الوسطية العادلة في الشريعة الإسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٢٦، ٢٢ أكتوبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الوسطية العادلة في الشريعة الإسلامية

أ.د/جابر قميحة

جاءت اليهودية الموسوية بعد عهد طويل من الوثنيات الضالة، واليهودية تعتمد في تشريعاتها على ثلاثة مصادر:

الأول: هو التوراة:

وهي مجموعة الأسفار التي يقال إنه أوحى بها إلى سيدنا موسى، وكان أول تدوين لأحكام القانون اليهودي تلك الألواح التي أنزلت على موسى على رأس جبل سيناء، حيث كلمه ربه بعد مناجاة دامت أربعين ليلة.

الثاني: هو التلمود: وقد صنعه عدد من الأحبار، وتم وضعه في القرن الخامس بعد الميلاد.

والثالث: هو الكتابات الفقهية التي وضعها فقهاء اليهود بعد القرن الخامس الميلادي([1]).

والتوراة: وهي التي يطلق عليها العهد القديم ـ حوت كثيرًا جدًّا من القواعد الخلقية والاجتماعية، وخاصة سفر الخروج وسفر الأحبار، وسفر التثنية. ولنعش قليلاً مع بعض هذه النصوص لنتبين طبيعة الأخلاقيات اليهودية النظرية منها:

(1) وكلم الله موسى قائلاً: اصنع لك بوقين من فضة مسحولين تعملهما فيكونان لك لمناداة الجماعة، ولارتحال المحلات، فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع، وإذا ضربوا بواحد يجتمع إليك الرؤساء رؤوس ألوف إسرائيل، وإذا ضربتم هتافًا ترتحل المحلات النازلة إلى الشرق، وإذا ضربتم هتافًا ثانيًا ترتحل المحلات النازلة إلى الجنوب، هتافًا يضربون لرحلاتهم. وأما عندما تجمعون الجماعة فتضربون ولا تهتفون، وبنورهارون الكهنة فتكون لكم فريضة أبدية في أجيالكم([2]).

(2) أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر: من بيت العبودية: لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من أسفل، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن، ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور([3]).

(3) حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك.. فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإن دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب إلهك([4]).

(4) كل إنسان سب أباه أو أمه فإنه يقتل: قد سب أباه أو أمه دمه عليه، وإذا زنى رجل مع امرأة،: فإذا زنى رجل مع امرأة قريبة، فإنه يقتل الزاني والزانية، وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه: إنهما يقتلان كلاهما دمهما عليهما.. وإذا جعل رجل مضجعه مع بهيمة فإنه يقتل والبهيمة تميتونها، وإذا اقتربت امرأة إلى بهيمة لنزائها تميت المرأة والبهيمة.. وإنهما يقتلان.. دمهما عليهما([5]).

ومن هذه النصوص ـ وغيرها كثير جدًّا ـ نستطيع أن ننتبين الطوابع العامة لأوامر العهد القديم ونواهيه وخاصة بالنسبة للأخلاقيات. وأهم هذه الطوابع والسمات:

1 ـ التنوع: فمنها ما يدعو إلى وحدانية الله وإفراده وتخصيصه بالعبادة دون إشراك. وبعضها خاص بالمطعومات والمشروبات ما يحل منها، وما يحرم، وبعضها يتعلق بقواعد الحرب، وبعضها يتناول الأحوال الشخصية من زواج وطلاق، ومنها ما يحدد عقوبات الجرائم على اختلاف أنواعها ... الخ.

2 ـ التفصيل الشديد: بصورة تدعو إلى العجب كما نرى في النص الأول([6]).

3 ـ القوة والصرامة في الحروب، والعقاب، والجزاءات.

فالإله يأمر كقائد حربي، وكملك صارم يجب أن يطاع؛ لأنه الإله، والطريقة الوحيدة لاكتساب عطفه، ولاجتناب غضبه ليست إلا الخضوع له، والعهد القديم يشمل الشريعة، وليست الفضيلة إلا فهمها وتطبيقها في كل حالة تعرض، والتزامها بنظام وخضوع([7]).

والذي يقرأ العهد القديم يخيل إليه أن موسى وتلاميذه لم يعرفوا أمرًا من الأمور، ولم يقفوا على مسألة من المسائل حتى الصغير التافه إلا بعد الرجوع إلى "يهوه"، فكل نزاع ينشب كان يعرض على نبي أو حكيم من أنبياء أو حكماء بني إسرائيل، وكان على ذلك الوسيط أن يعرض النزاع على الإله، ثم يعرض حكمه على المتخاصمين، ورغم أن استطلاع رأي الإله كان يتم بعيدًا عن أعين المتخاصمين إلا أنه كان يتخذ بعض المظاهر المادية التي تدل على وجوده.

من ذلك ما جاء في سفر الخروج خاصًا ببيان كيف كان موسى ـ عليه السلام ـ يتلقى الوحي. فحينما يطلب إليه أحد الرأي في أمر معين، كان يدخل خيمة تسمى خيمة الوحي، وبعد دخوله كان يلاحظ ظهور سحب كثيرة على باب الخيمة، هذه السحب كانت تمثل "يهوه" في نظر بني إسرائيل، وبعد ذلك يخرج النبي موسى من خيمته، وينطق بالحكم الذي نزلت عليه([8]).

ولكن طال الأمد على اليهودية، واليهود فحدث انفصام واسع بين الشرع الإلهي، وبني إسرائيل، وظهر على القيم اليهودية بصمات وثنية لا أخلاقية، صور القرآن كثيرًا منها، وتحجرت الديانة اليهودية واستحالت طقوسًا جامدة لا حياة فيها، ومظاهر خاوية لا روح فيها([9]).

