الإمام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:١٥، ٢ أغسطس ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإمام


غلاف كتاب الامام.jpg

بقلم أ. أحمد أنس الحجاجي

الإهداء

إليها وحدها....

إلى الروح الملهمة..

إلى منزل الوحى ومصدر الإلهام


مقدمة

بسم الله العلى الكبير,وبيفضله وقوته..

وبتأييده تعالى, جميل توفيقه ومنته..

نعود إلى الميدان من جديد.. وتعود ثورة الفكر الإسلامى إلى قرائها. لأداء الرسالة التى عاهدت الله على أن تحيا لها, وتفنى فيها – وهى أن تكون لله, ولدعوة الحق , وللإسلام والمسلمين.

ولعل الأحداث الجسيمة التى مرت بنا, ومررنا بها, والتى مازال حرها يلفح الوجوه ... نقول فى مخلفات ذكرى هذه الحوادث, وفى لمع وبوارق ما يتظرنا منها – لعل فى هذا كله درسا نافعا يقف بنا موقف الجد الصارم, فيصرفنا – ولو إلى حين عن تبادل العواطف مع قرآئنا الأحبة فىهذه المناسبة. فوقف الجد الصارم, وهو الأولى مجال المؤمن المجاهد, الذى انتهى به كفاحه إلى النتيجة الطبيعية التى تنتهى إليها سيرة كل من قصدوا إلى الجد فى حياتهم, من المؤمنين المكافحين, وأصحاب الدعوات وحملة النهضات.

موقف الجد الصارم هو ملازم المؤمن الذى لفحته نار المحنة. وتلقفته ريحها من كل جانب, ولتعجم عوده, وتطبق عليه المادة الأولى القانون الإيمانى والكفاح فى دستور المؤمنين الصادقين:" ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين.... ونبلوا أخباركم"

ولقد ابتلى المؤمنون منا, وزلزلوا زلزالا شديدا, وعلم الله المجاهدين منا والصابرين.

وأوت السجون, واستضافت المعتقلات خلاصة كريمة من الأبرياء وشرد الأشراف الأطهار وأذوا بكل صنوف البغى والإيذاء واستشهد من أراد الله إكرامهم فاتخذهم شهداء... وهكذا طبقت هذه المادة الإيمانية القرآنية تطبيقا كاملا:

" لتبلون فى أموالكم وأنفسكم, ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم, ومن الذين أشركوا أذى كثيرا, وإن تصبروا وتتقوا, فإن ذلك من عزم الأمور"

هذه بعض الذكريات التى تأخذ بنا إلى مواقف الجد أخذا ولسنا نطلب محالا, ولا نخذج أبدا عن القاعدة الإيمانية القرآنية: لكيلا تأسوا على ما فاتكم, ولا تفرحوا بما آتاكم , غذ أن المؤمن المكافح يبتسم للشدائد دائما, ولكن ينبغى ألا يغرق فى هذا الإبتسام, حتى لا يصرفه هذا عن الحق, أعنى عن مواجهة الواقع. الذى لاشك فيه, وهو أنه فى محنته... يكون فى حال حرب مع كل القوى المحيطة به, منظورة وغير منظورة, معلومة له أو غير معلومة ومعنى هذا أن يوقن بأن أدنى أمارات الجد الصارم فى حياة المؤمن أن يعرف نفسه, ويقدر منزلته وأن الله ندية لهداية للناس واختاره لحمل أكبر الأعباء فى هذا الوجود"

قدرشحوك لأمر لو فضلت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فإذا تألبت الدنيا كلها على حربه, بوسائلها وأسبابها الظاهرة. والخفية – صدق حينئذ – وحينئذ فقط – إيمانه وصدق عنده ميزانه, الذى يقيس به هذا الإيمان... ووجب عليه أن يقف ويتأمل من جديد فى قيمة هذا الكنز النفيس الذى تحتوى عليه مبادىء الرسالة التى يبشر بها, وكيف أن رنين " عملتها قد أزعج خصومها ومحاربيها وأقلقهم, فتألبوا عليها, كادوا لها من أجل هذه الميزات العالية الغالية التى انفردت بها...!

يتأمل المؤمن فى هذا – قزداد إيمانا وتثبيتا.. مصداقا لقول الحق الحكيم الخبير:" الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فخشوهم... فزداهم إيمانا – وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

" فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم"

وذلك تأسيا بمواقف أهل الإيمان الذين زادهم مثل هذا الموقف إيمانا. إذ أنهم لما رأو الأحزاب والخصوم وائتلافهم عليهم – قالوا: هذا ما وعدنا الله وسوله – وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما"

وبعد .. فماذا بعد هذا؟!!

إن القضية التى نريد أن نعرضها لقرائنا أو إن العاطفة التى نريد أن يظهرها لأحبابنا – ليست فى عودة رسائلنا إلى الميدان أو عدم عودتها فما أتفه هذه الغاية, وما أقلها همة, ما أضعفه هزما..! وإن الكلام كثير, والكتب كثيرة " والحقائق كثيرة, ما أتفه بضاعة الكلام وصناعة الكتابة, وخاصة فى عصر كثر فيه الدجالون ودعوة الإصلاح, الذين يقولون مالا يفعلون وما أكثر ما يذيع هؤلاء وما يكتبون, إذ أن السبل أمامهم ميسرة! نقول: إن القضية التى تريد أن نعرض لها, وأن نعرضها أمام أنظار المؤمنين أكبر من هذا وأجل, فإننا نعود إلى الميدان وقد خلا من فارسه وبطله المقدام.

نعود وقد استشهد أستاذنا وإمامنا, وذهب إلى ربه راضيا مرضيا... وهذه هى القضية الخطيرة فى تاريخنا وتاريخ دعوتنا, ولقد تلقينا هذه بصبر الكرام على فداحة المصاب. لأننا مؤمنون, ولأن النهاية الطبيعية لحياة إمام المجاهدين ومربى الجليل على الكفاح والنضال – هى الموتة الطاهرة... فى هذه الشهادة الكريمة فى سبيل الله, وفى سبيل المبادىء التى وقف حياته على الدعوة لها, وربى الجيل كله على الفناء فيها.

