تاريخ الإخوان المسلمين في لبنان (الحلقة الأولي)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ الإخوان المسلمين في لبنان


كيف بدأ؟

تقديم

بلاد الشام هو اسم تاريخي لجزء من المشرق العربي يمتد على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط إلى حدود بلاد الرافدين، حيث تشكّل هذه المنطقة اليوم بالمفهوم الحديث كل من سورية ولبنان والأردن وفلسطين التاريخية.

والجمهوريّة اللبنانية هي إحدى الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط في غرب القارة الآسيوية، حيث تحدها سوريا من الشمال والشرق، وفلسطين من الجنوب، وتطل من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط، وهي بلد ديمقراطي جمهوري طوائفي غني بتعدد ثقافاته وتنوع حضاراته، وقد حصل على الاستقلال في 22 نوفمبر 1943 حيث اعتمد اسم "الجمهورية اللبنانية".

اهتمام الإخوان بلبنان

كانت الساحة اللبنانية تتنازعها القوميات المختلفة، والأحزاب السياسية المتعددة التي شكلت الطابع السياسي والذي غلب عليه الطائفية، والصراعات بين الأحزاب المختلفة خاصة بعد استقلال البلاد.

لقد دفع هذا التعدد الطائفي بلبنان إلى صراع طائفي شديد، ربما وقف حائلاً دون ترابطه مع باقي الشعوب العربية المجاورة.

ولقد قدّر الإخوان هذه الأحوال وفهموها جيدًا؛ لذلك بدأ الإخوان خطواتهم تجاه هذه البلاد بسياسة تناسب كل بلد على حدة، مما أوجد آثارًا تختلف من قطر إلى آخر رغم اهتمام الإمام البنا بقضاياها وتقديمها على بعض القضايا إيمانًا منه بأن هذه البلاد هي الامتداد الطبيعي لنشر فكر الإخوان ونشاطهم.

حيث حرص الإخوان على تنمية روح الوحدة والتعايش بين أبنائها، فقد انتقدوا المواقف السلبية التي صدرت من الحكومة اللبنانية، وخاصة التي كانت مخالفة لحقوق العروبة والجوار ومناصرة قضايا الأمة العربية (1).

لقد كان من أهداف الإخوان محاربة المستعمر الأجنبي الموجود في البلاد الإسلامية، ولذا حرص الإخوان على الوقوف بقوة بجانب الحقوق اللبنانية الخاصة بالاستقلال التام وخروج الاحتلال الفرنسي منها، فعندما رفضت الحكومة اللبنانية قرارات المندوب الفرنسي، سارع الإخوان بتأيد ما جاء في بيانها حيث قالت: "إن حق التشريع في لبنان ينحصر في السلطات اللبنانية وحدها (2).

لقد حرص الإخوان على قوة العلاقة بينهم وبين اللبنانيين حكومة وشعبًا، ففي الأسبوع الثاني من المحرم عام 1363 ه الموافق يناير 1944 استقبلت دار الإخوان وفدًا لبنانيا كان على رأسه رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح بك حيث وقف الأستاذ عبد الحكيم عابدين مفتتحًا الجلسة بقوله: "شاء الله ألا ينال لبنان حريته منحة، فكان أن انتزعها انتزاعًا حتى لا يكون للغير فضل فيه، فنحن نكرم الجهاد في دولة رياض الصلح بك رجل الجهاد"، ثم ألقى فضيلة المرشد كلمة بليغة قال فيها: "ونريد أن نكون عمليين فندع أعمالنا تعبر عن فكرتنا"، ثم تكلم عن وحدة العرب قائلاً: "إنها حقيقة قائمة ليست بحاجة إلى تأكيد، وما صنعته يد الله لا تفرقه يد إنسان، فنحن وحدة جغرافية ووحدة لغوية، ووحدة اقتصادية ووحدة ثقافية جمعتنا الآلام والآمال أجيالاً عديدة (3).

وحينما وقعت الحوادث الدامية بين قوات المحتل الفرنسي والشعب السوري واللبناني عقب الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م ندد الإخوان بتلك الوحشية التي استخدمتها القوات الفرنسية ضد الشباب اللبناني، فكتب حسن البنا يحث الحكام العرب على اتخاذ إجراءات لحماية الشعوب فكتب يقول: إن سوريا ولبنان لا ترضيان بغير هذا الاستقلال بديلا، ولقد أدت سوريا ولبنان ما وجب عليهما، وبقى بعد ذلك على الأمة العربية أن تعمل حتى تصل إلى أهدافها وتتحقق مطالبها وآمالها والله مع العاملين (4).

