شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 8 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٤٢، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Sasky (نقاش | مساهمات) (←‏موضوعات ذات صلة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 8 )

تنشر نافذة الفيوم الجزء الثامن من مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح والتي نشرتها جريدة الشروق تحت عنوان : " عبد المنعم أبو الفتوح  : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر " ، وها نحن نواصل نشر المذكرات ، فإلى الجزء الثامن منها : -

أحداث سبتمبر واحتدام الصدام

تسارعت الأحداث في مصر ، وبدا أن التوتر سيمتد وأن الصدام بين السادات والمعارضة خاصة الإسلامية سيمضي إلى القطيعة... وفي أوائل سبتمبر كنت أزور معسكرا طلابيا إسلاميا في العاصمة الإيطالية روما، وفي يوم الثلاثاء الموافق 3 سبتمبر 1981 كنت بالمعسكر، وذكر لي أحد الأشخاص أن هناك حديثا في دوائر سياسية وأمنية عن أن السادات أعد قائمة اعتقالات سيقوم بها قريبا، وأكد لي أنه من المرجح وجود اسمي بها، وأنه من المرجح أيضا أن السادات سوف يعلن عنها مع الخطاب الذي سيلقيه يوم السبت 7 سبتمبر.

وقد طلب مني بعض الإخوة عدم العودة إلى مصر ، ولكنني رفضت وقلت لهم: إن (سجن) أبو زعبل أفضل من البقاء خارج مصر !.

وأتصور أنه كانت هناك اختراقات أمنية في النظام الحاكم تسببت في معرفة أمر هذه القوائم، حتى إن الإخوان في مصر كانوا يعلمون بها، وهو ما سمح بأن يسافر الأستاذ مصطفي مشهور قبل اعتقاله بأيام، وقد قابلته في هذا المخيم- في روما- وكان هو في طريقه إلى فرنسا لإلقاء محاضرة، وقد أخبرني أنه لن يعود إلى مصر في الوقت الراهن استجابة لنصيحة الأستاذ عمر التلمساني نظرًا لتوتر الأوضاع، وأنه سيبقي في فرنسا حيث تقيم ابنته مع زوجها الأخ أحمد نشأت - وكان معيدا وقتها بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية الذي يقضي منحة الدكتوراه هناك.

وحين زرت الأستاذ عمر أكد لي علمه بأن هناك اعتقالات في الأيام المقبلة، وفي ليل يوم الأربعاء 11 سبتمبر كانت قوات من أجهزة الأمن تلقي القبض عليّ من منزلي ضمن نحو 1500 آخرين كانوا ضمن قائمة التحفظ الشهيرة تم اعتقالهم آنذاك.

نقلوني إلى سجن استقبال طرة وهو سجن كبير جدا مكون من مبنيين كل منهما مكون من أربعة أدوار وكل دور به 20 زنزانة سعتها 10 أفراد... وكان سجنا فسيحا ونظيفا بناه السادات في نفس التوقيت الذي تم تصويره وهو يهدم المعتقلات والسجون... وكانت هذه أول اعتقالات يشهدها السجن... وكنّا أول من افتتح هذا السجن.

في البداية لم أكن أعلم بأن هناك معتقلين غيري في المكان نفسه حتى فوجئت بأن هناك العشرات بل والمئات معي من جميع التيارات والرموز السياسية والفكرية في مصر، فرأيت حافظ سلامة وأحمد المحلاوي ومحمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين والأستاذ عمر التلمساني والدكتور عصام العريان ،... ورموز السياسة والدين في مصر.

في اليوم التالي لاعتقالنا فتحت الزنازين وكانت المعاملة حسنة، وكان معي في نفس الزنزانة الدكتور محمد حلمي مراد وزير التعليم السابق والأستاذ الشاعر جمال فوزي - رحمه الله - والشيخ حافظ سلامة والأستاذ لاشين أبو شنب والدكتور محمد السيد إسماعيل أستاذ الجراحة بطب عين شمس.

كان الدكتور محمد حلمي مراد رجل قانون بارز فأراد أن يعرف سبب الاعتقال، وكان في حيرة من أمره لأسباب الاعتقال ومبرراته القانونية، فلم تكن مصر قد دخلت وقتها نفق الطوارئ البغيض الذي عاشته طوال عصر مبارك، وكان الدكتور مراد يحاول تفسير الأمر قانونيا خاصة أنه لم يكن هناك قرار من النيابة، وهداه فكره إلى أن استنتج أنه من الممكن أن تقبض الشرطة على أي شخص لمدة أربع وعشرين ساعة، ومن ثم توقع أنه طالما أن اليوم التالي هو الجمعة (أجازة) وأن الرئيس السادات سيخطب يوم السبت، فإنهم سيفرجون عنّا بعد الخطاب مباشرة وسنرجع إلى بيوتنا عصر السبت بعد الخطاب مباشرة خاصة أنه لم يكن هناك إعلان حالة طوارئ حيث كان السادات قد أوقفه قبل ستة أشهر.

