زوجة الزجال سعد سرور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:١٦، ١١ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زوجة الزجال سعد سرور ... بين المحنة والشهادة

البداية

(إن حال أمتنا ودعوتنا يعلمه القاصي والداني؛ فأصحاب الدعوات مطاردون ومعتقلون، وغيرهم من أهل الفسق والمجون في خير بلادنا يرتعون, وعلى مر الزمان والدعاة في محن وابتلاءات، فأعطوا القدوة في أنفسهم، فصبروا وثبتوا ورابطوا, وسلكوا درب الصالحين درب محمد (ص) وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين.)
(نلتقي لنقطف زهرة من بستان رواه الشهداء على مر العصور بدمائهم، فانبثقت زهرة من نور تملأ الدنيا بعبيرها, نلتقي مع زوجة مجاهد تكبد العناء سنين عددًا في صحراء سجن الواحات، فما زاده إلا إيمانًا، نلتقي مع الحاجة زينب الكاشف زوجة الزجال سعد سرور، نلتقي مع أصغر معتقلة في سجونعبد الناصر.)

في حي مصر الجديدة القابع شرق القاهرة, هذا الحي الهادئ تقطن هذه السيدة الفاضلة، والتي تجاوزت السبعين ربيعًا تكابد الأمراض، وتغالب الأحزان على فراق رفيقها الوحيد بعد حادث يكاد يكون متعمدًا من جهات عليا بسبب نشاطه الدعوي، وقلمه الحر الجريء.

عندما تدخل بيتها تجد فيه السكينة والطمأنينة, تجد نفسك أمام امرأة أعادت للأذهان سيرة الصحابيات في صبرهن وجهادهن وحبهن للعمل لدين الله, وبالرغم من كونها تعيش وحيدة، حيث حرمت الأولاد، إلا إنها تعتبر نفسها أمًّا لكل مسلم يعمل لدين الله.

هي زينب حسين أحمد داود الشهيرة بزينب الكاشف، ولدت في حي محرم بك بمحافظة الإسكندرية, وحرمت من حنان الأب وهي ما زالت طفلة, فاحتضنتها أمها، حيث كانت الابنة الوحيدة لها، وكان لها ستة إخوة من الرجال، أكبرهم: محمد الأمير حسين، (وكان ينتمي للحزب السعدي)، ثم أحمد الدرديري والذي التحق بدعوة الإخوان هو وأخوه الأصغر مصطفى، ثم عبد الحميد، وعلي الدين، وكان ضابطًا في سلاح حرس السواحل.

عملت أمها على تربيتها تربية إسلامية، وتعليمها كل ما يعينها على حياتها في شئون دينها ودنياها, التحقت بمراحل التعليم الأولى، ثم التحقت بمعهد الخدمة الاجتماعية، حيث تخرجت فيه، وحصلت على المركز الخامس فيه، لكنها لم تعمل لرفض أخيها الأكبر محمد الأمير ذلك, وكبرت هذه الزهرة وهي تعرف معنى الاعتماد على النفس، فتعلمت فن الحياكة والخياطة.

نشأت هده الزهرة في بيت كان محافظًا على الصلاة, وبه إخوة التحقوا بركب دعوة الإخوان, مما كان له أثر طيب في تكوين شخصيتها.

على درب طريق رب العالمين

نشأت زينب الكاشف وهي تحافظ على صلواتها وعباداتها والسمت الإسلامي, فلم تتأثر بما أصاب فتيات المجتمع من هوسة الموضة والتحلل والسفور, فعرفت الحجاب مبكرًا، وتوجت حياتها بالتحاقها بركب الدعاة ودعوة الإخوان، وفي دلك تقول: "تعرفت على دعوة الإخوان من خلال بيتنا، حيث كان لدي أخ سعدي وآخر إخوان, وكان دلك بعد محنة الإخوان الأولى واغتيال الإمام البنا.

فكان ينشب بينهم خلاف، وكنت أجلس أسمع لكل منهما، غير أن السعدي وهو أكبرنا كان يتسلط بالأمر ليمنع أخي من السير في طريق الإخوان، فكنت أقول: أما يكفي الظلم الواقع على الإخوان من الحكومة السعدية, فيكون الظلم أيضًا عليهم داخل البيت، فمالت نفسي إلى الإخوان وأحببتهم.

