراطه على غرار كل أمثاله في القاعدة .

اجتمعت أكثر مقومات الإسلام السياسي كلاسيكية ، في (11 نيسان عام (1996م) في هامبورغ في مسجد شتيندام الصغير ، بعد شهر من قمة شرم الشيخ (13 آذار) ضد الإرهاب الإسلامي "بدا أن محمد عطا اتخذ قرارا بالانتقال إلى العمل المباشر"

وبالقيام بذلك مجازفا بحياته ذاتها ، كاتبا وصية شديدة التفصيل تثبت أنه يرتقب الموت ، إن العناية التي أولاها لشرح ما يجب القيام به لجثمانه تبدى أنه كان يعرف أنه سيموت لكنه لم يكن يعرف أن ذلك سيتم وهو يقود آلية محملة بآلاف ليترات الكيروسين .

الشخصيات الرمزية الأربعة للقاعدة التي ذكرنا سريعا مساراتها تطورت ضمن ظروف تاريخية وإقليمية مختلفة ، سيد قطب ، الأب السياسي والإيديولوجي، وأيمن الظواهري وريث سيد قطب السياسي المباشر اللذان مرا كلاهما بتجربة التعذيب الجسدي

وأسامة بن لادن منشئ عولمة المقاومة ومحمد عطا أحد أكثر منفذيها عزما مع ذلك تصميمات ومخيلات سياسية متشابهة للغاية هي التي دفعتهم إلى صياغة أو تبني عبارات القطيعة القطبية واستراتيجياتها .

لقد سيق سيد قطب وأدلج أسباب قطيعته مع محيط سياسي كان يعده غير شرعي ، لأنه خاضع للوصاية الأجنبية ولأنه استطاع تحت التعذيب قياس مدى استبداديته تابع الظواهري مسيرته ، على الصعيد الإيديولوجي

وكذلك السياسي ، ومثل سيد قطب (وبخلاف ابن لادن ومحمد عطا) صاغ التعذيب الجسدي مساره ، ومثل سيد قطب أجري قطيعة ليس فقط مع النظام ولكن أيضا مع القسم الأكبر من جيل معارضيه الإسلاميين الأول

وهو الذي أنجز إعداد اللائحة اللاهوتية التي تشرع القطيعة مع الإخوان المسلمين المتهمين بإجراء تنازلات غير مقبولة للمفهوم الرمزي الغربي الذي استوردته الأنظمة العلمانية ، التي يقصد الانفصال عنها بأكثر حرفية ممكنة .

وجد انب لادن من ناحيته هذه البلاغة جاهزة للاستعمال ولم يضف إليها أى بعد إيديولوجي يذكر ، أضاف إليها بالمقابل لوجستيه سياسية وحربية لا سبيل إلى مقارنتها مع تلك التي نجح سيد قطب والظواهري في تعبئتها ،وكذلك معرفة مباشرة للاضطرابات الناجمة عن التدخل الأمريكي في جزيرة العرب .

دخل محمد عطا إلى الميدان عندما كان قالب الثورة الإيديولوجي ولوجستيتها السياسية معدين ووظيفيين تماما ، لقد تغذت مخيلته السياسية التي أثارها تماس مباشر مع الغرب ، وهو ما طبع سيد قطب وابن لادن أيضا بشكل خاص بالتدخلات الأميركية والإسرائيلية

فهي إذا في قلب المنطق الملازم لزمنية الإسلام السياسي الثالثة، ييبدو أن تطور العالم خلال التسعينيات ، من فلسطين إلى العراق ، قد أكد تحليلات سيد قطب التي قام بها قبل أربعين عاما وضمن راديكالية فئات قطيعته

وهكذا عنما رأى محمد عطا ، عبر الظواهري وسيد قطب " جماعته " في مواجهة عنف سياسي مشابه للذي واجهه سيد قطب وفضحه أصبح بذلك ، بعد أربعين سنة ، جندية الأفضل حاملا للمرة الأولي لقاء موت حوالي (3000) برئ نار الحرب إلى قلب الغرب الرمزي .

من المخاوف الموروثة إلى المخاوف المستغلة:حرب التمثيلات

ل ستتقدم هذه البلدان نحو الديمقراطية أم ستستمر في التحدث فيما بينها بالعربية؟ (موظف فررنسي كبير مكلف بالحوار الفرنسي – العربي 1990م) .

لابد أن التحدث بالفرنسية لغة الديمقراطية ، قد ساعدك (ناقد أدبي شهير في التلفزيون الفرنسي متوجها بالحديث عام (2002م) إلى إحدى الشخصيات البارزة في التيار "الاستئصالي" الجزائري .هل يمكن أن يكون واحدا منا ذاك الذي يرفض أن يشرب كأسه مثل الآخرين ؟ (من أغنية شعبية فرنسية).

معظم المسلمين ليسوا أصوليين ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين لكن معظم الإرهابيين الحاليين هم مسلمون ويدّعون بفخر أنهم كذلك (برتارد لويس ، 2003م) أى شخص في الغرب يريد أن يكون فكرة عقلانية عن الإسلام السياسي عليه التغلب على عقبتين

تضم الأولي تراكم المخاوف اللاواعية ، الموروثة تجاه هذا الجار ، العدو القديم المسلم الذي في عملية تشكيلنا الهوياتي ، يعود إليه الدور الأساس في إخبارنا من نحن

والثانية ، أكثر ابتذالا لكنها ليست أقل فعالية هي عقبة الاستراتيجيات الاختيارية لكل هؤلاء في الغرب أو في العالم الإسلامي ، الذين لديهم أسباب للشعور بأنهم مهندون في امتيازاتهم الحالية ومصلحة في توظيف هذه المخاوف أكثر من مقاومتها .

أى شخص يستطيع اليوم أن يظهر من يقاومه على أنه " إسلامي " يعلم في الواقع أن المخاوف وجهل الآخر ستصبح آليا أعز حلفائه ، بما أن السيطرة على تدفق المعلومات هي في صلب الحرب الاقتصادية والسياسية

فإن اتخاذ الآراء المسبقة للتلاعب بالاخبار ، وتفضيل الأخبار اللحظية المثيرة على حساب قراءة التاريخ التي تعطي تفسيرات ، هو القاعدة في معظم الأحيان ، هؤلاء الذين يلجؤون عمدا أو من دون عمد إلى هذه الأساليب في وسائط الإعلام وفي الفلك السياسي لا يجدون مشقة في تعبئة مخاوف لاعقلانية راسخة عميقا جدا في المخيلات .

عكملت هذه الآلية المزدوجة كثيرا منذ الثمانينيات على إنتاج تصورات " للقضية الإسلامية " ضمن مجتمعات "الشمال" (وبشكل أساس ، في هذه الحالة ، مجتمعات أوربة وأمريكا الشمالية)

ولكنه اتخذ في فرنسا منحي ساخرا: فبين جميع القوى الغربية ، فرنسا هي الوحيدة بالفعل التي لديها تاريخ أطول للعلاقة بالآخر المسلم ، تشاطرها في ذلك جوهريا إسبانيا منذ حقبة الحروب الصليبية عبر أطول استعمار لأرض مسلمة الجزائر التي سيطرت عليها بين عامي (1830، 1962م) ولهذا في هذا الفصل المكرس " لحرب تمثيل " ظاهرة الإسلام السياسي في العالم الغربي ، سنستند خصوصا إلى التجربة الفرنسية .

المخاوف .. الموروثة

كي نحظى بفرصة التغلب على هذه المخاوف الموروثة يتطلب تحديد أصلها التذكير بـ "ثقافة الآخر" هذه التي هي الإسلام ودورها في بناء هويتنا ، وتبدو صعوبة قبول انبعاث قاموس بديل لذاك الذي اعتبرناه في اللاوعي الوحيد القادر على التعبير عن العام ، كما سوف نرى ، في قلب تساهلنا مع كل أنواع الدروب التحليلية الخاطئة .

الإسلام كما تراه فرنسا ، ه بالتالي قبل كل شئ الواسم الهوياتي " لثقافة الآخر " وبالتالي ، باختصار : للآخر التحدث عن الإسلام ، إقامة علاقة معه ، هو إذن ، بامتياز ، التحدث عن الآخر أو التواصل معه ، غير أن التحدث عن الآخر

كما نعلم ، على الأقل منذ هيجل ، هو لاعتبارات عدة التحدث عن الذات الآخر هو من يقول لنا " من نكون " وما المكان الذي نشغله في الفراغ ، وفي جزء كبير ما الدور الذي نلعبه فيه ، لا توجد الهويّة إلا بالتماس مع الغيرية

إن الواصل الثاني إلى قمة الجبل أو شواطئ الجزيرة المقفرة هو الذي يحدد المكونة المسيطرة لأنا الشاغل الأول ، ذكرا كان أم أنثي أسود أم أبيض ، فكري العمل أم يدويا ، بدينا أم نحيلا .. إلخ بالآخر تتعلق حدود " نسبيتنا " وبالتالي تستند " هويتنا " إليه أو ضده .

حتى لو كان الذي لحق بي إلى الجزيرة المفقرة قادما من قريتي ، سأجد السمة التي تميزه وتسمح لى بأن أكون ضمن وحدانيتي الضرورية .

في حالة العلاقة مع الإسلام في فرنسا، يشتند ميل الآخر إلى التأثير في التوازن الداخلي الهش دوما لذاتنا بقدر ما يتعلق الآمر " بآخر محدد بعينه " ذلك الآخر لا يأتي من كوكب المريخ ، ولا يتحرك ضمن سياق خالي من البيانات

إنه على العكس في غالبيته قادم (على صعيد البيانات ولكن أيضا ، على صعيد الإحصائيات هذه المرة) من شمال إفريقي قريب على صعيد مزدوج ، عبر ضيق مضيق جبل طارق وأيضا عبر تاريخ مشترك بشكل واسع جدا وإن لم يكن "متقاسما"

فعلا ، هذا التقابل المعلم بالعرب المغاربة وبالصليبيين بالمستعمرين ، و" الفلاقين " بالعائدين إلى أوطانهم والمهاجرين لا تشهد به فقط الأحداث بجروحها ، التي لم تندمل كلها أو النقلات من جميع الأنواع التقنية أو اللغوية ، ولكن كذلك الخيالات والتنافرات ومخاوف أخري .

إن العلاقة بثقافة الآخر في نموذجها المتعلق بالشرق الأقصى أو البوذي والذي من الضروري نوعا ما استخدامه لتعيير حدود المنطقة الهوياتية ، هي أقل صدما بشكل ذي مغزى مما هي عليه مع الجار العربي المسلم في قلب منطقة مروفان الخضراء على الطريق الذي يقود إلى مركز تأهيل للأئمة (في شاتو – شينون)

غذي إنشاؤه عام (1989م) الكثير من الخيالات الإعلامية يستطيع الزائر المدهوش أن يكتشف بوذيا يزيد الذهب واللون القرمزي من إكزوتيكية هندسته الصارخ وعلى عكس أصغر مسجد في ضواحينا استطاع هذا المعبد " لدين الآخر" المختلف أن يتمتع بالصمت الراضي لحراس هويتنا القومية المتغطرسين .

الآخر المسلم لا يأتي أيضا من فييتنام ، التي اجتاحتها مع ذلك العاصفة الاستعمارية هي أيضا على غرار الجزائر ، ولكن البعد عنها يعتم الذكري ويحل التوجس ، في الزمان كما في المكان ، المسلم هو بشكل مزدوج قريب منا في الواقع (أكبر مما ينبغي)

غير أنه بالتحديد عندما يزول الاختلاف ، فإن العنف يهدد كما لفت إليه الانتباه بمهارة الفيلسوف رفيه جيرار هذا الجار ، القريب أكثر مما ينبغي قريب كذلك على صعيد المرجعية الدينية ، باعتبار أننا في جزء كبير نتبني كتابات متشاطرة وصورا إنجيلية وقرآنية مشتركة

جارنا " القديم " و" القريب أكثر مما يجب " هو إذن منطقيا الفاعل الأكثر مباشرة في بناء هويتنا الجمعية ، ضمن طبقاتها اللغوية (مرجعياته ليست لاتينية) والإثنية (هو لا يرغب بالغالبين ولا الفرنسيين أسلافا له) وطبعا الدينية (نبيه الأوحد غير معروف لدينا وهو يرفض فوق كل ذلك الطامة الكبرى "علمانية" حداثتنا الفرنسية)

لقد تكون جزء من الهوية الإثنية والسياسية الفرنسية قياسا إلى العرب المسلمين أو المغاربة وقياسا إلى هوية المحمديين ، من دون أن ننسي مع ذلك حروبنا الدينية الخاصة أردنا أن نكون مسحيين أولا ، ثم أوروبيين أو غربيين ثانيا ، وأخيرا في الحالة الخاصة جدا للهوية الفرنسية علمانيين .