كان الدكتور حلمي مراد يتعامل مع الأمر بعقلية قانونية... وكان معنا الأستاذ جمال فوزي الذي قضي سنوات عمره مع الإخوان في السجون فكان يداعبه قائلا: يا دكتور خلي بالك إذا كنت هنا معنا فلا تفكر في الخروج إلا بعد 20 سنة!

النجدة، وكان رجلا مهذبًا يمرّ بنفسه على المعتقلين يتفقدهم ويسلم عليهم فردا فردا، وقد سأله الدكتور حلمي مراد – آنذاك - بأي تهمة تم اعتقالنا؟. فرد عليه بطيبة: والله يا دكتور حلمي أنا عامل زي أمين المخزن يأتون لي بأشياء ويطلبون مني أن أحفظها فيه!... فقد جاؤوا بكم وأنتم أمانة عندي حتى يأتي جديد، ولكني لا أدري لماذا جئتم هنا.

ألقى الرئيس السادات خطابه يوم السبت ولم نسمعه بالطبع بسبب كوننا معزولين تماما عن العالم، وانتظر الدكتور حلمي مراد الخروج الذي لم يحدث. لم نكن نعرف سبب اعتقالنا حتى أخذونا إلى المدعي الاشتراكي، وهناك علمنا أنه قد قبض علينا بموجب قانون المدعي الاشتراكي، وهو قانون حماية القيم من العيب، وعلمنا أننا متحفظ علينا. وبعد حوالي أسبوعين نودي على بعض السياسيين مثل هيكل وفؤاد سراج الدين وحلمي مراد وتم نقلهم إلى ملحق طرة، ونقل الأستاذ عمر التلمساني إلى مستشفي ليمان طره، وكان الغرض تقريبا عزلهم عنا، وظل بقية المعتقلين، وظللنا على تلك الحال حتى يوم السادس من أكتوبر 1981 .

اغتيال السادات

استقبل اغتيال السادات استقبالا حافلا وخر الشيخ حافظ سلامة ساجدا فور سماع النبإ، وحدثت حالة هرج ومرج في السجن فحاول بعض المتحفظ عليهم كسر باب السجن والخروج، وكان مأمور السجن يناشدهم الهدوء، فتدخل بعض كبار الإخوان مثل الحاج أحمد حسنين والأستاذ كمال السنانيري لتهدئة الوضع فاستقرت الأمور بعدها.

وبعد حادث الاغتيال بدأت موجة اعتقالات جديدة وبدأت أفواج جديدة تأتي علينا وعلمنا منهم كيف تم الاغتيال، وكان من المعتقلين صاحب مقهى قبض عليه لأنه حين علم بنبإ الاغتيال أخذ يوزع مشروبا على الناس مما عكس فرحة الناس بذهاب السادات...

وكان مما أثار الناس وجعلهم يفرحون باغتياله أن في خطابه سب حلمي الجزار أمير الجماعة الإسلامية وسب الشيخ أحمد المحلاوي الذي قال عنه: هو دلوقتي مرمي (ملقى) في السجن زي الكلب!!. كما قام باعتقال رموز الدعوة الإسلامية المحبوبين بين الناس.

وأعتقد أن مقتل السادات لم يكن عن طريق تنظيم محكم كما قيل، وإنما هو غضب بعض الضباط في الجيش الذين لم يعجبهم صلح السادات مع الصهاينة، فلم يكن تنظيما بمعنى كلمة تنظيم ولكن هم مجموعة متدينة غاضبة، كانت لهم علاقة ارتباط فكري بمحمد عبد السلام فرج صاحب كتاب الفريضة الغائبة الذي يدعو للتغيير بالقوة وكان يؤمن بالعنف، والدليل على أنه لم يكن تنظيما أن بعض الشباب كان يعلم أن السادات سوف يقتل في ذلك اليوم.

مع الظواهري في سجن القلعة

عقب اغتيال السادات تم نقلنا إلى سجن أبو زعبل في الثامن من نوفمبر، وحتى هذا التاريخ لم يكن يسمح لنا بزيارة الأهل أو الاتصال بهم ولا حتى بدخول الملابس أو الأطعمة من خارج السجن ولم يكن يسمح لنا حتى براديو نتابع منه العالم خارج السجن.

