الحلقة الثامنة والعشرون: زيارة الأردن في شتاء سنة 1982م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٢٢، ٨ يناير ٢٠١١ بواسطة Menna (نقاش | مساهمات) (حمى "الحلقة الثامنة والعشرون: زيارة الأردن في شتاء سنة 1982م" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زيارة الأردن في شتاء سنة 1982م

موقع القرضاوي/13-12-2008

وفي شتاء سنة 1982م جاءتني دعوة من صديقنا الأستاذ كامل الشريف وزير الأوقاف الأردني، لإلقاء بعض المحاضرات بمناسبة المولد النبوي.

وكنت قد انقطعت عن الأردن بعد آخر زيارة لها في صيف سنة 1966م، حين كان مصيفي في مدينة (الخليل) العريقة ذات العبق الإسلامي، والنفس الإسلامي، وقد تحدثت عنها في الجزء الثالث من هذه المذكرات، وكانت النية أن أعود إليها في السنوات القادمة لولا ما قدره الله عليها وعلى فلسطين وعلى الأمة من انتصار إسرائيل السريع في سنة 1967، واستيلائها على الضفة والقدس والقطاع وسيناء والجولان، وكانت الهزيمة المخزية التي سموها (النكسة)!

كامل الشريف

لم أعد إلى الأردن من يومها، فكانت فرصة لتجديد الصلة بإخواننا هناك، وتجديد الصلة بأبي إسماعيل الأستاذ كامل الشريف، الذي بعد العهد به، فقد كان من الإخوان البارزين في مصر، الذين كان لهم دور في حرب فلسطين سنة 1948م، وقيادة كتائب المتطوعين من الإخوان، وقد سجل ذلك في كتابه (الإخوان المسلمون في حرب فلسطين) وهو من أهم الكتب التي سجلت هذه المرحلة من خلال المعايشة في الميدان والوقائع اليومية، فهو شاهد عيان، وليس مجرد راو يحكي عن غيره، فهو وإخوانه ممن يصنعون التاريخ، وليسوا مجرد رواة لأحداثه.

كما كتب كتابا آخر (عن المقاومة السرية للإنجليز في قناة السويس) سجل فيه نضال الحركة الإسلامية والحركة الوطنية في مقاومتها للاحتلال البريطاني، وسقوط شهداء الجامعة من أمثال عمر شاهين والمنيسي وغانم والأعسر. رحمهم الله.

وقد أسقط عبد الناصر جنسية كامل الشريف المصرية مع أربعة آخرين من الإخوان (سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين وسعد الوليلي ونجيب جويفل) مع أحمد أبو الفتح، وكانوا وقتها في مهمة في سورية الشقيقة.

وكامل الشريف من عائلة (عريشية) تسكن مدينة العريش عاصمة سيناء، ومدخل مصر من الشمال الشرقي، وقد زرتها في شهر رمضان لسنتين متتاليتين في سنة 1957م،1958م مبعوثاً من وزارة الأوقاف، وعاشرت أهلها، فأحببتهم وأحبوني، وقد وجدت فيهم كرم العرب وشهامتهم، ولمست فيهم دماثة الخلق، وحب الخير، وعرفت عددا من آل الشريف وآل الرفاعي فيها، وأهل العريش يتميزون بأنهم همزة وصل بين أهل الوادي في مصر وأهل فلسطين والشام، فلهجتهم أشبه بلهجة رفح وخان يونس وغزة القريبة منهم.

لذلك لم يكن غريبا: أن يلجأ الأستاذ كامل الشريف – وقد سحبت منه الجنسية المصرية- إلى الأردن، وأن يجد عند الملك حسين والمسؤولين فيها ترحيبا وتكريما، وأن يعطوه الجنسية الأردنية بكل سهولة، دون تلكؤ، وأن يصبح مواطنا أردنياً تفتح أمامه كل الأبواب دون عائق.

ورأيي أن إسقاط جنسية أي مواطن: جريمة منكرة، غير مبررة بحال، فالجنسية أمر يحمله الإنسان بمولده، كونك مصريا أو سوريا أو مغربيا، لا يحتاج إلى إثبات، كونك مولودا من آباء مصريين وأنك تعيش في مصر من عشرات أو مئات، وربما آلاف السنين، كيف يسحب هذا منك، لمجرد اختلافك مع الحاكم؟

ثم إني أرى أن البلاد الإسلامية –فضلا عن العربية- وطن واحد للمسلم، فإذا ضاق به بلد، ينبغي أن يتسع له آخر، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} [النساء:97].

كامل الشريف شخصية إسلامية واعية نشيطة متحركة، عمل سفيرا للأردن في عدد من البلاد الإسلامية، ولم يكن مجرد سفير للأردن، بل كان سفيرا للإسلام.

وهو لذلك قاسم مشترك في أكثر المنظمات الإسلامية العاملة في ساحة الدعوة والخير والإغاثة، فهو عضو في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي منذ تأسيس الرابطة، وعضو مجلس إدارة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وهو الأمين العام للمجلس العالمي للدعوة والإغاثة، وعندما دعوت لتأسيس جمعية عالمية للإشراف على موقع "إسلام أون لاين.نت" كان هو من أبرز المدعوين، وكل عمل إسلامي عام لا يستغني عن الاستعانة بخبرة كامل الشريف وجهده.

