الحزب الوطنى وقرارات اللحظة الأخيرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:٤٣، ١٢ أبريل ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات) (حمى "الحزب الوطنى وقرارات اللحظة الأخيرة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحزب الوطنى وقرارات اللحظة الأخيرة

10 مايو 2010

بقلم: ضياء رشوان

عند نشر هذا المقال تكون الفترة المتبقية من المد الأخير لحالة الطوارئ نحو خمسين يوما فقط يكون خلالها على رئيس الجمهورية المخول وحده وفقا للدستور اتخاذ قرار بإلغائها أو بمدها ثم العرض على مجلس الشعب وأخذ موافقته، ومع ذلك فلا أحد يعلم بدقة نية الرئيس ولا حزبه ولا حكومته فيما يخص الطوارئ حتى الآن.

كذلك فإن المدة المتبقية على فتح الباب لانتخابات رئاسة الجمهورية المقررة فى العام المقبل يزيد عاما عن المدة المتبقية لحالة الطوارئ، وأيضا لا أحد يعلم سواء بدقة أو بغير دقة توجهات الرئيس أو حزبه أو حكومته فيما يخص مرشحهم الرسمى لهذه الانتخابات.

أيضا فإن باب الترشيح لانتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى قد فتح منذ الأربعاء الماضى (5 مايو) وأغلق بالأمس الأحد (9 مايو)، وحتى لحظة كتابة هذا المقال ظهر السبت (8 مايو) لم يكن الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم قد أعلن أسماء مرشحيه فيها بل إن أمينه العام صرح بأن هيئة مكتب الحزب انتهت اليوم فقط من تحديدها ورفعت بها تقريرا لرئيس الحزب ورئيس الجمهورية لأخذ موافقته عليها.

المعنى العام المشترك بين مواقف الحزب الحاكم ورئيسه من هذه التطورات الرئيسية الثلاثة هو أن هناك بالفعل حالة من الارتجال والفوضى تسيطر على أداء الحزب الذى يهيمن على شئون مصر منذ نحو اثنين وثلاثين عاما وعدم القدرة على اتخاذ القرارات المهمة والحاسمة فى الوقت المناسب.

فلاشك أن كل قيادات الحزب الحاكم والنخبة المصرية جميعها بل وقطاعات واسعة من عموم المصريين تعرف أن هذه التطورات الثلاثة لها مواعيدها المحددة منذ سنوات طويلة، فمد الطوارئ معروف منذ عامين وانتخابات الرئاسة معروفة منذ خمس سنوات والتجديد النصفى لمجلس الشورى معروف منذ ثلاثة أعوام.

ومع ذلك يبدو الحزب الحاكم وجميع قياداته دوما وكأنهم مفاجأون بهذه المواعيد والتواريخ، فتبدأ حركتهم فى الاضطراب والارتجال ويسود الغموض غير البناء فلا يعرف أحد بداخل الحزب أو خارجه حقيقة موقفه النهائى من كل منها.

وهنا يبدو وضع الحزب مأساويا حين يقارن المرء بين تردده واضطرابه فى مواجهة مواعيد واستحقاقات معروفة له وللجميع منذ سنوات فى حين يزعم وبعض قياداته أنه يعد ويخطط لمصر كلها فى عام 2050، أى بعد أربعين عاما من اليوم. فهل من الممكن الثقة فى حزب لا يعرف قراره بشأن أحداث وتطورات بقى على بعضها أيام وبعضها الآخر شهور قليلة، فى أن يخطط ويضع تفاصيل حياة المصريين فى مستقبل يبعد عنا أربعة عقود؟

ويزداد هذا المعنى مأساوية عندما نضع هذا التردد والارتجال فى قرارات الحزب الحاكم فيما يخص التطورات والاستحقاقات الكبرى فى نظامنا السياسى، فى مقارنة مع الادعاءات الكثيرة والغزيرة التى تتلاحق فوق رءوسنا منذ ثمانى سنوات حول «الفكر الجديد» فى الحزب والدور الهائل الذى أسهم به فى تطويره وترسيخ قواعد العلم والحداثة بداخل مستوياته التنظيمية وعضويته الآخذة فى التزايد بسبب ذلك.

