عندما نفقد البوصلة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٥٠، ٢ يونيو ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عندما نفقد البوصلة

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

إن الأمانة تقتضي منا ألا نجامل على حساب الحق، ولكن هناك من لا يعجبه أن يسمع كلمة صدق في زمن كثر فيه النفاق، ويسعده أن يرى نفسه محاطا ببطانة السوء من المتزلفين أصحاب المصالح الشخصية يزينون له الباطل ويقبحون له الحق ليكتشف ولو بعد حين أنه ضارب في تيه صحراء سياسية قاحلة، وعندها يصبح أسير معتقل الواقعية والتعقل، مستسلما للعجز، فلا يجد من سبيل إلا إخراس صوت الحق حتى لا يزعجه، فصوت الحق على أقل تقدير يذكره بفداحة خطئه.

ولقد قلنا بوضوح لا لخارطة الطريق ولم نكن في ذلك إلا ناصحين مخلصين، ولكن صوتنا لم يهتم به من وجد نفسه في تيه الوهم بعيدا عن الواقع، فالذين قبلوا بخارطة الطريق يعلمون قبل غيرهم أن الذي عرضه باراك في كامب ديفيد لا يمكن أن يقبل به شارون، ولكنهم باتوا أسرى التزامات كبلوا أنفسهم بأغلالها، فالمعادلة لم تعد لديهم سهلة، وقرارهم من حيث لا يرغبون لم يعد قرارا وطنيا مستقلا، والسير نحو المجهول هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسلكوه، بلا أمل، وبلا بوصلة.

فالقيادة الفلسطين ية التي ولدت في قطاع غزة لم تكن إلا رهينة خيار التفاوض، فهي إحدى فروع أوسلو، فإذا ذهب الأصل ذهب الفرع، ومن هنا لابد من تمسك السلطة بالأصل كخيار وحيد فهو سر بقاء السلطة، ومن هنا يصبح خيار المفاوضات على قناعة السلطة بعقهمه خيارها الاستراتيجي، وهذا بالطبع ما أعلنه "أبو مازن" في خطاب التتويج لرئاسة الوزراء.

وتحت وطأة الضغط الأمريكي على سلطة تعيش تحت رحمة الاحتلال تجد السلطة نفسها مضطرة إلى نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطين ية المشروعة، ومن ثم وصمها بالإرهاب وهذا ما حمله الخطاب للأسف الشديد، وبما أن ما تقوم به الفصائل الفلسطين ية من مقاومة مشروعة تعتبره الحكومة الجديدة إرهابا وليس مقاومة وطنية مشروعة، ولا جهادا في سبيل الله، فلابد إذن من إعلان التصدي للمقاومة، .

ولذا فقد نزع الخطاب الشرعية عن سلاح المقاومة، ومن ثم جاء التهديد بجمع هذا السلاح، وربما يقول الخبراء في فنون السياسة أن هذا القول يأتي في إطار التكتيك السياسي ليس إلا، وأنه لن تتبعه خطوات عملية، وهؤلاء واهمون لأن أمريكا تقول بوضوح أنها تريد أفعالا ولا تريد أقولا، وما لم تترجم الأقوال إلى أفعال فلن يهدأ الهيجان الأمريكي.

وهكذا نجد أنفسنا في بؤرة تقاطع طرق عدة جميعها تنأى به عن الهدف الذي من أجله أنشئت منظمة التحرير الفلسطين ية، فأي طريق يمكن أن تسلكه حكومة خارطة الطريق وهي أمام خارطة هيكلية لطرق عدة ولكنها جميعها موحشة ومخيفة ومظلمة ومسدودة :

فأما الطريق الأول فيرى البعض أنه يمر عبر إقناع المقاومة بالتخلي عن خيار الانتفاضة والمقاومة، ولكن إلى أين سيقودنا هذا الطريق؟ إنه سيقودنا إلى نشر الإحباط في الشارع الفلسطين ي بل والشارع العربي والإسلامي، فبعد أن قدمنا آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين، وآلاف المعتقلين، وبعد أن هدمت البيوت، وجرفت الأراضي الزراعية، نقبل بإلقاء البندقية، ونستسلم لابتزاز الاحتلال، الذي لن يكتفي بوقف المقاومة وسيطالب بجمع الأسلحة،