استجبت لدعوة كامل الشريف لزيارة الأردن، وألقيت محاضرة في الاحتفال بالمولد النبوي عن واجبنا نحو محمد صلى الله عليه وسلم ونحو سيرته، كما ألقيت محاضرة في الكلية العلمية، وأجريت أكثر من حوار مع الصحف اليومية تحدثت فيها عن فكرة إنشاء صندوق عالمي للإغاثة والدعوة الإسلامية، ردا على دعاة التنصير الذين جمعوا ألف مليون دولار لتنصير مسلمي العالم.

حصار الثلج في طريق الجامعة

ثم دعيت إلى محاضرة في الجامعة الأردنية تحت إشراف كلية الشريعة بعنوان (الجيل الذي ننشده).

وقد صلينا الظهر، واتجهنا إلى القاعة التي تجمع فيها جم غفير من الطلاب والطالبات، وكان الجو ينذر بأن الثلج قد بدأ ينزل خفيفا في أول الأمر، ولكن بعض الأخوة – من خلال تجاربهم- توقع أن يتفاقم ويسد الطرق ويحدث مشكلة، ويحبس الشيخ في الجامعة أو في الطريق، وقال هؤلاء الإخوة: لا بأس بإلغاء المحاضرة، أو تأجيلها ليوم آخر لهذه الضرورة، وقال آخرون: إن آلاف الطلاب والطالبات ينتظرون في القاعة منذ أكثر من ساعتين، فإذا فاجأناهم بإلغاء المحاضرة كانت صدمة!

ثم قالوا: نترك الأمر للشيخ! فقلت لهم: ماذا تصنعون أنتم في مثل هذه الطوارئ؟ قالوا: نؤدي واجباتنا الجامعية، حتى تنكشف الغمة؟

قلت: إذن يجري عليّ ما يجري عليكم.

وذهبت إلى المحاضرة، وانتهيت منها، وقد بدأ الثلج يشتد، وأسرعنا بركوب سياراتنا، وقد عبأها السائق بالبترول، وبادرنا بالخروج من الجامعة، وكان الطريق قد بدأ يتراكم عليه الثلج، ولا تستطيع السيارات أن تمشي فيه إلا ببطء شديد، وعلى مد البصر نرى السيارات، وقد صف بعضها وراء بعض، ولا تكاد تتحرك، ثم بعد مدة توقفت تماماً، وزاد الطين بلة: أن بعض السيارات التي تتوقف تعطل الطريق، ولا تجد وسيلة لتحريكها من الطريق، فمن الذي يمكنه الوصول إليها؟

والجو يزداد برودة، والليل يقترب، والسيارات لا بد أن تستخدم التدفئة، لأن الجو الطبيعي لا يحتمل، وطول استخدام التدفئة يعني أن تظل السيارة شغالة، وهذا ما يستهلك بترولها، فيوشك أن ينفد بعد حين.

دخل الليل علينا، ونحن محبوسون في الطريق داخل السيارة، وليس من حولنا منازل أو مساكن يمكننا أن نلجأ إليها إذا نفد البترول، نحن مهددون بالخطر، كما أن غيرنا مهدد. من فضل الله علينا أن سائقنا ملأ خزان سيارته بالبترول، وهو يستخدمه بحكمة، يشغل السيارة حينا، ويطفئها حينا، تحسبا لكل احتمال.

والإذاعة تذيع باستمرار، تقول: الطريق الفلاني قد أغلق، فلا داعي للسيارات أن تبدأ السير فيه، فتنقطع في الطريق.

والأهالي يريدون أن يطمئنوا على أبنائهم وبناتهم في الجامعات، والجهات المسؤولة تطمئن الأهالي: أنهم بخير.

ووزارة الداخلية، وإدارة الدفاع المدني، وقيادة القوات المسلحة: تذيع على الناس أنها ستعمل اللازم لإنقاذ الموقف.

ولم ينقذ الموقف بالفعل إلا دخول الجيش بإمكاناته وقواته المادية والفنية، ومعها قوات الشرطة والدفاع المدني، وبدأ العمل بإزاحة الثلج من الطريق، وفسح المجال للسيارات المتوقفة منذ ساعات، وتنفسنا الصعداء، وقلنا: الحمد لله الذي أخرجنا من هذا المأزق.

وكنا مدعوين على الغداء عند وزير الأوقاف، وقد ظل القوم ينتظروننا على الغداء حتى يئسوا، فتناولوا غداءهم، وقد فاتنا الغداء، ثم قلنا سنعوضه في العشاء، لكن لم نصل إلا قرب الساعة العاشرة مساء. ففاتنا الغداء والعشاء معا.

كنت أحسب أن نزول الثلج، وكأنه بلاء أنزله الله بالناس يستعاذ بالله منه، ولكني في صباح اليوم التالي رأيت الناس يحدثوننا عن نعمة الله عليهم بنزول الثلج، وأنه مطهر للأرض من الحشرات، وزيادة مخزون المياه، وأن من فوائده كذا وكذا.. ورأيت الأطفال يصنعون من الثلج عرائس وأشكالا يلعبون بها، ويتخذون منه كرات صغيرة يقذف بها بعضهم بعضا، والفرحة على وجوه الجميع، وهنا قلت: مصائب قوم عند قوم فوائد، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

طالع في الحلقة القادمة:

الزيارة الأولى ل الجزائر