الوجه الآخر للحركة الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٠٤، ٧ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (←‏المراجع الأجنبية:)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الوجه الآخر للحركة الإسلامية

بقلم:الأستاذ مصطفى كامل السيد

بين يدي الورقة

لقد بدا من الواضح للعيان أن الخريطة السياسية للعالم قد تغيرت بشكل غير مسبوق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي قادتها القاعدة ضد الولايات المتحدة وخلفت ما خلفته من صراعات ونتائج بدت علي الصعيد الأكثر شيوعاً ضارة بالأطراف كافةً.

ظهر في هذا الأثناء نجم التطرفية الإسلامية بزعامة القاعدة وأجنحتها في مناطق واسعة في العالم، مما أثار حفيظة الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم إلي جانب الدول والحكومات الإسلامية إضافة إلي القاعدة الشعبية التي أدانت هذه الأفكار وتلك الممارسات بشكل ملحوظ.

لقد استوجب ذلك إذاً نداء سريع لكل من له سلطة أن يضرب بسوط من حديد علي هؤلاء المتطرفين وأن يقسو عليهم أشد القسوة وأعظمها حتى ينالوا جزاء فعلتهم ويثوبوا إلي رشدهم الذي شرد عنهم في تلك الفترات الحالكة في التاريخ الإنساني.

لكنا لم نقصد هذه الفئة في الكتابة والبحث علي أي حال، لكنا استهدفنا الفئة الأخرى التي تتبني أفكار التغيير السلمي ونبذ العنف كأداة للتغيير، لذا عمد إليها كاتبنا مصطفي كمال السيد وناقشها في ورقة العمل هذه.

لقد صعد هذا التيار وتنامي حتى أصبح ذا حكومة تعبر عن رؤاه كما هو الحال المشاهد في نموذج تركيا مع حزب العدالة والتنمية ومن خلال أيضاً تجربة مصر في نفس هذا المضمار.

لقد أولي هذا الفريق من الإسلاميين عنايته بمتطلبات الواقع الإصلاحي طبقاً للأجندات الإصلاحية الدولية فبادر بتبني هذه الأفكار الإصلاحية التي تعتمد علي الديمقراطية كسبيل للإصلاح السياسي إلي جانب غيرها من الوسائل المساعدة.

ثم بدي الأمر صعب المراس من ناحية الحكم علي أيدلوجياتهم هذه من حيث ثباتهم وبقائهم عليها من عدمه. هل سيستمر الإسلاميون علي نهجهم هذا ويعملون بموجبه طوال حملتهم؟

أم أنها زوبعة لتلقي الدعم العالمي لحملتهم ثم يغيرون إطارها وأدواتها؟ أم هل تستغل هذه الفئة هذا الفراغ السياسي الموجود في معظم الدول العربية لتتمتع بتواجد جماهيري سياسي؟ هذا ما لم ننجح ف التكهن به حتى الآن.

بنفس هذه الخطي سارت الأحزاب الاشتراكية حتى تم إحكام اختبار صدقها من عدمه ففشلت أمام التحدي السياسي الذي غير وجه العالم فلم تستجب هذه الأفكار الاشتراكية لتلك التطورات فسقطت.

لكنه من الصعب كما أسلفنا القول بأن اختبار تلك القوي الإسلامية في إطار التحولات القادمة أصبح أمراً يصعب التكهن به بلا شك أو ريب. لكن كرس الكاتب بالفعل جهده في فحص الأهمية المتزايدة التي تتمتع بها الجهة الإسلامية موضوع البحث هذا وكيف تزداد هذه الأهمية مع قابل الأيام.


مقدمة

لقد حاولت الحكومات قدر جهدها لأن توقف النقاش حول الإسلام السياسي وتجعله محصوراً في هذه الفئة التي تقوم بأعمال مسلحة تودي بأرواح الكثيرين وهم المتطرفون الإسلاميون كما كان مشاهداً في الشيشان وكشمير والجزائر ومصر.

لقد حاولوا متعسفين أن يختزلوا جمهور الإسلاميين العريض الذي ينبذ التطرف ويدعوا للآليات السلمية في التغيير في هذه الشرذمة القليلة من الإسلاميين الذين تطرفوا وحادوا عن طريق التغيير السلمي كما فعل إخوانهم.

وابتعاد هذه الفئة التي تمثل جمهرة الإسلاميين عن المشهد السياسي وأن يكون لهم دور فعال في العمل السياسي جنباً إلي جنب مع الحكومة لمجابهة هؤلاء المتطرفين الإسلاميين ليس من الحصافة في شيء بل لابد من الاستعانة بهم قدر الإمكان. هذا وسوف يبقي الإسلام السياسي بهذه القوة المتصاعدة وبهذا الدور الفعال الذي لا ينكره ناكر.

في هذا الصدد، عارض الكاتبان الفرنسيان هذه الأيدلوجية التي تقضي ببقاء الإسلام السياسي فاعلاً وذا دور رائد في المنطقة.

يقول أوليفر روي وجيل كيبل إن حركات الإسلام السياسي فشلت في مجابهة التطور ومن ثم وضع قاعدة تتجه منها نحو دورها السياسي المزعوم.

وأضح الاثنان أن الحركات الإسلامية لا تتمتع بدور سياسي ذا شأن أو أهمية كما يعتقد الكثيرون. لقد دخل الإسلاميون في غمار الانتخابات بقوة هائلة لكن لم يكن أدائهم الأداء الأمثل كما يجب.

فقد تمتعوا بوجود في مصر ولبنان والكويت والعراق وأندونيسيا والجزائر والأردن وماليزيا وباكستان وتركيا واليمن حيث دخلوا الانتخابات وتمتعوا بدور سياسي إلي حد ما.

لقد كان الوضع في تركيا قد نال الحظ الموفق علي الإطلاق بين هذه التجارب جميعها حيث بدأ في اقتحام العملية الانتخابية في 1995 ثم فاز بخمسة وثلاثين صوتاً في الانتخابات التشريعية المنعقدة في 4 نوفمبر 2002 مما جعل له قدماً راسخة في المشهد السياسي.

استمر تقدمهم في هذا الاتجاه الآخذ في التنامي حتى سيطروا علي المجلس التشريعي وحازوا فيه علي الأغلبية في آخر انتخابات عقدت لاحقاً وكان لأول مرة أن تكون الأغلبية الحزبية لصالح حزب واحد حيث كانت الحكومة تعتمد علي فكرة التحالفات وليس الأداء الفردي.

ثم توالت التجارب الإسلامية في المنطقة حيث أخذت الجزائر حظها ونالت شرف المشاركة في انتخابات 1990 عن طريق الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتي فازت في الجولة التشريعية والمحلية في 1991 والجولة الثانية في 1992 ثم تم بعد ذلك إلغاء الانتخابات بشكل يمنع مشاركة هذه الجبهة في أي عمل سياسي بحجة حظرها القانوني.

ومنذ هذا الحين وأخذت الجبهة في الهبوط بعد أن كانت هي الأولي في ترتيب القوي السياسية وأصبحت تتبوأ مقعداً تحت مقاعد الحزب الحاكم بالتأكيد.

وفي الأردن، خاض الإسلاميون هناك انتخابات 1989 حيث فازوا بـ34 مقعداً من أصل 80، كما فازوا في انتخابات 1993 بـ60 مقعداً علي الرغم من أنهم قاطعوا الانتخابات في 1997 بسبب قانون الانتخابات وتعديلاته التعسفية.

وفي مصر، ورغم كل الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة، دخل الإخوان الانتخابات في إطار المستقليين، في هذه الانتخابات المنعقدة في أكتوبر و نوفمبر 2000، فاز الإخوان بمجموع ما فازه المعارضون الآخرون وزيادة ربما كان الكاتبان الفرنسيان علي درجة من الصواب حينما صرحوا بأن الإسلاميين لم يقدموا بالفعل نماذج الحل السياسي والاجتماعي والثقافي والتعليمي وغير ذلك من الأدوار الإصلاحية التي يجب اتخاذها، لكنهم ما زالوا الند الأقوى علي الإطلاق في مواجهة الحكومات والدول الإسلامية.

التهم الموجهة للإسلام السياسي

لقد بات لزاماً علي الإسلاميين أن ينخرطوا في الواقع الحكومي وأن يكونوا أداة تنموية داخل نظام الدولة إذا سمحت الدولة لهم بذلك واعترفت بوجوب تداول السلطة بالشكل الديمقراطي السلمي المناسب.

لكن علي العكس تماماً تبذل الأنظمة قصارى جهدها في القضاء علي شوكة الإسلاميين وأي مستوي تمثيلي يمكن أن يحوزوا عليه من خلال وأد الانتخابات في مهدها وعرقلتهم في اجتماعاتهم وندواتهم وجل نشاطاتهم ومن ثم منعهم من الاعتراف القانوني الذي يسوغ تحركهم ويعطيه الحق القانوني في التحرك والممارسة من خلال نشاط حزبي أو نحوه مما هو معتمد في الأنشطة السياسية وآلياتها.