وسارعت لشعبة الإخوان بعد افتتاحها وعودة الجماعة, حيث كانت مسئولة قسم الأخوات هي الأخت محاسن عزازي وكانت ناظرة مدرسة عمر بن الخطاب بالإسكندرية، والمشرف عليه هو الأخ سيد عبد العظيم, ونشط القسم وكان يعتني بالسيدات والطالبات، كما كان يعتني بتعليمهن الأخلاق الإسلامية الصحيحة, وكان يضم النشاط الثقافي والاجتماعي، وإقامة المعارض التي كانت تعرض الأعمال اليدوية والأطعمة المختلفة، والتي كانت تقوم بها الأخوات, هذا غير ما كنّ يقمن به من التزاور فيما بينهن".

كما أن أخاها أحمد طلب منها الذهاب لدرس الخميس في المسجد، والذي كان يعقد من العصر إلى المغرب، وكانت وقتها لا ترتدي الحجاب إلا وقت الصلاة فقط، فذهبت وأخذت معها طرحة، فكانت ترتديها وقت الصلاة والدرس, وفي مرة دعتها مسئولة الأخوات الأخت محاسن في منزلها، وتحدثت معها في الحجاب، فردت عليها بقولها: "أنت لا تجبريني على شيء، فأنا أعمل ما أريده وأقتنع به"، فردت عليها الأخت محاسن بقولها: "نحن لا نجبر أحدًا على الحجاب"، لكنها ذهبت للسوق واشترت طرحة كبيرة وارتدتها، وذهبت للأخوات ففرحن بها، وبدأت العمل معهن بكل حماس.

ومند التحاقها، وقد أخذت على عاتقها تربية النشء ورعاية الأسر, وما كادت تحدث حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954م, إلا وقد زج بآلاف الشباب المسلم خلف القضبان بدون ذنب إلا أنهم قالوا: ربنا الله، وذاقوا من العذاب ألوانًا في سجون عبد الناصر، وتركوا أسرهم، فوقع العبء على الإخوة والأخوات الموجودين بالخارج في رعاية أسر المعتقلين، فتحركت مع أخواتها يتفقدن الأسر التي غاب عائلها؛ ليواسوهم ويقومن بكفالتهم.

كما حافظن على أعمالهن التربوية والدعوية في الخفاء, ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (البروج: 8)، وقد كونت الأخوات لجانًا تقوم بجمع التبرعات، وإنفاقها على أسر الإخوان المعتقلين، لكنها تعرضت مع أخواتها للاستدعاءات من قبل الأمن والمراقبة, وحاول رجال المباحث أن يستفزوهن ليوجهوا لهن ضربة على غير المتوقع، غير أن الأخوات صبرن واحتسبن الأمر لله، وفوتن عليهم بحنكتهن فرصة الاعتقال المبكر، ولم يكتفين بعمل ذلك، بل نشطن في إقامة المعارض لخدمة لجنة التمويل التي يقومن عليها.

دروس ومواقف في محنتها

ما كاد الإخوان يخرجون من سجونعبدالناصر فاستنشقوا بعض عبير الحرية على خوف ووجل, وما كاد الأطفال يرتمون في أحضان آبائهم ينهلون من حنانهم الذي افتقدوه طيلة عشرة سنوات، ما كاد يحدث ذلك حتى حرمهم عبد الناصر بجرة قلم ليس من حنان الأب فحسب، بل من حنان الأم أيضًا، بل أبى إلا أن يشارك بعضهم آباءهم وأمهاتهم محنة السجن، لقد عز عليه أن يجد الأبناء ينعمون بدفء حنان الأب والأم فحرمهم من ذلك، كل ذلك خوفًا على كرسيه، وإرضاء لأعداء الأمة الذين سلمهم البلاد بعد مهزلة 1967م، وظل الحاكم المطيع لهم حتى مات.