وفي نفس هذه الخانة المكانية يدون رض إعادة تحديد إقليمي نهائية للقاء بين الجيران يتشكل الإحساس بالإسلام بالتأكيد أيضا في جزء منه على أرض الآخر ، وسنعود إلى ذلك ، عبر هذه "المعلومات" التي تجتاز البحار بشكل سريع ، إنما سئ؛

لكنه يتم أكثر فأكثر غالبا ضمن " حميمة " قضاءاتنا العامة ضمن مجتمعنا الخاص ، لم نعد تنصب كاتدرائياتنا على تلال إفريقية ، نكتشف بدهشة مساجد في ضواحينا القريبة ، لم نعد " نستقبل " لدى الآخر

ولكن كصدي متوقع للإعصار الاستعماري أولا ، ثم كنتاج اختياري لاستراتيجياتنا الصناعية ، الآخر هو اليوم لدينا ، ألغيت المسافة الثمينة أكثر أيضا ، وأخيرا حتى وإن كان الجيل الأول من مسلمي فرسنا اليوم في غمرة تنوع ليس فقط بفضل لاعب كرة القدم زين الدين زيدان

فهو يضم في يومنا هذا عمالا يدويين أكثر من ممثلي الطبقة المثقفة العلمية أو الفنية ما حرم " الإسلام " ربما من القدرة على التواصل التي تتطلبها المخاوف وسائر أسواء التفاهم التي يثيرها تأكيده شمال البحر الأبيض المتوسط .

الإسلام هو ثقافة أقرب جيراننا في الوقت الذي يضمحل فيه اختلال التوازن الهائل الذي أتي من العلاقة الاستعمارية وإن كان ذلك ببطء لصالح الضفة الجنوبية وبالتالي " على حساب " الضفة الشمالية نسبيا عام (1930م)

حين كان الاستعمار في أوجه كان " إسلام المستعمرات " الذي كان مع ذلك منذ ذلك الحين " ثقافة الجار الآخر القريب " والذي كان مع ذلك مغروسا في فرنسا ، يثير اضطرابا أقل مما سيفعله ، منذ الثمانينيات "إسلام الضواحي"

كانت هوية فرنسا الوطنية عندئذ متكيفة تماما مع الإسلام الذي جعله المعرض الاستعماري الكبير " للذكري المئوية الثانية لغزو الجزائر " فولكلور ، هل غير النبي محمد منذئذ رسالته ؟

حتما لا لكن أتباع دين الآخر انتزعوا أنفسهم غصبا من الصورة الاستعمارية ، إنهم يرفضون أىللا يكونوا سوى إحدى المكملات المجلوبة لمركزيتنا الثقافية ، لقد ولي الزمن المبارك لعلاقة وحيدة الجانب:

ع " مستعمراتنا " في بداية القرن الواحد والعشرين هذه مهما بقيت العلاقة بين الضفتين غير متساوية ، تترك للشمال شعورا متفشيا له ما يسوغه بأن الحقبة السعيدة لسيطرته السياسية والرمزية أصبحت وراءه .

وخيبة أمل فرنسا ليست فقط نتيجة نهاية الأنموذج الاستعماري المطمئن ، لقد أبدي انتصار العقلية الاقتصادية حتما ، فيما يخص التنمية ، إمكانياته الكمية الرائعة ، لكنه أيضا أظهر شيئا فشيئا تناقضاته وحدوده النوعية الكلفة الاجتماعية والبيئية المرتفعة ، وضعف الرابط الاجتماعي

وفقدان السمات الأخلاقية ، والأزمة التي أخفاها فترة من الوقت بريق التقدم التقني تتفاقم اليوم تحت وقع هبوط منحنيات النمو ، وارتفاع مستويات البطالة والبحث عن طريق متعصب مجازف لإعادة سحر العالم .

وإذا كان التوتر الذي نشأ من تأكيد الإسلام يزداد حتما بفضل الخاصية " الطارئة " للناقل "الإنساني " للدين الجديد فهو يساهم بالتالي في قسم كبير ، بالتوتر الذي يثيره كل تأكيد ديني مهما كان ، في مجتمع هو في الواقع حرفيا، خارج من المسيحية أكثر بكثير من كونه مسيحيا

وفاقد لحواسه الدينية أكثر بكثير من كونه "علمانيا" وخلف ريات العلمانية خمود مساحة الفلك الديني هو الذي وسم عصر ورثة جول فيري أكثر من انفصاله عن الفلك العام ، على هذا الصعيد ، يعبر "التوتر الإسلامي"

ومنذ ذلك الحين ، عن الانزعاج الحاصل مما يمكن أن يبدو ، بما تفرضه اللغة الدينية كطلب للروحانية في مجتمع أخذ على عاتقه حل معضلة الطلب الاجتماعي للمقدس أكثر مما يعبر عن التنافس بين وحيين

ومثل وضعه كدين الآخر ، يجب على الإسلام إذن أن يتغلب على التحفظ الذي يغذيه وضعه كدين بكل بساطة في المرتبة الثانية فقط ، يرتسم التوتر القديم الديني المحض للصراع بين العقائد يزيده هو أيضا القرب المفرط وتغذيه ديناميكية ذاته الشرقية الأخرى إن نظرنا جيدا إلى ذلك ، وإذا صدقنا " قرآنهم " ألا يكون المسلمون مسيحيين ارتدوا " طبقة " إضافية من النبوة ؟.

المخاوف المستغلة أو تمثيلالإسلام السياسي في فخ السياسي

لا تصارع دائما كما ينبغي المخاوف الموروثة من مواجهة نزاعية طويلة: فكثيرا ما يغذيها عمدا كل هؤلاء الذين يرون فيها فائدة سياسية لهم وهكذا يكون نجاح القراءة اللاعقلانية والتحريمية للحيل الإسلامي تتاح متغيرات نفسية أو خاصة بالتحليل النفسي لا شعورية في قليل أو كثير

لكنه أكثر من ذلك ثمرة استراتيجيات متعدة تكون أكثر فعالية بقدر ما تكون استراتيجيات لقاء فاعلين حكوميين أقوياء بشكل خاص وخلا " العدو التاريخي " للآخر المسلم نجد في الصف الأول لهؤلاء كل الأنظمة العربية التي تفتقر إلى قاعدة شعبية أى : الغالبية العظمي منها .

وتميل الشرعية الدولية لهذه الفرق ، فاقدة الثقة إلى أن تختزل إلى مقدار موهبتها في تجيرم كل بدائل لحكمها ، وهكذا تبني الطغاة العرب منذ بداية الثمانينيات وبصورة أكثر هزلية أيضا منذ (11) أيلول

إستراتيجية اتصال تتألف من تصدير صورة شريرة لمعارضيهم الإسلاميين ليحنوا لمصلحتهم مكاسب من المخاوف الغربية لا يهم إن كانوا في الواقع قد ساهموا بشكل واسع في راديكالية هذه المعارضات إلى درجة أنهم في بعض الأحوال (مثل الجزائر ، وسنعود إلى ذلك)

حلّوا محلها بكل بساطة فقاموا بأعمال عنف ، ذبحوا فيها معارضيهم باسم هؤلاء الأخيرين ، والجمهور الغربي مستعد لأن يقر "لهؤلاء الذين يحاربون الأصوليين" باحتكار تمثيل القيم العامة ، وأن يجعل منهم محاوريه الشرعيين الوحيدين شريطة أن يقوّوا جهلة ومخاوفه .

لكن الطغا العرب ليسوا الوحيدين الذين يلعبون هذه اللعبة ، فالمخططون العسكريون الإسرائيليون مسلحين بقدرتهم الإعلامية الهائلة في الغرب بأجمعه ، فهموا بالتالي سريعا عظم ما يمكن أن يجنوه من ضعف منظمة التحرير الفلسطينية والانبثاق الناتج عن ذلك؛

ضمن المقاومة الفلسطينية ، للحيل الإسلامي ، " لحماس " وروسيا التي فشلت في القيام بذلك في أفغانستان ، راحت منذ بداية النزاع في الشيشان ، وبالشكل الناجح الذي نعرفه ، تضاعف أعداد كل أولئك الذين غدا لديهم الخوف اللامنطقي من الآخر المسلم مصدر شرعية أكثر منه مصدر قلق .

إن (11) أيلول وما أدي إليه من إلصاق صفة الـ " بن لادنية " بالمعارضين السياسيين " المسلمين " قد أسقط آخر التحفظات وأزاح آخر ما يقبل التأويل ويلخص المعارض التونسي منصف مرزوقي ذلك بقوله: منذ ذلك التاريخ أصبح الطغاة مرتاحين كما لم يكونوا أبدا قبلا ، لم تعد صورة الآخر اليوم نتاج إستراتيجية معرفة مخصصة عند الاقتضاء للتغلب على مخاوف لا منطقية؛

لقد أصبحت رهان استراتيجيات سلطة وقحة بشكل خاص حيث يتنافس الجنرالات " والخبراء " من كل الجنيسيات وكل الأديان ، من الجزائر إلى واشنطن مرورا بتل أبيب على إظهار مواهبهم .

يتلقي هذا الانحراف بالفعل دعما جوهريا من جزء التيار الإسلامي الذي يستحق فعلا صفة المتطرف ويساهم بخطاباته وأفعاله في إعطاء مصداقية لأسوأ التلاعبات والتخيلات الغربية ، مرجعا كل إرادة تسييق وكل متطلب حقيقة إلى البراءة وسلامة النية

أو حتى التورط إن وجود هذا الجزء البليد والتهديد الإرهابي الذي يمثله يشكلان بالتأكيد تحديات كبري يجب مواجهتها بقوة القانون لكن يجب ألا تنسينا هذه التحديت تحدي من نوع آخر، وهو ما تشكله القدرة المدهشة لهذه الأقلية المتطرفة على مصادرة كامل الرؤية الإعلامية لسياق إعادة الأسلمة

غير أن لهذه المراوغة تفسيرا : يمكن إرضاء طموحات راديكالي هذه التبعية بتسليط الأضواء عليهم بشكل أشهل إن كانوا يتلقون دعم هؤلاء الذين لديهم مصلحة في أن يخفي القسم الأكثر شراسة من خصومهم السياسيين اعتدال الغالبية العظمي منهم

وفي الوقت الذي يصعب فيه على مشاهد التلفاز الأوروبي أن يتآلف مع وجوه الناطقين الرسميين للمجموعة المعتدلة من المشهد الإسلامي ، فهو لا يجهل أقل الهذيانات المتبجحة لأكثر الأقسام شراسة من " لتدنستان" الإسلامية التي يلاحق ممثلوها في وساط الإعلام في ساعات الاستماع الأعظمي بفضل فطنة " مراسليها الخاصين " اشديدة الاضطفائية .

في الحالة الرمزية الجزائرية تظهر النتيجة المخيبة المؤكدة لهؤلاء " المراسلين الخاصين " ،" وصحفيي تحقيقات " آخرين اتساع الاعوجاج الذي يصنعه بشكل منهجي هؤلاء الذين يدعون أنهم يتحلون بفضائل الموضوعية والرغبة في " إعلام مستقل ".

تضليل وتشويه إعلامي : الحالة النموذجية الجزائرية

في زمن الاضطرابات " الإسلامية " الكبيرة على الإعلام الفعلي الذي نتلقاه من العالم الإسلامي أن يكون مشككا بقدر الإمكان ، يظهر الأنموذج الرمزي للحرب الأهلية الجزائرية إلى أى درجة كان ذلك بعيد التحقيق

في الواقع إذا أردنا أن نشير قبل صدمة (11) أيلول بكثير إلى الرسائل الإعلامية التي كان لها التأثير الأكبر في لاوعي الفرنسيين والأوروبيين منذ عشر سنين في علاقتهم بالدين الإسلامي ستقفز إلى الذاكرة من دون شك الفظاعات المسندة إلى " الإرهابيين الإسلاميين " لحرب الجزائر الأهلية اللامتناهية .