وحتى يتم النقل بهدوء أوهمنا المسؤولون في الداخلية أننا سوف نخرج، ولم يخبرونا أننا سننتقل إلى سجن آخر، وكان أبو زعبل ممتلئا بالمعتقلين إثر حادث الاغتيال، وهناك تغيرت المعاملة تماما إلي النقيض فأصبحت بالغة السوء، وكان أول ما صادفنا عند دخولنا أننا وجدنا عمليات تعذيب بشعة للمعتقلين!. ثم عزلنا في زنازين خاصة بنا بعيدا عن معتقلي واقعة الاغتيال.

وبعد فترة قصيرة نقلت من السجن ومعي الأخ عصام العريان ، أنا لسجن القلعة وهو إلى سجن استقبال طرة، وظللت شهرًا في القلعة في تعذيب وتحقيقات، وكان سجن القلعة خاصًا بأمن الدولة يتم فيه الاستجواب والتحقيق، ولما لم يتحمل الأعداد الكبيرة، تم إعداد سجن استقبال طرة ليكون هو السجن الخاص بأمن الدولة.

وفوجئت أن الزنزانة المجاورة لي بالقلعة كان بها الدكتور أيمن الظواهري، وكان معنا بالكلية، ولم يكن له أي نشاط ظاهر، كما لم يكن أيضا من الطلاب النشطين أو المشاكسين... كان متدينا هادئا ولم يكن يشارك حتى في المظاهرات التي كانت تعج بها الجامعة وقتها.

كان الحديث محظورًا بين المعتقلين، وكان من يضبطون في حديث يتعرضون لعقاب شديد، فكنا نتحايل على ذلك بأن نحدث بعضنا بعضا بما يشبه تلاوة القرآن، حتى نُعمّي على الشاويشية والسجّانين فيظنون أننا نقرأ القرآن، فمثلا كنت أقول: يا أيها الأخ فلان، ماذا فعلت اليوم في النيابة رضي الله عنك؟! فيجيبني كما لو كان يقرأ القرآن: سألوني عن كذا وكذا والحمد لله رب العالمين...! وهكذا...

وفيما كنت أتحدث مع أيمن الظواهري عن سبب القبض عليه، إذا به يخبرني أنه قبض عليه بسبب كمية كبيرة من السلاح كان يخبئها في منزله بالمعادي!! فكانت تلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لي من هذا الرجل هادئ الطباع الذي لا يبدو عليه أي ميل للعنف... وكانت مفارقة أخرى أن الظواهري أنكر في التحقيقات أي علاقة له ب الإخوان باعتبار أنهم جماعة مهادنة للسلطة!.

تم التحقيق معنا ضمن آلاف المعتقلين، وفي جلسات التحقيقات الطويلة ظهر أن رجال التحقيق كانوا يحاولون أن يتعرفوا منّا على أمثال أيمن الظواهري هؤلاء المجهولين الذين فجرّوا الأحداث وظهروا فجأة في صدارة المشهد..وكان أيمن الظواهري يرفض هو وزملاؤه في التنظيم أن يتحدثوا مع أحد يعلمون أو حتى يظنون أنه من الإخوان المسلمين .

استمرت التحقيقات معنا وكانت تدور كلها حول أنشطتنا وعلاقاتنا حتى نقلت إلى سجن استقبال طرة في مايو 1982 ، وفتح باب الزيارة، وكانت فترة تحقيقات واستجوابات قاسية حيث كان السجن يخضع لسيطرة جهاز أمن الدولة، وكانوا يرسلون للنيابة كل من يرون أنه عضو في تنظيم مسلح أو مرتبط به.

استشهاد الأستاذ السنانيري

في سجن استقبال طرة تعرضنا للتعذيب والإساءة كثيرا لكن أكثر ما أصابنا هو قتل الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله، كان رحمه الله من أكبر الإخوان سنًا حين تم القبض علينا في سبتمبر 1981 .

وبعد مقتل السادات وزيادة جرعة التعذيب كان الشهيد السنانيري من أكثر من طالهم التعذيب، وكنت أسمعه يصرخ مستجيرا بالله من شدة التعذيب وبشاعته، فقد كانوا يصبون عليه العذاب للضغط عليه ظنًا منهم أنه هو المسؤول عن سفر الشباب المسلم إلى أفغانستان، وقد كان رحمه الله مسؤولا عن ملف القضية الأفغانية.