ثم جاء السيد المسيح ليهدي ـ كما قال ـ : "خراف إسرائيل الضالة" والذين كان يخاطبهم في كثير من الأحيان "بأبناء الأفاعي" ، وكانت المسيحية ديانة مرحلية تصدت للاتجاه المادي لليهود وإغراقهم في حب المال والحياة، وأكل السحت والربا، وأموال اليتامى والتمادي في الباطل، وشهادة الزور والغش في التجارة حيث كان "حب المادة وعبادة المال" مفتاح شخصية اليهودي.

وجاءت الديانة الجديدة بقائمة من "القيم الروحية" الخالصة ليقنع الإنسان ـ بعد أن استغرقته مادية الحياة ـ أن حياته المثلى ليست هنا... ولكنها هناك في ملكوت السماء.. وخلوصًا إلى هذا الملكوت كانت "الرهبانية" المتجردة هي الاختيار المسيحي للشخصية المسيحية، وليترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وكانت "أخلاقيات" المسيحية التي دعا إليها المسيح هي قمة التجرد الذي لم تشهد له الأرض مثيلاً، والذي كان رد فعل طبيعي "لماديات" اليهودية واليهود، ولإقبالهم على متعها وعبهم من لذائذها.

يقول السيد المسيح: "لقد سمعتم أنه قيل للقدماء، لا تزن.. أما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى إمرأة يشتهيها فقد وزنى بها قلبه، فإن كانت علينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك؛ لرأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله في جهنم، وإن كانت يديك اليمنى تعثرك فأقطعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسمك كله في جهنم.

وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق، وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني.

أيضًا سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تحنث بل أوف للرب أقسامك، وأما أنا فأقول لكم: لا تحلرفوا البتة.. لا بالسماء؛ لأنها كرسي الله، ولا بالأرض؛ لأنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم؛ لأنها مدينة الملك العظيم، ولا تحلف برأسك؛ لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء، بل ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير.

سمعتم أنه قيل عين بعين، وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا، ومن أرد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا، ومن سخرك ميلاً واحدًا فاذهب معه اثنين، ومن سألك فاعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده.

سمعتم أنه قيل تحب قريبك، وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"([10]).

ومع أنه ـ عليه السلام ـ أعلن أنه لم يجيء لينقض الناموس أو الأنبياء بل جاء ليكمل([11])، إلا أنه رفض أن يرجم الزانية كما كان متبعًا في الشريعة الموسوية قائلاً: "من كانت منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".

ورفض ـ عليه السلام ـ استخدام القوة حتى دفاعًا عن الدين والحق: فحينما غدر به يهوذا الأسخريوطي، وجاء معه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة، وشيوخ الشعب للقبض عليه، ومحاكمته استل بطرس أحد حواريي المسيح سيف للدفاع عنه وضرب به عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: "رد سيفك إلى مكانه؛ لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون"([12]).

إنها في مجموعها قيم روحية خالصة تنزع الإنسان من غمرات الواقع المادي الخسيس وتسمو بروحه، فهو لم يخلق لهذه الأرض، ولكنه خلق "لملكوت السماء" وكانت دعوة المسيح ـ عليه السلام ـ كما ذكرنا من قبل ـ إلى الزهادة في الدنيا والابتعاد عن أسباب النزاع، والوقوف على الحياة الورحية؛ لأن اليهود الذينة جاء المسيح مبشرًا بهذه الديانة بينهم كان يغلب عليهم النزعات المادية، وكان منهم من يفهم أن الحياة الدنيا هي غاية بني الإنسان. بل إن التوراة التي بأيدهيم خلت من ذكر اليوم الآخر، ونعيمه أو جحيمه، ومن فرقهم من كان يعتقد أن عقاب الله الذي أوعد به العاصين وثوابه الذي وعد به المتقين إنما زمانه في الدنيا لا في الآخرة([13]).

وبعد فترة طويلة من الرسل تقرب من ستة قرون بعث الله محمدًا ـ عليه السلام ـ خاتمًا للرسل والأنبياء، وجاء الإسلام الحنيف خاتمًا للأديان، ونزل القرآن على محمد فكان آخر اتصال بين السماء والأرض.

وهذه الخاتمية في الدين والكتاب والنبوة، اقتضت أن تقدم السماء للأرض أنجح الحلول وأقدرها واشملها، حيث لا دين ولا كتاب ولا نبي بعد. ولم يفارق محمد ـ عليه السلام ـ الدنيا إلا بعد أن أعلن بصوت الله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا).(المائدة 3)

لقد رأينا مادية اليهودية، وإيغال اليهود في "الأرضية والدنيوية" وهو اتجاه مرحلي قد يكون صحيحًا في وقت عاش فيه اليهود يجابهون أخطارًا لا تحصى ابتداء من اضطهاد فرعون مصر ومطاردته لهم.

ورأينا "الروحانية المثالية الخالصة" التي تقدم بها السيد المسيح في عصر الماديات والمال والسحت، فكان ذلك رد فعل طبيعي لاتجاه اليهودية واليهود، ولكنه اتجاه مرحلي أيضًا لا يمكن أن تعيش عليه البشرية إلى الأبد، وإن صح أن يكون علاجًا ما لحالات معينة في والوجود لا يمكن أن يتنفس برئة المادية البحت في معزل عن القيم والمثل العليا، وإلا تحولت المجتمعات البشرية إلى مجموعة من الغابات تسيطر عليها قوة المخالب والأنياب، ويكون الصراع الدامي المتسعر وسيلتها المثلى للوجود والبقاء، ويكون الشعار المعتنق البقاء للأقوى.. لا للأصلح.

كما أن الوجود لا يمكن أن يتنفس كذلك برئة المثالية المعنوية البحت: تجردية كاملة من ماديات الحياة.. ورهبانية مستغرقة في ملكوت الله مُنبتة عن واقع الحياة ومعاناتها في دنيا الناس.