ليت عام 1965م لم يأت, أمنية كل إنسان ذاق لهيب السياط, ومزق جسده بأنياب الكلاب, وعاش لوعة الفراق, لقد تمنى كل أخ أن لم تكن ولدته أمه لشدة العذاب والوحشية التي لقاها من وحوش ضارية لم تعرف معنى الإنسانية، بل لم تعرف معنى الرأفة, لقد امتلكت قلوبًا أشد من الحجارة، بل هي أشد قسوة منها.

لقد كانت محنة 1965م أشد ضراوة على الإخوان من محنة 1954؛ حيث اعتقل الشيوخ والشباب والنساء والأطفال, لم يُرحم أحد، وتسابق الجلادون في السجن الحربي من رجال الشرطة العسكرية، وفي سجن القلعة من المباحث العامة على انتزاع المعلومات من المعتقلين بأية وسيلة، حتى لو قتلوا كل المعتقلين، كل ذلك حتى ينالوا الحظوة عند عبد الناصر وأسيادهم من الشيوعيين الروس.

كانت الحاجة زينب الكاشف إحدى اللواتي ذقن مرارة سجون عبد الناصر، وعن هذه الفترة تحكي وتقول:

"البداية أنهم جاءوا واعتقلوا أحد الإخوان يوم زفافه, فسارعت أخته صفية المنياوي وراءه إلى القسم كى تعرف أين يذهبون به، فطلبت مني الأخوات أن أذهب لها؛ لأنها تسمع كلامي، فذهبت وكلمتها، ورآني بعض رجال المباحث وفي اليوم التالي ذهبوا للأخت أنعام شاكر وهي على قيد الحياة الآن في منزلها بعد أن أخذوا زوجها واعتقلوها.

وكانت حاملاً فأخذت تصرخ: (أودي العيال فين؟!!) قالوا لها: (إرميهم في الشارع). وكانت تقطن بجوارنا، فبعد أن رأيت المباحث تأخذها سارعت لأهلها لأخبرهم بما حدث، وأخبرت أخاها ليذهب وراءها خوفًا أن يكون من أخذها بعض العصابات، لكنه وجدها هناك في القسم، وأثناء ذهابي رآني أحد رجال المباحث.

وبعد عودتي لبيتي وجدت المباحث تنتظرني في المنزل، فوجدتهم يعبثون في أشيائي، وأخذوا شنطة يدي وفتشوها ثم قالوا: تعالي معنا, فأخذت أمي تبكي, فقال لها: سنأخذ منها كلمتين ثم نرجعها, ثم سألني عن البنت التي كانت في صحبتي. فقلت له: بنت أختي، فقال لي: ليس لك أخوات. فقلت له: هذه أختي في الله, فاغتاظ, وقلت: أحضر ملابسي فوافق، فأدركت أنه اعتقال.

ثم اصطحبني لقسم محرم بك، فوجدت هناك الأخت أم وجدي -وكانت سيدة كبيرة، كما وجدت الأخت أنعام، والأخت أسما خليل زوجة الأخ محمود حمدي نفيس، والذي اعتقل في أحداث قنابل عيد الميلاد عام 1947م، وانتقلنا من القسم وسط حراسة مشددة إلى محطة قطار الإسكندرية حتى وصلنا محطة مصر بالقاهرة.

وكانت تنتظرنا عربات السجن، وكانت مرتفعة، فلم تستطع أم وجدي الصعود فقال لها الضابط: تريدين قتل عبد الناصر، ولا تستطيعين صعود العربية ... اصعدي... اصعدي" فعرفنا سبب اعتقالنا, ثم وصلنا لوزارة الداخلية، فتقابلنا مع بعض الإخوة، فذهلوا لاعتقال الأخوات, وظللنا في الشمس في حوش الوزارة فترة طويلة، حتى رحلنا إلى سجن القناطر الخيرية.

فكان سجنًا قذرًا، وكنا أول من دخله، فلم نجد به أحدًا سوى الأخت آمال العشماوي زوجة المستشار منير الدلة، وكانت أول أخت تصل للسجن, فاستقبلتنا خير استقبال وهونت علينا, وكان وقت المغرب فصليت بهن وتلوت قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ (فصلت: 30-32)، وفي أحد الأيام سمعنا صوت عربات وجلبة فقالت لي الأخت أمال : ما هذا؟ فقلت وقد غلب علي الطابع الإسكندراني: يبدو أن الرئيس قادم ليزورنا, لكننا وجدنا الحاجة نعيمة خطاب زوجة المستشار الهضيبي وابنتها خالدة الهضيبي والحاجة بهية الهضيبي أخت المستشار الهضيبي.

