الديكتاتور.. واستغفال الشعوب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٢٤، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "الديكتاتور.. واستغفال الشعوب" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الديكتاتور.. واستغفال الشعوب
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

قبل أن تلوم الديكتاتور يجب أن تلوم نفسَك، فالشعوب هي التي تربِّي الديكتاتور، وهي التي تمنحه السلطة، وتجعل له جيشًا وشرطةً تجلد الشعب وتمتهنه وتركِّعه، وهي خانعةٌ ذليلةٌ مستكينةٌ ومستجديةٌ، هذه مسلَّمات طبيعية لا تحتاج إلى إعمال فكر أو إجهاد عقل، يفهمها حتى الأميّ، ويعرفها حتى الطفل الرضيع.

فقد رأيت رضيعَين، أحدهما ساكن هادئ، والآخر هائج باكٍ؛ لأن الأول عوَّدته أمه على طريقة معينة، فلا تحمله أو تلبي له طلبًا غير معقول، والآخر تحمله أمه وتخضع لكل ما يطلب؛ ولذلك فهو دائم الصياح إذا لم تحمله وتظل واقفةً حتى يسكت، فإذا وضعته انطلق الهياجُ فتنزل على رغبته وتظلُّ واقفةً به حتى ينام، فقلت: من علَّم هذا الطفل استعبادَ تلك الأم؟! إنها أمه!! ومن علَّم الطفل الأول؟! إنها أمه..!!

هذه طبيعة الأطفال.. فما بالكم بالديكتاتور الكبير، الذي "دلَّعه" الشعب، وهتف باسمه، وارتمى تحت رجليه، وأسمعه الشعارات الرنانة!! وكم سمعنا "بالروح والدم نفديك يا.."، ولِهَول ما سمعت من شعارات: "إحنا حميرك يا.." فإذا بالديكتاتور ينتشي ويهزُّ رجليه على الحمار، ويلغي كل رأي، ويُقصي كل طاقة أو فكر، ويقول كما قال من سبقه: "مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر: 29) "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" (الزخرف: 54).

إن الدكتاتور الذي يتصور أن الشعب حميرٌ يستحيل أن يعاملهم إلا بمنطق الحمورية، ويستحيل أن يسمح لهم بأن ينقلبوا آدميين؛ لأنه يعمل دائمًا على أن يعمِّق فيهم طبيعة الحمورية حتى يظل منتشيًا، وإذا شرد إنسان عن هذا المنطق فوَيل له ثم وَيل له!! ولهذا ستظل الشعوب طوال فترة الديكتاتور فاقدةً لإنسانيتها وشرفها وطبيعتها، ولن يستطيع أحد أن ينقذها من براثن هذا الطاغية إلا هي، وإلا صحوتها وحميتها التي ينبغي أن ترجع إليها، وإلا ستظل تُمتَهَن أمام العالم حتى من سلطاتها.

ولقد رأت الأمة وسمعت تصريحات رئيس وزراء مصر - أحمد نظيف- لوكالات الأنباء التي أهان فيها الشعب المصري كلَّه؛ حيث قال بالنص: "إن المصريين لم ينضجوا سياسيًا، ويتعيَّن أن ينضج الشعب قبل إقامة نظام ديمقراطي كامل، مثل الموجود في الولايات المتحدة".

والظاهر أن هذا الدكتور لم يقرأ شيئًا عن مصر ، ولا عن حضارتها الضاربة في التاريخ قبل أن تولد أمريكا بل وأوروبا، ثم ما الداعي والدافع الذي دفع رجلاً كهذا إلى فضح بلده على مستوى العالم بهذه الكيفية؟!


وعلى فرض هذا.. فمن المتسبِّب في تأخر هذا البلد؟! أهم الذين فرضوا عليها الأحكام العُرفية وقانون الطوارئ، وزيَّفوا الانتخابات، وتأبَّدوا في السلطة، وحمَوا الفساد، وسرقوا البنوك وأقوات الشعب..؟ أم هم أولئك الذين لا همَّ لهم إلا التصفيق لفاقدي المواهب، وفقراء الكفاءات، وقتلة الشعوب، ومكمِّمي الأفواه؟!