وهكذا صدق الله فصدقه – رضى الله عنه وأرضاه. هذا حق.. وسنطوف حوله من وجهات كثيرة فى بطن الكتاب ولكنه لا ينبغى ان يصرفنا عن خطورة القضية, تكييفها التكييف السليم, والحقيق بتقدير المؤمن الحصيف.

فلقد فعل المجرمون فعلتهم الكبرى, واقترفوا أدني وأخس جريمة فى تاريخ مصر الحديث, وتاريخ العروبة والإسلام. فعلوا فعلتهم ليسكنوا هذا الصوت الذى يعتف باسم الله" وبمبادىء القرآن... وكانت خطتنا أن نلقنهم الدرس الذى لا ينسى محمل الراية حتى نفنى فى ظلها لنفوت عليهم مقاصدهم, ونعلمهم أن عشرين عاما فى جهاد إمامنا لم تنقض عبثا ولا لهوا ولعبا, ولكنها خلقت جيلا كاملا من الرجال حمل الرسالة وأدى الأمانة وسيحملها حتى يموت فى ميدانها وأن صوت الحق الهاتف برسالة القرآن لن يخفت او يخمد.

وقد فعلنا.

فوجد منا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهو فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا..

وعرف أهل الزيغ والباطل أن " حسن البنا" لم يمت, وأن روحه ستظل تؤرقهم, وتنغص عليهم عيشهم...وستبقى أبدا تهدى الحائرين, وترشد الضالين ولو كره المبطلون.

وكما قال الإمام الشهيد رضى الله عنه: سيقول التاريخ كلمته, ويظهر المستقبل آيته, ولن تستطيع القوة أن تمحو عقيدة أو تبدل فكرة.

كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض والعاقبة للمتقين,

والله أكبر... ولله الحمد.

أكتوبر سنة 1950

أحمد أنس

هذا الكتاب

هذا هو الجزء الأول من سلسلة كتابنا" الإمام"

وستخرج هذه السلسلة تباعا بمشيئة الله تعالى ومعونته فى عشرة أجزاء من مثل حجم هذه الكتاب وقد تزيد ولن يطول أمد إخراجها على أبائنا القراء فبفضل حبهم وتأييدهم, وبهذه الثروة الطائلة التى – لا تفنى – من عواطفهم القلبية التى هى كل " رأس مالنا" وسنضمد إن شاء الله أمام كل العقبات وسنقهرها, وستكون أبدا عند حسن ظنهم وعند أملهم..

مضيا إلى الأمام ووفاء بالعهد الذى قطعناه على أنفسنا وهو ان نكون لهم وحدهم نحيا لرسالتنا المشتركة ونعيش وننتج لفكرتنا وأهدافنا السامية, ونكون لسان صدق لنهضتنا الشرقية الإسلامية, ولن تحيد عن هذا أو نتحول عنه مهما أرعدت السماء وأبرقت ومهما أظام الجو وأكفهر. والحقوق قضاء. وعهد الله بيننا وبينهم دائما – أن العهد كان مسئولا.

هذا ولن تغنى هذه السلسة عن كتابنا الجامع _ روح وريحان) ولا هى صورته المصغرة أبدا. فهذه ناحية وهذه ناحية – ولكل سلسة اتجاهاتها ومنهاجها ووجهاتها فى الدراسة والعرض والمادة كما سيرى القراء.

وستخرج موسوعة روح وريحان باتجاهها ووجهاتها فى ميقاتها الذى اختاره الله لها ونعد قراءنا بأننا سنقدم الجزء الثانى منها فى أول فرصة إن ساء الله .

وإننا لنذكر أحبائنا الآن وفى هذه الظروف – نكتب بين أربعة جدران فليقبلوا هذه الرسالة على علاتها فهى رسالة القلب " والروح؟ أرسلناها ليعرفوا أننا " أحياء" كأقوى ما تكون الحياة والأحياء. وأن صوت الحق لن يخفت أبدا أو يخمد مهما تألبت عليه القوى.

فليقبل قراؤنا هذا الكتاب على أنه رسالة " الروح" منا إليهم أو تحية القلب إلى القلب. وموعدنا لقاء قريب فى ميدان العمل والإنتاج والله معنا وهو ولينا, فاصبروا إن وعد الله حق.

ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا

واللحن يفهمه ذوو الألباب


تحية......وعهد...... ووفاء

أستاذى – إمامى – مرشدى:

التحيات الزكيات الطيبات

وسلام عليك فى مقام صدق أمين

سلام عليك فى جنات الخلد بين النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

سلام عليك وعلى روحك الطاهرة

وكتبك الله عنده من المحسنين, وجعل كتابك فى عليين, وخلفك فى أهلك ودعوتك وجندك وتلاميذك, ولا حرمنا أجرك ولا فتنا بعدك.

ماذا؟ أففضى على أن أقولها؟

أجل.. وإنى لقائلها- فإنها كلمة إيمان, وما نحن إلا عصبة اهتدت بهذا النور فعاشت به من وحى روحك, ووضوء نفسك ومن غرس يدك ونبع قلبك.

وهذه أحكام الإيمان من تنادينا وحى قرآننا. أن يا معشر المؤمنين:

لا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ..ز ولئن مسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله, وتلك الأيام نداولها بين الناس, وليعلم الله الذين آمنوا, ويتخذ منكم شهداء.

وأن انتبهوا:

فما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا. وإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا.

وإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر. وأينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة.

