زهير الشاويش

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:١٧، ١١ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زهير الشاويش

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

محمد زهير الشاويش من مواليد حي الميدان بدمشق 8 ربيع الأول 1344 هـ الموافق عام 1925م، صاحب ومؤسس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق عام 1957م، علم من أعلام الدعوة السلفية في العصر الحديث، كان له قصب السبق والريادة في نشر التراث العلمي وتحقيقه، أفنى زهرة حياته في طلب العلم ومجالسة العلماء، وكان من الرواد الأوائل في هذا العصر في حرصه على جمع المخطوطات ونوادر الكتب وتتبعها في مظانها، حتى أصبحت مكتبته العامرة من أكبر المكتبات الإسلامية.

ويُعد الشاويش من قيادات العمل الإسلامي في سورية، وشارك في مقاومة فرنسا بالبارود والنار سنة 1945، وبعدها في فلسطين من سنة 1946 إلى 1949 تحت راية زعيمين مجاهدين، هما الحاج أمين الحسيني، والدكتور مصطفى السباعي.

وقام بالعمل لدى معارف قطر واختير مستشاراً لحاكم قطر الأمير علي بن عبد الله آل ثاني، وكان عضواً في مجلس النواب السوري عام (1961) الشخصية.

ولقد شارك الإخوان السوريون في أول فرصة سنحت لهم بعد حكم عبد الناصر وذلك في عهد الانفصال ومن أشهر من فاز منهم في تلك الانتخابات الأستاذ عصام العطار والأستاذ زهير الشاويش والأستاذ عمر عودة الخطيب علما أنهم كانوا قد شاركوا في الأنشطة النيابية في الخسمينات.

وسعته بعد ذلك أرض لبنان، فاستقر بها، وأقام مكتبه فيها، وكان منزله مجمع العلماء من أنحاء العالم، وكم التقينا في منزله مع الشيخ الألباني رحمه الله، قبل أن يختلف معه، ومع الشيخ عبد الفتاح أبي غدة، والأستاذ الشاعر والسفير: عمر الأميري، ومع الشيخ محمد نصيف، والدكتور محمد سليم العوا، ومع علماء من شتى الأقطار، إلى جوار علماء لبنان: من المفتي الشيخ حسن خالد، والشيخ محمد رشيد قباني والشيخ صبحي الصالح، إلى سائر العلماء، إلى رفقاء دربه من المخلصين، من الشيخ فتحي يكن، والشيخ فيصل مولوي، والشيخ إبراهيم المصري، وغيرهم.

وكان – رحمه الله- مع علمه واشتغاله بالتحقيق رجلا أديبا، صاحب فكاهة وأدب، لا تُمل مجالسه، من عذب حديثه، و طرائفه.

وهذا قل ما تجده في عالم.

إلى جانب ما نجده من الاهتمام بالأمر الإصلاحي، والأمة الإسلامية وقد شهد له علماء الشام، ومصر، والحرمين، والخليج، وغيرهم، بآثاره التي روت من ظمأ، وأغنت من عوز. وكان له النصيب الأوفى في الساحة الإسلامية: حركيا ودعويا، وعلميا وثقافيا.

ذكريات

نشأت وأبناء جيلي الذين ولدوا أيام الثورة السورية الكبرى 1925-1927 أو بعدها.

ووجدنا أحاديث الثورة هي التي تدور بين أهلنا، والبيوت المهدمة ما زالت أمام أنظارنا، وذكريات من أقام تحت الهدم طوال الثورة، وأخبار القلة ممن رحل منا إلى بيروت، وقرى لبنان نتداولها، ونتلقط أخبار وأحوال من هاجروا إلى الأردن صباح مساء.

وكنا نستمع إلى بطولات النساء في تصديهن لحواجز الجنود على الطرقات، والشجاعة التي أظهرتها الأمهات، والعمات، والخالات، والأخوات، ولقد كانت هذه الأحاديث السمر الدائم في البيوت.

وهكذا كانت أحاديث الكبار من رجالنا، تركز أكثر ما يمكن على الوسائل التي اتبعها الثوار – وعلى رأسهم الشيخ الأشمر – في مقاتلة الجيش الفرنسي المتعدد الفرق والأجناس، وما يحمل من أسلحة متنوعة.

وكنا نتناقل تفاصيل معركة باب المصلى وسيدي صهيب، وطريق جامع الرفاعى، وكيف تمكن بعض الذين جندتهم فرنسا من الفرق المختلطة من الصعود إلى مآذن المساجد، ليطلقوا النار على البيوت، وقد وجدت بعد ذلك ( وعمري عشرون سنة ) الكثير من الطلقات ما تزال آثارها في الغرف العليا من بيتنا.

وكذلك كانت معركة بوابة الله، وامتدادها إلى قناة الحجر الأسود جنوب دمشق، وكيف كان اتساعها حتى وصلت إلى المنزل وبستان المزرعة، شرقي الميدان، وبستان باكير، وأرض قرية يلدا، وإلى بلدة عقربا، وكنا نذهب ونشاهد أشجار السرو في مسجدها والتي قصفتها المدفعية من قلعة المزة، ونتأمل الباقي من القناديل في حائط المسجد.

هكذا كانت حياتنا، وهذه هي الأحاديث التي كانت تملأ أسماعنا ونحن صبية صغار.

وما إن كبرنا قليلا، حتى هبت البلاد في مقاومة المستعمر سنة 1936، فكان الإضراب العام الذي دان ستين يوما، وكنا – على صغرنا – نشارك الشباب في المظاهرات، وكانت صيحاتنا بكلمات ثلاث : الاستقلال، وعودة فخري البارودي، وعاش الشيخ الأشمر.

وبعد تأليف الحكومة الوطنية برئاسة هاشم بل الأتاسى وإرسال وفدها إلى فرنسا لعقد معاهدة الاستقلال تركنا هتاف المطالبة بالاستقلال، وبرجوع البارودي من منفاه في القامشلى مارا بتدمر واستقباله الكبير في دمشق، ذهب النداء بعودة فخري البارودي.