ومن المواقف التي أتذكرها أنني عملت سريرًا للأخت آمال العشماوي فقالت لي: أمي كانت تقول لي: ربنا يجعل لك في كل خطوة حبيب، وأنتي حبيبتي هنا يا زينب. (5)

لقد اعتقلت الحاجة زينب في 6 سبتمبر 1965م، وظلت فيه حتى 6 مارس 1966م، وكانت ترافقها أنعام والتى ولدت ابنها أحمد داخل السجن، وكان هذا السجن لا يوجد به راحة ولا دواء، فحدث لها شبه شلل، وبالرغم من كون الحاجة زينب أصغر المعتقلات، إلا أنها كانت أنشطهن، كما كانت المسئولة عن العنبر.

وتذكر أنه في إحدى الأيام شعرت الحاجة نعيمة بالمرض، فأعطتها زينب بعض العسل، فأعجبت به، وفي كل مرة تقول لها: أعطيني بعض الشربات الذي معك يا زينب. وفي إحدى المرات وهن واقفات بين يدي الله يصلين سمعن السجانة تنادي بأعلى صوتها: انتباه، فلم يعبأن بذلك، وظللن يصلين, وجاء المأمور يرعد ويزبد، فظللن في صلاتهن، وبعد أن انتهين قال لهن: ألم تروا أنني جئت؟!

فردت عليه الحاجة نعيمة بقولها: نحن كنا نصلي. فقال: ما دمت قدمت أوقفن الصلاة؟ فردت عليه بقولها: نحن بين يدي الله، ولا نترك الوقوف بين يدي الله لأجل أحد, فاستشاط غضبًا وتوعدهن, فدعون عليه فما كاد يصل مكتبه إلا وقد ابتلاه الله بالشلل.

ومن المواقف أيضًا: أن السجانات كن يغنين طوال الليل أغانٍ هابطة من باب استفزاز المعتقلات، فنادت عليهن زينب وقالت: لا تغنين حتى نستطيع أن ننام, فقلن: هذه أوامر حتى لا ننام, فقالت لهن: سنقرأ عليكن سورة يس, فلم يستجبن, فدعون عليهن, فأصابهن الله بالنعاس, فجاء المأمور في الصباح فوجد السجانات نائمات، فخصم لكل واحدة منهن خمسة أيام, فقلن لزينب: لا تدعون علينا مرة أخرى؛ فقد خصم لنا المأمور.

حضرت الحاجة زينب شهر رمضان والعيد داخل المعتقل، وكان الإفطار فولاً ممتلئًا بالسوس والدود, وكان الخبز كله حصى من أسفل, وقد قضين فترة الستة أشهر في فصل الشتاء؛ حيث البرد القارص، كما كان السجن على النيل، مما زاد من برودة السجن، وقد تعذر الاستحمام، فخرجت وعندها جرب وضغط.

كان الشعور بمعية الله يملك عليهن الوجدان, ومن فضائل الله أن ساق لهن بعض البحارة الذين يقومون بالصيد في النيل، فقذفوا لهن بلحًا وعدسًا وأرزًا دون أن يراهم أحد، فكان رزقًا من الله.

ومن المواقف الطريفة التي حدثت لها: أنها كانت تخاف من الصراصير، فكانت تظل مستيقظة حتى الفجر خوفًا منهم، ثم تنام في الصباح, وفي إحدى الأيام شكت للحاجة نعيمة أن الفأر يقف وينظر إليها ولا يتحرك فقالت لها: كيف يغادر والبيت بيته ونحن ضيوف عليه.

وصلت بها الشجاعة ذات يوم أنها قتلت عقربًا كان يقف فوق رأس إحدى الأخوات وهي نائمة، كما قتلت ثعبانًا خرج من شق في الحائط.

