محمد علي عبد الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:١٥، ٧ نوفمبر ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (←‏المصادر)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ محمد علي عبد الله .. ودعوة الإخوان بكفر شكر


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم أ/ علاء ممدوح

مقدمة

مامن شبر في أرض كفر شكر إلا و يعرف من هو محمد علي عبدالله ...

مدرس قرية سنيت الذي قتل غدرا و خيانة على أيدي أذناب الظلم وكلاب الطغيان ، وكل ما أدانوه به :

فرد من جماعة الإخوان المسلمون!!!

قتلوه لأنه كان يصلي و يقرأ القرآن ويقول أوراده ويعلم تلاميذه معاني العزة بالإسلام !!

في الوقت الذي تركوا بل و حموا القتلة وتجار المخدرات ودعاة الرذيلة وغيرهم ممن يعيثون في الأرض فسادا

وصدق الله تعالى القائل :

" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " .

فكيف كانت تسير حياة البطل الشهيد محمد علي عبدالله ؟

وما أول نكبة ابتلي بها ؟

وما هي أحوال أسرته من زوجته و أبنائه بعد غيابه ؟

وماهي النكبة الثانية التي كان فيها اصطفاء الله له بالشهادة ؟

وإلى أين حمل التيار سفينة الأسرة بعد غياب ربانها ؟

كلها أمور سنعرفها في سطور القصة الحزينة ...

نبذة عن حياة المدرس الفاضل محمد علي عبدالله

في مدرسة صغيرة بقرية سنيت مركز كفر شكر قليوبية كان هناك مدرس ليس كباقي المدرسين يعلم التلاميذ المقررات الدراسية و حسب ، إنما بجانب ذلك كان يعلمهم شمولية الإسلام بمفهوم تدركه عقولهم الصغيرة من أجل بناء أجيال تستعيد مجد الأمة الإسلامية ، وتعمل على إزدهار الفضيلة و اضمحلال الجهالة و الرذيلة ... هكذا كان في مدرسته .

وأما في بيته فكان الزوج الفاضل التقي لزوجته فتحية عيد إبراهيم حمودة والأب الحاني المربي مع أبنائه منى ومحمد و مها.

ولكن وما أمرها من كلمة ، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .. ويأبى ذئاب الليل ترك البيوت آمنة فكانت الفاجعة لهذه الأسرة البسيطة .

الاعتقال ... حكاية الألم المرير

كانت البداية التي غيرت مسار سفينة الأسرة رغما عن إرادة ربانها في 23/ 11/ 1954 م حين هاجمته الضباع على خلفية مسرحية المنشية الهزلية وغيبته وراء أسوار السجن الحربي ليرى و يذوق من العذاب و الأمل المرير ما ليس يبينه قلم من الأقلام .

هذا غير ما عانته الأسرة من حاجة مادية ونفسية في ظل اختطاف عائلها الوحيد .

وحكم على المدرس الفاضل محمد علي عبد الله بغير ما ذنب جناه بالأشغال الشاقة 10 سنوات مع وقف التنفيذ ، لكنه خرج بعد عامين في 23/ 11/ 1956 م .

فكيف سارت الحياة معه و أسرته ؟!

يذكر أ. / عادل سليمان و أ. عصام سليمان طرفا من جانب القصة جاء فيه :

" وفي 23/ 11/ 1956 خرج المدرس محمد علي عبد الله .. من باستيل مصر الحربي.. إلى الشارع.. لا إلى المدرسة وفصله وتلاميذه الأحباء .. وأسلمه الشارع ..

إلى الجوع هو وأهله وأطفاله.. فقد كانت وزارة التربية قد أصدرت قرارا بفصله من العمل بتاريخ 32/11/ 1954 أي بعد القبض عليه بأسبوع واحد بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.

كان الانتماء إلى جماعة دينية كفيلا بتجويع الإنسان وترويعه.. عجب..!

وظل المدرس الذي آمن بأهمية مهنة التعليم في بناء الأجيال وإرساء قواعد الحضارات.. يطرق كل باب باحثا عن عمل يقتات منه هو وأولاده الصغار وزوجته.. كان يجد قوت الأولاد الصغر يوما، ولا يجده معظم الأيام..

