ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف الفكرية والثقافية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:٣٧، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Sasky (نقاش | مساهمات) (←‏موضوعات ذات صلة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف الفكرية والثقافية


الحلقة الثانية: الظروف الفكرية والثقافية

ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف الفكرية والثقافية

ظهور جماعة الإخوان لم يكن انطلاقة من عدم أو فراغ بل كان تعبيرًا عن تواصل مسيرة الأمة على مدار تاريخ مصر الإسلامي- أي منذ أن فُتحت- ولمدة ما يقرب من ثلاثة عشر قرنًا كانت السيادة الفكرية في هذا التاريخ للإسلام طريقًا في الفكر، والتصور، وأسلوبًا في السلوك، ومنهجًا في الحياة على ما شاب هذا التوجه من انحراف عقدي، أو سلوكي بعيدًا عن التصور الإسلامي الصحيح، فكان المجتمع شأن جماعته الفكرية يعيش في إطار نظرة موحدة للحياة، والكون، تنبثق عن الإسلام، وتراث المسلمين، وخبراتهم التاريخية؛ حتى جاء حكم"محمد علي"، وبدأت موجات من الفكر العلماني تتسلل على استحياء مع تسرب كل من المتعلمين في المدارس الأجنبية في مصر، أو الذين تلقوا علومهم في أوروبا إلى داخل منظومة الحياة الثقافية، والاجتماعية، والسياسية في مصر سواء داخل جهاز الدولة، أو داخل أبنية المجتمع، بفضل ما حازته هاتان الفئتان من إمكانات مادية، أو وضع اجتماعي، أو سلطة سياسية.


ومع نهاية العشرينيات- من القرن العشرين- بدا أن الفكر العلماني يعمل بإصرار على أن يسيطر على أوضاع المجتمع كاملةً، وأن يصوغ المؤسسات الاجتماعية، ومؤسسات الدولة بطابعه، و أن يفصل الدين عن شؤون المجتمع، وينشئ نظامًا وضعيًا صرفًا، أو يكمل التنظيم العلماني الذي كان قد بدأ مع نهايات القرن التاسع عشر، وكانت أقلام كتاب ومقالات صحف تطالب صراحة بتنحية الدين عن أن يكون له شأن بأي من وجوه النشاط الاجتماعي. (من تقديم المستشار"طارق البشري"لكتاب:"إبراهيم البيومي غانم"، الفكر السياسي للإمام"حسن البنا"، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1992م، ص 12)


الصراع الفكري بين الوافد والموروث:

كانت المعركة بين ما سمي وقتها بـ"القديم والجديد"مستعرة، والصراع على أشده، وشملت تلك المعركة كما يقول"محمد محمد حسين (محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، جـ2، 348) كافة نواحي الحياة، مادية واجتماعية وعقلية وروحية، وكانت رحاها تدور حول المقومات الأساسية للكيان الاجتماعي بدءًا من"الفرد"، مرورًا"بالأسرة"ووصولاً إلى المجتمع بما فيه من هيئات ومؤسسات مختلفة، وظهرت آثار ذلك كله في الصحف التي حفظت صورة دقيقة لتطوراتها، وقد اشتملت هذه المعركة الكبيرة على ميادين كثيرة فرعية برزت من بينها أربعة ميادين، دار النزاع فيها حول: المرأة، والزي، والتعليم، والأدب، واللغة.


ومصداقًا لمقولة الدراسة الأساسية، وهي أن ظهور جماعة الإخوان على الساحة المصرية في تلك الفترة هو تعبير عن تواصل في مسيرة الأمة، ولم تكن انطلاقة من عدم، أو فراغ كما لم تكن انطلاقة مباينة لظروف الفترة السياسية الثقافية والاجتماعية، فلقد ظلت راية الدفاع عن الإسلام، والعروبة تحملها كثير من الأيدي كلما ضعفت يد ناولتها لأخرى؛ حتى في فترة ضعف الأزهر، وتنحيه عن قيادة الأمة لم تعدم الأمة من يدافع عن كيانها، أو يرد عادية التصورات العلمانية عن مناحي الحياة فكرًا، وسلوكًا، ومنهجًا في الحياة.


