ضرورة التغيير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢٢، ٧ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "ضرورة التغيير" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ضرورة التغيير
أ. أبو جرة سلطاني.jpg

بقلم: الشيخ أبو جرة سلطاني

النفس تكره التغيير إذا تعوَّدت، والسبب أنها تخاف من المجهول؛ فهي آمنة مطمئنة مرتاحة بما هي فيه ولو كان فسادًا، فالعادة تُنسي فضائل الأشياء، وكل "قادم جديد" يشكِّل خطرًا على من تعوَّدوا على الاسترخاء في الظل والقول لمن حولهم "ليس في الإمكان أبدع مما كان"؛ فإذا بدعاة التغيير يفاجئونهم بأن الوضع بحاجة إلى تغيير، وأن "النوم في العسل" قد تصرَّم زمانه، فيبدأ التدافع، ويتخذ عادة أربعة أشكال:

- دعاة الاستقرار والإبقاء على الحال كما هو.

- دعاة التغيير الجدري للبرامج والمناهج و"الوجوه".

- دعاة التغيير الجزئي المتدرج في الزمن.

- دعاة مقاومة التغيير بحجة أنهم الأقدر على التغيير.

ومن المهم أن يعرف الناس أنه لا يوجد تغيير بلا سلبيات، والموازنة بين التجديد والتقليد هي مربط الفرس.

إننا نتحدث في هذا المقال عن مطلق التغيير في أي زمان وفي أي مكان وبأية وسيلة؛ بشرط واحد، وهو أن يكون تغييرًا إيجابيًّا من غير أن يُحدَّد له زمان أو مكان أو وضع اجتماعي خاص؛ فالنفس البشرية واحدة أمام التغيير، سواء أكان القائمون عليه يريدون الخير العام للبشرية أم لمصلحة خاصة لأنفسهم، وبهذا المعنى فإن التغيير هو:

1- التغيير الإيجابي:

هو عملية تحريك لمن آلف الجلوس معتقدًا أن أمس كاليوم، واليوم كالغد، وأن "أطفاله" الذين كانوا قبل عشرين عامًا صبيةً لم يبلغوا الحلم، ولم يجرِ عليهم قلم ما زالوا غير راشدين، وغير "فاهمين"، بل غير قادرين على تحمل المسئولية، ولا حقَّ لهم في الحديث عن التغيير حتى ولو بلغت الأوضاع مستوياتٍ من "التعفن" يستحيل معها التعايش مع الواقع بهذه الصورة المزرية.

والمهم عند دعاة إبقاء كل شيء في مكانه هو أن يبقى "الرجال" رجالاً، ويظل "الأطفال" أطفالاً، ومن عاش طول حياته راكبًا يظل راكبًا بقية حياته، ومن قضى نصف عمره ماشيًا يستمر نصف عمره الباقي ماشيًا، ومن كان حظه قبل عشرين عامًا في العير يبقى حظه دائمًا في العير، أما من عوَّدته ظروفه على مواجهة التغيير فعليه أن يستمر في مقارعة التغيير؛ دون إحداث تغيير على هذا المشهد المخالف لسنن الله في التغيير ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140).

وهدفنا في هذا الحديث هو بيان الإطار العام لعملية التغيير كمنهج للفعل الإيجابي دون القصد إلى موضوع بذاته؛ لإدراكنا أن منهج التغيير عملية داخلية في النفس البشرية أساسًا: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

- فالفصول أربعة، لكن دعاة التوريث يجعلونها فصلين فقط؛ واحدًا لهم يعيشونه كل حياتهم "ربيعًا"، والآخر لغيرهم يقضون معه كل أيامهم "شتاءً".

- فمن وصل أولاً عليه أن يحافظ على ترتيبه الأول (أو ضمن مجموعة الأوائل)، ومن جاء بعد ذلك عليه أن يقف مصطفًّا في الطابور الذي لا يتحرك حتى يموت كل الواقفين في الصف الأول ليخلفهم الصف الثاني، وهكذا؛ فإذا كنت واقفًا في الصف العاشر عليك أن تنتظر عشرة أجيال ليأتيَ دورك، وكل هبَّة يقوم بها دعاة التغيير يصنِّفها دعاة "الحكمة والتعقل" في خانة الذين جاءوا ليغيِّروا "دين" الآباء والأجداد ويُظهروا في الأرض الفساد.

ولا عجب في هذه المعتقدات؛ فقد اتهم فرعون نبيَّ الله موسى عليه السلام بأنه جاء "بالسحر" ليفسد "دين الفرعونية" ويُظهر في الأرض الفساد؛ بل جاء ليخرج أصحاب الأرض من أرضهم بسحرة بعد أن كانوا آمنين مطمئنين!.