ولكن النداء الذي بقى على أفواهنا هو : عاش الشيخ محمد الأشمر.

ولم يمض أكثر من سنة، ونحن في مدرسة " خالد بن الوليد" حتى رأينا مظاهرة كبرى تأتى من حي السلطاني وبوابة الله، يقودها الشيخ الأشمر، وفيها العلامة محمد كامل القصاب، وشيخنا محمد بهجة البيطار.

فانضممنا إليها يقودا أستاذنا علي الطنطاوي، ومعنا طلاب مدرسة " وقاية الأبناء " والمدارس الصغرى الأخرى، ومنها : " المدرسة المحمدية " للشيخ محمد الفقيه المصري، و " المدرسة الأموية " للشيخ محمد سعيد الحافظ، وخرج العلماء والطلاب من مدرسة جامع منجك، وعلى رأسهم الشيخ حسن حبنكة، وسار الجميع ينادون : ديننا، ديننا، لا نرضى بع بديلا.

وسارت المظاهرة التي بلغ المشاركون فيها عدة آلاف حتى بلغنا منطقة باب المصلى، وهناك خرج وجهاء الحي، ومنهم زكى أغا سكر، وصبحي أغا حباب إلى الطريق مرحبين بهذه الجموع الكبيرة، وراجين عدم متابعة السير إلى قلب المدينة.

ووقف زكى أغا سكر على كرسي مخاطبا العلماء والجمهور ليبرر لنا ذلك قائلا :

" اتصل بى جميل مردم بك، وقال : رجعت الحكومة عن تنفيذ قانون الطوائف ( ساعتها لماذا التظاهر ) فأرجوكم تفريق المظاهرة، مخافة الاصطدام مع الفرنسيين، لأن المفوض السامي سيمر من هنا بعد قليل، والحكومة وضعت قوة كبيرة في مخفر الشيخ حسن.
فرد عليه الشيخ القصاب : " على جميل مردم أن يحضر إلى هنا، ويعلن أمام العلماء والناس الرجوع عن هذا القانون الجائر الكافر، والذي أرادت فرنسا فرضه منذ دخول الجنرال غورو للشام، وعجزت عن ذلك حتى اليوم، كما حاولت فرضه باسم ( الظهير البربري ) في بلاد المغرب ".

وتكلم العلماء مثل ذلك... وما هي إلا دقائق حتى جاء جميل مردم، وأعلن رجوع الحكومة عن نظام الطوائف، وكان ذلك أمام جامع باب المصلى، وتفرقت المظاهرة.

وركب الأشمر وحبنكة في عربة، ورجع القصاب بعربة عن طريق الشاغور.

وعاد من جاء للمظاهرة من وسط المدينة مشيا على الأقدام منفردين، عن طريق حي قصر الحجاج، لأن الترام كان قد أوقف بسبب المظاهرة.

وكنت مع أهلي وأخوالي آل رحمون على صلة بالشيخ الأشمر، نتداول معه بكل شأن، ومن ذلك قضية فلسطين، ففي تلك المدة جاء إلى حي الميدان العدد الكبير من أهالي شمالي فلسطين، واتخذوا من حاراتنا موطنا لهم وكل ذلك بالتعاون مع أهل الميدان، بقيادة الشيخ الأشمر.

وكان حي الميدان يومها مركز تموين الثورة الفلسطينية، وتأمين السلاح والذخيرة، وتجميع ما أمكن من بقايا السلاح، مما أخفى في الحفر والآبار، وجرى إصلاحه لهم، مع ما يهرب إليهم من تركيا والعراق والسعودية، ومن لبنان بالبحر.

وكان الميدان مركز المتداوى لكل جريح، في البيوت سرا عن عيون جواسيس بريطانية، وحتى عن عيون الفرنسيين ( ظاهرا ).

وممن بقى في الميدان، من كبار رجالات الثورة الفلسطينية، الرجل العظيم الشيخ عطية أحمد، ومعه أخوه محمود..، وأبو إبراهيم الكبير، وأبو إبراهيم الصغير – توفيق إبراهيم – وأبو العبد الذي قتل حاكم الناصرة الانكليزي، والشاعر فرحان سلام، وجمع من آل دلال من عكا، وأبو إسعاف أبو لبن وغيرهم، وهؤلاء وغيرهم كانوا يذهبون للقتال في فلسطين، ويرجع بعضهم للإعداد والتزود أو التداوى.

وفى تلك الفترة ذهب الشيخ الأشمر إلى فلسطين مقاتلا، وأعرف ممن كانوا معه عددا من أهل الميدان أذكر منهم الآن : الشهيد حوري الحلاق والسادة حسنى عزيزية، وخالي عز الدين رحمون، وأحمد الرجال، ومن إربد الشيخ أحمد محمد الخطيب، ومن حي القنوات الشيخ عربي الخيمي أبو عرب وغيرهم، حيث كانوا يقيمون في إربد ويتسللون للقتال داخل فلسطين.

وسنة 1941 دخلت فرنسا الحرة مع الانكليز والحلفاء إلى سورية من الأردن، بعد معارك مع دول المحور ( ألمانيا وإيطاليا واليابان ) ودولة فيشى المتعاونة معهم.

ولما بدأت المعارك بدخولهم درعا، قبل وصولهم دمشق ( التي أعلن أنها مدينة مفتوحة، ولكن جرت معارك طاحنة في ضواحيها الجنوبية قرب بيوتنا ) أرسل الشيخ الأشمر أخبارا إلى كل الأحياء، طالبا إليهم تجميع ما أمكن من السلاح والعتاد الحربي، ليوم المعركة مع فرنسا وانكلترا.

وكنت ممن جمع كمية من الذخيرة، وبندقيتين فرنسيتين، واحدة طويلة، يتسع مخزنها لثلاث خرطوشات، تطلق قنابل صغيرة توضع في أعلاها تسمى ( سلبند ) وتنفجر على طريقة مدافع الهاون، واستعملناها لمقاومة فرنسا، بأمر الأشمر سنة 1945.