وفي إحدى الأيام كانت الحاجة أم وجدي مريضة جدًّا فجاء الدكتور وأخذ بيده مشرطًا فشرط رجلها وهي لا تتحرك، فقالت له الأخت أسما خليل: أتقطع فيها وهي مشلولة؟ فعنفها وقال لها: اخرجي، فدعت عليه أن يشله الله، وفي اليوم الثاني جاءت الدكتورة إيدا وكانت طبيبة السجن وكانت مسيحية وقالت: لقد نقل الدكتور بالأمس للمستشفي مشلولاً، فكان المأمور يقول: لا تدعون علي أنا عبد المأمور, أنا أعرف أنكن مظلومات، لكنني لو تهاونت معكن قليلاً سأقلع بذلتي تلك، وفي اليوم التالي سأكون في سجن الرجال جنبكن".

وفي إحدى الأيام دعيت للتحقيق فقال لها المحقق: "ألا يعجبكن عبد الناصر..... رضيتم أم أبيتم عبد الناصر موجود. فردت عليه: وربنا موجود أقوى من عبد الناصر".

وتنفس الصباح وعم البشر

لاحت في الأفق بشائر الإفراجات؛ ففي 6 مارس 1966م خرجت زينب الكاشف، وعادت لمديرية أمن الإسكندرية بنفس الطريقة التي ذهبت بها عن طريق القطار والحراسة المشددة، خرجت وهي أقوى إيمانًا، وتمسكًا بكتاب الله.

أفديك بروحي يا كتابي ومهجتي
أفديك بدمي وما ملكت ف دنيتي

إنتا دليلي ورمز مجدي وعزتي

وأحفظ عهودك عمري ما أنسى بيعتي

أفديك بروحي يا كتابي

وبعد وصولها لقسم محرم بك قال لها المأمور: لا نريد أن يعرف أحد أنك اعتقلتي. فقالت له: "يا عني لما إخواتي يسألوني: كنتي فين؟ أقول لهم: كنت باتفسح في مصر. فصرخ وقال: أنا مش قلت إخواتك أنا بأقول الناس اللي يزوركي, فردت عليه: الناس كلها عارفة".

ومرت الأيام وانقضت الليالي، ومات عبد الناصر وخرج الإخوان من المعتقلات، وعوضها الله بالزوج الصالح؛ فقد رزقها الله بالزواج من الأستاذ سعد سرور كامل وهو من مواليد السويس عام 1921م، التحق بدعوة الإخوان بها، وعمل في شركة بترول السويس، اعتقل عام 1954م، وظل في المعتقل سبعة عشر عامًا، توفيت زوجته الأولى بعد اعتقاله بثلاث سنوات، وتركت له ابنتين تسميان: فاطمة ومنى، ختم حياته بالعمل في مصنع بلاستيك الشريف، توفي عام 1993م إثر حادث سيارة، وشيعته جموع الإخوان، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى مشهور نائب المرشد العام للإخوان المسلمين.

وتحكي قصة زواجها فتقول: "كان هناك أخ محام من القاهرة يبحث عن عروسة، وقابل الأخ محمود من الإسكندرية، وسأله فأجابه: أنه عنده عروسة، لكنها كانت معتقلة، فرحب الأخ جدًّا، فأرسل له الأخ محمود صورتي، لكن الأخ المحامى حدث له انزلاق غضروفي ورقد في السرير لفترة طويلة، وأثناء مرضه زاره الحاج سعد سرور وسأله المحامى لماذا لا تتزوج؟

فقال سرور: لم أجد العروسة التى تقبل ظروفي، فقال له: هناك أخت من الإسكندرية وكانت معتقلة، وأعتقد أنها ستوافق على ظروفك، وأعطاه الصورة، وعرف منه أنها كانت له. فقال له: "وأنت؟ قال له: أنا تعبان وبعدين يا عم ﴿ويؤثرون على أنفسهم....﴾، فأخذ سعد الصورة وذهب إلى الإسكندرية وقابلها وطلبها من أهلها، وفي البداية كانت هناك اعتراضات كبيرة عليه من أهلها، لكنها وافقت ووقفت ضدهم إلى أن وافقوا، وانتقلت الحاجة زينب إلى القاهرة للمعيشة مع زوجها.