كما كتب مذكرة في موضع أخر منددا بهذه الحوادث جاء فيها:

إن اعتداء فرنسا على سوريا ولبنان ليس ظاهرة عرضية، بل هو مظهر مؤلم لفكرة رجعية عنيفة تسيطر على عقلية بعض الساسة الفرنسيين الذين يظنون أن البلاد العربية ميدان صالح للاستعمار السياسي العتيق، وأن الشعوب العربية شعوب همجية تقبل الاستعباد وترضاه، ويظنون أنهم يستطيعون أن يكونوا لهم إمبراطورية استعمارية في البلاد العربية على حساب العرب، دون اكتراث بحيوية هذه الشعوب ومدنيتها، ولا بمبادئ الحرية التي آمنت بها جميع الشعوب الحديثة واعتنقتها الأمم المتمدينة، ولا بمبادئ القانون الدولي التي تفرض عليهم احترام تعهداتهم والتزامهم، بل ودون أي تقدير لمبادئ الإنسانية التي تأبى استعمال القوة والعنف ضد الشعوب العزلاء (5).

ثم يؤكد على دعم الإخوان للقضية السورية واللبنانية، فيقول: وإن الإخوان المسلمين يؤيدونكم بكل قواتهم ويقدمون لكم أرواحهم وأنفسهم لتقذفوا بها فى ميدان العمل، وقد رأوا أن من واجب هيئتهم أن تطالبوا حكومات الجامعة بالوقوف في هذه القضية موقفا حازما حاسما حتى تحرر سوريا ولبنان من الفرنسيين المستعبدين نهائيا باتخاذ ما يأتي:

  1. قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الحكومة الفرنسية ووضع الأموال الفرنسية تحت الحراسة.
  2. مساعدة الجمهوريتين العربيتين سوريا ولبنان على تكوين جيشيهما بأسرع ما يمكن بكل المساعدات الفنية والمالية.
  3. أن تساهم جيوش الدول العربية والمتطوعين في شرف تحرير سوريا ولبنان وطرد الفرنسيين منها إلى آخر رجل.
  4. محاكمة جميع الفرنسيين الذين اعتدوا على الأهالي السوريين المدنيين والمدن السورية المفتوحة اعتداءات يحرمها القانون الدولي وتأباها الإنسانية على هذه الجرائم، ومعاقبتهم مع مجرمي الحرب الأوربية، وتعويض جميع الأضرار التي أحدثوها للأهالي والمدن من أموال الفرنسيين في البلاد العربية (6).

بل عندما حضرت الوفود العربية إلى مصر عام 1945م لدعم سوريا ولبنان في محنتيهما ضد فرنسا استقبلها الإخوان، وحياهم الأستاذ السكري باسم الإخوان، وفي اليوم التالي احتشد الإخوان المسلمون في جامع إلكخيا بميدان الأوبرا في صلاة العصر، وصلى بهم الأستاذ المرشد إمامًا، وبعدها دعا الإخوان إلى صلاة الغائب على أرواح الشهداء، فأدوا الصلاة، وخرجوا بعدها في جموعهم وقد رفعوا أعلامهم وانتظموا في مظاهرة سارت من مسجد إلكخيا إلى ميدان إبراهيم باشا، فشارع إبراهيم باشا، وكان الأخ حامد شريت سكرتير الإخوان بأسيوط يركب سيارة، ومعه المذياع، فأخذ يهتف وسط الجموع فيرد الإخوان هتافه بحماسة بالغة وشعور فياض، فدوى الهتاف بحياة سوريا المجاهدة ولبنان الباسلة، وسقوط فرنسا الغاشمة، كما هتف الإخوان بمبادئهم: الله غايتنا، والنبي إمامنا.

