اليهود يسرقون الدجاج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٥١، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


اليهود يسرقون الدجاج

الحلقة الخامسة عشر:

اليهود يسرقون الدجاج:

جنود اسرائيل l.jpg

علمنا ذات يوم أن اليهود سيغيرون على قرية مجاورة، وكانت العملية تحتاج إلى شباب سريع الحركة، فانتدبنا الأخ عبد الرحمن البنا وكان في السابعة عشرة والأخ سيد منصور وكان في الثلاثين من عمره أو يزيد قليلا، فانطلقا في الوادي الفسيح، لا يحميهما إلاالظلام المتراكم، ودعاء المئات من الإخوة المقيمين في المعسكر، وانتظرنا إلى منتصف الليل، ولكن الأخوان لم يعودا، فران علينا صمت كثيف، يسبق عادة نبأ استشهاد أحد الإخوان، وفجأة تبددت أوهامنا، ونحن نسمع وقع أقدام الرجلين وهما يقطعان الطريق إلى داخل المعسكر، وقد حمل كل منهما مجموعة من "الدجاج" استوليا عليها من اليهود، الذين كانوا قد سرقوها من إحدى القرى العربية!.

يوم الشهادة في معركة التبة 86:

تلقينا رسالة عاجلة من اللواء أحمد فؤاد صادق قائد عام الجيش المصري بفلسطين بالتحرك على وجه السرعة، وعلى الفور أعد الأخ كامل الشريف قائد المعسكر قوة من 35فردًا من شباب الإخوان من بينهم الإخوة سيد منصور وعبد الحميد خطاب وسيد عيد وفوزي فارس، ووصلنا على أرض المعركة في أدق مراحلها، وقمنا بعملية انتشار سريعة، وتمركزنا في مناطق رئيسية، بحيث تمكنَّا من اكتشاف مراكز تجمعات العدو والدشم التي يصوب منها نيرانه إلى صدور رجالنا، وحاولنا التمركز في مواقع قريبة من تحصينات العدو ومراكز إطلاق نيرانه، ولكن هذا لا يتم إلا إذا قطعنا طريقًا مكشوفًا للنيران، فطلبنا من قيادة الجيش المصري، السماح لنا بدبابتين لنتخذهما ساترًا متحركًا نحتمي به إلى أن نتسلق التبة عالية، ووافق القائد، وبدأت قواتنا تتحرك خلف الساتر، ونيران العدو تحاصرها من كل جانب، وفي ظلال دبابة مكشوفة كان يركض الأخ سيد منصور والأخ عبد الحميد خطاب، الطالب الأزهري، الذي لم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره، كانت النيران والرصاص تتساقط من بين أيديهما وفوق رأسيهما، ودوي القنابل يزلزل الأرض من تحتهما، ومع هذا مضى الأخوان الكريمان لغايتهما في إقدام وجرأة، وتحد للعدو وإصرار على مواجهته، ورغبة صادقة في لقاء الله إلى جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.. كان العدو يشعر بالخطر المتحرك خلف الدبابة، فسدد جميع أسلحته في اتجاهها وطوقها بسحابة من الدخان.. وارتبك قائد الدبابة اليوزباشي نهاد شوقي وأصيب واضطربت عجلة القيادة في يده، فلم يعد يتحكم فيها، وتدحرجت الدبابة إلى الوراء، فسقط الرجلان تحت عجلاتها، واعتصرت جسد الشهيد عبد الحميد، والنصف الأسفل من الشهيد سيد منصور.. وتمضي المعركة، ويتمكن الإخوان الباقون من تغيير مجرى المعركة، من هزيمة إلى نصر، ويشعر اليهود بصلابة العنصر الجديد الذي هبط فجأة واستطاع أن يقتحم عليهم مواقعهم، ويغير في جرأة على الدشم الحصينة، ويلتقي بهم وجهًا لوجه، فيضطر العدو للانسحاب حاملا معه قتلاه وجرحاه.

وكما ذكرنا من قبل، فإن اليهود لا يتركون قتلاهم أو جرحاهم إلا في حالة الضرورة القصوى.. كانت الأرض تسبح في بركة من الدماء الزكية، ممزوجة بماء المطر وجثث القتلى تتناثر على التباب والطرقات وتحت أشجار التين الشوكي، ومن بين هؤلاء يرقد الشهيد البطل الأزهري عبد الحميد بسيوني خطاب الذي أسلم روحه إلى بارئها، وعلى بعد خطوات قليلة منه يرقد الأخ المجاهد سيد منصور، بعد أن داست الدبابة على نصفه الأسفل.. اقتربت منه، وتحسست جسده فإذا قلبه ما زال ينبض، وفتح الرجل عينيه وأدارهما في وجهي، فاقتربت منه وقبلت وجهه المشرق بنور الإيمان والشهادة وقرب لقاء الله، فتمتم بعبارات خافتة، ظننته يملي عليّ وصيته لزوجته وأبنائه الستة، فأرهفت السمع، فإذا به يردد عبارة واحدة "اللهم انصر دعوتنا.. اللهم بارك مرشدنا" ثم يغلق فمه قليلا حتى يدفع عنه ماء المطر المتدفق من السماء، ويعود مجددًا لدعائه، يكرره في إلحاح ورجاء.. ونسرع بطلب عربة إسعاف لإنقاذه، ويحضر رجال الإسعاف، ويحاولون استخلاصه من الطين، فيستعصي عليهم، لأن ساقيه كانتا قد امتزجتا بالطين، فيحملونه بكل الطمي المتراكم عليه إلى المستشفى العسكري، ويقرر الأطباء بتر الساقين لاستخلاص بقية الجسد الطاهر، وتجرى عملية جراحية سريعة، لكن قضاء الله كان أسرع، لترتفع روح الأخ سيد منصور وهي تردد اللهم انصر دعوتنا وبارك مرشدنا..!.