إن التغيير الإيجابي لا يعني الانقلاب على الأوضاع القديمة وتقويضها جملةً وتفصيلاً؛ ففي كل واقع هناك إيجابيات كثيرة يمكن الاستفادة منها، وهناك مخزون بشري يمكن توظيفه في استكمال البناء؛ بل هناك معتقدات وأفكار، وبرامج وإنجازات، وقيم وممارسات إدارية، يمكن تثمينها.

وهذا هو منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؛ فما جاء "ناسفًا" لجهود السابقين، وإنما جاء مصححًا ومقومًا وموجهًا، وشاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب: 46).

لكن الذين كانوا "سادة" قريش قاوموا هذا الوافد الجديد وقالوا: ساحر، وكاهن، وشاعر، ومجنون.. بل قالوا ﴿كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ (القمر: من الآية 25)؛ لأن دعوته هدَّدت مصالحهم، وهزَّت مواقع السقاية والرفادة بعد سنوات بين "السادة" والعبيد، وجعلت بلالاً الحبشي رضي الله عنه أخًا لأبي بكر القرشي رضي الله عنه، وسلمان الفارسي رضي الله عنه أخًا لصهيب الرومي رضي الله عنه، وقالت للناس بصريح العبارة: "لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى".

ومع ذلك قاومها "السادة".. قاومها الصف الأول.. بل قاومها من كانوا يعتقدون أنهم وُلِدوا ليكونوا سادةً، وولد غيرهم ليكونوا عبيدًا، وأن أي حديث لهؤلاء "العبيد" عن إمكانية تحريرهم من هيمنة وهْم السادة ومن احتكار المأكل والمشرب والملبس وسائر أقضية الحياة.. إنما هو حديث فتن؛ يحرِّك في العبيد شهوة الثورة على السادة، فتبدأ معركة "الأفضلية" التي ينتهي أمرها إلى "التقوى" وليس لأي عنصر آخر.

فالتغيير الإيجابي تغيير تكميل وتتميم، وليس هدمًا جذريًّا، وإعادة بناء كلي، وهو بهذا المعنى يستهدف أمرين:

1- نزع مقاليد التحكم والسيطرة من أيدي السادة، وتوزيعها على مستحقيها من العاملين عليها، وليس من الوارثين لها تعصيبًا.

2- نقل احتكار السلطة والثروة من أيادٍ قليلة؛ لتكون في متناول العاملين والمحرِّكين نحو البناء؛ لكي لا تكون ﴿دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ (الحشر: من الآية 7).

وبهذا المعنى نفهم لماذا يقاوم "السادة" كل مشاريع التغيير حتى لو كان التغيير "وحيًا" من السماء؛ فالمصلحة عندهم مقدَّمة على الجنَّة، وليسوا مستعدين للتنازل عن "عروشهم" إلا بواحدة من اثنتين:

1- إما بغلبة وشوكة وسلطان.

2- وإما بمنقذ ينقذهم من أنفسهم ويقودهم إلى مصالح أوسع ومنافع أضمن.. هؤلاء بحاجة إلى زمن طويل تعالج فيه "أمراضهم"، والزمن جزء من العلاج.

2- البداية مهمة:

الطفل لا يقبل الفطام المتدرج، وإنما يحتاج إلى صرامة أم رءوم؛ تدرك أن بكاء طفلها يؤلمها ولكن التعاطف معه ليس من مصلحته؛ لأن تعوده الرضاعة بعد حولين كاملين واستمراره فيها لا يُخرجه من عالم الطفولة إلى عالم الرجولة، وسوف يظل لصيقًا بأمه، والحكمة هنا في الفصل لا في الوصل لمصلحة الأم والطفل وحركة النمو الطبيعية:

- فالحليب غذاء للأطفال لا للرجال.

- ومرحلة الرضاعة محددة بحولين كاملين للتمام والكمال.

- والتحاق الطفل بأمه عقوبة لكليهما.

ولا بد من حركة تغيير يدرك فيها الفطيم أن "صدر أمه" كان لازمًا في مرحلة الطفولة، وقد حان الوقت ليعتمد على نفسه، ويتحول من تناول السوائل إلى التعامل مع أغذية جامدة وصلبة؛ تستخدم فيها الأسنان والأنياب والأضراس.

هذا المثال التربوي يصلح نموذجًا لفهم معاني وطرائف وأساليب التغيير الإيجابي لمصلحة القائمين والقادمين على معالجة معنى راسخ في النفس البشرية؛ لا سيما إذا تعلَّق الأمر بالعادات المكتسبة الناجمة عن إحدى العلتين: الغفلة، أو التقليد.

المصدر

قالب:روابط أبو جرة سلطاني