ووصلت طلائع المتظاهرين إلى فندق شبرد حيث كانت الوفود العربية مجتمعة، بينما كانت المؤخرة ما زالت أمام مسجد إلكخيا، وتحولت الشوارع إلى كتل بشرية تخفق من فوقها أعلام الإخوان المسلمين من أنحاء القطر المختلفة، ومن فوق فندق شبرد أطل فضيلة المرشد العام وقد أمسك بيده المذياع وارتجل كلمة حماسية ألهبت الشعور، وأطلقت الحناجر بالهتاف والتهليل والتكبير استهلها بقوله: «لا حياة مع الذل، ولا عيش مع الاستعباد يا مصر المجاهدة، ها أنت ممثلة في هذا الشباب -شباب الإخوان- يا من جاهدت وستجاهدين، ها أنت تحيين المجاهدين من أبناء سوريا ولبنان».

وقال أيضًا: "يا زعماء العرب، ها أنتم ترون بأعينكم هذه القلوب المتوثبة وهذا الشباب المتحفز، إنهم جميعًا يتطوعون بدمهم وأرواحهم في سبيل نصرة سوريا ولبنان والعرب في كل مكان، ستخبرون وتمتحنون وتضعون أول قرار فلا تهنوا وقولوا كلمتكم والله معكم (7).

وخطب سعد الله بك الجابري مندوب سوريا فقال: "إخواني، هذا الشعور الفياض الذي تستقبل به مصر العزيزة قادة الأمم العربية يدفعنا نحن أبناء الشام لكي نزيد في التضحية في سبيل وحدة العرب، وإنني أشكركم وأحيي الإخوان المسلمين".

ثم تكلم عن لبنان النائب أميل لحود قائلاً: "لقد سمعتم سوريا وما يختلف صوت لبنان عن صوت سوريا، فنحن لا نفرق بين عربي وعربي، وإننا جسم واحد" (8).

كما أرسل الإمام البنا خطابًا إلى سعادة وزير لبنان المفوض بتاريخ 28/5/1945م، وفيه يعلن استعداد الإخوان لإرسال عشرة آلاف متطوع للجهاد بجانب إخوانهم اللبنانيين، وقد أرسل فضيلته خطابًا مماثلاً في نفس التاريخ إلى سعادة وزير سوريا المفوض يعلن فيه استعداد الإخوان لإرسال عشرة آلاف متطوع، فيكون مجموع المتطوعين للدفاع عن سوريا ولبنان عشرين ألف متطوع (9).

وفى نفس العام أرسل الإخوان بعثة طبية، وتألفت البعثة الطبية من الدكتور محمد سليمان رئيسًا، والأستاذ علي محمود مطاوع والدكتور عبد الوهاب البرلسي والحاجة زبيدة أحمد ممرضة، وصاحبهم الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا للبعثة، وسافرت البعثة بعد أن ودعهم مكتب الإرشاد وإخوان القاهرة وفرق الجوالة بالقطار إلى فلسطين ما عدا الأستاذ عابدين الذي تخلف عنهم؛ لأن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين لم تعطه تأشيرة بالسفر، فاضطر إلى السفر بالطائرة في اليوم التالي إلى بيروت رأسًا.

وقد وصلت البعثة الطبية إلى دمشق، وافتتحت عيادة خارجية بلغ عدد الذين يختلفون إليها يوميًّا نحو مائتين، يجرى لهم الكشف الطبي، ويمنحون الدواء بلا مقابل، وقد أقامت بعض الجمعيات حفلات تكريم للإخوان منها «الجمعية الغراء»، و«جمعية الشبان المسلمين» (10).

بل أن جوالة الإخوان قامت في نهاية عام 1945م بتكريم وفود الجوالة العرب أعضاء وفود الكشافة بلبنان ويافا بفلسطين وفريق التهذيب الإسلامي وفريق الكشافة بحيفا، وقد حضر هذا التكريم لفيف من أعضاء مكتب الإرشاد، وكان من كبار المدعوين لذلك الحفل حضرات وحيد باشا يسرى والسيد محمود الحبرى والسيد محمد على الجعبرى رئيس بلدية الخليل ورئيس الإخوان بفلسطين والأستاذ الفضيل الورتلانى سكرتير لجنة الدفاع عن شمال أفريقيا (11).

وكان هذا من حرص الإخوان على توطيد العلاقة مع الدول الإسلامية عامة والأشقاء العرب خاصة.