هذا هو حق الإيمان – فى هذا المقام – نؤديه راضين مطمئنين امتثالا لأمر قرآننا وتنفيذ لسنة نبينا. وما نحن من المتكلفين:

فلقد التزمنا الصبر الجميل,والسكوت المطلق, وقلنا: حسبنا الله ونعم الوكيل

فيا أستاذنا وإمامنا:

طب نفسا, وقر عينا فى مثواك الكريم و وسلام عليك فى مقام صدق أمين, بين النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحس أولئك رفيقا..

طب نفسا ..فإنما نحن على العهد باقون, وفى الطريق سائرون.وبك إن شاء الله للاحقون.

لميثننا وعد ولا وعيد ولا سجن ولا تهديد, ولا اعتقال ولا تشريد..

لقد ملئوا بنا السجون فما مثكنا ولا نكصنا. وساقونا إلى المعتقلات والمنافى فما غيرنا ولا بدلنا.


إننا على العهد والبيعة:

الله غايتنا – والرسول زعيمنا – والقرآن دستورنا- والإخاء شعارنا – والجهاد سبيلنا – والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا.   طب نفسا. فنحن على العهد والبيعة, وكامنا وفينا الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

طب نفسا وقر عينا. فلقد صبرنا على البلاء. وأعاننا الله على البأساء والضراء, فخرجنا بحمد الله من المحنة بأجر الصابرين الثابئين الشاكرين, لن نهدأ حتى القرآن دستورا. وترى راية الإسلام ترفرف على العالمين.

وكما أوصيتنا- لئن أعوزتنا الحياة الشريفة العزيزة, فلن يعوزنا الموت الكريم..فإلى لقاء قريب فى ميدان الشهداء وفى دار الخلد والسعادة.

أما أهل البغى والعدوان, فأولئك هم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة. وما لهم من ناصرين هؤلاء نستأذنك فى نقف معهم وقفة من مواقف الأحرار نكشف بها للناس عن بعض مخازيهم, وعن بعض ما يجهلون من إفكهم وتضليلهم وما يخفى عليهم من الحقائق البينات " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه, فإذا هو زاهق, لهم الويل بما صنعوا ويصنعون.

فلنخاطب الرأى العام ولتنقدم إلى محكمة التاريخو بوقائع ضيتنا العجيبة... ليصدر التاريخ حكمه, ويقول كلمته.. وليقرأ الناس تاريخنا ويعرفوا ما خفى عليهم, وليساقن الذين أوتو العلم ويزداد الذين آمنوا إيمانا, ويعلم الجميع وتسمع الدنيا قصة الإعجاز في القرن العشرين – وتوقن : أن الإسلام بدأ معجزا, وسيعود معجزا كما بدأ..

" وكذب به قومك وهو الحق, قل لست عليكم بوكيل , لكل نبأ مستقر, وسوف تعلمون.


القسم الأول : القضية التاريخية الكبرى أمام محكمة التاريخ

بإسم الحرية :

وفى ظل الدستور والبرلمان نتقدم إلى محكمة التاريخ.. بوقائع القضية الكبرى – قضية الدم البرىء الطاهر.. قضية الإجرام الدنى التى ارتكبها حكومة إبراهيم عبد الهادي...

تاركين للتاريخ أن يصدر حكمه وللرأى العام أن يقول كلمته.

قضيتنا...!

وبعد فماذا نريد أن نقول حول قضيتنا؟ نريد أن نقول أولا وقبل كل شىء إنها قضية سياسية وأن العناصر التى كونتها هى من صميم السياسة. وأن السياسة تريد أن يسدل الستار على كثير من وقائعها...

ولكن الذى نخشاه أن يقصد مع هذا أن تتخذ النيابة العمومية ستارا لتحقيق ما تريده السياسة... ولكن تعالت النيابة وعدالتها وقداستها وحصانتها عن كل هذا كله علوا كبيرا... وإذن فما هذه الخرافة القائلة بإعادة التحقيق فى هذه القضية – ومتى سيعاد؟

إننا لا ننتظر شيئا من هذا التحقيق الذى تنشر الصحف بين فترة وأخرى أنه سيعاد... ولا ننتظر منه شيئا سواء على يد النيابة او غيرها ولئن كانت للقانون حرمة فى هذا البلد تعنى النيابة أو غيرها من السلطات فهذا أمر آخر بعيدا عما نحن بصدده من المعانى الواقعية المنظورة أمامنا.

فقد سبق أن حققت النيابة فى القضية وهى خضراء أو حمراء... ومعروفة نتيجة هذا التحقيق التى تشهد ببراعة وذكاء سعادة النائب العام وقتئذ..!

ونحن حين نتحدث عن هذه القضية, لا نتحدث عنها حديثا عاديا يراد منه مثل هذا لتحقيق الساذج الذى نتحدث عنه الصحف ولكننا نتحدث عنها من أفق أعلى.

نتحدث عنها.. ونحن نعرف ما هى؟ ونسمو بها عن الجدل والمساومة وعن المعنى الهزيل الذى يراد خصرها فيه.

نتحدث عنها لنقول للناس: لإن قضيتنا هذه لن تحل على يد النيابة بإعادة التحقيق فيها فلقد حققتها النيابة من قبل.. وهى كذلك لن تحل بما يظن الناس ويتخيلون من معانى صغيرة حقيرة, ممن لا يفهمون مركز الإمام الشهيد فى دعوته وأمته وعصره وتاريخه وانه إنما حمل هذه الأمانة الشهيد الكبرى ليستشهد فيها, ولا أقل من ذلك أبدا, وقد صدق الله فصدقه.