فهذا الاضطراب والارتجال والغموض غير البناء فى مواجهة التطورات والاستحقاقات المعروفة مسبقا ومنذ سنوات طويلة ينفى بصورة لا تحتاج للإثبات كل ما راحت تلوكه ألسنة قيادات الفكر الجديد خلال السنوات الأخيرة وتخطه أقلام مؤيديه ومريديه فى الصحف المصرية من ادعاءات بالتحديث والعصرنة واتباع المنهج العلمى فى ممارسة السياسة.

وليس هذا فقط، بل إن أصحاب الفكر الجديد ومؤيديه ومريديه يذهبون إلى أبعد منه كثيرا حينما يحاولون بطرق مختلفة تبرير اضطراب حزبهم وارتجاله فى مواجهة الاستحقاقات المعروفة لها منذ سنوات بتصريحات وكتابات يسوقون فيها حججا هم أول من يعرفون أنها غير صحيحة ولا أثر لها فى الواقع السياسى.

ولعل أبرز هذه الحجج فيما يخص عزوف الحزب عن إعلان اسم مرشحه لانتخابات الرئاسة هى أن الوقت لا يزال طويلا وأن أحدا فى دول العالم الديمقراطية لا يعلن اسم مرشحه فى هذا الوقت المبكر، وهو الأمر الذى يعرفون جميعهم أنه غير صحيح وأن عاما تقريبا قبل انتخابات الرئاسة يعد وقتا متأخرا لإعلان الأحزاب الحقيقية فى الدول الديمقراطية اسم مرشحها حيث يعلنه بعضها قبلها بعامين أو أكثر.

وتأتى الحجة الثانية التى باتت مكررة فى تصريحات وكتابات أهل الفكر الجديد وهى أن اسم مرشح حزبهم للرئاسة هو أمر يخصهم وحدهم دون غيرهم ولا يجب على أحد أن يجبرهم على إعلانه فى الوقت الذى لم يحددوه هم، وهى حجة تبدو وجيهة فى نظر البعض، وإن كانت وجاهتها تزول فور تذكر أن منصب الرئاسة أخطر فى نظامنا السياسى من أن يترك تحديد اسم من يرشح له للحظة الأخيرة، وأن تعديل المادة 76 من الدستور الذى أجراه الحزب الحاكم وهيمنته المستمرة والكاملة على كل شئون البلاد تجعل من انتخابات الرئاسة القادمة ــ كالسابقة ــ مجرد تحصيل حاصل لاختيار رئيس للبلاد الذى سيحدده هو الحزب الحاكم نفسه.

ومع كل ذلك، فلنعتبر أن تسمية مرشح الحزب الوطنى بفكره الجديد والقديم هو شأن حزبى داخلى لا دخل لنا ــ نحن المصريين الذين سيحكمهم هذا الرئيس ــ فيه، ولننتظر الوقت الذى يراه قادة هذا الحزب ملائما لكى يعلمونا باسم مرشحهم ورئيسنا القادم.

إلا أن هذا لا يلغى حقنا فى الملاحظة فيما يخص قضية ترشيحات الحزب الحاكم لانتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى، حيث يبدو واضحا من تأخير الحزب فى إعلانها حتى اللحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشيح أمران على الأقل: الأول أن الحزب لم يعد ــ ككل الأحزاب الكبيرة الحقيقية على مستوى العالم ــ خلال السنوات السابقة مرشحين محتملين له لهذه الانتخابات، واقتصر دوره كالعادة على قبول طلبات ترشيح المنتسبين إليه اقتناعا أو اضطرارا لكى يختار من بينهم مرشحيه للمجلس الأول فى برلمان البلاد.

فدور الحزب بدا كدور «مكتب التنسيق» الذى يقتصر على المفاضلة بين المؤهلين لدخول الانتخابات من وجهة نظر الحزب، وليس الدور الطبيعى للأحزاب الحقيقية فى إعداد وتأهيل هؤلاء المرشحين خلال السنوات الطويلة السابقة على الانتخابات. من هنا ظهر الأمر الثانى والذى ينفرد الحزب الوطنى به من بين كل أحزاب العالم، وهو خوفه من تمرد المنتسبين إليه والمتقدمين للترشيح على قوائمه فى انتخابات الشورى، فلم يجد من حلول سوى «تكتيفهم» بتوكيلات الترشيح والتنازل لأمناء الحزب بالمحافظات وتأخير إعلان الأسماء إلى آخر لحظة حتى لا يرشح بعضهم أنفسهم مستقلين عنه.