وحينما أطلقت السلطات الفرنسية يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1943م سراح رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح وسلمت بمنح لبنان الاستقلال التام، ثم حصولها بالفعل على الاستقلال في 31 ديسمبر/ كانون أول 1946م ثم اختيار بشارة خوري رئيسا للبلاد، كتب الإمام حسن البنا برقية جاء فيها:

"فخامة بشارة الخورى رئيس جمهورية لبنان":

إلى لبنان الشقيق أجمل التهاني بإعادة انتخابكم. حقق الله آمال الوطن العزيز والعروبة المجيدة في ظل رياستكم الرشيدة (12).

ولقد كتب الشاعر إبراهيم عبد الفتاح يُحيي سوريا ولبنان على ما نالا من الاستقلال عن فرنسا، ويبارك تضحياتهم في سبيل التحرير، فقال:

قف حيي سوريا بما نالت ولبنانا

قطرين قد لبسا بالفوز تيجانا

حيي العروبة في القطرين حافظة

تراث قحطان أو ميراث عدنانا

جاءت فرنسا تريهم كيف عزتها

من بعد رقدتها في الذل أزمانا

كم ثورة في أخ ردت عزيمته

لو سار للحرب في سوريا ولبنانا

سيروا على بركات الله واغتنموا

نصرًا من الله مكفولاً ورضوانا (13).

وحينما بادر الملك عبد الله – ملك الأردن – في أغسطس 1947م إلى دعوة جميع الأقاليم السورية لعمان لمناقشة مخططات الوحدة، وقف الإخوان في وجه هذا المشروع الذي رأوه شكل من أشكال الاستعمار الجديد، حتى أن الإمام حسن البنا أرسل برسالة إلى الملك عبد الله يحضه على صرف النظر عن هذا المشروع الذي لن يخدم إلا الاستعمار، كما وقف إخوان سوريا ولبنان في وجهه.

حتى أنهم كتبوا مذكرة جاء فيها: إن دعاة مشروع سورية الكبرى يستخدمون في دعاياتهم حججا تاريخية وقومية وسياسية يلبسونها ثوب الحقيقة ، ولكنهم يخفون التزوير والتحوير الذي لا يلبث أن يظهر للناقدين المتنورين.

من أجل ذلك كله يعتقد الإخوان المسلمون في سورية بأن مشروع الكبرى لا يحقق آمال السوريين ، وليس في مصلحة أي من الدول العربية ، بل إنه مشروع إمبريالي يهدد استقلال الدول العربية حيث يخول جيوش دولة أجنبية الإقامة فيها (14).

بدايات الدعوة في لبنان

كانت البيئة الإسلامية السنية السائدة في بداية الأربعينيات، قائمة على الانتماء والالتزام التقليدي بالدين، ولم تعرف الساحة الإسلامية السنية الإسلام الحركي في ذلك الوقت، فعلى الرغم من وجود جمعيات خيرية إسلامية مثل جمعية المقاصد الإسلامية، وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، التي كان يترأسها مبعوث الأزهر الشريف الشيخ صلاح الدين أبو علي، وجمعية الشبان المسلمين؛ فقد اقتصر دور هذه الجمعيات على جمع التبرعات وتوزيعها على الفقراء والأيتام.

وأحيانًا كان لها أنشطة فكرية كإلقاء المحاضرات أو أحياء عدد من المناسبات، مثل ذكرى المولد النبوي الشريف، وذكرى الهجرة، وغزوة بدر، وفتح مكة وغيرها. وهذا الوضع الذي كان سائدًا في لبنان وخارجه، لا يرتقي بالفعل إلى حالة حركية دعوية، كالحالات الحركية والدعوية القائمة الآن (15).

ومن المعروف أن سوريا ولبنان إقليمين مترابطين بعضهما البعض، ولذا ما أن رحل عدد من طلاب العلم من سوريا إلى مصر لتلقي الاختصاصات في علوم الشريعة في الأزهر الشريف، وكان من أبرزهم الشيخ مصطفى السباعي والشيخ محمد الحامد رحمهما الله، حتى تعرفوا على جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة والإمام البنا، وحينما عادوا نشروا الفكرة في العديد المدن السورية والتي امتدت بطبيعتها إلى لبنان، حيث تزامن دخول الدعوة إلى سوريا دخولها إلى لبنان، يقول الأستاذ بهاء الدين الأميري: في عام 1356ه /1937م أسس في حلب أول مركز مرخص لجماعة الإخوان رغم تضيق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان في مصر ولاسيما فضيلة المرشد العام.

