زيارات أم كوابيس؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٢٢، ١٨ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

زيارات أم كوابيس ؟ ..... بقلم / فهمى هويدى

أتمني أن تقوم جهة ما في مصر برصد أصداء الزيارات التي يقوم بها كبار المسئولين إلي المواقع المختلفة في المحافظات وليت الرصد يكون شفافاً وأمينًا، بحيث يُطلع المعنيين بالأمر «لا نطمع في إخبارنا بطبيعة الحال» علي نتائجها الحقيقية، وما إذا كانت مفيدة أم ضارة.

أدري أن الصحف لم تقصر في متابعة تلك الزيارات، بالكلمة والصورة والتعليق الذي يحاول إقناعنا بأنها «فتوحات» في عالم السياسة، لكن هذا النوع من التغطية هو بالضبط ما ينبغي أن ننحيه جانبًا، ليس فقط لأنه في الأول والآخر «كلام جرايد» لا ينبغي أن يُحمل دائمًا علي محمل الجد.. وليس فقط لأن الصحف القومية وغيرها من الأبواق الرسمية تنقل إلي الناس ما يريد أن يقوله المسئول الزائر لا ما يريد أن يعرفه القارئ، ولكن أيضًا لأن القائمين علي تلك المنابر ممن لا تجوز شهادتهم في هذا الشأن، لأن شرعيتهم مستمدة من قدرتهم علي تزييف الشهادات السياسية.

ما دعاني إلي الخوض في هذا الموضوع أمران أولهما : أنني كثيرًا ما حاولت أن أرصد المجتمعات التي يقوم فيها كبار المسئولين بزياراتهم الميدانية والمفاجئة لمواقع العمل في الظروف العادية، وكانت أهم ملاحظة خرجت بها أنه كلما ضعفت مؤسسات المجتمع كلما كان وجود كبار المسئولين بأنفسهم متكررًا في مواقع العمل، فرئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو حتي الوزير ليس مطلوبًا منه أن يفتتح جسرًا أو يزور مصنعًا أو مستشفي، ولكن يفترض أن هناك جهاز إدارة يباشر التنفيذ، وقيادات محلية تفتتح ومؤسسات شعبية ورقابية تحاسب، أما القيادات العليا فمهمتها سياسية وتخطيطية، ونزولها إلي مواقع العمل لا يحدث إلا في الظروف غير العادية.

الأمر الثاني والأهم : أن زيارات المسئولين الكبار في بلادنا تحاط بإجراءات أمنية مبالغ فيها، وبعملية تزييف واسعة النطاق، ذلك أن المسئول لا يلتقي عادة إلا بثلاث فئات من الناس هم : رجال الإدارة الذين يدينون له بالولاء، ورجال الحزب الحاكم لفهم من المهللين والمنتفعين، وعناصر أمن الدولة الذين يرتدون الثياب المدنية.

إلي جانب تزوير المستقبلين والمحاورين فإنه يتم أيضًا تزوير الواقع ذاته، وهوما يذكرنا بقصة السيدة لورا بوش قرينة الرئيس الأمريكي، التي زارت الإسكندرية قبل عامين وتضمن برنامجها تفقد إحدي المدارس، فما كان من مديرية التعليم إلا أن غيرت أعضاء هيئة التدريس والتلاميذ في يوم الزيارة، واستجلبت من مدرسة أخري مدرسات وتلاميذ يليق مظهرهم بمقام الزائرة، وهذا الذي حدث مع الضيفة الأمريكية يتكرر دائمًا مع زيارات المسئولين الكبار، إذ يتم إخفاء العورات وراء أستار عالية، كما يتم طلاء الواجهات، حتي لا يري الزائر ما يؤذي بصره أو يكدر خاطره، وتكون النتيجة أنه لا يري الناس الحقيقيين ولا يري الواقع علي حقيقته، وإلي جانب ذلك فإن رجال الأمن يحولون زيارته إلي كابوس، فيمنعون أناسًا من الخروج، ويحتجزون آخرين في أقسام الشرطة ويغلقون الشوارع التي تعترض الموكب، ويطردون الباعة الجائلين ويغلقون المحال التجارية المطلة علي الشوارع التي يمر بها في حين يطالبون أصحاب السيارات الخاصة بوضعها في أماكن بعيدة وإلا ألقت بها شرطة المرور في الخلاء، حتي إذا غادر الزائر الكبير المدينة أو القرية فإن الناس يتنفسون الصعداء، ويعتبرون ما جري همًا وانزاح.

لديَّ رسائل كثيرة عبَّرت عن الضيق بمثل هذه الزيارات، تلقيتها في أعقاب أكثر من زيارة تمت مؤخرًا، الأمر الذي أقنعني بأن الإنجاز الوحيد الذي تحققه دعائي بالدرجة الأولي، وأن أولئك الأكابر لا يخاطبون المجتمع في زياراتهم، ولكنهم يخاطبون الإعلام ويثبتون حضورًا مفتعلاً علي صفحات الصحف وشاشات التليفزيون ، في حين يثيرون سخط الناس، ويبتعدون عنهم ولا يقتربون منهم ويضحكون علي أنفسهم ولا يضحكون علينا، وهو اقتناع أرجو أن تثبت الدراسة المنشودة أنه غير صحيح.


المصدر : الدستور