وكم بات أطفاله الصغار جوعى... وكم ظل هو يزرع الشوارع بلعق أذرع أخطبوط الضياع الذي خرج من باستيل مصر يتسربل به ... ولكنه كان مصرا على الافات من أذرع هذا الأخطبوط اللعين.. واستعان بإيمانه، وبارادة الحرية في الإنسان المؤمن ..

وكان قد بدأ ينشئ فصولا خاصة يعلم فيها الصغار. .بدأ يتخذ من الرصيف والحقل فصلا للتدريس للصغار..

يعلمهم كيف يكونون نافعين لبلادهم ومجتمعاتهم.. وبدأ يكسب قوت العيال.. ولكنه لم ينس الكفاح من أجل حقه في العمل على أرض بلده.. وكانت ثمرة كفاحه، وكفاح إخوانه في المحنة صدور القرار الجمهوري رقم 167 لعام 1960.

وهكذا ظل المدرس المؤمن بأجل الرسالات للمعلم شريدا أربع سنوات .. لم يضيعها، وإنما استثمرها في العمل من أجل تعليم الصغار.. ومن أجل تقوية إيمانه برسالته، وبالحياة..!!

وعاد إلى عمله ليعاود نفس الدور.. ليعلم الصغار ما يتعلم الكبار.. كي يكونوا كبارا.. ويكونوا بذلك وطنا أكبر، وأكثر تقدما وحضارة.. ولكن أجهزة قهر الإنسان.. في مصر تترصد بالرجل ... .وتتبعه ولا تتركه يعيش".

وفي ليلة ليلاء من عام 1965م وتحديدا في 20 / 8 ... عاودت الضباع و ذئاب الليل الهجمة الشرسة دون مراعاة لزوجة مفزوعة و أطفال صغار

ملأ الرعب قلوبهم وبصم بصمته في نفوسهم ليترك منى الابنة الكبيرة صماء بكماء

يذكر ذلك الأستاذان عادل و عصام سليمان في كتابهما "شهداء وقتلة في ظل الطغيان" :

" وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يزوره زوار الفجر من المباحث العامة, ويقبضون عليه بعد ترويع أولاده الصغار وزوجته.. وبعد أسبوع من الابتلاء بالبلاء والهوان لا يجدون شيئا ضد الرجل..

أنه مدرس يعمل من أجل مهنته، ومن أجل تأدية رسالة المعلم على أكمل وجه.. لا يصرفه شيء عن عمله..

وتفرج المباحث العامة عن الرجل في 4/ 9/ 1965 .

.... ولكن بعد أسبوع تقوم قيامة المباحث الجنائية العسكرية لإفراج المباحث العامة عن المدرس ...... ...

لقد رسمت المباحث الجنائية العسكرية دورا مروعا للمدرس محمد عبد الله.. تبينه مكتب تحقيقات قضايا التعذيب بعد إطلاعه على الجناية رقم 12 لعام 1965 أمن دولة عليا .. وهي خاصة بالتنظيم السري للإخوان المسلمين والذي أسند لأعضائه جنايتي تغيير دستور

الدولة وشكل الحكومة بالقوة ... ولكن ماذا خص المدرس في هذه القصة؟

تضمنت القضية البلاغ رقم (5) المحرر بمعرفة العميد «سعد زغلول عبد الكريم» مدير الشرطة العسكرية في 3/ 6/ 1965 والمرفق بالقضية الجنائية المذكورة أن التحريات أسفرت أن عبد الفتاح إسماعيل عضو مجلس قيادة التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين،

والذي حكم بإعدامه عام 1965 من محكمة الدجوي كون تنظيما سريا لهذه الجماعة بمحافظة القليوبية، انضم إليه المجني عليه الذي أثبت قرين اسمه أنه «هارب» ولم يرد اسم المجني عليه ضمن من قدموا للمحاكمة في هذه القضية..!!

وإلى هنا انتهت الملحوظة التي دونها الأستاذ وفيق الدهشان المحقق في مكتب تحقيقات قضايا التعذيب.

ولكن كيف سارت الأمور مع الضحية المسكين، عقب الدور الذي رسمته له المباحث الجنائية العسكرية, بتقرير أحد خبراء التلفيق فيها بالبلاغ رقم (5) الذي حرره أحد كبار رجالها وهو العميد «سعد زغلول عبد الكريم»...؟

أن الذي جري بعد ذلك صورة لها وجهان: وجه مأساوي إنساني... ووجه بربري وحشي.

والصورة تتبلور في أنه في ذلك اليوم المشئوم السادس من سبتمبر عام 1965 وكان لم يمض على الإفراج عن المدرس المسكين محمد عبد الله من المباحث العامة سوى يومين بعد ثبوت براءته.. بعد هذين اليومين كانت الأسرة الريفية الصغيرة الفقيرة تحتفل بعودة عائلها..

ببراءة ساحته.. الأب والزوجة والأبناء الثلاثة أكبرهم ابن في الإعدادية، وأصغرهم بنت في الثالثة من عمرها.. عمر الزهور.. الجميع في فرحة ونشوة لعودة الأب إلى دفء أسرته بعد اعتقال ظنوه يطول، وحمد لله أنه لم يصل لأكثر من أسبوع.. كان هذا لسان حال رجال أسرة المدرس الفقير..

الأستاذ.محمد علي عبدالله وزوجتة وأبنتة

وكانت المفاجأة التي أذهلت الأسرة ليلة احتفالها بعائلها الوحيد..

نازلة ككوارث الأقدار، ومع نزولها بدأت مأسات إنسانية مروعة...

حلمة بربرية على الأسرة العزلاء الوديعة دمرت جميع ما في البيت..

حتى المراتب والمخدات مزقت وأخرجت قطنها حتى سرير الأسرة كسروه..

ضربوا الأولاد... لدرجة أن الصغار بما سمعوه من أبيهم عن وحشية الإنجليز ظنوهم قد عادوا.. وخاصة أن القادمين يحملون شارات حمراء على أذرعهم كخدود جنود الإنجليز، تلك التي وصفها لهم أبوهم المدرس من قبل.. وخدود المداهمين أيضا وردية حمراء منتفخة من كثرة التعذية..

إنها نفس صورة الإنجليز في أذهانهم الصغيرة.. فلماذا لا يكونون إنجليزا؟ ولكنهم يتكلمون العربية, ويسألون الأم فتخبرهم بأنها المباحث الجنائية العسكرية.

وانتهت الحملة البربرية المغولية على البيت الآمن بتدميره واقتياد رب البيت أسيرا.. وهنا حدثت مأساة إنسانية:

الابنة الصغير للمدرس محمد علي عبد الله تتعلق بثوب أبيها،

وهم يختطفونه، وكان يأكل لتوه معها ويداعبها، وتهوى كف غليظة لواحد من الجبابرة على وجه الطفلة التي لم تتعد الثلاث سنوات.. عمر الزهور.. وتصمت الصغيرة إلى اليوم ... خرساء ... صماء أيضا.. لها الله .. وللمجرم انتقام السماء والله عزيز ذو انتقام.."

وجاء أيضا في نفس الكتاب :

" منذ ذلك اليوم 6/9/ 1965 لم يعرف الأسرة مكان اعتقال عائلها ولا التهمة المنسوبة إليه، وعاشت الأسرة حالة ضياع.. أبلغت الزوجة كل مسئول عن اختطاف زوجها، وأنها تريد فقط أن تعرف مصيره.

أين هو الآن ... هل هو حي أم ميت..؟

هل يأكل أم يصوم...؟ هل مريض أم سليم..؟

وعشرات الأسئلة التي تكون في ذهن الزوجة التي اختطف عائلها وأبو أولادها من فوق «طبلية» الطعام، وهم ملتفون حولها.. دون أن يقول لهم إلى أين .. ولماذا يقتاده ذوو الشرائط الحمراء والوجوه الحمراء؟

إن الرد الوحيد الذي تركه هؤلاء للأسرة المسالمة هو الخراب، والدمار في البيت بتمزيق وتكسير كل ما فيه.. والركلات.. والصفعات حتى للصغار.. ولم تنج من ذلك حتى الزوجة «الحرمة» المسكينة ولا الصغيرة التي «انحاش صوتها» و «طرشت» آذانها إلى الأبد.