وفي أحد الأيام – ربما يوم 4/11/1981 - كان الوضع غريبا داخل السجن بما يوحي بحدوث شيء غير عادي، ولم يلبث أن جاءني الشاويش وقال لي: إن الرجل العجوز الذي في الزنزانة المجاورة لك قد مات!. وكان قائد السجن في هذا الوقت فؤاد علام ضابط مباحث أمن الدولة المعروف ورئيس ما كان يعرف بقسم مكافحة النشاط الديني!... ولم يمض إلا وقت قليل حتى أعلنت نتائج تحقيق "وهمي" قال فيها أن السنانيري انتحر!، وفؤاد علام دائما وحتى هذه اللحظة يعلن براءته من قتل السنانيري ويصر على أنه انتحر!... لكنني لا أصدقه ولا يمكن أن أصدقه، فقد كنت في نفس السجن وفي الزنزانة المجاورة له. وقد رأيته بنفسي ورأيت توقيعاته، وحين ذهبت إلى مستشفى السجن في هذا الوقت قابلت قائد المستشفى وهو ضابط، وعلمت منه أنه رأى توقيعات فؤاد علام بخط يده على كل ما كان يحدث في السجن من انتهاكات لحقوق البشر ومن تعذيب وإيذاء نفسي وبدني حقير.

وما قاله فؤاد علام في واقعة استشهاد السنانيري متناقض ويؤكد كذب القول بانتحاره... فهو يقول أحيانا أن السنانيري شنق نفسه بحزام قماش كان يربط به بنطلونه في كوع حوض الماء يغسل فيه يده داخل زنزانته! وهذا كلام لا يقبله عقل فلا يمكن أن ينتحر إنسان بحزام قماش مهترئ وفي حوض ماء ارتفاعه لا يزيد عن متر واحد!... وحين شعر بتهافت روايته قال أنه ربط رقبته بملاءة سرير وعلقها بسيفون كان في أعلى الحوض ووقف على كرسي ثم أزاحه فشنق نفسه ومات! وهذا كلام تافه وساقط أيضاً إذ لم يكن في الزنازين أي سيفون كما يصعب تخيل وجود كراسي داخلها.

ومهما قال فؤاد علام وزبانية التعذيب فلن أصدق أن رجلا مؤمنا زاهدا قوي الإيمان والصبر مثل الأستاذ كمال السنانيري يمكن أن ينتحر فيكفر بالله !... لقد صبر الرجل عشرين عاما في سجون عبد الناصر ولم تفتر له همة ولم تلن له قناة ولم يخضع للطغاة... وأوذي بأشد وأعنت مما لاقاه من تعذيب في السجن الذي مات فيه ولم نسمع أنه اشتكى أو فقد صبره... لقد كان رحمه الله مثالا في الثبات والصبر لإخوانه ولا أتصور مطلقا أن يفقد يقينه بالله وهو الذي قضى عمره كله مجاهدا أسيرا صابرا محتسبا... ما أثق فيه أن الرجل وقع عليه من العذاب الكثير خاصة وأنه كان مسؤولا عن ملف القضية الأفغانية الذي أثار خوف الأجهزة الأمنية، وأنهم لما يئسوا منه قتلوه تحت التعذيب ثم اختلقوا قصة انتحاره. رحمه الله.

حوارات في السجون مع دعاة العنف

كان أول المفرج عنهم من الإخوان المتحفظ عليهم الأستاذ عمر التلمساني والأخ جابر رزق في يناير 1982 في حين بقينا نحن إلى نهاية العام تقريبا، وكان الرئيس مبارك قد تولى الحكم وقام باستقبال كل القوى السياسية في البلاد ولكنه رفض أن يدعو الأستاذ عمر التلمساني لهذا اللقاء... وكان ذلك مؤشرا سلبيًا أكّد لنا أن الدولة لن تتعامل معنا مستقبلا بطريقة جيدة.

وأثناء الاعتقال بدأت الدولة فكرة الحوار مع الشباب الإسلامي المؤمن بالعنف، فكانت تستدعي عددا من العلماء ورجال الأزهر للحوار مع الشباب المعتقلين المتهمين بالانتماء لتنظيمات مسلحة، وأعدت الحكومة جدول محاضرات لهذه الحوارات، لكن معظم هؤلاء العلماء كانوا يسيئون كثيرًا في حديثهم وكانوا رسميين يمثلون وجهة نظر السلطة، ولم يكن له أدنى قبول عند الشباب المعتقل بل كانوا منفرين لهم!.

