حول القضية الفلسطينية (3)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٤٢، ٢١ فبراير ٢٠١٢ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حول القضية الفلسطينية (3)
مقارنة بين المشروع الإسلامي والمشروع القومي العلماني

بقلم: د. محمد عبدالرحمن ...عضو مكتب الإرشاد


مقدمة

كانت الأمة العربية وكذلك الإسلامية تمر بمرحلة حرجة من الضعف والتمزق والانقسام بعد الحرب العالمية الأولى إلى دول وأقطار يحتل أغلبها الاستعمار، ومع بداية تزايد الروح القومية في شتى الأقطار تحاول أن تحصل على حريتها وتستقل ببلادها، كانت صيحات المقاومة موجودة، ولكنها قليلة، لا تحمل رؤيةً كاملةً، وكانت حركات المقاومة المسلحة ضعيفة، وقدَّمت تضحياتٍ كثيرة، لكن تمكَّن المحتل المتفوق عسكريًّا من ضربها وإزالة خطرها عليه.

كانت الروح الإسلامية والروح القومية تصبُّ في وعاءٍ واحد وكأنها انتماء واحد لا تعارض فيه، وكان هذا سمت الشخصيات الوطنية التي كانت تدعو وقتها للتحرر وتسعى لإنهاض الأمة مثل الشيخ محمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد... إلخ.

ثم لم يلبث الزمن لعوامل عدة أن بدأت بلورة تيار قومي علماني يبتعد في نظرته عن المنطلق الإسلامي وعن ارتباطه بالأمة الإسلامية، وكان ما حدث للخلافة العثمانية من تدهور وسقوط أثره وظلاله على الأحداث، بل وبالغ البعض في هذا التيار بطرح أفكار معادية للفكرة الإسلامية والانتماء الإسلامي، والتمسك بالقومية المحلية مثل الفرعونية والآشورية.. إلخ، أو حتى طلب التخلص من الانتماء العربي والتركيز على الارتباط الأوروبي والكيان البحر متوسطي.

وعندما ثار أهل فلسطين ضد الاحتلال الإنجليزي والاستيطان اليهودي، وهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، كان أصحاب المشروع القومي مشغولين ببلادهم وأضعف من أن يقدموا لهم أي عونٍ حقيقي أو يمتلكون رؤيةً بعيدةَ المدى.

ومن هنا كانت الفرصة كبيرةً ومتاحةً للإنجليز واليهود لاغتصاب فلسطين، وإنشاء الكيان الصهيوني كجزءٍ من المشروع اليهودي الغربي، وليكون رأس حربة في السيطرة على المنطقة.

في وسط هذه الأحداث وتلك المؤامرات جاء الإمام الشهيد يُقدِّم رؤيته الإستراتيجية، ويطرح مشروعه الإسلامي المتكامل، وينزل به إلى أرض الواقع، ويجعل القضية الفلسطينية محورًا أساسيًّا في هذا المشروع.

وذلك وفق رؤية عميقة شاملة مكافئة للواقع ليس مشروعًا صغيرًا أو محدودًا لمواجهة مشكلة محدودة أو قضية عابرة، وإنما لإعادة الأمة الإسلامية في العالم كله للتمسك بدينها وإقامة نهضتها وتحرير بلادها واستعادة ريادتها للعالم كله.


المسار التاريخي للمشروع الإسلامي

كانت حركة الإمام الشهيد مبكرة، ومشروعه المتكامل جاهزًا على أرض الواقع، واستطاع أن يُحرِّك الأمة وفق هذا المشروع تجاه قضية فلسطين، وأن يحشدها في هذا الميدان من المنطلق الإسلامي والواجب الشرعي والوطني، ونجح فى أن يحدث هذا التحول من عام 1932م حتى عام 1942م أي خلال عشر سنوات، ثم يقوم بتفعيله وتوجيهه عمليًّا لإجراءات فعَّالة، وكان للمشروع الإسلامي من السعة والمقدرة على الاستيعاب أن تمكَّن من التأثير في المؤسسات والهيئات والشخصيات الوطنية والسياسية، وأن يوجد مساحة مشتركة يستقبلهم فيها ويوظفهم لصالح هذه القضية التي أصبحت هي قضية الأمة كلها.

وكان لهذا المشروع عبر مساره التاريخي عدة خصائص منها:

1. المحافظة على المشروع الإسلامي متكاملاً عبر السنوات الطويلة والثبات على مبادئه وأهدافه مهما كانت الظروف.