فنجد مفكرًا وكاتبًا مثل"مصطفى صادق الرافعي"من أبرز من تصدى للهجمة العلمانية الشرسة على ذات الأمة الحضارية في مطلع القرن العشرين، فيخوض المعركة بكتابه (المعركة بين القديم والجديد). وقد صدر هذا الكتاب في أعقاب كتاب (في الشعر الجاهلي) لـ"طه حسين"، وهاجم "الرافعي"الأفكار التي وردت في كتاب الشعر الجاهلي، وحمل على الذين فتنتهم الحضارة الغربية، وأخذ عليهم أنهم يهدمون الدين، ولم يستحدثوا طريفًا، أو يبتكروا بديعًا، وبالتالي فمصيرهم للفناء بفكرهم، وأن البقاء للدين، والجماعة الإسلامية؛ لأنها الأصلح.( محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر).


كما كانت مجلة"الفتح"، وكتابها أمثال"محب الدين الخطيب"و"عبد الباقي سرور"ممن حمل على هذه الأفكار.


كما كانت مجلة"المنار"وصاحبها الشيخ"محمد رشيد رضا"ممن حملوا على تلك الأفكار العلمانية، وكشفوا زيفها، وكذلك الشيخ"محمد الخضر حسين" شيخ الأزهر وقتها.


كما ظل تيار الجامعة الإسلامية يُقاوم ما وسعته المقاومة.


الدعوة إلى التغريب

(ربما كانت لفظة التغرب أدق ترجمة لكلمة westernization من التغريب).


يقصد بالتغريب (أو التغرب)WESTERNIZATION التخلق بأخلاق الفرنجة، والسعي لتشبه بهم، وأخذ أخذهم في طراز المعيشة، وأساليب الحياة بما في ذلك اقتباس الأفكار، والآراء الاجتماعية، والسياسية.


ويبدو من خلال مطالعة أهم الأعمال الفكرية لأبرز ممثلي هذا الاتجاه في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين أن جهودهم قامت على ثلاثة افتراضات أساسية:


الأول: فقدان الثقة في الحضارة الإسلامية، وجدواها في العصر الحديث.

والثاني: عدم جعل الإسلام (الوحي المنزل) مصدرًا أساسيًا للمعرفة، ولا حجة مرجعية يستند إليها.

والثالث: تأييد الغرب، والإشادة بكل ما فيه، وما يأتي منه من مظاهر مدنيته الحديثة(إبراهيم بيومي غانم، مرجع سابق، ص 94) .

وكان"سلامة موسى"من عتاة دعاة التغريب، ففي عام 1927م نشر كتابه"اليوم والغد"وقال في مقدمته:"كلما ازددت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي في الأدب، كما أزاوله، فهي تتلخص في أنه يجب أن نخرج من آسيا (يقصد: نخرج من التفكير الذي جاء من آسيا أي الدين وقيمه، فقد جاء الإسلام من آسيا، لأن مصر ليست جزءا من آسيا جغرافيا) وأن نلتحق بأوروبا، فإنني كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأوربا زاد حبي لها، وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني، وأنا منها … هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرًا وجهرًا، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب.( نقلاً عن: د. علي عبد الحليم محمود، منهج التربية عند الإخوان المسلمين،، المنصورة: دار الوفاء 1991، جـ 1، ص 102) وكانت أهم المسارات التي تخرج دعاة التغرب هي:


- التعليم الأجنبي: إذ كانت المدارس الأجنبية في مصر، ومدارس الإرساليات التنصيرية من أبرز المؤسسات التي عملت على التمكين لفكر التغريب الوافد، ففي حين كانت الأولى تتلقى أبناء النخبة، وتقوم بتعليمهم وفق مناهج، وبرامج، وخطط غربية، وتعمل على سيادة لغة الدولة صاحبة المدرسة سواء كانت إنجليزية، أو فرنسية، أو ألمانية بحيث تحتل من لغة المتعلمين اللغة الأم، وتنزوي العربية وتخمل (يقول شاتليه في كتابه الغارة على العالم الإسلامي : ولا شك أن الإرساليات التبشيرية"التنصيرية"من : بروتستانتية تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تترب مع اللغات الأوربية"شاتليه، الغارة على العالم الإسلامي، تعريب : محب الدين الخطيب).