ولجأت الزوجة فتحية عيد إبراهيم حمودة إلى كل وسيلة لتعرف مصير زوجها.. أبلغت القسم والمباحث العامة ... وكانت الإجابة دائما لا نعرف عنه شيئا.. كانت في المرات الأولى تعرف أنه معتقل .. وتعرف أيضا مكان اعتقاله.. ولكنهم هذه المرة يرفضون أن يقولوا لها شيئا.. أي شيء..

حتى ما إذا كان حيا أو ميتا.. يأكل أم صائم.. مريض أم سليم؟ ولم تكن تدري المسكينة وهي في بحثها الدائم أن كلابا آدمية، وكلابا بوليسية تنهش في لحم زوجها المسكين."

وبعد هذه الليلة لم يسمع أحد شيئا عن المدرس ولم ير بعد ذلك .

وهنا نتحدث قليلا عن أسرة هذا المدرس الفاضل بعد تلك الفاجعة :

الزوجة فتحية عيد إبراهيم حمودة 25 سنة وقت اعتقال الزوج

وقفت صامدة كالجبال الشماءفي وجه جنود الطغيان 12 عاما منذ اختطاف زوجها ليلا.

لم تيأس .. ولم تكل و لم تمل .. حتى عندما انقطع عنها مرتب الزوج ... ووجدت نفسها بلا دخل تعيش منه..ذهبت إلى محافظة القليوبية تطلب الوظيفة أو إرجاع الزوج، أو حتى صرف المرتب - فما كان من أحد أذناب الطغاة إلا أن قال لها:

وظيفة مش هنوظفك...!!

جوزك مش هيرجع لك تاني...!!

مرتب له مفيش.. !! عايزه فلوس..

أنت عارفه الطريق إللي ممكن تكسبي منه دهب..!!

الإبنة الكبرى منى محمد على عبد الله كانت، وقت اختطاف والدها بواسطة المباحث الجنائية العسكرية عام 1965 طفلة لا يزيد عمرها عن ست سنوات كانت تسمع وتتكلم ..وهي اليوم وبسبب الحملة البربرية صماء.. بكماء.. مصابة بأمراض عدة في القولون والأعصاب .... ومصابة بالحساسية .. وتعيش على السوائل.

محمد على عبد الله الابن الثاني بعد «منى» أرت أمه على إكمال تعليمه برغم صعوبة الظرف و الأوضاع المادية ووفقها الله في ذلك

مها محمد علي عبد الله .. .صغرى بنات الشهيد .. أكملت تعليمها أيضا بإصرار الوالدة البطلة يذكر الأستاذان عادل و عصام سليمان في ذات الكتاب بعضا مما مر بهذه الأسرة من حال مرير فيقولان :

" ... تعيش أيام الغربة القاسية الرهيبة التي عاشتها الأسرة بأكملها.. في ظل دولة كبيرة، ومجتمع متحضر، وكأنها تعيش في غابة، الوحوش فيها تتربص بها كل سبيل...!!

فجأة .. بلا مقدمات وجدت الأسرة نفسها بلا عائل، وفجأة وبلا مقدمات.. انقطع مصدر رزقهم الوحيد.. المتبلور في مرتب المدرس.. ربما لم يكن هذا جديدا على الأسرة فقد سبق أن تعرضت لمثل هذه المحنة عام 1954..

ولكن في تلك الأيام البعيدة كانت القلوب رحيمة مؤتلفة!. ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفا تماما، كان الناس على غير عادة أهل الريف وخلقهم .. يخشون الاتصال بالأسرة على عكس عام 1954حيث لم يكن البيت يخلو من الزوار ألا ليمتلئ في تلك الحقبة التي تبدو وكأنها تنتمي إلى عصر غريب آخر.. بل إلى شعب وناس آخرين...

هل فعل الإرهاب والخوف كل هذا التغيير في الناس.. أصبح الناس يخشون البطش والسجن والاعتقال ومصادرة الأموال التي أصبحت سيفا مصلتا بغير أسباب على كل الرقاب.. كل هذه الأشياء تنزل بالإنسان مصر كما ينزل به الموت تماما...بلا مقدمات ولا أسباب ..

