دستور قتل الوقت !

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٢٧، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دستور قتل الوقت !

بقلم:الأستاذ عمرو خفاجى

أتابع بخوف شديد أصداء التعديلات الدستورية، التي تجتاح وسائل إعلام البلاد ومحاكيها وجلساتها ومنتدياتها.. ويتملكني الرعب، كلما سمعت عبارة أن الحكومة، ستفعل ما تريد في نهاية الأمر، وكأن جدول الأعمال المطروح علي الجميع، هو مجرد جدول لشغل أوقات فراغ هذا الشعب المسكين، وتتجسد الأزمة أكثر، عندما يؤمن المثقفون والمهتمون بالشأن العام بهذه الرؤية، أن التعديلات ستأتي كما خططت لها الحكومة قبل إطلاقها للمناقشة، لكنها لم تمنع شعبها من التسلية السياسية لعدة أشهر.

طبعاً لدينا تراث عميق و قوي في حكاية قتل أوقات الفراغ، وتسلية الباحثين بقضايا، نعرف مسبقاً أن ما نصنعه هو مجرد مناقشات ومداولات، وحتي لو وصلنا إلي صياغة توصيات، فمكانها أدراج المكاتب وملفات الحفظ.. ويكفي أن تعود إلي الوراء عشرات السنين لمراجعة جميع القضايا والمشروعات التي حملت صفة «القومية»، وماتت بمجرد انتهائها..

يحدث ذلك في جميع المناحي من قضايا الصحة والسكان إلي قضايا المرور والإسكان.. ومن مؤتمرات المصريين العاملين في الخارج.. إلي ندوات كتابة تاريخ هذا الوطن.. ومن ملفات تعدد الأحزاب إلي جلسات تعديل الدستور..

لم يحدث شيء، نستطيع أن نقول إن التوصيات تم تنفيذها.. أو إن هذا المؤتمر أو ذاك قد حقق أهدافه، أو إن هذه هي نتائج مشروعاتنا القومية.. وأعتقد أن هذه ثقافة انطلقت أعقاب ثورة ٢٣ يوليو، حيث كان الهدف هو عقد المؤتمر أو إقامة الندوة.. أي أن الكلام هو كلام في حد ذاته.. هو السبب والنتيجة.. أما العمل والتغيير فهذه أهداف غير واردة علي الإطلاق.

وحينما انطلقت دعاوي مناقشة التعديلات الدستورية الأخيرة.. تفاءلت وقلت هذا سيدعو إلي يقظة قومية و صحيان وطني.. خاصة أن الدساتير في كل بلدان العالم، تأتي نتاج ما يتفق عليه المجتمع، بعد إزاحة ما تم الخلاف عليه، فالدستور هو نتيجة اتفاق القوي الوطنية علي كيفية إدارة شؤون البلاد.. لذا يجب أن تكون المناقشات جادة..

وبصراحة يجب أن تكون لها نتيجة.. وحتي أكون أكثر صراحة، فإن الجدية هنا هي مسؤولية القوي الوطنية، المعترضة أصلاً علي بعض مواد الدستور والتي تطالب منذ سنوات طويلة بتعديله.. وها هي الحكومة قدمت تعديلاتها.. لماذا السكوت؟! ولماذا اليأس؟! ولماذا لم نر حتي الآن مشروعات جدية وجادة من القوي السياسية المختلفة بشأن هذه التعديلات.

أخشي ما أخشاه أن تتحول مناقشات هذه التعديلات إلي ندوات ومؤتمرات، تشبه تلك الندوات والمؤتمرات التي عشناها وعايشناها طوال نصف قرن.. ندوات من أجل الندوات.. و مؤتمرات من أجل المؤتمرات، وقتها سيصبح هذا الدستور، هو دستور إضاعة الوقت أو قتل الوقت وتسلية المواطن، مغلفاً بيقظة وطنية لا ينقصها سوي أغاني الستينيات.. وأمجاد يا عرب أمجاد.. ووطني حبيبي.. الحزب الوطني.. مع الاعتذار للمشاعر الحقيقية، لمن كانوا يتفاعلون مع هذه الأغنيات قبل نصف قرن من الزمان!