فرج النجار.. روح الدعوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٢٥، ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فرج النجار ... روح الدعوة


1- أخوك فرج النجار

في يوم مشرق من أيام ربيع الإسكندرية الأخَّاذ عام 1976م؛ جاءتني روح، فجذبت روحي بلا استئذان، وفي ابتسامة ساحرة, قال: هل تعرفني؟ (أخوك فرج النجار), فوجدتني أقبِّله وأرحِّب به من أعماق قلبي, فقد رأيت من أحببت لقاءه, وكنت قد رأيته في صحبة الحاج عباس السيسي من قبل, وكنت على أحرِّ من الجمر لمعرفته، وها هي الفرصة قد حانت, فاصطحبته على الفور لمكتب الحاج عباس, ولكنني رجعت بعدما أصبحت صديقًا له بلغة الشباب، فقد كان عمري حينئذ عشرين عامًا، وكان كلما جاء إلى الإسكندرية يتصل بي, وكلما تقابلنا بعدها التقت روحانا قبل الوجوه، في هذه اللقاءات البديعة:

  • وهو يحكي عن قصته مع الإمام الشهيد حسن البنا؛ حيث كان أحد اثنين من الإخوان طلب منهما الإمام البنا تأجيل زواجهما إلى ما بعد الثلاثين؛ لأن نشاطهما ومهامَّهما لا يستطيع أحد من الإخوان أداءها.
  • وهو يحكي عن الصلة العميقة التي كانت تجمع بينه وبين الإمام البنا؛ حيث كان الحاج فرج النجار آخر من رأى الإمام الشهيد قبل استشهاده، وكان يفخر بهذه الرؤية دائمًا. 
  • وهو يحكي عن مغامرة عدم تسليمه لنظام عبد الناصر, بأمر من الإخوان؛ حتى لا يتمَّ الضغط عليه فيذكر أسماء إخوانه في النظام الخاص، الذي أسَّسته الجماعة لحرب الإنجليز.
  • وهو يحكي عن قصة هروب دامت إحدى وعشرين عامًا, فقرار السادات جاء بالعفو عن الإخوان جميعًا عدا فرج النجار، حتى عام 1975م, عندما ذهب يطلب من الأستاذ عمر التلمساني السماح له بالظهور، فسمح له ومن يومها عاد إلى حياة الدعوة، وعادت إلى الدعوة روحها.


2- روح الدعوة

لقد كنت شغوفًا بالمعاني العميقة التي كان يؤكدها الحاج فرج، من خلال العرض التاريخي للجماعة، ومعاصرته لأسرار الثورة والإخوان والنظام الخاص، فهو رغم كل ما تقلَّده من مناصب وأعمال وأنشطة في الجماعة، إلا أنه كان المربي الحاذق, والداعية الماهر.


وقد شهد بذلك كل من تعاملوا معه، فكان الطبيب الذي يداويك, والشيخ الذي يطهرك, والأب الذي يرحمك, والأستاذ الذي يعلمك, أو بمعنى آخر نجمله في عبارة (روح الدعوة), فهي اختصار لكل ما سبق في صفة فريدة حقيقية, تشعر بها إن قابلته, وتحس بها إن رأيته, وتملك أعصابك إن تعاملت معه أو عاشرته.


3- وإليك هذه المشاهد.. التي يحكيها فؤادي قبل قلمي كما رأيتها وعايشتها

المشهد الأول: الحيل التربوية

في صيف عام 1978م, كانت المعسكرات الإخوانية على مستوى القطر تقام بمنطقة أبي يوسف بالإسكندرية, وقدَّر الله لي أن أكون في معسكر على مستوى المحافظات، وكنت من الشباب الذين اختيروا عن محافظة الإسكندرية, وكنا في الخيام ليلاً, وإذا بنا ونحن مستغرقون في النوم- استعدادًا لبرامج الصباح واليوم التالي- يأتي إلى الخيمة الحاج فرج, وكان مسئولاً عن المعسكر, ويبلغنا بأن هناك خطرًا, ويجب علينا أن نزحف على الرمال, وفي الظلام, بدون أن نصدر أي صوت, حتى نصل إلى المسجد, وامتثل الجميع للأمر, مستشعرين الخطر الذي لا نعرف تفاصيله, ولكن الكل يزحف في مشهد أخَّاذ؛ حيث ترى الكبير والصغير, الأستاذ والتلميذ, الشيخ والشاب, الكل يلبي التكليف.


وعند وصولنا إلى المسجد تضاء الأنوار, لنفاجأ بأن هذا التجمع كان بهدف الاستماع إلى محاضرة للأستاذ عمر التلمساني المرشد العام آنذاك، وكان فضيلته قد فوجئ بموعد مهم في القاهرة صباحًا, فكان عليه أن يسافر ليلاً, وقد رأى مسئول المعسكر الحاج فرج اللجوء إلى هذه الحيلة التربوية للاستفادة من المحاضرة، والردود على أسئلة الإخوان من مرشدهم، ولك أن تتخيل هذا التجمع الذي حدث في أقل من دقائق، لحنكة وذكاء القائد الماهر بالحيل التربوية، التي تحقق الهدف بلا معاناة أو مشكلات.


المشهد الثاني: لا مناصب في الدعوة

قدَّر الله أن أكون ضمن المعسكر الشتوي الذي كان يقام بمحافظة أسيوط، وكان يجمع مجموعات من المحافظات، وكنت أحد أفراد مجموعة الإسكندرية؛ حيث كنا ننعم بزيارة الأستاذ حامد أبو النصر والدكتور محمد حبيب، وكان من أقدار الله الكريمة بي أن يكون مسئول المعسكر هو الحاج فرج النجار!.


وتمَّ اختياري مسئولاً للخيمة التي تجمع محافظات الإسكندرية والقاهرة والجيزة، وبعد يومين من أعمال المعسكر، أصدر الحاج فرج النجار أمرًا بالتجمع في المسجد لكل أفراد المعسكر, ثم أمر جميع المسئولين المعاونين له بمن فيهم نائبه, بالوقوف أمام الإخوان, وأصدر أمره بإعفائهم جميعًا من مناصبهم, ويتولَّى من هو أكبر سنًّا العمل، وبذلك قمت بتسليم زمام الخيمة إلى الأكبر سنًّا امتثالاً للأمر، "وصار الأمر دون توقف, بل بمذاق جديد, ومهارة تجديد, ومزيد من الحيوية, وزيادة في الانتعاش).


وبعد يوم أصدر الحاج فرج أمره بنفس التجمع السابق ثانيةً, وأمر المسئولين المعزولين بأن يفصح كل واحد منهم عن مشاعره عند سماعه نبأ عزله, وانقسمنا كمسئولين إلى ثلاثة أنواع: نوع قال: لقد جئت جنديًّا وليس مسئولاً, فأنا جندي على كل الأحيان, ونوع أخذ الأمر بتهريج، كأن لسان حاله يقول: وهل يؤثر فينا العزل؟!, ونوع ثالث أخذ الأمر بجدية، وكان متأثراً قائلاً: حمل ثقيل وارتفع عني, وتخفيف ورحمة من سؤال الله, فرصة ليخلو الإنسان بنفسه, ويستفيد من برنامج المعسكر!!.


وأيًّا ما كانت الإجابات بقي المعنى العميق, في أن الدعوة تسير بنا أو بغيرنا, وأن الدعوة لا تتوقف على أشخاص بعينهم, ومن ظن أن الدعوة تنهار أو تتعطل أو تتأثر أو تتوقف إن ترك أحد منصبه فهو واهم، وأن الدعوة ليست مناصب, فكل الدعاة جنود الله تعالى.


وهكذا كانت المعاني تُغرس في مشاعرنا, وفي قلوبنا, وفي عقولنا, بشكل أعظم مما هو مدوَّن في الكتب, وهكذا القائد المربي يغرس المعاني في الكيان التي تحركه وترفع من همته وتدفعه, دون أن يدري, وهذا هو معنى القدوة, الذي رأيناه في الحاج فرج النجار.


المشهد الثالث: الدهاء التربوي في علاج المشكلات

في عام 1984م انتقل الحاج فرج النجار للعمل باليمن, وفي نفس العام وبعد انتهائي من الخدمة العسكرية, اختارني الله لأداء فريضة الحج, وعندما وصلت إلى مكة المكرمة, انضممت إلى إخوان الإسكندرية برفقة الحاج محمود شكري والدكتور إبراهيم الزعفراني, وفي منى تجمع الإخوان في معسكر الحج, وكانت المفاجأة أن يكون مسئول المعسكر الحاج فرج النجار آتيًا من اليمن!!؛ الأمر الذي لم أتخيَّله ولم يكن في بالي أن يأتي من اليمن لأنعم بصحبته ويكون مسئولاً للمرة الثالثة عن معسكرنا!.. وكنا شبانًا من بلدان مختلفة, وكان طبيعيًّا أن نكون مختلفين، فقد كان معنا الدكتور سناء أبو زيد رحمه الله, وكان يميل إلى الهدوء والعمل والتربية, والدكتور أنور شحاتة رحمه الله، الذي يميل إلى الفكاهة والبساطة والمرح, والدكتور الزعفراني حفظه الله, الذي يميل إلى السلاسة والإنجاز والتيسير, فرأيت بعيني كيف كان الحاج فرج النجار يستعمل أساليب تربوية في نقل المعاني وترسيخ المفاهيم وحل المشكلات, فكان يجمعنا في رفق, ثم يحكي قصةً رمزيةً على لسان الحيوانات في الغابة, وبينما نحن مشدوهون للحكاية تكون الإسقاطات الذكية على إخوان المعسكر, في فطنة عميقة, ودهاء مؤثر, يُنهي المشكلات قبل استفحالها, في شكل راق, وأسلوب رشيق.


المشهد الرابع: ملهم الدعاة ومعلم المربين

بعد سنوات عديدة خاض الحاج فرج النجار انتخابات عام 2000م؛ حيث لم يتوقف عطاؤه للدعوة, وسجَّل بعد هذه السنوات ذكرياته كشاهد على العصر مع المذيع اللامع أحمد منصور في قناة الجزيرة, وقبل عرضها اعتذرت القناة عن إذاعتها، والسبب الذي أفصحت عنه القناة أن الشرائط الثمانية قد سُرقت من القناة!!.


وعلى ضوء ذلك أخذتُ موعدًا لزيارته في منزله بالمنوفية, وقد حكى لي أن أستاذًا بإحدى جامعات أمريكا جاء خصيصًا إلى المنوفية, يبحث عن الحاج فرج النجار, وعندما قابله قال له: لقد وجدت ثمانية أشرطة فيديو في مكتبة الكونجرس الأمريكي باسم فرج النجار، فقلت لا بد أن أقابله لأعرف منه سرَّ وصول هذه الأشرطة, ومن يكونفرج النجار؟!.


وفي نفس الزيارة علمت من الحاج فرج النجار كيف أن الأمن جاء إلى المنزل ليعتقل ابنه, ولكن الابن استطاع أن يهرب منهم بحيلة ماكرة!.


فقلت هذه (روح الدعوة), التي تهدِّد الأعداء من ناحية, وتورَّث إلى الأبناء من ناحية أخرى.


فإن كان الحاج فرج النجار قد انتقل إلى ربه فقد بقيت روحه, تلهم الدعاة, وتعلم المربين, وتغرس المعاني العملية, لتستمر الأجيال المؤمنة في طريق الدعوة, رغم أنف خصومها, وتآمر أعدائها.


المصدر : نافذة مصر