2. وجود الرؤية الإستراتيجية الواضحة وعدم غيابها في الأحداث والمواقف الفاصلة فلم تغب عنها الأهداف.

3. تقديم مصلحة المشروع الإسلامي وتحقيق أهدافه على المصلحة الذاتية الآنية للجماعة فكانت التضحيات أكبر من النتائج المباشرة في بعض الأحداث المهمة؛ لأنها تصبُّ في تحقيق الأهداف الرئيسة للمشروع، ولأن موازين الجماعة في تقدير الأمور تنطلق من الموازين الإيمانية والدعوة الربانية.

4. التدرج في الخطوات والحرص على التواصل بين تلك المراحل، وبين الأجيال جيلاً بعد جيل في حمل المشروع والثبات على مبادئه، والاهتمام بالبناء العقائدي والفكري وطول النفس في ذلك.

5. عدم الانخداع بالمساومات أو الاستدراج لمشاريع جزئية فيها بعض التخلي عن الثبات عن الثوابت مهما كانت الظروف والضغوط.

6. القدرة الفاعلة على التواصل مع الجماهير عندما يُتاح لها ذلك، والتأثير الإيجابي لتأييد المشروع الإسلامي ومساندته.

7. محاولة جمع الصفوف واتساع صدرها لقوى المقاومة الأخرى، والتعاون في المساحة المشتركة مع استمرار الجماعة على خطها الإسلامي ومشروعها المتميز.

وقد مرَّ المشروع الإسلامي منذ نشأته بأربعة مراحل؛ هي:

1. المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي قادها الإمام الشهيد، وأعدَّ فيها المشروع الإسلامي بمنطلقاته وأهدافه وآلياته، واستطاع أن يحشد الأمة في الاتجاه الصحيح.

2. المرحلة الثانية: وكانت تمثل رد فعل الأعداء الذين وجهوا ضربةً عنيفةً للجماعة وحاصروها، وحاولوا القضاء عليها وإقصائها، واستمرت تلك المرحلة طوال العهد الناصري، ورغم هذا كان للجماعة بعض الفعاليات على أرض فلسطين والثبات على المبادئ وعدم التنازل.

3. المرحلة الثالثة: وهي نتيجة لمستجدات ومتغيرات محلية ودولية، بعد فشل مخطط القضاء على الجماعة كان هناك حالة من هامش محدود للحركة والوجود مع استمرار العرقلة والتضييق بمختلف الدرجات مع ظهور عمليات المساومة ومحاولات الاستدراج تتكرر معها عمليات الضغط والضربات؛ وذلك للتخلي عن ثوابت القضية أو التنازل عن بعضها مقابل بعض المكاسب.

وقد تميَّزت فيها الجماعة بالثبات والصمود، والتركيز على تجهيز البنية التحتية والاستفادة من هامش الحركة المحدود لأقصى درجة واستعادة التأثير في الأمة.

4. المرحلة الرابعة: وهي الحالية تم للمشروع الإسلامي قطع مرحلة جيدة من التجهيز ودخول ميدان المواجهة المباشرة مع العدو على أرض فلسطين ومساندة الأمة له.

وفى ظل هذه الثوابت التى تتمسك بها الجماعة، فإنها تتعامل أيضاً مع الواقع الميدانى بمتغيراته المختلفة وفق الضوابط الشرعية، وما تحمله من موازين وضوابط تخصّ الحركة والمواقف العملية .. فهى تدرك أن المعركة ممتدة وطويلة، وأن الفجوة بين الواقع وهذه الأهداف المرتبطة بتلك الثوابت واسعة وكبيرة، لكن ذلك كله لا يشكل قفزاً فوق تلك الثوابت أو تفريغاً لها من محتواها.

فرق كبير بين التدرج والمرحلية العملية وبين التنازل المرحلى والتراجع الجزئى وفرق كبير بين الهدنة بضوابطها الشرعية طالت أم قصرت، وبين الاستسلام والإقرار بشرعية الغاصب وعدم مقاومته. وفرق كذلك بين السكوت عن أمر ميدانى تفرضه بعض الظروف، وبين الإقرار به وإضفاء الشرعية عليه. كما أن المشروع الإسلامى يوظف كل طاقات الأمة ويستثمر كل الخطوات والمواقف التى تصدر من الآخرين، وكل المتغيرات والمستجدات فى الأحداث، وذلك لصالح التوجه الصحيح والدعم المتواصل لهذه الثوابت وفق مرحلية متدرجة دخل الإطار الكلى والذى يشكل الاستراتيجية الثابتة لها.

