شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 6 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٥:٤٣، ٢٧ يوليو ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 6 )



عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 6 )

تنشر نافذة الفيوم الجزء السادس من مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح والتي نشرتها جريدة الشروق تحت عنوان : " عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر " ، وها نحن نقدم للقارئ الجزء السادس من هذه المذكرات الهامة : -

الاتصال بالإخوان سراً

استمر التواصل واللقاء مع قادة الإخوان الذين بدا أنهم اتفقوا على أن يكون الأستاذ كمال السنانيري هو حلقة الوصل بينهم وبين شباب الجماعة الإسلامية، وتم الاتفاق بيننا وبين الإخوان أن يبقى هذا الاتصال والتعاون ثم الانضمام سرًا ولا يعلن عنه، وأن يكون الاتصال بينهم وبين القيادات منا فقط، ففي القاهرة كان الاتصال معي أنا والأخ سناء أبو زيد وفي الإسكندرية الأخ إبراهيم الزعفراني، وفي الوجه القبلي الأخ محيي الدين عيسى.

والسبب في هذه السرية هو سبب أمني بحت، لأن السادات رحمه الله كان يسمح لنا بالعمل داخل الجامعات وخارجها، وكانت لنا حرية حركة كبيرة، وكان قادة الإخوان وخاصة الأستاذ عمر يخشون من أن يتغير الوضع إذا علم النظام بأن هذا الكيان الضخم الهائل من شباب الحركة الإسلامية قد أصبح تحت قيادة الإخوان ، وهو ما قد يعجل بالبطش بهم وبنا.

وبدأت العلاقة تترسخ تدريجيا بين الجماعة والإخوان وتخرج من السر إلى العلن، وبدءا من عام 1980 بدأت ثقافة الإخوان تسود بين صفوف الشباب وبدأت التيارات الأخرى تضعف .

حين أخذنا- أنا وبعض قادة الجماعة قرار الانضمام للإخوان - كنا نتوقع أن الصف الثاني من بعض قيادات الجماعة الإسلامية سوف يعارض ما تم الاتفاق عليه بيننا وبين الإخوان ، وكانت المعارضة تتمثل فيمن غلبت عليهم الرؤية السلفية مثل الإخوة: أسامة عبد العظيم في القاهرة وأحمد فريد ومحمد إسماعيل في الإسكندرية، أو من غلبت عليه الروح الجهادية مثل الإخوة: كرم زهدي وناجح إبراهيم في الصعيد، ولذلك قررنا أن نؤخر إعلام هؤلاء الإخوة بما تم الاتفاق عليه مع الإخوة.

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد كان الأخ خالد داوود – أحد قادة الجماعة الإسلامية البارزين في الإسكندرية- يجلس ذات مرة مع الأخ أسامة عبد العظيم وتطرق الحديث إلى الجماعة والإخوان فزل لسانه وأخبره أن قيادات الجماعة الإسلامية قد أنهت القضية وبايعت قادة الإخوان!. فوجئ أسامة بهذا الكلام، وخرج الأمر منه إلى الآخرين، فاندلعت ثورة من التساؤلات والاستنكارات، خاصة من الجناح السلفي والجناح الجهادي.

أخذنا نفكر في كيفية الخروج من هذا المأزق فقررنا أن نصارحهم بما حدث فعلا، وأننا بايعنا الإخوان وأصبحنا منهم بالفعل، وكانت رؤيتنا أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم .

جرى هذا في الفترة ما بين عامي 1979 و 1980 ، وعلى إثر ذلك ظهرت مجموعة السلفيين أو تيار السلفية العلمية في الإسكندرية، ويمثله الإخوة محمد إسماعيل وأحمد فريد ومعهم أسامة عبد العظيم في القاهرة وعبد الله سعد الذي كان نشطًا جدًا في جامعة الأزهر ، كما ظهرت مجموعة الجهاديين الذين أسسوا تيار العنف في المنيا وأسيوط وعلى رأسهم كرم زهدي وأسامة حافظ وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وعصام دربالة …

أخذت الأمور تستقر تدريجيا وانحصر نقد الإخوة في التيار السلفي لنا كإخوان في دروس ومحاضرات تتهمنا بأننا أصحاب بدع وتحلل من الدين، أما مجموعة الصعيد فقد صرنا في نظرهم مهادنين متخاذلين آثرنا العافية بدلا من مقارعة النظام، وكنّا في البداية نرد عليهم بأن اختيارنا هذا نوع من الإعداد والتمهل وعدم التسرع في الأخذ بالأسباب.

وتدريجيا بدأ التمايز بين هذه المجموعات الثلاث وفقدنا السيطرة على الطرفين الآخرين: السلفية والجهادية، وكان الأشد خطرا مجموعة الجهاديين الذين بدأوا يمارسون العنف بشكل بارز، مثل بعض العمليات التي قاموا بها عام 1981 من تكسير بعض الكازينوهات، وضرب البنات المتبرجات على كورنيش النيل في المنيا، الهجوم على الطلاب الأقباط واحتجازهم في المدينة الجامعية في أسيوط.

واستمر الحال على هذا حتى وقعت واقعة اغتيال السادات، فالتقينا ثانية ولكن في السجون تحت سياط التعذيب!


ما بعد قرار الانضمام للإخوان

أتصور أنه في اللحظة التي قررنا كمسئولين عن الجماعة الإسلامية في الجامعة أن ننضم بجماعتنا للإخوان المسلمين، كنّا قد أجبنا على سؤال التنظيم وصرنا تنظيما بالفعل قبل أن نسلم هيكله للإخوان الذين صاروا قيادة على رأسه... لقد كان الإخوان بيتا ملأ شباب الجماعة الإسلامية فراغه وضخوا فيه الدماء ونصبّوا قادة الإخوان عليه مجددا.

لقد ارتضينا أن نبايع الإخوان وأن نكون تابعين لقادتهم وارتضينا أن يكونوا قادتنا وفوق رؤوسنا... ومن ساعتها أصبح تنظيم الجماعة الإسلامية الذي بنينا هيكله في المحافظات هو تنظيم الإخوان المسلمين.

ومع تخرج مجموعة القيادات المؤسسة للجماعة الإسلامية من الجامعة عام 1976 ، بدأنا نطلب من كل خريج أن يرجع إلى محافظته خارج القاهرة ليتصل بالقيادة الجديدة للجماعة في محافظته، وكنّا نوجه الإخوة إلى الاتصال بقائده في الجماعة الإسلامية الذي يقوم بتسليمه للمسئول الجديد من قيادات الإخوان التاريخية.

وكانت قيادات الإخوان في المحافظات المختلفة وقتها تتسلم هؤلاء الخريجين من مسئولي الجماعة الإسلامية، وفي الإسكندرية -على سبيل المثال- كان الأخ إبراهيم الزعفراني مسئول الجماعة الإسلامية وكان الحاج عباس السيسي مسئول الاتصال من جماعة الإخوان والذي يفترض به أن يتسلم الخريجين... وهكذا.

وللحقيقة فإننا حين بايعنا الإخوان لم نبايع تنظيما قائما في الواقع، وإنما بايعنا فكرة ومشروعا وتاريخا... إذ لم يكن هناك تنظيم إخواني بالمعنى الذي تعنيه كلمة "تنظيم"... وإنما كان هناك مجموعة أفراد أو قيادات تاريخية تسلمت منّا قيادة التنظيم الحقيقي الموجود في الواقع: وأعني به الجماعة الإسلامية... كان في كل محافظة أو مدينة كبرى قيادة إخوانية تاريخية تم اعتمادها.

في محافظة الغربية الحاج أحمد البس وفي المنصورة الأستاذ محمد العدوي وفي الإسماعيلية الحاج علي رزة وفي البحيرة الأستاذ الدسوقي بقنينة وفي السويس الحاج عبد العزيز العزازي وفي بورسعيد الحاج عبد العزيز حمودة والذي كنا تزاملنا معا في محاكمات عام 1995 العسكرية وحكم علينا فيها بالسجن معا.