وأمام هاتين "اللاإمكانيتين".. أمام آخر فرصة للإنسان في اتصاله بالسماء كان لا بد من وضع ضوابط جديدة وقيم جديدة أمام إنسان القرن السابع الميلادي([14])، وهذه القيم تمثل أقوى الحلقات وأخلدها في سلسلة البناء الإنساني. وألفت نظر القارئ إلى حقيقة مهمة وهي أن الإسلام لا يقلل من شأن القيم اليهودية والمسيحية ـ بالنسبة لكثير جدًّا منها وخاصة ما يتعلق بجواهر الأمور:

(أ) لأنها قيم ربانية من عند الله.

(ب) لأنها كانت أرقى القيم وأكملها في عصرها.

(جـ) وأخيرًا؛ لأن المسلم مطالب بالإيمان بها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ([15]). وقد وصف الله ـ سبحانه وتعالى ـ المتقين بأنهم.

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ([16]).

وأخص من ذلك وأدل (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)([17]).

ففي هذه الآية الكريمة تصريح بأن التوراة يحكم بها النبيون، ومن ضمنهم محمد ـ عليه السلام ـ وقد روي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجم يهوديًّا زانيًا اعتمادًا على حكم التوراة، وقيل بل رجم يهوديين عند باب مسجده، وذلك أول رجم كان في الإسلام([18]).

وقد أقرت الشريعة الإسلامية صراحة أحكامًا وردت في الشرائع السابقة مثل الصوم:

(أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ([19]).

وتنص السنة النبوية على أن الأضحية مشروعة في ملتنا كما كانت مشروعة في ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ضحوا، إنها سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام".

وقد نسخت الشريعة الإسلامية عدة أحكام كانت في الشرائع السابقة، ونحن ملتزمون بالابتعاد عنها.

كما أنها ذكرت أحكامًا وسكتت عنها ـ دون إقرار أو رفض ـ والأرجح عند الفقهاء مشروعيتها بالنسبة لنا. كما جاء في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)([20]).

والرأي الأخير يتفق مع سماحة الإسلام ومرونته وخاتميته، ويتفق مع المقولة الإسلامية الخالدة "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها " . وقد ذكرنا أكثر من مرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشاد بحلف جاهلي هو حلف الفضول، وأعلن أنه لو دعي به في الإسلام لأجاب.

ولكن ـ على الرغم من أننا مأمورون بالإيمان بقيم المسيحية واليهودية التي لا تتعارض مع إسلامنا ولم تنسخ به ـ أقول على الرغم من ذلك لم تعد القيم اليودية بماديتها، أو القيم المسيحية بروحانيتها قادرة على تشكيل الإنسان المتفاعل مع الحياة بعد أن تخطت البشرية مرحلة طفولتها الأممية.

إنسان اليهودية... أرضي ترابي مادي يتعامل مع الآخرين بمنطق القوة، والحساب المادي في سبيل النفع العاجل على المستويين الفردي والجماعي، حتى جزاؤه أرضي، والآخرة.. ملكوت الله لم تذكر في التوراة مرة واحدة.

وإنسان المسيحية يحمل قائمة من القيم الملائكية سمو.. سمو روحي محلق وزهادة في دنيا الناس.. فالهدف ليس هنا، والغاية المنشودة ليست في الأرض، ولكنها هناك في ملكوت السماء.

وانتهى الحال بإنسان اليهودية إلى عبادة المادة من دون الله.

وانتهى الحال بإنسان المسيحية إلى الاصطدام بالفطرة الإنسانية التي من مسلماتها أنه "بالروحانيات والمثل فقط لا يعييش إنسان.. تمامًا كما أنه بالمادة فقط لا يحيا البشر".

من هنا كان لا بد من من مفهوم جديد للإنسان الذي يدب على الأرض، ويعمر هذا الوجود ، وكان نسيج الإنسان من المنظور الإسلامي "مادة وروحًا يشكلان مخلوقًا حيًا أكرمه الله بنعمة العقل" وهو تعريف يخرج الجماد؛ لأنه مادة بلا روح وبلا عقل.. ويخرج الحيوان؛ لأنه مادة وروح بلا عقل.. فكان العقل هو قمة التكريم للبشر ابتداء من الإنسان الأول:

لقد خلقه الله من "مادة" الطين ونفخ فيه من "روحه" وكرمه "بالعقل" الذي وعي حقيقة الأشياء اسمًا ومسمى.. والعقل هو الذي كفل له أن يكون "خليفة" الله في أرضه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ([21]).

هذه هي قصة آدم ـ عليه السلام ـ في القرآن، هي قصة الإنسان الأول: خلق من تراب، وارترقى بالخلق السوي إلى منزلة العقل والإرادة، وتعلم من الأسماء فضلاً من العلم، ميزه على خلائق الأرض من ذي حياة، وغير ذي حياة، وقضى له أن يكسب فضله بجهده، وأن يكون جهده غلبة لإرادته وانتصارًا لعقله على جسده([22]).

ولكن لنترك قصة آدم ـ عليه السلام ـ بما فيها من "خصوصيات" ـ وقفها الله عليه في الخلق، ولم تتكرر مع غيره، لننظر إلى "الإنسان البشر" في كل زمان ومكان لنرى تكريم الله له بالحواس ـ لا لذاتها ـ ولكنم بقدر ما توصل صاحبها إلى طريق الفهم والاهتداء والتقوى والصلاح.

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)([23]).

وبالنظر العاقل المبين يعيش الإنسان ويهتدي ويبدع، نعم: لقد جعل له من الحواس ما يهديه في عالم المحسوسات: جعل له عينين على هذا القدر من الدقة في تركيبهما وفي قدرتهما على الإبصار وميزه بالنطق وأعطاه أداته المحكمة لسانًا وشفتين، ثم أودع في نفسه خصائص القدرة على إدراك الخير والشر، والدى، والضلال، والحق، والباطل: وهديناه النجدين ليختار أيهما شاء، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين([24]).