عاما بعد عام ، منذ أن ألغت الطغمة الحاكمة الجزائرية في كانون الثاني عام (1992م) الانتخابات التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية كم من آلاف الصور المتلفزة والمناقشات أو المنابر والموجزات أو الصور الهزلية في الإذاعة أو في المجلات، خصصت لذلك ؟

لقد تم حشد طاقة كبيرة وشرعية لفضح المسئولين عن تصفية "المثقفين العلمانيين" المبرمجة ، وعن اغتيالات متلاحقة لأجانب يعيشون في الجزائر ، وعن الاختطاف المثير لطائرة "إيرباص الجزائر" وعن قنابل قطار الانفاق الباريسي العمياء

وعن جرائم فظيعة راحت ضحيتها راهبات ، وأسقف ، ورهبان ، ورياضيون ، ومغنون ، وكتاب وفنانون ، كم مرة لم نكن فيها ساخطين من تلك الطريقة المخيفة ، وهي كذلك فعلا ، التي كانت فيها كل علاماتنا الإنسانية تصاب ، واحدة تلو الأخرى؛

دونما رحمة من قتلة مهووسين كانوا فوق ذلك يمهرون جرائمهم ببلاغات استفزازية بشكل خاص ؟ ... ماذا نقول عن مصير مئات القرويين نساء وأطفالا عزلا ، المذبوحين بالسلاح الأبيض في أعماق الليل ؟

جوهريا أصبح من الممكن كتابة صفحة التاريخ هذه وربما طبها بالتالي منذ عدة سنوات أكد إفشاء معلومات متقاربة تماما ، تطلبت سلسلة من الأدلة ، ما لم يكن ممكنا قوله إلا من باب الفرضيات وسمحت هذه المعلومات بإحداث تقدم حاسم في معرفة مرحلة مضطرية بصورة خاصة من علاقتنا الحديثة "بالإسلام الراديكالي"

وبشكل يثير الفضول ، كلما كانت دقة هذه الشهادات وأهميتها تزدادان كان الاهتمام المعطي لها يتناقص ، مع أنها كانت تلبي مطلبا مزدوجا لأقارب الضحايا وللرأي العام العالمي

وبعد الانفعال الذي أثارته في بداية عام (2001م) أولي المعلومات التي كشفها الملازم أول السابق حبيب سويدية لم تحدث المعلومات التي باح بها العقيد السابق محمد سمراوي سوى صدى محدود بشكل خاص ، مع أنها الأولي الآتية من داخل الأجهزة السرية للجيش الجزائري .

وفي عام (2004م) عندما عرض الصحفيان لونيس آغون وجان باتيست ريفوار في كتاب (فرنسا ، الجزائر : جرائم وأكاذيب حكومات) وبعد جمع معلومات غزيرة

خصوصا الأدلة على تورط ضخم ومنهجي للجيش مؤكدين لأى درجة كان الوسم وحيد الجانب " للإرهابيين الإسلاميين " بعيدا عن الواقع وهو ما لم يكن أحد يشك فيه قبلا ، أصبح الصمت الإعلامي والسياسي محرجا بصورة خاصة

وما عدا المؤمرات رابطة الجأش للدعاية الجزائرية التي أطلقت لتشويه سمعتهما ، وحلفائها المعتادين في فرنسا أو أوربا ، لم تعتقد أى برقية من وكالة الصحافة الوطنية أن من واجبها إعلام مشتركيها الفرنسيين بذلك عمليا لم نشر إلى ذلك أى صحيفة كبيرة يومية كانت أو أسبوعية

ولم تذكر حتى وجودها أى قناة تلفزيونية ما عدا القناة الثالثة ، ما الذي كانت تؤكده هذه الشهادات التي جمعت بصير وأصبح صعبا جدا سماعه ؟

أن النظام العسكري الجزائري بكل بساطة منذ بداية التسعينيات وخلف واجهة التعددية التعددية الكاذبة لانتخابات مزورة بشكل واسع لم يهتم حقا بمقاتلة القسم المتطرف للتيار الإسلامي وتظهر أدلة لا تقبل الدحض أنه لم يقم فقط باستخدامه بصورة منهجية بعد أن حماه

ولكن أيضا أنه حل محله بكل بساطة في حالات عديدة نموذجية بشكل خاص : بواسطة (مجموعات الجيش الإسلامية) خاصتهم التي أسسوا لها في البدء ثم اصطنعوها في بؤر (إدارة الاستخبارات والأمن) المعروفة بالأمن العسكري ، نظم جنرالات الجزائر خصوصا المذابح الهمجية " باسم الإسلام " لمعارضيهم ولنفس حلفائهم " العلمانيين " في الوقت نفسه

ولكي تسقط الطغمة الحاكمة في نظر العالم كل معارضة متقيدة بحرفية الشريعة وتحرك على الصعيد الأمني وحده معركة سياسية كانت قد خسرتها تماما ، جعلت من فظاعات (مجموعات الجيش الإسلامية) نمط عملها وتواصلها الرئيس منذ عام (1991م)

وقبل حتى ظهور أولي (مجموعات الجيش الإسلامية) بعد أن نال زعماء تفرع أولي وعابر راديكالي للتيار الإسلامي ظهر في نهاية الثمانينيات (الحركة الإسلامية المسلحة) عفوا حسب الأصول يطلب من مطابخ مؤامرات السلطة جهزتهم هذه الأخيرة " بعربة خدمة "

وبحسب أحد أساتذة الجامعة الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون أن يجدوا في دراستهم مفتااحا لقراءة الأزمة الجزائرية ، فإن منشورات الجماعات الإسلامية المسلحة كانت مكتوبة بنوع من اللغة الخشبية الدينية لا تقل عن لغة الجماعات الغربية الماركسية في الماضي " ويتهكم العقيد السابق سمراوي ، معلقا على هذه الخلاصات في كتابه " أى حدة ذهن !

منشورات الجماعات الإسلامية المسلحة (كتبها بالفعل) ضباط في بؤر الأجهزة الأمنية التي تدرب مسؤولوها في موسكو وبراغ وبرلين قبل سقوط الحدار ويحدد قائلا : منذ عام (1991 م) كانت المنشورات الأولي الداعية إلى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح تخرج من ثكنة عنتر بن أكنون ، مقر (مركز العمليات الرئيس)..

أما بالنسبة " للوائح السوداء " الشهيرة (مثقفون مهددون بالقتل) المعزوة إلى الإسلاميين فقد تم إعدادها في مركز غرمول مقر (إدارة التجسس المضاد) إن الملازمين أول عمر مرابط وسعيد لعراري (الملقب سعود) وعز الدين عويس هم الذين حرروا هذه المنشورات التي كان عناصر (قسم الحماية) وسائقوا إدارة التجسس المضاد يدسونها في صناديق بريد المعنيين .

في الجزائر لم يكن من الصعب إقناع المثقفين العلمانيين طوعا ، أو إثر رؤية أقرانهم يذيحون بيد "الأصوليين" بضرورة الاشتراك بحماس في بلاغة الطغمة الحاكة في فرنسا وفي العالم كان الجنرالات بالمقابل قد حذروا من أى ردّ فعل عدائي تجاه إلغاء نتائج الانتخابات والقسم الظاهر ، الضخم أصلا ، من جبل الثلج للقمع الموجه "ضد الأصوليين"

من أجل ذلك كان يجب إبقاء العقول في حالة توتر ، وقد أثبتت الأجهزة الجزائرية على هذا الصعيد براعة حقيقية ، منذ البداية لم يكن كل أمراء الجماعات الإسلامية المسلحة الشهورين للأسف، سوى فزاعات بيد الأجهزة

من المعروف اليوم أن على توشنت ، المدير والمحرك لمنفذي اعتداءات محطة سان ميشيل لقطار الانفاق عام (1995م) قد أختفي .. في ثكنة للأمن الجزائري حيث تأكد أنه كان معتادا على المكان منذ وقت طويل وحيث لم يهتم أى من "صحفيينا المهتمين بالتحقيقات" بالذهاب لمطاردته .

كان مهندسوا "ألة الموت" الرهيبة هذه يستطيعون في الحقيقة أن يستندوا إلى تقليد طويل من التعان مع نظرائهم الفرنسيين ، ولكي نذكر مثالا واحدا على نجاح هذا التحالف

فقد نظمت الأجهزة الفرنسية والأجهزة الجزائرية في خريف عام (1993م) الاختطاف المزعوم للموظفين الفرنسيين الثلاثة العاملين في القنصلية في الجزائر العاصمة من "إرهابيين أصوليين" من أجل تسويغ حملة اعتقالات واسعة سمحت بنفي زعماء المعارضة الجزائرية الرئيسيين اللاجئين في فرنسا إلى بروكينا فاسو في شهر آب عام (1994م)

قدم عدد لا بأس به من رجال السياسة والصحفيين ، وكذلك عدد كبير من أساتذة الجامعة ومثقفين مشهورين (وما زال بعضهم يقدم) دعما غير مشروط لمؤسسة تسميم الأفكار الهائلة هذه بعضهم قام بذلك بسذاجة وعن جهل ظانا أنه ينخرط في كفاح مشروع ضد الظلامية؛

وردد بحماس بلاغات الأمن العسكري الجزائري باسم النضال من أجل العلمانية لآخرين ، يبدو أن الكرم ، الذي سمح به مبلغ العائدات النفطية للجنرالات ، ساهم في إزالة كل اعتبارات الأخلاق أو المبادئ مع الحذر المطلوب .

ومهما كان صعبا اليوم تحديد ما يعود " لقيصر " من العنف " إلا أنه يجب أن يكون القيام بذلك أمرا ملحا ، وأن نضع في ذلك نفس الحماس الإعلامي الذي كرسه البعض لإلصاقه " بالله " أو بمن يدعون أنهم يمثلونه .

حرب التمثيلات وإفلاس الوساطة الثقافية:أية حقيقة؟

أمام انحرافات المجال الإعلامي والسياسي يمكن أن يسمح استقلال المجال الأكاديمي بإعادة توازن مفيد. إلا أنه لا يبدي انجازات أكبر بشكل ملموس من إنجازات الإعلام والطبقة السياسية

غير أن هذا الإفلاس لا يرتبط بضعف جوهري لدي جيل الباحثين " المستشرقين الجدد " بقدر ما يرتبط بكون عملهم لا يصل إلى الرأي العام إلا بشكل شديد الاصطفائية حالما يكون العالم الإسلامي أحد رهانات المعرفة ، يعكس الفضاء الإعلامي بدقة موازين القوى السياسية للمشهد الإقليمي والدولي وهو يستقبل

بالمقابل ، من دون تحفظ ممثلي جزء نوعي جدا من الطبقة المثقفو على هامش الانتماء الأكاديمي وينصف إنتاجه بأنه لا يصدم أبدا الحس العام .

ولكي يعري يبيير بورديو محركات التشويه الإعلامي التي تعبث فسادا في موضوع الحرب الأهلية الجزائرية فقد حلّل بشكل رائع اضطراب وظيفة هذه الفئة من الوسطاء قوى الطموحات العلمية بأن ابتكر لهم عام (1998م) تصنيف (المثقفين السلبيين)

تماما كما ظلت معظم شهادات الصحافة ، وقسم لا بأس به من المثقفين صامتين بالتالي عن الجوهري أى ، عن فداحة إدارة السلطة العسكرية للعنف .

ضمن هذا السياق أدان بيير بورديو هؤلاء الذين كانوا بنظره يجمعون " الأدب التقدمي " المقلد مع الرجعية السياسية الأصلية لم يختر هؤلاء الصمت المتواطئ فقط

ولكن أيضا الالتزام الموضوعي في خدمة الطغمة الحاكمة وساهم برتار – هدري ليفي وأندريه غلكسمان وهما الجزء البارز من نظام فعال بصورة خاصة ، بقناعة نادرة في إخفاء فداحة تورط العسكر في أفظع المجازر الجماعية للمدنيين حين قادهما معاونوا النظام من البداية إلى النهاية خلال تنقل سريع في الجزائر

اعتقد " الفيلسوفان " الفرنسيان ، الذين امتدحت الصحافة الجزائرية " حدة ذهنهما " أنهما حصر على ما يكفي من المعلومات ليثبتا علنا فرضيات مضيفيهما العسكريين الوحيدة الجانب تماما .

هل يمكن وصف حدود الإسلام علميا بأنها "دموية" كما أعتقد التجريبي الأميركي صموئيل هتنغتون من جهته أن بإمكانه كتابته؟ عندما يصدر مثل هذا الكلام عن شخص علمه عصر الحضارة (المسيحي) بعد كل شئ بصورة مباشر أو غير مباشرة أساليب جعل أمريكا الجنوبية مسيحية واستيطانها

(أو ربما يجب أن نقول ... إفراغها من السكان) قبل القيام بنفس الشئ في أمريكا الشمالية ، وأساس تجارة الرقيق نحو الأمريكتين فيما بعد وتوسع الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية الرأسمالية أو الشيوعية ، في إفريقية وفي آسيا

وأخيرا الرايخ الثالث النازي ، يصبح من الصعب تقويم مدى علمية الإجراء المؤسس لوسم أشكال انتشار الدينانة الإسلامية التي لا ترقي " إنجازاتها " المؤكدة في هذا المجال (من تجارة الرقيق إلى التوسع العسكري) إلى ما ذكرناه قبلا

ويبد اللجوء إلى تسهيلات العنف في أحسن الأحوال أهون شرور أدوات الهيمنة السياسية من دون استبعاد الاعتراف " بتفوق " الانجازات الغربية للقرن المنصرم وحده (من معسكرات التصفية النازية) إلى تلك العائدة للشيوعية مرورا بإرهاب الصهيونية في بدايتها وإرهاب منظمة إيتا في إسبانيا والجيش الجمهورية الايرلندي في إيرلندا؛

هذا هو المبدأ التحليل الذي على العقل السليم أن يقود إلى إعادة تأكيده اليوم بقوة ، ضمن ظروف يحاول فيها معسكر الأقوى أن يخفي مسؤولياته خلف تفسيرات ثقافاتية خطيرة وهذا ما لا يجري للأسف .