وهكذا بدأ التنظيم يتمدد في أنحاء القطر وبدأت قيادة الإخوان تصعد إلى قمته وتسيطر عليه... وكان معظم هذه القيادات من الذين تربوا في النظام الخاص، وكانوا هم الذين يتصلون بالخريجين، وكانوا يغطون معظم محافظات الجمهورية تقريبا... في الوقت الذي ظلت القيادات الطلابية (أبناء الجماعة الإسلامية) في القيادة كما هي بعد التحاقها بالإخوان ولكن بتوجيهات من قيادة [الإخوان] .

وينبغي التوقف أيضا أمام حقيقة تاريخية تتمثل في أن الذين بايعوا الإخوان هم القطاع الأكبر من بين قادة وكوادر الجماعة الإسلامية، وأن الذين رفضوا هذا التوجه كانوا أقلية على الرغم من أنهم انتشروا بعد ذلك تيارات وجماعات مستقلة عن الإخوان المسلمين، مثل الدعوة السلفية التي أسسها إخواننا الذين رفضوا الانضواء معنا ضمن الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم الإخوة محمد إسماعيل وسعيد عبد العظيم وأحمد فريد. أو التيار الجهادي الذي ظهر في الجماعة الإسلامية ثم تنظيم الجهاد ؛ مثل كرم زهدي وأسامة حافظ وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد.

فالتيار الغالب هو من دخل الإخوان اللهم إلا في محافظات بعينها مثل محافظة أسيوط التي كانت الغلبة فيها للإخوة في التيار الجهادي، فلم تكن في أسيوط قيادات إخوانية كبيرة تستطيع استيعاب هؤلاء الشباب بعكس ما كان في المحافظات الأخرى كالإسكندرية حيث الحاج عباس السيسي والحاج محمود شكري، أو بني سويف التي كان بها الحاج حسن جودة، أو المنيا التي كان بها الحاج أحمد عبد المجيد وكانت بها قيادة طلابية كبيرة مثل الأخ محي الدين عيسى... أما أسيوط حيث الجامعة فلم تكن هناك قيادات إخوانية كبيرة فاستطاع الإخوة الجهاديون الانقلاب على الأخ أسامة سيد أحمد أمير الجماعة الإسلامية هناك، فقد كانوا يعرفون علاقته بالإخوان حيث كان أبوه منهم فرتبوا انقلابا عليه واستولوا على إمارة الجماعة الإسلامية هناك ثم صارت أسيوط لهم معقلا وضعف النفوذ الإخواني فيه داخل جماعة الإخوان.

كان أول ارتباط تنظيمي لي بجماعة الإخوان المسلمين عام 1975 قبل بقية إخواني من الجماعة الإسلامية وقبل إعلان بيعة قادة الجماعة الإسلامية للإخوان علنيا، في هذا العام التحقت بأول أسرة تربوية داخل جماعة الإخوان، وكانت تضمني والأخ سناء أبو زيد وهو دفعتي في كلية الطب، والأخ عبد المعطي الجزار وكان أستاذا في الطاقة الذرية ويسبقنا سنا، وكان مسئول الأسرة الأخ مبارك عبد العظيم، وهو كذلك أكبر منا سنا إذ ينتمي إلى جيل الإخوة جابر رزق وإبراهيم شرف... وهو الجيل الذي يقف تاريخيا بين جيل 1954 وجيل تنظيم 1965 داخل الجماعة.

وقد بقينا معا في هذه الأسرة مدة سنة كاملة إلى أن انتقلنا إلى أسرة أخرى كان المسئول عنها الأستاذ الحاج محمود أبو رية الذي كان يعمل مستشارا في منظمة التربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية، وهو أحد كبار الإخوان وقتها وقد كان سكرتيرا للإمام حسن البنا في عقد الأربعينيات، وفيما بعد صار مسئولا عن الإخوان في محافظة القاهرة، ولما كبرت سنه رجع إلى بلدته في مدينة المنصورة وصار مسئولا عن الإخوان في محافظة الدقهلية.