وفى شهر أيار قامت في مختلف أنحار سورية معارك واضطرابات ضد فرنسا، وختمت في 29/5/1945 بالعدوان على دمشق، وضرب المجلس النيابي، والقلعة بالمدفعية من المزة، وبالطيران والقنابل المدمرة.

وكان بعض أبناء حينا – وكنت منهم – قد قطعوا طريق الميدان على قوات الفرنسيين من أن تعبر من المزة إلى محطة القطار الفرنسية قرب مطحنة ( جلاد ومهاينى ) ومنعنا مرورهم إلى حوران وإلى جبل الدروز.

وقمنا بسحب قضبان سكة الحديد من منطقة دوار المجتهد بمساعدة رجال منا يعملون في النجارة والحدادة وجر المياه للبيوت.

وقمنا على حراسة الطريق بين باب المصلى والطويلة وطرقات البساتين ومراقبة سكة الحديد.

وفى يوم جاء الشيخ محمد الأشمر ماشيا يراقب الطريق – عصرا – ومعه خمسة مسلحين، وما أن شاهدنا مسلحين ونحمى الطريق أيضا حتى فرح بنا، وسألنا هل شاهدتم خيالة تأتى من المزة عن طريق ساحة بستان البندقية، وبستان المكركب، وبستان الوادي ؟ وطريق الحيايا ( الحيات ).

فقلنا : " لا ".

قال : " وصلني خبر أنهم سيأتون بعد المغرب من هذا الطريق، فإذا جاءوا قاوموهم، ونحن ننتظرهم عند نهر عيشة " وسوف نأتي إليكم إذا سمعنا النار تطلق عليهم.

وأعطانا ثلاثة بنادق، وطلب منا واحدا يذهب معه لإحضار قنابل السلبند، مع بندقية ولأختها التي معنا، وكمية من الخرطوش.

وبذلك أصبح المسلحون منا أكثر، ولحق بنا عدد من الناس.

وقمن بتحصين مراكز لنا عند ساحة بستان البندقية، ووراء دكوك ( حيطان ) بستان الوادي، وحولنا ماء نهر القنواتى من الشمال ونهر الصوف من الجنوب إلى ساحة البندقية، ووضعنا حجارة كبيرة في الطريق وأزلنا الجسر الصغير الذي على النهر بحيث ر يتمكن أحد أن يمر إلا بعد أن يخوض في الماء والوحل ويتعثر بالحجارة.

وجاءت الحملة الفرنسية كما توقع الأشمر، وكانت مؤلفة من عدد من الخيالة ومتطوعين من الفرق الأخرى، ومعهم عدد من البغال محملة مؤن وذخيرة لإيصالها إلى محطة الفرنسيين في بوابة الله.

وبادرنا بإطلاق النار عليهم من ثلاثة أماكن كنا مختفين وراءها في البساتين، فقتل منهم عدد، وهرب الباقون، فسقط عدد منهم قتلى، وتمكن الباقون من الابتعاد.

وبدأ الليل يرخى سدوله فسعينا إلى من وقع منهم وتأكدنا من مقتلهم وأخذنا ما تركوا من البنادق، وبعض الأسلحة وقتلنا الخيل لأنها مصابة وتركوا ثلاثة من بغال بما عليها من حمولة أخذها الفلاحون.

والذي حصل هو أنهم رجعوا ليحملوا قتلاهم ويغادروا إلى المزة، ثم اشتدت المعارك عليهم في عدد من المناطق.

وقمنا في اليوم الثاني بزيارة الشيخ الأشمر، وحملنا له ثلاثة بنادق من الغنيمة، أعطاها لمجاهدين عنده، وعرفنا منه أن جماعته جاءوا لنصرتنا، ولكنهم وجدوا أن المعركة انتهت بسرعة، ولم يجدوا أحدا منا ومن الفرنسي.

وفى هذه المدة، جاءت وفود كثيرة تزور الشيخ الأشمر، وكان يطلب إلى أحيانا أن أتكلم نيابة عنه فيهم، ويسر بما أقول وذلك بفضل الله.

إصلاحه بين الناس

وكان الشيخ الأشمر – دائما – يصلح بين الناس، فقد قتل أحد جيرانه من أهل القاعة من بين رمضان غيلة في جبل الدروز، ونهبت دكانه من غير ذنب سوى الغدر والسلب والنهب واضطراب الأحوال الأمنية في البلاد.

وقام بعض أهل القتيل بقطع الطريق على قوافل الدروز القادمة إلى دمشق والراجعة إلى قراهم في جبل العرب.

وتوسط الشيخ الأشمر بين الطرفين، فلذلك جاء وفد من وجوه محافظة السويداء للاعتذار، مرسل من قبل سلطان باشا الأطرش إلى مضافة الشيخ الأشمر، الذي قبل منهم اعتذارهم، وجمعهم مع أهل القتيل، وأحضر عددا من أهل الميدان، وشرفني إذ كنت منهم، وقدم الوفد الدية الشرعية، ووعدوا بإعادة المنهوبات أو قيمتها، وانتهت القضية.

وفى تلك الفترة، قام خلاف بين جوار لنا من بيت القرة، وبيت دلول، وهما من الكرام، ولكن قدر الله أن قتل أحد من إحدى العائلتين وبدأ التربص من أهل القاتل.

ولكن فوجئنا بالشيخ الأشمر ومعه عدد من أهل الفضل يزورالحى، ويتوجه إلى بيت الوجيه أبو عبده رسلان نقاوة للصلح بين العائلتين، وفعلا أرسل من يدعو الحاج عثمان أغا النورى، ومحمد جمال الدين أبو فهد، وسعيد أغا الياسين، والحاج أبو خليل إبراهيم الحرستانى مع بعض الأشخاص، ويدعوني معهم، وأنا كنت أصغرهم سنا، ولكن بعد حادثة بستان البندقية والطويلة، وأهازيج بعد مقتل رمضان، أصبحت عنده كبيرا .