لقد لخصط إدوارد سعيد جيدا منطق عمل هذه التعبئة الخبيثة لمعارف تقريبية مبتورة غالبا من المعرفة الاجتماعية للانتماء الإنساني الذي تزعم أنها تفسره للعالم ، " حاليا، المكتبات (....) مليئة بمجلدات ضخمة ذات عناوين مبالغ بها تتحدث عن الصلة بين " الإسلام والإرهاب " و" الإسلام مكشوفا " و" التهديد العربي " و" مؤامرة إسلامية " أخرى

كتبها مناظرون سياسيون زاعمين أنهم أتوا بمعلوماتهم من خبراء يفترض أنهم نفذوا إلى روح هذه القبائل الشرقية الغربية ، استفاد دعاة الحرب هؤلاء من دعم القنوات التلفزيونية (...) وكذلك من عدد لا يحصي من الإذاعات الانجيلية والمحافظة ، والصحف الصغيرة

وحتى صحف محترمة مشغولة كلها بإعادة تأهيل نفس العموميات التي لم يتم التحقق منها من أجل تعبئة " أمريكا " ضد الشياطين الأجانب ، لم يكن بالإمكان شن الحرب من دون هذا الانطباع الذي نمي بعناية بأن هؤلاء الأقوام البعيدين ليسوا " مثلنا " ولا يقبلون " قيمنا

هذه الفكرة المعادة التي تشكل جوهر عقيدة المستشرق أحاطت كل القوى نفسها بمثل هؤلاء الباحثين لحسابها غزاة ماليزيا وإندونيسيا الهولنديون ، والجيوش البريطانية في الهند ، وفي بلاد ما بين النهرين وفي مصر وإفريقيا الغربية

ووحدات القوات الفرنسية في الهند الصينية وشمالي إفريقيا، ويستخدم هؤلاء الذين ينصحون البنتاغون والبيت الأبيض نفس الفكرة المكررة ونفس القوالب الثابتة الاحتقارية ونفس التسويفات لاستخدام القوة والعنف .

وما إن يتعلق الأمر بالحديث عن الآخر المسلم حتى تطول لائحة هذه الأعمال المثيرة للريبة التي تذاع في ساعات الاستماع الأعظمي ، ومن بين ألف لنتوقف عند مثال فرنسي رمزي بشكل خاص

متمنين أن يصبح ذات يوم بالرجوع إلى الوراء ، موضع تدقيق مهني وعلمي وسياسي، صاف ومتعمق ، خلال برنامج هام لإحدى قنوات القطاع العام التلفزيونية، خمسة أشخاص ممن لهم وزنهم في المشهد الثقافي والإعلامي والسياسي

(ومنهم نموذجا:المثقف السلبي اللذان حددهما بيير بوردير) ساهموا ذات مساء من عام (1993م) في إطلاق رواية وحيدة الجانب تماما للحرب الأهلية الجزائرية وخلال ستين دقيقة ، سخر أبطالنا في التحليل والفكر والعمل السياسي موهبتهم ومقامهم من دون تحفظ لخدمة تلك التي قدموها لنا كمناضلة جزائرية شجاعة من أجل حقوق المرأة ، خالدة سعودي

عندها كان الأمر يتطلب درجة معينة من السذاجة والجهل (أو الصفاقة ؟) كيلا يعرف المرء أن تلك التي وصفها ببير بورديو بعد وقت قصير بأنها " المدافعة المتحمسة عن الاستئصاليين " كانت في الواقع في صلب الجهاز الإعلامي ، البوليسي الذي أنشأته الطغمة الحاكمة الجزائرية لتخفي عملية تصفية جسدية لمعارضيها السياسيين

والذي كانت (عملية الكوندور) لعسكريي أمريكا الجنوبية في السبعينيات لتبدو باهتة جدا بالمقارنة به أمام التاريخ ، منذ ذلك الحين توضحت نسبة انخراط خالدة مسعودي بخدمة كل من حقوق المرأة وامتيازات أشباه بينوشيه الجزائريين باعتبار أن الخدمات المقدمة لهؤلاء منحتها عام (2002م) منصب الوزارة ؛

وقبل تسميتها بقليل بينما كانت تحاول الانضمام إلى متظاهرين في منطقة القبائل طردوها هاتفين بوجههها " خالدة لوينسكي " ليظهروا أنهم كانوا عارفين بطبيعة علاقاتها بالسلطة .

هذا لا يهم فالبرنامج الأساس لقناة القطاع العام التلفزيونية الذي ستنجو نحوه في السنوات التالية عدة أمسيات ذات موضوع موحد لنظيرتها الفرنسية الألمانية (آرتيه) حاشدة كتابا وفنانين جزائريين وفرنسيين كان اسمه مع ذلك (ساعة الحقيقة) لا تعتدي هذه التحليلات الكاذبة على مصداقية الإنتاج الثقافي فحسب .

إذ أنها لفرط عرضها إعلاميا تغذي الآلية الرهيبة " للكهنات الشخصية " أكاذيب فعلية وطرق مختصرة تحليلية لا تكتفي بخداع مستمعها الغربي الذي تتوجه إليه ، إنها تساهم أيضا في تطرف (راديكالية) هؤلاء الذين تبذل جهدا في تجريمهم ، مشوهة سلفا كل موقف اعتدال في صفوفهم (أو في صفوف منافسيهم)

وعندما تغلق الحلقة حتما، يستطع المبشرون بالأسوأ ، أمام العنف الذي ساهموا في صنعه ، أن يشعروا بالنصر وهم يشهدون تحقق اتهاماتهم "التكهنية" الأكثر كذبا واختزالا .

تظهر (ساعة الحقيقة) التاريخية للقناة الفرنسية أسوأ ما يمكن أن ينتجه الاتحاد بين فئتي وسطاء تشكّل معرفتنا بالآخر الرئيستين : يقابل "المثقفين السلبيين" اعوجادج الشريحة الواسعة من هؤلاء الذين يمكن عدهم نظراء لهم في عالم الآخر المسلم وكناقلي شكل ثان من انحراف الوساطة الثقافية (المثقفون الستار) .

من المثقفين السلبيين إلى المثقفين الستار

لحسن الحظ لم يكتب تاريخ الثورة الفرنسية على أساس مذكرات الارستقراطيين " المهاجرين " وحدها ولو كان الأمر كذلك رغم قيمة شهادتهم لكان تأويل ثمار " الإرهاب " الوطني السياسية مختلفا

حارما أجيالا من المجددين من امتياز تبين خيوط النور تحت طوفان دم النخب الملكية المخلوعة ، بصدد ثورة أو فقط ديناميكية تخرج فاعلين " إسلاميين " (حتى وإن كانت أقل عنفا من الثورة الجمهورية الفرنسية) لا يبدو أى حذر من هذا النوع مفيدا

وبالتالي فإن أحد أكثر الإجراءات فعالية من أجل إفساد كل إدراك واع للائحة الإسلاميين السياسية يتألف من ألا نعهد بتحليله أو حتى عرضه إلا إلى أشد خصومه شراسة

وهذا ما تفعله غالبا وسائط الإعلام الغربية ، موظفة في معسكر "الآخر" المسلم كل هؤلاء المستعدين لأسباب مختلفة قد تكون أحيانا مشروعة تماما لتقوية المخاوف والأوهام معارضون محترمون للغاية .. أو دمي صنعت للمناسبة ليس للجميع نفس الدوافع لكن لجميعهم وخصوصا جميعهن نفس الفعالية المخيفة .

المصابون بداء الإسلام

أقر أن برنارد لويس أو برنار – هنرى ليقي المسلمون المصابون بداء الإسلام يؤيدون بدرجة أو أخرى الفرضية الوجودية التي أحاول عبر هذا الكتاب أن أظهر هشاشتها:

للإعتداءات التي أعدّها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أسباب مشاركة في الجوهر لتاريخ المسلمين وثقافتهم وفي النتيجة المتوقعة لانحراف يجب البحث عن أصوله ليس فقط في الطبيعة الأصلية لعلاقتهم بمعتقدهم ولكن حتى في صلب هذا الأخير

ومن دون أن تنكر أنه ما زال بالإمكان إحراز تقدم في ميدان الاعتراف بـ " الآخر " غير المسلم في المجتمعات ذات الثقافة الإسلامية، أميل من جهتى إلى التفكير بأن هذا العنف كان يمكنه أن يعبر عن نفسه تماما بلغة مستعارة من مرجعيات أخرى " كالقومية "العلمانية" أو الشيوعية بصورها المتعددة ، بالقومية ، الاشتراكية أو "معتقدات" أخري دينية كانت أم دنيوية تماما

قديمة أو حديثة لقد منح بابا الأقباط ، شنودة الثالث ، وسلطات مسيحية شرقية أخري ضمانتهم "الدينية" للعمليات الانتحارية لليائسين من السياسة الإسرائيلية إن استخدام العنف (وبالأحرى العنف المضاد)

بما في ذلك عندما يكون مسوغا برؤية تصنيفية للعالم مبسطة ، أو حتى عنصرية ، ليس بأى شكل على صعيد القرن المنصرم ، كما على صعيد القرون السابقة وفقا على واحدة من الديانات أو واحدة من الثقافات .

ويتداخل تأكيد الجيل الإسلامي المعاصر بشكل منطقي جدا مع مصالح مكونات أخري من المشهد الفكري أو السياسي العربي والمسلم ، سوءا كانوا معارضين للبعض ، حلفاء مباشرين أو غير مباشرين للأنظمة بنظر آخرين باقين على علاقة وثيقة بمجتمعهم أو على العكس ، منفيين منذ زمن طويل (ما لا يمنعهم أبدا من ... أن يعلموا)

للمثقفين – الستار "صفة واحدة مشتركة" أن خطابهم يروق للأذن الغربية أكثر من خطاب متحديهم الإسلاميين ، من ذلك هم يحصلون ليس على حصتهم المشروعة ، ولكن على احتكار شبه تام لتمثيل مجتمعاتهم والديناميكيات السياسية التي هم ضحيتها بطريقة أو بأخرى

إن شرعية المخبر ابن البلد الأصلي هي أشد قوة بقدر ما تزين قوة اسم عائلته تحليلاته بنكهة محلية تكفى غالبا لاعتبارها حجة وبالعكس ، خطاب أكثر تباينا آت من شخص يحمل اسم عائلة غريبا يثير الشك فورا بأنه متساهل أو حتى متواطئ مع "الأصوليين"

وهكذا أصبحت المعايير التي تسمح للخبراء "أبناء البلد" في العالم الإسلامي بالوصول إلى المحيط الإعلامي بسيطة بوضوح : فهي لا تتعلق بأى معرفة موضوعية بقدر ما تتعلق بالإمكانية التي تتيحها أو لا تتيحها للمستهلكين الغربيين للإشتراك في التنديد بالشيطان "الإسلامي"

غير وارد بعد ذلك أن يدقق المرء كثيرا في هويتهم السياسية ومدى تمثيل رؤيتهم للأشياء ضمن مجتمعاتهم وحتى في عدد من الحالات في هويتهم الشخصية للكلام عن العروبة فضلوا طويلا في باريس صوت الناشطين من أجل البربرية فقط

وللكلام عن الإسلام السياسي يرحب اليوم خصوصا بالمسيحيين أو الملحدين ويحدث أن يتبني أكثر اليسار معاداة للإكليروس فرضيات أقصى اليمين المسيحي العربي؛

حتى عندما يكون هذا في حالة لبنان قد خرج للتو من انحرافه الكتائبي المضطرب ، من جهته يستطيع اليمين الفرنسي أن يكون آراءه اعتمادا على فرضيات اليسار المغربي ، بما فيها الجزء الستاليني والمرة الواحدة لا تخلق عادة .