فالذى كان ينتظر الشهادة وتوقعها لا باس عليه منها ولن يصنع جنده بعد استشهاده خلائق الجاهلين. فقضيتنا أيها الناس أكبر من هذا كله, وهى قضية بعث الإسلام والدفاع عنه.. وقضية الإغداز القائل:" بدأ الإسلام معجزا وسيعود معجزا كما بدأ"

وهذا الدم الزكى الطاهر العزيز لا كفاء له فى دنيا الرجس والدنس التى يرتع فيها خصوم الإسلام. حل هذه القضية الكبرى قضية التآمر والغدر اللثيم ليس محله إذن دور النيابة والقضاء, ولا أية إجراءات أخرى مما تكيفه الأدمغة الساذجة التى تتحدث عن الثأر والقصاص وما إليهما.

لا.. وألف مرة لا .. نقولها للناس ليعرفوها ويسترحوا. وإنما الحل فى يد التاريخ وحده وسيسمعه الناس من فم الزمان حين تعصف بهم الأحداث التاريخية الكبرى. وحين ينفخ فى صور الحوادث: فما ينظر القوم إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

عندئذ يكون الحساب, وتحل هذه القضية الحل العادل الذى يشفى صدور قوم مؤمنين, ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ويتحقق الوعد الإلهى:" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فلا الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوراثين, ونمكن لهم فى الأرض". وإن لم يتم هذا على أيدينا فسنورثه لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا... أن يحملوا راية الله. حتى ينحقق لهم وعد الله.

ذلك هو الشأن..

أما الآن فلتنشر الصحف ما شاءت, وليكذب المسئولون تصريحاتهم أو ليصدقوها, ولحقق النيابة أو لا فليس يعنينا نحن هذا فى شىء, فالنيابة حارسة القانون وما دامت مطمئنة إلى سلامة إجراءات هذه الحراسة, فنحن مطمئنون معها, بل مطمئنون أكثر منها!

سلامة إجراءات هذه الحراسة , فنحن مطمئنون معها, بل مطمئنون أكثر منها.!

إننا نعرف أن إمامنا قد استشهد فى سبيل دعوته وعدم المهادنة فيها, ونحن على بيعة معه, وستظل فى الطريق لن يحيد عنه حتى يحقق عايتنا أو نموت دونها

إن منطق أصحاب الدعوات والرسالات سام كبير, وقد استشهد من قبل الأنبياء والمرسلون كزكريا ويحيى وغيرهم, وعذبوا ومثل بهم المجرمون أشنع تمثيل, والمجرمون من خصوم الدعوات هم المجرمون فى كل عصر وفى كل جيل.

استشهد الأنبياء والمرسلون, واستشهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم من ذوى التاريخ الناصع المجيد, فإمامنا باستشهاده فى مقام كريم, وفى قمة من المجد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا... وهى منزلة أعلى وأكبر, وأرفع من تفاهة الحديث عن الثأر والقصاص أو تصريحات المسئولين فى الصحف عن التحقيق المعاد. فكل هذا عبث فارغ. بريء منه أصحاب الدعوات من قبل. وقد برىء منه تاريخ إمامنا الشهيد والحمد لله.

هذه قضيتنا أيها الناس فافهموها ولا تتحدثوا عن التحقيق المعاد او التضليل المكرر, فكل ذلك حديث خزى وعار فى جبينكم,وفى جبين العدالة التى تظلموها, وفى جبين العصر الذى يظلكم لو كنتم تعقلون. يا قوم: إنما نحن آمنا بالله وحده, وكفرنا بما آمنتم له عابدون فافهمونا وعاملونا بهذا القانون الذى لن نتخلى عنه أبدا لقد صنعنا الله وحده وبيده, وعلى عينه, وفى كنفه ورعايته لحكمة تجهلونها, وليأتينكم النبأ بعد حين:

" لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم, ولكن الله ألف بينهم, إنه عزيز حكيم"

ولن يضيرنا أبدأ أن تتخبطوا, وألا تفهموا هذه اللغة إذ أن البقاء للأصلح, فأما الزبد فيذهب جفاء, وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض. وسواء لدينا منكم من أسر القول ومن جهز به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار, والله تعالى يضرب الأمثال للناس لعلهم يتذكرون, وقد قال سيحكانه وتعالى :" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق , كمن هو أعمى. إنما يتذكر أولوا الألباب" ثم قال:" ولا يزال الذين كفروا. تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم – حتى يأتى وعد الله. إن الله لا يخلف الميعاد. ولقد استهزىء برسل من قبلك, فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب." (وبعد) فخير للذين يتحدثون عن قضيتنا فى واسم ومناسبات أن يكفوا عن الحديث فإنه لا يشرفهم, وليعلموا ان الجماعة المؤمنة تعرف كيف تسير, وعى تعرف أن هذه القضية ستظل قائمة أبدا تحرك نفسها ويكفيها كل عقل بما يراه حتى يفصل فيها التاريخ الفصل النهائى الذى يكتب الله به النصر للحق وأهله, والإيمان وجنده" إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين – كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز"

"فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل, ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون, لم يلبثوا غلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون".

"أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجلعهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما تحكمون.." فيا من تساوم على قضيتنا:

سألتك الله.. ألا تجهد نفسك, ولا تأمر أو تفكر فى تحريك قضيتنا أو إعادة التحقيق فإننا نعرف أن هذه الصورة من حماية العدالة ليست من اختصاصك.

إننا نعرف هذا ونؤمن به ونلتمس المعذرة ولا نريد أن نشق عليك!!

إن قضيتنا تاريخية وقد أودعنا أوراقها فى ذمة التاريخ وقد قال كلمته. وإنه لا ينسى ولا يحابى... ولتعلمن نبأه بعد حين فلنعرض وقائعها على التاريخ.

إعجاز :

جاء الإسلام معجزا فى كل شىء فأتعب خصومه وصرعهم جميعا وبقى هو حيا مع الزمن خالدا مع التاريخ معجزا فوق قمة المعجزات إنه معجز حتى فى ظهوره وانزوائه وفى عافيته أو محنته , وفى صمته او كلامه وفى حركته أو سكونه.

إنه منجز فى كل أولئك على السواء..