وفعلا تم الصلح وعقدت الراية، وتكفل بتأمين الدية عثمان النورى وإبراهيم الحرستانى.

وفى سنة 1947 كانت معركة الانتخابات ـ ودخلت " رابطة العلماء " وجمعية العلماء فيها، ومعهما مجموعتنا في الميدان، وكنا نؤيد الأربعة من رابطة العلماء، والشيخ كامل القصاب، ونحارب قائمة الحكومة، وأفرادا من المرشحين، مما أحدث بعض المصادمات.

وبسبب ذلك قام أنصار أحد المرشحين بحرق شعبتنا في جامع الدقاق، وجرت الانتخابات، وقامت الحكومة بالتزوير المعروف، وأصدرت أمرا بإيقاف أعمال الجماعة وجمعية الغراء.

وإذا بشخص من قبل الشيخ الأشمر يطلبني لزيارته بعد عصر اليوم الثالث في المضافة، مع الأستاذ أديب حسنى أغا المهاينى، والشيخ مسلم الغنيمي – رحمهما الله – وكانا من كبار إخواننا وكلنا لا يعرف لماذا دعانا الشيخ، ولما أفرغ القاعة من الناس الآخرين، قال : " أنا علمت بحرق الشعبة التي تدعون فيها إلى الله، ودعوتكم إلى العفو عنهم.

والله يوصى بالجار وهم من أبناء الحي ".

فقال الشيخ مسلم : " عفونا عنهم ".

فقال الشيخ الأشمر : " هذا ما كنت متيقنا منع عندكم ".

فشكرنا وأثنى علينا.

وبعد ذلك رجعنا وفتحنا الشعبة، وكان أول زائر لنا الشيخ الأشمر، ومعه المرشحين اللذين كانا على صلة بالذين هاجموا الشعبة، ورجالات من كبار الميدان، ومنهم عدد من آل المهاينى وآل الحكيم وآل شموط، وأبو سعيد بكرى الحايك، وأبو محمد حسين أبو حبيب – وكلهم من كرام عوائل الميدان رحم الله الجميع.

وفى سنة 1947 بدأت التجمعات للذهاب إلى فلسطين، وعلى الأخص بعد قرار التقسيم الذي كان لنا ضده مواقف حاسمة، وعلى الأخص مع من أيد التقسيم من أحد الأحزاب.

وجاء إلى دمشق الأستاذ عبد الحكيم عابدين من مصر، ومعه المراقب العام للجماعة في الأردن الأستاذ عبد اللطيف أبو قورة، والأستاذ أحمد الخطيب وغيرهم للتنسيق مع كتائب الجماعة في مصر والأردن والشام، والاتفاق على التفاصيل عند الدخول لفلسطين الذي كان قريبا.

وهنا جاء لدمشق القائد فوزي القاوقجي – بعد أن عين من قبل الجامعة العربية، لقيادة جيش الإنقاذ، وطه باشا الهاشمي – وتوسعت الاجتماعات مع الشيخ محمد الأشمر ومع القاوقجى في مراكز الجماعة، وفى مضافة الشيخ الأشمر، وفى دار أبو صلاح العرجا، وفى بيتنا.

وفى اجتماع بين العرجا، قام بعض الناس يطالبون بالإفراج عن المساجين قبل الذهاب إلى فلسطين، ولم يقبل المجاهد الأستاذ نزيه المؤيد العظم ذلك، حيث فهم من هذا أنه يعنى الإفراج عن قتلة صهره الزعيم عبد الرحمن الشاهبندر، ووافقه الشيخ الأشمر، الذي قال للمتكلم عن هؤلاء ما أسكته.

ثم تكلم الأستاذ محمد خير الجلاد عن الجماعة، وتكلمت أنا عن حي الميدان بطلب من الشيخ الأشمر، وتكلم عن المتطوعين الأستاذ محمد خير العرقسوسى.

كما عقد اجتماع في أحد بيوت آل المهاينى في الميدان، وهى دار واسعة جدا، وتكلم فيه الأستاذ أدين المهاينى، وتكلمت أنا، وعدد من الخطباء، وكان مضمون الخطب كلها الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله.

وكانت النية أن نذهب إلى فلسطين مع الشيخ الأشمر، ولكن منعت الحكومات العربية ذهاب أحد للجهاد اعتمادا منها على إرسال الجيوش العربية، وجيش الإنقاذ، ولم يذهب منا سوى كتيبة واحدة :

الأولى قبيل استشهاد القائد عبد القادر الحسيني، وكنت في عدادها بقيادة الملازم عبد الرحمن الملوحى الحمصى، ومنها عدد من إخوان الميدان منهم الأستاذ كامل حتاحت والأخ عدنان الدبس.

والثانية بعدها بعشرين يوما بقيادة الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله.

وكان الشيخ الأشمر يستعد للذهاب، غير أنه مرض مرضا شديدا أصابه وأقعده، وما أن تعافى حتى كانت الهدنة الأولى.

تواضعه وعدم كلامه عن نفسه

سنة 1951 كان لنا ناد رياضي تابع للشعبة، وله مكان واسع في الحلقة، ويمتد إلى ساحة الزفتية ( التي صارت الآن حي الزاهرة )، وقررنا إقامة حفل رياضي كبير، وجعلناه تحت رعاية المجاهد الشيخ محمد الأشمر، وقد تكرم بالموافقة على ذلك.

ولما ذهبت إليه ومعي الأستاذ محمد لطفي الصباغ، وجعلنا نسأله عن حياته، وأعماله، وتاريخه، ومواقفه ليكون ذلك في الكلمة التي ستلقى عنه، وفى التعريف به.. الخ، فإنه لم يتكلم بأكثر من كلمات قليلة وصرفنا بلطف إلى الحديث عن الرياضة والتربية البدنية، والاستعداد لمقاومة الاستعمار، وعما شاهده منا في مقاومة فرنسا سنة 1945، وبعدها فلسطين سنة 1948، وعن تربيتنا للأفراد الذين يجدهم في المساجد متعبدين، وعن معاني هتافاتنا.. الخ.