المتأسلمون الملتحقون مؤخرا

من أجل تفسير هزيمتها المزدوجة أمام الإسلاميين والأنظمة الإستبدادية تحاول اليوم غالبا أقسام مختلفة من اليسار العربي فرض تفسيرات أكثر تثمينا بدلا من أن تكون مقنعة حقا لأسباب تهميشها

تعلق ذلك عموما على الدعم غير الحذر الذي تقدمه الأنظمة الاستبدادية "العلمانية" التي كانت تحاربها لمنافسيها الإسلاميين غير أن الخيارات الفكرية والسياسية لممثلي اليسار هؤلاء وورثتهم قد تكون مختلفة جدا إزاء الإسلاميين قسم كبير منهم رجح النضال ضد استبدادية الأنظمة

وبالتالي يجازف هؤلاء بشكل مزدوج بالتعرض إلى القمع في بلادهم وإلى نبذ وسائط الإعلام الغربية ويبحثون غالبا عن جسور التواصل الإيديولوجي والسياسي مع المعسكر الإسلامي ويساهمون بصورة فعالة في إقامة التواصل بين الجبلين السياسيين في الندوات التي يقبل فيها بشكل متزايد "فتية إسلاميون" و"كهول قوميون" بأن يجلسوا جنبا إلى جنب .

وآخرون أقل عددا ولكن أكثر ظهورا اختاروا ترجيح النضال "ضد الأصولية" وهم يحصدون ثمار معركتهم إما في الميدان السياسي الوطني في خدمة الأنظمة التي كانوا قد قاتلوها ، أو في الخارج ، في التواصل والخبرة التي يطلبها الجمهور الغربي

وهكذا جازف عدد كبير من أعضاء (حزب الطليعة الاشتراكي الجزائري) السابق ، وهو شيوعي وقسم من الطبقة المثقفة العلمانية التونسية (ومنهم وجوه بارزة في (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) بالمراهنة على الانضمام إلى الأنظمة الاستبدادية التي قاتلوها مدة من الزمن .

بين هؤلاء اليساريين المحبطين التحق بعضهم أيضا متأخرين لغابات إعلامية بنوع من " التأسلم " محولين نضالهم ضد التحدي الإسلامي داخل الساحة الدينية ، وأمام مستعمين أوروبيين مقتنعين بكل هذا "الوضوح" يدافعون هكذا عن "النسخة" المصاغة غالبا في وقت متأخر " للإسلام" ، التي يرون أنها ، بعد خلط كل الاتجاهات يجب أن تعرّى ضياع الجيل الإسلامي بأكمله

إن تناقض مثل هذا الوضع ليس فقط في أنه لا يختلف على صعيد الجوهرية ، عن وضع منافسي اليسار " الدينيين " مثل هذا التحويل للنضال " ضد الإسلاميين " داخل الساحة الدينية يشهد خصوصا

وإن كان من دون علم المتغنين به ، على حقيقة عمق سياق إعادة الأسلمة الذي يرغب هؤلاء في إنكاره أو الحط من شأنه من دون أن يدركوا إلى أى درجة انخرطوا فيه تماما هم بالذات ، في السوق الإعلامي الغربي لا جدال في أن هذه الخطابات تلقي إصغاء لا حد له متناسبا عكسا في الواقع مع ذلك الذي تلقاه في مجتمعات الجنوب التي يفترض أنها صنعت لمصلحتها .

في كل الأحوال إذا تحدثنا عن الأغلبية يرحب بشكل خاص بالأقليات المتمردة أو المهمشة غداة اغتيال المغني البربري الجزائري ما توب لونيس في حزيران عام (1998م)

أظهر جاك شيراك جيدا هذا الخطأ، لكي ينعي وفاة ذاك الذي قاده تمرده المزدوج إلى التصريح بأنه لم يكن "عربيا ولا مسلما" ألم بصرح رئيس الدولة قائلا : ما توب لونيس كان صوت الجزائر !.

فترة أحمد شليي (زعيم مجموعة صغيرة من المعارضة العراقية في المنفي و مستشار الرئيس بوش خلال الحملة على بغداد بعد عام (2001م) والطريقة التي تقول الإدارة الأميركية أنها تركت نفسها تنساق بها

دونما معارضة كبيرة في الحقيقة للنصائح المخادعة لهذا المخبر ابن البلد الأصلي ، هل كانت كافية لكشف خطر عدم الاعتماد في تشكيل معرفتنا العالم فقط على هؤلاء الذين يقوّون قناعاتنا ؟

يمكن الشك بذلك بكل أسف : منظمات مدنية غير موثوق بها أو جمعيات ألعوبة ضخمها الإعلام بصورة مصطنعة فقط لموهبتها في منح كفالة من الداخل لانتقاد ذاك " الذي لا يريد أن يشرب كأسه مثل الآخرين (التي تحفظ لها المقابلات المفخخة في استديوهات مختلة بعناية " معدة قبلا أو " مركبة بعد ذلك) تتابع مهمتها " الإعلامية " المخادعة .

التعريف الإعلامي المنهجي بنشطاء ستارات من كل نوع مختارين لموهبتهم في فضح أمراض الآخر المسلم يزيد بذلك من كثافة ضباب اللاعقلانية والخوف من دون مفاجأة يتزلق الرأي العام الغربي نحو مزيد من الراديكالية في إدراك موقف معقد راديكالية معاكسة حتما .

غطرسة القوة والإصلاحات المفروضة أوهام الرد الغربي على الإسلام السياسي

لا تحل السلام في المنطقة بإصلاح الخطاب الديني ، ولكن بإحلال السلام في المنطقة تصلح الخطاب الديني (زعماء إسلاميون سعوديون 2005م) .

لا مجال للمقارنة بين إرهاب أناس يعملون سرا وإرهاب دولة تملك أسلحة ثقيلة ، وكما أن هناك تفاوتا بين الأسلحة هناك تفاوت بين الإرهابيين هل يجب على الفظاعة والاستنكار أمام ضحايا مدنيون قتلتهم قنبلة بشرية أن يزولا عندها يكون هؤلاء الضحايا فلسطينيين والقنبلة لا إنسانية ؟ (إدغار موران ، سامي ناير ، دانييل سنالناف 2002 م)

وإذا (....) بصورة أكثر تعميما ، في قلب مجتمعاتنا العلمانية ، والديمقراطية والتعددية (...) نمت تقليدية هائلة للفكر الصحيح ؟ وإذا حلت سيطرة تلازم مع المحيط رهيبة محل سيطرة الأمس الإكليروسية ؟

سيطرة يرغم فيها كل شخص اجتمايعا على التقولب ضمن شكل فكر اصطلاحي لا يترك سوى حرية محتوى وهمية حلاوة شمولية ذات مركز متطرف (جان بوبيرو . 2005م) إذا كان شارون رجل سلام بنظر بوش إذن نحن أيضا رجال سلام (مسئول من القاعدة ، 2002م)

كان الرد على التحديات التي فرضتها اعتداءات (11) أيلول على العالم الغربي يتطلب فحصا مضاعفا متنبها وحذرا لبرنامج "المعتدين السياسي" من جهة ولبرنامج معسكر "المعتدى عليهم" أيضا من جهة أخرى ، كان من المهم معرفة الدوافع التي شرعت مثل هذا العنف ، "في عيون أعدائنا "

كان من المناسب أيضا معرفة إذا ما كان جميع هؤلاء القوة العظمي الأميركية والقوة المتوسطة الأوروبية ، والدولة العبرية المحمية بشكل فائق والأنظمة الاستبدادية العربية التي هي في الجهة الأفضل في علاقة الهيمنة لهم علاقة بهذا الانتصار المذهل لمنطق المجابهة

ولكن على الصعيد السياسي في الحقيقة ليس هناك مع ذلك مكان لا للفحص المدرك لبواعث المعتدى ولا للاستيطان الواقعي لحصة معسكر المعتدي عليهم الممكنة من المسؤولية .

في البدء سلك " رد الديمقراطيات " في الجوهر الطرق المختصرة للجوء ضخم للقوة الفرطة العسكرية والأمنية ، وبالتوازي مع لغة القوة ، انتشرت إستراتيجية اتصالات حول محورين كبيرين انبثق الأول من التشريع البسيط للجوء إلى التأثير المدمر وغير المميز للقنابل الضخمة المسمّاة (ديزي كنر) المستعملة في أفغانستان

وامتد الثاني بصورة موازية على سجل ثقافي وتعليمي أكثر دقة ، وهو يهدف حتى اليوم إلى أن يقدم في "الشرق الأوسط الكبير" وهو مفهوم جديد جرئ للإدارة الأميؤكية لتسمية الجزء من العالم الإسلامي الواقع بين المغرب وأفغانستان "انفتاحات مجددة "

سياسية وثقافية في الوقت نفسه لا يستطيع كل واحد إلا أن يهنئ نفسه بها مسبقا إلا أن الفحص الدقيق للخطوة التي بدأتها واشنطن وضمنتها في الجوهر أوروبا يكشف حدودها بسرعة فائقة هنا أيضا ترجح كفة أحادية الجانب الأكثر خبثا ، الآخر وهو فقط المدعو إلى أن يتغير تاركا اختلال توازن التوزيع العالمي للموارد بمعزل عن أى تفكير ناقد .

سجن الأخر في الديني لإتمام إبعاده عن السياسي

كان عنف اعتداءات (11) أيلول واتساع مداها المذهل كافيين لتشريع الحملة الجوية التي أطلقت منذ تشرين الأول (2001 م) ضد أفغانستان الطالبان المهد المدافع عن شبكات أسامة بن لادن ، أمام الرأي العام العالمي ، خليط من المذابح الجماعية المباشرة أو بواسطة زعماء حرب أفغان وسطاء

ومع ذلك لم يسمح هذا الرد الأميركي الأول بالتحقق من أن الأهداف البشرية المقصوفة بالقنابل كانت هي فعلا صانعي اعتداءات (11) أيلول أو شركاءهم المباشرين أو غير المباشرين ، على كل حال استطاع أهم زعماء القاعدة وطالبان وقسم أساس من جماعاتهم الإفلات من أولي جولات المواجهة .

بعد ذلك أصبحت الحملة الأرضية الأفغانية ثم تنمية الرد العسكري الذي لن تعرف تجاوزاته الرئيسة إلا بعد ذلك بزمن طويل أسوأ بكثير من أسوأ ما كان يمكن لوم من تستهدفهم عليه

والمصير الذي لاقاه رسميا أسري الحرب الشاملة ضد الإرهاب قفز بقوانين الحرب قفزة شنيعة إلى الوراء : لقد استثنوا من مجال تطبيق اتفاقيات جنيف بالوصفة السحرية لمنطق الأقوى وأخضعوا بصورة منهجية للإذلال الجنسي أو التعذيب حسب تعليمات رسمية من البنتاغون على أيدي جلادين خاصين أو نقلوا واختفت آثارهم في بلاد غيب فيها القانون

إن إدارة بوش ومعسكر المحافظين الجدد الذين كان نزوعهم إلى اللجوء إلى استخدام القوة المفرط يقترب بصورة خاصة من ميل الجهاديين الذين كانوا يحاربونهم أعطت منذ ذلك الحين . بمفهوم "إرسال الخصم إلى غونتنامو" نوعا من الاقتراب الغربي من مفهوم التكفير "الإسلامي" .

إن المعاملة في أماكن الاعتقال الأفغانية أولا ، ثم في جزيرة كوبا وفي عدة أماكن اعتقال ظلت سرية إلى يومنا هذا كما تظهره كل الدلائل تشبه إلى درجة الالتباس الطرق المنسوبة إلى المدافعين عن هذه الإيديولوجية المخيفة " التكفير " المعادل تقريبا للحرمان في التشريعات السماوية ، يتألف في الواقع من تجريد المرء خصمه من صفته كعضو من المجموعة واعتقاده

بالتالي أنه يملك الحق في حرمانه من كل الحقوق والحمايات والضمانات الملازمة لهذا الانتماء ، هذا الإجراء الذي كان الغرب يظن أنه قد خلّص منه جزءا كبيرا من العالم " المتحضر " بفضل التنوير

يبدو أنه وجد له أتباعا جددا وخصوصا في ما وراء الأطلسي ، لم يخدع بعض العسكريين الأميركيين به وانتابهم الخوف عندما أدركوا أن هذه القواعد الجديدة أو معاملة الآخر بعد هذه السابقة يمكن أن تطبق ذات يوم عليهم أو على أبنائهم وبناتهم.