الجماعة الإسلامية أقوى أجيال الحركة الطلابية

وللتاريخ أقول إن الجماعة الإسلامية التي ولدت في أحضان الجامعات المصرية يعز أن نجد لها مثيلا في تاريخ العمل الإسلامي والطلابي وخاصة في مصر . لقد كانت هذه الجماعة تجربة فريدة في العلاقات الإنسانية والأخوية بين أبنائها.

كنا مجموعة من الشباب الذين لم تجمع بينهم أي مصلحة شخصية أو توجه سياسي يحركهم أو يحركهم تنظيم معين، وكانت تربطنا علاقة محبة وأخوة صادقة تزيد عما بين إخوان النسب من قوة وصدق.

وأحسب أن جزءا من قوة الجماعة ذاتية النشأة والقيادة، فقد بدأنا بلا رؤساء أو قادة سابقين علينا، وتحركنا بذاتية وعفوية حتى في أخطر القرارات التي اتخذناها... فخففت هذه الذاتية من استفزاز النظام وقللت من مخاوفه إزاء فكرة سيطرة الإخوان على الحركة الطلابية الجديدة. كما أن الذاتية أنضجتنا كثيرا وأعطتنا قدرات أكبر مما لدى أقراننا والأجيال الجديدة.

على خطى تفكير النظام الخاص

وإذا تحدثنا عن علاقتنا بالإخوان قبل الانضمام إليهم يمكنني القول إن أفكارنا ومنهجنا كان أقرب إلى المنهج وطريقة التفكير التي كانت تسيطر على إخوان تنظيم 1965 ، فقد كانت لديهم منهجية الانقلاب والثورة، وكان لديهم رغبة في الانقلاب على جمال عبد الناصر ، انتقاما منه لما فعله بالبلاد.

بل أكثر من ذلك أرى أن إخوان النظام الخاص مثل الأساتذة مصطفى مشهور وكمال السنانيري وحسني عبد الباقي وأحمد حسنين وأحمد الملط، كانت لديهم منهجية قريبة منّا، وأنهم حين خرجوا من السجون كانوا يحملون نفس الأفكار التي كنا نحملها، لذلك كانوا أقرب لنفوسنا في ذلك الوقت من غيرهم من الإخوان القدامى الذين تربوا بالقرب من الأستاذ حسن البنا، مثل الأساتذة عمر التلمساني وصلاح شادي وفريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق.

ولعله كان من أقدار الله الطيبة أن نلتقي أولا بأفراد التنظيم الخاص المتشددين أصحاب الاتجاه الأصولي قبل لقائنا مع القيادات الكبرى الأكثر اعتدالا، فلو أن الاتصال الأول كان مع كبار الإخوان المعتدلين أمثال الأستاذ عمر التلمساني والمقربين منه لكنا حسمنا أمرنا بعدم الانضمام للجماعة!!.

لقد عانينا كثيرا – كشباب متشدد مثالي- مع قيادات الجماعة المعتدلة، بسبب ما كنا نراه ونعتبره تساهلا منهم في أمور دينية لم نكن نتصور أن يتساهل فيها أمثالهم، وما كان يلطف الأجواء بيننا هو القيادات الأصولية من رجال التنظيم الخاص وتنظيم 1965 !.

في الفترة التي تعرفنا فيها على الإخوان كان في الجماعة تياران رئيسيان، التيار الأول تمثله مجموعة النظام الخاص، وامتداداته في تنظيم 1965 الذي كان قد ارتبط بالشهيد سيد قطب، إضافة إلي مجموعة من الإخوان بدأت مع الإخوان بعد عام 1954 مع بداية المحنة، وهؤلاء ما كانوا من الإخوان القدامى ولا من الجيل الذي انضم بعد ذلك ومنهم الإخوة: إبراهيم شرف وجابر رزق وصبري عرفة الكومي.