وكانت الثانية"مدارس الإرساليات التنصيرية"التي لم تكن تكتفي بالحرب على اللغة العربية لغة الإسلام، والقرآن كما تفعل المدارس الأجنبية، وإنما كانت تزيد على ذلك بأن تشوه عقائد التلاميذ، وأن تلقى في نفوسهم، وعقولهم مزيدًا من الشبهات، والأباطيل والمفتريات ضد الإسلام: كتابه ونبيه وتاريخه وتراثه من خلال برامجها، وما تدرسه لهم في مختلف المواد الدراسية.( د. علي عبد الحليم محمود، منهج التربية عند الإخوان المسلمين، مرجع سابق ج 1 ص 237 وأنظر أيضا : أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله، الفكر التربوي وتطبيقاته لدى جماعة الإخوان المسلمين، القاهرة: مكتبة وهبة، 1984، ص 17).


وعندما تأسست الجامعة المصرية عام 1908م استطاع المستشرقون الذين تولوا التدريس بها منذ نشأتها أن يقوموا بدور فعال في إدخال المناهج الغربية للبحث العلمي إلى مصر، فكانت البعثات العلمية إلى أوربا، وما رافقها من حركة ترجمة واسعة عن الفكر الغربي، وكذلك استخدام المستشرقين للتدريس بالجامعة المصرية كلها إجراءات كانت تتم تحت وطأة ضغوط التقدم الغربي، وتحدياته في إطار مشاعر الانبهار، والدهشة من"رفاعة"وحتى"طه حسين"على الأقل، والرغبة في اللحاق بمدنية الغرب.


وقد تمخضت تلك التطورات والإجراءات عبر تفاعلات متشابكة، ومعقدة عن تبلور نخبة فكرية جديدة لها وزنها إلى جوار نخبة الفكر الإسلامي من رجالات الأزهر، وغيرهم تنطلق أساسًا من الإطار المرجعي العام للفكر الغربي، وقدر لها أن تقوم بدور أساسي في الحياة المصرية بصفة عامة، وفي تشكيل مناخها الثقافي خلال النصف الأول من هذا القرن"العشرين". (إبراهيم البيومي غانم، مرجع سابق، ص 75)


نظام الابتعاث إلى بلاد الإنجليز

- فقد نقلت فئة المصريين- الذين أتاحت لهم الظروف الاجتماعية، والطبقية التعليم في الغرب، والتأثر بحضارته- الإعجاب بتلك الحضارة، وتصوراتها للإنسان والكون والحياة، وساعد على نجاحهم ما أسهمت به الظروف من ضعف العلماء، واهتزاز منزلتهم، لذا نادت تلك الفئة من لمصريين بأن يحل المفهوم العلماني الخاص بالدولة القومية محل الفكرة الإسلامية، وتصورت هذه الفئة أن الأخذ عن الحضارة الغربية هو المنهج الأمثل للوصول بالبلاد إلى الرقي والنجاح، فطالبوا بمساواة بين الرجل والمرأة، وإلغاء المحاكم الشرعية، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية.( د. زكريا سليمان بيومي، مرجع سابق، ص 44)


يقول الأستاذ"محمد قطب"عن خطر هؤلاء الذين ابتعثهم الإنجليز؛ ليتلقوا تعليمهم في بريطانيا:"فإذا عاد أولئك المبتعثون، وقد صاروا خلقًا آخر ممسوخًا كل المسخ لا يعرف دينه، ولا لغته، ولا قومه، وينظر إلى ذلك كله بازدراء شامل، فهناك يوضعون في مراكز التوجيه؛ ليكون أثرهم في الإفساد أشمل، وأوسع؛ حتى إذا صار أحدهم في نهاية المطاف وزيرًا للمعارف، أو وكيلاً للوزارة حطم من مقدسات قومه ما لم يجرؤ"دنلوب"نفسه أن يفعل.( محمد قطب، واقعنا المعاصر، مرجع سابق، ص 234)