وختم كلامه بقول : " كتب الخ الخير للبلاد والعباد، والله ولى التوفيق "

فكرر أخي محمد الصباغ السؤالات بشكل لطيف وأسلوب آخر ؟

ولكن الشيخ تنبه إلى ذلك، بما كان عليه من وعى، وبدت عليه بوادر الغضب، فتدخلت بسرعة وقلت : " ما قاله شيخنا يكفى، والله ولى التوفيق " فضحك.

وسنة 1953 ذهبت للشيخ أدعوه للمشاركة في المؤتمر الاسلامى العام في القدس.. فاعتذر لمرضه، وسأل من معي من الشام ؟ فقلت : " الشيخ علي الطنطاوي، والأستاذ عصام العطار، والشيخ أديب صالح " فأثنى عليهم جميعا، وقال : " لا توافقوا إلا على فتح المعركة مع اليهود " ولما رجعنا كان معنا الزعيم الإيراني السيد نواب صفوي، فبادر الشيخ الأشمر إلى زيارته في بيتنا ( حيث ينزل متكرما ) وسأله عددا من الأسئلة عن إعدادهم للجهاد في فلسطين.

ولما أراد الخروج سحب نواب صفوي يد الشيخ وقبلها رغم أن الأشمر لم يكن يعطى يده للتقبيل.

وبعد سفري إلى قطر سنة 1955 كان رحمه الله يكاتبني دائما، وكنت أرسل إليه من يزوره، ومنهم صهر البيت الحاكم السيد على المسند.

وعندما جاء وزير المعارف الوجيه الشيخ قاسم الدرويش للعلاج في مياه الحمة، أخبرت شيخنا بذلك، فتكرم وحضر مع عدد من إخوانه لزيارته، وكان أن دعاه للميدان، وكانت النية الإجابة، لولا أن صحة الضيف لم تساعده على ذلك، وحضر لوداعه في بيتي.

أولا:ضد المحتل

في مطلع سنة 1945 بدأت المشاكل مع فرنسا التى نكثت عهودها التى تعهدت بها للسوريين قبل إعلان الحرب العالمية الثانية، وتنكرت عما سبق الاتفاق عليه، ورجعت فرنسة الحرة عما قطعت من عهود عند دخولها مع الانكليز إلى سورية ولبنان على أن تكون سورية بلادا مستقلة تماما.

ومع أنها سمحت بإجراء انتخابات في عام 1943 بعد وفاة الشيخ تاج الدين الحسنى حيث تألفت إثر ذلك حكومة وطنية وانتخب السيد شكري القوتلى رئيسا للجمهورية، إلا أن فرنسا أخذت تعيق ممارسة سورية لاستقلالها بشكل كامل، مما أثار الاضطرابات في مختلف أنحاء سورية ضد فرنسا، تلك الاضطرابات التى ختمت بتاريخ 29/5/1945 بالاعتداء على دمشق وضرب المجلس النيابي وباقي أحياء مدينة دمشق بقنابل المدفعية من المزة وبالطائرات.

وكان أهل الميدان قد أخذوا أهبتهم لقطع الطريق على القوات الفرنسية وعدم تمكينها من استعمال طريق الميدان للتحرك من المزة إلى محطة القطار في القدم والتوجه إلى حوران وجبل الدروز.

ويتابع الشيخ زهير قائلا :

ولما لم يكن عندنا ديناميت لنسف سكة القطار فقد قمنا بسحب قضبان السكة المذكورة بدءا من بستان المجتهد – دوار المجتهد حاليا – إلى بستان الطويلة بمساعدة رجال من أهل الحي يعملون في النجارة والحدادة أذكر منهم السيد حسنى الحمصى وكان يعمل في مهنة حفر الآبار وتمديد المياه والسيد فهد جمال الدين وكان يعمل في مهنة النجارة وغيرهم.

وكنت أقوم مع مجموعة من أهالي الميدان أذكر منهم : سالم عياش، ونعيم قويدر ورجل من آل القدة – أظنه أبو صلاح أو أبو على – وصلاح قطيفاني وغيرهم على حراسة الطريق بين البساتين الممتدة من منطقة الشوبكة إلى نهاية منطقة الطويلة، ولم يكن الشارع المار في هذه البساتين قد عبد بالشكل الذي هو عليه الآن بعد، وكذلك مراقبة سكة الحدود من أن يتم إصلاحها بعد سحب القضبان، ولم يكن بيدنا من ألأسلحة سوى بندقيتين إحداهما تضرب ( لسلبند ) وكنت استعملها بذخيرة قدمها لنا الشيخ محمد الأشمر نفسه.

وفوجئنا مرة بالشيخ محمد الأشمر وهو يقوم عصر ذلك اليوم بمراقبة الطريق بنفسه، ومعه خمسة مسلحين.

ولكم كانت فرحته بالغة عندما شاهدنا ونحن نؤدي مهمتنا في حماية الطريق نفسه.

وقام بإبلاغنا بأن الفرنسيين ربما أتوا بعد المغرب من طريق بستان البندقية وبستان المكركب وبستان الوادي وربما ساروا في الطريق الفاصل بين بستاني الوادي والمكركب، والذي كان يسنى _ زقاق الحيات ) لكثرة وجود الأفاعي في دكوك البساتين المذكورة، وقام بتسليمنا ثلاث بنادق واصطحب واحدا من رفاقنا معه لحمل الذخيرة إلينا فعاد ومعه كمية من القنابل التى تطلق ببارودة السلبند، وكمية من الذخيرة للبنادق الأخرى، وهكذا أصبح معظمنا مسلحا.

