محظورة لكنها علنية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٤٩، ٢٥ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (←‏الخاتمة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محظورة لكنها علنية


مساعي الإخوان المسلمين المصرية نحو إيجاد هوية قانونية وتطورات فكرية

بقلم:أ/ منار حسن

مقدمة

شعار الاخوان - لامع.png

في أعقاب الزلزال الذي ضرب القاهرة العاصمة المزدحمة في أكتوبر 1992، تسارعت المنظمات الأهلية الخيرية التي يسيطر عليها الإسلاميون بمسابقة الوقت وحاجز الزمن في احتواء هذه الأزمة واضعةً الحكومة أمام نفسها في التعرف علي الأخطاء الروتينية التي صعدت من هذه المحنة.

ثم كانت قدرات الحكومة المحدودة في تقديم المعونات والخدمات في وقت الفوضى العصيب هذا خير دليل علي هبوط وتدني مصداقية الحكومة عند جموع الشعب.

والأكثر من ذلك أن رد فعل الحكومة علي الإحراج الشعبي هذا كان حاداً إلي حد كبير حيث تم منع الجهود الذاتية والجمعيات الخيرية وما شابه من تقديم أي معونة أو المساهمة علي أي مستوي أو نوع بموجب قرار تم استصداره يسمح فقط للمنظمات الحكومية بأخذ دورها في إنهاء الأزمة دون أدني مشاركة شعبية خيرية.

لكن ساهمت معوقات الحكومة كذلك في عدم القيام بأداء الدور المنوط بها في أسرع وقت ممكن مما أدي إلي حدوث بعض أعمال الشغب التي دلت علي حالة السخط العام الذي منيت به مصر في تاريخها الطويل.

ثم أثارت محاولات مبارك بعد ذلك في تصحيح صورته وإحكام القبضة علي البلاد نفور القوات الفاعلة في المجتمع المدني بمصر.ومنذ هذا الحدث لعب المجتمع المدني دوراً هاماً وخاصةً أن المعارضين وبخاصة الإخوان قد جندوه ليكون مصدر سلطتهم في الحكم الشعبي.

وبحكم كونها أكبر كتلة معارضة في البلاد، جماعة الإخوان المسلمين قطعت شوطاً كبيراً في الاقتراب من التنظيمات الاجتماعية المستبعدة مثل طبقة العمال الحديثة وطبقة الفقراء المتحضرين وطبقة الشباب والطبقة الوسطي الحديثة حيث بنت وشكلت منهم قاعدةً داعمةً لها.

بل إن هناك العديد من رموز الجماعة وشخصياتها البارزة ينتمون إلي هذه الطبقة الوسطي الجديدة ومن ثم إلي النقابات المهنية.

الدكتور أحمد الملط

وعلي سبيل المثال تجد هناك الدكتور أحمد الملط نائب المرشد العام السابق وقد شغل رئيس نقابة الأطباء قبل رحيله عن عالمنا.

فعلي الرغم من أنه قد صدر قرار بحل الجماعة عام 1954 ومن ثم عدم شرعيتها، إلا أنها حاولت ضم العديد من النقابات المهنية مثل نقابة المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة أطباء الأسنان والتجاريين.

وقد تميز الأعضاء بكونهم شباباً متعلماً مثقفاً يدافع عن الحرية وحقوق الإنسان والعمل والدخل الشريفين وذلك من خلال أساليب سلمية آمنة.

ومن خلال تجربتهم في النقابات تم تقديم نموذج عملي أتاح لهم المشاركة في انتخابات مجالس الإدارات ليرسلوا رسالةً واضحةً إلي الشعب بضرورة تغيير الخطاب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

والتاريخ يشهد أن مشاركة المنظمات خارج نطاق الحزب الحاكم قد سمح بتخفيف حدة خيبة الأمل التي يصاب بها الشعب مراراَ وتكراراًً.

فقد نشأت الجماعة ذاتها في ظل متناقضات وطنية عام 1928 علي يد حسن البنا الذي تخرج من معهد إعداد المعلمين الذي حاول أن يخلق معارضة سياسية من خلال تجربة ليبرالية قصيرة المدى معتمداً علي ديمقراطية برلمانية في 1924.

لكن من واقع هذه التجربة، فقد أسهم عدم تبني القيم الأوربية بفعل الاحتلال الإنجليزي المؤلم في البلاد في إحداث حالة من النفور الشعبي الظاهري من النظام البرلماني و دوائر السياسيين والمفكرين الذين يدعون التكلم باسم الشعب لكنهم يجهلون معاناته الاقتصادية ويسيئون لإحساسه الديني.

لقد امتلك حسن البنا رؤية مستقبلية توسعية إلي حد كبير حيث دعي إلي الاستفادة من التقدم التكنولوجي في القرن العشرين دون أدني شعور بمساومة ذلك والقيم الدينية بل إن الشريعة لا تعارض ذلك بل إن غايتها تحقيق مصالح الناس في حياتهم ومعاشهم.

لكن اقتلعت نظرية البنا في الحفاظ علي الهوية مع الأخذ بأسباب التقدم الجماعة التي تأثرت كثيراً بالصراع ضد الوجود الإمبريالي الإنجليزي في مصر،لكن أصبح لزاماً علي الإخوان أن يتركوا نهج العنف ويتجهوا سياسياً للتأكيد علي وجودهم بعد إصدار الحظر القانوني في 1954 بعد حادثة اغتيال عبد الناصر المزعومة.

لذا توجب علي الإخوان أن يسلكوا نهج الحركة الاجتماعية التوسعية وهم آنذاك محافظين علي عقيدتهم وطبيعة التوسع التي تصطبغ به هذه المرحلة.

لذا دفع الإخوان بالعديد من الحلول الاقتصادية مثل إعادة توزيع الأراضي، تقديم مشاريع الرفاهية الاجتماعية،الاستغناء عن الرأس مال الأجنبي بالاستثمار المحلي القومي، بناء مشاريع إسلامية، مشاركة عامة الشعب بأسهم في شركات الإخوان وممتلكاتهم.

ثم كان من المدهش بعد مرور عقود قليلة أن صرح عاطف صدقي رئيس الوزراء في مقبلة له مع الأهرام أن قال "لقد وصل رأس مال المشاريع الإسلامية التي تشارك فيها 180 مؤسسة إلي ما بين 5 إلي 10 مليار دولار عام 1987".

تشكلت هذه المؤسسات من بنوك وشركات استثمار تلتزم بالشريعة الإسلامية أو هي مؤسسات غير ربوية لا تعتمد علي الربا في معاملاتها تهدف إلي تخفيف المعاناة الاجتماعية الاقتصادية عن الشعب المصري.

فرغم هذه الانشقاقات والتصدعات التي منيت بها جماعة الإخوان، إلا أن مثل هذه المشاريع قد أفادت الجماعة في إحلال نوع من الاستقرار.

لم تنجح الجماعة فقط من خلال مشروعها الاجتماعي هذا إلي جانب مسارها التاريخي الثابت، لكنها أيضاً قد انتزعت المجتمع المدني من الحكومة بعد أن أخلت الحكومة سبيله دون عودة أو استدراك.

هذا ولم تعد الجماعة تستند في دعوتها إلي الاحتقان السياسي الاجتماعي أو الصراع الاقتصادي فقط، لكنها من خلال برنامجها الانتخابي في السنين الماضية قد ركزت علي الإصلاحات الديمقراطية التي شكلت قاعدةً سياسية تتحدي الرئيس مبارك ونزعاته الاستبدادية القمعية.

تلك القاعدة التي دعت بلهجة مستمرة التكرار إلي المساواة في التمثيل وإحقاق العدالة الاجتماعية. وعليه كان تصاعد الصخب في المناداة بالتمثيل الديمقراطي، لكن الأهم من ذلك وجوب تتبع الحد الذي صعد إليه الإخوان دعوتهم للديمقراطية لتلبية حاجات الناس ومتطلباتهم.

وبشكل آخر، فمع تصاعد حدة المشاكل المزدوجة الأوجه التي تواجهها مصر في هذه الأيام، ما هو الحلول البديلة التي يتبناها الإخوان لإصلاح هذا الوضع؟.

يأتي شعار "الإسلام هو الحل" ليشن حملةً لا هوادة فيها من أجل إحقاق قيم الديمقراطية والعدالة في التمثيل الانتخابي، لكن لا زالت هناك هالة من الغموض بشأن هذه الرسالة المجملة التي تخفي الكثير من شخصية الجماعة العقدية وتزايدها الواهن.

الظهور في عباءة الديمقراطية الانتهازية

الرئيس السادات

لقد شاركت جماعة الإخوان المسلمين في السبعينات الرئيس السادات في حملته للقضاء علي النزعة الناصرية التي كادت تعصف بالبلاد بعد موت عبد الناصر، الأمر الذي قفز بالجماعة علي صعيد العلاقة التاريخية بين الجماعة والبحث عن الديمقراطية.

بعد موت عبد الناصر قام السادات بالإفراج عن الإخوان الذين اعتقلهم عبد الناصر ثم قام بفتح باب التعددية الحزبية وحل الاتحاد العربي الاشتراكي من أجل استبدال الجناح اليساري بغيره.

تحلي السادات بخطاب ديني مميز انتقده مشجعو القومية العربية إلي حد كبير لكن ساعده هذا الخطاب في تحقيق أغراضه للسيطرة وإحكام السلطة، لكن من جانب آخر قدم بعض السياسات التي أثارت غضب العامة وحنقها الشديد ضد الحكومة.

كان ضمن هذه الحزمة من التغيرات التي قام بها السادات إعادة سريعة لهيكلة الاقتصاد بما يضمن تحويل السوق إلي الاتجاه الرأسمالي.

لقد كانت هذه فقط هي حلقة من حلقات متعددة مميزة أثني عليها الكاتب وعالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم مصرحاً وجود أربعة محاور قام بها السادات: أولاً سياسة السوق المفتوحة أو الانفتاح، ثانياً إرساء عملية الديمقراطية، ثالثاً التحالف مع الغرب بدلاً من السوفييت، رابعاً إجراء عمليات التسوية مع المجاور الإسرائيلي.

وبشكل عام، فقد فشل السادات في التعامل مع الحوادث والمستجدات التي فرضها علي النظام الاشتراكي الناصري القديم مما أدي إلي خلق طبقة من العاطلين.

هذا وقد أدت سياسة الانفتاح بالعمالة المصرية إلي الهجرة نحو الدول البترولية العربية الكبري مما أدي في المقابل إلي ظهور البرجوازية القديمة التي قلمت القومية والاشتراكية أظفارها في عهد عبد الناصر.

هذا وقد سمح ظهور البرجوازية المصرية في عهد السادات بمزيد من الاستثمار العربي والأجنبي والإدارة الجيدة له إلي جانب الاعتماد علي التكنولوجيا الحديثة وتقليل حجم القطاع العام.

كما أثر كذلك تدخلهم،البرجوازيين،في العملية الليبرالية علي مستواها السياسي فكانوا أعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي أو ظلوا علي ولائهم القديم لحزب الوفد.

ثم أسهمت بالفعل ازدواجية العلاقة الواضحة بين الصفوة السياسية والصفوة التجارية إلي استبعاد الكثير من طبقة العاملين وعدم الاكتراث بهم حتى زادت نسبة العطالة في مصر إلي 15% كما تضاعفت أعداد الطبقات الوسطي والمتوسطة الدنيا بفعل ذلك.

هذا وقد تأثر بهذه الموجة الإخوان وغيرهم من طبقات الشعب،لكن أصدر السادات حزمة من إصلاحاته لكنها خدمت مصالحه الشخصية إلي جانب مصالح المستثمرين والحلفاء التجاريين له.

ثم ساهم من جديد إعلان السادات إلغاء الدعم علي السلع التموينية وقفز الأسعار وضعف الدخل والمشاكل المعقدة التي ضربت النقل والمواصلات والإسكان وغيرها،أسهم كل ذلك في تنمية شعور قوي عند المواطنين أن حزمة الإصلاحات هذه لم تعد تخصهم بشيء.

ثم سنحت الفرصة للإسلاميين لانتقاد النظام،فصرح عمر التلمساني المحرر السابق في مجلة الدعوة علي سبيل المثال قائلاً بأن سياسة الانفتاح قد تم إعدادها بغرض الرفاهية والاختلاس وليس بغرض إفادة الشعب من وراء الاستثمارات والمشاريع المنتجة.

وضمت بعض الجماعات الأخرى صوتها لتؤكد علي أن هناك بعض المستفيدين من هذه السياسات وأولهم السادات نفسه مؤكدين علي أن الشعب هو الذي يدفع ثمن رفاهيتهم هذه.

لذا تحولت الكفة التي كان يستقوي السادات بها من مشجعيه إلي معارضيه ومنتقديه علي صعيد سياساته الداخلية والخارجية حتى في مسألة علاقته مع الغرب تحديداً وعمل أي تسوية مع إسرائيل.

هذا وقد أعد الإخوان موقفاً نقدياً معيناً ربما وافق عليه العلمانيون و الأحزاب السياسية الأخرى. وعلي الرغم من ذلك فقد بدي هذا الأساس النقدي الذي عرضه الإخوان وكأنه مؤسس علي التظاهر الناقص للتمثيل الديمقراطي الذي عول كثيراً علي أخطاء النظام أكثر من عرض الحلول المناسبة.

ثم صعد الإخوان من خطابهم السياسي وذلك من خلال مجلاتهم الدعوة والاعتصام حيث صرحوا بأن حرية التعبير أمر يكفله الإسلام وتمارسه المجتمعات الإسلامية وليس هبةً أو منةً من الحاكم.

فحينما صعد السادات ضد الإخوان المسلمين استفاد الإخوان من وجهة السادات ودعوته للحقوق المدنية والديمقراطية في إطار صراعهم معه وأدت في النهاية بفوزهم علي كلماته حول الديمقراطية التي لطالما تشدق بها دون أدني عمل أو تطوير علي صعيد أنظمة الدولة ومؤسساتها.

البعد الاقتصادي

بعد اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981 علي يد مجموعة من جماعة التكفير والهجرة،تولي حسني مبارك مقاليد البلاد من تراث خلفه السادات ما بين إصلاحات غير موجهة أو توتر سياسي يعصف بالبلاد.

لقد عاشت جماعة الإخوان فترة السادات وهي مصممة وعازمة علي عدم الانكفاء علي البقاء فحسب،لكن أصرت علي التميز في تلك الفترة التي لم يبدو عليها طابع التحول الحقيقي.

ترك السادات مبارك في أزمة سياسية غير مستقرة الأمر الذي دفعه إلي تطبيق قانون الطواريء لأكثر من ربع قرن من الزمان.لكن لم تكن الأزمة السياسية ي كل شيء،فقد أنتجت سياسة الانفتاح أيضاً علي مبارك الكثير من العاطلين من أبناء الطبقة الوسطي والدنيا مما صعد من الظرف الاقتصادي للبلاد.

وكانت مصر في هذا الأثناء تترنح بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي الذي لم يتم تطويره حتى اللحظة ذاتها،لكن ما زالت هناك قوة ومنعة في الاستثمارات الخاصة والأجنبية مما ساعد علي وجود بعض القوي الاستثمارية ونشأة الاتحادات التجارية علي هذه الخلفية.

لم يتمتع وضع النظام الرأسمالي بالاستقرار المطلوب الأمر الذي أثار حفيظة وحذر مبارك الدائم حتى منعه من تقديم ودفع المزيد من الإصلاحات الاقتصادية حتى لا يقلب عليه المجموعات السياسية الاجتماعية أو ربما يؤدي علي أقل تقدير إلي عدم استقرار الوضع الاقتصادي أكثر مما هو الآن.

لكن أثر تراجع مبارك هذا وحذره المبالغ فيه إلي إغراق البلاد في ديون زادت من 30 مليار حتى 48 مليار في الفترة ما بين تولي منصبه حتى إنهاءه برنامجه الاقتصادي في عام 1990.

قدم مبارك في هذا العام برنامج التسوية الهيكلية والإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ومع تنفيذ برنامجه خلال عام 1991، تم سحب الدعم الأساسي منه.ثم تعاظمت مشكلة مصر الاقتصادية حتى تم تصنيف مصر من أولى الدول الفقيرة في العالم حتى تم تأهيلها لقرض رابطة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي.

ثم كان الانخفاض الحاد في العوائد البترولية في أواخر فترته الرئاسية في 1986 إضافةً إلي رفعه شعار المجتمعات الطاهرة لتعزيز الإنتاجية لرفع مصر من هذه الأزمة التي خلفها الرئيس السادات من أهم العوامل التي أدت إلي فشل مبارك في فترته الرئاسية الأولي.

ومع دخول مبارك في فترته الرئاسية الخامسة بلغت نسبة المتجاوزين لحد الفقر المدقع إلي 3.1% تقريباً أي أنهم يعيشون علي دخل 1 دولار أو أقل في اليوم،بينما بلغت نسبة من يعيش علي حد الفقر المعروف دولياً والمحدد بـ 2 دولاراً في اليوم إلي 43.9%.

فعلي الرغم من أن معدل الفقر قد قل بعض الشيء مقارنةً بإحصاءات البنك الدولي عام 1991 والتي قفزت إلي 4%، إلا أنه من المتوقع فشل مبارك في إحياء المشاريع القروية الصغيرة إلي جانب فشله مع الأحياء الفقيرة.

وإلي جانب الفقر،تجد معدلات البطالة التي قامت المصادر الحكومية بتزويرها بحجة تعريف البطالة،تقفز من 9.9% لعام 2003 /2004 إلي 10.6% لعام 2005 والتي لم تضم أولئك الذين يعيشون علي ميراثهم أو تركتهم أو مدخراتهم والذين لا زالوا يبحثون عن عمل بيد أنهم "عاطلين".

لكن يبدو هذا متبايناً مع تقرير البنك الدولي بشأن نسبة العاطلين الذي ارتفع إلي 30% مع الأخذ في الاعتبار أن معظم العاطلين من الطائفة المتعلمة المثقفة.لذا كانت مشاكل الفقر والبطالة من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع في هذه السنين وربما شكلت ديناميكيات سياسية محددة في مصر بالذات.

وعلي ضوء ذلك،فأي تغيير يستهدف التدهور السياسي والاجتماعي لابد أن يضع حلولاً عملية لهذا الصداع الاقتصادي الذي يخيم فوق البلاد.

فالمعادلة تقول بأنه إذا زاد النظام في أسلوبه القمعي فستزيد المعارضة من شدتها ومن ثم ستطفو علي السطح المشاكل الأساسية التي تزداد حيناً بعد آخر.وبالنسبة للإخوان المسلمين، فإن تدهور الوضع الاقتصادي يمثل بالنسبة لم مادة دسمة لانتقاد النظام كما هو الحال في عام 1986.

لقد منيت البلاد بفشل سياسي خطير في هذا العام حتى كان رد فعل الجماعة عنيفاً من قبل الإخوان ضد مبارك والحزب الوطني الديمقراطي حتى تمكنوا من تحديه في عقر داره حيث الشرعية البرلمانية.

التحالفات الحزبية وتكتيكات المعارضة

لقد أدرك مبارك في هذا الحين أن الاقتصاد واستقراره هو من أهم البواعث علي استقرار البلاد سياسياً واجتماعياً ولاحظ ذلك بكل وضوح في عام 1986 حيث كان منبع المحنة السياسية الأساسي من قبل هذا العامل.

لقد بلغ الإحباط مداه حتى رفعت اتهامات بشأن التدخل لتزوير الانتخابات البرلمانية عام 1984.وفي النهاية أجمعت المعارضة في نوفمبر 1986،الإخوان والأحزاب، بعمل كتلة انتخابية يتم التوافق فيها علي برنامج إصلاحي يستهدف انتزاع قبضة الحزب الوطني علي الأغلبية البرلمانية،رغم وجود معارضات واختلافات أيدلوجية حادة بينهم.

وفي مارس 1987 تلقت محكمة الطعون الإدارية بعض الطعون من قبل حزب التجمع والحزب العربي الاشتراكي. ووضعت كتلة التحالف الإخوان المسلمين في المقدمة لما تملكه من قاعدة شعبية عميقة ومتجذرة.

هذا وقد تنامي هدف الإخوان في الحصول علي فرصتها كحزب سياسي منذ هذا الحدث،لكنها أرادت أن تنال شرف المشاركة السياسية والتشريعية البرلمانية مع الأخذ في الاعتبار عدم قانونيتها في التحرك، لذا كان قبول الجماعة وسعيها للدخول في التحالف.

فعلي الرغم من حدوث اختلافات بين الجماعة وحزب الوفد الجديد في التحالف المنعقد عام 1984،إلا أن تكتيكات الجماعة في العمل ضمن تحالف ما ظهرت جليةً عام 1987 حتى تعلمت الجماعة الاستفادة من التحالف مع القوي الأقل منها في المستوي.

ثم بدي تحالف الإخوان مع حزب العمل الاشتراكي مثمراً إلي حد كبير حيث حصدت الجماعة فيه علي أغلبية المقاعد بعد أغلبية الحزب الوطني الديمقراطي التي وصلت إلي 80%. فحصد التحالف الجديد هذا ستين مقعداً كان للإخوان منها 38 مقعداً.

ثم جاءت انتخابات 1987 المفاجئة حيث أراد مبارك منها أن يخفف الضغط عن حزبه الذي أنهك في الانتخابات السابقة ثم يعطي الفرصة لنفسه في حيازة المدة الثانية في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام نفسه.

في هذا الخضم،جاءت قضية المحامي كمال خالد بمثابة صفعة للحزب الوطني ونسيم يهب علي جماعة الإخوان التي دخلت الانتخابات مستقلةً بذاتها، أكد المحامي من خلالها أن حرمان المستقلين من الانتخابات يشكل اختراقاً دستورياً للقاعدة الدستورية التي تؤكد علي حرية الأفراد فكان بمثابة تهديد عام لشرعية الانتخابات ونزاهة عمليتها.

وبعد النظر في هذه القضية، تم تأجيل الرد عليها لأسابيع لاحقة.وهنا توجب علي مبارك التحرك السريع كي يكسب أرضاً قبل أن يجبره التحالف بدخول مرحلة التوتر السياسي هذه.

ثم سعي التحالف في 5 فبراير لتشكيل تجمع يهدف إلي إلغاء انتخابات 1984 وحل البرلمان وعقد انتخابات جديدة بعد تعديل قانون الانتخابات وإصلاحه.

ثم اخذ مبارك التحالف علي حين غرة وأعلن قبل انعقاد التجمع بيوم واحد أنه سيعلن استفتاءاً شعبياً حول حل البرلمان وعمل انتخابات جديدة وتعديل قانون الانتخابات حيث يسمح لمرشح واحد من المستقلين علي مستوي الدائرة الانتخابية.

ومن الواضح أن هذا التعديل يسمح لمرشح الحزب بمنافسة مقاعد المستقلين بالشكل الذي يمكنه من حيازة 20% من جملة الأصوات.

وتؤكد هذه السياسة أن اليد العليا ستكون لمن لهم اتصال بحملة تمويل الانتخابات والتنسيق الحزبي ومن ثم ستكون الفرصة سانحةً أمام الحزب الوطني الديمقراطي.

وعلي الرغم من ذلك، يحتاج الحزب إلي إحراز 8% من جملة أصوات الاستفتاء الشعبي مع تنحية الأحزاب الحاصلة علي أصوات محلية عالية في الدوائر الفردية لكن لم يتم تهميشهم شعبياً بالأهمية ذاتها.

هذا وقد تمت إدارة الاستفتاء بما يضمن الحصول علي أغلبية تبلغ 90% بالتزامن مع نسبة إقبال الناخبين التي من المفترض بلوغها 70%، لكن أعلن مبارك عقد انتخاباتلاحقة في أوائل أبريل متيحاً للمعارضة مدة سبعة أسابيع لعمل حملتها الانتخابية.

وقد استهدف مبارك من خلال هذه الإصلاحات إضفاء طابع الشرعية من جانب وصفع التحالف المعارض من جانب آخر.

فعلي الرغم من أنه قد قام بهذه الحملة الديمقراطية الجزئية،إلا أنه قدم من جانب آخر تنازلات للمعارضة التي أجرته علي تقديم هذا النوع من الإصلاح مستهدفةً عدم احتكاره للسلطة والحكم في البلاد.

وعلي صعيد الإخوان المسلمين،فقد سمح مبارك للإخوان بالإبقاء علي مكاتبهم وفروعهم ونشر تصريحاتهم ومنشوراتهم رغم قرار حظرها التاريخي.

كما تم السماح للإخوان بدخول الانتخابات بصفة المستقلين أو التابعين لحزب شرعي ما.يجدر بنا القول الآن بأن نظام التحالف قد أثمر في التغيير حيث تعالت أصوات مجهولة تنادي بالإصلاح الحكومي ودعم الديمقراطية وتحقيق الرفاهية الإسلامية.

وعلي الرغم من ذلك،فقد انتهزت جماعة الإخوان فرصة التحالف والمشاركة في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي أدي في المقابل إلي تزيين سلطوية النظام الحاكم واستبداده رغم الشعارات الحساسة المستخدمة في الانتخابات.

وبعدما أخذ التحالف في أخذ موقعه علي الأرض،قام النظام بشن حملة واسعة لاعتقال المتطرفين الإسلاميين بتهمة التخطيط للتدخل المسلح في الانتخابات البرلمانية.

وفي المقابل صرح حزب العمل الاشتراكي بأن قد تمت مداهمة 100 مركزاً خاصاً بالتحالف إلي جانب اعتقال 2000 قيادي من بينهم عدد كبير من مراقبي الانتخابات.

لقد أدى بالفعل إساءة استخدام مبارك لقانون الطواريء بنحت شخصية النظام الحاكم المستبدة الجائرة الأمر الذي أدي إلي إفراز نظام سياسي مستقطب.

لقد تم إجراء العديد من الإصلاحات التي تم إجبار النظام عليها من قبل المعارضة هو الأمر الذي شكل مشكلةً أعمق مما كانت عليه.

لقد استغلت المعارضة ظرف الاحتقان السياسي هذا كأفضل ما يكون ومن ثم وجب علي النظام إعادة فحص سلطة التحالفات في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية لتحقيق شيء أعمق بكثير من مجرد تحالف لتحقيق بعض المطالب الديمقراطية.

لقد دق فوز التحالف هذا جرس الإنذار بتامي التعاطف والمساندة للتيار الإسلامي الناشيء إضافةً إلي فوز الطلاب الإسلاميين المتطرفين بانتخابات الجامعات بعد ذلك.

وعلي صعيد التعامل مع التحالف،فلم يكن التصويت للتحالف بمثابة التصويت لإقامة دولة إسلامية أو تطبيق الشريعة الإسلامية،لكن كان التصويت بمثابة إعاقة انتزاع مبارك للسلطة واستقلاله بها.

لكن لم يكن التحالف هو النتيجة الوحيدة التي تمخضت عنها انتخابات 1987،لكنها أفرزت كذلك نطاق الغموض في شعار مثل شعار الإخوان "الإسلام هو الحل".

لقد تطرق الخطاب إلي مناقشة المحنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد دون وضع الإطارات العملية للحلول المقترحة.

فعلي الرغم من فوز التحالف،إلا أن نطاق العموميات كان قد احتوي بعض التضمينات الكامنة.فجماعة الإخوان كجماعة محظورة قد استفادة من عاملين أساسيين في نطاق علاقتها بجمهور الشعب:

أولها،أن الجماعة قد عملت علي تخفيف المعاناة عن فئة شعبية مطحونة في خضم هذا النظام الاقتصادي المتأزم،وذلك من خلال أعمالها ومشاريعها الخيرية من جمعيات خيرية ودور أيتام ودارس ومستشفيات وما شابه تحت منطق تحقيق العدالة الاقتصادية الاجتماعية حتى كانت مشاركتها في المنظمات الطوعية الخاصة بالغرض ذاته.

والثاني أنها شاركت في النطاق السياسي الشعبي العام حيث أثبتت سخافة أطياف المعارضة الأخرى وهشاشتها.

فعلي سبيل المثال،يذكر الدكتور مصطفي كمال السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن قد تم عمل انتخابات في نقابة المحاميين في 11 سبتمبر 1992 حيث ظهر الإخوان فيها بقوة جبارة بينما ظهرت أطياف المعارضة الأخرى في مشهد ضعيف يعكس حالها علي نطاق الدولة العام.

وعلي الرغم من أن عدد الحاضرين للانتخابات قد كان أقل من 10% كما قام 50 ألفاً آخرين بدفع مستحقاتهم تقدم منهم 12 ألفاً فقط لصندوق الاقتراع،أثبتت انتخابات النقابات تقدم التيار الإسلامي علي أنقاض الظروف السياسية البالغة في التدهور ومن ثم انحصار عدد المعارضين للإسلاميين ليكون كأضعف ما يكون بالنسبة للتيار الإسلامي الجارف في مصر.

وعلي الرغم من ذلك،فقد تبنت انتخابات النقابات مبدأ الانتخابات الحرة النزيهة المبدأ الذي فشلت الحكومة في تطبيقه.

من جانبه صرح الدكتور أحمد الملط نائب المرشد العام للإخوان المسلمين مؤكداً أن الجماعة ستشارك في كل النقابات والجمعيات الخيرية وستتفاعل مع رجل الشارع المصري الذي منعت الحكومة الإخوان من الوصول إليه.

وهنا يشير الملط إلي قانون الجمعيات رقم 100 الصادر بتاريخ 16 فبراير 1993 الذي ينص "ينص القانون الخاص بضمان الديمقراطية داخل النقابات علي أن تتم إزالة سلطة انتخابات الاتحادات من يد النقابات ذاتها لتكون في يد المحكمة والقضاء حيث تري الحكومة ذلك للصالح العام.

كما يوكل أليها تجميع التبرعات و إدارة المشروعات الخارجية الخاصة بالنقابة مثل حملة الإغاثة الخاصة بزلزال القاهرة الأخير.

وقد بات من الواضح أن الحكومة قد باتت علي علم بالمصوتين وعددهم الحقيقي في الانتخابات النقابية الخاصة هذه وكيف أن الأصوات قد آلت للإسلاميين بالدرجة ذاتها.

من جانبه يؤكد الملط علي أن الحكومة قد بذلت ما في وسعها لمنع الإخوان من أية مشاركة في الانتخابات المحلية أو الشرعية إذ هم علي علم تام بأنهم إن شاركوا دون أدني نوع من التلاعب فسيحصدون علي الفوز الساحق الذي لا جدل فيه.

فعلي الرغم من حظرها القانوني،إلا أن جماعة الإخوان قد شكلت جناح المعارضة الأعظم لنظام مبارك.

لكن تجنب الإخوان نشر برنامجهم السياسي والخوض فيه بالتفصيل،لكنهم ركزوا علي توضيح نقاط اللبس حول برنامج الجماعة من خلال طرح أجندة تؤكد علي تواجدهم القانوني الشرعي من خلال حملة واسعة مركزين علي خطاب التعددية في التحالف وتعديل النظام الديمقراطي المعيب حتى يؤدي مفاده.

ولم يعد هناك أدني معرفة عن أسباب إرجاء الإخوان من تجربة انتخابات 1987 حتى يتم ظهورهم في 2005، من انشقاق داخلي في الصف أو ضغوط خارجية علي الجماعة أو إرادة توسيع شعبيتها وأرضيتها المتجذرة حيث تم ظهورهم بنفس الهالة من الغموض التي لحقتهم رغم فوزهم وحصولهم على الشرعية البرلمانية.

وعلي الرغم من ذلك، فقد قدمت انتخابات 2005 ديناميكية مختلفة أبدت نجاحها حول نظام التحالف الجديد.

التحالفات المدنية

"ليست لدينا حل سوى الإصلاح"، قائل هذه العبارة هو نائب المرشد العام خيرت الشاطر في مقال له نشرته الجارديان البرطانية تحت عنوان " لا حاجة للخوف منا"، كان ذلك في أعقاب فوز الإخوان بانتخابات الإعادة في 2005.

ذهب الشاطر بعيداً حيث عرف هدف الإخوان وهو "القضاء علي احتكار السلطة في فرد واحد ومن ثم دعم المشاركة الشعبية في النشاط السياسي".

وفي منتصف الطريق في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية،بلغت نسبة فوز الإخوان إلي 24.6% من أصل 308 مقعداً بهدف الوصول إلي نسبة الربع أو 100 مقعد من أصل جملة مقاعد المجلس البالغ عددهم 444.

وحيال تضاعف عددها بالمقارنة بالانتخابات السابقة،لم يتبدد الفوز الذي حصلت عليه الجماعة منذ أن اتخذت من "الإسلام هو الحل" شعاراً لها.

فعلي العكس من انتخابات 1987 التي اعتمدت علي التحالفات في إطارها السياسي،فبعد ذلك بعقدين من الزمان أصبح التحالف ذا طابع مدني إضافةً إلي طابعه السياسي حيث شمل التفاعل المدني.

بهذا الخصوص،ظهر علي الساحة حركة كفاية المدنية التي أصبحت لسان حال الشعب المصري وقد تكونت من أطياف سياسية مختلفة لكنها أجمعت علي بعض القضايا التي ربما مثلت خطراً بمصالح مصر العامة.

فطبقاً للبيان الرسمي لحركة كفاية،يبدأ الإصلاح السياسي في مصر بإنهاء احتكار السلطة الحالية في البلاد وعلي رأسها منصب الرئيس.

ثم دعت كفاية مجدداً إلي إنهاء تمركز السلطة في الحزب الحاكم وما يملكه من سلطات ووسائل تعينه علي ذلك، وكذلك إنهاء قانون الطواريء وكل القوانين التي تحد من حريات الشعب والحيلولة دون الوصول لرغباته وتطلعاته،ثم إصلاح دستوري يهدف إلي انتخاب الرئيس ونائبه من بين جموع الشعب وألا تزيد مدته علي اثنين كأقصى حد مسموح به ثم مروراً بإصلاحات الانتخابات البرلمانية وحرية التجمهر والصحافة.

هذا ويتمتع أعضاء الحركة برؤى سياسية انتقائية كما يدعون لإحقاق الديمقراطية ونزع مبارك والحزب الوطني من علي عرش مصر.

هذا وتشترك الحركة مع الإخوان في عدوهم المشترك.فها هو وائل خليل اشتراكي عنيد وعضو في الحركة يقول لجريدة الأهرام ويكلي بأن الإخوان بالنسبة له هم حلفائه دون أدني شك.

ثم يعود فيقول بأن بلطجية الحكومة قد هاجموا الناخبين والمدنيين العزل ونحن في المقابل نقوم بالدعاية لتعهد الإخوان المسلمين في قيام الدولة المدنية علي أرض مصر.

من جانبه أكد القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان بأن نسبة 35 إلي 40 بالمائة من جمهور الناخبين المصوتين للإخوان ومنهم 15 إلي 20 بالمائة قد كانوا معارضين للجماعة قبل ذلك.

هذا ويشير وائل إلي سياسة جديدة في التصويت وديناميكيات حزبية أخرى قد تمت استقطابها لهذا الغرض. هذا وقد كان فوز الإخوان في الانتخابات قد نتج عن تشرذم سياسي مفاده وجود عاملين أساسيين هما: المعارضة ضد النظام.

إضافياً،قاطع 75% من جمهور الناخبين الانتخابات فكان معدل ضئيل من جمهور الناخبين الذين حضروا فاعليات الانتخابات حيث قدر بـ 15% وهذا يدل علي أن سياسات الحزب لم تعد تجدي نفعاً مع جمهور الشعب بصفة عامة.

لكن يبقي جمهور المقاطعين للانتخابات هم الأغلبية ربما بحجة نقصان الانتخابات الشرعية الكافية أو بمثابة الإعلان عن سخطهم تجاه التغيير والإصلاح.

لكن لن تفت هذه المثبطات في عضد الإخوان المسلمين في سبيل تحقيق غايتهم والعمل علي أيدلوجيتهم أو حتى الإجهاز علي فرص حملتهم الدينية الإسلامية.

فقد بنت الجماعة شعبيتها وربت نشأها علي تناول التاريخ للصراع بين الإسلام والحركات القومية والاستعمارية المباشرة وغير المباشرة مما شكل حاجز الثقة بالنسبة لها.

وعلي الرغم من ذلك، فليس ثبات الإخوان بهذا الشكل يعني قوتهم. فقد تم منع الإخوان من الدخول في الكثير من الفاعلياات السياسية الأمر الذي أدي بهم إلي تنحية مشاكلهم الداخلية واختلافاتهم الفكرية علي الهامش.

من جانبها، انغمست جماعة الإخوان في عرض بعض الآراء والتطلعات قصيرة النظر لحل المشاكل الاقتصادية والاضطرابات التي تعصف البلاد، لكنه كانت حلولاً مؤقتة غير مستديمة.

علي الرغم من ذلك، يجدر بنا القول بأن فوز الإخوان في الانتخابات قد أثبت كفاءة وفاعلية فكرة التحالفات والشعارات العامة التي استحثت الشعب المتعطش لسراب الديمقراطية في مصر الآتي من بعيد.

التحالفات في النظام التشريعي

لقد تحالف الإخوان وحزب الوفد الجديد في 1984 كما قلنا سالفاً لكن حدثت هناك اختلافات أيدلوجية أدت إلي إنهاء التحالف.

استهدف حزب الوفد بدايةً أن يحقق نسبة 8% حتى يتسنى له المشاركة في موكب الانتخابات التشريعية. وهنا سنحت الفرصة للإخوان لتفادي حاجز الحظر ومن ثم المشاركة في المجلس. هذا وقد اندفع حزب الوفد بفعل أسلوب سيطرته علي التحالف بالاستخفاف بالإخوان ومن ثم إرجائهم لحزب العمل الاشتراكي ليتحالفوا معه في انتخابات 1987.

فعلي الرغم من أنه هذه التحالفات قد بدت ناجحةً في ظاهرها، إلا أنها تشكل إشكالية صعبة. فصفة التنوع الأيدلوجي التي يتمتع بها التحالف تجبر الحكومة علي التغيير من قوانين انتخاباتها، لكن يبقي أمر تشكيل الحكومة الائتلافية المستقرة من هذا التحالف ومدي ترابطها أمراً يصعب التأكيد عليه، إلا إذا اتحدت اهتماماتهم وتم صبها في قالب واحد يجمعها.

وبغض النظر عن كل ذلك، فقد ظهر علي الساحة في مصر نوع من التحالف لا مفر منه وهو إما أن يكون بين الأحزاب أو بين الحركات المدنية الشعبية يتمثل في البرامج الحزبية السياسية والحملات المشتركة التي أثبتت استحقاقها للفوز الساحق لا محالة.

ففوق كل ذلك، أدي أسلوب المراوغة إلي التغاضي عن إظهار الاختلافات أو المتعارضات ومن ثم جمع الشعب وحشده والحصول علي معارضة ذات كفاءة عالية.

لقد تحدث التاريخ عن مجموعات وحكومات وأنظمة قامت بالانخراط والتعاون مع الهيئات الدينية من أجل الحصول الدعم والمساندة الكافية.

ففي مصر قديماً، إذا أراد البشوات أو الملوك أو الحكام أن يشنوا حرباً علي أعدائهم، لجئوا للأزهر كي يبارك خطواتهم ويمنحهم طابع التصرف والموافقة.

من هنا يمكننا ملاحظة التعقيدات الهائلة في النظام السياسي والقانوني في مصر. تستند مصر في تشريعاتها علي أساس متين من الشريعة الإسلامية وخاصةً الأحوال الشخصية كما صرح بذلك محامي اليسار أحمد سيف الإسلام.

فبما أن الشريعة الإسلامية تتمتع بأساس قوي في التشريع المصري بناءاً علي المادة الثانية من الدستور، فقد سمحت المحاكم للإخوان بحرية التعبير السياسي فيما يخص الشؤون الاجتماعية والقضائية.

فتنص المادة الثانية "الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد واللغة العربية هي اللغة الرسمية والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع" تنص هذه المادة بطريقة مباشرة علي أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، لكن قام الرئيس السادات في 22 مايو 1980 بإصدار بعض التعديلات لاسترضاء القوي الإسلامية وقتها.

وعلي الجانب الآخر، تنص المادة 40 علي أن الناس متساوون أمام القانون حيث يتمتعون بحقوقهم وواجباتهم العامة دون أدني تفرقة بجنس أو عرق أو لغة أو دين أو عقيدة.

فبما أن المادة الثانية من الدستور قد ميزت الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، يحدث التعرض لا محالة بين هذه المادة والمادة 40 التي تنص علي عدم التفرقة بفعل التمايز الديني والعقدي.

ومن جانب آخر، يتمتع الأزهر بسلطة تشريعية واقعة علي الأرض ليجمع بين القانون المدني والسلطة التشريعية من خلال مذهبه الحنفي، لنخلص من ذلك أن النظام القانوني التشريعي في مصر يستند إلي التفرقة علي أساس التيارات السياسية.

لذا كان السماح للإخوان المسلمين ضمن تيارات إسلامية أخرى بالتأكيد علي نقاط عقدية لا يمكن الاستغناء عنها إضافةً إلي انتزاع التعارض التشريعي بين النصوص دون السعي لإصلاحها ليتسبب ذلك في تعارض الكثير من التشريعات مع العقيدة الدينية.

من جانبه قال السيد سابق مفتي الديار المصرية الأسبق بوجوب التفرقة بين الديمقراطية في نظامها الغربي والتي تعني "حكم الشعب بالشعب" وبين نظامها في الإسلام وهو "أن يحكم الشعب باسم الله وبقانون الله وسنته.

استمر مفهوم الديمقراطية الإسلامية آخذاً في العمل حتى يومنا هذا مخلفاً ورائه الكثير من المشاكل والعقبات، لكن مع تواجد الإخوان وتنامي شعبيتهم ينذر ذلك بتواجد قوي سياسية في الواقع لا يمكن التغاضي عنها.

لكن لا يمكن الوقوف الآن علي مدي استعداد هذه الجماعة في الوقت الحالي، فقد أعلنت الجماعة شعارها "الإسلام هو الحل"، لكن هل تعتمد الجماعة علي خطاب مؤسسها فيما يتعلق بحل المشاكل العالقة بمصر؟


الأسس الفكرية

لقد تعرضت مصر إلي مشاكل سياسية واقتصادية بالغة في التعقيد الأمر الذي جعل من برنامج حل هذه المشاكل علي نفس درجة التعقيد وقلة السلاسة.

وبالفعل أثار شعار الإخوان المسلمين الكثير من التساؤلات حول المبدأ العام للإسلام والعدالة الإسلامية.

يقول حسن البنا "الإسلام هو عقيدة وعبادة أو شعب ووطن أو دين ودولة أو روحانية وعمل أو مصحف وسيف" ومن ثم يعتبر القرآن هو مصدر القيم الإسلامية ومنبعها.

فمع تطور مفهوم الديمقراطية في مصر، كيف يأخذ الإسلام السياسي موقعه الآن؟. ففي السياق العام، يعتمد النظام الإسلامي علي الشورى التي تعني المشورة واستجداء الرأي لتحل محل الديمقراطية التمثيلية، إلي جانب الإجماع الذي يساند الشورى ويضيف محتوى الديمقراطية إلي قلب الشورى الإسلامية.

كما تم فتح باب الاختلاف في الرأي لجمع الآراء المختلفة والمتنافرة فيما يتعلق بطبيعة السلطة أو الحكومة أو شتي الأمور الاجتماعية والدينية وعلي رأسها تعددية المذاهب والفلسفات.

لذا كان من المتوقع أن يناقش الفكر الإسلامي الحديث كل المشاكل العارضة ويتعرض للتحديات القائمة والقيم المعاصرة وكذلك الخطابات المتعددة.

لقد أسس الإمامحسن البنا جماعة الإخوان المسلمين فعاشت في عصره في مهب الريح تناهضها ظروف صعبة مما قصر بالجماعة في مناقشة أمور فكرية حجبتها هذه الظروف الصعبة.

كما عاشت الجماعة بمنأى عن الاختلاط بالجماعات مثل الوسطية أو الإسلاميون الجدد وهي الجماعات الوسطية التي انشقت من رحم جماعة الإخوان وأرادت أن تحرر الإسلام من بعض قيوده.

فبعض أمثلة هؤلاء الإسلاميين الجدد الذين يتبنون إدخال الفكرة الإسلامية في الحياة العامة منهم أحمد كمال أبو المجد وفهمي هويدي وطارق البشري.

فالتزامهم بفكر وعقيدة معينة يسبب مصدر الضعف والقوة للجماعة في آن واحد. فمن الجانب الأول، يمثل هذا الجانب مصدر الثبات والتماسك في صورتها وعقيدتها، لكنه يعمل في نطاقات وموجات خاصة به يخلق علي إثرها انشقاقات وتصدعات داخل الجماعة وداخل صف الإسلام السياسي بشكل عام في مصر بأسرها.

فعلي سبيل المثال ما تم عرضه من قبل بعض الإسلاميين في السماح بمشاركة الأقباط للإسلاميين حيث تم عرض الفكرة من قبل حزب العمل حليف الإخوان لترشيح قبطي في دائرة مأمون الهضيبي في انتخابات 1995 لكن رفض الأخير ذلك.

وخير دليل علي انعدام اتحاد الإخوان فكرياً هذا النوع من التضارب في الرؤى والأفكار والأيدلوجيات الأمر الذي يثبت أن فكرة شعار الإسلام هو الحل أو الفكرة الإسلامية بشكل عام لا تتمتع بالتماسك والترابط داخل صف الحركة في مصر.

وفي رسائله، تناول البنا تحت عنوان "إسلام الإخوان المسلمين" أن الإخوان يرون الإسلام ديناً شمولياً يتناول كافة مناهج الحياة جميعها إذ يجمع بين الحياة العامة والخاصة في بوتقة واحدة.

ثم أضاف مؤكداً أن إسلام الإخوان المسلمين هذا يحاول أن يعدل و يسوى هذه الانحرافات التي نتجت عن طبيعة الإسلام المرنة غير المتصلبة.

بالتأكيد، إذا أراد الإخوان أن يعرضوا بعض التعهدات، فسيكون أي نوع من الحل لمشكلة ما من المشاكل نابعاً من عقيدة وفكرة إسلام الإخوان المسلمين.

إذاً فما هي الأسس الفكرية والعقدية للحلول المعروضة؟. من هنا قسم البنا رؤيته حول إسلام الإخوان المسلمين إلي دين ودولة ومنه إلي ثمانية مباديء أساسية.

اعترف البنا في أولاً أن الإخوان دعوة سلفية تسعي إلي عودة الإسلام لمنابعه الأصلية من القرآن والسنة.

وبهذا التوصيف يكون البنا قد أبرز الطريق الصحيح غير الملوث للدعوة السلفية بعيداً عن الأفكار الإسلامية الأخرى.

وعليه ومن خلال العامل السلفي للدعوة يمكننا القول بأن شعار الإخوان "الإسلام كحل" يشكل نوعاً خاصاً من الإسلام.

ومن أجل أن يكون الحوار مرناً يعتمد علي التحيز لعدم المرونة لأنه من المعتقد أن هذا النوع من المرونة يخرج المرء عن التيار السلفي الواجب إتباعه وهو الأمر الذي خلق المحنة التي نحن بصددها اليوم.

هذا ويعتمد فكر الخط السلفي علي طبيعة معينة من الخطاب يتم توجيهها للمسلم وغير المسلم علي السواء.

وجاء المبدأ الثاني والثالث اللذان أقرهما البنا تحت عنوان إسلام الإخوان المسلمين أن دعوة الإخوان حقيقة سنية وطريقة صوفية بالتوازي.

والرابع أن الإخوان منظمة سياسية تسعي إلي تعديل السلطة وضبط العلاقة بين الأمة والعالم من حولها ثم تعزيز إطار الفخر والعزة بالوطن.

ثم يؤكد البنا علي أن نظام الدولة عنده يستند علي الإسلام كما تقع مسؤولية الحاكم أولاً تجاه الحكم وثانياً تجاه حاجات الناس ومتطلباتهم.

وهنا يكمن تضمين ما يقول بأن الحفاظ علي الإسلام كمصدر للسلطة يأخذ موقعاً متقدماً علي حاجات الشعب وأهوائهم.

فهل يتم تقويض الحقوق الديمقراطية إذا تعارضت مع الإسلام؟. وهنا تفادي البنا أي نوع من الاستبدالية الشخصية حيث قال بأن الدولة الإسلامية التي تحكم بمنطلق التفاهم الإسلامي المتبادل تخضع لإرادة الأمة ومشيئتها.

وهنا تجد سلطة الشعب في مراقبة الحاكم وتصرفاته والحكم عليها. وفي غضون دور الأمة في الحاكمية يمدنا هذا بسياق آخر في الساحة السياسية فيما يتعلق بالنظام الانتخابي الديمقراطي.

علي الرغم من ذلك، ما هو الدور المنوط بالأقليات الدينية حسب رؤية البنا في انتخاب الزعماء والقادة؟ وكيف يحصلون علي مصلحة لهم ربما كانت خارج إطار الوحدة الإسلامية؟.

ومن الضروري أن نتعرض لمسألة حقوق الأقليات في غضون سيطرة الأغلبية التي ربما سلبتها حقوقها. لم يتم التعرض لمسألة التعددية كما يجب في إسلام الإخوان كما تم التساهل في تعريف الأمة وتضميناتها الهامة. فأولها علي سبيل المثال، هل الأمة كيان ديني أم قومي؟

وإذا كان دينيا فهل يضم كل المسلمين أم انه محصور للسلفيين باعتبار أنهم مسلمون ملتزمون أم للإخوان المسلمين؟.

علي الرغم من ذلك، ففي إطار تعريف التعددية، صرح المفكر الإسلامي البارز الدكتور محمد عمارة بأن التعددية تقع عند الإخوان ضمن المبادئ الأساسية المعترف بها مثل الديمقراطية والحاكمية والشورى والانتخابات، والتي تعترف بإمكانية وجود أحزاب يسارية.

لكن ربما اختلف الوضع الآن حيث أدلي بعض الإخوان بتصريحات تدعم بعض العقائد الغامضة. ففي الحملة الانتخابية، كان النداء قد شمل الجميع، لكن تبقي بعض المعارضات التي ينبغي استدراكها في الحل بعد ذلك.

ففي حين أن الرأي لا ينقطع ولا تقف الصورة عن حد واحد دون آخر، حسم البنا قضية علاقة الفرد بالجماعة وحددها بحدود أربع: المؤمن والمتردد والنفعي والمعارض السلبي المناهض.

فعلي الرغم من قبول الرأي الآخر المختلف عقدياً، فلم يعد من الظاهر أمامنا خطة الإخوان في التعامل مع معارضات الآخر وأساليبه في المراوغة وخاصةً كونه في موقع الغريم.

لكن اعتمد البنا في رؤيته هذه علي تقليل معدل التعددية بالإجمال. أكد البنا علي أن المنهج الإسلامي يبدأ بالفرد ثم المجتمع، فالمجتمع الإسلامي الذي يستوفي الصفات يكون من ثم مؤهلاً لتكوين الدولة الإسلامية.

فإذا قام الإخوان بإجماع شعبي علي مبدأ الحاكمية، فكيف سيتم إعمال القيم الديمقراطية فيه بعدما تحددت معالمه وأصبح أسير المنهج السلفي في الوقت ذاته؟.

وهنا نتطرق لمبدأ الدعوة التي تنقسم إلي دعوة فردية من شخص لشخص ودعوة عامة في إطار التنظيم والجماعية.

فالدعوة الفردية هي اتصال بين شخص وآخر ربما كان قريباً أو جاراً أو صديقاً له يبحث عن قدوة أو أسوة ومن ثم يظهر للعامة الطريق السليم.

ثم الدعوة العامة التي تقوم بها المؤسسات مثل المساجد وما شابه معتمدةً علي المحاضرات أو الدروس أو الإعلام أو الكتب أو الصحف أو المجلات أو الأشرطة.

ففي حين أن الدعوة نشاط يجب علي كل فرد أن يقوم به دون أجندة أو مخطط سياسي، فهي عند الإخوان تعتمد علي التلقين بعض الشيء فيما يخص إسلام الإخوان.

فالحد الذي يتكلم عنه الإخوان في أنهم قد احتكروا الدعوة السلفية ربما بدي في حيز الغموض، فالإخوان رغم ذلك يلتزمون في دعوتهم إلي تعاليم وقيم محددة أكثر من دعوتهم إلي الصحوة الإسلامية.

فدعوة الإخوان بهذه الطريقة ربما تهدد التنوع والاختلاف في الأمة الأمر الذي يحتاج إلي إعادة تسوية بين أبناء الأمة الإسلامية.

لقد بات من الواضح أن هذه الدعوة تهدد وتحدد مرونة الفلسفة الإسلامية من جانب، كما تحدد نطاق التطبيق في مفترق طرق حيث توجد الكثير من الفلسفات والنظريات التي تتطور بمفعول الوقت والزمن.

كما تحدد المؤسسة الدعوية إطاراً معيناً في تناول قضية الحاكمية يعتمد علي التلقين الذي يحدد القضية ويحصرها حتى لا تكون مادةً للجدل والنقاش ومن ثم يكون الإجماع وتكون الأغلبية الملقنة.

ثم يتحدث البنا هذه المرة في إطار أوسع من ذلك الذي يختص بالدولة وكيانها، حيث يتناول المبدأ الخامس والسادس في دعم الرياضة والثقافة والفكر من خلال بناء النوادي والمدارس من أجل الحصول علي جيل صحي مناسب.

ثم أكمل البنا في مبدأه السابع والثامن الضلع الباقي في الدولة وهو أنها شراكة اقتصادية كما أنها جمعية خيرية.

وفي إطار التنظيم الاجتماعي الذي تناوله البنا، أضاف الأخير في رسائله المسماه "الرسائل الثلاث" هدفين آخرين ضمن أهداف الجماعة السياسية والتنفيذية. أحدها السعي الحثيث لإلغاء نظام الأحزاب ومن ثم تحقيق اتجاه سياسي موحد.

ودعم هذا الرأي مفتي الديار المصرية السابق السيد سابق حيث قال بأن تقسيم الأحزاب يسمح لكل حزب باتخاذ شعبية له تحمل مبادئه وتتعصب لها وتكون هذه المبادئ غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية فيحدث الخصام والفرقة بدافع من العصبية بين جمهور العامة فتحدث الفرقة ويبدأ الشقاق فتكون الحزبية سبباً في التشرذم وليس في التماسك.

وهنا فشل نظام الإخوان السياسي الاجتماعي في توحيد الأطياف حيث لم يضمن للأقليات التمثيل الجيد لحاجاتهم ومتطلباتهم الأمر الذي يشكل عائقاً لهم دون الدفع بأجندتهم الخاصة بهم.

وهنا يعلو صوت الأغلبية علي الأقلية فيحجب وجوده أصلاً. وهنا يدفع هذا النوع من الدمج إلي تنافر القوي حيث لا يمكن الجمع بينهم في إطار التعددية طالما أنه يوجد هذا النوع من التوحيد الضيق الأفق.

ونقطة أخري أكد البنا عليها وهي تقوية أواصر العلاقة بين الدوائر الإسلامية دولياً وخاصة في المنطقة العربية بهدف التأكيد العملي الجاد علي استعادة الخلافة الضائعة.

والخلافة هي الملك الذي خلفه الرسول وخلفه فيه أصحابه فكان الخليفة يلقب بأمير المؤمنين. والخلافة هي حاكمية عالمية إسلامية تتمتع بطابع استعماري إمبريالي في حد ذاتها.

هذا وسمحت الهوة بين الحياة الخاصة والعامة للحاكمية بأن تطبق الخناق علي الحياة الخاصة وتزعم أنها تحدث ما يسمي بالإصلاح الاجتماعي فتفرض "الشرطة الأخلاقية" التي حدد البنا لها مهامها مثل : جلد الزناة، فصل المدارس المختلطة، إغلاق النوادي الليلية، منع الرقص في الأماكن العامة، مراقبة الصحافة المسيئة، وكذلك منع التلفاز والفن الذي يعتبر فاسداً، فرض حظر تجول علي المقاهي ومن ثم استخدامها كأداة تربوية تعليمية بدلاً أن تكون مرتعاً للهو واللعب، تنظيم التبرج والخلوات النسائية في الأماكن العامة مثل الأكاديميين والأطباء، ثم تطوير ملبس إسلامي موحد علي خلاف نظام الملبس الغربي، وغيرها الكثير من الإصلاحات وإعادة الهيكلة في جانب الدولة الاجتماعي الديني.

من هنا يمكننا القول بأن البنا بجمعه بين الحياة العامة والخاصة بهذه الصورة يكون قد أحكم الخناق علي الحرية الفردية وطبع الدولة بطابع موحد.

بل إنه قد صادر حريات المسلم واختياره وجل هذا النطاق الديمقراطي مطبقاً فقط في اختيار الحاكم عن طريق الآليات الانتخابية الديمقراطية.

وفي إطار الخطاب التعددي هذا يكون اعتبار الأقباط بمثابة الأقلية في المجتمع المصري في مقابل الأغلبية، كما أنه قد تم تهميشهم من قبل الأغلبية إضافة إلي أن الحاكمية قد أخرت اعتبارهم في السياق الاجتماعي السياسي.

وبعيداً عن الأبعاد السياسية والاجتماعي في إسلام الإخوان، فقد أكد البنا علي بعض الأبعاد الاقتصادية الواجبة النفاذ في تشكيل الدولة الإسلامية. ففي الحقيقة، لقد أخذت البرامج الاقتصادية موقعاً وسطياً هاماً في العدالة الاجتماعية الإسلامية.

لذا أكدت حملات الإخوان الانتخابية علي البعد الاقتصادي في ظل العمل باقتصاد ناقص قدم الويلات والقلاقل وأحدث الكثير من المشاكل علي الصعيد السياسي الاجتماعي.

واعتمدت الجماعة في رؤيتها للإصلاح الاقتصادي بشكل عام علي رؤىسيد قطب أحد أقطاب الجماعة في الخمسينات إبان حكم عبد الناصر الذي شنق عام 1966.ربط قطب بين مفهوم العدالة والإسلام وألف في كتاباً أسماه "العدالة الاجتماعية في الإسلام".

وفي جزئية سياسة المال في الإسلام، تعرض قطب لمسألة الزكاة وهي الحق الشرعي علي الثروة والذي يؤخذ بمعدل ثابت معلوم.

أضاف قطب بأن الإسلام قد خول الحاكم سلطة تمكنه من الأخذ دون سبب الزكاة من أجل الحفاظ علي شعبه والنهوض به من ظروفه الصعبة التي عصفت به وكذلك من أجل حماية مصالح شعبه والحرص علي المجتمع الإسلامي الذي يرأسه.

وفوق كل ذلك، أضاف قطب مبدأ النصيحة وهو أن تعطي كل ما تملك من ثروات في سبيل الله وهو المبدأ الذي كون مؤسسة "الإدارة المالية".

وبالنسبة للبنا في الاقتصاد الإسلامي، تكون الزكاة هي أهم مصدر للاقتصاد ومن خلالها يتم تنفيذ المشاريع الاقتصادية كما يتم القضاء علي مشكلة الفقر والعوز.

يتم اعتبار هذا المبدأ علي أنه حق المجتمع يؤخذ من أفراده للتأكيد علي أقل حد يمكن أن يساهم به الفرد في حياة مجموعة معينة من أفراد المجتمع. تهدف الزكاة إلي القضاء علي الفقر وضده وهو حيازة الثروة بكل وسيلة.

يؤكد قطب علي أن الإسلام يرفض تماماً وجود تفاوت في الطبقات الاجتماعية بين الناس حتى يعيش بعض أفراد المجتمع في غني فاحش والبعض الآخر في عوز بائس.

وهذا ما أكد عليه الحديث النبوي "لا يؤمن أحدكم من بات مضطجعاً علي فراشه وجاره جائع وهو يعلم".

ويؤكد قطب من جديد علي أنه يتم توزيع الزكاة علي الفقراء والمساكين والعاملين علي توزيعها بصرف رواتب لهم منها وكذلك الذين دخلوا الإسلام حديثاً بغرض تأليف قلوبهم إلي جانب من وقع في الدين بشرط كون الدين غير ناتج عن غرض حرام أو حياة مترفة سببته وغير ذلك من المصارف المختلفة.

وفي المقابل تم تحريم الربا لأن يهدف إلي توسيع الثروة دون أدني جهد كما أنه يشجع علي الكسل والبطالة ثم ربط قطب بين الربا ومرضين اجتماعيين علي درجة كبيرة من الخطورة:

أحدها توسيع الثروة وتنميتها إلي جانب فصل الطبقة العليا عن الطبقة الدنيا، ثم نشأة طبقة عاطلة باطلة اليد تعيش حياة مترفة دون أدني مشقة في العمل يأتي لها المال ولا تذهب إليه حتى يكون هذا المال بمثابة الفخ الذي يجلب عليهم الأموال الطائلة دون مشقة الجمع إلي حد أنهم لا يغرون أحداً علي الوقوع في مثل هذا الفخ لجلب ماله.

لكن ربما تصادف هذه الرؤى عقبات واضحة في مصر بشكل خاص. إذ كيف يتعامل هذا النظام مع الدين الأجنبي بهذا المنطلق؟ وما هي خطة الإخوان في معالجة المجتمع الذي غرق في الديون والاستثمارات؟.

وبهذا الخصوص، وقع الإخوان في مفارقة بين الفكرة والتطبيق وعدم وجود الإطار الجمعي بينهما. علي الرغم من ذلك يبقي البعد الاقتصادي لإسلام الإخوان في طابعه الكلي دون أدني تجزئة أو تفريع.

ثم أكد قطب علي أهمية الملكية الخاصة وجوازها مؤكداً علي أنها ستدعم بعداً خاصاً في سبيل العدالة الاجتماعية في الإسلام.

لذا أصبح متاحاً للفرد حق الملكية في غضون المساواة بين الجهد المبذول والمكافأة المعروضة ومن ثم تشجيع الملكية الفردية والخصخصة.

لكن بقي الإسلام متحفظاً من فتح باب الملكية الخاصة وتشجيعها حتى يتم احتكار المال ومن ثم يدخل المحتكر في حيز الخروج التام عن الدين. ثم كان المحتكر الذي يحتكر حاجات الناس أكثر خطراً علي المحتكر الذي يهوي توسيع ملكيته.

وتشجع رؤية الإخوان الاقتصادية علي عمل المبادرات الخاصة لكن يظل حق الحكومة في التدخل غير المشروط في الحياة العامة محفوظاً لا يتم تجاهله.

فتدعم رؤيتهم التوزيع العادل للثروة بين أفراد المجتمع مع ضمان الفائدة تبعاً للملكية الخاصة. لذا يدعو البعد الاقتصادي في إسلام الإخوان كافة الفرقاء والتيارات المتناقضة من المدافعين عن المساواة الاجتماعية ومن الساعين لحيازة الثروة وتوسيع المال لتبني كلمة سواء من خلال مشروعهم الجديد الذي يؤسس فكرة العدالة الاجتماعية بشكل أكثر عامية واتساعاً.

لكن كيف تستفيد الدولة من هذه السياسات والامكانات المتاحة التي أتاحها إسلام الإخوان فتطبع الاقتصاد اليوم بطابع الاستقرار والهدوء فتحل مشكلة البطالة وتوفر فرص عمل وتحث علي التوفير والاستثمار بدلاً من الاستهلاك والإنفاق وتعد أنشطة مكثفة للعمالة فتحث علي المشاريع الصغيرة حيث تكون تكلفة خلق فرص العمل أقل عشرين مرة من المشاركة في المشاريع الاستثمارية الضخمة؟.

وفوق كل ذلك، فقد اعتمدت الكثير من السياسات التي تحارب الفساد الناجم عن الثروة علي النوايا الحسنة التي يتمتع بها الأفراد الذين يبحثون عن المصالح الإسلامية دون الأخذ في الاعتبار أيُ من المبادئ أو الأفكار الرأسمالية التي تمثل الآن واقعاً معيشاً.

فإذا تم تطبيق هذا النظام الأخلاقي الفردي فكيف سيستفيد من الجمهور وقواعد المجتمع علي مستواها الأخلاقي؟.

وما هي خطة الدولة في التعامل مع أولئك الذين يتبنون أفكاراً غير متلائمة مع هذه القواعد الأخلاقية والذين ينقصهم الحافز الذي يعينهم علي ذلك وكأنهم كنز لكنه مفقود؟.

هذا وقد جمعت حلول الإخوان الاقتصادية بين السياسات الاشتراكية التي ضخمت البيروقراطية في عهد عبد الناصر وبين المكاسب الرأسمالية التي حصلت عليها الطائفة الحاكمة التي أزكت نار الفساد في عهد عبد الناصر.

لكن اعتمد الإخوان أكثر علي مبدأ النية الحسنة في إسلام الإخوان حتى تثبت مساوئ النظامين. لقد اتضح لنا وجود رؤية واضحة في الأجندة التي أرستها رسائل البنا ومبادئه الثمانية حول إسلام الإخوان، لكننا واجهنا بعض الغموض في فهم التكتيكات المصاحبة.

وعلي الرغم من أن حكومة مصر في عهد البنا قد واجهت عدم الثبات بسبب الاحتلال الإنجليزي، إلا أن قد فشلوا في بعض الأحيان لكنهم خرجوا وصعد نجمهم مع تواجد أنظمة وعمليات جديدة.

لذا طور قطب كثيراً من فكرة الإخوان ودفعها نحو الأمام من خلال استراتيجيات ورؤى جديدة دون التخلي عن عقيدتها وأفكارها المؤسسة للجماعة.

من هنا تطورت التكتيكات الخاصة بالجماعة إلي حد بعيد جعلها تقف حجر العثرة في وجه الرئيس القابض علي السلطة في مصر، فكيف تطور مبدأهم الفكري في هذا المضمار؟

التطور الفكري

الشهيد سيد قطب

لقد اصطلح علماء الإسلام علي تسمية الحقبة التاريخية التي تلاها نزول القرآن في منطقة شبه الجزيرة العربية بالعصر الجاهلي.

لكن مدد سيد قطب هذا المفهوم وجعل له سياقاً في عصرنا الحاضر. أكد قطب علي أن المسلمين الذي ينأون بأنفسهم عن تطبيق الدين يعتبرون في نظر الدين في حقبة مثل الحقبة الجاهلية السابقة للإسلام.

ومن خلال كتابه "معالم في الطريق" أكد سيد قطب علي وجود مجتمع جاهلي حتى مع وجود الإسلام في هذا العصر.

لقد ملئت السمات الجاهلية للمجتمع اليوم كل جنباته في كل أشكال هذا المجتمع من عقائد الناس وأفكارهم مروراً بعاداتهم وفنهم وقوانينهم وتشريعاتهم حتى بلغ الأمر المدى الذي نستطيع أن نقرر معه أن الفكر الإسلامي في هذا الحين إلي جانب مصادره وفلسفته الإسلامية قد أصبح من قبيل مصادر الحياة الجاهلية.

ويقع الحل من وجهة نظر قطب في تخلي المسلمين عن تلك الأفكار الجاهلية ومن ثم السعي لإحداث تغيير جذري فيها دون الإجهاز علي أي فضيلة أو فكر صحيح حتى تتم الموازنة بين القوتين.

لذا أصبح لزاماً من الناحية العقدية أن تستقل مجموعة بهذا الفكر وأن تعيش باستقلالية عن هذا العالم الجاهلي.

لذا كانت هذه هي استراتيجية قطب الجديدة التي تم بثها في كيان الجماعة حتى تستطيع التغيير والإصلاح للمجتمع دون الحاجة لاستجداء مساعدة النظام ومعونته.

وبالفعل وبعد مرور حوالي نصف قرن اتخذت الجماعة هذا المنهج ليس فقط في إصلاح المجتمع لكن بالانخراط داخل صفوف النظام وإحداث تغييرات واضحة فيه بل حمله علي تغيير عملياته ومنطلقاته.

لكن كيف ولماذا غيرت الجماعة من مبادئها وأساسياتها علي الرغم من أنه كان بيدها أن تتخلي عن خطة قطب الانعزالية؟.

لقد قدم السادات فرصة ذهبية للإسلاميين يوما ما فتح لهم باب النشاط رغم موقفهم غير الشرعي بهدف القضاء علي الحركة اليسارية وكانت هذه هي أهم معالم برنامج السادات الديمقراطي.

ومع احتكاك الجماعة بالمجتمع أصبح لزاماً عليها أن تلتزم منهجاً معيناً في الحديث وخاصةً مع وجود فرصة الانتخابات.

لقد كان الهدف من الانتخابات هو الحكم والسيطرة، لذا كان لابد أن يتم التوافق علي خطاب يحمل رسالة سامية ليكون من أهم مستهدفات العملية الانتخابية.

لقد دعي البنا إلي توحيد الأمة تحت راية حكم إسلامي موحد، ولازال الحكم بمثابة النظرة الإسلامية التي تدعو إلي نشر العقيدة الإسلامية في إطار الحكم الإسلامي المرتقب.

ويكفينا أن نقول بأن حظر الجماعة قد أدي بها إلي فقدان الكثير من القواعد المطلوبة لمساندة الجماعة. لذا تمت مراجعة بعض المواقف التي اتخذتها الجماعة ومنها موقفها من الأحزاب السياسية بعد أن أخذت في الاعتبار كفاءة هذا الطريق في التغيير والإصلاح.

عارضت الجماعة في هذا الإطار تعاليم حسن البنا التي أدانت الأحزاب السياسية والحزبية بشكل عام متخذةً في وقتها الحاضر الدعوة لتشكيل حزب سياسي من أولويات الجماعة التي تحارب الجماعة من أجل نيلها.

من جانبه وصف الدكتور أحمد الملط نائب المرشد العام سابقاً هذا التغيير الفكري بأنه علي درجة كبيرة من الأهمية.

"لقد سعينا إلي أن نتكلم مع الناس بصراحة وانفتاحية ولا سبيل لنا غير تشكيل حزب سياسي يشرح موقفنا للناس جميعاً وهي لا تزال وسيلة ومكون من مكونات الدعوة وليس بديلاً لها".

إذ يتطلب من الإخوان إن هم أرادوا المشاركة في العملية الانتخابية أن يكون لهم حزبهم المستقل الذي يعبر عن رؤاهم في برنامج حزبي موحد دون الحاجة إلي التحالفات مع القوي والأفكار والأيدلوجيات المناوئة أو غير المتوافقة.

علي الرغم من وجود بعض هذه التغيرات، فقد بقيت هناك نقاط تأسيسية دون مساس بها.علي سبيل المثال: تحرير الإسلام من السطوة الغربية، تأسيس الدولة الإسلامية التي تستقي من الشريعة الإسلامية مصدرها في الحكم لتنفذ تعاليمها وتعطي الأفضلية لمبادئها وأفكارها ونظامها الاجتماعي وكذلك نشر دعوتها المباركة.

كما ثابرت الجماعة في التأكيد علي أن الوحدة العربية لن تكون في سياقها إلا من خلال الإسلام مؤكدةً علي أن وحدة الدول الإسلامية في حكم الفريضة والواجب.

وطبقاً للبنا في تصريحه "إن الإخوان لا سيعون إلي السلطة علي الأمة والقبض علي مقاليد الحكم عليها إذا توفر من يقوم بذلك، فالسلطة والحكم ليست غايةً في حد ذاتها، لكنها لا تعدو كونها وسيلة وأداة".

وأضاف الإخوان "إن المجتمع الإسلامي هو المنوط بتحقيق الحكومة الإسلامية والشعب هو الذي يرشحها ويختارها".

فهذا معني آخر يدعم كلمات البنا التي تقرر بأن الأمة ي المنوطة بالاختيار والترشيح. ومن وراء ذلك، أكد الإخوان علي أن الهدف الأساسي من وراء الدولة الإسلامية هو إرشاد غيرها من المجتمعات للوحدة والترابط ونبذ كافة المنغصات المحفزة للتفرقة وأن يعمل الناس جميعاً تحت راية واحدة تماماً كما كانوا في عهد الرسول.

ثم هم يدعون إلي فكرة الدولة الإسلامية الواحدة المتحدة التي تضم العديد من الدول الإسلامية او هي الدولة الإسلامية العالمية التي تضمن لكافة المسلمين في العالم الإسلامي حقوقهم الإنسانية والحرية والأمان وحرية أداء الشعائر والمعتقدات.

وهذا هو نفس ما دعي إليه البنا من قبل من السعي لعودة الخلافة الإسلامية كما كانت من قبل.وفي مقابلة مع طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة والمفكر الإسلامي والمؤرخ المعروف، أكد في إطار جمع الدولة الإسلامية تحت سلطة واحد علي أنه مجرد وحدة الجماعات أو المنظمات الإسلامية أو إقامة الدولة الداعية للإسلام وتنفيذ قوانينه وشرعه وتطبيق مفاهيمه ومصطلحاته.

وأضاف مؤكداً "لكن هناك الكثير من الاختلافات بين الأهداف العامة والخطوات العملية الممكن تنفيذها علي أرض الواقع في مراحلها الممكنة.

لقد تأسست فكرة الإخوان علي أهداف عامة لكنها افتقرت إلي التطور والتحديث. لذا لم يستطع الإخوان أن يقدموا نسقاً خطابياً جديداً يحتوي علي أهداف ومرامي جديدة.

فلماذا يبقي [الإخوان] علي تلك الأهداف العام رغم أنها تتعارض مع احتياجات الواقع المعيش ومتطلباته؟.

لذا ظهرت هذه العقائد الإمبريالية في وقتها المناسب دون مراعاة القواعد والأسس الديمقراطية. فعلي الرغم من إبقاء الجماعة علي الجذور التي أسستها، إلا أنها غالباً ما تتهم بالانشقاق ووجود التصدعات.

لقد تجمعت بؤر الاختلاف والانشقاق داخل صف الإخوان حول التأويل وما يترتب عليه.المقصود بالتأويل هو التفسير والوصول إلي المعني المقصود من الحكم أو التشريع وهو ما يتم بناء كافة القرارات والمواقف عليه.

لقد اختلف السلف والخلف علي نوعي التأويل العام والخاص للقرآن والسنة وكانت الاتجاهات التأويلية المختلفة.

ويغلب علي الجماعة ترجيح الرأي السلفي علي الرغم من الضغط لجعل الرأي أكثر مرونة وصلاحية.هذا وعلي الرغم من وجود هذه الاختلافات والانشقاقات داخل صف الجماعة، إلا أنها سرعان ما تبقي سراباً ورماداً متحدةً تحت راية واحدة لمواجهة النظام الديكتاتوري الذي سلب الجميع حقوقه الإنسانية.

لذا تتجمع الجماعة خلف نقطة انتزاع الاعتراف وتدافع عنها وترمي كافة الخلافات وراء ظهرها لتكون هي القضية الأولي في ساحتها.

لذا كان هذا التشوه وتلك الإعاقة في التطور الفكري للجماعة التي لا زالت تستند إلي مواقف مؤسسها الأزلية دون أدني تطوير أو ترقية أو حتى محاولة التكامل والتسوية.

وكانت النتيجة أن بقيت الجماعة علي موقفها المعارض الممانع لكن تبقي فلسفاتها وأيدلوجياتها محاطةً بهالة من الغموض الذي يخيم عليها، وقد كان هذا واضحاً وملموساً في الحملات والبرامج الحزبية المقترحة.

وبعد سؤاله عن استخدام الإخوان للشعارات والأيدلوجيات العامة دون الولوج للتفاصيل المملة للأجندة والبرنامج السياسي، صرح الدكتور أحمد الملط النائب السابق للمرشد العام بأنه إن تم الاعتراف القانوني بالجماعة والسماح لها بدخول الانتخابات الشرعية دون أدني معوق إضافة إلي تشكيل حزب سياسي ينوب عنها، ستكون الفرصة سانحةً في هذا التوقيت لإعلان المخطط التفصيلي للبرنامج السياسي.

علي الرغم من ذلك، إذا تم التسليم بأن الإسلام هو الحل وصلاحيته في التغيير لا يتم التعارض عليها، فلماذا يحجبها الإخوان إذاً؟.

وما هو ملموس في هذا الموضوع أن الإخوان لا يتمتعون بتقدم فكري مقارنةً بالماضي الفكري، فإذا كان الإخوان يفكرون أن يستخدموا هذا كمجرد سفينة للمراوغة، فهم يستخدمون هذا المبحث إذاً كتكتيك وليس كعقيدة.

كما أن المصريين لم ينخدعوا بهذه الشعارات التي أثارت فيهم الشكوك وتلك المطالب المستمرة في المطالبة بالحقوق والتي تم اعتبارها علي أنها فرصة لا تعوض للحصول علي تلك الحقوق.

وفي إطار التخفيف من حملة مواجهة شعار الإسلام هو الحل، كتب أحمد غزلان عضو مكتب الإرشاد، لجنة الإرشاد الديني لجماعة الإخوان المسلمين، مقالاً أسماه "ماذا نعني بالإسلام هو الحل؟" وفيه أوضح غزلان أن الإسلام عقيدة وعمل كما أنه مجموعة من الأخلاق التي تخاطب المجتمع كما أنه يهتم بالجزاء والعقاب والأمور الجدلية والحريات وحقوق الإنسان. ربما نلحظ في خطاب غزلان خطاب البنا مع يسير من التغيير والتعديل.

فهو يؤكد علي أن الإسلام يسيطر علي الفرد في نواحي عدة منها ما هو فردي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي، كما أنه يخول الفرد سلطة اختيار قائده ورئيسه علي شرطين اثنين:

أحدها وجوب التزامه بالإسلام والآخر وجوب قبوله عند الناس. لذا تقف عقائد غزلان المغروسة في الإسلام هو الحل عند:

التأكيد علي حرية الأديان وحرية التعبير، تساوي الناس بعضهم البعض وتساويهم أمام القانون، الحفاظ علي الأقليات وحقوقها، الحفاظ علي حقوق المدنيين أمام قادتهم، الاعتراف بحق المعيشة الشريفة المحترمة، الحصول علي وظيفة ذات عائد مناسب، إتاحة حق الملكية الشخصية ما دامت من حلال ويتم إنفاقها في الحلال، مسؤولية الحاكم عن مستوي كفاءة الخدمات العامة، إنهاء الاحتكار وتحديد الربح الزائد، القضاء علي الفساد، وغيرها الكثير في شأن تحقيق العدالة الاجتماعية.

والسؤال كيف يتم تطبيق هذه المبادئ في غضون هذا التوتر السياسي القائم؟. دائما ما يلجأ الإسلاميون لعزل الخصم من خلال الفروض والأطروحات المعجزة للآخر مثل تكفيره أو إخراجه عن الملة. ومثال نصر حامد أبو زيد شائع في هذا الباب.

فقد تم حرمانه من منصبه وإجباره علي تطليق زوجته بادعاء نقده للقرآن ومصادر أخرى دينية بما لا يناسب. أضاف أبو زيد "إن طرد أي شخص من الجامعة يعتبر ثمناً لضمان سكوته".

وعليه، فما هي الواجبات العملية التي حملها الإسلام هو الحل؟. لقد وعد الإسلاميون الجمهور ببعض الوعود وبعض الحقوق لكنهم جعلوا لها حدوداً مقدسة يجب الابتعاد عنها، تبدو قمعيةً في ظاهرها.

لذا، تعصف بمصر أزمة اقتصادية تسبب المزيد من القلق والتوتر الاجتماعي السياسي. قام الإخوان وعرضوا بعض الحلول التي تتناسب فقط واعتقاداتهم الإخوانية البحتة فقط. ففي تحالف الإخوان عام 1987، استهدف الإخوان خطةً اقتصادية مكونةً من ستة محاور:

  1. تقليص البيروقراطية الحكومية والحد من سلطات القطاع العام،
  2. عمل معايير رسمية لرفع معدل الإنتاجية،
  3. القطاع الخاص هو عماد الاقتصاد،
  4. إنشاء نظام بنكي مصرفي دون فائدة بنكية،
  5. الزكاة،
  6. التخلص من التبعية الاقتصادية للغرب واستبدالها بالتكامل العربي الإسلامي الاقتصادي كحل بديل.

كما تم ترويج مفاهيم البنا من جديد حيث تم التأكيد علي الرغبة في الوصول للحد الذي لا يستغل فيه أبناء الطبقة العليا للطبقات الدنيا أو لا يستغل فيه رب العمل عماله ويستعبدهم كما يتم فيه الحصول علي الفوائد بالتقوى والأعمال الصالحة.

كما صرح الإخوان ضمنياً أنهم سينتشلون 28 مليون شخصاً من حد الفقر، إضافةً إلي تقليل معدل البطالة الذي تراوح بين 10 إلي 30 بالمائة وحل مشكلة الديون المتراكمة وذلك من خلال بعض الحلول منها القضاء علي البيروقراطية الحكومية أو تقليصها ومنع التدخل الاقتصادي الأجنبي في البلاد.

إذاً لقد عرض الإخوان عرضاً صحيحاً للحصول علي المثالية الاقتصادية، لكنهم لم يضعوا حلاً واقعياً لمواجهة المشاكل الحالية المتفاقمة.

لم يمكن هذا السياق الإخواني العام الإخوان من تشكيل تحالفات متقاطعة غير متناسقة فحسب، لكن أصبحت أجندتهم أكثر عرضةً للتشكيك والظن أكثر من ذي قبل. لقد أصبح الغموض إذاً عامل تغطية مثالي علي عيوب ومساوئ الإخوان وحواجز التطور الفكري عندهم بالدرجة ذاتها.

وفي النهاية هل الإسلام هو الحل فعلاً؟، يعتقد حسن البنا والإخوان من وسط الكثير من المعارضين للنظام في ذلك، لكن الحقيقة أن الإخوان قد واجهوا المشاكل العامة بوضع أطروحات عامةً أيضاً. لذا كان ذلك أفضل نذير بالتدهور السياسي وضعف الأفق الفكري الأيدلوجي.

الخاتمة

في عام 1992 هز زلزال عنيف أحياء القاهرة، كما تم رفع دعوى قضائية بإجبار نصر حامد أبو زيد الأستاذ بجامعة القاهرة علي تطليق زوجته. وتم استدراج أبو زيد من يومها إلي حيث تصارعت القوتان:

العلمانية والإسلامية. وتصدي لقضيته تحالف قضائي تم تشكيله أشار إلي وجود قوى إسلامية معينة تسيطر علي الجبهة وتدير الدفة.

فكانت القضية بمثابة دق طبول الحرب بين العلمانيين والإسلاميين، ثم لم يحافظ النظام من جانبه علي الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد مما أشعل فتيل الأزمة وأدي إلي حدوث استقطاب في النظام السياسي.

بدت المعارضة في الظاهر محظورة لولا استراتيجية السادات ومبارك بالسماح للإخوان بالتواجد علي أرض الواقع بعد أن قدم السادات ومن بعد مبارك التنازلات المطلوبة فاجتاحت المعارضة النظام الانتخابي.

فما كان من القوي السياسية القمعية إلا أن حجبت الخطاب السياسي للمعارضة فتركز الحديث حول تكتيكات بدلاً من برامج حزبية سياسية وهو الوضع المشاهد علي ساحة الإخوان المسلمين.

فنشأت حركة كفاية و شعار "الإسلام هو الحل" ممثلين أحدث الصيحات في مصر، لكن تصدرت الإصلاحات الديمقراطية الهدف العام للمعارضة دون النظام الرسمي القائم.

فتم رفع شعارات الديمقراطية وإنهاء الفساد وتحقيق الحرية وما شابه مما دل علي سوء التخطيط الفكري الذي تمتعت به الساحة المصرية.

فكانت جماعة الإخوان المسلمين من التي ظلت محظورةً طيلة تاريخها تعمل في دياجير الظلام حتى وقتها الحالي.

وفي السياق العام حيث أجمعت الأغلبية علي موقفها المعارض، سنحت الفرصة أمام الإخوان وخاصةً محاولتها لانتزاع الاعتراف القضائي الأمر الذي خيم علي تطورها الفكري الأيدلوجي.

ربما يجدر بنا القول بأن جماعة الإخوان المسلمين لم تطور بالشكل الكافي منذ تأسيس حسن البنا لتعاليمها كي تصبح مؤثرةً في الوضع القائم ومشكلاته العارضة.

ثم سمح شعار الإسلام هو الحل للإخوان بتبني خطاب الديمقراطية كي تنتزع المستوي التمثيلي من الأنظمة القمعية التي بدأت بخطاب الديمقراطية لأغراض استغلالية.

ومن هنا، لن يكون لمصر نصيب من الإصلاحات الديمقراطية إلا أن تحقق استقراراً سياسياً واقتصادياً لإنهاء مسلسل الاستقطاب السياسي الذي عكفت عليه البلاد ومستلزماته بالحد من سياقات الخطاب العامة التي أضعفت كيانات الأنظمة القمعية وأوهت عزيمتها.