وكان مما ساعد على نشاط الفكر العلماني والقومي إلغاء"أتاتورك"للخلافة الإسلامية سنة 1924م، وتحويله تركيا لدولة علمانية، وقد أدى ذلك إلى ظهور مؤلفات تنتهج نهجًا علمانيًا في مقدمتها كتاب"علي عبد الرازق""الإسلام وأصول الحكم"، وفي عام 1926م صدر لـ"طه حسين"كتاب"في الشعر الجاهلي"الذي تطرق فيه لشكه في حقائق وردت في القرآن، حيث اعتبر صلة "إبراهيم" الخليل بالعرب، وبناءه وابنه إسماعيل للكعبة أسطورة، وليست حقيقة.


أهم مظاهر الاعتداء على هوية الأمة وذاتيتها الحضارية

شهد المجتمع المصري في أوائل القرن الماضي اشتداد حملات التنصير التي استهدفت المصريين خاصةً من ذوي الحاجات استغلالاً لحالة الفقر المدقع عند كثير من أبناء المجتمع في ذلك الوقت، كما شهد انتشار موجة من الإلحاد في الفكر والانحلال في السلوك، وإذا كانت الأولى من عناصر الظروف الثقافية والفكرية، فإن الثانية من عناصر الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى توالى الدعوات التي تُحرف الأمة عن هويتها.


انتشار حركات التنصير في مصر:

تعود جذور حركة التنصير في العالم الإسلامي ما بعد حروب الفرنجة المسماة بالحروب الصليبية، فلقد أخفق العالم الغربي في التمكين لاحتلال بلاد الإسلام، فلم تهمد حركات المقاومة؛ حتى انتهى العالم الغربي إلى أن يشهر سلاحين كلاهما أفتك من الآخر هما سلاح الاستشراق، وسلاح التنصير، وفي حين اتخذ الأول من رداء العلم والعقل شعاره فقد عمل الثاني على محور أصول الاعتقاد.


ورغم أن حركات التنصير الأوربي قد وفدت إلى الأقطار الإسلامية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلا أنها كانت تنشط وسط المسيحيين الشرقيين من مواطنينا كما يقول الأستاذ"طارق البشري"؛ سعيًا لأن تبني لها قواعد بشرية موالية لها. ولم تكن هذه البعثات في ذلك الوقت تجرؤ على أن تقترب بنشاطها من المسلمين هذا البحر الواسع الذي إذا هاج فقد يبتلع تلك البعثات في قراره السحيق، ويزيد المسلمين غضبًا وحدة في مقاومتهم أي نفوذ غربي.


ولكن تغير هذا الموقف بعد الحرب العالمية الأولى إذ انتقض عقد الخلافة الإسلامية، ونشأت نظم علمانية في بلادنا، وتبنت قيادات دولنا، وقيادات حركاتنا الوطنية هذه النظم الوافدة، وبات الإسلام مجردًا من سيفه، بعيدًا عن سياسة الحكومات، وكل ذلك شجع حركات"التنصير"أن تعمل بين المسلمين، وانعكس ذلك في مؤتمر"المبشرين"بالقدس في 1924م الذي ارتفع فيه شعار: "تنصير العالم في جيل واحد".( طارق البشري، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، مرجع سابق، ص 166)


لذا نجد في هذه الفترة -قبل ظهورجماعة الإخوان المسلمين- انتشارًا قويًا لحركات التنصير في المجتمع المصري، بل لم يقتصر دور المنصرين عند حد مهاجمة العقيدة الإسلامية في محاضرات عامة، بل تعداه إلى التقاط الصبية من أبناء المسلمين، وردهم عن دينهم الأمر الذي أدى إلى ذعر، واستفزاز الرأي العام الإسلامى.( طارق البشري، الحياة السياسية في مصر 1945- 1952 نقلاً عن زكريا سليمان بيومي، مرجع سابق، ص 50)كما لعب الاحتلال دورًا إيجابيًا- من وجهة نظر التنصير- في مساعدة المنصرين.

ولقد حاول المصلحون من كل الاتجاهات الفكرية مقاومة حركة التنصير، فأنشئت مجلة الفتح، وأسندت رئاسة تحريرها للشيخ"محب الدين الخطيب"وهو أحد رموز التيار السلفي.