لذلك أغلق كل إنسان عليه بابه، وعانت الأسرة من الوحشة في قريتها وبلدها وبين أهلها وذويها.. الكل يخشى!! وكل الجدران لها آذان . وعيون في كل مكان.

ومن يقدم على فعل الخير.. بالخير يؤخذ...!!

ومن يمد يده بالسيف والاعتقال يده تقطع...!!

ولم تمتد هذه المرة للأسرة المسكينة التي اختطف عائلها بالعون يد واحدة..!!

ولا حتى لسان بالسؤال..!!

كانت الألسنة كأنها مبتورة، والأيدي كأنها مقطوعة..

في العيون كلام أخرس !! وفي حركة الرموش حديث أبكم بلا صوت.. حديث الخوف والرعب .. من السجن.. والحراسة والاعتقال .. وهوان الهوان.. الذي يسمع عنه الجميع في كل مكان .. في السجن الحربي.. وفي المخابرات العامة.

أولاد الغائب يطلبون الطعام

علي محمد علي عبدالله

ولما «قرص» الجوع الصغار، فكرت الزوجة في محاولة جديدة لإنقاذهم .. تشجعت الزوجة-التي ترملت وهي لا تدري أنها أضحت أرملة- وذهبت إلى محمد كمال أبو الفتوح محافظ القليوبية، وقد كان ضابطا بالمخابرات العامة, وقرأ عن المدرس المتهم أنه هارب.. وكواحد من الأجهزة الحاكمة في ذلك الحين كان يعرف معنى كلمة هارب في قاموسهم..!!

وكان الرجل لحسن الحظ مؤمنا طيبا، فأمر بصرف معاش الأسرة على مسئوليته الخاصة.. وأصدر أوامره بذلك إلى مديرية التربية والتعليم ببنها .. فماذا حدث حيال أوامر المحافظ من المخابرات أيضا.

كانت أوامر الجلادين أقوى من أوامر محافظ، حتى ولو كان خريج جهاز المخابرات.!!

لذلك أصرت وزارة التربية والتعليم على موقفها في تجويع الأسرة.. فلا مرتب .. ولا معاش!!

وكان لابد للزوجة من البحث عن مخرج لما يعانيه الصغار من الجوع، فهي أم تتمزق وهي ترى أولادها جوعى ... عرايا.. وسط مجتمع يقول أنه مجتمع الكفاية والعدل.. !! وكلما طرقت بابا أوصده «الجلادون» في وجهها في عنف وقسوة .."

الحقيقة ... مزيج السعادة والألم والإصرار

ظلت الأسرة سنوات طوال لا تعلم شيئا عن عائلها إلى أن قالوا للزوجة ذات يوم أن المدرس محمد علي عبد الله هارب !

لم تصدق كيف يهرب وفي اليومين الذين قضاهما في البيت قبل إعادة القبض عليه كان مثخنا بالجراح ومنهك القوى .. جريح كسير يئن من الألم ، حتى أتاها النبأ اليقين بأن الزوج قتل غدرا وغيلة في غياهب سجون الظالمين .

يقول أ.جابر رزق :

" لقد قبضوا عليه يوم 31 أغسطس سنة 1965 وذهبوا به إلى سجن بنها وبقى أربعة أيام عاد بعدها إلى منزله وهو - كما تقول زوجته - في حالة سيئة جدا عندما خلع ملابسه ورأيت جسمه كله باين عليه أثار الضرب بالكرابيج . . وكان متسلخا . . وملابسه لاصقه بجروحه . . ولما سألته :

_ من الذي ضربك هكذا ؟ ! .

أجاب :

عذبوني كي يرغموني علي أن أعترف على حاجات أنا لم أعملها لقد اتهموني بأني من الإخوان المسلمين . .....

ويقول علي حسن عبد الله . . ابن عم الشهيد محمد علي عبد الله :

عندما عرفت خبر عودة ابن عمي إلى بيته توجهت إليه ووجدته مجهدا ولا يستطيع الجلوس ويتألم ألما شديدا فسألته عن السبب فقال لي :

لقد أخذوني لأني متهم بأني من الإخوان المسلمين وذهبوا بي إلى مكتب مباحث شبرا الخيمة وهناك عذبوني كي أدلي بأقوال تثبت أنني من الإخوان المسلمين . . لقد عذبوه بالضرب بالكرابيج . .