وهو كذلك معجز فى اصطناع رجاله خالصين له مخلصين وتنشئهم على عينه وفى رعايته , تنشئة ربانية وصياغة حواسهم وملكاتهم – وإعدادهم – على أن تحيا حياة تؤهلهم لحمل الأعباء الثقيلة التى اصطفاهم لها ثم تدربهم على حمل سلاح الإعجاز الموصول بأسباب السماء وتضمن لهم التفرد باستعمال هذا السلاح الذى لا يفل ولا يقهر لأنه من روح الله.

وصباه وقد وهب نفسه للدعوة الإسلامية واختاره الله لها فعاش لها وبها وجاهد فى سبيلها واستشهد فى ميدان الكفاح والنضال من أجلها فكان فى حياته كلها – كطبيعة الفكرة التى اصطنعته – معجزا الإعجاز الذى نسجه الإسلام تاجا لرجاله وقادته فى كل زمان فهم أبدا يتحدثون به فى كل معركة نزال وفى كل ساحة نضال وكان معجزا فأتعب خصومه وأرهقهم.

طاردوا فكرته واضطهدوا أنصاره وفتحوا لهم السجون والمعتقلات, وصبوا عليهم كل أنواع العذاب.. ثم قتلوه.... وقال بعضهم لبعض:" إنه قد مات ومع ذلك فقد راحوا يحشدون الجند ويجمعون القوات لمحاربة هذا الذى فى زعمهم قد مات...

ثم منعوا تشييع جنازته وصنعوا ما صنعوا مما لم يشهد الناس له مثيلا فى أظلم العصور. فسخر منهم وقال التاريخ كلمته:

علو فى الحياة وفى الممات

للحق تلك إحدى المعجزات

ثم جاء يتمون الكيد ويحاربون تاريخه ويخفتون فى سبيل هذا كل صوت... ذلك إفكهم وما كانوا يصنعون ولقد لجوا فى طغيانهم يعمهون:" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون"

فماذا صنعوا..؟! إن المؤمنين من المجاهدين وأصحاب الدعوات لعلى بيته من أمر ربهم وما قدر لهم, ولقد باعوا أنفسهم لله, وللمبادىء التى يعملون لها ويجاهدون فى سبيلها.. بايعوا الله على هذا وصدقوه فقال لهم سبحانه : ما دمتم صادقين" فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به, وأهنأوا. فإن فوزكم هو الفوز العظيم.

ثم ماذا؟ ثم إن القدوة الأسوة معنا من هدى ربنا, وهى نور فى هامة أسلافنا الطاهرين من النبيين وهدى وموعظة للمتقين , ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين, إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام ندولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين, وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وانتم تنظرون, وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين, وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا." هذا هو هدى الإسلام الذى نؤمن به وهذا هو نور القرآن الذى نستضى به أبدا... وقد اقتضت كلمة العلى الكبير أن يجعل القدوة فيه نابعة من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم متصلة باسمه الكريم أكرم الخلق على الله وعلى الناس.

وإنا بهدى ربنا وقرآننا لمهتدون, وبسيرة نبينا لمقتدون فإذا صنعوا وماذا يبتغون؟

لقد مات ( حسن البنا) فى ظنهم لأنهم قتلوه بالرصاص.. ولكن آيات الخلود تكذبهم إذ تقول:" ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. ثم يقول فى أمثالهم من المكابرين المجرمين المعاندين الذين يفترون الكذب ويزورون على أصحاب الدعوات وينتحلون الحجج لتكذيبهم قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم, فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين؟. وذلك لتحطيم الخاطىء المجرم فالآية تقول لهم: إذا كان شأنكم مع هذا الداعية محاربته لما تدعون وتختلفون من أسباب فلم إذن قتلتم من جاءكم بما رسمتم من حدود؟

ثم نقول الآيات:" ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم يزدادوا إثما ولهم عذاب مهين"

ثم ماذا نقول فى ميزان الواقع المشهود؟

لقد لقن إمامنا بشهادته تلاميذه وجنده درسا فى الموتة الكريمة والشهادة المطهرة, وهو درس لن ينسوه أبدأ.

لقنهم هذا الدرس لأخير كما لقنهم من قبل دروسا غيره إذ ترك فيهم جهاده وسيرته , وإذ ترك فيهم كلمته الخالدة ووصيته النافذة – حين قال لهم فى إحدى وصاياه:

" إذا رأيتم المشانق قد علقت, والسجون فتحت لإيوائكم والناس جميعا تألبوا عليكم.. فاعلموا أن دعوتكم بدأت تظهر, وبدأت تعمل وتنتصر.."

ولقد رأى أولئك الجند والأتباع هذا كله فأيقنوا أنها لمع البوارق التى عرفهم بها مرشدهم. ثم رأوه يسبقهم بتقديم دمه الزكى الطاهر لمرضاة الله, فقال بعضهم لبعض: لقد ربح البيع فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به ومن اوفى بعهده من الله.؟!

وقال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم – فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ثم ذكر ما كان يردده فيهم مرشدهم من قول الرجل الصالح ممن سبقوهم بالإيمان والشهادة فيه:" إن قتلى شهادة ... وسجنى خلوة... وتغريبى سياحة"

ثم قال ماذا أيها الناس؟

إنه تصحيح لمعنى الشهادة فى أسمى منازلها, كما رسم حدودها لإطهار السابقون. فليست الشهادة لمن باعوا أنفسهم للشيطان وعاشوا يعبون من المتع والشهوات عبا, وباعوا دينهم وأوطانهم بثمن بخس.. وحاربوا الله .. ورسوله والذين يأمرون بالقسط من الناس وعطلوا شعائر الله.. فعلوا هذا الإثم كله ثم وجدوا فى الناس من يزورون الحقائق" ويبتذلون معنى الشهادة فيسمونهم شهداء!

كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.. أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون؟ فصححوا معنى الشهادة, ولا تبتذلوا... ولا تقولوا لمن باعوا أنفسهم للشيطان وعاشوا على الزور والبهتان والبغى والعدوان ثم لقوا مصرعهم جزاء وفاقا لما صنعوا وما كسبته أيديهم لا تقولوا عن هؤلاء إنهم شهداء .. فهم فى النار يسجرون.

ولسنا نحن الذين نقول ذلك وندعيه فقد روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال: فلا تعطه مالك. قال أرأيت إن قاتلنى . قال: قاتله. قال أرأيت إن قتلنى قال : فأنت شهيد. قال أرأيت فن قتلته – قال: هو فى النار.!


أيها التاريخ...!

قف أيها التاريخ..

قف وتعالى معنا لنسجل .. قف وانظر ماذا صنعت حكومة إبراهيم عبد الهادي فى 12 فبراير 1949. وحتى لا تتهم بالتحيز والتأويل فسننقل الوقائع مما نشرته الصحف فى ذلك الوقت وكانت الرقابة قائمة – وهو كما لا نحتاج أن نقول دون الواقع بكثير.

وسننقل التفاصيل ولنا فيما بعد وقفات ووقفات.. قالت جريدة المصرى وقد صودر هذا العدد لأن نشر رقم السيارة التى كانت وقت الحادث أزعج الحكومة وأقلقها فاضطرت لمصادرة العدد. ولكنه كان قد وصل إلى كثير من البلاد, وعرف الناس الحقيقة. وهى أن الحكومة الإبراهيمية قد تحولت إلى عصابة تقتل الناس فى الشوارع, وتريق الدماء بوحشية وشراهة.

كان الشيخ حسن البنا قد تقدم إلى سعادة صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين من نحو عشرة أيام طالبا من سعادة قبوله عضوا فى الجمعية .

ولما كان هذا الطلب يجب أن يعرض على مجلس إدار الجمعية والمجلس بعقد مرة فى كل شهر فقد تقرر أن يعرض عليه.

وقد حدث مساء أمس أن توجه الشيخ حسن البنا إلى المركز العام لجمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلى رقم 12 ومعه الأستاذ عبد الحكيم الذى يسكنه وعند الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والعشرين بطلب فضيلته إحضار تاكسى ليعود فيه إلى منزله ,فأسرع أحد فراشى الجمعية بالمناداة على تاكسى مر مصادفة فى الشارع فى ذلك الوقت وغادر فضيلة الشيخ حسن البنا الدار ومعه الأستاذ عبد الكريم ومحمد المحامي. وعندما هم الشيخ بركوب السيارة أطلق المجهولون عليه وعلى زميله سبع رصاصات ثم ركبوا سيارة كانت فى انتظارهم ولاذوا بالفرار دون أن يتمكن أحد من اقبض عليهم وقد رجع الشيخ حسن البنا والدماء تنزف منه إلى داخل الدار وطلب بنفسه الإسعاف وأخذ اسمى اثنين من موظفى الدار ليستشهد بهما ثم خارت قواه وسقط على الأرض.

وقد ركب الشيخ حسن البنا مع الأستاذ المحامى إلى المركز العام لجمعية الإسعاف فى سيارة التاكسى التى كانت قد أحضرت لنقله إلى منزله وهو لا يبعد عن جمعية الشبان المسلمين أكثر من مائة متر وقد وصل فضليته إلى جمعية الإسعاف فى حالة لم يمكنه من الكلام.

وقد أجريت الإسعافات الأولية ثم أرسل فى سيارة الإسعاف رقم 12 مع زميله المحامى إلى مستشفى القصر العينى.

وتبين أنه أطلقت عليه رصاصات أصابته واحدة من ثديه الأيمن ونفذت من الظهر, واصابته أربع رصاصات فى جنبه وأصابته الرصاصة السادسة فى فمه.

أما الأستاذ المحامي فإنه أصيب برصاصة واحدة فى ذراعه اليمنى وحالته متوسطة.

وتقرر قبول فضيلة الأستاذ الشيخ البنا بمستشفى القصر العينى " سطوح أعلى رجال"

وقرر الأطباء المختصون أن حالته سيئة وأنه فى حاجة إلى عملية نقل دم فى الحال.

وأبلغ الحادث إلى الجهات المختصة فانتقل إلى مقر الجمعية سعادة صابر طنطاوي بك مدير الأمن العام واللواء أحمد عبد الهادي بك حكمدار البوليس والأمير ألاى ماهر رشدي بك.

وصدرت الأوامر بمحاصرة مستشفى قصر العينى. وأمر سعادة حجاب بك مدير القصر بعدم السماح لأحد بالدخول. وقد نفذ هذا الأمر حتى بالنسبة للصحفيين فلم يسمح لهم بتادية واجبهم.

وصدرت الأوامر أيضا بمحاصرة المركز العام لجمعية الشبان المسلمين من جميع الجهات. وشددت الحراسة حول الدرا من كل مكان.

وأخذ رجال البوليس يعاينون مكان الحادث فتبين أن الإصابة وقعت أمام الباب الذى على يمين المدخل الرئيس للجمعية.

ووجدت بقع دماء بسيطة على أفرين الشارع المجاور للباب وشوهدت قطع الزجاج المحطم تبين أنها زجاج السيارة التاكسى الأولى التى كانت قد جىء بها ليستقلها فضيلته.

وقال الأستاذ الليثي للسكرتير بجمعية الشبان المسلمين انه بعد سماعه للأعير النارية أسرع نحو فضيلة الشيخ حسن البنا فشاهد شخصا يستقل سيارة سوداء" لموزين تحمل رقم 9979 وقد صدرت الأوامر إلى إدارة المرور للبحث عن صاحب السيارة وقبيل الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل أخفقت جميع المحاولات لإنقاذ حياته ففاضت روحه متأثرا بجراحه.