ثم تركزت حملة اتصالات الإدارة الأميركية ، مدعومة " بأدلة " ألقي بها في الوجه كحقائق دامغة من قبل خبراء الإعلام الواسع ، على تجريد سلوك الخصم من كل منطق وحتى من كل ترابط سياسي

وإذا كان السؤال : لماذا يكرهوننا ؟ قد طرح أحيانا بهذه العبارات فهو لم يؤخذ أبدا في الحسبان كما هو في أعلي مستويات الحكومة الأميركية ونادرا جدا في أوربا بكل الجلاء الذي يستحقه على العكس فقد احتشدت اتصالات الإدارة الأميركية وأتباعها الأوروبيين لتتدارك أى فحص عقلاني للأسباب الدنيوية لعنف المعتدين " الديني "

كانت الإجابة عن هذا السؤال في معظمها معروفة من دون شك لأصحاب القرار الأميركيين المتورطين خصوصا في النهب المشترك للموارد السعودية (بأنفسهم وبالاشتراك مع الأمراء الذين يحمونهم)

وفي المناورات الكبيرة الدبلوماسية والعسكرية الإقليمية الهادفة إلى الحفاظ على إيقاع وفعالية مثل هذا المشروع ، بالمقابل بالنسبة لمجموعة من تصبوا أنفسهم أخصائيين في الإرهاب " الإسلامي " هكذا اشتهر ابن لادن ، وبلهجة حاسمة بأن

لا حاجة به إلى فلسطين، وإلى الجزائر، أو العراق:الأمر الذي يظهر جيدا أنه لم يكن يحقد إذن ،هو وجميع أتباعه سوى على ديمقراطيتنا وحرياتنا وقيمنا هكذا خلص كل هؤلاء الذين كانت تعزيهم " حقيقة " مريحة بهذا القدر

فقط المهتمون بالإنترنت الفضوليون أو العدد القليل جدا من هؤلاء الذين ، في الغرب يصلون إلى أخبار بعض القنوات الفضائية العربية استطاعوا إدراك حجم الهوة المخيفة التي تشكلت بين التصورات الغربية وتصورات العالم العربي .

تمت مواراة فحص البرنامج السياسي " لمعسكر المعتدين " أساسا عبر ما يمكن أن نسميه " فرط أدلجة " مطالبه وتمكن مداحو الخطاب الرسمي سريعا جدا من فرض تحليل بسيط بقدر ما هو مطمئن : إذا كانوا يكرهوننا

فذلك لأنهم "أصوليون" ضحايا تعصبهم "ضد الغرب" أو "ضد أمريكا" (بما أنهم يهاجمون الغرب والولايات المتحدة) أو تعصبهم " ضد السامية " (بما أنهم يهاجمون الدولة العبرية)

إن لعبة المراوغة البلاغية تتكون من سجن المعتدى ضمن انتمائه الديني فقط لمنعه من بلوغ سجل السياسي لنستطيع " بصورة مشروعة " تجاهل المطالب الدنيوية يكفي تجريم إغراب المفردات المستخدمة في التعبير عنها

وهكذا تكون المطالب " الإسلامية " حبيسة نوع من " الخروج من لعبة " السياسة يمنع ليس فقط أخذها في الاعتبار ، إنما غالبا الاعتراف حتى بوجودها .

إن الميل الجماعي لرسامي الكاريكاتير ، وكتاب افتتاحيات الصحف ووكالات الصحافة والإذاعة والتلفزيون وقسم لا بأس به من الساحة الأكاديمية إلى عدم إبراز سوى البعد الديني للبلاغات بدلا من جوهرها السياسي بسهم في حسن سير هذا الأمر ، من دون وعي

ولكن أيضا بكامل الوعي أحيانا ، تفرط المعالجة الإعلامية في تحديد وتجريم هذا الإغراب المفرداتي الذي تغدو له قيمة دليل على عدم شرعية مستخدمة وبعيدا عن مقتضيات العلوم الاجتماعية (التي تفرض البحث في تاريخ النشطاء عن المعني الصحيح للعلامات التي يستخدمونها)

تمتنع المقاربة السائدة عن إقامة أى معبر دلالي أو تحليلي بين "المعسكرين" المتقابلين " وكل محاولة في هذا الاتجاه توصف حتما بأنها " مفهوم " مدان " و" انجذاب " خطير إلى الموضوع الإسلامي

وحتى " تواطؤ موضوعي " مع العدو كما لو أن الرهان لم يكن على فهم أفضل للدوافع العميقة للاعتداءات المعادية للغرب من أجل محاولة وضع حد لها ولكنه على العكس كان على تغذيتها من أجل تسويغ أفضل لحالة هيمنة وبدلا من تفكيك انعدام التواصل التبادل من أجل تجاوزه يبدو الهدف توثيقه وتقويته على العكس .

والنتيجة هي أن القارئ الذي يواجه خوفه المشروع من " القاعدة " لديه فرص ضيئلة في أن يدرك أن جهاد " المعتدين عليه " ربما كان له ما يعادله في الميل المؤكد لجورج بوش ولكل هؤلاء الذين لا يعارضون مشاريعه إلى الطريق المختصر للقوة المفرطة أو أن " تكفيرهم " الغريب له ربما له هو أيضا أتباع بين مبتكري وضع أسر الحرب في غونتنامو .

لا مجال كذلك لأن يستطيع أن يتصور أن أمة البرابرة هذه يمكن أن يكون لديها شئ مشترك مع أى من الانتماءات الجماعية عبر العالم التي يمكن لمخلوق طبيعي التكوين أن يشعر برغبة في الانتماء إليها صحيح أن المرء عندما يقترح عليه كدليل للقراءة

وأساس تفسير أن أتباع أمة غربية هؤلاء يعرضون هذه الأخيرة فوق ذلك لخطر الفتنة ، لهو من دون شك أمر " مطمئن " أكثر ولكن ليس بالضرورة أكثر إيضاحا من التذكير بأمر ضخم بقدر ما هو مبتذل مجتمعات العالم الإسلامي المؤلفة بكاملها من كائنات بشرية

لا تشذ عن القاعدة العامة التي تقول إن الانشطار السياسي هو المحرك لديناميكيات التاريخ ، لا يساعد مثل هذا النسيان حتما على وعي ما هو ربما قلب المشكلة أى : الألف طريقة وطريقة التي لدي " المعسكر الغربي " ليكون متورطا بشكل مباشر جدا من دون أن يشاء الاعتراف بذلك في معظم هذه التوترات .

ولا تعود هذه الإستراتيجية إلى الرد على اعتداءات (11) أيلول كانت قد صقلتها كثيرا الحرب الأهلية الطويلة التي نشأت من إلغاء الانتخابات التشريعية الجزائرية في كانون الثاني عام (1992م)

وتبع تجريم المقاومة الفلسطينية منذ أن بدأت تتطابق في قسم منها مع الجيل الإسلامي نفس الأسلوب وكاد فلاديمير بوتين نفسه يتفوق في عمله من أجل إسقاط مجموع المقاومة الشيشانية .

الرد الأميركي يساعده شبه احتكار إعلامي ، لم يجد إذن صعوبة في أن يسمح خارج الجدل العام أدني تقويم ، أو حتى فقط ذكر عقلاني لمطالب المعسكر " الخصم " لم تكن المعرفة المتورخة لثقافة الآخر " الإسلامي " ودينه هي فقط التي أخفيت أو مسخت بهذا الشكل

ولكن ، ببساطة أكثر ، حقيقة الاعتراضات التي يمكن أن تكون لديه علينا ، وهكذا يتم الإسقاط " الوقائي " للمقاومات ضد سوء عمل الأنظمة والسلطات السياسية الذي هو أساس تسلط أقوياء السياسة العالمية .

من جهة الإدارة الأميركية ، وكانت وقتها بيد الديمقراطيين كشفت أولي هجمات القاعدة إلى أى درجة كانت إستراتيجية الصمم والنعامة التي تتكون من حرمان الخصم من بلوغ ميدان المطالبة السياسية قد أقيمت بشكل متين في تشرين الأول عام (2000م)

أى : قبل عام من الاعتداءات على منهاتن وواشنطن ، أدت عملية انتحارية إلى تخريب كبير للمدمرة الأميركية (Us Cole) الراسية في ميناء عدن ، وقتل سبعة عشر من بحارتها .

في عيون الآلاف من سكان الشرق الأوسط (ولكن أيضا لدى العديدين في أجزاء أخرى من العالم) من كل الطوائف وكل الانتماءات السياسية أدي "عمل حربي" إلى وفاة عدة جنود بالتأكيد

لكن هذا العمل الحربي كان يستهدف سفينة حربية ، محشوة بالأسلحة المتطورة متوجهة إلى سواحل العراق حيث لم تكن تتأهب لإجراء مناورات ولكن لتأخذ دورها في القيام " بضربات إستراتيجية " وحصار مسئول عن الاختناق الاقتصادي الرهيب لبلد مضعف أصلا ، كان هؤلاء " الشبان "

إذن فعلا قد شرعوا في شن حرب ستبقي دائما عملا إجراميا بصورة خاصة ، بما أنها ، كما استطعنا التحقق فيما بعد ، من دون أن تحقق أقل فعالية لأهدافها المعلنة (سقوط صدام حسين أو تدمير أسلحة الدمار الشامل لديه)

كانت تقود جيلا كاملا من الأطفال العراقيين إلى الإفقار والتجهيل وإلى موت عشرات الآلاف منهم ، ناهيك عن مئات الآلاف من آبائهم .

غير مهم ! لم تدع كلمات بيل كلينتون في مأتم البحارة أدني مجال للشك ، أو الريبة ، أو تفكير حبال السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة : من دون انتظار ذريعة (11) أيلول ، كان قد أحكم بشدة الطريق المسدود المخجل لتواصل مختزل إلى مرتبة حوار الطرشان

كان الجنود الذين ماتوا في عدن بنظره " مرتبطين بنفس الالتزام بخدمة الحرية التي لن تكف أمريكا عن الكفاح من أجلها " :من جهة المعتدين لم يكن بالإمكان إذن سوى أن يكون الأمر " غيرة " من قيم البحارة الشبان ، الذين أتوا من كل ثقافات وعاء الصهر الأميركي ، الشر المطلق ، الآتي لا نعلم من أى انحراف أو أى انحدار للطبيعة البشرية هاجم الفضيلة من جديد !

والخلاصة ندد الرئيس إذن بالشعار الذي لا يغتفر والذي وسم به " المعتدين الأصوليين " على الشبان الأميركيين " الشغوفين بالحرية " لقد هتف قائلا : لدي هؤلاء الناس إنها طريقتنا في رؤية الأمور أو لا شئ بعد بضعة أشهر تقريبا باسم عبارة مبسطة بنفس الشكل المرعب

(يجب أن يكون المرء " إما معنا " أو ضدنا ") أطلق سلفه العالم الغربي على الدروب الخطرة للحرب الكبيرة على الإرهاب التي تاه فيها اليوم .

أوهام النزعة الثقافية أو تغيير الآخر .. هو فقط

بالتوازي مع الطرق المختصرة للقوة المفرطة وحملة تجريم الخصم الإيديولوجية احتشد الرد الأميركي حول محور إيديولوجي كذلك ، بدا بالاستقصاء من أنه يعمل بنفس الشكل أحادي الجانب

ثم اتباع الإدارة الأميركية من دون تحفظ تقريبا في هذا التناول الثقافي لأزمة العلاقات مع العالم الإسلامي وشجبها شركاؤها الأوروبيون جزئيا على الأقل على الصعيد العسكري ، ويستند وهم مخرج " تثقيفي " للتوترات مع الآخر ، الشائع بقدر ما هو مربح على الصعيد الثقافي إلى مسلمة بسيطة للغاية

بعد جعل التفسير الثقافي لأصل المقاومات قابلا للتصديق لم يبق سوى امتداح حل " تثقيفي " للوقاية منها ويكمن الحل في مساعدة المعتدين على " إصلاح ثقافتهم " لردعهم عن أى ميل للمعارضة .

تكمن هشاشة هذه المقاربة ، ثانية في أنها اصطفائية بشكل يثير الفضول وأنها تشجع بالتالي قراءة أحادية الجانب جدا لأصل اضطراب الكرة الأرضية ، التغيير "والانفتاح" يعتيان بالطبع هؤلاء الذين يقاومون اضطراب النظام العالمي أكثر مما يعنيان المستفيدين من ذلك النظام .