أما التيار الثاني فهو الأكثر تأثرا بمنهج الأستاذ الإمام حسن البنا الذي كان إصلاحيا معتدلا متدرجا سلميا غير مؤمن بالعنف كما هو حال منهج التيار الأول، وما أراه أن هذا الاختلاف لم يكن مقصودًا أو متعمدًا ولم تكن أدوارًا مقسمة بينهم بل كان هناك أسلوبان فكريان مختلفان في صف الجماعة خاصة أثناء محنتي 1954 و 1965 .

وأتصور أيضا أن الأفكار الانقلابية كانت طارئة على الإخوان وتأثرت إلى حد كبير بكتابات الشهيد سيد قطب ، وأنها لم تكن تعبر عن الخط الأساس لجماعة الإخوان كما وضعه الإمام الشهيد حسن البنا، وأرى أنه قد حدث خلط كبير في هذا الأمر حين ادعى البعض أن الأستاذ حسن الهضيبى – رحمه الله – كان على علم بأفكار هذا التنظيم - 1965 - ومنهجه الانقلابي، وهذا - في رأيي - غير صحيح تماما، فهو كان ممن يرفضون التغيير بالعنف، وكانت له وقفته المشهودة ضد تيار التكفير ومازال كتاب "دعاة لا قضاة" مرجعا أساسا في التصدي لهذا التيار... أمّا مسألة علاقة الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – بهذا التنظيم، فهو أمر يحتاج إلى التمحيص والنظر


الحسم بين تياري النظام الخاص والعمل العام

وأتصور أن الجماعة- الإخوان- ظلت طوال عقد السبعينيات تضم داخلها كلا التيارين، وأنها لم تحسم توجهها الاستراتيجي في قضية العنف إلا عام 1984 ، الذي كان عام الحسم والعودة الحقيقية لفكر المدرسة الأولى؛ مدرسة حسن البنا البعيدة عن أفكار النظام الخاص وتنظيم 1965 ، والتي تقوم على العلنية واحترام المشروعية واعتماد نهج التغيير السلمي.

وسبب تحديدي لهذا العام أنه العام الذي قررت الجماعة فيه الدخول بقوة في العمل العام، فحين قررت الجماعة خوض انتخابات النقابات دار بيننا حوار داخلي، وكانت هناك تساؤلات حول المنهج الذي ستدخل به الجماعة في العمل العام، وحول جدوى سبيل التغيير السلمي من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

وقد حسمت الجماعة أمرها باختيار سبيل العمل السلمي الإصلاحي وتجاوز فكرة العنف تماما، وأذكر وقتها أن الأستاذ صالح أبو رقيق قال في تصريح للصحافة: إن جماعة الإخوان قد طلقت العنف ثلاثا!

وقد كان الفضل في هذا- بعد الله- للأستاذ عمر التلمساني الذي أحدث تطويرا كبيرا في طريقة تفكيرنا نحن الشباب، بما جعل من المستقر في أذهاننا أن التغيير بالقوة هو فكرة ساذجة ولن تأتي بنتيجة، وأن خسائرها أكثر من مكاسبها. وكان مما حسم حوارنا الداخلي ناحية نهج التغيير السلمي تقييمنا للتجارب الفاشلة التي لم تأت بنتيجة.

كان هذا الحوار مطروحًا منذ ديسمبر83 ثم استمر في 1984 مع قرار خوضنا انتخابات مجلس الشعب وتحالفنا مع حزب الوفد الليبرالي، ثم بدأ دخول الانتخابات النقابية وكان أولها في نقابة الأطباء.

لقد كنت من الذين تحمسوا مع الأستاذ عمر التلمساني في قرار خوض الانتخابات، وكان معنا الإخوة عصام العريان وحلمي الجزار وإبراهيم الزعفراني … وبقية المجموعة التي تمثل القيادات الحركية الشابة للإخوان .