وإذا لم تستطع الحواس أن ترتفع بالحقيقة الإنسانية في نفس الإنسان، وتكون وسائل "لتحصيل العلم" والوصول إلى اليقين والهدى، والإيمان فوجودها كعدمها سواء، بل إن الإنسان في هذه الحالة يكون أحط مكانة من البهائم؛ لأن البهائم تستخدم حواسها بأقصى طاقاتها حفاظًا على بقائها، أما هو فقد عطل حواسه التي أنعمك الله بها عليه لاستعمالها كصاحب رسالة كرمه الله باستخلافه عنه في الأرض، وما قيمة العقل إذا ما عطلت طاقته عن الخير؟ وما قيمة العين إذا لم تبصر طريق الهدى؟ وما قيمة الأذن إذا لم تصغ لصوت الحق واليقين؟ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) ([25]).

وفي كتب الأديان الكبرى إشارات صريحة أو مضمونة إلى العقل أو إلى التمييز ولكنها تأتي عرضًا غير مقصودة، وقد يلمح فيها القارئ بعض الأحايين شيئأ من الزراية بالعقل، أو التحذير منه؛ لأنه مزلة العقائد وباب من أبواب الدعوى والإنكار.

ولكن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة. تكرر في كل معرض من معارض الأمر، والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله، أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه. ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون وخصائصها، وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص في مواطن الخطاب ومناسباته، فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع، ولا في العقل المدرك، ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق والحكم الصحيح، بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة، وهي كثيرة.. إذ هي جميعًا مما يمكن أن يحيط به العقل الوازع والعقل المدرك، والعقل المفكر الذي يتولى الموازنة والحكم على المعاني والأشياء([26]).

وبهذا المفهوم الشامل للعقل دعا الإسلام إلى النظر، وإلى التفكير والتأمل، ونعى على الذين لا يفكرون ولا يتأملون خلق الله ولا يعملون خلوصًا إلى اليقين:

(وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)([27]).

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)([28]).

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى)([29]).

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)([30]).

وثاني الثالوث في النسيج البشري هو الجسد.. والجسد هو الكيان المادي الذي بنى على الغرائز: غريزة حب البقاء.. غريزة التملك.. غريزة الوالدية.. غريزة المقاتلة.. الغريزة الجنسية.. إلخ.. والغريزة هي العنصر المشترك بين أفراد النوع الواحد وهي ميل فطري يدفع الكائن الحي إلى العمل في اتجاه معين تحت ضغط حاجاته الحيوية وهي بطبيعتها تتطلع إلى الإشباع.

وأغلب هذه الغرائز تدور حول حاجتين: حاجة الفم أو البطن للطعام، والشراب، وحاجة الجنس لكسر الشهوة، وهو طريق لحفظ النوع.

والإسلام لم ينكر مكان هاتين الشهوتين أو الحاجتين في النفس الإنسانية..

1 ـ فحل المشكلة الأولى بإباحة الطعام، والشراب من طيبات ما رزق الله اعتمادًا على العمل الشريف (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)([31]).

والعمل يجب أن يكون حلالاً: حلالاً في مادته وبضاعته، فلا عمل مشروعًا بالاتجار في الخمر، أو لحم الخنزير، أو أعراض الناس. كما يجب أن يكون حلالاً في كيفية التكسب من ورائه: فلا غش ولا استغلال ولا ربا ولا كذب".

(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)([32]).

فإذا ما كان بالمؤمن عجز أو فاقة فهناك التكافل الاجتماعي، بأروع صوره، ومن مظاهره الزكاة، والصدقة.

3 ـ وحل المشكلة الثانية بالزواج: فالزواج هو الحل الجذري لمشكلة الجنس، وكان الزواج في المجتمع الإسلامي الأول ـ حيث حسنت النوايا وطهرت القلوب وسمت الأخلاق ـ أمرًا ميسرًا لم تدخله تعقيدات المدنمية وفلسفاتها المتعفنة.

فإذا ما عجز المسلم عن الزواج لسبب ما فهناك إعلاء الغريزة أو السمو بها بالعبادة والصوم على حد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"([33]).

والروح هي العنصر الثالث الذي يستكمل به البناء الإنساني بعد العقل والجسد.. إنها الطاقة الغيبية الخفية الحية التي تعتبر بالإجماع سر حياة الكائن البشري، بل سر حياة كل كائن حي.. ومهما قال العلماء فيها أثناء الحياة، وبعد الموت فهي ما زالت سرًا غامضًا. وستبقى سرًا غامضًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختص نفسه بها.. (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ([34]).

وكما أن إشباع العقل يكون بالعلم والاختراع والكشوف.

وكما أن إشباع حاجتي البطن والفرج يكون بالطعام والشراب والزوج.

كان لا بد من إشباع الروح حتى لا يختل توازن هذا الثالوث الإنساني. وإشباع الروح في الإسلام، لم يأت على حساب العقل والجسد، ولكنه أتى ليأخذ مكانه في حيزه المعد له فلا يختل البناء الإنساني ويميل الميزان لغير صالح الفرد وغير صالح الجماعة.

فكما دعا القرآن إلى النظر والتأمل وإعمال العقل:

وكما دعا إلى التمتع بطيبات الحياة من طعام، وشراب، وزينة.

أمرنا الله كذلك بأن تغرس في نفوسنا الإيمان بالله، وأن نحيي أرواحنا بالثقة: الثقة بالله، والثقة بالدين، والثقة بالنفس إلى أبعد مدى، يقول الله سبحانه وتعالى.

(لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ([35]).

وهذه الكلمات العلوية الموجزة تجمع بين النوعين من الإشباع: إشباع الحاجات المادية، وإشباع الحاجات النفسية أو الروحية.