وأنهم ربطوه ووضعوه في برميل مياه . . وبقى ابن عمي أياما قليلة في بيته ثم ألقي

القبض عليه مرة ثانية فذهبت إلى ضابط مباحث المركز وسألته عليه فقال لي :

لا تسأل عنه . . وهو بكره سيأتي . . ولكنه لم يعد . . وبعد حوالي عشرين أو 25 يوما " المخبرين " في المركز سألوني عن ابن عمي . . وقالوا لي :

_ هو ابن عمك لم يأت ؟ . .

قلت لهم :

_ لا . . لم يأت ابن عمي ! ! .

فقالوا لي : _ إنه هرب من السجن الحربي وإن النشرة الجنائية تقول هكذا . . فأخذت منهم النشرة ولقيت فيها مكتوبا ابن عمي هرب . . ولما قال لي المخبرون ما قالوا لم أصدق لأن ابن عمي كان مجهدا جدا عندما رأيته يوم 4 / 9 / 1965 عندما أفرج عنه في المرة الأولى ولا يستطيع أن يهرب . .

وتذكرت ما قاله لي ابن عمي من أن هناك ناس كانت تعذب ولما يموت الواحد منهم من التعذيب يقولون عنه قد هرب ."

لقد كانت سعادة الزوجة بنيل الزوج لدرجة الشهادة ... ولكن ألم الفراق امتزج مع هذه السعادة ليزداد الإصرار في المطالبة بحقوق الأسرة المالية ومقاضاة القتلة ..

يقول الأستاذان عادل و عصام سليمان :

" وفي دفتر المقبوض عليهم في السجن الحربي وجد اسم محمد علي عبد الله تحت الرقم (629) وأنه مقبوض عليه بتاريخ 6/ 9/ 1965.

مدرس بمدرسة سنيت بالقليوبية، وأنه هرب من تحت التحفظ، وأخطرت المباحث العامة للبحث عنه!!

وبعد ذلك بعشر سنوات أرسل الأستاذ وفيق الدهشان وكيل أول النائب العام بمكتب تحقيقات قضايا التعذيب،

يسأل وزارة الداخلية عن مصير محمد علي عبد الله، لأن زوجتهفتحية عيد إبراهيم حمودة تقدمت ببلاغ يفيد أن زوجها قتل من التعذيب في السجن الحربي، وأنه لم يهرب، وأن تحت يدها حكما بوفاة زوجها، وحقق الأستاذ وفيق الدهشان وكيل النائب العام بمكتب قضايا التعذيب بلاغ السيدة فتحية عيد حمودة..

وكان طبيعيا أن يكتب إلى وزارة الداخلية سائلا عن المواطن المذكور.. فماذا كان رد وزارة الداخلية؟

ورد إلى الأستاذ وفيق الدهشان وكيل النائب العام الرد التالي وهو مطبوع في سجلات نيابة تحقيق قضايا التعذيب في القضية رقم 665سنة 1976 مدينة نصر تعذيب حتى الموت.

الرد يقول:

• أفادت مصلحة الأمن العام بكتابها المؤرخ 11/ 1/ 1975 أن المجني عليه سبق اتهامه في قضية الإخوان عام 1965 كما سبق النشر عنه بالجريدة الجنائية بالعدد رقم 41 لسنة 1965 بتاريخ 11/ 10/ 1965 تحت بند (2) لهروبه من حارسه أثناء التحقيق معه في السجن الحربي....

وبعد إجراءات مطولة، وجلسات عديدة أحرزت أول نجاح لها منذ اختطف الزوج في 6/ 9/ 1965 بمعرفة المباحث الجنائية العسكرية إذ حصلت على حكم قضائي بوفاة زوجها للغيبة الطويلة، وذلك في 18/ 11/ 1970.. وهكذا وضعت نهاية لما هي فيه، حيث لا هي أرملة ولا هي زوجة...!!