لكننا بالفعل نأسف لتباري الحكومات والأنظمة في نهج هذه السياسات القمعية التي تحرم بالفعل المجتمع والعامة من إيجابيات المشاركة الإسلامية في الواقع السياسي.

فيكون شأن المتعاطفين مع الإسلاميين بعد هذا التعاطف الشديد والاقتناع التام بأحقيتهم في شغل هذه المناصب دون غيرهم لكنها أداة القمع التي تضرب بكف من حديد علي كل من تسول له نفسه أن يشارك ويتفاعل مع الناس ويكون له أغلبية معارضة،يكون شأنهم بالفعل أن تركز دعايتهم علي التمكين بالقوة والسيف علي حساب المبادئ والقيم التي لم تلتزم الأنظمة بها علي كل حال.

لقد شكل بالفعل مشاركة الإسلاميين في الانتخابات أزمة متعددة الجوانب حيث قاموا بالتمكين لأفكارهم وأيدلوجياتهم بالعنف الذي تمت ممارسته ضد المدنيين العزل والمواطنين الذين ليس لهم شأن أو قوة أو حتى سلطة وكذلك غيرهم من الأجانب الذين نزلوا البلاد بغرض التفكه والفسحة والكثير الكثير. لقد بدي العامة في حيرة بالغة فيما يخص شأن الإسلاميين وقضية دعم الديمقراطية وقيمها كما يحلو لهم أن يعلنوا.

فمنهم من يقول بأنهم يأخذون من الديمقراطية غطاءاً لأعمالهم وتشكيلاتهم العسكرية السرية، ومنهم من يحلو له أن يقول بأن الإسلاميين إذا أصروا علي مواقفهم هذه من المشاركة في الانتخابات ربما أدوا إلي إلغائها من أجل إصرارهم علي غطائهم الديني واتجاههم الإسلامي المسيطر عليهم.

بل ربما يحلو لبعضهم الآخر أن يؤكد علي أن الإسلاميين إذا وصلوا للسلطة عن طريق الانتخابات فإنهم سيستغلون ديمقراطية الدستور ومرونته ويعملون علي غلق الأبواب التي ربما أنتجت لهم معارضة حالية أو مستقبلية.

كما يدعو الآخرين أن يقولوا بأن تولي الإسلاميين عليهم سيحرمهم من الكثير من حقوقهم المدنية والسياسية التي يكفلها لهم القانون. كما يتخوف البعض من أنهم سيمنعون الكثير من الممارسات باسم الإسلام إلي جانب إعلانهم البرنامج الإسلامي فور توليهم مما يدل علي انتصارهم وتفوقهم.

وفوق كل ذلك، فإن اتجاههم الإسلامي هذا سيكون ذريعة لإقامة أحزاب إسلامية ومسيحية ويسمح بصراع طائفي من الدرجة الأولي كما كان الوضع في لبنان من عام 1975 حتى 1989 وهذا التاريخ ليس منا ببعيد.

من أجل ذلك تم إصدار قانون يجرم تأسيس أحزاب علي خلفية دينية أو عقدية في 1977 حتى يتم إغلاق هذا الباب من أصله.

وفي النهاية فإن العديد من الحكومات بما فيها حكومات الغرب تنظر إلي الإسلاميين نظرة أحادية تضم كل الإسلاميين في سلة واحدة تجمعهم تحت شعار واحد بغض النظر عن الاختلافات التي تبدو ظاهرة علي السطح لكنهم بمنطق الحظر يأخذون كلهم مأخذاً واحداً.

لقد تم تعميق هذه الفكرة من خلال الصراعات الآخذة في التطور في المنطقة بأسرها علي الشريط الحدودي بين باكستان والهند علي إقليم كشمير وكذلك القضية الكبري الممثلة في الصراع العربي الإسرائيلي الذي أفرز العديد من الاتفاقيات بين مصر وإسرائيل وبين الأردن وإسرائيل وبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الأمر الذي يحلو للإسلاميين نسف هذه الاتفاقيات والضرب بها عرض الحائط.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، تم اتهام الإسلاميين بعامة والمسلمين علي كافة الأصعدة بهذا التطرف والتشدد والاعتداء علي الآخرين الأمر الذي يستند إلي تبريرات واقعية مأخوذة من المآسي الواقعة علي الأرض.

ثم ظهر بعد ذلك الحين أن الإسلاميين ليسو في سلة واحدة يحملون هذه الأفكار المتطرفة الآخذة بحق الغير، فظهر فريق الإسلاميين المعتدلين الذي يحمل الأفكار الأكثر اعتدالاً إلي جانب حمله أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان لتكون من أهم منطلقاتها في الوقت الحاضر.

ومن ساعتها ظلت الشكوك تجول في العقول حول مدي تحول هذه الحركات عن مبادئها العنفوانية وتنازلها عن نطاق الإصلاح العنفوانى الذي تمت ممارسته من قبل.

فبات الجميع في قلق من هذه التحول: هل سيبقون علي هذا النهج أم هي حجة بالغة للوصول إلي منتهاهم ومن ثم غلق الباب أمام المعارضين واستحواذ السلطة لهم دون تغيير أو إصلاح حقيقي ملموس علي الأرض.

إن تجارب الكثير من الأنظمة في محاولته قلب الواقع لصالحه بتبني أفكار الواقع المعيش حتى يتثنى له الوصول إلي أهدافه السلطوية وتغيير الواقع حسب أجندته أمر ليس ببعيد عن التجارب التاريخية التي أظهرها التاريخ دون تجني.

كما أن العامة ما زالوا حذرين من أن يصعد الإسلاميون للسلطة ويغيروا مبادئ الدستور ونمط الحياة العامة.

بل ما زال العامة في شك دائم وهاجس لا ينسي من أن توليهم زمام البلاد سيشعل نار الطائفية بين الفرقاء بين باكستان والهند وبين العرب وإسرائيل الأمر الذي ما زال في اعتبارات موازين قوي أمريكا للمنطقة والمجتمع الدولي من جراء فوز الإسلاميين من وراء أي عملية انتخابية أو أي تجربة تحول ديمقراطي.


الإسلاميون في مصر

روابط202011.jpg

والآن جاء دورنا في الإجابة علي كل هذه التساؤلات من خلال عرضنا التالي لتاريخ الجماعتين الإسلاميتين الأكبر في مصر، جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية. تعتبر جماعة الإخوان المسلمين من أعرق الجماعات الإسلامية في مصر وأقربها إلي الوسطية ونبذ كل خيارات العنف ونهج كل الطرق السلمية كطريق الدعوة الأوحد الذي لا يستبدل ولا يتغير.

وتأتي الجماعة الإسلامية لتكون هي الأخرى أكبر جماعة إسلامية مسلحة في مصر وتنتهج نهج العنف السياسي والتطرف الإسلامي هو منهجها في التغيير إذ تنسب لها العديد من العمليات الإرهابية المسلحة ما بين عامي 1992 و 1997.

والجدير بالذكر، فإن هذه الجماعة هي الأخرى قد أعلنت تخليها عن ماضيها وتعاملها مع السلطة بخيار العنف السياسي ومن ثم بدأ طور جديد يعتمد علي الخيارات السلمية في الدعوة وما يتطلبها من تسالم مع المتخاصمين والقيام بحقوق الدعوة وتغيير مسارها العنفواني القديم.

كما سنولي اهتمامنا بمدي تعهدهم بأسلوبهم الجديد في التعامل مع الواقع وكذلك الثبات علي هذه المبادئ من عدمه الذي يثير تساؤل واهتمام الجميع في إطار العديد من التجارب الإسلامية الدولية كما حدث في الأردن وتركيا والجزائر.

بدأنا بمصر لكونها مصدر إلهام الجماعات والتيارات الإسلامية في المنطقة ولها يكون المرجع والرأي السديد الذي يحول مجري جل الإسلاميين في المنطقة. مما لا شك فيه أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر الجماعات وأقدمها ومنها نبعت كافة الأفكار والرؤى الإسلامية التي تدفقت في كل الأحيان وعلي كل الأماكن والأصقاع.

بدأت جماعة الإخوان المسلمين نشاطها في 1928 علي شط قناة السويس علي يد شيخها الكبير حسن البنا الذي كان بمثابة شعلة أضاءت ساحة الكثير من الإسلاميين في عصره وبعد مماته.

كما كان سيد قطب أحد أبرز المتطرفين في جماعة الإخوان المسلمين هو الآخر أحد مصادر الإلهام للحركات الأخرى المتطرفة حيث كان يدعو إلي نبذ الدولة العلمانية بكافة السبل والجهد في إقامة الدولة الإسلامية بكل قوة وبأي عتاد.

بهذه الأيدلوجية قررت الحكومة المصرية شنقه في 1966 لتشتعل نار تطرفه في أتباعه من جديد بعد موته حتى يكون نبراس عقولهم ومصدر إلهامهم.

أخرجت هذه العقول المتطرفة أيمن الظواهري الذي قاد جماعة الجهاد في مصر ثم التحق بأسامة بن لادن في أفغانستان ليكونوا الجبهة الإسلامية الدولية لمحاربة الصهاينة والصليبيين التي بلغت شهرتها مداها في الغرب لتأخذ اسم القاعدة.