وإن جمعت فسيطالب بحل التنظيمات المقاومة، وإن تم حلها فسيطالب باعتقال المجاهدين وربما نفيهم من الوطن كما حدث للمعتصمين بكنيسة المهد، ومحاكمتهم بتهمة الأرهاب، فإن تم ذلك وانتهت المقاومة فلن تكون هناك حلول إلا بالتخلي عما يسمى بالحد الأدنى الذي بلغ أصلا أدنى الأدنى، فإن ظن ظان أنني أهول الأمر، أو أنني أنظر إلى الأمر بمنظار سوداوي فعليه أن يرجع إلى ملف العراق ليرى أن حكومة بغداد رحبت بعودة المفتشين بعد أن رفضت ذلك من قبل، ولكن أمريكا طالبت بتفتيش أي مكان دون استئذان بما في ذلك الرموز السيادية للعراق كالقصور الرئاسية فلم تمانع بغداد، فطالبت أمريكا بالتحقيق مع العلماء على انفراد فتم لها ذلك، ثم طالبت بالسماح لطائرة التجسس بالتحليق في سماء العراق فتم لها ذلك، ثم طالبت بتحطيم صواريخ "صمود 2" فتم لها ذلك، ولكن هذا المسلسل المؤلم من التنازلات لم يحل دون وقوع العدوان الأمريكي، فضرب العراق رغم اتباعة سياسة عقلانية تفهمت الواقع، أو كما يحلو للبعض أن يهذب الألفاظ ويضفي عليها الحكمة بقوله قامت بالانحناء للعاصفة.

وأما الطريق الثاني فيمر عبر رفض الفصائل الفلسطين ية وقف الانتفاضة والمقاومة، وهنا ستجد الحكومة الجديدة نفسها أمام طريقين :

إما أن تتصدى للفصائل الفلسطين ية وهذا قد يؤدي إلى ما لا يرضى به أحد خاصة أن الذين ذاقوا العذاب في معتقلات السلطة عام 1996 سيفضلون الموت على دخول المعتقلات، وعندها سيقف العدو الصهيوني يراقب من بعيد وقد تحقق له ما يريد. وإما أن تغض الطرف عن المقاومة وهذا سيجر عليها غضب أمريكا، وهذا طريق وعر جدا لا أعتقد أن السلطة تقوى على دخوله.

وأما الطريق الثالث فقيام السلطة بمطالبة العدو الصهيوني باتخاذ خطوات حسن نية تشجع السلطة على فعل شيء ضد المقاومة، كالانسحاب، ورفع الحصار، وإدخال العمال، وفتح المعابر، وفتح المطار، والإفراج عن بعض المعتقلين، وغير ذلك مما يسمى بعمليات التسهيل على المواطنين،

وهنا فإن الصهاينة إما أن يلبوا هذا الطلب وبالتالي سيطالبون باستحقاقاته التي ستدخلنا في دوامة الصراع الفلسطين ي الفلسطين ي، أو أنهم سيرفضون ذلك وهذا هو الأقرب للحدوث لأن الصهاينة لهم خارطة طريقهم الخاصة بهم والتي تقوم على القتل، والتدمير، والحصار، والتهويد، والتطلع إلى ما هو أبعد بكثير من حدود فلسطين ، وعندها ستكتشف الحكومة الجديدة أنها تسير على غير هدى.

فهل تدرك حكومة "أبو مازن" قبل فوات الأوان أن الطريق الوحيد الذي يمكن أن يصل بنا إلى أهدافنا على وعورته هو طريق المقاومة؟

ومن هنا فلا غرابة أن تعلن الفصائل الفلسطين ية على اختلاف مشاربها وهي محقة في ذلك عن رفضها خارطة الطريق وتمسكها بخيار المقاومة.

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.