ويسمع قائد الجيش اللواء فؤاد صادق بوفاة المجاهد سيد منصور، فيتألم للنبأ، ويحضر على الفور إلى معسكرنا، ليؤدي بنفسه واجب العزاء، ثم يصدر قرارًا بترقية الأخ سيد منصور إلى رتبة "ملازم أول" تقديرًا لخدماته في الجيش المصري.

الشهيد حسن العزازي:

هو من شباب الإخوان المسلمين بالعريش، وأحد أبطال معركة التبة 86، وأثناء المعركة أصيب بجرح في كتفه، وكان بوسعه أن ينسحب، لكنه ظل يكافح بضراوة حتى احتمى بنتوء بارز في مواجهة العدو، وأخذ يلهب خنادقه برصاص مدفعه الرشاش حتى أسقط منه عددًا كبيرًا، مما دفعهم لتركيز نيرانهم عليه، فأصابته عدة طلقات في مواضع مختلفة من جسمه، فسكت مدفعه وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، بعد أن أبلى بلاءً حسنًا وثأر لنفسه ولإخوانه ولأمته، واكتحلت عيناه برؤيا الدم الصهيوني المراق على أرض فلسطين الحبيبة.

الشهيد عبد الحميد بسيوني خطاب:

هو نجل الأخ الفاضل الشيخ بسيوني خطاب، العالم الجليل، والداعية المخلص، والخطيب المفوه، ونائب شعبة الإخوان المسلمين في بسيون بمحافظة الغربية.. لما قامت حرب فلسطين ودعا داعي الجهاد، أرسل الشيخ الكبير، أكبر أولاده إلى ميدان الجهاد، ثم أتبعه بابنه الثاني، شهيدنا الأخ عبد الحميد، الذي كان متحرقًا للجهاد والشهادة في سبيل الله.. يقول عنه الأخ المجاهد كامل الشريف قائد الإخوان في حرب فلسطين: لست أنسى ما كان من المجاهد الشاب عبد الحميد بسيوني خطاب.. لقد كان هذا الشاب يبكي بكاءً مرًا، حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر، وما زال يبكي، ويبعث بالوساطات، حتى أشفقت عليه فسمحت له بالخروج من المعسكر، وهو أشد ما يكون فرحًا وابتهاجًا، ثم تأتي معركة التبة 86، لتضع اسمه في سجل الشهداء الخالدين..

ويأتي خبر استشهاده إلى الإخوان ببسيون.. يقول الحاج أحمد البس مسئول الإخوان بالغربية في ذلك الوقت وأحد رجالات الرعيل الأول من هذه الدعوة المباركة: كان الشيخ بسيوني خطاب مريضًا بالفراش بمنزله، فزرته وأسررت له بالخبر المؤلم، فقال: لا تخبر أحدًا فإني مريض كما ترى، وأمه ستملأ البيت صياحًا، ولا أرى داع لعمل مأتم، ثم سألني: كم عدد الإخوان المعتقلين عندنا؟ قلت حوالي عشرين.. فقال: إذن وجه ما معك من مال إلى أهالي هؤلاء المعتقلين بدلا من الصرف على المأتم، واصبر حتى يمن الله عليّ بالشفاء، ثم أخبر والدته بالتدريج، وقد كان.. وبذلك ضرب والد الشهيد المثل في الصبر والتجلد ومقابلة الخطوب بالتسليم الكامل لله.. رحم الله شهيدنا المجاهد البطل ورحم والديه وتقبله في الصالحين.. آمين.

وبعد خروجنا من المعتقلات بفترة قصيرة، تغيرت الحكومة، وجاءت حكومة الوفد، ورفعنا قضايا وحدث تفاهم بين الإخوان والحكومة، فعادت الجماعة مرة أخرى إلى نشاطها العلني وتسلمنا المركز العام، وبدأت جميع الأنشطة تعود من جديد، سواء التربوية أو الاجتماعية أو الرياضية أو الخدمية أو السياسية، وبدأ الشعب المصري يشعر بوجود الإخوان مرة أخرى بعد غياب قسري دام العامين ونصف العام..