ثم تتالى تأسيس المراكز المرخصة في دمشق وحمص وحماة واللاذقية ودير الزور في محافظات سوريا، وفي لبنان أسس مركز بيروت وطرابلس (16).

ولقد بعث الإمام البنا الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم إلى سوريا وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين في الأقطار الشقيقة وكان ذلك في 5من جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5 أغسطس 1935م،وبعد تلك الرحلة المباركة، رشح الإمام الشهيد أحد كبار الإخوان وهو الأستاذ محمد الهادي عطية المحامي ليقوم بتدريس الشريعة الإسلامية والفلسفة بكلية المقاصد الخيرية في القطر الشقيق بيروت فسافر في أكتوبر سنة 1935م وقد ودعته جريدة الإخوان تحت عنوان: "الأستاذ الهادي في طريقه إلى بيروت" (17).

وحينما صدر تقرير الإخوان بأسماء شعبهم داخل القطر المصري وفي العالم الإسلامي عام 1937م جاء ذكر شعبة لبنان حيث كان نائب شعبة بيروت الشيخ أنيس الشبح (18).

ظلت العلاقة بين القطرين السوري واللبناني على هذا الصدد، واستمرت الدعوة يديرها فريق متكامل من القطرين الشقيقين، حتى أنه في سنة 1943م عقد مؤتمر رابع في حمص اشترك فيه ممثلو المراكز في سوريا ولبنان، وأقر بقاء (دار الأرقم) في حلب مركزًا رئيسيًّا، واتخذ قرارات ذات لون جديد، كإحداث منظمتي السرايا والفتوة في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والاقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة (19).

غير أن عدنان سعد الدين يؤرشف لهذا الأمر بقوله: كانت جمعية الأنصار إحدى الركائز التي تشكلت منها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان ، فعندما بدأت اللقاءات بين قادة الجمعيات للبحث في دمجها ، وإنشاء الجماعة الواحدة ، مثل دار الأنصار لأول مرة في اللقاء الذي عقد في دار الأرقم -والأرجح أنه كان في عام 1944- الشيخ عبد الرزاق رمضان والدكتور حسن هويدي (20).

وفي صيف 1944م انتدب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الأخوين الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أفندي والأستاذ عبد الحكيم عابدين أفندي لزيارة الأقطار العربية الشقيقة بالشام والعراق، وقد كان لهذه الزيارات والوفود المتبادلة بين مصر وبلاد الشام الأثر الكبير في توحيد العمل بينهما بعد ذلك، وقد أشار الأستاذ عمر الأميري لذلك فقال: "ومنذ عام (1364ه/1944-1945م) ازدادت العلائق والاتصالات بين إخوان مصر وسوريا على أثر تبادل الزيارات والوفود والبعثات التي أفادت كثيرًا في توحيد أساليب العمل، وتنسيق وجهات النظر العامة والخاصة، حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر اليوم دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سوريا ولبنان (21).

وبالفعل عقدت الجمعيات المختلفة لشباب محمد مؤتمرها الخامس في حلب في ذي الحجة سنة 1364ه، الموافق نوفمبر 1945م، وقررت إلغاء المركز الرئيسي في حلب، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتبًا دائمًا، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا، هو الشيخ مصطفى السباعي، وتعقد اجتماعات دورية لتباشر الإشراف على الفروع المختلفة، كما تم الاتفاق -بالتنسيق مع الإخوان في مصر وفلسطين- على توحيد أسماء الجمعيات باسم (الإخوان المسلمين)، وعلى توحيد النظم فيها، وبذلك دخلت دعوة الإخوان في سوريا ولبنان مرحلة جديدة موحدة الاسم والأهداف والنظم القوية الفاعلة (22).

ويقول إسحاق الحسيني: وفى سنة 1946 عقد المؤتمر السادس في يبرود لمراكز الإخوان في سوريا ولبنان بعد أن توّحدت الجماعة اسما وأهدافا مع الإخوان في مصر.

إلا أنه يعود ويذكر أن شعب الإخوان في لبنان حدث لها أن انحلت أو توارت خاصة بعدما استشهد الإمام البنا عام 1949م، وهي السنة التي شهدت صراعات شديدة بين الأحزاب اللبنانية (23).