اللغة الأميركية المنمقة عن (الشرق الأوسط الكبير) حتى وإن كانت تذكر بشكل مكرر ضرورة حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني تمتنع غالبا عن تحديد نوعين من الإصلاح هما ، مع ذلك من دون شك ، الأكثر إلحاحا ، الأول هو إصلاح الأجهزة المؤسستية التي تدير النظام العالمي

أى : أحادية الجانب الأميركية والضعف الذي تحصر به الأمم المتحدة وخصوصا في الصراع العربي - الإسرائيلي ، والثاني إصلاح الأنظمة ، وخصوصا العربية التي مقابل التوقيع لها على بياض بشأن الحكم اللاديمقراطي اتخذت جانب الحذر بخضوعها لهذا " النظام "

بالمقابل وبإلحاح أكبر بكثير يطلب من هؤلاء الذين يقاومون أو يعترضون أن " ينفتحوا " على العالم ، وأن " يحاوروا " وأن " يتبدلوا " ضمن هذا المنطق ، هل أنت واثق من أنك لا تريد الحوار مع حضارتي "؟ يعني هل أنت واثق من أنك لا تريد أن تتحالف مع نظامي ؟

أو: هل أنت حقا مصمم على الاعتراض على اختلاله ؟ ألا تريد أن تصبح ديمقراطيا ؟ يجب ترجمته إلى : هل أنت أكيد أنك لا تريد تغيير هذا النظام الشديد العداء لى إلى آخر يكون ، باسم الديمقراطية أقل عدائية ؟

فقط للآخر ، ونادرا إلى أنفسهم أو إلى حلفائهم الذين يخدمونهم بمجد أسياد الحرب الشاملة ضد الإرهاب متطلبات الإصلاح السياسي " ثقافة التغيير " التي شجعتها الندوات والمؤتمرات عبر العواصم الغربية أو العربية في بداية هذا القرن يجب قراءتها كأمر يهدف إلى تشجيع ثقافة التغيير .. من المعارضين إلى الحلفاء ، وتوجه الأوامر " بالتغيير " بالطبع إلى الديكتاتوريات المتمردة أكثر مما توجه إلى تلك التي أذعنت .

بالطبع يتم طلب " مزيد من الديمقراطية " إلى الجزائر أو تونس بإلحاح أقل بكثير مما يتم إلى طهران أو ما قاموا به تجاه سيّد بغداد قبل أن تخطر بباله الفكرة الانتحارية بالاستيلاء على حقول النفط الكويتية .

لعلى الصعيد الأوروبي ، هناك مؤيدون مقتنعون بسياسة تربية النشطاء المسلمين الإصطفائية جدا هذه ، برأيهم أنه يكفي بصورة ما أن يقرر المسلمون القيام بقراءة جديدة لقرآتهم

أو أيضا أن يبقوا بعيدين عنه بمسافة أفضل ، وأن يكملوا نوعا ما تحولهم التحديثي ليتم امتصاص أعماق مشاعر الفلسطينيين والعراقيين أو الجزائريين ، تجاهنا ، وعلينا طبعا مساعدتهم في ذلك ، بأن نثبت في أذهانهم الطريقة الصحيحة لقراءة كتابهم المقدس

لقد هيئت أدوات هذه السياسة الثقافية ذات الأفكار المبطنة الخطيرة منذ زمن بعيد ، وهي تمتد من هذه المؤتمرات ذات الأفكار النيرة حيث يتبادل التهنئة أنصار نفس المعسكر " العلماني " وحدهم

وحتى أقل أفلام يوسف شاهين إيحاء المصورة بآلة التصوير السينمائية 105 ملم والتي لا تتردد الجمهورية الفرنسية في الاشتراك بإنتاجها مع وزير الثقافة المصري وغيرها ومرة لا تشكل عادة .

هل تكفي هذه الوصفات السحرية الثابتة للانتهاء من " الأصولية " وإرهاب " القاعدة " والانتحاريين الفلسطينيين ، ولم لا للإنهاء من حرائق السيارات في الضواحي ؟

مثل هذا المنظور مخادع تماما ، تحتاج ديناميكية التحديث الثقافي ، في العالم الإسلامي كما في أى مكان آخر ، إلى مناخ محلي وإقليمي من الليبرالية السياسية ، لا يمكن أن يحدث أى تطور للفكر إلا في سياق متحرر من الاستبداديات المحلية والضغوط الإقليمية التي تغذي المواقف الارتكاسية وتمنحها مصداقية

غير أن التناقض كله يأتي تحديدا من كون الغرب يساهم في تقوية هذه الراديكالية التي يدعي أنه يحاربها لدى الآخر ، بشكل مباشر (بقصف القنابل البريطانية أو الأميركية) أو غير مباشر (بدعم أعمي لمغامرات آرييل شارون أو أمثال بينوشيه العرب)

إن " المرض " الثقافي الظاهر " للإسلام " هو نتاج وليس سببا لهذه الدارة المعيبة السياسية جدا التي سجن فيها العالم الإسلامي والتي لا يهتم الغرب البتة بمساعدته فعلا على الخروج منها .

في (27 نيسان عام 2004م) قبل بسط ، بلا أدني حياء أكثر السجادات الحمراء سماكة تحت قدمي معمر القذافي في بروكسل ، هل اهتم الاتحاد الأوروبي أدني اهتمام بوضع الديمقراطية لدي أحد أكثر أنظمة المتوسط استبدادية ؟... حتما لا .

في الأكثر ، لقد تحقق من أن هذا النظام ، المدجن حسب الأصول ، لم تعد لديه وسائل إلحاق الأذى بالنظام العالمي ، بما في ذلك مصالحنا الاقتصادية ، وستضخ ليبيا النفط بكميات أكبر ، ستساعدنا في سد الطريق أمام المهاجرين الأفارقة التواقين إلى العبور إلى أوربا ، ماذا نطلب منها بعد ذلك أكثر ؟..

في بلاغة التغيير " الديمقراطي " المنمقة ، يتعلق الأمر " باعوجاج " المعارضين وسائر المقاومين ويخصهم وحدهم ، إن تربيتهم وثقافتهم ، " الإسلامية " بشكل خطر أى : " المتمردة " هي التي يجب إصلاحها

وبالمقابل الذي لا يجب أن " يتغير " على وجه التحديد الذي يجب الحفاظ عليه تحديدا بأى ثمن هو ميزان القوى الذي يسمح لهيمنة أقوياء السياسة صغارا وكبارا ، أن يدوموا ، هل سيظل عالم (الآخر) يحنج أكثر فأكثر على أحادية الجانب لهذه المعاملة ؟ لقد قلنا لكم ذلك ! إذن الأمر عاجل : يجب " تغييرها " .

خاتمة ضد الإرهاب:هل هناك سلاح مطلق ؟

التحريم في وسائط الإعلام أو من الدوائر الغربية ، لكل تعبير احتجاجي أو معارض آت من " الجنوب " حالما يستخدم أصحابه مفردات الثقافة الإسلامية ، هو لليبدلوماسية الأوروبية سبب أكثر نتائجها المخيبة فداحة الفشل الذريع " لعملية برشلونة " التي أطلقت بشكل مدو في تشرين الثاني (1995م)

والتي يعترف الجميع اليوم أنها ماتت ويكمن سبب هذا الخطأ الواضح في التواصل بين الشمال والجنوب حتما في العجز الأوروبي عن الاعتراف بشرعية معارضات إسلامية معتدلة وقدرتها على التحديث

ينجم عن ذلك عدم قدرة على إقامة اتصال فعال مع مجتمعات الجنوب المدنية الحقيقية فقط لصالح شراكات تسمي " علمانية " منتقاة لبراعتها في أن نقول لنا ، بالألفاظ التي ألفناها ، ما نتمني سماعه ، دونما اكتراث ، عند الاقتضاء ، بقربها من أنظمة غير شرعية بشكل خاص ، ولهذا فقط تقريبا .

ولفرط ما رغبت أوربا بعدم الاعتراف بجيل سياسي بأكمله ، وبتطويع مبادئها حسب ضخامة الوارد النفطي الذي يتحكم به محاوروها، والتضحية بالسياسي بعيد الأجل على مذبح المالي والانتخابي قصير الأجل

فإن أوربا وعلى رأسها فرنسا ، أضرت بشكل خطير بمدى وفعالية تبادلها الثقافي والسياسي مع محيطها المسلم ، الديبلوماسية الأوروبية ، غير القادرة على التفاوض مع محاورين عدا الموجودين بقرب الأنظمة الاستبدادية أو على هامش المجتمعات الهش الذين يعكسون لها الصورة المريحة لشموليتها ، أو حتى القبول بهم ، وضعت نفسها في وضع محرج مع جزء من العالم بأكمله .

ضمن هذا السياق ، لعدد يتعاظم باستمرار من هؤلاء الذين أنكرت عليهم القوى الغربية كل شرعية سياسية فقد ظهرت أكثر المناهج راديكالية كبديل لا يقاوم ، وهكذا دخلنا عصر الإرهاب بشكل لا يقاوم نحن أيضا على أنقاض تواصل سياسي مستهلك .

لقد أظهرت أسلحة النضال ضد هذا الإرهاب المصنوعة بنفس الأفكار المسبقة رغم ضخامة الوسائل المخصصة لصنعها ، محدودية فعّاليتها حتى الآن ، ويدفع عشرات المواطنين الأبرياء باستمرار ثمن هذا النقص الواضح في الحماية التي يجب على المسئولين السياسيين، تأمينها لهؤلاء الذين انتخبوهم ، كانوا البارحة يعيشون في لندن ومدريد ، وشرم الشيخ

وغدا قد تشمل اللائحة كوينهاغن وروما وباريس ، عدا عن أن ملايين المواطنين الآخرين يعانون التبذير الهائل الذي ينجم عن تضخم الإنفاق على الأمن ، فوق ذلك فالكل تأثر بالتراجع الهائل للحريات المدنية والديمقراطية الذي هو وجه آخر أكثر كلفة أيضا لهذا الخيار الأمني .

قليل من الحلول التي يقترحها خبراؤنا ضد الإرهاب هي اليوم مقنعة حقا ، هل ينبغي " إغلاق جامعات الخليج الإسلامية " كما يقترحه هذا؟ تكثيف برنامج إصلاح ثقافة الآخر وإيقاع " تدريبه على الحرية" وحقوق الإنسان والديمقراطية كما يبدو ذاك مقتنعا به؟ هل يجب إقامة جدران أخرى؟

أو الإكثار من التنصت على الآخر وكاميرات المراقبة الموجهة نحوه فقط ؟ .. هل يجب أن نقوى ، أيضا وأبدا القمع والتشكيك ، ودونما خوف من تحسين إنجازات الآلة القمعية القديمة ، التي تنتج واضعي القنابل ، وتجهيز الكوكب بمعتقلات غوتنامو جديدة ؟

مع ذلم قد يوجد سلاح أكثر فعالية بشكل مختلف، ويمكن أن يكون قد تم تحديده قبلا وربما كان الرفض الأعمي لاستخدامه هو فقط سبب الإخفاق الصارخ والمستمر لمعركة الغرب مع كارثة إرهاب القرن الواحد والعشرين إن كلفته هي التي تنبه على ما يبدو هؤلاء الذين يملكون الوسائل لتشغيله وليحموا مواطنيهم فعليا .

صحيح أن هذا السلاح مكلف بشكل خاص ويبدو أقوياء النظام العالمي للقرن الواحد والعشرين الوليد ، كبارا وصغارا ، " غربيين " أو " مسلمين " قليلي الميل إلى دفع ثمنه ، ونفهمهم : فالسلاح يدعي بالفعل " المشاركة " وهو يتضمن ..

كل ما لا ينوون المشاركة فيه تحديدا، الموارد الاقتصادية والمالية بالطبع ، النفطية أو الصناعية على صعيد الكرة الأرضية أو كل من دولها ، ثم السلطة السياسية التي يستأثر بها كل الزعماء المزمنين الذين ، من " انتخاب " إلى " إعادة انتخاب " يحرمون منها جيلا بأكمله ، فلسطين أيضا التي أصبح اقتسامها الموعود منذ زمن بعيد جدا وهما كاملا اليوم .

المشاركة تعني أيضا قبول أن يكون لخطابات أخري ومعتقدات آخري غير معتقداتنا الخاصة الحق في التعبير عن الخير والجيد ، والعادل ، وباختصار كل هذه القيم التي لا نمنح أنفسنا الوقت لنعي أنها مشتركة بيننا ، حتى عندما لا يبجل المدافعون عنها نفس الأيقونات ويستخدمون مقولات رمزية ولغات ورموزا متنوعة بقدر تنوع الثقافات في هذا الكوكب .

وبشكل أكثر بساطة يجب التفكير أيضا في أن نتشارك ونجعل الآخرين يتشاركون ... بالمشاعر وأن نتعاطف مع كل ضحايا كل أشكال العنف و من أجل ذلك ، لا يجب أن نتردد في إدانة خبث الآنسيين (المهتمين بالإنسان)

أصحاب المعايير المتغيرة الذين يظنون أن بإمكانهم إدعاء احتكار في هذا المجال ، يمكن أن نرغب بالبكاء على مصير المستوطنين المرغمين على ترك أراض لم تكن لهم ، والمغادرة مع تعويضات ضخمة باتجاه مستوطنات أخرى

ولكن دعنا لا ننسي عندئذ مصير آلاف هؤلاء الذين هدمت منازلهم من دون أشكال أخري من المحاكمة خلسة ، بعيدا عن عدسات كاميرات التلفزيون ، في الفجر ، يجب إذن أن نتشارك فوق كل شئ بحق معرفة حقيقتها وتثمينها وتاريخها الصغير والكبير

ورؤيتها للعالم في ساعات الاستماع العظمي، على الشاشات أو في مكبرات الصوت التابعة لصحافة يجب علينا فعل كل شئ لتبقي ، أو بالأحرى لتصبح من جديدا ، تعددية المشاركة في الواقع ، لا تعني دوما العطاء ، يمكن أن تعني أيضا معرفة أن نأخذ .