ظلت تعيش مع زوجها، تحمل معه عبء الدعوة، وتقوم بدورها وسط الأخوات بمصر الجديدة دون كلل أو ملل، وبالرغم من تكالب الأمراض عليها، إلا أن دعوتها ظلت شغلها الشاغل بالرغم من كونها لم تنجب، إلا أنها شعرت بأن أبناء الإخوان أبناءها.

في إحدى الأيام كان زفاف أحد الإخوان فحضرت مع زوجها، غير أن الأمن منع حفل الزفاف في المسجد؛ لأن المسجد كان بجواره كنيسة، وكان الأستاذ مصطفى مشهور حاضرًا هذا الحفل فقال للضابط: ممكن نعمل الفرح في الكنيسة فخاف الضابط وسمح لهم بعمل الزفاف في المسجد.

كانت نعم الزوجة الصابرة التي تحملت كثيرًا؛ ففي عام 1993م كانت على موعد مع حادث حزين وفراق أليم، ألا وهو حادث فراق زوجها الذي حرمت منه في حادثة سيارة، وعن هذا الحادث تحكي وهي تبكي دمًا بدل الدموع، وتأخذها نوبات القلب بسبب ما تتذكره عن هذا الحادث الأليم فتقول: "لقد أخبرني ذات يوم برؤيا رآها قبل استشهاده وهي أن أباه وأمه وكانا متوفيين يدعوانه إلى الطعام معهما فقلت له: خيرًا إن شاء الله، وكان من عادتنا أن نأتي بمتطلبات الشهر من طعام مرة واحدة.

فكنا على موعد للخروج من أجل ذلك، وكنت وقتها أعد الطعام فقال لي: إذًا أخرج لآتي بالجرنال حتى تنتهين- وكان مراقبًا من قبل أمن الدولة وبعد أن خرج تأخر في العودة فقلقت عليه، وبعد وقت جاء من أخبرني أن سيارة صدمت زوجي ونقل إلى مستشفى هليوبوليس، فسارعت بالاتصال بالحاج أحمد عليوة وزوجته وأخبرتهم بما حدث لسعد، فسارعا وجاءا وأخذاني إلى المستشفى، فوجدته ينزف من رأسه، فنقلته إلى مكان آخر لعمل أشعة مقطعية، واتصلت بالإخوان.

ثم عدت به للمستشفى مرة أخرى حيث وجدت الطبيب عبد القادر هناك، وبعدها بقليل أخبرني أن سعدًا فارق الحياة، لم أحتمل هذه اللحظات التي مرت علي كدهر، وفي المسجد تحركت جموع الإخوان في مظاهرة عظيمة لتشييع جثمان الشهيد، ودفن في مدينة نصر بالقاهرة، وفي اليوم الثاني اتصلت بالأستاذ مصطفى مشهور حتى يأتي ليأخذ الأموال التي كان يحتفظ بها سعد، والتي كانت تخص الجماعة حتى لا يظنها بناته أنها أموال أبيهم، فأتى وأخذها وأخذ أوراقه، وعشت صابرة على فراقه، محتسبة الأمر عند الله على أمل اللقاء معه في جنة الخلد"(9).

بعد الفراق شعرت بالوحشة والغربة والحنين للزوج الكريم، غير أنها لم تنس دعوتها ولا نصائحها للأخوات، والتي كانت دائمًا تؤكد على معنى الاستعانة بالله في كل الأحوال، وتوثيق عرى الأخوة، وعدم ترك أسر الإخوان المعتقلين.

هكذا كانت تربية حسن البنا والغرس الذي غرسه، فآتى ثمارًا صالحة، وورودًا يفوح عبيرها، ليملأ الدنيا برائحته الزكية.

المراجع

  1. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة زينب الكاشف يوم 29/11/2007م.
  2. حوارات قامت بها الأستاذة هويدا خليل منصور مع الحاجة زينب الكاشف.
  3. زجل للأستاذ سعد سرور: كتاب خواطر مسجون، الجزء الأول، دار الدعوة، الطبعة الثانية.

للمزيد عن الإخوان المسلمون والمرأة

من أعلام الأخوات المسلمات

.

.

أقرأ-أيضًا.png

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.