والآخر هو محمد عطا القائد القاعدي الجهادي المصري الذي يُعتقد في أنه هو المسئول عن اختطاف أربعة طيارات أمريكية والدفع بهم في عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001 حسبما تعتقد أمريكا.

من خلال هذا العرض البسيط يتبين لنا دور مصر في إخراج هذه الحركات وقادتها ودفعهم نحو الأمام، كما تبدو لنا أهمية إعلان الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر أنهما يدينان كل أنواع العنف الممارس ويتعهدان التزامهما بالأدوار السلمية بعيداً عن العنف وأساليبه الذي لم يجدي نفعاً في الماضي.

تاريخ الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر

في هذا الأثناء، أصبح لزاماً علينا أن نتحدث بكل تفصيل عن الجماعات المسلحة في مصر التي تربصت بالواقع السياسي وأحدثت الكثير من الأحداث العنفوانية الدامية وعلي رأسها الجماعة الإسلامية التي بلغت في التطرف المسلح مبلغاً عظيماً وها هي الآن تتعهد بالمشاركة السياسية السلمية في إطار التغيير والإصلاح السلمي والتخلي عن أعمال العنف والإرهاب المسلح.

في السبعينات، ظهرت هناك فرقتان إسلاميتان مسلحتان لكن لم يكتب لهم البقاء إلا قليلاً كان أحدها مجموعة الأكاديمية الفنية العسكرية التي قادها صالح سرية حيث كانت تابعة لحزب التحرير الإسلامي.

وفي عام 1975، خططت هذه الجماعة لقلب نظام الحكم عن طريق اغتيال الرئيس وأعضاء الحكومة البارزين بالتعاون مع الأكاديمية الفنية العسكرية التي مدتهم بالسلاح المستهدف لتنفيذ العملية التي تكونت من خطوتين أولها اغتيال الرئيس وأتباعه وثانيها السيطرة علي جهاز الراديو والإعلام، لكنهم فشلوا في أول خطوة ثم تم القبض عليهم واعتقالهم في حينه.

ثم كانت الجماعة الثانية المتمثلة في جماعة التكفير والهجرة التي ترأسهاشكري مصطفي المهندس الزراعي حيث قاموا باغتيال الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصرية الأسبق الذي عارضهم في تفسيرهم للقرآن الكريم ثم تم القبض عليهم هم الآخرين والزج بهم في غياهب السجون جزاء ما فعلوا من جرم ومن ثم قتل قائدهم قصاصاً بالشيخ المفتي ولم يظهر لهم وجود من حينها. ثم يأتي دور الجماعتين المسلحتين الأشهر في تاريخ الحركات المسلحة في مصر وهما الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي.

أتت بدايةً الجماعة الإسلامية من صعيد مصر برئيسها كرم زهدي من أسيوط والمنيا تحديداً في 1979.

ثم يأتي دور جماعة الجهاد التي نالت انتشاراً واسعاً في القاهرة علي يد مجموعاتها ومؤسسي هذه المجموعات. أبرز هذه المجموعات تلك التي ظهرت في منتصف الستينات علي يد الطبيب أيمن الظواهري ثم توالي تأسيس المجموعات علي إثرها.

فكانت مجموعة يحي هاشم التي ظهرت في عام 1975 ثم كانت مجموعة سالم الرحال وحسن الحلوي في 1977 ثم مجموعة إبراهيم سالم في 1979.وتم ضم المجموعتين الأخيرتين ومزجهم لتكون تحت قيادة محمد عبد السلام فرج.

لحقت جماعة الجهاد بالجماعة الإسلامية في 1981 بعد اغتيال الرئيس السادات في السادس من أكتوبر عام 1981.

وقد أعدوا سوياً لعملية نوعية في أسيوط تهدف إلي قلب الحكومة فأودت بحياة الكثيرين وباءت بالفشل بعد كل ذلك. وتنسب لهاتين الجماعتين كل أعمال العنف التي حدثت في أواخر القرن العشرين في مصر باسم الإسلام وتحت رايته.

بعد هذا الاتحاد والمزج الذي حدث في 1981، انشقت الجماعتين حول قيادة الجماعتين متحديتين حيث رفضوا قيادة عبود الزمر لكونه حبيس سجنه ورفضوا قيادة الشيخ عمر عبد الرحمن لكونه كفيفاً.


محاولة فهم الإسلام المتطرف

لقد كان قادة الجماعة الإسلامية والجهاد من صفوة الخريجين من كليات مرموقة في البلاد علي رأسها الطب والهندسة والعلوم والحقوق وغيرها. ثم كانت نشأتهم في الطبقة الوسطي أو غيرها من الطبقات الاجتماعية الكريمة العليا كما كان بعضهم.

وفي دراسة حول السجناء القابعين في سجون السبعينات أثبتت أن هذه المجموعة المعتقلة كانت من أرقي قادة العلم والمعرفة ومن ذوي الاختصاصات الهامة علي صعيد الحياة المعرفية في مصر.

بينما أظهرت دراسة أخري أن أعضاء تنظيم الجهاد كانوا من طبقات دنيا معدومة في صعيد مصر ولم يكونوا علي مستوي تعليمي يقارن بأقرانهم من الجماعة الإسلامية.

لقد اتفقت الجماعات الإسلامية كلها بما فيهم الإخوان المسلمين علي أن أولويتهم هي إقامة الدولة الإسلامية وعليه فقد تم اجتذاب العناصر المتحمسة لهذا الغرض.

لكن رأي أعضاء الجهاد والجماعة الإسلامية أن الإخوان فشلوا في جهادهم السلمي في إقامة الدولة الإسلامية، وعليه فلابد من فرضها بالسيف والبندقية علي هذا المجتمع والحكومة الجاحدة الناكرة لشرع الله.

لكن لم يولي أيهم أدني عناية بالتفاصيل التي تحكم بها الدولة الإسلامية دون الوقوف علي حد النطاقات العامة التي يتكلمون فيها.

وتري هذا القصور في الفهم يرجع إلي انقطاع اتصال هذا الجيل بالإخوان والتعرف علي وسائلهم السلمية ورؤى الجهاد ومتطلباتها في الوقت والحين المناسب.

الامام البنا

لقد أسس حسن البنا الإخوان تأسيساً يسمح لهم بمرونة حركية مع الجو العام دون الخضوع أو التطرف حيث كان قائدهم والمرشد العام الأول لهم.

لكن علي الجانب الآخر، كان أبرز قادة التطرف هو سيد قطب والباكستاني أبو الأعلى المودودي وشيخ الإسلام ابن تيمية الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي.

وعلي كان تأسيس الحاكمية التي تقضي بأحقية حكم العالم تبعاً لقوانين خالق هذا الكون ومن ثم حمل الناس علي ذلك إن هم رفضوه.

لذا كان هذا العنف لسببين رئيسين أحدها هذه الهدنة التي وقعتها الحكومة المصرية مع نظيرتها الإسرائيلية التي تحتل الأراضي الفلسطينية التي تمثل التراث الإسلامي الأغلى علي الإطلاق.

وثانيها أن الحكومة رفضت تطبيق شرع الله ومن ثم يجب فرضه عليها بالقوة قدر الإمكان وهو أولي أبواب الجهاد عندهم للقضاء علي تغييب حكم الله في أرضه منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر علي يد محمد علي في التاسع عشر الميلادي.

إلي جانب الاعتماد علي قانون نابليون المدني وما أضافه السنهوري من إضافات مستوحاة من القانون الأوربي عام 1949.

لقد شكك الإسلاميون من جانبهم في تعديل السادات للدستور عام 1980 واعتباره الشريعة الإسلامية هي الأصل الدستوري الثاني حيث كانت ولا تزال تباع الخمور ويتاجر بالربا في البنوك وما زال الترويج للزنا من خلال الكازينوهات موجوداً علي الأرض، فكيف يتم تطبيق هذا النص في ظل وجود هذه الانتهاكات الدستورية.

كما وقف السادات في وجه الإسلاميين ومنعهم من فرض قانون يفرض الزى والخلق الإسلامي في ظل هذا الصراع.


التقليل من عمليات العنف السياسي

بعد اغتيال الرئيس السادات وبعد القبض علي المئات بل ربما الآلاف من أعضاء الجماعة الإسلامية، تمتعت مصر بفترة هدوء نسبي ما بين 1983 و 1987.

قامت مسئولو الأمن خلالها بالتحدث مع أعضاء الجماعة والتفاوض معهم عن التنازل عن أعمال العنف ومن ثم تسليم كل ما يخص هذه الأعمال والعمل علي تصفية هذه الأفكار العنفوانية لتثمر في مناخها السلمي الدعوى السليم.

قبلت قادة الجماعة هذا الطرح بعض الشيء لكن شريطة أن يتم الإفراج عن قادة الجماعة الطلابية من غياهب السجون والمعتقلات حتى يتثنى لهم القيام بمثل هذه المهام.

ومن جانبه صرح طلعت فؤاد قاسم قائد الجناح العسكري للجماعة بأنه قد تم تبني هذه الفكرة من أجل استمالة الحكومة لتخفيف الضغط الحاد عن أعضاء الجماعة الإسلامية.