وإن ما يقدمه الأعداء أو ما يسمونهم بالوسطاء من حلول ومقترحات فى مقابل هدم بعض تلك الثوابت أو التراجع عنها، يرفضه أصحاب المشروع الإسلامى، حيث يرفضون ذلك التنازل حتى لو وافق عليه فصيل من الفلسطينيين، وفى نفس الوقت يوظفون الواقع العملى بشأن ذلك إذا تبناه أحد أو فرضه على أرض الواقع بما يخدم القضية ويدعم صمود الشعب الفلسطينى ومقاومته الفعالة.

إنهم بفضل الله من الثبات والصمود بما يحقق استمرار المسار وسلامة الطريق والحفاظ على الثوابت مهما كانت التضحيات، وهم فى الوقت نفسه من الحكمة والمرونة فى مواجهة الأحداث والمواقف بما يستوعب المستجدات وينجحون فى توظيفها والاستفادة منها.

وإذا كان هناك من أخطاء – حيث لا يدعى أحد العصمة أو القداسة – فإن ذلك يكون فى الوسائل وفى فرعيات العمل وليس فى الأصول، وتأتى المراجعة والتقويم مع اللجوء لله عز وجل لتجبر ذلك فلا يشكل منعطفاً أو عائقاً حقيقياً .


المسار التاريخي للمشروع القومي

عندما ظهر المشروع الإسلامي رائدًا وموجهًا خطابه للأمة، كانت القوى الوطنية والقومية من تيارات سياسية بعيدة عنه بل ومعارضة له، ولم تكن القضية الفلسطينية ضمن أهدافها أو فعالياتها.

وعندما نجح المشروع الإسلامي للقضية الفلسطينية في تحريك الجماهير وجذب كثير من الشخصيات الوطنية أصبح ذلك تيارًا عامًّا تتحرك فيه الهيئات السياسية وأصحاب المشروعات القومية أو العلمانية، وإن كانت النوايا والمنطلقات مختلفة.

وكان الملاحظ أن القوى اليسارية، وخاصةً الشيوعية، كان موقفها مهتزًّا فأيَّدت قيام الكيان الصهيوني متأثرةً بموقف الاتحاد السوفيتي وقتها.

وعندما تم محاصرة ومحاولة إقصاء المشروع الإسلامي وجماعة الإخوان، إذْ بهذه القوى اليسارية تغير موقفها وتتبنى تأييد المشروع القومي الوطني، وبالتالي أصبحت القضية الفلسطينية قضية عامة للأمة تتبناها القوى المختلفة، لكن من منطلقٍ قومي محدود وليس وفق المنطلقات والأهداف الإسلامية، بل كان هناك حرص على إبعاد السمت الإسلامي عنها، وأصبحت القضية هي شعارات الحكومات العربية تجتمع عليها وتتحرك لها.

وأصبح هناك مشروع قومي علماني يتناول القضية الفلسطينية برؤيةٍ خاصةٍ به، وبأهداف وشعارات، وكان توظيف هذا الأمر لصالح القوى السياسية والحكام شيئًا سهلاً لكل مَن يريد الزعامة.

وقد أتيح لهذا المشروع القومي العلماني من الإمكانيات، ومن تأييد الحكام وأجهزة الدولة، ومن الزخم الإعلامي الرسمي وغير الرسمي ما لم يتح لتيار آخر.

وتمكَّن هذا التيار القومي من احتضان المشاريع الجزئية التي خرجت من أحضان التيار الإسلامي، مثل مشروع فتح للمقاومة واستيعابه وتخليصه من آثار الصبغة والرؤية الإسلامية بحكم النشأة.

ونتيجة لهذه الإمكانيات والتأثير القوي تعلَّقت آمال الجماهير به، ووقفت وراءه ثم استيقظت بعد ذلك على صدمة وفجيعة زيف الشعارات وتهريج القادة والمؤامرات الخفية.

ثم إذا بهذا المشروع تحت ضغط الأحداث وواقع الهزيمة، وتغير موازين الصراع بين الدول الكبرى يتنازل تدريجيًّا عن ثوابته وأهدافه التي أعلنها، بل وأقرَّ في النهاية بما كان يرفضه وترفضه الأمة جميعًا بشأن اغتصاب فلسطين، وأقرَّ في النهاية تحت مبررات : الحل المرحلي هذا هو المتاح - الموجود الآن أفضل من لا شيء، - لا بد أن نكون واقعيين.. إلخ.

أقرَّ واعترف بشرعية الكيان الغاصب.

ومع ذلك نشير إلى أنه بقي منهم أفراد ذو توجه وطني يرفضون هذا الاستسلام، لكنهم لا يمثلون إلا جهدًا فرديًّا وليس مشروعًا متكاملاً مستقلاً.

وبذلك تعود الساحة إلى ما بدأت به، بالمشروع الإسلامي الرائد في مواجهة المشروع الصهيوني- الغربي.


مقارنة بين المشروعين حول بعض السمات والخصائص

1- من حيث المنطلقات والمفاهيم الأساسية

اختلفت هذه المنطلقات تمامًا بين المشروعين، فالمشروع القومي يقصرها على الأمة العربية، ويعتبر أن الدائرة الإسلامية على الهامش، وفي مرحلةٍ لاحقة أصبح يُصوِّرها كأنها قضية أهل فلسطين، والأمة العربية للمساعدة، كما أنه يتعامل معها كقضية احتلال ورفع الظلم عن شعبٍ عربي، ويرفض البعد العقائدي الإسلامي لها.

المشروع الإسلامي- فكما أشرنا- ينطلق من البعد العقائدي، وأنها قضية الأمة الإسلامية الأساسية، ويتعامل مع الكيان الصهيوني كمشروعٍ عدواني خطير يستهدفها أكبر من مجرد احتلال أرض، وبالتالي فإن منطلقات المشروع الإسلامي أعمق وأوسع، وأن الطاقات التي يستند إليها لا حدود لها، ويضفي على مشروعه الإسلامي طاقةً روحيةً كبرى ودافعًا عقائديًّا يضمن به الاستمرار وتحمُّل الضغوط وإستراتيجية أعمق وأشمل.


2- من حيث الأهداف

في البداية تبنَّى المشروع القومي الأهداف العملية التي طرحها المشروع الإسلامي بشأن فلسطين، ثم ما لبث أن تراجع عنها إلى أهداف مرحلية ثم جعلها أهدافًا نهائية؛ مما يؤكد اهتزاز الإستراتيجية عنده، أما المشروع الإسلامي فما زال مستمرًّا على أهدافه، وكل خطواته ومواقفه العملية نابعة ومرتبطة برؤيته الإستراتيجية.


3- من حيث الريادة والتحدي المكافئ

كان المشروع الإسلامي هو الأسبق وله الريادة، في حين أن المشروع القومي كان لاحقًا ولم يتمكَّن من احتلال الريادة إلا بعد ضرب الحكومات لأصحاب هذا المشروع ومحاولة إقصائهم، ثم تم مع تراجع الأداء والرؤية عند المشروع القومي، وتمكَّن أصحاب المشروع الإسلامي من الحركة نسبيًّا استعادوا الريادة في الواقع العملي، وأصبحوا هم قادة المقاومة الفعلية التي تُزعج العدو وتستطيع حشد الأمة الإسلامية. وبالتالي فشل أصحاب المشروع في الوصول إلى التحدي المكافئ للعدو الصهيوني، في حين استمرَّ المشروع الإسلامي متحديًا ثابتًا في طريقه للوصول لمرحلة التحدي الكامل الذي يقضي على المشروع الصهيوني بإذن الله تعالى.


4- من حيث الأمل واليقين

انهارت آمال أصحاب المشروع القومي وتعرَّضت لصدمات طوال المسيرة؛ فتراجعوا واهتزَّ اليقين عندهم فقبلوا بالأمر الواقع بما يشبه الهزيمة.

أما المشروع الإسلامي فلأنه يستمد طاقته وانطلاقته من العقيدة الإسلامية، فإنه رغم كل المحن والضغوط يزداد يقينًا بتحقيق النصر الكامل واستعادة كل فلسطين؛ مما يؤكد قوة بنائه النفسي.


