الانطلاق نحو التغيير إلى أين؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢٩، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "الانطلاق نحو التغيير إلى أين؟" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الانطلاق نحو التغيير إلى أين؟
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

الانطلاق نحو التغيير لا يكون ضربة حظ، ولا يأتي خبط عشواء، بل دائمًا ما كان يسبقه دراسات وتخطيط، تحليلات وتشخيص، ثم انطلاقات ومبصرات، وأعمال مبهرات، تستطيع أن تحوِّل من الأسوأ إلى الأوفق، ومن الحسن إلى الأحسن، ومن الخمول إلى النهوض، ومن الانحدار إلى الابتكار.

وللعلماء في أمتنا أفكار وآراء في هذا الانطلاق الحضاري والتغيير الإيجابي، وجلُّ هذه الانطلاقات تركِّز على إيقاظ الشعوب والأفراد، ببعث الروح والقوة وإيقاظ العقل والعزيمة، وتعديل الغرائز وبعث الأخلاق، والالتفات العلمي والبحثي وعدم التأثر بالدونية الحالية، وليعلم الجميع أن التاريخ الإسلامي يتصف بالقدرة على الاستمرارية والانتقال من حالٍ إلى حال، وتاريخ الأمم فيه التوثب والركود، والصعود والهبوط، والاستقامة والتعرج.

وقروننا الأخيرة صاحبَها فترة تخلف علمي شديد، وانتكاسة حضارية كبيرة، لكن الأمة الإسلامية عندها القدرة على النهوض، وعندها الدافعية إلى الريادة، والقابلية للتفوق؛ لتراثها العظيم، وتاريخها الباعث، وأبطالها الغرِّ الميامين، وقد ظهر عند كل شدة، وقام بعد كل ملمِّة من جدَّد لها أمر دينها العظيم، وقادها نحو خيريتها وريادتها من جديد.

إذن فمن الذي يمنع الأمة اليوم من النهضة، ويحول بينها وبين الريادة، وينقذها من التخلف الحضاري الذي أصابها؟؛ مما يجعل عدوها يتغلَّب عليها ويستعمرها ويفرض عليها هويته وأفكاره التي أصابتها بالفوضى الاجتماعية، والتقاعس عن أداء الواجبات، وزهدها ويأسها في العلم والريادة البحثية؛ مما يجعل بلداننا الكبيرة وأقطارنا الشاسعة كلاًّ على الناس، وعالةً على الشعوب، ويصيبها بالاستكانة والضعف حتى تنادت الشعوب الصغيرة والكبيرة لغزوها والسيطرة عليها، ونهب خيراتها واستحلال مقدراتها، وهذا بلا شك يقتضي بحثًا في ذاتنا أولاً، وفي أحوالنا وأوضاعنا قبل أن يكون شيئًا خارجيًّا عنا؛ وذلك مطابق لقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 165).

إذن فهناك أسباب لهذه الانتكاسات الحضارية لا بد من دراستها والعمل على إزالتها، وقد قام كثيرٌ من الروَّاد لنهضتها اليوم بدراسة أوضاع الأفراد والأمم وتشخيص الداء الوبيل الذي أصابها، وخلصوا من ذلك إلى أسباب معينة؛ منها:

1- أسباب داخلية في الأفراد.

2- أسباب داخلية في المجتمع.

3- أسباب في واقعنا المَعِيش.

أما الأسباب الداخلية في الفرد فتتلخص في الشلل الأخلاقي، من أولها السياسة؛ حيث تتحوَّل بفقدان الأخلاق إلى "بولتيك"، والمجتمع المتحضر إلى منحطٍّ في العدالة والمساواة والعهود والمواثيق، وهذا يعمل في الانفصال بين النموذج القرآني والتطبيق العملي بما يسمَّى "النفاق" يلخِّصه قول الشاعر الفرزدق للحسين بن علي:

أحب الحسين ولكنني لساني عليه وقلبي معه

إذ بدأ ضمير المسلم يتهرَّب من قوله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).

2- الخلل الفكري: إذ بدأ المسلم يُصاب كما يقول البعض، "بذهان السهولة" في تقويمه للأشياء، أو الغلو فيها: ويتمثل ذهان السهولة في قضية فلسطين؛ حيث عاش الناس أزمانًا ينخدعون بأقوال البعض: إن إخراج اليهود من فلسطين سيتم خلال أشهر، ولو نفخنا عليهم نفخةً واحدةً لطاروا، ومنهم من يقول: سنلقي بهم في البحر، ومنهم من يقول: إسرائيل المزعومة لا بد من إزالتها من الوجود، كل هذا بدون أن تستعد وتعد هذه الذهنية شيئًا لذلك، في حين أن اليهود قد أخذوا الأمور بتبعاتها وأسبابها ومخططاتها وتعملقوا على العرب والمسلمين.

3- "ذهان الاستحالة"؛ حيث يرى المسلم أن الأمور مستحيلة، ويقف أمامها عاجزًا، ولكنها في الحقيقة غير مستحيلة، وربما يضخمها عمدًا حتى لا يُتعب نفسه في إيجاد الحلول لها أو أن يشعر بضعف همته فيحكم عليها بالاستحالة ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22).

هذا في حالة علوِّ همة المسلمين، أما في حالة ذهان الاستحالة: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا (13)﴾ (الأحزاب).

4- طغيان فكرة الأشياء: عدم الانسجام أو التوازن بين الشيء والحاجة؛ فقد يكون هناك العناية بالكثرة والكم، ويكون الاهتمام بالعتاد والذخيرة، وليس هناك اهتمام بالجندي وتدريبه، وبعقيدته وغايته، فتأتي الفئة الصغيرة فتطيح به: ﴿قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 249).

5- طغيان عالم الأشخاص: قد يتعلَّق الناس بالأشخاص أكثر من تعلُّقهم بالمبادئ والغايات، وقد تتجسَّد الأفكار في أشخاص ليسوا أهلاً لحملها، فتُحسب أخطاؤهم وانحرافاتهم على المجتمع الإسلامي أو على الإسلام، وقد كان الإسلام واضحًا كل الوضوح في عدم ربط الرسالة والقيام بها بقائد الرسالة والدعوة.

﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144).

6- الهوامش الفكرية: قد يُصاب المسلم بالهوامش الفكرية بحيث يعرف ما لا ينبغي أن يشغل نفسه به، وبالأشياء التي لا تأخذ طريقها إلى التطبيق، ورحم الله من قال: "كل أمر لا ينبني عليه عمل فهو من الأعمال التي نهينا عنها شرعًا".

﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة: من الآية 101)، ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: من الآية 114).

7- الفعالية: فإننا عندما نجد أن أفكارنا صحيحة فإنها ينبغي أن تكون فعَّالةً، ولا تكون فعَّالةً إلا إذا أمكن تطبيقها وإنزالها على الواقع، واللهِ من هنا يأتي العقم، ويأتي الانفصال عن الأهداف والغايات وتصبح هذه الأفكار خداعًا لأصحابها، هذا وغيره من الأمراض التي يقع فيها الأفراد، وإن شاء الله لنا مع الموضوع بقية، وأسأل الله أن يوفِّق وأن يعين.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.. آمين.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى