مثقفون للبيع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٧:١٨، ١٥ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مثقفون للبيع

يمكنك أن تشتري مثقفًا هذه الأيام كما تشتري شقة تمليك أو عمارة، يمكن أن تؤجر قلمًا بالجملة والمفرق كما تؤجر عربة تركبها توصيلة واحدة أو شهرًا أو سنة!.. لا تستغرب هذا يا صديقي, فممكن أن تشتري صحيفةً بأقلامها ومحرريها كما تشتري فندقًا بموظفيه وعماله, ويمكن أن تشتري إذاعة أو قناة تليفزيونية, وتستعمل كل ذلك وتوجهه كما تشاء!!.

فنخاسة الفكر أصبحت لها سوق رائجة هذه الأيام، وأصبح لهذه الأسواق سماسرة ودلالون, يعرضون عليك البضاعة جيدها ورديئها, وينادون عليها كما يُنادى على السلع الاستهلاكية!!.

لا تستغرب هذا يا صديقي, فقد عشنا هذه الأيام ورأينا هذه الأسواق التي كانت تُشترى فيها هذه الأقلام بالجملة والقطاعي, يوم كانت تُقام الأسواق للصحفيين والمثقفين بعناوين مختلفة وتتم فيها الصفقات فيُعطى هذا سيارة فارهة وهذا تُبنى له فيلا فخمة؛ وذلك تفتح له الحسابات في البنوك.

وما زلنا نعيش ونسمع عمن يكتبون ويدافعون عن قضايا لا ناقةَ لهم فيها ولا جمل, بحميةٍ وحرقةٍ وانفعال انتظارًا للأجر الأسخى والجزاء الأوفى.

هذا العهد الثقافي أصبح في الشرق مصيبة المصائب, وأضحى سعارًا ووباءً قذرًا يُمزِّق الشرق الثقافي, ويخرب الضمير العالمي, ويلوث الطهارة الفكرية, ويهدد مصداقية الكلمة, وهذه الخيانة العلمية, وهذا الزور الفكري تسبب إلى حدٍّ مذهلٍ في ضياع هوية الأمة, وفقدان الثقة في معلميها وروادها, وقادة نهضتها وكان وبالاً وخرابًا, قسم الطريق أمام التوجه الصحيح, وبات سيفًا مصلتًا على رقاب المجاهدين بالكلمة الصادقة, والمصلحين بالمنطق النظيف.. والداعين بالحكمة والموعظة الحسنة, بل كان إرهابًا ثقافيًّا مدججًا بأسلحة كثيرة وقوى رهيبة في مواجهة الكلمة المخلصة والفكر الأمين, والقول الناصح.

هذه الظاهرة المتدنية, وهذا الفكر المتسول قديم حديث, ولكنه يقل ويكثر تبعًا لنهضة الأمم وانحطاطها, وقد نبَّه القرآن الكريم إلى خطورةِ هذا الصنف المزور المتسول بالفكر, فقال: ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )(البقرة).

لما بلغ الحال بالعلماء والمفكرين إلى أن يصبحوا سلعةً مهينةً, وباطلاً مزورًا رخيصًا يكون قد تُودِّع من هذه الأمة, ولا بد من كشفِ هذا الدجل وتعرية هذا الكذب الذي تطاول حتى على المقدسات، وويل لأمةٍ قد تصادرها هذا الفكر وواردها هذا الخراب.

والخطاب القرآني واضح في أن هذا سيرتد على الأمة وعلى الخائضين فيه, وواضح كذلك بأن هذا التخريب ثمنه قليل وتافه وسينقلب ويلاً على أصحابه في الدنيا والآخرة.

وتنحدر هذه الظاهرة إلينا لأنها سنة من سنن الهوان والتدني, يقول الإمام الغزالي- رحمه الله-: أعلم أن الخلافةَ بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تولاها الخلفاء الراشدون المهديون, وكانوا أئمة علماء بالله تعالى فقهاء في أحكامه, وكانوا مستقلين بالفتوى في الأقضية, فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرًا في وقائع لا يُستغنى فيها عن المشاورة, ثم جاء من الحكام على منوالهم الكثير, فلمَّا أفضت الخلافة بعد زمانٍ إلى أقوامٍ تولوها بغير استحقاق, ولا استقلال بعلم الفتوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم.

وكان قد بقي من العلماء مَن هو مستمرٌّ على الطراز الأول من الورع وملازمة صفو الدين وعلى سمت علماء السلف, فكانوا إذا طُلِبوا هربوا أو أعرضوا- خوف مصاحبة الظلمة- فاضطر الخلفاء إلى الإلحاحِ في طلبهم لتولي القضاء والحكومة, فكانوا رحمةً للأمة وكلمة صدق, فرأى السفلة عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم, فاشرأبوا لطلب العلم توصلاً إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة, فأكبوا على تعلُّم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة, وطالبوا الولاة بالمال والصلات والهبات, فمنهم من حرم ومنهم مَن أعطى، والمعطى لم يخل من ذلِّ الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزةً بالإعراضِ عن السلطان أذلةً بالإقبال عليهم إلا مَن وفَّقه الله تعالى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.


المصدر : نافذة مصر