أخيرا أصبحت أرملة، وظنت أن تلك نهاية المشوار.. وتقدمت إلى مديرية التربية والتعليم لتسوية معاش زوجها «لها ولأولادها القصر» ولكن المديرية قالت أنها لا تعترف بهذا الحكم... لماذا .. لا ندري..؟ إلا أنه نوع جديد من الأوامر -غير المرئية- بوضع الشوك في طريق الأسرة .. وكأنه لم يكفهم ما فعلوه بعائلها، أو مازال نتيجة ذلك بها.

وأصرت مديرية التربية والتعليم على تسوية المعاش بصفة معاش أحياء، بحجة أنه سبق أن صدر قرار بفصل صاحبه قبل أن يصدر الحكم القضائي باعتباره متوفى.....

ذلك أن معاش الأحياء 40% من المرتب بينما معاش حالات الوفاة هو 60% .. ".

قصة الإستشهاد

تبدأ الحكاية بعد الإفراج عن محمد علي عبد الله بأسبوع واحد إذ فوجئ ذات ليلة بهجوم شرس من رجال حسن خليل «المباحث الجنائية العسكرية» ثم أخذوه إلى السجن الحربي.. حيث رحلة العذاب التي انتهت بصاحبها إلى الشهادة .

ويحكي إخوانه في زنزانة 99 على إسماعيل سبيع، ومحمد عبد المنعم شاهين، وكمال أحمد إبراهيم، ويوسف فرج يوسف ما حدث :

" دخل علينا الشهيد في شهر سبتمبر عام 1965... وفي أواخر هذا الشهر استدعي كالعادة إلى مكاتب التحقيق بالسجن الحربي.. فغادر الزنزانة وهو في حالة طبيعية سائرا على قدميه، ثم عاد إليها في نفس اليوم خائر القوى لا يقدر على السير، وكان يحمله الجنود على نقالة، وقذفوا به على أرض الزنزانة وانصرفوا .. وأغلقوا الباب وراءهم، وكانت آثار ضربه بالكرابيج بادية على جميع أجزاء جسده، وخصوصا القدمين، والساقين، والظهر.."

كان الشهيد يقول : «حسن كفافي قتلني»..!!و قال أيضا :

" طلب مني حسن كفافي الاعتراف بانتمائي إلى تنظيم سري للإخوان المسلمين، وإننا نتآمر على «قلب نظام الحكم» والعمل على تغيير دستور الدولة بالقوة.. ولما لم أمتثل له أنهال على ضربا بالسياط وبعد أن تعب أمر بعض الجنود بشد وثاق قدمي ويدي ومواصلة الضرب بالسياط بغية حملي على الاعتراف.".

ويكمل وزملاء المجني عليه الحكاية قائلين:

«وظل المجني عليه يردد هذه الواقعة في الزنزانة ثلاثة أيام متوالية، تفاقمت فيها إصاباته، وتورمت ساقاه وتغير لونها، وكانت تنتابه حالات إغماء إلى أن فقد الوعي نهائيا. .وهنا طرقنا باب الزنزانة «99» مخالفين بذلك التعليمات، ومعرضين أنفسنا لخطر الضرب والتعذيب .. ولكن ما حيلتنا وواحد منا يموت..!!

«المهم أن أحد الجنود حضر، وسمح لثلاثة منا: على سبيع، وكمال أحمد، ويوسف فرج، بنقل الشهيد إلى فناء السجن الكبير بجوار حوض المياه حيث ترابيزة غيار «الميكروكروم».

ويستكمل الثلاثة الذين حملوا الشهيد الرواية.. قائلين:

وهكذا .. ارتفعت إلى السماء روح طاهرة لتستقبلها الملائكة بالبسمات لتجعلها في جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك ".

ويؤكد هذه الرواية أ. جابر رزق فيقول :

" .وروى الأخكمال أحمد إبراهيم الذي كان يسكن مع الشهيد محمد علي عبد الله في زنزانة واحدة هو والأخ محمد عاطف شاهين والأخ يوسف فرج والأخ علي سبيع . . يقول كمال :

_ لقد كنت معتقلا في زنزانة واحدة مع الشهيد محمد علي عبد الله بالسجن الكبير في الزنزانة 99 مع الأخوة

علي سبيع . .