إشباع الحاجات المادية مثلت له الآيات بالإطعام من الجوع، والإطعام هنا مذكور على سبيل التمثيل لا الحصر، فالآية تتسع لنعمة الله في إشباع كل الحاجات المادية الأخرى:

كحاجة الإنسان للري من عطش والزواج لحفظ النوع، والحماية من الحر والبرد بالملبس والسكن. وهو تفسير يؤيده واقع هذا الإنعام من الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده مؤمنهم وكافرهم. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)([36]).

أما إشباع الحاجات المعنوية أو النفسية فقد مثلت له الآية بالتأمين من الخوف. وهي نعمة كسابقتها، مذكورة على سبيل التمثيل لا الحصر. والخوف هو آفة المشاعر النفسية كلها،

والخائف المفزوع لا يهنأ له طعام، ولا يلذ له شراب، ولا يسعد بملبس أو مسكن([37]).

ولكن كيف يأمن الإنسان من الخوف؟ وكيف يتأتى له أن يكون قوي الروح صلب النفس؟ إن أصل كل أولئك ومفتاحه في "عبادة رب هذا البيت".. في الإيمان العميق.. العميق بالله سبحانه وتعالى.. بحيث يصير المؤمن من فئة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)([38]).

إن قمة الإيمان بالله، هي نفسها قمة العبودية له، هي نفسها قمة العزة أمام البشر، هي نفسها قمة النصر والغلبة على كل من يتصدى للمؤمنين.

نعم: حسبنا الله، ونعم الوكيل، ولا حسب ولا كفاية إلا لله، وبالله، وعلى ذلك الاختصاص.. اختصاص الله بالحسب والكفاية، كان استعمال الكلمة في المعجم القرآني:

(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ)([39]).

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)([40]).

(وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ)([41]).

(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)([42]).

والإيمان لا يمنح المؤمن شجاعة وقدرة فحسب، ولكنه يمنحه الطمأنينة والقرار.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)([43]).

واطمئنان القلب لذكر الله ليس حصيلة روحية فحسب ، ولكنه حصيلة منطقية أيضًا.

فما ذكر الله؟ إنه استشعار وجود الله في النفس والضمير والوجدان، في الصلاة والصيام والقيام، واليقظة، والمنام، والمنشط، والمكره، والسراء، والضراء.. إنه يشمل كل هذه الأعمال والمواقف([44]). والله هو القوي المتعال، وهو القوي القهار الجبار.. وهو نعم المولى ونعم النصير.

وذكر المؤمن لله يعني استشعاره لله سبحانه بكل هذه الصفات التي تتضاءل أمامها كل قوى البشر... من هنا تأتي الطمأنينة نتيجة منطقية لهذا الشعور الإيماني، فالإنسان بالإيمان ساند ظهره إلى جدار من السموات والأرض مُحْـتَـمٍ بقوانينها ، سائر دائمًا في صف جندها، شاعر أنه قوة خادمة للإلهية، عاملة للتعمير وإقرار الحياة فيهما، فاهم أنه قيوم صغير نائب عن القيوم الأكبر تتجدد فيه الحياة، ويتدفق فيضها المستمر الذي يحيا به مع كل الحيوات"([45]).

والإيمان بالله يمنح الروح طاقة قادرة على الصمود أمام كوارث الحياة، وهو في حالتي احتمالها، ووقوعها ثابت لا يهتز، قوي لا يقهر. ولا يتقهقر؛ لأن من مقتضيات الإيمان التسليم قولاً وعملاً بقاعدة أزلية ربانية هي: (لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)([46]).

والإيمان بالله يعطي المؤمن ـ كما ألمحنا ـ ثقة بالنفس واعتزازًا بها واستعلاء على صغار الحياة وصغائر الأحياء. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ([47]). والمؤمن بالله لا يعرف المهانة والذلة، ولا يستسلم للضعف والحزن (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ([48]).

والإيمان بالله بلوازمه ومقتضياته العملية في القول والفعل هو معيار الأفضلية بالنسبة للفرد، ومعيار الأفضلية بالنسبة للأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ([49]).

العقل والروح والجسد.. هي النسيج المادي والمعنوي للإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات وجعله خليفته في الأرض، فمن حقه بل عليه أن يأكل ويشرب، ويتزين، ويتزوج (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ([50]). حتى الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته أمرهم الله بما أمر به المؤمنين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ([51]).

ومن حقه ـ بل عليه ـ أن يستخدم عقله في تعامله مع مجتمعه وتعامله مع الطبيعة وتعامله مع نفسه، والعلم هدف يجب أن يحرص عليه، والعلم وسيلة يجب أن يتخذها لبناء نفسه، وبناء مجتمعه والعمل لصالح المسلمين.

ومن حقه ـ بل عليه أن يحرص على المثل العليا والقيم الأخلاقية الراقية، وأن يحرص على الالتزام بالفرائض والعبادات..

والطابع العام أو الضابط المهيمن على هذه العناصر الثلاثة، العقل، والروح، والجسد، الضابط الذي يحقق "الاتساق" أو "الهرمونية" بينها هو الاعتدال في المشاعر والأقوال والأفعال.. هو الوسطية العادلة بلا إفراط أو تفريط.. بلا إسراف أو تقصير.. وهذا ما نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ([52]).

يقول الإمام محمد عبده "الوسط هو العدل، والخيار، وذلك أن الزيادة على المطلوب في الأمر إفراط، والنقص عنه تفريط وتقصير، وكل من الإفراط والتفريط ميل عن الجادة القويمة، فهو شر ومذموم، فالخيار هو الوسط بين طرفي الأمر أي أن المتوسط بينهما، والمسلمون خيار وعدول؛ لأنهم وسط ليسوا من أرباب الغلو في الدين المفْرطين ، ولا من أرباب التعطيل المفرِّطين، فهم كذلك في العقائد والأخلاق والأعمال.