في هذا الجو الهادئ بعض الشيء قرر الإخوان خوض غمار الانتخابات التشريعية في 1987 بالتعاون مع حزب العمل لتكوين جبهة التحالف الإسلامي الذي فاز بثمانية وخمسين مقعداً علي مستوي التحالف العام منهم خمسة وثلاثون مقعداً للإخوان المسلمين فقط.

لكن علي الرغم من تقدم الإسلام المعتدل في إطاره السلمي هذا، لم يكن ذلك حافزاً علي كل حال للإسلام المسلح أن يلتفت خلفه للإسلام السلمي ويأخذ منه العظة والعبرة.

فقد شهد عام 1987 حراكاً غير عادي علي مستوي التكتيكات والأيدلوجيات للجماعتين المسلحتين، الإسلامية والجهاد. إذاً فقد انحل عقد الجماعتين وانفصلت أواصرهم حينما اختلفوا علي مستواهم القيادي لتعمل كل جماعة علي حدة طبقاًُ لأيدلوجيات ومنطق جديد خاص بها.

علي هذا الصعيد، قامت الجماعة الإسلامية بتشكيل جناح عسكري خاص بها ونقلت تمركزها من المنيا وأسيوط لتكون في القاهرة في عين شمس تحديداً مما يعد نسفاً للاتفاقات المنعقدة بينهم وبين القوي الأمنية حول الأيدلوجيات الواجب العمل بها في المرحلة الحالية التي لا تتبني أي تصعيد.

وحدثت المزيد من الاصطدامات بين أعضاء الجماعة وبين قوات الأمن في عين شمس وخاصة حين تجمعهم في مسجد آدم حيث حديثهم الأسبوعي.

ومن جانبها، نهجت كذلك جماعة الجهاد نهجاً تغييراً علي مستوي القادة حيث تولي أيمن الظواهري القيادة في مصر لكنه سافر للمرة الثالثة إلي أفغانستان وخلف وراءه قائداً ممن يثق فيهم من تلامذته ومريديه. زاد العنف في مصر ما بين 1992 حتى عام 1997 ثم بدأ في الانحدار والتلاشي تدريجياً.

وعلي صعيد الملاحقات والتصعديات بين الجماعة الإسلامية والأمن، قام الأخير بمداهمة منازلهم وأماكن تجمعهم واعتقل من قدر علي اعتقاله واغتال من قدر علي اغتياله أمثال المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية علاء محي الدين.

وكان رد فعل الجماعة بمثل شراسة فعل الحكومة في اغتيال القادة، حيث أعلنت الجماعة مسئوليتها عن الضلوع في عملية اغتيال وزير الداخلية زكي بدر في 1989 وفي اغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب واغتيال الكاتب العلماني فرج فودة في 1992، ومحاولة اغتيال الكاتب الحائز علي جائزة نوبل نجيب محفوظ في 1993 ثم محاولة اغتيال الرئيس مبارك في 1995 ثم الضلوع في عملية قتل وإرهاب ستين سائحاً أجنبياً في الأقصر في معبد حتشبسوت في دير البحاري في 17 نوفمبر 1997.

كما ضلعت جماعة الجهاد في العديد من الاغتيالات التي منيت بالفشل منها محاولة اغتيال وزير الإعلام صفوت الشريف في أبريل 1993 ومن بعده محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي في أغسطس في نفس العام ومن ورائهم رئيس الوزراء عاطف صدقي في ديسمبر من نفس العام.

والجدير بالذكر، فقد قضت هذه العمليات في المقابل علي العديد من الأرواح البريئة المسالمة بل ربما كانت ذات انتماءات إسلامية سلمية إضافة إلي الأقباط ورجالات الشرطة والسياح الذين راحوا يدفعون ثمناً ليس لهم فيه ناقة ولا جمل.

علي هذه الخلفية المشينة، بدا امتعاض العامة والعلماء بل والإسلاميين المعتدلين من هذه الأفكار الدخيلة علي الإسلام التي تقتل وتذبح المدنيين والأبرياء باسم الإسلام.

بل ساء حال البلاد وجاءت التوصيات من هنا ومن هناك لإنهاء الحالة المأساوية التي تعيشها البلاد مع الإسلام المتطرف.

من جانبهما كون ثلاثة من العلماء البارزين هم الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبد المنعم النمر جبهة للتفاوض من أعضاء هذه الجماعة لنبذ العنف والتحرك بمنطق الأعمال الدعوية السلمية وتسليم كل الأجهزة السرية المسلحة.

أصبح وزير الداخلية في هذا الأثناء مجبراً علي التوقيع علي هذه المعاهدة بعد أن فشلت هذه المحادثات وبعد أن قرر مسئولو الحكومة عدم التفاوض وجديته خاصية مع هؤلاء الإرهابيين.


مبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العمليات المسلحة

في أبريل 1996 صرحت الجماعة الإسلامية أنها ستتخلى عن جل أنشطتها المسلحة بطريق غير مشروطة. كما عاودت تعهدها في 1997 للمضي قدماً في طريق تخليها عن أعمال العنف والعنفوان باسم الجماعة في الداخل والخارج ومن هم في السجون والمعتقلات، وخاصة بعد أحداث اعتقالات أسوان الأخيرة لأعضائها البارزين هناك.

ثم يجيء التعهد الثاني هذا في ضوء أحداث المحاكمات العسكرية التي تمت ممارستها بحق أعضاء الجماعة منذ عهد قريب من تاريخ التعهد الأخير.

ثم جاءت أحداث الأقصر لتخيم علي الواقع هذا وتضع هذا التعهد نصب الأعين الأمر الذي أثبت عدم تعهد كافة أعضاء الجماعة بهذا المنهج السلمي المتوقع للجماعة أن تسير عليه فيما استقبل لها من أيام.

لكن بقي التعهد هذا قيد التنفيذ التدريجي حتى آتي ثمرته ونجح في السيطرة علي موقف الجماعة التي أعلنته وجددت التعهد عليه لكن فقط مع مرور الأيام وكرها.

الأمر الجدير بالذكر هنا هو هذا الأسلوب الذي تم عرض هذه المراجعات للجماعة الإسلامية علي مستوي قادتها خاصة فيما يخص الجانب الإعلامي المميز إلي حد كبير الذي قامت به جريدة المصور بالالتقاء مع أعضاء الجماعة وتصوريهم وأخذ جوانب المراجعات التي اعتمدتها الجماعة مؤخراً.

وقد قام بهذا السبق الصحفيمكرم محمد أحمد رئيس تحرير جريدة المصور وهو من مستشاري الرئيس مبارك الشخصيين.

قام القادة المذكورون للجماعة الإسلامية بجولة علي سجون ومعتقلات مصر أقنعوا فيها كل من ينتمي إلي الجماعة الإسلامية من قريب أو بعيد بمبادرتهم لإنهاء حالة العنف ودعوة السيف التي تبنوها في الماضي وقد أثمرت هذه الجولة إلي توحيد الجماعة علي رأي المبادرة إلي حد كبير وقد كان ذلك في ربيع 2002.

ثم قام القادة بتأليف بعض المراجع التي بينت فيها رؤاهم لهذه المبادرة ودواعيها من الناحية الشرعية متزامنة مع متطلبات الواقع وأحداثه إضافة إلي ثبت بمؤلفي هذه المراجع والمشاركين في اعتمادها الشرعي من علماء الأمة الوسطيين ولم تترجم هذه الكتب حتى الآن إلي اللغة الإنجليزية لكني أكتفي بعرض بعضها في إطار سريع.

فالكتاب الأول الذي ينسب إلي إبراهيم حافظ وعاصم عبد المجيد محمد وهو "مبادرة وقف العنف" والذي ذهب فيه الكاتبان إلي تأسيس مفهوم المبادرة من أجل تحقيق المصلحة.

فقد قرروا أن هذه المبادرة من أجل الوقوف علي صالح الأمة الذي يقتضي وقف العنف ونزع السلاح من المسلحين. قرر الاثنان أن ما كانوا يفعلونه باسم الدين من عنف وقتل باسم الجهاد بدي في غير صالح الأمة بل إنه يعمل لصالح أعداء الأمة وهم إسرائيل وأمريكا والأنظمة العلمانية حسب تقريرهم.

وعليه فليست هناك حجة أو سند شرعي يدعو إلي الرجوع إلي مثل هذه الأعمال ونهج هذه المناهج التي أثبتت عدم نجاعتها وانعدام ثمرتها.

وعليه فقد قرروا أن بعض الأحكام الخاصة بالجهاد:

أولاً الجهاد حرام إذا لم يؤتي ثمرته أو إذا أعاق الحركة السلمية للدعوة، ثانياً الجهاد حرام إذا لم يستطع أهله أن يقوموا به علي وجهه الصحيح، ثالثاً الجهاد حرم إذا استهدف مسلمين يعيشون في أحياء مسيحية فأضر بهم جميعاً، ورابعاً فلا حاجة للجهاد إذا قرر أهل الكتاب أن يعيشوا في سلام ووئام مع المسلمين كما سيكون الجهاد حراماً إذا فاقت مصالحه مفاسده أو إذا أدي إلي فشل ذريع في تحقيق السلام الذي يرنوا إليه الإسلام.