وهذه حال .. رأي الآخر غير أنه إذا " صنعنا " معلوماتنا بدلا من جمعها ، إذا كانت أصوات العالم ، وبالأحرى أصوات مجتمعاتنا الخاصة ، لم تعد تصل إلينا إلا هبر قنوات سيطرنا عليها ، إذا أصبحنا لا نسمع إلا نغمة صوتنا وحده فنحن نحرم أنفسنا من ميزة حيوية حقا:وجهة نظر الآخرين ، الآخرين جميعهم ، وجهة النظر هذه نفسها التي تسمح لنا بمعرفة أنفسنا ضمن خصوصيتنا ، وضمن نسبيتنا

وبالتالي ، عند الاقتضاء ، ضمن ضعفنا وأخطائنا ، مثل هذا الانغلاق يمكن بسرعة أن يشبه شكلا من التوحد ربما كان جزء من المؤسسة الإعلامية والسياسية في الكرة الأرضية مصابا بذلك الداء اليوم .

هذا التوحد بالتحديد مضافا إلى متطلبات السياسة الانتهازية والأجل القصير الانتخابي ، هو الذي يهدد بسوق ، أو يسوق منذ اللحظة بعض المسؤولين السياسيين نحو منحدر خطير

في أوربا يبدو جزء من الطبقة السياسية مصباح سيارة الشرطة اللدوار بيد وقاموس كلمات الكره المعادة باليد الأخرى منساقا لإغراء الرغبة في إقامة انتصاراته الانتخابية القادمة عن طريق استثمار الميول المعادية للأجانب لدي كل شخص ، برأي رجل السياسة يوجد في الواقع نوعان من الأمن ، الأول الذي يجب أن يعطي كل الأولويات هو أمن المواطنين

والثاني ، الأكثر أهمية أحيانا بنظره هو أمن انتخابه ، لتأمين هذا الأخير قد تكفي إثارة مشاعر ناخبيه ، وتقوية مخاوفهم وتنمية جهلهم بالآخر ، وبالتالي فرض قراءة أمنية محضة للتوترات ، تستند إلى توزيع المسؤوليات في اتجاه واحد وانطلاقا منه ، الخاصة القمعية " للعلاجات " التي ينبغي تطبيقها .

في المقابل ، حماية أمن المواطنين هو مهمة أكثر كلفة بكثير فعلا ، وهي تعطى في الواقع مردودا فوريا أقل على الصعيد الانتخابي ، لأن اقتضاءها يكون على الأمد البعيد وهي تنسجم بصورة أقل مع إقامة التواصل ، وحشد الصور التي تصدم الشعور وتجعل كل إدراك " آنيا"

وتتطلب التحدث إلى عقل المواطنين ، وتهدئة مخاوفهم بدل استخدامها كوسيلة خطابية وأيضا جعلهم يقبلون الفكرة البغيضة عن تعقيد الأزمة وأن كلا منا يحمل بوضوح جزءا كبيرا أو صغيرا من مسؤوليتها ، حسب مرتبته في العالم عام (2005م) من أول أوربا حتى آخرها ضمن استعجال الديمقراطيات الانتحابي

بدا أن سياسة مصباح سيارة الشرطة الدوار وطرق لوكارش المختصرة التي تجرم في طريقها إلى الفوز ، يمكن أن تأخذ هذه الانتصارات سريعا الطعم المرّ للطرق الخاطئة التي تقضي إلى مأزق الصراعات الحقيقية تلك بالتحديد التي تتبجح بأننا نريد تفاديها .

الشجاعة السياسية الحقيقية التي تهئ دوام حقيقي للأمن ، تكون بفرض قراءة أخرى للتوترات الدولية . قراءة لا تخضع بعد الآن للطرق المختصرة الانتقائية لكل هؤلاء الذين لأى سبب كان، يرفضون الإقرار بأن مسؤوليات الإرهاب هي موزعة حقا

ويساهمون بذلك في تغذيته لأنه طالما كان صوت مجموعة الذئاب وحده مسموعا فهو يقوى يوما بعد يوم صوت السياسيين المترددين الباحثين عن انتصارات سهلة . المشاركة أو الإرهاب ، لا يزال هذا خيارنا أكثر من أى وقت مضي .

ملحق

لقد أبطأ الحكام الجزائريون والتونسيون مسيرة الإسلاميين الطويلة نحو السلطة باحتجازهم بالآلاف في أعماق الصحراء الجزائرية ، لكنهم لم يوقفوها بالتأكيد ، مر وقت طويل منذ أن سحق جمال عبد الناصر الإخوان المسلمين

وقد تكون غير كافية تلك الطريقة القوية لتربح من المشهد السياسي تيارا نعرف بعد الآن أنه يستند على أغلبية ساحقة من السكان في كل أرجاء العالم العربي ، لم يقم الشمال لغاية اليوم سوى بخطوات صغيرة استعدادا لتعايش أصبح محتما مع ذلك

فالأسابيع القليلة المنصرمة علمتنا عن هؤلاء الإسلاميين أكثر بكثير مما علمتنا إياه آلاف الصفحات التي كتبت عنهم منذ أمد طويل أظهر المقاتلون مرة أخرى عمق رسوخهم الشعبي ومتانته انتهى الآن الوهم الذي أقامته أماني الأفكار الغربية عن مجموعة صغيرة من المتطرفين الطامحين ببلوغ السلطة بالقوة إلى درجة أنهم يخشون أن تبعدهم الانتخابات عنها .

لم يستطع "الجبليون الديمقراطيون " أبدا إقناع إخوانهم سكان السهول ، ، بعد ذلك انتهي أيضا وهم بديل غير عرقي ، إذا بماذا تصف تصويت جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية جديا ؟

التصويت الإسلامي ، يبدو أن أغلبية ساحقة من النساء، وليس فقط في أعماق الريف ، اختارت أن تصوت بالتأكيد " لجبهة الإنقاذ الإسلامية " وانتهت أخيرا ضمن ملف معقد للغاية ، الطرق المختصرة المبسطة لتعبئة إسلامية ضد النساء

ولا بأس عندما لا تجد في المشهد السياسي " القوة الثالثة " القادرة على مقاتلة عدوها المفترض ، تتابع النظرة الغربية (تساعدها بشكل خاص ، بالفعل ، بيانات وزارات دول شمالي إفريقية)

بحثها البائس عن أجزاء من المجتمعات العربية قد ترغب في إنقاذها من نتائج .. انتخاباتها .. بلغ الأمر اليوم بأكثر غير التحليليين عنادا باستقراء أعداد الممتنعين عن التصويت .

هل لهم وجودا؟ من دون شك هل يشكلون أغلبية بديلة؟ كلا حتما ! لأنه كيف ننسي أن انتصارات جبهة الإنقاذ الإسلامية هي في تاريخ الجزائر كاملا (ما عدا استفتاء الاستقلال) ثمرة الإقتراعين الوحيدين اللذين لم يقم النظام فيهما بصنع مستوى المشاركة بكل بساطة ؟

إذا أردنا (ولكن من قام بذلك ؟) مقارنتهم بهؤلاء الذين يعيدون انتخاب حلفائنا " ديمقراطي " المنطقة (10% ، 15%) أو الـ (60 %) من المصوتين في هذين الإقتراعين الأوليين الحقيقيين لهم للإسلاميين قيمة ضمانة رائعة .

غير أن لا شئ ، لا شئ مطلقا يسمح بأن تتلمس في منطقة الامتناع شيئا آخر سوى غرفة صدى الأغلبية التي ظهرت في عام (1990م) أى : مع الاحتفاظ بكل النسب .. احتياطيا إضافيا للأصوات الإسلامية .

إذن ؟ ، بارقة أمل في الأفق ؟ لا سفينة أخرى سوى مراكب محملة بالنساء الهاربات من الاستبداد القرآني ؟ .. لا مخرج آخر سوى استشهاد علمانيتنا المقدسة؟

مع ذلك يوجد مخطط أقل مأساوية وأكثر واقعية ، إنه لا يكلف الآن سوى ثمن بعض المكونات التي علينا إدخالها من جديد بشكل اضطراري ضمن تحليلاتنا حيث تركت لدي مغادرتها ، فراغا كبيرا بشكل طرق مختصرة .

حتى وإن افترضنا أن لديهم بعض المراجع المشتركة من الضروري أولا التوقف عن بسط عقلية مجموعة قتلة السادات الصغيرة على كل القوى الآتية من التيار الإسلامي يجب بعد ذلك أن نقبل بألا نحتجز ثانية انتخابات عام (1990)

وكانون أول عام (1991 م) الجزائرية ضمن الحدود السلبية لهذا الرفض اللامنتهي لجبهة التحرير الوطني الذي قد تعبر عنه أى من الأحزاب الموجودة الأخرى وأن نكف أيضا عن ألا ترى في الانبعاث الإسلامي سوى نتيجة لانحدار الاقتصادات العربية إذا كان تصحيح اقتصاد دول شمال إفريقية بنفس طريقة تقدم الديمقراطية

يجب أن يتم من صفتي المتوسط بأولوية مطلقة ، فلا يجب عد أى من هذين الهدفين وسيلة لتفتح ألفاظ النشطاء السياسيين ، إذن هذه الدولارات التي يقال لنا دوما إنها تستخدم في أماكن أخرى " لتصدير الإسلام " كيف يجب عليها في المغرب أن ... تزيل الإسلاميين ؟

مساعدة الجزائر؟ بالطبع ! .. ولكن كما هي وليس كما نتمنى أن تكون لا يمكن عد العون الاقتصادي الضروري لألف سبب آخر ، وسيلة الكفاح ضد إسلاميي تونس أو الجزائر أو المناطق الأخرى الذين كان آباؤهم قوميين

وفي حين أن فرقعة إسلام عابر ثوري يسمي "من فوق" لم تبدأ بعد باسترعاء النظرة الغربية ثم إعشاءها كانت عملية إعادة ارتباط بطيئة وعميقة وطبيعية جدا مع المحيط الرمزى للثقافة "قبل الاستعمارية" تحرك كل أجزاء المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي العربي .

هذا هو التعبير النهائي السياسي لهذا السياق الذي يظهره اليوم وصول الإسلاميين إلى أبواب السلطة ، إذا كان ينبغي محاولة تقويم قدرتهم على متابعة السياق الصعب لبناء مجتمع تسامح بدأها أسلافهم بتردد هناك سمة تعين اتجاه طريق التحليل:في الأراضي العربية

إذا كان هناك خط فصل بين الطيبين والأشرار الديمقراطيين والمعادين للديمقراطية المتسامحين وغير المتسامحين المدافعين عن حقوق الإنسان أو المرأة وهؤلاء الذين لا يهتمون بها إلا قليلا .. إله فله بالتأكيد مسار أكثر تعرجا من ذاك الذي يميز الإسلاميين من سائر الطبقة السياسية .

أولا بالطبع ، بما أن الذي يناسب في مكان آخر من دون أن نقوله يناسب هنا أكثر خين نقوله ثانية ، لأنه لا يكفي أن يكون المرء إسلاميا ليكون بمستوى وعود التسامح التي تستعملها أغلبية ساحقة من زعماء هذا التيار

ولكن لأنه لا يكفي أن يكون المرء معاديا للإسلامية (الإسلام السياسي) مثل صدام حسين وغيره أو هؤلاء الذين لا تكفي سحولهم في المغرب لاستيعاب المعارضين ليكون بشكل آلي جزءا من هذا " المعسكر الديمقراطي " المفترض الذي تمنح اليوم الطبقة السياسية الغربية احتكار تمثيله لأنظمة فاقدة الاعتبار ولمعارضيها الذين همشتهم الاندفاعة الإسلامية بعد ذلك

وأخيرا لأن المرء يستطيع أن يكون إسلاميا ولا يتماثل مع خطاب الرفض الذي تقوده هنا وهناك الأطراف الراديكالية المحيطة بتيار مختلف عنها يجب أن نتوصل يوما إلى أن نتبين ذلك أخيرا وكلما بكرنا بذلك كان أفضل.