ذلك أن الناس كانوا قبل ظهور الإسلام على قسمين: قسم تقضي عليه تقاليده بالمادية المحضة ، فلا هم له إلا الحظوظ الجسدية، كاليهود، والمشركين، وقسم تحكم عليه تقاليده بالروحانية الخالصة وترك الدنيا وما فيها من اللذات الجسمانية كالنصارى والصابئين وطوائف من وثنيي الهند أصحاب الرياضيات.

وأما الأمة الإسلامية فقد جمع الله لها في دينها بين الحقين: حق الروح، وحق الجسد ، فهي روحانية جثمانية، وإن شئت قلت إنه أعطاها جميع حقوق الإنسان، فإن الإنسان جسم وروح.. حيوان وملك ([53]).

ومن منطلق هذه الوسطية الأخلاقية نهى القرآن عن البخل؛ لأنه تفريط في حق النفس وحقوق الآخرين، كما نهى عن التبذير؛ لأنه إفراط وإسراف في الاتفاق يؤدي إلى الخراب.

(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) ([54]).

وهذه الوسطية العادلة صفة من أهم صفات المؤمنين.. عباد الرحمن..

(وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) ([55]).

وفي الصلاة: كذلك:

(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) ([56]).

والمسلم مطالب بالاعتدال في العاطفة حبًا وكراهية، فلا يغلو في الحب، ولا يسرف في الكراهية، عملاً بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أحبب أخاك هونا ما عسى أن يكون عدوك يوما ما، واكره عدوك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما".

والمسلم مطالب بالتوفيق بين مطالب الروح، ومطاب الجسد، بين مطالب الآخرة، ومطالب الدنيا (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ([57]).

ولكن هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأخذ نفسه بهذه القاعدة: قاعدة الوسطية العادلة في الأمور؟

في حديث للمغيرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى حتى انتفخت قدماه، وفي رواية أخرى أنه كان يصلي حتى تَرِمَ قدماه. فقيل له أتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟

ـ وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان عمل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ديمة، وأيكم يطيق ما كان يطيق؟

ـ وقالت كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم ([58]).

ـ وعن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ كنت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستأذن ثم توضأ، ثم قام يصلي فقمت معه، فبدأ فاستفتح البقرة: فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، ثم ركع بقدر قيامه يقول: سبحانه ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء، والعظمة، ثم سجد، وقال مثل ذلك، ثم قرأ آل عمران، ثم سورة سورة يفعل مثل ذلك..

ـ وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ مثله. وقال: سجد نحوا من قيامه، وجلس بين السجدين نحوًا منه. وقال: حتى قرأ البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة.

ـ وعن عبد الله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ أتيت رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل.

ـ وقال ابن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ([59]).

صورة ملائكية شفافة مضيئة مشرقة، تمثل قمة السلوك الإنساني الرباني، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أوردناه يقسو على نفسه كل القسوة ، وينتصر للروح على حساب راحته، ومطالب حياته وجسده ، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ([60]).

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ([61]).

فإذا كنا مطالبين بطاعة الرسول والاقتداء به في عمله وخلقه وعبادته، وكان مسلكه ـ عليه السلام ـ بالصورة التي رأيناها، وهذا قليل من كثير أو قطرة من محيط ـ إذا كان الأمر كذلك فأين "الوسطية العادلة" في هذه الأعمال وكلها كما رأينا مثالية لا تدرك؟ ومن الصعب.. إن لم يكن من المستحيل قيام العباد والتزامهم بها.

ودفعًا لهذه الشبهة أو هذه الخاطرة نقول: إن ما صدر عن النبي ـ عليه السلام ـ وأشرنا إلى بعضه وهو غاية لا تدرك ـ إنما صدر من "مقام النبوة".. من "النبي محمد" لا من محمد النبي ([62]). وهذه المثالية التي لا تدرك "خصوصية" من خصوصياته ، والأمة غير مطالبة بأداء ما دل الدليل على أنه خاص به كوجوب تهجده بمقتضى قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) ([63]). وجواز مواصلة الصوم، وقد نهى غيره عنه وقال: "وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" ([64]).

وشدد النبي ـ عليه السلام ـ في نهي أصحابه عن الاقتداء به في هذه الخصوصيات، أو هذه المثاليات النبوية: "فعن عبد الله بن عمرو قال: دخل عليّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى. قال: فلا تفعل قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقًَّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزورك (زائريك) عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإنك عسى أن يطول بك عمر، إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، فإن بكل حسنة عشر أمثالها ، فذلك الدهر كله ، قال فشددت فشدد علي . فقلت : فإني أطيق غير ذلك. قال فصم صوم نبي الله داود. فقلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال نصف الدهر" ([65]).

وكان ـ عليه السلام ـ يغضب إذا ما طلب المسلمون "مزيدًا" من التكاليف، أو شديدًا من الأمر حرصًا منهم على مزيد من الثواب، أو تقريبًا لمكانتهم عند الله . قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان رسول الله ـ عليه السلام ـ إذا أمرهم.. أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا : إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله ، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" ([66]).

هذه هي الطبيعة الحقيقية للمثالية الإسلامية، فهي مثالية واقعية، إن صح هذا التعبير أو هي واقعية مثالية لا تحلق بعيدًا عن معاناة الأرض ودنيا الناس، ولا تنغمس في الحمأة المنكودة وشهوانية المادة الصماء . "والأخلاق الحقيقية هي الي تضع الضمير الإنساني في وضع متوسط بين "المثالي" و "الواقعي" وتجعله يدمج بينهما، وهذا الدمج يؤدي إلى تغيير مزدوج في كليهما: ففي عالم الواقع يحدث جديد.. هو الاتجاه نحو الأفضل. كما أن القاعدة المثالية هي الأخرى باحتكاكها بالحقيقة الحسية تعدل نفسها لتلائم الواقع، فإذا احتدم النزاع بين واجبين.. فقد يتعين أن يخلي أحدهما السبيل أمام الآخر، أو تحتم طبيعة العلاقات المركبة بين الأشياء إيجاد نوع من التوفيق بينهما، أو يسمح الجانب غير المحدد من القاعدة باختيار حر يؤكد إنسانية الإنسان.