بهذه الحجج وتلك البراهين الواضحة واستدلالات القرآن والسنة وآراء العلماء المخلصين كلل المؤلفان مجهوديهما في توصيل الفكرة العميقة إلي أصحابهم وأصدقائهم في الجماعة الإسلامية في الداخل والخارج.

إضافةإلي ذلك، فقد عرض الكتاب بين طياته هذا الخلاف الذي حدث بين قادة الجماعة حول هذه المبادرة منذ عام 1997 حتى اتفق الجميع بالداخل والخارج علي أحقية نبذ العنف وأعماله غير اللائقة ومن ثم الاتجاه نحو السلمية ودعوتها المثمرة.

ثم أتي دور الكتاب الثاني الذي نهج منهاج سابقيه حيث كتبه حمدي عبد الرحمن وناجح إبراهيم وعلي الشريف بالمشاركة. وقد أوضحوا جلياً الأخطاء المرتكبة في الفترة الماضية علي يد الجماعة الإسلامية، لذا سموه "تسليط الأضواء علي ما وقع في الجهاد من أخطاء".

وقد تمت مراجعة هذا الكتاب من جانب القادة التاريخيين في الجماعة وقد قاموا بإجازته والثناء عليه. كما اشتمل هذا الكتاب علي العديد من المراجعات الفكرية التي كانت مادة للجدل لكنها اليوم مادة الحسم.

خلص الكتاب الثلاثة إلي أن الجهاد وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وعليه فلا يجوز في الحالات التي تتوقع فيها فشل الجهاد تماماً أن تعلنه وخاصة أن الظروف لا تسمح به كما لا يجوز التمسك بتطبيقه في هذا الحين.

كما عمدوا إلي المصادر التي اعتمدوا عليها قديماً بالنقد والتحليل وخلصوا إلي أن عصرهم في القرن الثالث عشر الميلادي بعيد كل البعد عن الأوضاع المعيشية التي نعيشها، وبناءاً علي اختلاف حالة المستفتي فلا يجوز أخذ الفتاوى غير الملائمة هذه إلي حد بعيد حتى وإن كانت من ابن تيمية لبعده عن الوقت الحاضر وإلمامه بمقتضيات الواقع.

ثم عمدوا إلي حرمة دم المسلم ووجوب مراعاة حرمته فضلاً عن أولئك الذين سالموا المسلمين ولم يصدر منهم أدني نوع من الأذى للمسلمين الذين يحل للمسلمين أن يتقربوا إليهم بالسلام.

ثم تطرقوا إلي مسألة السياحة والسياح الأجانب فقالوا بضرورة أن تضمن لهم البلاد أمنهم واستقرارهم إذ هم يحلون علينا ضيوف شرف لكن لابد أن يجيئوا هم الآخرين بطريق معتمد لا يشتمل علي تزوير أو أي إجراء غير شرعي.

وعليه تم التوقيع علي هذا الكلام وتتابعت حركة السياحة في البلاد وأثمرت هذا الكلام بشكل جيد. واختتم الكتاب حديثهم بمدي سلبية الآثار المترتبة علي الخلافات الدائرة علي مسرح عمليات الأمة الإسلامية ومن ثم واجب النهوض لحل هذه المعضلة.

ولأول مرة في تاريخ الجماعات الإسلامية يتم استصدار كتاب عن التكفير ونهجه الخطأ في المعالجة وسوء الفهم الصحيح للإسلام، علي هذه الخلفية ألف حمدي عبد الرحمن وعلي الشريف كتاباً قيماً أسموه "حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين".

حارب الكاتبان في ثنايا هذا الكتاب مسألة التكفير والغلو التي أدت إلي مزيد من التعقيدات التي نبعت بالفعل عن عقل لا يفهم هذا الدين الفهم الصحيح بعيداً عن العلماء غير الواعين بدقائق هذا الدين وحساسيته البالغة خاصة في ناحية انتمائه والمحافظة عليه وعدم التشكيك في انتماء الآخرين.

تحدث الكاتبان بحديث شديد اللهجة عن هؤلاء العلماء الضالين المضلين وأتباعهم الذين اتخذوا منهم منبراً وقبلة يتجهون لها ليشربوا من كأسها شراباً شديد المرارة. دافع الكاتبان بشدة عن حرمة تكفير السياسيين والمفكرين والقادة والكتاب وأهل الرأي خاصة في إجتهاداتهم في التعامل مع غير المسلمين وإظهار المودة لهم.

وما زال الكاتبان يصران علي جواز إظهار هذه المودة لغير المسلمين المسالمين غير المحاربين بزيارتهم وتتبع مواسمهم وأعيادهم وتهنئتهم والمشي في جنائزهم وتعزيتهم وما يمليه الواجب علي المسلمين في الاجتهاد في فعل ذلك.

ثم كتب علي الشريف وأسامة إبراهيم حافظ كتاباً أسموه "النصح والتبيان في تصحيح مفاهيم المحتسبين" أوضحوا فيه وجوب دعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كدعوة هادئة نابعة من فهم جيد للدين ومقتضياته بعيدةً كل البعد عن الغلو والتكفير.

كما أوضح الكاتبان أن الإسلاميين قد أساءوا فهم هذا الواجب إساءات بالغة حيث حرموا الكثير من الزيجات علي سبيل المثال من كتاب وفنانين غير مسلمين من فتيات مسلمات وخاضوا في الكثير من الأعراض بدافع وبحجة هذه الدعوة وهي في الحقيقة منهم براء.

كما تابع الكاتبان تشخيص داء الإسلاميين في سوء فهم الواجب والالتفات إلي المعارك الفكرية الطاحنة بينهم وبين بعضهم علي أمور ربما أخذت صدارتها باستحقاق من التفاهة وصغر العقل وقلة التجربة.

دعي الكاتبان في الختام إلي أن توجه الدعوة فقط إلي من يتحملها ويقوم بواجبها فتكون ملزمة له أي إلزام فتحثه علي القيام بأعبائها علي خير وجه. وببالغ الأهمية نبه الكاتبان علي أمور أدت بالشعب المصري إلي حالة من السخط العام لدعوة الجماعة الإسلامية كانت تمارس بالماضي وخاصة في صعيد مصر علي وجه الخصوص كان أهمها:

الوقوف في منتصف الطريق وإيقاف الأزواج للتحقق من هويتهم ونسبتهم وقرابتهم، السعي الدؤوب في إفساد الأفراح التي تقوم علي الموسيقي والغناء، الدخول عنوة إلي ساحات البيوت بلا استئذان بغرض كشف أية إساءات أخلاقية وضبطها في مكان فعلها، ضرب شاربي الخمر، إضرام النار في جوانب المحلات التي يشتبه في بيعها لشرائط جنسية فاسدة، التشاجر مع أئمة المساجد حول الخلافات الفقهية والسعي لفرض رأيهم عليهم، تدمير أجهزة التلفاز بحجة أنها تدعو إلي بث الفاحشة وإفشائها إضافة إلي التجول في الشوارع لضبط الإيقاع الأخلاقي. كل هذه الأمور،يوضح الكاتبان، قد أثارت امتعاض الناس بعامة ويجب التنزه عنها للمخالفة البينة فيها.

ويعتبر هذا الحدث التاريخي في مراجعة الجماعة الإسلامية لأفكارها واتجاهاتها ردةً علي الفكر والاستراتيجية التي عملت بها الجماعة علي مدار تاريخها منذ إعلانهم لهذه الخطة في السبعينات والثمانينات، وقد تم توجيه هذه الأسئلة ليتم طرحها عليهم في معتقلات مصر من جانب جريدة المصور الأسبوعية.

وفي إطار سؤالهم عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أجاب كرم زهدي قائد الجماعة وناجح إبراهيم منظر الجماعة علي أن هذه الأحداث جاءت غير متوافقة مع الشريعة وكل الشرائع السماوية التي تنهي أتباعها عن أذى المسالمين الأبرياء فما بالنا بقتلهم.

وأضاف ناجح إبراهيم مؤكداً علي أن هذه العملية قتلت الدعوة الإسلامية في الغرب والشرق في مقتل وعطلت تقدمها وقتلت أهدافها ونتائجها التي حققتها علي مدي كدها وتعبها ونصبها.

ثم قال معلقاً علي بن لادن فقال بأنه رجل مغامر جداً حارب الروس في الشيشان والهنود في كشمير والأمريكان في السعودية فهو رجل يعتمد الجهاد غايته لكنه كان يمكن أن يحقق أهدافه هذه عن طريق النهج السلمي للدعوة بدلاً من هذا العنف الذي خلف سلبيات فاقت بكثير حجم الإيجابيات.

وفي مقابلة مع القادة التاريخيين في الجماعة الإسلامية، أكدوا جميعاً أن فرصة الاعتقال لمدة عقدين من الزمان أكسبتهم خبرة التروي في البحث في قضاياهم الفكرية ونتاجها غير المثمر فبادروا بتعديلها علي الفور بعدما تفحصوا مصادر الشريعة القرآن والسنة والعلماء الذين استندوا إليهم من القرن الثالث عشر الميلادي أمثال ابن تيمية ومحاربته للمغول ومدي المفارقة التاريخية بين عصره وعصرنا في القرن العشرين.