5- من حيث مدى الثبات وعدم الاستدراج

ترتَّب على النقاط السابقة فشل المشروع القومي في الاستمرار على نفس الأهداف والمبادئ التي وضعها، وتم استدراجه بحجج شتى مثل: المرحلية، قبول الأمر الواقع، اختلال موازين القوى العالمية.. إلخ، وقام بتغطية هذا الفشل والتراجع بعدة شعارات، بل ويحاول الضغط على أصحاب المشروع الإسلامي الثابت والمستمر ليأخذ نفس المنحنى ويقر بهذا الأمر، وبالتالي أصبح يُستخدم من قبل العدو الصهيوني بطريقة غير مباشرة أو مباشرة لعرقلة وضرب مشروع المقاومة.


6- من حيث ثقة الأمة ومدى التفافها حول المشروع

كان للمشروع الإسلامي السبق والجهد الجيد في إيقاظ الأمة وتوعيتها، فالتفت حول المشروع الإسلامي وقدَّمت الدعم المطلوب، لكن مع ضرب الحكومات لأصحاب المشروع الإسلامي ومحاولة إقصائهم بالكامل، ثم إحلال مشروع آخر قومي علماني تؤيده وتُحيطه بزخمٍ إعلامي وشعارات حماسية صدقتها الأمة، وتعلَّقت آمالها به لفترة ثم استيقظت على فجيعة وصدمة زيف العمل لهذه الشعارات فانصرفت عنهم، ولم تعد تصدقهم أو تصدق شعاراتهم.

وعندما تمكَّن أصحاب المشروع الإسلامي من الحركة والوصول للجماهير رغم التضييق فإن الأمة أدركت من خلال تجربتها مدى صدق وثبات أصحاب المشروع الإسلامي ثم رأت على أرض الواقع مدى فعاليته، كما كان للخطاب الإسلامي العقائدي التجاوب الصحيح للمسلمين والدافع الوطني المخلص لهم ولغيرهم، وما نتائج الانتخابات إلا أحد الشواهد على ذلك.


7- من حيث التعامل مع القوى الوطنية الأخرى

تميَّز أصحاب المشروع الإسلامي بالتعاون مع الآخرين وإيجاد مساحة مشتركة وزيادة الوعي لديهم بشمول هذه القضية لكل التيارات والهيئات، وأتاحت لهم مساحة من العمل المشترك وخدمة القضية سواء ذلك في أنشطتها وفعالياتها أم في الدعم والتشجيع لما يصدر منها.

أما أصحاب المشروع القومي، فمع وصولهم لسدة الحكم أو تبني الحكام لهذا المشروع فكان يرفض مجرد وجود هذا التيار الإسلامي، وتحجج بشتى الوسائل لضربه بعنف وإقصائه عن الساحة ومنع صوته أن يصل للجماهير حتى في هذه القضية الوطنية فكان أصحاب المشروع القومي يحرصون على احتكار الساحة وإقصاء الآخرين، بل إن التجمعات والحركات التي خرجت من التيار الإسلامي وانشقت عنه قام بعملية احتواء وتذويب لأي آثار إسلامية ما زالت باقية والتركيز على الغزو الفكري لأفرادها وما حدث لمشروع فتح واضح على هذا النهج.


8- من حيث الخطوات العملية ومصادر القوة

اعتمد المشروع الإسلامي وسائل عملية في جميع المحاور التي يعمل عليها من الدعم بكل أنواعه إلى المقاطعة إلى الضغط السياسي الجماهيري إلى المقاومة المسلحة المؤثرة.

كما أنه اعتمد على نفسه وعلى الرصيد الهائل لدى الأمة الإسلامية، ورفض أن يدخل لعبة الصراع السياسي بين القوى الكبرى داخل رؤيته أو ضمن آلياته التي يعتمد عليها، وفي هذه الفترة المحدودة التي عمل فيها ميدانيًّا كانت نتائجه مؤثرة أثارت الرعب عند اليهود وأفزعت القوى الكبرى فتحرَّكت لمحاولة إيقافه والقضاء عليه بأيدي الحكام العرب، لكن إذا كان هذا قد أجلَّ وأثَّر على المشاركة الميدانية الفعَّالة للمشروع الإسلامي لفترة زمنية ، لكنه قد عاد حاليًّا إلى الريادة والتوجيه والمقاومة مستمرًّا على نفس مشروعه وأهدافه.