ومن الجيل القديم الذين ساندوا قرار خوض الانتخابات البرلمانية الأساتذة: صلاح شادي وفريد عبد الخالق وكذلك الدكتور أحمد الملط الذي كان نائبال للأستاذ عمر التلمساني منذ 1981 ، والذي أستطيع أن أؤكد من خلال معرفتي الوثيقة به أنه كان صاحب فكر منفتح، وكان يميل إلى الأخذ بالتيسير خاصة في المسائل الفقهية.


دور مجلة الدعوة

ولا يمكن أن نتعرف على تاريخ الحركة الطلابية الإسلامية في هذه الحقبة – عقد السبعينيات – دون التوقف عند مجلة الدعوة وتأثيرها في تغيير أفكارنا وتحديد وجهتها. كانت مجلة الدعوة تصدر من أيام الشيخ حسن البنا وكان صاحب امتيازها الأستاذ صالح عشماوي، وقد توقفت مع الصدام بين الإخوان والثورة... ولما عاد الإخوان للعمل في السبعينيات واستقر وجودهم سُمح لهم بإعادة إصدار المجلة مرة أخرى بإدارة وإشراف الأستاذ عمر التلمساني ورئاسة تحرير الأستاذ صالح عشماوي صاحب الامتياز. فصدر العدد الأول منها في يوليو 1976 وكانت تلك بداية عامها الخامس والعشرين.

كان يكتب فيها شيوخ الدعوة وأساتذتها وشيوخ الأزهر وعلمائه وكثير من العلماء والمفكرين.

وكثيراً ما كتب فيها الشيخ يوسف القرضاوي خاصة في القضايا التي تتعلق بتكوين الدعاة وترشيد الصحوة، كانت له سلسلة مقالات في "ثقافة الداعية" كان لها تأثير مهم في تكويننا الفكري والشرعي .

وكان الأستاذ المستشار علي جريشة يكتب في القضايا الدستورية من و جهة نظر إسلامية وكان من أشهر ما كتبه في هذه القضية مقالة بعنوان: (القرآن فوق الدستور). وفي قضايا الفكر الحركي كان يكتب الأستاذ فتحي يكن من لبنان سلسلة مقالات مهمة لتحفيز الشباب الإسلامي على العمل ضمن الحركة تحت عنوان: "ماذا يعني انتمائي للإسلام"، ونشرت فيما بعد في كتاب بالعنوان نفسه.

كانت المجلة تركز على نقد الحقبة الناصرية وأركان النظام الناصري بمن فيهم الرئيس جمال عبد الناصر ، ففتحت ملفات التعذيب والمذابح التي تعرض لها الإخوان في سجون ناصر مثل مذبحة ليمان طرة التي راح ضحيتها عشرات الإخوان ما بين قتيل وجريح بعدما أطلق الجنود النار على المعتقلين حتى إن بعضهم أصيب بالجنون من هول المذبحة!.

كما كانت تخوض حربا ضروسا ضد اليسار والماركسيين خاصة من مثقفي هذا التيار ورموزه الذين كانوا ضمن السلطة في العهد الناصري أو الذين ظلوا فيها في عهد السادات.

وكانت مجلة الدعوة من أهم المنابر التي أثارت قضية الشريعة الإسلامية والنص عليها في الدستور وتطبيق أحكامها فجعلتها محورا للاهتمام والنقاش في الحياة الثقافية والسياسية في مصر ... وكانت ملتقى كل من يهمهم أمر هذه القضية بمن فيهم شيخ الأزهر الإمام الأكبر عبد الحليم محمود الذي كان أقوى من حمل عبء هذه الدعوة . وأذكر أنها نشرت له ذات مرة رسالة وجهها إلى سيد مرعي رئيس مجلس الشعب مفادها: (الله حرم الخمر في شيراتون وشارع الهرم كما حرمها في بولاق وكلوت بك!) وذلك ردا على قانون يحظر الخمر في الأماكن والمحال العامة ويسمح بها في الفنادق والمنشآت السياحية للأجانب.

المصدر : ناذفة مصر