ويقول إبراهيم زهمول: يجدر بنا أن نذكر أنه كان في بيروت فرع لجماعة الإخوان المسلمين عام 1946 إلا أنه كان ضعيفا ، وقد صدر قرار بحله عام 1948 عندما قامت الحكومة اللبنانية بحل جميع المنظمات في لبنان بسبب أحداث سياسية داخلية وبسبب وقوع مصادمات بين الحزب القومي السوري ومنظمة الكتائب اللبنانية (24).

لكن الواقع أن هذه الشعب لم تتلاشي لكن يبدو أن الضعف قد أصابها بعض الشيء، لكن سرعان ما عادت مرة أخرى لتجد لنفسها مكان وسط الساحة اللبنانية، لكنها كانت ساحة تتقاذفها الطائفية فقد جاء في قانونها الأساسي: ويبدو أن الإخوان جددوا نشاطهم في لبنان سنة 1949 ولكنهم احتفظوا بطابع خاص ينسجم مع بلد " الطوائف والطائفية" فأعلنوا" أننا لا نعيش في هذا الوطن وحدنا وإنما هناك طوائف أخرى شقيقة يجب أن نتعاون وإياها على إصلاح الوطن وحمايته ... ونعلم أن الدين لله والوطن للجميع وأن لكل فريق حقا يرضيه". وبرروا وجودهم بكثرة الأحزاب وركزوا هدفهم في شقين الأول : إصلاح الدار : والثاني: التعاون مع الجار . وأوردو تحت أول ثمانية عشر بندا تتصل بإصلاح حال المسلمين الداخلية, وتحت الثاني المحافظة على حقوق الطوائف الأخرى والتعاون معها لحفظ الوطن وإقرار السلام والمحبة ومحاربة الطائفية العمياء والمتاجرة بالدين.

أما السياسة فقد نصوا على" عدم التدخل في الأمور السياسية التي لا تمس كياننا ولا تنافى مصلحة الأمة والوطن ". ولكنهم في الوقت نفسه ذكروا أنه سيكون لهم ( فيالق) رسمية ذات قائد أعلى يكون من أعضاء ( لهيئة العليا للجماعة) وشرطوا للانتساب إليهم عدم الانتساب إلى أية جماعة أو هيئة أو منظمة أخرى . وجاروا منصب ( المرشد العام) في القاهرة بأن منحوا ( الواعظ العام) كثيرا من امتيازاته في التعيين والإشراف.

وبلغوا ذروة الطرافة حين أعلنوا أنهم يمنحون أوسمة على خمسة عشر نوعا تبدأ بوسام الكعبة وتنهى بوسام الأنصار !ولا يشيرون إلى أية صلة بينهم وبين الإخوان في مصر أو على الأقل في سوريا . ويظهر أنهم اكتفوا بأن جعلوا شعارهم – سيفان يتوسطهما مصحف – مماثلا رمزا إلى الوحدة (25).

ويبدو أن نشاطهم ظل محدودا للغاية أو مستورا للغاية مع أن جماعة (عباد الرحمن) أظهرت نشاطا ملحوظا، فأصدرت سلسلة نشرات صغيرة تحتوى على وصايا دينية واجتماعية، وألقت أحاديث دينية في الجوامع. وأسست لها ندوة , وجعلت لها مطبعة والذي يبدو من منشوراتها أنها تحاول أن تنتهج على منوال ( الإخوان المسلمون) في القاهرة بصورة متواضعة (26).

جماعات ذات صلة

ظهر في لبنان العديد من الحركات الإسلامية والتي ارتبطت فكريا بفكر جماعة الإخوان، لكن واقعيا لا تعتبر ضمن الفكر التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، ومن هذه الجماعات جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية.

وعلى الرغم من كون الجمعية ذات طابع اجتماعي خيري، إلا أن عددًا غير قليل من الشخصيات، التي أسست الجماعة الإسلامية – وهي امتداد لمنهج وفكر الإخوان المسلمين في لبنان- انتمت إلى هذه الجمعية، واستطاعت أن تتعرف على الإسلام الحركي من خلال مجلات الإخوان المسلمين وكتبهم وإصداراتهم - على قلتها حينها - من خلال الجمعية، بالإضافة إلى أن أول الطريق نحو تبني فكر الإخوان المسلمين ومنهجيتهم كان عن طريق جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، ويُجمع الرعيل من مؤسسي الجماعة على أن البداية كانت في طرابلس مع جمعية المكارم، وقد كانت مكونة من: فتحي يكن، ومدحت بلحوص، وعبد الرحمن قصاب، ومصطفى صالح موسى، ومديح الشامي، ثم إبراهيم المصري (27).