ألا يمثل هذان الأمران الخارجان على كل التقاليد الحزبية فى العالم دافعا كافيا لقيادات الحزب، أو على الأقل لأصحاب الفكر الجديد ومؤيديه ومريديه من مدعى العلمية والحداثة، لكى يدرسوا تلك الظاهرة التى لا يمكن وضعها سوى تحت عنوان واحد هو «فشل التربية السياسية والانضباط الحزبى».

إلا أن اعتبارنا تجاوزا أن تسمية مرشح الرئاسة من جانب الحزب الحاكم هى أمر يخصه دون غيره، لا ينصرف دون شك إلى حالة الطوارئ التى نرزح تحتها منذ نحو ثلاثين عاما هى نفسها مدة حكم الرئيس مبارك كلها؟ فالإجابة عن التساؤل حول من يهمه الطوارئ؟ بسيطة ولا تحتمل التعقيد أو «الفذلكة»، فهى شأن خاص لنا جميعا نحن المصريين من جميع الشرائح والفئات والطبقات ومن حقنا أن نعلم هل سنظل نعيش فى ظل الطوارئ وإلى أى مدى، أم أننا سنتمتع للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود بحياة «عادية» كتلك التى يعيش فى ظلها شعوب العالم الأخرى.

ومع ذلك فإن قادة الحزب الحاكم صاحب الأغلبية الشعبية الهائلة لا يزال يضن علينا وعليها بإجابة واضحة حول مصيرها قبل أقل من شهرين على انتهائها الرسمى.

ومع ذلك فالإجابة واضحة والتمهيد لها أتى فى خطابى الرئيس فى عيدى تحرير سيناء والعمال حين أكد على «خطر الإرهاب» وضرورة الاستعداد لمواجهته، وهو ما يعنى «كلمة السر» التى سيعلن بعدها بأيام قليلة قرار رئيس الجمهورية بمد آخر لحالة الطوارئ لن يقل هذه المرة أيضا عن عامين على الأرجح.

وبالتوازى مع إشارات الرئيس الواضحة للمد أتت إشارات نجله السيد جمال مبارك أمين السياسات بالحزب وقائد الفكر الجديد فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مؤخرا لكى تضع «إطارا نظريا» لهذا المد به الكثير مما اعتدنا عليه من أهل الفكر الجديد من صياغات براقة وتبريرية للسياسات والقرارات المرسخة لحالة الاستبداد وغياب الديمقراطية فى البلاد.

فرئيس المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطنى، طالب حكومة حزبه بوضع «بعض الضوابط الإضافية» التى تلزمها بما تتعهد به كل عام من تطبيق القانون على حالات الإرهاب فقط، وذلك بحسب تعبيره «إذا اضطرت الحكومة إلى مد حالة العمل بقانون الطوارئ»، مضيفا أن هناك أفكارا سيقدمها الحزب للحكومة بشأن هذه الضمانات، ومؤكدا أن حزبه يدفع فى اتجاه صدور قانون مكافحة الإرهاب فى أقرب وقت ممكن، لكن القانون لا يزال يحتاج إلى نقاش بحسب تعبيره.

ويبدو واضحا من هذه التصريحات أن قائد الفكر الجديد قد فاته أن يذكر لنا ــ نحن المصريين المحكومين بالطوارئ ــ الأحداث أو الإحصاءات المرتبطة بوقائع الإرهاب التى جرت خلال العامين الأخيرين والتى تبرر مد جديد للطوارئ، كما فاته أن يحدد ــ كما تستلزم التقاليد العلمية للفكر الجديد ــ بدقة وصراحة الضوابط والضمانات التى يراها وحزبه كافية لحيلولة دون تغول الطوارئ على حياة المصريين.

أما الشىء الأهم الذى فات قائد الفكر الجديد فهو قوله بأن قانون مكافحة الإرهاب لا يزال يحتاج لوقت إضافى لصياغته والنقاش حوله، فى حين أنه أول من يعلم أن صياغته النهائية قد تمت قبل أكثر من عامين، كذلك فإن النقاش حوله لم يحدث أبدا ولن يحدث حسب تصريحات زملائه فى قيادة الحزب الحاكم، فهو مشروع يبدو إقراره وتطبيقه الرابع مع زملائه الثلاثة السابقين: العنقاء والغول والخل الوفى.

المصدر