تفاصيل وقوع الحادث

ثم قالت الجريدة: علم مندوبنا أن الجانى أقبل بسيارة لموزين سوداء وأوقفها على بعد 15 مترا تقريبا من باب الجمعية بجوار شريط الترام وكان اتجاه السيارة فى امتداد شارع الملكة نازلى إلى شارع مربت باشا وعندما خرج الشيخ ليركب سيارة التاكسى وإلى جواره المحامى من الباب الذى كان مواجها لباب الجمعية. اقبل الجانى وفتح باب السيارة والثانى المقابل للشارع قبل تحركها وأطلق عليهما الرصاصات السبع فأصابتهما على النحو الذى ذكرنه.

وقد ترتب على هذا أن تحطم جميع زجاج السيارة وتناثر إلى مسافة بعيدة كما أصيب السائق بإغماء لشدة وقع الحادث وللمفاجأة التى فوجىء بها.

وتبين أن هذا السائق يدعى على محمود نفادى وأن سيارته ماركة فورد وهى ملكه الخاص.

وعلم مندوبنا أن السائق أمسك عداد السيارة لانزاله بعد أن ركب فضيلة الشيخ البنا والمحامى المرافق له, وبينما هن يستعد للمسير فوجىء بالجانى وهو يطلق الرصاص . وتبين من مكان الحادث أن إحدى الرصاصات اخترقت زجاج السيارة ونفذت إلى حائط الجمعية فأحدثت به ثقبا عمقه 5سم فى مسافة تبعد عن الأرض حوالى 15 سم.

وكان بواب الجمعية ويدعى إبراهيم محمد يقف عند مدخل الجمعية من الداخل فسمع صوت الرصاص فأسرع إلى الخارج فوجد فضيلة الشيخ البنا والدم ينزف من صدره وفمه.

وقال فضيلة الشيخ البنا للبواب " خلاص أنا اتقتلت" وحاول البواب أن يسأله عن الجانى فلم يرد عليه بشىء ثم هرول فضيلته متحاملا عى نفسه إلى حجرة التليفون حيث طلب الإسعاف.

ووجدت مسبحة فضيلة الشيخ حسن البنا فى أرضية سيارة التاكسى واتضح أنها سقطت منه عندما هم بركوب السيارة فوضع إحدى قدميه على السلم ومد يده التى بها المسبحة داخل السيارة.

وقد قصد أحد مندوبى "المصرى" إلى مستشفى القصر العينى فعلم أن فضيلة الأستاذ البنا أصيب بجراح ثلاثة خطيرة بينها جرحان نافذان من الصدر وأصيب كذلك بكسر فى المرفق الأيمن.

وكانت حالة الأستاذ البنا على درجة بالغة من السوء مما اضطر الأطباء إلى نقل الدم له مرتين متلاحقين وقد ظل فضيلة الأستاذ البنا فاقد النطق بعد عمليتى نقل الدم حتى ساعة متأخرة من الليل عجائب...!!

اقرأوا هذا أيها الناس واعجبوا.. ثم تعالوا معنا لنقرأ ما نشرته جريدة الأهرام فى 8 نوفمبر سنة 1949 أى بعد الحادث بعشرة شهور بعنوان ( قصة مقتل الشيخ البنا) قالت:

عندما عرضت قضية محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب على المحكمة العسكرية العليا فى يوم السبت الماضى, وكان مما طلبه الدفاع ضم أوراق التحقيق فى حادث مصرع المرحوم الأستاذ الشيخ البنا إلى القضية مستندا فى هذا الطلب إلى أن شاهد الإثبات فيها قد استهدف لتهديد البوليس ووعيده, ونظرا إلى أن بعض المتهمين قالوا أنهم كانوا يقصدون قتل دولة إبراهيم عبد الهادي باشا. لأنه هو الذى دبر هذا الحادث , فقررت المحكمة ضم هذه الأوراق فأصبحت جزءا من قصة محولة الإغتيال المعروضة هلى المحكمة. ولذلك تنشر فيما يلى تفصيلات الحادث .

حدث على اثر صدور الأمر العسكرى بحل جماعة الإخوان أن سعى الشيخ البنا لتحسين العلاقات بينه وبين رجال الحكومة ليدفع الشبهات عن أعضاء الجماعة, ويشعر ذوى الشأن بأن المتهمين قاموا باحداث الشغب ماهم إلا دخلاء عليها, لبث الفتن بين أعضائها ولصق التهم التى لا تقرها القوانين السماوية بهم.

ولكن هذه الماسعى وقفت على أثر اغتيال النقراشى باشا. وبعد أيام من تولى دولة إبراهيم عبد الهادي باشا رياسة الوزارة تجددت المساعى لغرض المتقدم ذكره, وكان من بين الوسطاء فى تقريب وجهات النظر بين الفريقين – وهما الحكومة وجماعة الإخوان – حضرات صالح حرب باشا وزكي علي باشا ومصطفى مرعي بك ومصطفى أمين بك المدير العام لمصلحة البريد. وهو من أقارب رئيس الوزراء وقتئذ.

وكان من أثر هذه المساعى أن أذاع الأستاذ حسن البنا بيانه المعروف والذى كان عنوانه " بيان للناس" وكانت تكشف المحادثات الدائرة بين الفريقين كثيرا من الصعوبات غير أنها ظلت دائرة حتى قبيل اغتيال الشيخ البنا:

ونحن نورد هنا خلاصة وافية لما تضمنه التحقيق فى حادث مقتل المرحوم الشيخ البنا.