أما المشروع القومي العلماني، فكان يحمل بذور الانهزامية في رؤيته، ويضيق مساحة القوة التي يستند إليها، وبالتالي أخذ يدخل لعبة التوازنات السياسية بين القوتين العظميين ليشد إحدى القوى (المعسكر الشرقي الروسي) إليه رغم أنه إستراتيجيًّا أيَّد قيام "إسرائيل" ودعمها بالمهاجرين؛ لمعادلة انحياز القوة الأمريكية والغربية للكيان الصهيوني، ونسى أصحاب التيار أن لكل قوة مصالحها الخاصة، ورؤاها المتغيرة في هذا الميدان، وأن هذا الصراع له موازين أخرى لا علاقةَ له بالعاطفة أو كلمات المجاملة، وكانت النتيجة الهزيمة والخسران، وكل هذا كان يصبُّ في صالح الكيان الصهيوني.


9- من حيث المؤامرة والضغوط التي تعرَّض إليها

إن حجم المؤامرة على المشروع الإسلامي كان أكبر وأعنف بكثير مما تعرَّض له المشروع القومي؛ حيث تعرَّض التيار الإسلامي لتآمر وعداء من الحكومات داخل أوطانهم، وكذلك من القوى الكبرى التي تعاديه.

فكانت هناك الإزاحة والضربات العنيفة القاسية لإقصائه والقضاء عليه إذا أمكن، ولما فشل ذلك ظهرت مع استمرار الضربات النوعية محاولات الاستدراج والاستيعاب وتذويب الهوية الإسلامية، ولو بالتدريج. كما ظهرت محاولات بعض العناصر التسلق على أكتافه لتظل في الواجهة، وتحاول أن توظفه لحساباتها وأجندتها.. إلخ.

لكن كل هذه المحاولات فشلت بعد أن بلغ التيار الإسلامي النضوج والقوة والتميز في إثبات وجوده في المواجهة وتطوير آلياته والسير نحو اكتمال مشروعه؛ مما جعل الجماهير تحتشد وراءه وتعلق آمالها عليه.

أما التيار القومي، فإن المؤامرات الدولية التي نجحت في استدراجه كانت بسبب أساسي لضعف رؤيته الإستراتيجية وفشله العملي في اتخاذ الخطوات الجادة والاكتفاء بالشعارات والمناورات السياسية الساذجة.


10- من حيث النتائج والموقف الحالي

المشروع الإسلامي ما زال على الطريق الصحيح لتحقيق كامل أهدافه، يحشد الأمة العربية والإسلامية وراءه، وهو إن كان الطريق طويلاً وفق هذه الإستراتيجية، لكنه الطريق الصحيح لإنهاء العدوان وهزيمة المشروع المعادي.

وثبات هذا المشروع حتى الآن رغم كل الضربات والمعوقات هو في حد ذاته انتصار كبير.

أما المشروع القومي فقد أقرَّ بما ترفضه الأمة بشرعية الاحتلال الصهيوني ووجوده على أرض فلسطين وفي شرعية إقامة دولته.

وأصبح يحاول أن يحصل على بعض الحكم الذاتي لما يسميه دولة فلسطين منزوعة السلاح على جزء ضئيل من فلسطين، وحتى هذا ما زال حلمًا يحاول أن يمسك به.

والمُراجِع لما يطرحه المشروع القومي من شعارات وأهداف وهذا الواقع الحالي يدرك الهزيمة الكاملة التي أحاقت به.

وكذلك كانت رؤية المشروع القومي العلماني لخطورة الكيان الصهيوني على المنطقة رؤية محدودة انهارت عند أول احتكاك، وتبنى نفسه التعامل والقبول، بل وانهارت تمامًا نظريته للأمن القومي والأمن العربي، وتفككت أوصاله إلى تجمعات ونزاعات يلعب بها العدو، ويزحف على المنطقة كلها هذا المشروع الصهيوني الأمريكي، ليعيد تشكيل منظومة الأمن القومي العربي لتصبح "إسرائيل" في القلب منه، وكذلك تمسك بالمنظومة الاقتصادية والسياسية في المنطقة كلها.

إننا عندما نتكلم عن هذا المشروع العلماني ونزن أداءه ونتائجه ورؤيته، لا يعني ذلك أنه ليس هناك أفراد مخلصون نتحدث عن تيار ومشروع تم طرحه والدعاية له وأخذ فترة ليست قصيرة من مسيرة الأمة وحياتها وما زالت آثاره مستمرة.