ومن ثم استحال الجمع بين العصرين، بين محاربة المغول الكفرة وبين معاملة أهل الحل والعقد الذين هم علي رأس هذه الأمة وهم من أهل الإيمان. لذا بات لزاماً أن يتخلى هؤلاء القادة عن فكرة الحاكمية لله وتفسيرها الضيق المستوحي من كتابات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب.

هذا وصرح الكثير من قادة الجماعة الإسلامية علي رأسهم كرم زهدي وأسامة حافظ أن هذه المبادرة كانت تعد منذ الثمانينات وكان لها صدي حقيقي بالفعل منذ هذا الحين. كما صرحوا بأن الجماعة لم تقم بالاعتداء لكنها قامت بالدفاع عن نفسها حينما صعدت قوات الأمن ضدها وقامت بالمزيد من الانتهاكات لأعضاء الجماعة.

لقد تعهدت الجماعة في 1993 و 1997 علي المضي قدماُ في الخيار السلمي ودعوته المعتمدة لكن قامت بعض الفيالق الجهادية الإسلامية المعترضة علي الخيارات السلمية بأعمال انتهكت حرمة التعهدات مما قلب الطاولة علي الجميع ونسف بالفعل أحلام التسوية التي جمعت وزير الداخلية وقادة الإسلامية علي كلمة سواء.

فرغم أن الجماعة أعلنت حالة الاستسلام للخيار السلمي وتسليم الجناح العسكري لها، إلا أن قوات الأمن ما زالت تمارس الضغط والتحرش بأعضاء الجماعة مما دفع الجماعة إلي ممارسة بعض الأعمال العنفوانية للدفع عن نفسها وتبرئة ساحتها.

وتم الاعتراف بهذه المبادرة من قبل أعضاء الجماعة في الخارج كما قام الشيخ عمر عبد الرحمن في 1997 بالاعتراف بهذه المبادرة علي لسان المحامي الخاص به فقد كان مسجوناً في الولايات المتحدة علي خلفية بعض الأعمال المنتسبة إليه.

وأنكر ناجح إبراهيم أن يكون الشيخ قد انسحب من هذه المبادرة لكنه قد حدث سوء فهم من قبل المحامي الذي أعلن انسحابه عن طريق الخطأ في 1999، لكن الشيخ قرر ترك الأمر لقادة الجماعة في مصر لأخذ القرار المناسب للجماعة في هذا الحين.

كما عارض بعض أعضاء الجماعة في الخارج هذا القرار وتلك المبادرة كان منهم رفاعة طه إبراهيم المتحدث الرسمي باسم الجماعة من أفغانستان والذي لم تعتبر الجماعة له رأياً حيث اعتبرت انضمامه إلي القاعدة دون إذن من مجلس شوري الجماعة الإسلامية مخلاً بالتزاماته مع الجماعة مما أدي بالجماعة لتقرير فصله منها. كما قام مصطفي حمزة أحد أعضاء الجماعة القابع في إيران بالاعتراف بهذه المبادرة وجديتها.

لكن الأمر بالنسبة لجماعة الجهاد بات مختلفاً بعض الشيء حيث كانت الجماعة قد تورطت في أحداث اغتيال السادات ومن بعدها التورط في المزيد من المعارك مع قوات الأمن مما قلل من كيانها القليل العدد وخاصة بعدما اعتقلت الحكومة المتحدث الرسمي باسم الجماعة وبعض قادتها مما زادها وهناً علي وهنها.

لكنها فقط في هذا الحال من الضعف والفرقة بين أعضائها تبدو غير راغبة في اتخاذ مثل هذه المراجعات علي غرار شقيقتها الإسلامية تبعاً لهذه الظروف المانعة.

لكن بقي قادة الجهاد خارج مصر علي تعهدهم بالمضي قدماً في الجهاد المسلح وأبرز هؤلاء القادة أيمن الظواهري قائد الجماعة بمصر رغم أنه بات خارجها من عشرات السنين.

وفي إحدى كتبه التي تدين المبادرة أسماه "فرسان تحت راية النبي" قال بوجوب الجهاد المسلح ضد أعداء الإسلام وكل من يرفض تحكيم الشريعة من الحكام المسلمين إلي جانب أمريكا وإسرائيل.

وعلي غرار الجماعة الإسلامية في الماضي، فقد حكموا علي أعداء الأمة بالقريبين من الحكام الذين يرفضون تحكيم الشريعة والأعداء النائين الذين يدعمون من يحارب المسلمين من أمريكا وغيرها في المنطقة.

كما صرح المتحدثون الرسميون للجماعة الإسلامية مصرحين بأن أيمن الظواهري فشل في محاربة الأعداء الداخليين من خلال جماعة الجهاد في مصر، فبادر بمحاربة الأعداء الخارجيين في أفغانستان بعدما قامت قوات الأمن بالقبض علي إخوانه في مصر في أكتوبر 1993 حيث تم تخزين أسماء كل الأعضاء علي أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالحكومة.

مناورة تكتيكية أم تغيير حقيقي؟

مما لا شك فيه أن الجماعة الإسلامية في مصر تتمتع بتأثير واضح وخاصة لأن مناخ العمل الإسلامي نشأ من مصر علي يد حسن البنا وسيد قطب.

وعليه يكون تأثير الإسلاميين المصريين في المناخ الحركي الدولي بمثابة المرجع والدليل الملهم لجل الحركات الإسلامية في العالم بأسره.

لقد أثر بالفعل منطق الدعوة السلمية ونبذ العنف الذي اتخذه الإخوان من بداية طريقهم ولحقت بهم الجماعة الإسلامية بعد ذلك علي المناخ الحركي الإسلامي العالمي الذي يتتبع خطي الحركات الإسلامية في مصر، لكن تظل العديد من الأسئلة عالقة في الذهن حتى الآن:

والسؤال الأول هو أنه بعدما تحرك الإسلاميون ونبذوا العنف والتطرف لم يتحرك النظام حركة إلي الأمام لكنه مع فك أسر أعضاء الجماعة الإسلامية إلا أنه في الحقيقة استبدلهم بآلاف من الإخوان المسلمين الذين يتبنون دعوة المسالمة ونبذ العنف.

ويبدو أن أعضاء الجماعة الإسلامية قد رضخوا لهذا الواقع المؤلم مع العلم بأن النظام يسعى إلي إقصاء الإسلاميين جميعهم من الحياة العامة بحجة عدم الشرعية التي يتعذر لها ويحتكم إليها حينما لم يجد بداً من ذلك.

والسؤال الثاني عن الغرض من هذا التحول والتخوف من أن يكون ساتراً يسترون به نظامهم المسلح السري، لكن الحقيقة تثبت أنه نوع من التحول الإيجابي بعدما عانت الجماعة الإسلامية الأمرين مع تعنت الحكومة المستمر بل ربما زادت المعاناة عليهم حينما أبصروا بطريق تقدم الإخوان عبر الانتخابات التشريعية والنقابية ناهجين هذا الأسلوب السلمي في اختراق أنظمة الدولة ومؤسساتها.

في السياق ذاته، يمكننا تفسير هذه المبادرة في سياق الفشل الذي منيت به الجماعة الإسلامية في تحقيق أية مكاسب من وراء المناهضة المسلحة للحكومة. لقد نجحت جماعة الجهاد في اغتيال الرئيس السادات بينما فشلوا هم في اغتيال الرئيس مبارك عام 1995.

ثم فشلوا كذلك في اغتيال اثنين من الوزراء وتم اغتيال رئيس مجلس الشعب بطريق الخطأ مكانهم. ثم توالت أحداث الفشل في ضرب القافلة السياحية في الأقصر وقتل معظمها ومعظم رجال الشرطة وبعض المدنيين كتوابع لمثل هذا الحدث المشين.

لقد شعرت الجماعة الإسلامية بالفشل منذ أن اعتقدت أنها حققت نجاحاً يذكر في هذا السياق. فقد شعرت بسوء عاقبتها ودنو أجلها وخاصة بعد حادث الأقصر الذي راح ضحيته الكثير من المدنيين وضربت السياحة التي تعتبر من عماد المعيشة في الصعيد وخاصة الأقصر وأسوان.

ثم توالت الاعتقالات لأعضاء الجماعة والمتعاطفين المحبين لهم فباتوا في غياهب السجون أو بات آخرون منهم بعدما لاذوا بالفرار خارج البلاد يبكون حالهم وما آلوا إليه من فشل، فكان الحل الوحيد المقنع لكافة الأطراف للإبقاء علي ماء الوجه هو الاعتراف بالخطأ ونبذ العنف كمطلب أساسي من كافة المعتقلين لتكون هذه المبادرة لنبذ العنف ونزع السلاح.

والغريب أن أول نداء للمبادرة صعد من أسوان حيث كانت عملية استهداف السياحة هناك حينما أدركوا أن ذلك يضر بمصلحتهم الشخصية وارتزاقهم ناهيك عن القتل والتخريب واستهداف الشرطة التي بات أمراً بالغ الاستهجان.