ومع ظهور سلبية هذه الحوارات ونتائجها العكسية اتصل وزير الداخلية بالأستاذ عمر التلمساني معاتبا بأنه ليس له دور في إصلاح عقول هؤلاء الشباب، فرد عليه الأستاذ عمر مؤكدا أنه على استعداد أن يذهب لهؤلاء الشباب في المعتقل ويتحدث معهم ويحاورهم في قضية العنف... وبالفعل جاء الأستاذ عمر إلى ليمان طرة محاضرًا، والتقى بالشباب من الاتجاهات الإسلامية المختلفة، وكان له أثر كبير فيهم حيث لم يكونوا ينظرون إليه كعالم سلطة أو من المحسوبين عليها خاصة أنه قد سبقهم إلى الاعتقال!.

ورغم تأثيره الكبير في الشباب وربما بسببه أوقفت السلطة زيارة الأستاذ عمر ولقاءاته، ربما خشية أن ينضم هؤلاء الشباب إلى الإخوان ، وكانت هذا آخر مرة يلتقي فيها الأستاذ عمر بالمعتقلين من الشباب.

في عنبر واحد مع قتلة السادات!

بعد ذلك نقلت إلى ليمان طرة الذي وصلته ليلا، وكان قائد السجن المقدم محمد مرسي وقد أراد أن يدخلني عنبر "التجربة" وهو عنبر كان محجوزا فيه قتلة السادات. وحين أخبرته أنني من المتحفظ عليهم في قرار التحفظ الشهير وأنني لست محبوسا على ذمة قضية وليس محكوما علي ، أصر على إدخالي هذا العنبر، وعاملني بعنف، وقال لي إن الأوامر عنده بذلك، وكنت قد ظننت أنني إذا وضعت معهم في نفس الزنزانة فسوف يفتح التحقيق مرة أخرى في قضية السادات وتتم محاكمتي معهم.

أدخلت عنبر "التجربة" وكان معي في الزنزانة من نزلائه الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية، وناجح إبراهيم وكرم زهدي وعبود الزمر وحين علموا بشخصي رحبوا بي ترحيبًا شديدًا.

وظللت معهم في العنبر نحو 20 يومًا، وكان مسؤول هذا العنبر الضابط محمد عوض وقد علمت منهم أنهم ينوون ضربه لأنه كان ممن يعذبونهم أثناء التحقيقات، فحاولت إثناءهم عن هذا العزم الذي سيزيد الأمور سوءا في السجن، ويبدو أن الشيخ عمر عبد الرحمن لم يكن موافقًا على هذا الإجراء العنيف، ولكنهم لم يأخذوا برأيه، ويبدو أيضًا أن المتحمس بينهم كان هو الذي يقود الآخرين إلى أي رأي يتخذونه، فيما يعد من يعارض مثل هذه القرارات متخاذلا، وكانت كل أمورهم تؤخذ بهذا الشكل.

وبالفعل نفذوا ما عزموا عليه، فحين أتى الضابط محمد عوض مساء إلى الزنزانة لأخذ التمام أمسكوا به وأخذوا يضربونه ضربًا عنيفًا، وهو يستغيث حتى جاءته النجدة من مسؤولي السجن والحراس الذين خلصوه من بين أيديهم… وبعد هذه الواقعة تحول العنبر إلى نار الله الموقدة!.

كنا نخرج صباحًا في طابورين ومعنا دلو للبول ودلو آخر للماء النظيف، وكان يفرض علينا أن نذهب إلى دورة المياه ونعود في دقيقتين فقط! وأثناء تلكم الدقيقتين نأخذ وجبة ساخنة من الضرب ذهابًا وإيابًا، وكنت- على الرغم من أنني لم أشاركهم الفعل- لا أستثنى من هذا الضرب إلا عندما يكون الضابط محمد عوض موجودًا، حيث كان يمنع العساكر من ضربي وإهانتي لأنني لم أكن ممن اشترك في موقعة الاعتداء عليه... وظللت على تلك الحال أسبوعًا كاملا حتى انتقلت إلى عنبر المعتقلين الآخرين.

وأثناء وجودي مع معتقلي عنبر (التجربة) حدثت مناقشات وحوارات حول قضية التغيير ومنهج العمل الإسلامي، وكان رأيهم أن العنف هو الطريق الوحيد للتغيير ولا طريق سواه، وأنه لن يمنعهم فشل التجربة من أن يكرروها مرة أخرى.

وأتصور أنه بسبب تلك النقاشات بدأ بعضهم يتراجع عن ذلك الفكر المتشدد، وأذكر منهم الدكتور محمد طارق طبيب الأسنان، وكان يحب الجلوس معي بمفرده كي يتحدث في جدوى ذلك الفكر المتطرف، وقد علمت- بعد ذلك- أنه انفصل عنهم وقضى بقية مدة عقوبته ( عشرين عامًا) في سجن مزرعة طرة بعيدًا عنهم.

المصدر :نافذة مصر