- انتشار الموجة الإلحادية التي تستهدف هدم الدين

سرت في مصر موجة إلحادية سابقة فترة إسقاط الخلافة، ومواكبة لها، ولاحقة بها، وكان لهذه الموجة من الكتاب، والصحفيين، ومؤلفي الكتب عدد ليس بالقليل، وهؤلاء وإن كان أغلبهم من النصارى الوافدين على مصر من الشام إلا أن منهم نصارى مصريين، ومنهم مع بالغ الأسف مسلمون أسهموا في الترويج لهذا الباطل.( د. علي عبد الحليم محمود، منهج التربية عند الإخوان المسلمين، دراسة تحليلية تاريخية، مرجع سابق، جـ 1، ص 118) وكان من المجلات التي عملت على نشر الفكر الإلحادي في مصر مجلتي: الهلال والمقتطف (مجلة الهلال: هي مجلة شهرية علمية أدبية أصدرها"جورجي زيدان"في مصر عام 1892 وظل يرأس تحريرها إلى وفاته 1914 ثم تولى رئاسة تحريرها ولداه : إميل وشكري زيدان وقد أممت مع تأميم الصحافة في مصر، والمقتطف: أنشاها في بيروت"يعقوب صروف"و"فارس نمر"سنة 1876 ثم نقلاها إلى القاهرة سنة 1885 وكانت من المؤيدين للإنحليز).


كما انتشرت مجموعة من الكتب التي روجت لحملة الإلحاد مثل: كتاب: في الشعر الجاهلي لـ"طه حسين"1926م.

ونادي فيه بالشك في كل شيء، ونادى فيه أن يتجرد الباحث من كل شيء يعلمه من قبل من: "القومية، ومن المسائل الشخصية، ومن الدين، وكل ما يتصل بالدين"وقال"يجب ألا نتقيد بشيء، وألا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح، ذلك أننا إذا لم ننس قوميتنا، وديننا، وما يتصل بهما فسنضطر إلى المحاباة، وإرضاء العواطف، وسنغفل عقولنا بما يلائم هذه القومية، وهذا الدين، وهل فعل القدماء غير هذا؟ وهل أفسد علم القدماء غير هذا؟".


وفي هذا الكتاب كان"طه حسين"مفتونًا بحضارة الغرب، وفكر الغرب، ومنهج الغرب(د. علي عبد الحليم محمود، منهج التربية عند الإخوان المسلمين، مرجع سابق، جـ 1، ص 128)، حيث أثار فيه المؤلف الشك حول تاريخ العرب قبل الإسلام، ولم يقف عند هذا الحد، بل تطرق شكه لحقائق وردت في القرآن الكريم حيث اعتبر صلة"إبراهيم"الخليل بالعرب، وبناءه، وابنه"إسماعيل"للكعبة أسطورة، وليست حقيقة.( محمد محمد حسين، مرجع سابق، ج2، ص 304) ومن الكتب التي روجت لحملة الإلحاد أيضًا:


كتاب د."محمد أحمد خلف الله""الفن القصصي في القرآن الكريم"وقال فيه: إن قصص القرآن قص"فني"يعني لا يتحدث عن حقائق تاريخية، وأشخاص حقيقيين .. إنما هي قصص فنية، مبتدعة من الخيال لأغراض فنية.


كما تعالت صيحات الهجوم على اللغة العربية (وخاصة الفصحى)، وهي دائمًا ما تكون مقدمات للهجوم على الإسلام نفسه.


وتمثلت المعركة بين القديم، والجديد حول اللغة العربية في ثلاثة أمور أساسية:


أولها:إحلال العامية محل العربية الفصحى.


وثانيها:كتابة العربية بالحروف اللاتينية، فدعا"عبد العزيز فهمي"باشا؛ لكتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، كما فعل"أتاتورك"باللغة التركية.


ثالثها: العناية بالآداب الحديثة، وما يتصل منها بالقومية خاصةً، وبما يسمونه"الأدب الشعبي"، ويقصدون به كل ما هو متداول بغير العربية الفصحى (إبراهيم البيومي غانم، مرجع سابق، ص 106)، لكن كل هذه محاولات أيضًا باءت بالفشل كما يقول الأستاذ"محمد قطب".( محمد قطب، واقعنا المعاصر 296) كما انتشرت مجموعة من الكتب ذات توجه علماني، وذلك عقب إلغاء الخلافة مثل كتاب علي عبد الرازق"الإسلام وأصول الحكم".