وعاطف شاهين . .

ويوسف فرج وقد تعارفنا جميعا على بعض وبقى الشهيد محمد علي عبد الله معنا حوالي عشرة أيام تعرفت عليه خلالها وعرفت أنه كان متهما بأنه من الإخوان المسلمين وحدثني أنهم قد اعتقلوه مدة بسيطة ثم أفرجوا عنه وبعد الإفراج بيومين أو بثلاثة قبضوا عليه مرة ثانية وأحضروه إلى السجن الحربي بالقاهرة . .

وقد أدخل علينا الزنزانة خلال شهر سبتمبر سنة 1965 . . وفي أحد الأيام جاء أحد الحراس ونادي على اسمه وقال له :

أنت مطلوب للاستجواب ! ! .

وأخذه . . وذهب به إلى التحقيق . . عاد لنا بعد ساعة ورأيت رجليه كلها متشرحة داير . . داير وباين عليها آثار ضرب الكرابيج وتنزف دما فسألته :

_ إيه الحكاية ؟ ! .

فقال :

_ أن العسكري أخذه للاستجواب وذهب به إلى مكتب واحد ضابط اسمه حسن كفافي وكان الضابط يقول له : _

تكلم . .

فكان يرد على الضابط حسن كفافي ويقول :

_ أنا ما عنديش كلام . . ولما رفض أن يتكلم قام حسن كفافي وأمر العساكر فكتفوه وعلقوه وضربوه بالسياط . . ولما اشتد عليه الضرب قال لحسن كفافي :

_ يا بيه ارحمني . . ! ! . . فرد عليه حسن كفافي وقال له :

_ لو فتحت صدري ما تلاقيش فيه قلب ! ! .

واستمر العساكر يضربونه حتى مزقوه . .

ثم أعادوه إلينا في الزنزانة . .

وقد حكي لي الشهيد قصة تعذيبية . .

وبعد حوالي ثلاثة أيام كانت ساقاه تزداد سوءا . .

وتورم أكثر وتغير لونها بعد أن كانت حمراء من الضرب ازرقت . .

وبدأت تنتابه حالات صرع يتشنج فيها ويفقد وعيه وكنا ندق على باب الزنزانة عشان يأتي أحد ويلحقه أو يذهبون به إلى المستشفي ويعملون له اللازم . .

كان الكلام ده ليلا . . وجاء أحد الحراس وقال لا يوجد أحد في المستشفي الآن . .

غدا صباحا . . نذهب به . .

وبقى الشهيد محمد علي عبد الله فاقد الوعي طول الليل وبين الحين والحين يصدر منه أنين . . وفي الصباح حضر أحد العساكر وقال لنا : هاتوا الولد اللي عندكم ! !

فحملته أنا وأحد زملائي في الزنزانة وهبطنا به السلم وسلمناه لأحد العساكر ويعمل تمرجيا وكان يوجد سرير في الحوش بج وار فسقية الماء فقال لنا :

_ ضعوه على السرير . . فوضعناه على السرير جالسا . . وعندما جلس على السرير شهق شهقة ووقع على السرير . . ومات ! ! .

وعندها أمرنا العساكر للخلف در . . ودرنا بالخطوة السريعة إلى الزنزانة ولا نعرف ماذا حدث بعد ذلك ولكن العساكر حضروا وأخذوا مهماته ولا أعرف أين ذهبوا بها ."

جند محمد صلى الله عليه و سلم

هكذا كان محمد علي عبد الله جنديا يخدم الدعوة ويفتديها ...

فلم تكسر كرابيج الجلادين الصمود و الإباء فيه ، وثبت أسدا هصورا في وجه عبد الناصر و زبانيته الذين حولوا جبل المقطم إلى مقبرة تضم مئات من أجساد المؤمنين الثابتين الذين اصطفاهم الله للشهادة في سبيله.

رحم الله الشهيد المعلم الفاضل محمد علي عبد الله وجزاه عن الإسلام خيرا .

المصادر

للمزيد عن الإخوان في القليوبية

ملفات ومقالات متعلقة

أهم أعلام الإخوان في القليوبية

تابع أعلام الإخوان بالقليوبية

وصلات فيديو

.