ثم بلغ الأمر أشده حينما تتبعت الشرطة أعضاء الجماعة بشكل مستديم وتتبعت كذلك مصادر التمويل وضربت الوسيط بينهما فانقطع الاتصال بشكل دائم.

لقد بات مفروضاً عليهم من بعض مصادر تمويلهم الخارجية أن يتوجهوا بأجندتهم لمجابهة إسرائيل وأمريكا وإحداث بعض الاستهدافات علي هذا الصعيد مما أدي إلي فشلهم بسبب هذا الضغط الذي لا يحتمل في الداخل والخارج.

إذ بهم في المعتقل بين أحوال يرثي لها حتى طال بهم الوقت فمضي عقدين من الزمان وهم لا يزالوا بين جدران السجون فاستبدت بهم الأفكار فباتوا يتفقدون حالهم الماضي ويتفكرون في عيوبهم فانهالت عليهم الكتب والمراجع من هنا وهناك فبدئوا حالة من التناظر المثمر في توافق الماضي مع المأمول فخلصوا في هذه الأيام الخوالي إلي هذه المبادرة في ظل أجواء تعاونية من الحكومة بالمدد وعدم التعنت في التنقلات وغيرها من الزيارات المتكررة حتى يكتب للأمر التمام ويأخذ حيز الاتفاق، فأرسلت الحكومة بفلذات أكبادها من العلماء المخلصين الوسطيين حتى تم بهم الاتفاق وانعقد العزم علي المبادرة فوفقوا إليها أيما توفيق.

والأمر الذي أثر علي الجماعة الإسلامية كثيراً كان موقف الإخوان ووضعهم الآخذ في الصعود. لطالما لامت الجماعة الإسلامية الإخوان علي ترك الجهاد المسلح ضد أعضاء الحكومة في الماضي، لكنها الآن تشاهد نصب أعينها ما حققه الإخوان من شعبية جارفة مكنتهم من عرض دعوتهم علي كل ملأ ومعارضة الآخرين بكل وسيلة إعلامية ممكنة علي صفحات الجرائد أو علي شاشات التلفزة أو غيرها مما أثار غيرة الجماعة من هذا التقدم الذي أحرزوه جراء دعوتهم السلمية ونبذ العنف.

والأكثر فائدة من ذلك كان محاولة أسلمة المجتمع الذي بات محافظاً علي إسلامه وتقاليده أكثر مما كان منذ عقدين من الزمان.

فزادت نسبة الالتزام بالصلوات وارتفع عدد المقلبين علي الحج والعمرة بشكل ملحوظ جداً وانضبطت القيم الإسلامية بعض الشيء في حيز التنفيذ. في ظل هذه الأجواء بات أعضاء الجماعة الإسلامية في مواجهة مع الخيار الأكثر نجاحاً وهو الخيار السلمي ومدي نجاحه الساحق في المدة القصيرة.

فإما أن يختاروا هذا الخيار الناجح الذي سلكه العديد من الحركات في دول شتي كبديل لخيار العنف وإما أن يعودوا أدراجهم ويصروا علي خيار العنف والتغيير المسلح الذي لم تظهر له ثمرة علي نطاقه القريب أو البعيد.

كما مكنهم عددهم البسيط من اختيار خيار السلم وخوض المعارك الانتخابية ومتطلباتها بسبب نقص العدد بعض الشيء إما بالموت أو الاعتقال مما دفعهم إلي التوجه إلي العمل الجاد لتحقيق ذاتيتهم ومكاسبهم والنيل من المكاسب السلمية قد الإمكان وخاصة أن المجتمع المصري يعطي أفضل استجابة لمثل هذه العقائد وتلك الاتجاهات والعقائد.

الإسلاميون في أقطار عربية وإسلامية أخري

لقد بادرت الجماعة الإسلامية بالفعل لاتخاذ هذه الخطوة وعينها الأخرى علي التجارب الإسلامية في نبذ العنف في المنطقة وهي من هذه التجارب بمثابة الجزء من الكل.

أدرك الإسلاميون المسلحون أخيراً أن الشعب لا يريد أن يوجه سلاح الإسلاميين إليه، لكنه يريد أن يتم توجيهه إلي المحتل أو الغاصب إن وجد للدفاع عن حياض البلاد وبيضتها.

فلما وجه الإسلاميون سلاحهم للدفاع عن أراضيهم وسلامتها المأمولة، اجتذبوا عقول الناس وأفئدتهم حتى باتت شعبيتهم عارمة في بلادهم وفي كل بلد تستشعر روح المقاومة الإسلامية عن بلادها.

فرأينا حزب الله في جنوب لبنان وقد اكتسح الساحة بشعبيته الدولية في المنطقة من جراء المقاومة المسلحة للغاصب الصهيوني.

وعلي الصعيد الآخر الداخلي، رأينا كيف تتعاطى القوي الإسلامية مع آليات السياسة وتتفاعل معها بما يناسبها دون أن يجعلوا لسلاحهم مكاناً في هذا التعامل.

إذاً بالفعل استفادت الجماعة الإسلامية من جل هذه التجارب فكان لزاماً عليها أن تنتهج هذا المنهج بلا شك.

وفي الجزائر دخلت جبهة الإنقاذ الإسلامي معترك الانتخابات في أوجها في 1992 فقام الجيش حينما رأي تقدمها وشيكاً بقمعها بكل أسلوب فقام جيش الحركة المسلح بالذب عن الحركة لكنه لم ينجح في السيطرة علي تنحية الحركة من الانتخابات وبقي الأمر مثيراً للتحفظ الجزائري الشعبي العام.

في 1997 نزعت الحركة سلاح جناحها العسكري، لكن طالبت الحكومة الحركة بجعل جناحها المسلح هذا تحت رأي الحكومة لمجابهة كل المتطرفين الإسلاميين المسلحين لكن قوبل الأمر بالرفض.

دخلت بعد ذلك القوي الإسلامية الجزائرية في معترك السياسة وأدواتها الانتخابية في أشكال متعددة، أحدها حركة المجتمع من أجل السلام وقائدها محفوظ نحناح الذي فاز بخمسة وعشرين بالمائة من جملة الأصوات المشاركة في انتخابات 1995 ثم بنسبة 14.8% من جملة الأصوات أي ما يعادل 69 مقعداً برلمانياً.

في حين فاز حزب النهضة الإسلامي بنسبة بلغت 8.7% من جملة الأصوات أي ما يعادل 35 مقعداً برلمانياً ليكون للإسلاميين نصيب الأسد بعد الحزب الحاكم مباشرةً بنسبة 27.3% من النسبة العامة للانتخابات في مقابل التحالف الحكومي.

وفي الأردن كان الوضع أفضل بكثير عن سابقه الجزائري حيث لم تزهق أرواح في تجاربه التي بدت أكثر ديمقراطية من السابق الجزائري.

بدأ الإسلاميون الأردنيون بدخول انتخابات 1989 حيث فازوا بـ32 مقعداً من أصل 80 وحازوا علي إثرها بست حقائب وزارية إلي جانب منصب رئيس مجلس النواب.

فعلي الرغم من التعنت الحكومي الممارس بحق هذه القوي الإسلامية الصاعدة، إلا أنها لا زالت من أكبر قوي المعارضة الإسلامية في البلاد.

فقد فازت بنسبة 20% من جملة الأصوات في انتخابات 1997 رغم مقاطعة الانتخابات بغرض القضاء علي قانون الانتخابات وتعديلاته التعسفية.

ولا تزال القوي الإسلامية أعظم القوي المعارضة في البلاد إذ تسيطر علي جل النقابات والاتحاديات العمالية والمهنية في البلاد.

وفي الكويت، تواجد الإسلاميون في أعقاب إنهاء الاحتلال العراقي لها في 1991، ليدخلوا معترك الانتخابات ويفوزوا بنسبة 36% من جملة الانتخابات أي ما يعادل 18 مقعداً من أصل 50 مقعداً.

كما رشحوا أحدهم لمنصب رئيس مجلس الأمة ليفوزا به هو الآخر في هذا المعترك. تمكن الإسلاميون من خلال هذا المتنفس أن يأخذوا دورهم في إلغاء بعض القوانين التي تتعارض ووجهتهم الإسلامية وفرض بعض آخر يتوافق والرؤى المتعارف عليها وخاصة القوانين التي بدت أكثر جدلاً.

وكانت التجربة الإسلامية الأكثر إشراقاً في الشرق الأوسط تتمثل في تركيا والتحول الذي منيت به. كانت تركيا قد حظرت بشكل قاطع أي تمثيل إسلامي حزبي علي الإطلاق في 1970 و 1972 و 1980 وخاصة بعد الانقلاب العسكري في 1980.

لكن لم يتلك اليأس من قلوب الإسلاميين فبادروا بدخول انتخابات المحليات في 1995 حيث أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم فكونوا حزباً أسموه حزب الطريق السليم بقيادة تنزو سيلار وشكل بالفعل حكومة لكنها فشلت بسبب الضغط العسكري عليها في 1997.