وقد قمنا مباشرة بعد تحذير الأشمر لنا من احتمال مرور القوات الفرنسية من هذه البساتين – بتحصين مراكز لنا عند ساحة بستان البندقية ووراء ( دكوك ) بستان الوادي.

كما قمنا بتحويل مجرى نهر ( القنواتى ) ونهر ( الصوف ) إلى ساحة بستان البندقية، ووضعنا حجارة كبيرة في الطريق، وخربنا الجسر الضيق على نهر ( الصوف ) بحيث لم يعد يمكن لأحد أن يمر من هذا الطريق إلا بعد أن يخوض في بحر من الوحل ويتعثر من كثرة الحجارة.

وقد حصل ما كان متوقعا حيث جاءت الحملة من نفس الطريق وكانت مؤلفة من عدد من الخيالة الفرنسيين وبعض المتطوعين، ومعهم عدد من البغال المحملة بالمؤن والذخيرة لإيصالها إلى محطة القطار في منطقة البوابة – القدم.

وما أن خاضوا في الوحول التى تشكلت في ساحة بستان البندقية، حتى بادرناهم بإطلاق النار عليهم من أماكن ثلاثة، كنا قد اختفينا خلفها في البساتين، فقتل عدد منهم وهرب الباقون عائدين من الطريق التي أتوا منها.

وعندما أرخى الليل سدوله سعينا إلى من وقع منهم وتأكدنا من مقتلهم وأخذنا ما تركوا من البنادق والذخيرة حصانا وثلاثة بغال بأحمالها من العتاد والمؤونة.

وتحسبا من قيام الفرنسيين بعملية انتقام، قمنا بالانسحاب إلى الحي. بعد أن اتفقنا مع اثنين من فلاحى بستان البندقية على إخبارنا إذا لاحت لهم بوادر حملة جديدة، لكن الفرنسيين لم يفعلوا أكثر من إرسال من قام بحمل قتلاهم إلى المزة، ولم يعودوا ثانية لأن المعارك اشتدت عليهم في عدد من المناطق.

وفى اليوم الثاني قمنا بزيارة الشيخ محمد الأشمر وحملنا له تسعة بنادق من الغنيمة أعطاها لمجاهدين عنده، وعرفنا أنه أرسل جماعة لنصرتنا ولكنهم وجدوا أن المعركة قد انتهت بسرعة.

وقد كان في المضافة عند تسليم هذه البنادق التسعة كل من ( أبو فهد قريعية ) و ( أبو جميل السيد ) و ( محمد صادق اللحام ) وغيرهم.

وأثناء وجودنا عنده جاءته وفود كثيرة فكلفني أن أتكلم فيهم نيابة عنه، وكان يسره ما أقول وذلك بفضل من الله عز وجل.

ثانيا: مساعي إصلاح ذات البين

كان من أكثر الأمور التي تشغل وقت الشيخ محمد الأشمر اهتمامه بإصلاح ما بين الناس من خلافات وخصومات.

وإذا كانت الخلافات من الكثرة بما يصعب إحصاؤها وتتبعها بالحل بين الناس، فإن لبعضها أثرا بليغا في المجتمع، إن لم يبادر أهل الحل والعقد من الناس بمواجهتها والسعي إلى حلها بالحسنى، وكان من أبرز هذه الخلافات ما ينجم عنه سقوط قتيل من جانب وتأهب للثأر من الجانب الآخر، وسوف أعرض ثلاث حالات من الحالات الكثيرة التي عالجها الشيخ محمد الأشمر ونجح في إطفاء نار فتنة، وإخماد فورة دم وتهوين الصفح بدل من الثأر.

الحالة الأولى :

مقتل أحد أبناء عائلة رمضان في جبل الدروز : حيث تم القتل غيلة وجرى نهب دكان القتيل من غير ذنب سوى الغدر والسلب والنهب بسب اضطراب الأحوال الأمنية في البلاد.
هب أهل القتيل وجوارهم من أهالي حي الميدان للمطالبة بالثأر وأصبح منزلهم في الميدان الفوقاني يتقبل التعازي من الناس الذين يفدون من حي الميدان والأحياء المجاورة وهم يطلقون الأهازيج التي تعبر عن صور من الحالة الاجتماعية التي كانت تعيشها البلاد فىتلك الفترة ومن تلك الأهازيج على سبيل المثال :
من الميدان للقرية
فزعتنا ما هي غية

هيجتنا الحمية

كرمال عينك رمضان

نحنا جينا يا الأشمر

ابعثنا وين ما تأمر

الله يشهد ما نتأخر

والله يعلم ما فينا خوان

من الموصلي لساحة عصفور

طيران مثل الصقور

منطالب بدم المغدور

والجنة قدامنا عنوان

وواضح المعنى الذي تعكسه مثل هذه الأهازيج لو أتيح للهازجين أن يحققوها، لولا أن الله يهيئ من عباده من يسعى للخير ويعمل على إطفاء الفتنة. وكان الشيخ محمد الأشمر من هؤلاء العباد.
وبالفعل فقد قام أهل القتيل بقطع الطريق على المارين من جبل الدروز عن طريق الكسوة والميدان، فكان لابد من أن يعمل الحكماء ويتدخل العقلاء.
فكان أن تراسل في هذا الموضوع كل من سلطان باشا الأطرش والشيخ محمد الأشمر حيث أوفد سلطان باشا وافدا من وجوه الدروز إلى مضافة الأشمر في حي الميدان، حيث قام الأخير باستقبالهم مع عدد من أهل الميدان وأهل القتيل. وقدم الوفد إلى الشيخ الأشمر الاعتذار والدية فتقبل منهم ذلك باسم أهل القتيل وباسم أهالي حي الميدان، فانتهت الفورة وأطفئت الفتنة.