يا خاسرًا هانت عليه نفسه إذ باعها بالغبن من أعدائه

لو كنت تعلم قدر ما قد بعته لفسخت هذا البيع قبل وفائه

أو كنت كفؤًا للرشاد وللهدى أبصرت لكن لست من أكفائه

فوق التصور أن ترى سلطةً تبحث عن الفساد وتحميه، وتفتش عن الإخلاص وتنحِّيه، وعن الإصلاح وتقصِّيه، وفوق الخيال أن تنظر إلى سلطةٍ تتهم علماءَها وأساتذةَ جامعاتِها ومثقفِيها بإثارة الشغب وتُلقي بهم في غياهب السجون؛ لأنهم يحبون بلدهم ويدافعون عن حماه، ويريدون له الرخاء والسلام، والإصلاح والفلاح:

وما لي من ذنب علمته سوى أنني قد قلت يا بلدي اسلمي

ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثم اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلمي

حكوماتنا العزيزة- أدام الله نومها- برعت فيما أخفق فيه غيرها من ديمقراطيات عجيبة، مكوناتها:

1- برلمان مزور من المحاسيب.

2- أحزاب ورقية، وخصوم سياسيون صناعة حكومية مستأنسة.

وصناعة الخصوم السياسيين باتت بضاعةً تتقنها معظم الأنظمة العربية، وتقوم برسم الأدوار التي ينبغي لها أن تؤديَها.. الأدوار الشكلية للنظام السياسي.. "الديكور" الديمقراطي الذي يسير في محله ويدور حول نفسه، مسبِّحًا بما أنعم الله على أوطاننا من نعم لا تُعد ولا تُحصى!!

ولا مانعَ أن يسمح للأحزاب الشكلية ببعض النقد السياسي اللطيف، الذي يفرغ الاحتقان الشعبي، ويحمي وجه السادة المدجنين، ولا تكتفي السلطة بهذا السيرك، بل تلجأ إلى سيرك آخر، وهو صناعة حزب حاكم يجتمع فيه كبار السحرة ورهبان المكر والخديعة وأعلام الزفة ورؤساء التنجيم وآكلو الولائم والهوامير السمان، الذين تُسخَّر لهم كل مقدرات الدولة، يوزعونها على من يشاؤون من أتباع أو محاسيب، ولا مانعَ أن يُمنح شيء منها لأحزاب الديكور؛ عملاً بالمثل القائل "يا بخت من نفَّع واستنفع"، وبالتالي فأحزاب الديكور هذه ترضى بما قسم الله لها، ولا داعيَ للتعب ما دام القرش يأتي "للهاجع والناجع واللي نايم على سناخ ودنه" "وأطعم الفم تستحي العين".

والشعب المسكين مطحون ويتكفف الخبز الحاف، والأموال تُهدر هنا وهناك؛ حيث يتحدث الدكتور جودة الملط (رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات) فيقول: " مصر تعيش في فوضى اقتصادية؛ حيث أنفقت الحكومة 4.8 مليار جنيه خارج الموازنة العامة للدولة على أشياء غير مصرَّح بها، وأغلبها في تجديد مكاتب ونشر تهاني وضيافات"، وقال الدكتور سعيد غانم (أستاذ المالية العامة): "إن مصر تعيش فوضى اقتصادية منذ سنوات، وإذا كان صرف في أشياء هامشية 4.8 مليار جنيه فما صرف على أشياء أخرى- لا يباح التصريح بها- كان أعظم"..!!

ورغم هذا فالشعب لا يطالِب بمحاكمة أحد، وإنما يطالب بالتغيير فقط، ويطالب بالحرية التي تكشف الفساد وتحافظ على أموال الأمة، ويطالب بإزالة القوانين سيئة السمعة، ويطالب بإزالة الانسداد السياسي؛ حتى تكون هناك شفافيات حقيقية، فقد تغير الزمان، وتحررت الشعوب، ونزلت دكتاتوريات كثيرة من على ظهور الحمير.. فهل آن الأوان لشعبنا العظيم أن يقوم بعزيمة صادقة ليحقق آمالَه في التغيير والحرية والكرامة؟! وصدق القائل:

ومن يك ذا عضد يدرك ظلامته إن الذليل الذي ليست له عضد

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى