فى أسبوع الفضائح المدوية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فى أسبوع الفضائح المدوية
الأستاذ فهمي هويدي

لو سألتنى عن عنوان للأسبوع الفائت لقلت على الفور إنه أسبوع الفضائح المدوية، الذى سقطت فيه أوراق التوت عن عورات العرب، فظهروا أمام الملأ فى وضع مخل تداخل فيه الخزى مع الخذلان.

(1) وسط أجواء الحديث عن العودة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين واليهود أعلن عن ضم مسجدين كبيرين فى الخليل وبيت لحم إلى الآثار اليهودية، وفوجئنا بصورة نشرتها صحيفة هاآرتس لمجموعة كبيرة من المجندات الإسرائيليات وقد دخلن بأحذيتهن إلى الحرم الإبراهيمى ــ أحد المسجدين ــ وجلسن فى باحة المسجد يستمعن إلى تعليمات تلقى عليهن. لم تكن تلك هى الصدمة الوحيدة التى كانت تعبيرا عن إشهار التحدى والازدراء بالعرب والمسلمين، لأن الصدمة الأكبر تمثلت فى الصمت العربى إزاء ما حدث، والتعامل معه باعتباره أمرا عاديا لا يستحق استنفارا أو غضبا.


قبل ذلك بأيام اقتحمت جماعات من اليهود المسجد الأقصى، واستولى آخرون منهم على بيوت الفلسطينيين فى حى الشيخ جراح بالقدس، وتم اعتقال عشرات من الفتية الفلسطينيين من بيوتهم فى حى حلوان تحت جنح الظلام، بعدما اتهموا برشق الجنود الصهاينة بالحجارة، وفى الوقت ذاته، كان الإسرائيليون يبنون كنيسا جديدا بجوار المسجد الأقصى إيذانا بانطلاق مشروعهم لإعادة بناء هيكل سليمان، تحقيقا لنبوءة أحد الحاخامات الذين يقولون إنه فى القرن الثامن عشر، حدد اليوم السادس عشر من شهر مارس فى عام 2010 (اليوم) للبدء فى عملية البناء.


فى هذا الجو المسكون بالتحدى والعربدة الصهيونية، الذى تواصلت فى ظله جهود اقتلاع الفلسطينيين وتدمير حياتهم، عرضت على الأمة العربية تمثيلية المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو ــ ليبرمان. ولأن المفاوضات كانت متوقفة من الناحية الرسمية وأعلن أنها لن تستأنف إلا بعد وقف الاستيطان، فقد أراد لها المخرج الأمريكى أن تتم بغطاء عربى لإنقاذ ماء وجه السلطة الفلسطينية وللإيحاء بنجاح الوساطة الأمريكية، تحقق المراد على النحو المعروف، ووافقت لجنة المبادرة العربية (غير المختصة بالموضوع!) على المفاوضات غير المباشرة، وحين بدأ المبعوثون الأمريكيون فى التحضير للقاء المرتقب توالت المفاجآت. جاء السيد جورج ميتشيل مبعوث الرئيس أوباما إلى المنطقة فأعلنت الكيان الصهيوني عن البدء فى بناء 112 وحدة استيطانية جديدة. وبعده جاء نائب الرئيس جوبايدن، فأعلنت إسرائيل عن الشروع فى بناء 1600 وحدة استيطانية أخرى ــ ماذا كان رد الفعل الفلسطينى والعربى على ذلك؟


الرد كان مفجعا وصادما. فمن ناحية توالت التصريحات فى رام الله والقاهرة وعمان التى ذكرت فى المرة الأولى أن الهدف من القرار هو إفساد مهمة السيد ميتشيل، وفى المرة الثانية قيل إن القرار صفعة لنائب الرئيس الأمريكى كأن العرب كانوا حريصين على مهمة ميتشيل وعلى كرامة بايدن بأكثر من حرصهم على حقوقهم وكرامتهم. لم يتحدث أحد عن أن الصفعة الحقيقية (البصقة إن شئت الدقة) هى من نصيب الجانب العربى الذى وافق صاغرا على العودة إلى المفاوضات. وقبل أن يدور فى الحلقة المفرغة، التى لم يجن منها شيئا منذ توقيع اتفاقية أوسلو فى عام 1993.


(2) رد الفعل العربى إزاء الممارسات الإسرائيلية لم يتجاوز أمرين، أولهما الإعراب عن «الاستياء»، وثانيهما التلويح بفكرة الامتناع عن العودة إلى المفاوضات غير المباشرة، الاستياء ظل تصريحا صحفيا ولم يترجم إلى غضب ملموس، أما مقاطعة المفاوضات المفترضة فإن أحدا لم يأخذها على محمل الجد. واعتبرها الآخرون مجرد فرقعة فى الهواء، إذ استقبلت فى الولايات المتحدة وإسرائيل بحسبانها تهديدا لا يملك الفلسطينيون ولا يحتمل العرب المضى فيها إلى النهاية، فالمسئولون فى واشنطن قالوا إنهم لم يتلقوا معلومات رسمية بهذا الخصوص. أما بنيامين نتنياهو فقد تحدث بلغة الواثق والمطمئن، وقال إن المفاوضات ستبدأ فى موعدها فى الأسبوع القادم.


أثبت نتنياهو أن نهجه أكثر جدوى فى التعامل مع العرب من غيره من السياسيين الإسرائيليين، هكذا كتب شالوم يروشالمى فى صحيفة «معاريف» «عدد 5/3/2010». وكان صاحبنا هذا من الناقدين لرئيس الوزراء الإسرائيلى، لكنه غير موقفه، شأن آخرين ممن لاحظوا التخاذل العربى أمام قرارات نتنياهو وممارساته، الأمر الذى أقنعهم بأن الرجل له قراءته للواقع العربى المدرك لما فيه من عجز ووهن، من ثم فإنهم إما توقفوا عن انتقاده أو شرعوا فى كيل المديح له.


وفى الوقت الذى تزايدت فيه جبهة التأييد لنتنياهو فى الإعلام الإسرائيلى، فإن التعليقات التى تناولت ردود الأفعال العربية والفلسطينية ضمنا بالسخرية والتهوين لم تتوقف. فقد سخرت هاآرتس من فكرة المفاوضات غير المباشرة. فنشرت «فى 6/3» مقالا كتبه افى سيخاروف مراسلها للشئون الفلسطينية تساءل فيه قائلا: هل توقفت حقا الاتصالات بين ممثلى السلطة والمسئولين الإسرائيليين. حتى يحتاج نتنياهو وعباس إلى مفاوضات غير مباشرة؟، وأضاف أن التنسيق الأمنى بين الطرفين مستمر بشكل غير مسبوق، حيث يتبادل مسئولو الأجهزة الأمنية فى كل جانب الأدوار والمعلومات فى تعقب حركات المقاومة وإجهاض عملياتها. وأشاد الكاتب بقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين أصبحوا يتنافسون فى التعامل مع نشطاء المقاومة لتحسين صورتهم لدى إسرائيل.


لم يسلم وزراء الخارجية العرب من سخرية المعلقين الإسرائيليين، الذين استخفوا بما ورد فى بيانهم الذى أبدوا فيه العودة إلى المفاوضات غير المباشرة لإعطاء الفرصة لإسرائيل لإثبات «حسن نواياها»، وحددوا سقفا زمنيا مدته أربعة أشهر لتلك العملية، وكان تسفى بارئيل محرر الشئون العربية فى هاآرتس أحد الذين سخروا من البيان، وكتب فى 6/3 مقالا ذكر فيه أن حكومة اليمين فى إسرائيل ملتزمة بمواصلة الاستيطان فى القدس والضفة الغربية أكثر من التزامها بأى شىء آخر الآن أو بعد أربعة أشهر. ومن المعلقين الإسرائيليين من ذكر الوزراء العرب بأنه بعد أربعة أشهر من المفاوضات غير المباشرة ستكون مهلة تجميد الاستيطان المؤقت موشكة على الانتهاء. علما بأن نتنياهو وكبار وزرائه وعدوا بأن الحكومة تستعد لطفرة فى المشاريع الاستيطانية بمختلف أنحاء الضفة الغربية. على رأسها بناء مدينة استيطانية تستوعب 14 ألف مستوطن (لاحقا ــ فى 11/3 ــ نشرت هاآرتس أن ثمة مشروعا قيد الدراسة الآن لبناء 50 ألف وحدة سكنية فى أحياء القدس الشرقية).


(3) لا تقف عند حد عملية الإذلال التى يتعرض لها الفلسطينيون والعرب الذين باركوا المفاوضات غير المباشرة وحددوا لها سقفا زمنيا، وهى المفاوضات التى كانت اقتراحا أمريكيا تم إخراجه إلى حيز التنفيذ وتمريره عربيا بالتعاون بين السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، فقد أبلغت الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية بأنها ترى أن حكومة نتنياهو غير ملزمة بالتفاهمات التى تم التوصل إليها مع رئيس الحكومة السابق إيهود باراك (هاآرتس ــ 7/3)، وهو ما يعنى أن المفاوضات المرتقبة سوف تبدأ من الصفر، استجابة لموقف نتنياهو الذى أعلن فيه أنه مستعد للمفاوضات دون أى شروط مسبقة. وهو ما تحلل به من أى التزامات أو اتفاقات سابقة، ليس ذلك فحسب، وإنما اعتبرت الإدارة الأمريكية أن عمليات بناء الوحدات الاستيطانية التى تتم فى نطاق القدس خارجة عن نطاق التجميد الظاهرى الذى أعلنه نتنياهو.


خلاصة الأمر أن الفلسطينيين سيذهبون إلى المفاوضات غير المباشرة وهم فى أضعف أحوالهم. ليس هذا فحسب، وإنما هم واثقون أيضا من عدة أمور، أولها أن الإدارة الأمريكية منحازة بالكامل لإسرائيل، وليس لديها أى استعداد لممارسة أى ضغط عليها، ليس فقط لقوة «اللوبى» الصهيونى فى واشنطن، ولكن أيضا لأن الجميع يعلمون أن الإدارة الأمريكية تتحسب للانتخابات التشريعية التى سوف تجرى هناك فى نوفمبر القادم، الأمر الذى يجعلها بحاجة إلى إرضاء إسرائيل وكسب تأييد قادتها.


الأمر الثانى أنهم يعرفون جيدا أن الموقف العربى الرسمى مرتبط بالإرادة الأمريكية ولا يستطيع أن ينفصل عنها. الأمر الثالث أنهم يدركون أن المفاوضات لن تحقق لهم شيئا فى ظل موازين القوى الحالية. وخبرتهم منذ مفاوضات واشنطن عام 1991 وحتى مؤتمر أنا بوليس عام 2007 مرورا بأوسلو ولقاء كامب ديفيد، أقنعتهم بأن إسرائيل مستعدة لأن تأخذ فقط ولا تريد أن تعطى.


هذا الانطباع عبر عنه الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى بلال الحسن فى مقالة أخيرة له قال فيها إن إسرائيل لا تريد البحث فى القضية الفلسطينية الأصل، ولا تريد البحث فى حق العودة للاجئين ولا تريد البحث فى انسحاب إسرائيلى كامل من أراض احتلت عام 1967، ولا تريد إزالة المستوطنات، ولا تريد الموافقة على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة فى حدود أراضى 1967، وبات معروفا وشائعا فى المقابل أن إسرائيل تريد نصف الضفة الغربية، وتريد مياه الضفة الغربية، وتريد سماء الضفة الغربية، وتريد المياه الإقليمية لقطاع غزة، وتريد التمركز العسكرى على امتداد نهر الأردن، كل هذا تريده إسرائيل وكل هذا تعرف أمريكا أن الكيان الصهيوني تريده، ومع ذلك فهى تأتى إلى المنطقة بكل هيبتها لتقول لنا إنها ستدير مفاوضات غير مباشرة وتتعهد لنا أنها ستنتهى فى حدود عامين، وتريد منا أن نصدق هذه الكذبة الكبرى (الشرق الأوسط 14/3) .


(4)

المأزق الذى تعانى منه القضية يرجع إلى عوامل عدة فى المقدمة منها عاملان جوهريان هما:

توقيع اتفاقية كامب ديقيد

1ــ تحييد مصر وخروجها من معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، بتوقيعها معاهدة السلام المنفرد فى عام 1979، وبهذا الخروج فقد العرب أهم عناصر قوتهم فى مواجهة إسرائيل، الأمر الذى أدى إلى انكشاف العرب وتفتت قدراتهم وانغلاق خيالاتهم. فلا حرب تحرز، ولا تسوية تسترجع البقايا. هذه الفقرة اقتبسها من بحث حول المأزق للدكتور على الجرباوى أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة بيرزيت والوزير فى الحكومة الحالية. وكانت النتيجة ــ والكلام له ــ أن العرب منذ ذلك الحين لم يستعيدوا زمام المبادرة مطلقا فى مواجهة الكيان الصهيوني.

الأمر الذى أدى إلى إلحاق الهزيمة السياسية بهم فى كل مراحل المفاوضات التى استمرت منذ عام 1991 وحتى هذه اللحظة.

2ــ انعدام الخيارات لدى الطرف الفلسطينى والعربى، ذلك أن معادلة ميزان القوى بين الأطراف المتقابلة فى أى عملية تفاوض تتأثر إيجابا وسلبا بمدى توافر هذه الخيارات من عدمها عند تلك الأطراف، ومن ثم فقوة الطرف المفاوض تزداد بمدى ما يتوافر له من خيارات أخرى، بمقدوره أن يلجأ إليها إذا ما لم يحقق التفاوض الهدف المنشود منه. أما إذا أعلن أحد الأطراف أن التفاوض هو خياره الوحيد، فإنه يخسر قضيته منذ اللحظة الأولى. وهى الفكرة التى سجلها باستفاضة الدكتور الجرباوى فى بحثه، وأكد فيها على أنه من الأفضل للطرف الذى لا يملك خيارات أخرى غير التفاوض ألا يتفاوض من الأساس، لأنه فى هذه الحالة سيجد نفسه محكوما بموازين القوة ومضطرا إلى العودة للمفاوضات مرة أخرى وإلى تقديم التنازلات لخصمه الأقوى فى أى قضية خلافية.

أما ما هى الخيارات الأخرى فقد تكون المقاومة أو الانتفاضة. وقد تكون مجرد رفض التفاوض والتنازل، لكن الحاصل عندنا أننا منذ أعلنا عن أن السلام هو خيارنا الاستراتيجى وأن التفاوض هو سبيلنا الوحيد، حشرنا أنفسنا فى الزاوية وكتب علينا أن نحترف إدارة الخد الأيمن كلما تلقينا صفعة على الخد الأيسر، ولم نعد نملك إلا أن نفعل العكس بمجرد أن نتلقى الصفعة التالية. الأمر الذى أغرى الصهاينة بالذهاب إلى أبعد من الصفعات فى تعاملهم معنا، وهذا هو الحاصل الآن للأسف البالغ.


المصدر : جريدة الشروق