ففي نوفمبر 1922م فصل "أتاتورك"بين الخلافة والسلطة ونصب الأمير"عبد المجيد"خليفة للمسلمين مجردًا من السلطة المدنية، وقصر الخلافة على الأمور الروحية، وأعلن الجمهورية التركية، فأحدث هذا التصرف حراكًا فكريًا في العالم الإسلامي، وخاصةً مصر، فكتب"رشيد رضا"على ست حلقات في مجلة المنار كتابه: الخلافة أو الإمامة العظمى هاجم فيه تصرفا ت"أتاتورك".


وفي مارس 1924م ألف آخر شيوخ الإسلام في تركيا"مصطفى صبري"كتاب: "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة".


ثم جاء الكتاب الذي أثار الضجة الكبرى ألا وهو كتاب الشيخ"علي عبد الرازق":"الإسلام وأصول الحكم"في إبريل 1925م فما أن صدر هذا الكتاب؛ حتى أثار من المعارك الفكرية ما لم يثره أي كتاب آخر؛ بسبب الظروف السياسية، والملابسات الدولية التي عاصرت صدوره، وفي هذا الكتاب أنكر الشيخ"علي عبد الرازق"أن تكون الخلافة، أو القضاء، أو وظائف الحكم، والدولة جميعًا من الدين في شيء، وقد روج هذا الكتاب للفكر العلماني، وعبَّد له الطريق.


ولقد حاول الكتاب"والكاتب"هدم فكرة الخلافة الإسلامية من أساسها، وكال التهم جزافًا إلى كل خليفة تولى أمر المسلمين، ونفى فكرة الحكومة الإسلامية التي تعين الخليفة في عمله.( د. علي عبد الحليم محمود منهج التربية عند الإخوان المسلمين، مرجع سابق ج1، ص 150)


وقد تصدى للرد على هذا الكتاب الفج المبطل للحق لجنةٌ من علماء الأزهر؛ فأوضحت ما فيه من باطل وزيف، وقد أنهت اللجنة دراستها للكتاب، والرد على باطله بقرار هو: إخراج هذا المؤلف من زمرة علماء الأزهر بما أدان به نفسه في هذا الكتاب، وقد ترتب على هذا القرار أن يفصل من عمله، وهو وظيفة القاضي الشرعي- قاضي في محكمة المنصورة الشرعية- لأنه تولاها بوصفه أحد علماء الأزهر، وقد زالت عنه هذه الصفة بهذا القرار. (المرجع السابق، جـ 1، ص 152) وفي الحقيقة أن هذا الكتاب لم يكن بحثًا أكاديميًا من أبحاث السياسة، أو علم الكلام، بل كان سلاحًا سياسيًا استخدمه صاحبه في معركة سياسية حامية ضد القصر الذي يعاديه الحزب الذي ينتمي إليه- من الأحرار الدستوريين- وضد الأزهر الذي أشيع في ذلك الوقت أنه يريد الخلافة للملك"فؤاد"، وفي نفس الوقت ترويجًا للفكر العلماني. (زكريا سليمان بيومي ص 47، ولقد رجع الشيخ علي عبد الرازق عن تلك الأفكار ونقل عنه الدكتور محمد عمارة انه قال : أن مقولة الإسلام دين لا دولة له كلمة ألقاها الشيطان على لساني)


الدعوة لتحرير المرأة المصرية على النهج الغربي:

ورائد هذه الدعوة هو"قاسم أمين"والمجموعة الفكرية التي أطلق عليها دعاة "الجديد"، أو تبنت التغريب منهج حياة.