الحالة الثانية :

خلاف عائلتي ( قره ) و ( دلول ): وهما عائلتان كريمتنا من عائلات الميدان – في ( الموصلي ) و ( الروة ) حيث سقط أحد أبناء إحدى هاتين العائلتين قتيلا بيد أحد أبناء العائلة الأخرى، وبدأ التربص مناهل القتيل لأهل القاتل.
وحتى لا يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ فوجئ أهل ( الميدان – قرشي ) بالشيخ محمد الأشمر يقوم بزيارة حيهم ومعه عدد من الوجهاء وأهل الفضل، وقد توجهوا إلى بيت الوجيه ( أبو عبده رسلان نقاوة )، وأعلنوا أن قدومهم إنما هو لإنهاء هذا الخلاف بين العائلتين وحله بشكل ودي قبل أن يستفحل ويتطور إلى ما لا تحمد عقباه.
أرسل الشيخ محمد الأشمر – وهو في بيت نقاوة – من يدعو الحاج عثمان النورى، ومحمد جمال الدين( أبو فهد ) وسعيد أغا الياسين، والحاج إبراهيم الحرستانى ( أبو خليل ) وزهير الشاويش.
وبعد اكتمال الجمع تحدث الشيخ محمد الأشمر عن ضرورة إزالة الحناء والبغضاء من النفوس وضرورة تفادى عادات الثأر والثأر المضاد، مستشهدا بآيات من القرآن الكريم تحض على الصفح والتعاون.
فنزل أهل القتيل عند رغبة المجتمعين بإجراء الصلح بين العائلتين، وقد تم ذلك وعقدت الراية وتكفل السيدان عثمان النورى وإبراهيم الحرستانى بأداء الدية إلى أهل القتيل من مالهما الخاص.

الحالة الثالثة :

مقتل أحد أبناء حوران بيد صديق حميم للسيد جميل مردم : ولعل هذه الحادثة هي أبرز من سابقتها وأبلغها أثرا لأنها كانت تسبب حرجا كبيرا لرجل كان ينظر إليه – إذ ذاك – على أنه أحد دهاة العرب في أربعينيات وخمسينيات هذا القرن، إنه السيد جميل مردم السياسي السوري المعروف، من أوائل الذين ثاروا ضد العثمانيين وقاموا بنشاط سياسي كبير ضدهم مذ كان طالبا في باريس وحى إعلان الثورة العربية الكبرى ومن ثم الثورة السورية وقيام الحكم الوطني.
كان للسيد جميل مردم وزير خارجية سوريا – آنذاك – صديق حميم مغربي الأصل، ومقرب إليه جدا إلا أن هذا الصديق كان على شيء غير يسير من الغرور بهذه الصداقة دفعه إلى الوقوع في مشاكل أتعبت رئيس الوزراء نفسه.
وقد وصل الأمر بهذا الصديق إلى أن ارتكب جريمة قتل ذهب ضحيتها أحد أبناء حوران، وينتمي إلى عشيرة حورانية كبيرة، الأمر الذي شكل للسيد جميل مردم حرجا كبيرا وهو في منصب رئيس الوزراء إضافة إلى مكانته المعروفة بدءا من مؤتمر باريس في الجمعية الجغرافية السورية أواخر العهد العثماني ومرورا بأحداث الثورة العربية الكبرى، ثم أحداث الثورة السورية.
وخروج الفرنسيين عام 1945 حيث كان طيلة – هذه الفترة – من النشطاء في العمل الوطني مع رفاقه من الكتلة الوطنية شكري القوتلى وصبري العسلي ونسيب البكري وأمثالهم.
والحرج الشديد ناشئ عن أن السيد جميل مردم – وهو رئيس للوزراء – لا يستطيع التغافل عن جريمة وقعت في عهده، كما لا يستطيع حماية المجرم وهو صديق حميم له، وكذلك فإنه لا يستطيع ترك هذا الصديق إلى مصيره المحتوم، وربما كان الإعدام بحكم قضائي، أو بثأر من أحد أبناء عشيرة القتيل وكلا الأمرين مر.
ولم يكن هنالك من حل إلا أن يتنازل أصحاب الدم – وهم عشيرة كبيرة – عن حقهم بالثأر لابنهم وأن يمتنعوا عن المطالبة بحقوقهم أمام القضاء، وهذان مطلبان عسيران بسبب الأعراف العشائرية من جهة، والاحترام للقانون من جهة أخرى.
والأمر الأكثر حرجا للسيد جميل مردم كان يتمثل في أنه يود ويرغب بمعالجة هذا الموضوع دون أن يكون له حضور ظاهر فيه بسبب من مركزه السياسي الاجتماعي.
لم يترك وسيلة إلا لجأ إليها بسرية تامة ومن خلال أشخاص ينتدبهم لهذه المهمة ولكنه لم يفلح بمساعيه كلها فالعشيرة مصرة على الثأر والمطالبة بدم ابنها.
وكان للسيد جميل مردم صديق حميم آخر من عائلة معروفة في حي الميدان هو السيد عادل جمال الدين ( أبو صياح )، وهو من رفاق الشيخ محمد الأشمر أثناء الثورة السورية.
وكان السيد عادل جمال الدين قد أشار على السيد جميل مردم – ومنذ البداية – أن يلجأ إلى الشيخ محمد الأشمر لحل هذا الموضوع فلن يستطيع حله سواه. إلا أن جميل مردم لم ترق له هذه ه الفكرة عندما عرضها عليه عادل جمال الدين بسبب من تراكمات باعدت بينه وبين الأشمر خلال الثورة.
ولكن عندما أعيته الحيل فإنه لم يجد مفرا من القبول بهذه المشورة.
ذلك أن الذين حاولوا مساعدته على حل هذه القضية مثل السيد عبد الله شموط من حي الميدان، والزعيم الكردي ( نجدت أغا ) – وهم من أصدقائه المخلصين – فشلوا في مساعيهم التي بذلوها مع عشيرة القتيل.
إذ ذاك اقتنع السيد جميل مردم بصواب المشورة التي أسداها له صديقه أبو صياح عادل جمال الدين فطلب إليه السعي في ذلك.
كان أول شيء فعله السيد عادل هو أنه هيأ اجتماعا بين السيد جميل مردم والشيخ محمد الأشمر بحضوره دون أي أحد آخر، وفى هذا الاجتماع الذي حصل في دار الشيخ الأشمر تمت المصالحة والمصارحة بين الأشمر وجميل مردم، ذلك أن مجرد حضور جميل مردم إلى دار الأشمر يعتبر في الأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة إذ ذاك بادرة ترضية من جميل مردم إلى الشمر وهى بمثابة اعترف ضمني بصواب موقف الأشمر من النزاع.
بادر الأشمر في اليوم التالي إلى الاتصال بزعماء عشيرة المقتول التي رحبت بأن يكون الوسيط في دم ابنهم زعيم مجاهد على هذا المستوى الرفيع من المكانة في المجتمع، حيث أن ذلك يرتفع بموضوع الدم المطلوب إلى مستوى لا يستبدل به ثأر ولا يعوض به مال، ويكفى عشيرة القتيل وأهله من الفخر في الأعراف العربية والاجتماعية التي كانت سائدة- إذ ذاك – أن يكون طلب الصفح والعفو صادرا عن مثل الشيخ محمد الأشمر بما له من رصيد محبة كبير في النفوس أودعته فيها سيرة جهاد طويل في سبيل الله ضد غزاة مستعمرين سواء في أرض سوريا الطاهرة أم في جبال فلسطين.
تناول الأمر فطوره عند أهل القتيل، ثم بدأ الحديث فيما قدم من أجله عارضا على العشيرة الاستجابة لمطالبهم مهما غلت، ذلك أن الدم غال جدا على ذويه.