استدعاء

فقد طلب الأستاذ محمد الناغي عضو مجلس غدارة جمعية الشبان المسلمين إلى الأستاذ محمد يوسف الليثي رئيس قسم الشباب بالجمعية أن يذهب إلى دار الشيخ البنا ويدعوه إلى مقابلته فى الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 11 فبراير الماضى بدار الجمعية لكى يبلغه نتائج هامة وسارة عن المسائل المعلقة الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين لأنه مكلف بإبلاغه ذلك من قبل قريبه دولة إبراهيم عبد الهادي باشا فذهب الأستاذ الليثى إلى منزل حسن البنا فى الساعة الثانية بعد الظهر السبت وأخبره بذلك فقال له الأستاذ البنا أن هؤلاء الناس نيتهم سيئة أنهم لا يريدون أى تفاهم ولقد بلغنى الآن أنهم اعتقلوا الرجل الطيب المسن الذى كنت قد أخبرتهم بأننى سأسافر عنده بعد يوم أو اثنين وعلى كل حال فأننى سأحضر لمقابلة الأستاذ الناغى ثم حضر الأستاذ البنا فى الموعد المحدد وظل مع الأستاذ الناغى بمكتب الدكتور الدرديرى مدة طويلة وقد طلب الأستاذ الناغى فى هذه الأثناء معالى على باشا وزير الدولة تليفونيا ولكنه لم يجده فانتظره الإثنان حتى الثامنة ولكنه لم يكن قد حضر بعد إلى منزله.

فانصرف الأستاذ الناغى بعد أن تفاهم مع الأستاذ البنا على أن يتقابلا صباح اليوم التالى 12 فبراير.

وقد استفهم الأستاذ الليثى من الأستاذ البنا عن نتائج المقابلة فقال له إننى لم أخرج من مقابلتى مع الأستاذ الناغى بأية نتيجة تذكر. وقد أعاد على مسامعى مسألة تسليم الأسلحة ومحطة الإذاعة فقلت أن هذا الموضوع لا يمكن التحدث فيه إلا بعد الإفراج عن المعتقلين لأننى أجهل كل شىء عنه.

ثم طلب الأستاذ البنا فى الساعة الثامنة والثلث سيارة أجرة كان يرافقه فى نزوله صهره الدكتور عبد الكريم منصور والأستاذ الليثى وفى هذه الأثناء, جاء خادم وابلغ الليثى أن التليفون يطلبه ولكنه رافق الشيخ إلى أن ركب السيارة ومعه صهره. ثم دخل دار الجمعية ليتحدث فى التليفون, وفى أثناء ذلك سمع طلقات نارية فترك التليفون وذهب إلى الخارج ليستطلع مصدر هذا الصوت فوجد فى مواجهة الدار شابا كويل القامة نحيل الجسم يلبس جلبابا ويضع على رأسه كوفية بيضاء القامة ويمسك بيده مسدسا فصاح الليثى طالبا إمساكه فأطلق عليه عيارا ناريا أخطأه وأصاب حائط دار الجمعية ثم جرى وراء الليثى فى الشارع وأطلق عليه عيارين ناريين أخطأه أيضا وبعد أن استنفد الطلقات النارية اتجه نحو الرصيف الآخر حيث لحق به شخص آخر وركبا سيارة سوداء انطلقت بهما فى شارع الملكة نازلى.

وكان الاستاذ البنا وقتئذ قد نزل من السيارة ودخل إلى الجمعية وهو يقول " قتلت... قتلت"

وعندئذ دخل محمد الليثي على الجمعية فوجد سماعة التليفون مازالت مرفوعة وقد اتضح له أن المتحدث هو الصاغ محمد الجزار الضابط بالقلم السياسى, وكان مازال منتظرا حتى يتحدث معه فصاح محمد الليثي فى التليفون قائلا أن الأستاذ حسن البنا قد أطلق عليه الرصاص أمام الجمعية فقال له الجزار متسائلا وهل مات أو لا يزال حيا.

وفى هذه الأثناء ذهب الأستاذ بالسيارة إلى دار الإسعاف وذهب على أثره إلى هناك محمد الليثي فوجد الأستاذ البنا يكرر الشهادتين.

وهنا رأى محمد الليثي شابا اسمر اللون يلبس جلبابا وطربوشا وقال إنه كان بالقرب من مكان السيارة التى هربت عليها الجناة وأنه التقط رقمها وهو 9979.


فى مستشفى القصر العينى

ونقل الأستاذ البنا إلى مستشفى القصر العينى, وصحبه الليثى وترك هذا الشاب الأسمر على أن يدلى بأقواله فى التحقيق .

وجاء إلى المستشفى القائمقام محمد وصفي وقابل أحد الأطباء وأبلغه انه موفد الحكمدار ليقف على حالة الشيخ, فقال له محمد الليثي عن رقم السيارة التى هرب عليها الجناة هو 9979.

وبعد ذلك عاد الليثى إلى دار جمعية الشبان المسلمين, فرأى هناك بعض الصحفيين فذكر لهم رقم السيارة , فنشرته جريدة المصرى فى عدد اليوم التالى. ولكن رقابة النشر صادرت هذا العدد.

وفى هذه الأثناء طلب القائمقام مصطفى حلمي وهو من ضباط بوليس القاهرة الذين جاءوا إلى الدار بسبب الحادث إلى الأستاذ الليثى أن شخصا يريد محادثته بالتليفون.

قلى هذا الطلب, وكان المتحدث هو الصاغ الجزار أيضا وسأله عما رأى وسمع فأدلى إليه وكل معلوماته. فقال له الجزار.

ولماذا تذكر جميع هذه المعلومات وهى تجر عليك كثير من المتاعب ومع ذلك فلا تتحدث مع أحد حتى أكلمك مرة أخرى. وإن كنت متعبا من وجودك فى الجمعية فإنى أسهل سبيل الإنصراف.

وعند منتصف اليل طلب القائمقام حلمى إلى الأستاذ الليثى أن ينزل إلى الطابق الثانى لمقابلة شخص ينتظره. فلبى الطلب وتبين ا، هذا الشخص هو اليوزباشى زهدى, فأوصله إلى الصاغ الجزار وكان منتظرا خارج الدار.