ولقد نادى"قاسم أمين"بالدعوة إلى تحرير المرأة المصرية في كتابين -(لقاسم أمين كتاب باللغة الفرنسية اسمه"المصريون"- قبل هذين الكتابين - يرد فيه على رسالة لمستشرق فرنسي أسمه داركور اتهم فيها الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني، وهاجم حجاب المرأة المصرية، فرد قاسم أمين مفندًا مفتريات هذا المستشرق، ودافع عن الحجاب ولمز فيه من تفتح صالونها للرجال وتجالسهم متشبهة بالنساء الغربيات، ووشى بقاسم أمين الوشاة عند الأميرة "نازلي"بأن "قاسم أمين"يعنيها مما أثار حنقها عليه، وكان من رواد صالونها "محمد عبده"و"سعد زغلول"و"محمد المويلحي"الذين اتفقوا مع الأميرة "نازلي"أن يتقدم "قاسم أمين"بالاعتذار إلى سمو الأميرة، ومن هنا بدأ تحول "قاسم أمين"من مدافع عن الحجاب لمهاجم له)- لا يفرق بينهما إلا عام، أو أقل حيث صدر الكتاب الأول"تحرير المرأة"عام 1899م وصدر الكتاب الثاني "المرأة الجديدة"عام 1900م، وخطورة الفرق بين الكتابين أنهما شهدا تحولاً في المرجعية الفكرية لقاسم أمين، ففي حين يدعو في الكتاب الأول إلى الاقتصار في تحرير المرأة على ما أراده الشرع لها فيقول: "ربما يتوهم ناظر أنني أرى الآن رفع الحجاب بالمرة، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإنني لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلاً من أصول الأدب التي يلزم التمسك بها غير أني أطلب أن يكون منطبقًا على ما جاء في الشريعة الإسلامية. ( د. محمد عمارة، "قاسم أمين"تحرير المرأة والتمدن الإسلامي، القاهرة : دار الشروق، ط 2، 1988 ص، 60) وبقول في كتابه "تحرير المرأة" أيضًا: "إننا نطلب تخفيف الحجاب، ورده إلى أحكام الشريعة الإسلامية" فما نادى به "قاسم أمين" في"تحرير المرأة" هو أن تأخذ المرأة المصرية الحقوق التي أعطتها لها الشريعة الإسلامية، وفي مقدمتها التعليم.


بينما نجده يدعو في الكتاب الثاني أن تحذو المرأة المصرية حذو المرأة الغربية حيث أسقط الإسلام في هذا الكتاب، ولم يعد يذكره إنما صار يعلن: أن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية؛ لكي تتقدم، وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله، ويتحرر؛ بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى السير في ذات الطريق الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدى ذلك إلى المرور في جميع الأدوار التي قطعتها، وتقطعها النساء الغربيات، وقد كان من بين تلك الأدوار ما يعلمه "قاسم أمين" - ولا شك- من التبذل، وانحلال الأخلاق، قال: "… ولا نرى مانعًا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا إليها الأمم الغربية؛ لأننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم في المدنية يومًا فيومًا.


"… وبالجملة فإننا لا نهاب أن نقول بوجوب منح نسائنا حقوقهن في حرية الفكر، والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية، حتى لو كان من المحقق أن يمررن في جميع الأدوار التي قطعتها، وتقطعها النساء الغربيات.

ولعل ذلك هو الذي جعل الدكتور"محمد عمارة"- وهو جامع الأعمال الكاملة لقاسم أمين- يرجح، بل يجزم أن "محمد عبده" قد قام بتحرير أجزاء كبيرة من كتاب "تحرير المرأة" على صغر حجمه (عمرو عبد الكريم، قاسم أمين بين تحرير المرأة والمرأة الجديدة، المنار الجديد، العدد الخامس، شتاء 1999، ص 70) ذلك أن "قاسم أمين" قد عالج في هذا الكتاب موضوعات أربعة وهي: الحجاب، واشتغال المرأة بالشئون العامة، وتعدد الزوجات، والطلاق.


وذلك يحتاج لخلفية شرعية لا نحسب أن "قاسم أمين" توفر عليها، فهو في حد ذاته أثر من آثار التغريب الفكري، والثقافي في ديار المسلمين، ذلك ما وضح بجلاء في كتابه "المرأة الجديدة" الذي صرح في أكثر من موضع فيه أنه يريد للمرأة المسلمة أن تتأسى بالمرأة الأوربية.