وهكذا نرى أن الإلزام الخلقي يستبعد "الخضوع المطلق" مثلما يستبعد "الحرية الفوضوية" ويضع الإنسان في موضعه الحقيقي بين "المادة الصرف" و "الروح الصرف" ([67]).

وهذه الوسطية العادلة "للقيم الإسلامية تعد عملية "توفيق" دقيقة جدًّا بين "الأعـلى" و"الأرضي" وهو توفيق ضروري ـ كما ذكرنا مرارًا ـ لحياة القواعد الأخلاقية وحيوية الالتزام بها؛ لأنه إذا حدث "انفصام" بين "العلوي" و "الأرضي" ... بين المثال والواقع، فقد المثال قيمته العملية، وأصبح الواقع يتخبط بلا مرشد أو ضابط ،"فلا الصيغة المجردة لقاعدة عامة، ولا التحليل الدقيق، للحالة الخاصة ـ معزولاً كلاهما عن الآخر ـ يكفي لهداية إرادتنا، وإنما هو.. تركيب "المثل" الشامل القادم من أعلى مع "الواقع" الراهن الذي ليس سوى إيضاح وبيان حتى يوجد الدليل الممتاز لضميرنا، فبين المثل الأعلى والواقع، بين المطلق والنسبي، يوجد الضمير الإنساني علامة توحيد يجب أن يستمر في التقريب بين هذين الطرفين، بأن يؤكد رابطة ما بينهما في صورة العمل الذي يولد من اقترانهما السعيد، ويرتدي هذه الصفة المزدوجة التي يمثلها في وقت ثبات القانون الأزلي، وجدة الإبداع الفني" ([68]).

فالعملية إذن عملية "توفيق" لا "تلفيق" . والفرق بينهما كالفرق بين الطبيعي المنسجم الأجزاء، والافتعالي الذي قد يدل بظاهره على "توافق" ولكنه في الواقع يفتقر إلى عنصر التفاعل الحقيقي بين جواهره وجزئياته.. وفي التوفيق يراعى التناسب العملي بين العناصر المادية والروحية والعقلية، تبعًا لمقتضيات الحال في نطاق الحدود الشرعية . أما التلفيق فلا مراعاة، المهم فيه المظهرية ولو بالتعسف والتعنت . وبسبب هذه الفروق الهائلة بين التوفيق والتلفيق كانت الفروق هائلة بين "العمل الناتج" عن كل منهما: فناتج التوفيق عمل يتسم بالصدق في المظهر والمخبر، وناتج التلفيق عمل قد يبهر بمظهره ولكنه في حقيقته خواء.. لا يحمل دلالة نفسية على تقوى أو صلاح . ومن أمثلة أعمال "التلفيق" أن رجلاً وجد تمرة ملقاة في شارع من شوارع المدينة، فرفعها بيده وصار ينادي بأعلى صوته " يا من ضاعت له تمرة ؟ يا من ضاعت له تمرة ؟ " ، فضربه عمر بدرته وقال له: "كلها يا صاحب الورع الكاذب".

نعم يا صاحب الورع الكاذب، فالمثالية هنا لم تتلبس تلبسها الحقيقي "بالعمل" المعروض. والطاقة المبذولة هنا لا "تتناسب" مع طبيعة العمل وقيمته، لذلك كانت وسطية الإسلام عادلة.. وعدلها في كون صورتها التطبيقية، جاءت "توفيقًا" لا "تلفيقًا". ـــــــــــــــــ

تنبيه : اكتشفت ان آية الوسطية ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهبدا ... ) تقع فى وسط سورة البقرة تماما " أى فى نصفها " : فرقمها 143 . وعدد آيات سورة البقرة 286 آية .

قلت : سبحان الله أفلا يدل ذلك على أن القران من عند الله !؟ ، وليس من وضع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يذهب بعض غلاة العلمانيين ؟.

ثم تقودنا هذة المقولة إلى تنبيه آخر وهو أن هناك وجوها أخرى لإعجاز القران لم تكتشف بعد .

[1])) انظر: صوفي أبو طالب: مبادئ تاريخ القانون 114، وانظر كذلك د. أحمد شلبي في كتابه (اليهودية) 237 ـ 279.

ويذهب "موريس موكاي" إلى أن الكتاب المقدس قبل أن يكون مجموعة أسفار كان تراثًا شعبيًا لا سند له إلا الذاكرة، وهي العامل الوحيد الذي اعتمد عليه نقل الأفكار، وكان هذا التراث يغني، ويرى كذلك أن أسفار العهد القديم كتبت على مدى يربو على تسعة قرون، وبلغات مختلفة، واعتمادًا على التراث المنقول شفويًا، وقفد صححت وأكملت أكثرية هذه الأسفار بسبب أحداث حدثت، أو بسبب ضرورات خاصة، وفي عصور متباعدة أحيانًا (انظر كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 20، 23).

[2])) سفر العدد الإصحاح العاشر (1ـ9).

[3])) سفر التثنية 5 / 6 ـ 9..

[4])) سفر التثنية 20 / 10 ـ 15..

[5])) سفر اللاويين 20 / 9 ـ 16.