يأتي في هذا الركاب حزب العدالة والتنمية لفوز في انتخابات 2002 بـ34 بالمائة من جملة الأصوات أي ما يعادل أكثر من ثلثي المقاعد ليكون بذلك تهديداً واضحاً لفكرة كمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة علي أنقاض الخلافة العثمانية حيث أسسها علي العلمانية التي تنحي الدين تماماً عن الحياة السياسية.

كما كان للإسلاميين تواجد قوي علي الصعيد السياسي في بلادهم مثل ما كان في لبنان واليمن وباكستان (حينما حكمت بالمدنيين) وإندونيسيا وماليزيا.

والجدير بالذكر أن الأمر لم يكن لهم يسيراً علي كل حال حيث ناهضتهم الحكومة واعتقلتهم ومنعتهم من أدوارهم السياسية المستحقة وبلغت معهم كل مبلغ ينافي الديمقراطية لكن إصرارهم هو الذي حفزهم وحفز الشعب من ورائهم للتمسك بهم ليمثلوه ويتكلموا باسمه ويكونوا أداة سياسية فاعلة علي حساب نظرائهم المسلحين الإسلاميين.

الحفاظ علي الديمقراطية وحقوق الإنسان

وعلي المستوي العام، فقد بدت مشاركة الإسلاميين في الجو السياسي العام من ناحية محافظتهم علي الحقوق المدنية والسياسية غير مضمونة علي الإطلاق.

لكنه ربما كان بأيدينا أن نصنع شيئاً نقلل به حدة الخطر ونتحكم في بمستوي أفضل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل إذا تم السماح للإسلاميين بالدخول الشرعي للسلطة من بوابتها الديمقراطية أن يعملوا بعد ذلك علي جعل تعهداتهم حقيقة علي أرض الواقع، أم يكون انتهاك الحقوق المدنية والسياسية هو الواقع المسيطر؟.

لكن لا بد في هذا السياق أن نذكر أن الدساتير التي تحكم الدول العربية والإسلامية تحتوي علي بنود تنص علي تحكيم الشريعة الإسلامية لتكون مرجعية البلاد.

وعليه فلابد من الحفاظ علي هذه المواد وأخذ الحيطة والحذر قدر الإمكان من عدم تغيير هذه المواد أو إلغائها من جانب أو السعي في تعديلها وإضافة تعديلات عليها تخول الإسلاميين من المضي قدماً في تنفيذ تلك الانتهاكات بموجب الدستور التي تحكم به البلاد.

ومن أجل تحقيق الضمانات الكافية لصيانة الدستور ومواده ذات الصبغة الحساسة هذه، وضعنا أموراً أربعة لابد من مراعاتها:

أولاً: تحقيق استقلالية القضاء وخاصة المحكمة الدستورية والاستئناف. فلابد من تحقيق استقلالية المحكمة الدستورية العليا ووظائفها السامية في صياغة الدستور لتحقيق أهدافه المرجوة دون أدني مراعاة لحال السلطة الحاكمة أو عملاً بتوجيهاتها وقراراتها.

ثانياً تقليل سلطة الحزب الحاكم المسيطر علي البلاد بموجب أغلبيته وذلك من خلال خلق جو تعددي يسمح للأحزاب الصغيرة بالولوج إلي عملية الانتخابات وتحقيق أصوات ومقاعد برلمانية تقلل من سطوة الأغلبية إلي حد ما كما يسمح بذلك المناخ التعددي البريطاني.

فمثال بريطانيا واضح في هذا الأثناء، حيث يسمح لحزب ما يعتمد علي تعدديته بأخذ المزيد من الأصوات حتى وإن تجاوزت الثلاثة أرباع، لكنه في المقابل يسمح لأحزاب صغيرة بنسبة معينة من المقاعد تبعاً لشعبيته حتى لا ينفرد الحزب الأول بالصدارة ويقتحم قواعد التعددية.

ثالثاً: تطبيق النظام التشريعي ثنائي المراقبة الموجود في أمريكا وفرنسا وبريطانيا والهند من أجل القضاء علي انفرادية الحزب الواحد برأيه والضرب عرض الحائط بآراء والآخرين ومشاركاتهم التعددية.

وأخيراً تشكيل مجلس دستوري أعلي يتحكم في أداء الحكومة ومدي توافقها مع تطبيق اللوائح الدستورية وخاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وإطار تطبيقها.

يخول هذا المجلس بصلاحية الانقلاب علي الحكومة عسكرياً وتمكين غيرها بالقوة بعدما يثبت تورط هذه الحكومة في انتهاكات واضحة للحقوق المنصوص عليها دستورياً.

يبدو هذا النظام علي غرار القائد الأعلى للقوات المسلحة التركية وصلاحياته لكنه أفضل منه من الناحية الديمقراطية ونبذ الاستبدادية العسكرية.

من خلال هذه الأطر الأربعة المذكورة يتم التحكم الجيد في آليات التعددية الانتخابية وأداء حزب الأغلبية وضمان عدم استبداده بالحكم الديمقراطي وشروطه التعددية.

فربما أخذت الأوضاع الاقتصادية وقتاً طويلاً لتأخذ حيز التحسن والإجادة، لكن ،من خلال تجربة التعامل مع الوضع المصري، ربما أدي تحسن الأوضاع السياسية وجوها المثمر إلي خلق مناخ تعددي جيد بين الفرقاء الإسلاميين كما لاحظنا ذلك في تاريخ الإسلاميين.

فقد كانت عقلية سيد قطب الذي يمثل رأس التطرف الإسلامي بشكل عام قد تشكلت بمفعول الاستبداد الذي عاناه داخل المعتقل، في حين أن أعضاء الجماعة الإسلامية حينما نعموا بتحسن وضعهم داخل السجن، قاموا علي فورهم بمبادرات طوت صفحة الماضي لتأذن لصفحة أخري بيضاء من أن تأخذ مكانها في الواقع المنتظر.


النتائج والتوصيات:

أثارت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حفيظة العالم كله خاصة في اتجاه الإسلاميين الذي كانوا المتهم الأوحد في هذه القضية. لكنه بالمثل ما زالت هناك أصوات تتعالى مطالبة بدعم الديمقراطية وتطبيقها من الإسلاميين أنفسهم.

فلم يكن من السهل أن نفرق بين الصوت الذي يتعالى بالصيحات الداعية لنجدته ودعم ديمقراطية شعبه وحريته، بل أصبح لزاماً علي من أخذ زمام هذه المبادرة أن يدعم أي صوت ينادي ويستغيث بصيحات الديمقراطية والداعمين لها وإلا اختزلت هذه الدعوة في كلمات تقال علي المنابر دون أدني واقع لها.

والأمر البالغ في الأهمية هنا أنه بات من الصفاقة بمكان أن ننعت الإسلاميين بأنهم إرهابيين لعاملين أولهما:أنهم ليسوا كذلك بموجب الواقع الذي يعيشون فيه وهو لا يخفي علي الكثيرين، وثانيها أنهم يأخذون الإسلاميين بذنب أقلية متطرفة ناشزة أخذت في التلاشي ولا يبقي سوء امتعاض العامة من سوء الفهم الغربي لهؤلاء الإسلاميين ووضعهم في قالب واحد يسري عليه الحكم نفسه.

وعليه فإن الشعوب العربية في انتظار الحل الديمقراطي الحقيقي الداعم لها، كما أنه تنتظر من يسمع لمشاكلها ويسعى لحلها ممن تزعموا العالم ويسيطروا علي مقدراته.

فنحن إذ نشهد الولايات المتحدة اليوم تسعي لشن حرب علي العراق مما أثار معارضة الدول والشعوب العربية بأسرها وفي المقابل انتهاكات إسرائيل المتكررة لقرارات الأمم المتحدة، فإن هذا المشهد لا يؤدي في الحقيقة للتقارب بين الأجندة الغربية ومطالب العرب في التعايش مع الآخر بغض النظر عن أجندته.

كما أنه من ناحية أخري لا يؤدي إلي توافق القوي الإسلامية علي مثل هذه الأجندة مما يضع الكثير من الاستفهامات حول قابلية الغرب ذاته في معرفة الإسلاميين ومحاولة التجاوب ومطالبهم ودعم العلاقة معهم.

إذا أراد الغرب التعاون مع الإسلاميين فلابد إذا أن يدرك أنهم يريدون حياة حرة كريمة لا تدعو إلي التخاصم والشجار مع الآخرين، لكن تدعو في المقابل إلي مشاركة الآخرين لكن في مقابل المحافظة علي ثوابتهم السلمية، وإطار تنفيذ ذلك هو رفع كل عائق يعوق دعم الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي ليكون الطريق الموصلة للحوار المثمر معي الإسلاميين إن هم أرادوه كذلك.


المراجع الأجنبية:

  • جوي ستورك 1996، الإسلام السياسي: مقالات من تقرير الشرق الأوسط.
  • جلين روبنسون، هل يمكن للإسلاميين أن يكونوا ديمقراطيين: نموذج الأردن.

المراجع العربية:

  • "دستور جمهورية مصر العربية"

الجرائد والحوليات العربية