ومن هذه الجمعيات أيضا جماعة عباد الرحمن والتي أسسها الشيخ محمد عمر الداعوق والتي سنتحدث عنها فيما بعد.

تغير الساحة وترسخ الفكرة

كانت نهاية الحرب العالمية الثانية فارقة على العالم عامة وعلى المنطقة العربية خاصة، لكونها دفعت الشعوب للجهاد من أجل نيل حريتها والتي بدأت تتحقق في كثير من الدول مثل لبنان وسوريا وإندونيسيا وغيرها.

كما كانت المحنة التي أصابت الإخوان في مصر مدعاة لانتشار عدد من أبنائها في الأقطار القريبة ونشر الفكرة، وهذا ما جعل كثير من المتغيرات الجذرية تحدث في العدد من البلدان.

فعلى الرغم من دخول دعوة الإخوان للقطر اللبناني في وقت مبكر – كما أوضحنا – إلا أنها كانت مقيدة بالتنظيم السوري، والذي تعرض لبعض المضايقات من النظام السوري في كثير من الأوقات.

ومن المتتبع لتاريخ الحركة في لبنان يتضح له أن الفكرة لم تترسخ في أعماق أبناء لبنان – ربما لطبيعة البلاد والطائفية المتجزرة فيها أو لعدم وجدود من يعمل من اجل هذا الفكر في هذا المكان بعقيدة وإيمان – لكن الواضح أن الفكرة وحب المنهج الإخوان كان موجود لدى البعض الذي تعرفوا عليه من خلال صحف الإخوان، وما سمعوه عن الإمام حسن البنا، وما طالعوه من كتابات الدكتور مصطفى السباعي وتأثيره الواضح في كثير من أبناء الشام – خاصة في فترات انتقالاته للعديد من المدن.

إلا أنه في بداية الخمسينات كانت هناك حركة فكرية امتدادا لفكر الإخوان خاصة بعد عودة الجماعة في مصر لشرعيتها وانتخاب المستشار حسن الهضيبي مرشدا عاما، وحصول الإخوان على ترخيص العديد من الصحف مثل الدعوة والإخوان المسلمين وانضمام الأستاذ سيد قطب لدعاتها – والذي كان له تأثير فكري- مما حدا بالعديد من الشباب بلبنان للبحث عن فكر الإخوان المسلمين، ومطالعة صحفهم، والسؤال عنهم خاصة بعد زيارة المرشد العام للإخوان المستشار حسن الهضيبي إلى سوريا ولبنان، واستمرار الشيخ محمد الداعوق لنشر منهجه القريب من الإخوان، مما دفع بالعديد من الشباب للالتحاق بجماعته على أمل الانخراط في تنظيم الإخوان المسلمين.

وقد تأكدت صلات هذا التيار الإسلامي اللبناني بحركة الإخوان المسلمين خلال زيارة المرشد العام للإخوان في مصر (حسن الهضيبي) إلى لبنان عام 1953، وانعقاد المكتب التنفيذي لقادة الإخوان المسلمين في مصيف بحمدون حيث حضره إضافة إلى الهضيبي (مصر) والسباعي (سوريا) ومحمد عمر الداعوق (لبنان).. كل من الشيخ محمد محمود الصواف (العراق) و محمد عبد الرحمن خليفة (الأردن) وغيرهم (28).

يقول الأستاذ إبراهيم المصري إنه تعرف على الإخوان من خلال مجلة الدعوة التي كانت تأتي إلى لبنان، كما كان لمجلة الشهاب ومجلة المسلمون التي كان يصدرها الدكتور سعيد رمضان بالقاهرة وتحمل فكر ومنهج الإخوان، وغيرها العديد من رسائل الإمام البنا، كل ذلك كان له تأثير في تشكيل وجدانه وتعرفه على هذا الفكر (29).