خاتمة

إن قراءة هذا الواقع نحتاجها لكن لا تشغلنا عن العمل المتواصل وتوظيف كل الجهود والتعاون مع كل القوى والأفراد في سبيل تحقيق المشروع المتكامل لاستعادة فلسطين، مدركين أن هذه معركة أجيال، وأن المشروع الإسلامي بكل أبعاده هو المشروع المُهيَّأ والمكافئ لهذا التحدي، وهو الصالح كمظلةٍ للتعاون والمشاركة.

وهذا بيان موجز بتواريخ التنازلات في القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة فقط :

1- قرار المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988م:

وأهم ما اشتملت عليه هو الاعتراف بقرار 242 الذي يتضمن التنازل عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية، والاعتراف الضمني بدولة الاحتلال، وقد تم تمرير ذلك بإعلان الدولة الفلسطينية ليس على الأرض، ولكن في الهواء.

2- الرسائل المتبادلة بين رابين وعرفات في 9/9/1993م:

اعترفت منظمة التحرير بحق "إسرائيل" في الوجود مقابل اعتراف "إسرائيل" بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلةً للشعب الفلسطيني ونبذ العنف ومواجهة فصائل منظمة التحرير التي تخرج على الاتفاق.

3- اتفاقية أوسلو في 13/9/1993:

دعت لتشكيل حكم ذاتي خاضع للاحتلال في مناطق (أ): إدارية وأمنية للسلطة الفلسطينية، و(ب) إدارية للسلطة الفلسطينية وأمنية للاحتلال، و(ج) إدارية وأمنية للاحتلال.

وتأسيس شرطة فلسطينية قوية للتصدي للإرهاب الفلسطيني وبأسلحة خفيفة ترخص من الاحتلال.

على أن تناقش القضايا الأساسية مثل: القومي والحدود والمياه واللاجئين وغيرها بعد خمس سنوات.

وقد ألحق بها بعد ذلك اتفاقية باريس الاقتصادية التي ربطت الاقتصاد الفلسطيني كليًّا بالاحتلال.

4- اتفاقية القاهرة 1994م:حددت الخرائط المتعلقة بأوسلو.

5- اتفاقية تقسيم الخليل: تم تقسيمها إلى منطقة (H1) تحت سلطة الفلسطينيين.

ومنطقة (H2) وهي منطقة الخليل القديمة وسكانها حوالي 30 ألف نسمة تحت سلطة الاحتلال، واستيلاء اليهود على معظم الحرم الإبراهيمي.

6- قرارات شرم الشيخ في 13/3/1996م: تتعلق بالتصدي المشترك للمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد) تحت مسمى محاربة الإرهاب.

7- تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني: في اجتماع المجلس الوطني عام 1996م، وعام 1998م ثم شطب وإلغاء بنود الميثاق التي تتحدث عن الحدود التاريخية لفلسطين وعن الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين.

8- إقرار المبادرة العربية عام 2002م: تدعو للاعتراف بدولة الاحتلال والتطبيع العربي ثم الإسلامي، وحل قضية اللاجئين بالمفاوضات والتفاهم، مقابل دولة على حدود 4 يونيو 1967م.

9- خارطة الطريق عام 2004م: ألزمت السلطة الفلسطينية بمحاربة قوى المقاومة وتفكيكها تحت عنوان محاربة الإرهاب مقابل وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وهو ما لم يتوقف للحظة واحدة حتى تاريخه.

10- اتفاقية معبر رفح في نوفمبر 2005م: ربطت المعبر بالهيمنة الصهيونية مع أن شارون فكك مستوطنات قطاع غزة وأعلن الانسحاب من طرف واحد.

11- تفاهمات أنابوليس 2007م: مهدت لمفاوضات عبثية بين أولمرت وعباس، وبين قريع وليفني تحت وهم الدولتين حسب وعد جورج بوش الوهمي في نهاية عام 2008م (الماضي) وقد تم في هذه الفترة توسيع وتدريب شرطة السلطة تحت إشراف الجنرال دايتون من أجل التصدي للمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد.. إلخ) حيث تم الزج بالمئات في السجون.

وكذلك التنسيق الأمني بين شرطة عباس وجيش الاحتلال، والتفاهم على نشاط الاحتلال في ساعات الليل ونشاط شرطة عباس في ساعات النهار.

12- شروط الرباعية الدولية: الاعتراف بـ"إسرائيل" ونبذ العنف (المقاومة) والتقيد بالاتفاقيات السابقة، حتى يتم الوفاق والاتفاق والبدء بإعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار وفتح المعابر.