لكن العشيرة التي رأت قدوم الأشمر إليها أغلى من أي مطلب – بما يعطيها من سمعة عالية وفخر رفيع – امتنعت عن قبول المال متنازلة عن كل حق مادي له وعبرت بلسان والد المقتول عن عفو كريم حيث توجه الأشمر قائلا له : إن حضورك لعشيرتنا هو حضور لأحياء دمشق كلها، وتكرم وقل للقاتل وأهله : اذهبوا فأنتهم الطلقاء أحرارا، ولن يمسكم من عشيرتنا سوء.

ثالثا : مساعي الأشمر بشأن بعض المسجونين أو الملاحقين

كانت مضافة الشيخ محمد الأشمر في حي الميدان مفتوحة لجميع الناس يفد لها من له رغبة بزيارة الشيخ للجلوس إليه والتحدث معه باعتباره زعيما امتزجت في شخصيته مهابة الزعيم، ووقار الشيخ وعنفوان المجاهد، وسخاء الكريم، وتواضع العابد، ونجدة الملهوف، بحيث كان كل يجد عنده ما يرغب فيه.

رسالة الشيخ محمد الأشمر إلى الشيخ زهير الشاويش
حضرة ولدنا المحترم محمد زهير الشاويش الأكرم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد

وصلتني رسالتكم وما حوته صار معلومنا ، وحمدت الباري عز وجل على وجوده بتمام الصحة والعافية .

وبعد نشكركم على هذه الرسالة ، ولكن مع ذلك لا شكر على واجب ونرجو أن تعتذروا لنا من الشيخ عبد الله بن مسند حيث حضر وكنت مريضا ، وما تمكنت من القيام بواجبهم على الوجه الأكمل بسبب مرضى .

ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما فيه خير البلاد والعباد .

هذا نرجو إهداء سلامي إلى الأستاذ الكبير عبد الحكيم عابدين وإلى الشيخ عبد الله بن مسند وجميع الوجهاء عندكم ومن يلوذ بكم .

وختاما سلامي إليكم ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه والسلام عليكم والله يحفظكم . ومن عندنا ولدنا محمد يهديك السلام ويتمنى لكم الصحة والسعادة .

11 ذي القعدة 1375 هـ
الفقير محمد الأشمر

وفاته

توفي الدكتور زهير الشاويش بعد رحلة طويلة من العلم والجهاد على ارض فلسطين عام 1948م حيث رحل عن عالمنا يوم السبت 1 يونيو 2013م الموافق 22 رجب 1434هـ.

ألبوم الصور

ألبوم صور زهير الشاويش
 

زهير الشاويش (الجزء الأول)

ابراهيم-المصري،-زهير-الشاويش،-د.مصطفى-الأعظمي،-الشيخ-يوسف-القرضاوي،-في-منزل-زهير-الشاويش،-10-تموز-1970

زهير الشاويش (الجزء الأول)

إبراهيم-المصري-وزهير-الشاويش-ويوسف-القرضاوي-عام-1970

زهير الشاويش (الجزء الأول)

ابراهيم-مصري،-زهير-الشاويش،-منزل-زهير-الشاويش،-10تموز-1970

زهير الشاويش (الجزء الأول)

الدكتور-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

السباعي-وحسن-الهضيبي-وزهير-الشاويش-مع-الفتوة

زهير الشاويش (الجزء الأول)

السفير-محمد-بن-حمد-آل-ثاني-وزهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

الشيخ-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

الشيخ-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

العلامة-المحدث-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

العلامة-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

النائب-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

الهضيبي-والشاويش-والسباعي-وأبو-رقيق-1954-بسوريا

زهير الشاويش (الجزء الأول)

أمين-الحسيني-وزهير-الشاويش-وحسن-خالد-وعبدالفتاح-أبو-غدة

زهير الشاويش (الجزء الأول)

بطاقة-رابطة-العالم-الإسلامي

زهير الشاويش (الجزء الأول)

بطاقة-عضوية-مجلس-النواب-السوري

زهير الشاويش (الجزء الأول)

جنازة-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

جنازة-زهير-الشاويش

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(1)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(4)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(5)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(7)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(9)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(10)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(13)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(17)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(20)

زهير الشاويش (الجزء الأول)

زهير-الشاويش-(21)