ويضيف الدكتور فتحي يكن: كانت مجلة الدعوة تغطي تقريبًا نشاط الإخوان المسلمين في تلك الفقرة، فكانت تنشر حديث الثلاثاء الذي كان يلقيه الأستاذ البنا رحمه الله، وتغطي نشاطات مختلفة: طلابية، ونسائية، وأخبار العالم الإسلامي، إلى جانب نشر بعض البحوث القيمة فيما يتعلق بحضارة الإسلام وتاريخه. فكنت أنتظرها بفارغ الصبر كل أسبوع، ومن خلالها تكونت عندي فكرة ضرورة العمل للإسلام. فكنت أري من خلالها أنه يوجد نشاط إسلامي غير الذي نعيشه في مدينة طرابلس عبر جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، يوجد عمل إسلامي قائم بذاته في جميع المجالات (30).

المراجع

  1. جريدة النذير، العدد 19، السنة الأولى، 9 شعبان1357ه- 3 أكتوبر 1938م، صـ25.
  2. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد 41، السنة الثانية، 23 شعبان 1363ه- 12 أغسطس 1944م، صـ19.
  3. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد 27، السنة الثانية، 3 صفر1363ه- 29 يناير 1944م، صـ5.
  4. مجلة الإخوان المسلمين، العدد 61، السنة الثالثة، 4 رجب 1364ه- 14 يونيو 1945م، صـ3-4.
  5. مجلة الإخوان المسلمين، العدد 62، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ه- 28 يونيو 1945م، صـ1.
  6. المرجع السابق.
  7. مجلة الإخوان المسلمين نصف الشهرية، العدد 62، السنة الثالثة، 18رجب 1364ه- 28يونيو 1945م، صـ 12.
  8. المرجع السابق: صـ 13.
  9. المرجع السابق: العدد 63، السنة الثالثة، 3شعبان 1364ه- 12يوليو 1945م، صـ 7.
  10. المرجع السابق: العدد 62، صـ 13.
  11. مجلة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة، العدد 79 ، 26 ذو الحجة 1364هـ / 1ديسمبر 1945م، صـ14.
  12. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد 639، السنة الثالثة، 21 رجب 1367ه- 30 مايو 1948م، صـ2.
  13. المرجع السابق، العدد 639، السنة الثالثة، 21 رجب 1367ه- 30 مايو 1948م، صـ2.
  14. جريدة المنار السورية: 6/ 9/ 1947م، حيث كان رئيس الدائرة السياسية فيها الدكتور مصطفى السباعي وكانت إدارتها في السنجقدار
  15. أمل عيتاني، عبد القادر علي، معين منّاع: الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975م، طـ1، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت، 2009م، صـ13
  16. مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد 61، السنة الثالثة، 4 رجب 1364ه/ 14يونيو 1945م، صـ11.
  17. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، (القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1986م) صـ231، جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة، العدد 29 ، 1شعبان 1354هـ / 29أكتوبر 1935م.
  18. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، السنة الخامسة، العدد 4 ، 2من ربيع الثاني 1356هـ الموافق 11يونيو 1937م.
  19. إسحاق موسى الحسيني، الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية، طـ1،دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت،1952م، صـ124
  20. عدنان سعد الدين: الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) صـ 60.
  21. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد 719، السنة الثالثة، 2 من ذي القعدة 1367ه، 5 سبتمبر 1948م، صـ3.
  22. حسني أدهم جرار: الدكتور مصطفى السباعي: قائد جيل ورائد أمة، طـ 1(دار البشير للنشر والتوزيع،1994م) صـ 66- 67.
  23. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية، مرجع سابق، صـ130.
  24. إبراهيم زهمول: الإخوان المسلمون أوراق تاريخية، طـ1، دار نبل، سويسرا، 1985م، صـ320.
  25. القانون الأساس لجماعة الإخوان المسلمين بلبنان: فبراير 1949م، صـ 16
  26. الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية، مرجع سابق، صـ135.
  27. الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975م، مرجع سابق، صـ 14
  28. الموقع الرسمي للجماعة الإسلامية بلبنان: https://bit.ly/2OADMlX
  29. الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975م، مرجع سابق، صـ 21.
  30. المرجع السابق، صـ 21.

للمزيد عن الإخوان في لبنان

أهم أعلام الإخوان في لبنان

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

.

وثائق متعلقة

متعلقات أخري

وصلات خارجية

مقالات خارجية

تابع مقالات خارجية

وصلات فيديو