[6])) راجع مثلاً الإصحاح 25 من سفر الخروج وفيه يذكر الرب المواصفات الدقيقة والجزئيات الصغيرة جدًّا لتابوت العهد وللمائدة وملابس هارون الكهنوتية ولم تترك هذه التفصيلات صغيرة ولا كبيرة تتعلق بهذه الأشياء.

[7])) اندريه كرسون: المشكلة الأخلاقية والفلاسفة 76.

[8])) انظر: أبو طالب السابق 113.

[9])) المرحوم سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام ص6، وراجع د. شلبي في (اليهودية) ص 275، ومن أغرب ما دخل اليهودية من انحراف وتحجر ما تقرؤه في التلمود من نفي العصمة عن الله ونسبة الخطأ والخطيئة إليه.

[10])) إنجيل متى: الإصحاح الخامس 27 ـ 44.

[11])) انظر: متى 5/17.

[12])) متى 26 / 53.

[13])) راحع: محاضرات النصراينة للشيخ أبي زهر 10.

[14])) ولد محمد ـ عليه السلام ـ سنة 571م، ونزل عليه الوحي، وهو في سن الـ 40 على أرجح الأقوال.

[15])) البقرة 285.

[16])) البقرة 3، 4.

[17])) المائدة 44، أسلموا: انقادوا لحكم ربهم، الربانيون: عباد اليهود: الأحبار: علماء اليهود.

[18])) انظر ابن تيمية: السياسة الشرعية 122، والبخاري 9 / 129 كتاب الاعتصام.

[19])) البقرة: 183.

[20])) المائدة 45 "وانظر حسب الله: أصول التشريع الإسلامي 95 ـ 97.. وانظر كذلك: البرديسي: أصول الفقه 343 ـ 347".

[21])) البقرة 30 ـ 33، بسفك الدماء: يريقها عدوانًا. نسبح: ننزهك عن كل سوء ونقيضه، نقدس لك: نطهر لك ذكرك عما لا يليق بك.

[22])) العقاد: الإنسان في القرآن الكريم، ص 66.

[23])) البلد: 8 ـ 10.

[24])) قطب: 6 / 3910.

[25])) الأعراف 179، ذرأنا: خلقنا وأوجدنا.

[26])) العقاد: التفكير فريضة إسلامية 5.

[27])) الذاريات 20 ـ 21.

[28])) الأعراف: 185.

[29])) الروم: 8.

[30])) سبأ: 46: جنة: جنون.

[31])) التوبة 105.

[32])) البقرة 275.

[33])) البخاري 7 / 3 (باب النكاح) وجاء (بكسر الواو) أي كاسر للشهوة.

[34])) الإسراء: 85.

[35])) سورة قريش (1ـ4) لإيلاف قريش: لجعلهم آلفين الرحلتين: رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى بلاد الشام.

[36])) إبراهيم: 34.

[37])) يقول العلامة ول. ديورانت في كتابه "قصة الحضارة 1 /4" والحضارة تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق؛ لأنه إذا أمر الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة، وازدهارها جـ(1) ص (4).

[38])) آل عمران: 173.

[39])) الأنفال: 62.

[40])) الأنفال: 64، واتساقًا مع المنهج القرآني في قصر الحسب والكفاية على الله سبحانه يكون المعنى "حسبك الله وحسب من معك من المؤمنين" خلافًا لمن ذهب إلى القول بأن المقصود "الله والمؤمنون هم حسبك" ولابن القيم بحث لطيف في الآية "انظر زاد المعاد" 1/6.

[41])) التوبة: 59.

[42])) الطلاق: 3.

[43])) الرعد: 28.

[44])) قد يؤيد هذا التفسير أن الله سبحانه وتعالى فرق بين الصلاة وذكره في قوله: (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) فذكر الله أعم وأشمل من الصلاة وهي جاءت بعده من قبيل ذكر الخاص، بعد العام لتعظيم هذا الخاص وببيان أهميته.

[45])) عبد المنعم خلاف: العقل المؤمن 128.

[46])) التوبة: 51.

[47])) المنافقون: 8.

[48])) أل عمران: 139.

[49])) آل عمران: 110.

[50])) البقرة: 172.

[51])) المؤمنون: 51.

[52])) البقرة 143. ومن أبلغ الكلم في "وسطية الإسلام" قول الإمام علي كرم الله وجهه ".. اليمين والشمال مضلة، والطريق السوطى هي الجادة، عليها باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السنة، وإليها مصير العافية، هلك من ادعى، وخاب من افترى ..." نهج البلاغة 43.

[53])) المنار 2 / 4.

[54])) الإسراء: 29.

[55])) الفرقان: 67.

[56])) الإسراء: 110.

[57])) القصص: 77.

[58])) أي يصوم، ويطول صيامه وحتى يخيل للمسلمين أنه صوم وصال، أما قولها: ويفطر حتى نقول لا يصوم فنقصد أنه يتناول في الإفطار طعامًا قليلاً كهيئة من لا ينوي الصيام.

[59])) ارجع إلى الشفاء للقاضي: عياض، الجزء الأول 285 ـ 288.

[60])) الحشر: 7.

[61])) الأحزاب: 21.

[62])) صاحب هذا التفريق هو المرحوم عباس العقاد في كتابه "عبقرية الصديق".

[63])) الإسراء 79. فصل فيه. نافلة لك: فريضة زائدة خاصة بك.

[64])) انظر حسب الله: أصلو التشريع الإسلامي 49. وانظر الحديث بتمامه في البخاري 9 / 119 كتاب الاعتصام.

[65])) البخاري: 8 / 39 ( كتاب الأدب ـ باب حق الضيف).

[66])) البخاري: 1 / 11 (كتاب الإيمان).

[67])) من تقديم د. السيد محمدي بدوي لكتاب (دستور الأخلاق في القرآن) ى. هـ.

[68])) دراز: دستور الأخلاق في القرآن 126.

المصدر:رابطة أدباء الشام