صناعة الموتة الكريمة وصناعة الخيانة اللئيمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٢١، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "صناعة الموتة الكريمة وصناعة الخيانة اللئيمة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صناعة الموتة الكريمة وصناعة الخيانة اللئيمة
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

الموت حق، وليست هناك حقيقة أشدّ وضوحًا من الموت، وصدق الله.. ﴿وَجَاءَتَ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيْدُ (19)﴾ (ق).. ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (185)﴾ (آل عمران).. ﴿أَيْنَمَا تَكُوْنُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ (النساء: من الآية 78)، ولكنْ للموت أنواع: موت المجاهدين، والصالحين، والشهداء والعارفين، وموت اللاهين والمضيِّعين، والضالِّين، والمنافقين، والكافرين، وليس هناك مِن عاقلٍ إلا وتمنَّى الموتة الكريمة.

يقول أحد تلاميذ الإمام البنا - رضوان الله عليه-: سألت الإمام يومًا وأنا في صحبته إلى المنزل، فقلت له: يقول الإمام الشاذلي في بعض أدعيته، وهو يسأل الله: هبْ لنا الحكمة البالغة مع الحياة الطيبة والموتة المطهَّرة، فماذا يقصد بالحياة الطيبة والموتة المطهرة؟! فقال: الحياة الطيبة هي حياة الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموتة الطاهرة هي الشهادة، ثم قال لي: انصرِف وادعُ الله أن يرزقَنا الحياةَ الطيبةَ والموتة الطاهرة، فلا نموت كما تموت الخراف، أو كما شبَّه خالد بن الوليد- رضي الله عنه- موتته على فراشه بأنه "يموت كما يموت البعير".

وفي أواخر حياة الإمام، وقبل استشهاده بنحو أسبوعين، والظروف يومئذٍ على أشدِّها قال قائل: يا أستاذ، الشائعات كثيرة فيما يدبِّر لك الأعداء!! قال الإمام: وماذا سيكون؟! القتل؟!! إننا نعرف أنه الشهادة، وهي أمنيتُنا، قال السائل: والدعوة؟! قال: لقد أديت مهمتي وتركت رجالاً ورأيت بعيني أنهم رجال، وسأموت الآن مطمئنًّا، والذي أريده هو أن أموت شهيدًا.

وفي مقال له رضوان الله عليه في مجلة (النذير) العدد 12 في شعبان سنة 1357هـ= 1938 م قال: "الموت صناعة من الصناعات، مِن الناس مَن يحسنها، فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكيف يختار لموتته الميدان الشريف والوقت المناسب، فيبيع القطرة من دمه بأعلى أثمانها، ويربح بها ربحًا عظيمًا، يربح سعادة الحياة وثواب الآخرة، ولم تنقص من عمره ذرةٌ، ولم يفقد من حياته يومًا واحدًا، ولم يستعجل بذلك أجلاً، فقد حدده الله.

ومن الناس جبناء أذلة، جهلوا سرَّ هذه الصناعة، وغفلوا عن مزاياها وفضائلها، فمات كلُّ واحد منهم في اليوم الواحد ألف موتة ذليلة، وبقي كذلك حتى وافته موتته الكبرى، مهينةً ذليلةً كذلك، لا كرمَ معها ولا نُبْلَ فيها، في ميدان خامل خسيس ضارع، وقَضَى ولا ثمن له، وأَهدر دمه ولا ثواب ولا كرامة.

إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حبّ الدنيا وكراهية الموت، فأعِدّوا أنفسكم لعمل عظيم، واحرِصوا على الموت توهب لكم الحياة، وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم".

هذه هي الحياة السعيدة والرجولة الكريمة التي ينالها الكرام البررة في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة، ومن هذا نعلم منزلة المجاهد اليوم، ومنزلة الخائن الذي باع نفسه ووطنه للعدو الغاصب، ولا يجوز أن يعمَى الإنسانُ المسلمُ عن الصواب، ولا أن تختلط عليه الأمور في زمننا هذا، ونحن نعيش مأساةَ شعب فلسطين.. جماعة تجاهد وتبذل الغالي والنفيس، وتقدِّم الروح والدم في سبيل كرامتها وعزَّتها واسترداد حقوقها.. وآخرون يلهثون وراء الحرام والهوان، بل وراء العدو المغتصب للديار والمقدسات.

وقد فُجع العالم الإسلامي والغربي- على السواء- بما عثر عليه من خزائن الفضائح من الوثائق والأدلة المكتوبة والمرئية والمسموعة، التي حصل عليها المجاهدون من حماس ، بعد طرد الخائنين والعملاء والانقلابيين من غزة، وقد هالنا ما نُشر من وثيقة دحلان- موفاز الموقَّعة باسم محمد دحلان وزير الأمن إبان عهد الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات؛ حيث يتعهَّد فيها دحلان لموفاز بأن يتخلَّص من عرفات على طريقته، لا على طريقة الكيان الصهيوني!! كما تعهَّد أيضًا بأن يُنهي ما أسماه بـ"المافيا التي تعمل على تحرير البلاد"، يقصد بذلك المجاهدين الذين يقفون للعدو بالمرصاد؟!!

ثم يوضح لنا كيفية صناعة الخيانة فيقول: إنني- أي دحلان- سأدفع حياتي ثمنًا لتنفيذ تعهداتي للرئيس الأمريكي ولـ"إسرائيل"، كما تُظهر الوثائق حجْمَ ما كان يقوم به من تحريضٍ على حماس والفصائل المجاهدة إلى العدو، وبعد أحداث غزة قال بذلك وولش: لقد فعل دحلان أفضل ما يستطيع في غزة، وأعتقد أنه عندما حذَّرنا من الفصائل كان يخشى ما حصل فعلاً.. لقد حذرنا منذ فترة طويلة وقال إن هناك مليشياتٍ مسلحةً يجري بناؤها تضم آلاف المسلَّحين.

ولم يكتف عملاء الخيانة بذلك، بل أوقعوا كبار الوزراء وكبار القادة في فضائح جنسية، وقاموا بتصويرهم لاستعمالها كوسيلة ابتزاز وضغط، هذا وما زال في جعبة حماس الكثير والكثير من هذه الخيانات والفضائح التي تفوح رائحتها فتزكم الأنوف، والغريب أن هؤلاء كانوا يتصدَّرون الشعب ويجثمون على صدره، ويتزعَّمون سياسته، ويأكلون خيرَه، ولا يريدون لهم بديلاً أو رقيبًا وحسيبًا، وكلمة الإصلاح والتضحية بعيدة كل البعد عن مخيلتهم، ولهذا قاموا بما قاموا به من فتن واقتتال، والعقلاء صابرون، والمجاهدون متسامحون، وما يعلمون أنهم يعايشون عقارب وثعابين، ينبغي مطاردتها والقضاء عليها، مصداقًا لتعاليم القرآن الكريم.. ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِيْنَ (58)﴾ (الأنفال)؛ لأنهم عديمو الرجولة، ساقطو الشهادة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة.

وبعد.. فهل يقف العرب مع الخائن الفاسق أم مع الحق ومع رجال الجهاد؟! أم أن الأرواح جنود مجندة، والمرء على دين خليله؟! نرجو أن تكون الخُلَّة للصالحين لا للفجار، وأن تتكاتف الأرواح على الجهاد والصلاح.. نسأل الله ذلك، آمين.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى