مذابح الإسلاميين في سجون العسكر الحلقة الأولى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٥:٢٥، ٢٦ أغسطس ٢٠١٨ بواسطة Taha55 (نقاش | مساهمات) (←‏الإخوان والجيش)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مذابح الإسلاميين في سجون العسكر (الحلقة الأولى)


مقدمة

الجيوش هي عماد الدفاع عن أمن دولها براً وبحراً وجواً، ويتم تشكيلها وتسليحها وتدريبها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تضعها الدولة. وفي المقام الأول تعتبر مهام الجيش حماية الدولة من الاعتداء الخارجي, والمحافظة على الحدود البرية والمياه الإقليمية, والمجال الجوي للدولة. كما يتدخل الجيش أحياناً في حالة فشل أجهزة الأمن المدنية, في السيطرة على الأوضاع الأمنية بداخل الدولة، للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين دون التدخل في الشئون السياسية أو التحول بالبلاد عن المسار الديمقراطي.

تتكون الجيوش من مَجموعةٍ كبيرة من الجنود المسلّحين والمُجهزين بمختلف أنواع الأسلحة حسب مواقعهم، يَسعون لتحقيق مجموعة من الأهداف قد تكون عسكريّةً أو اقتصاديّةً أو سياسيّة، عن طريق قتال جهة أخرى، ربّما تكون جيشاً آخر.

ومن الواضح أن الحياة المدنية ارتبطت بالطبيعة العسكرية في معظم أوقات التاريخ – خاصة الإسلامي - غير أن الرابط بين الجهاد في سبيل الله وبين الأسلوب العسكري قد جعل من الخليفة الحاكم هو زعيم المجاهدين حتى وإن لم تكن مراحل تعليمه أو إعداده عسكرية، فالمنصب نفسه هو رمز للقوة والحماية لرعايا الدولة الإسلامية.

كما أن الموروث الثقافي أو التكوين الثقافي للعقلية الإسلامية قد رسخ بعض مفاهيم تمجيد العسكر علي من سواهم في الشرائح الاجتماعية، فالفارس هو الممدوح في قومه لكونه يتولي حمايتهم ويؤمن معيشتهم، وفي نفس الوقت فإن منزلة الشهيد هي أعلي ممن سواها بين الشعوب الإسلامية، وبالتالي فالعسكرية ممجدة في الدنيا والآخرة لدي كثير من الشعوب ومن أولها الشعوب الإسلامية.

مع مرور الوقت تغير الأمر كثيرا داخل المؤسسة العسكرية التي سيطرت علي السلطة في الشعوب الإسلامية حيث استثمرت الموروث الثقافي من الناحية الظاهرية الذي يخلوا من محتواه واستبدلته برصيد آخر وهو مقاومة الاستعمار الغربي الذي سيطر علي بلدانهم. ولا شك أن ذلك قد حاد ببعض أفراد هذه المؤسسة عن المنهج الإسلامي الذي يشكل أساس البناء الثقافي للعقلية الشرقية ودفعهم في طريق تجارب فردية متأثرة بأيديولوجيات أخرى كالليبرالية والماركسية.

وإذا كانت التطورات السياسية قد أتت بالتيار الإسلامي تجاوبا مع ميول الشعوب التي مازالت متأثرة بالميراث الإسلامي ومعتقدة فيه فإن المؤسسة العسكرية لم تترك الأمر ليسير وفق ما تريده الشعوب، وذلك لطبيعة التربية الموروثة لدى الجيوش – خاصة الإسلامية والعربية – منذ وضع أساسها محمد علي – في مصر – وبناها على المعتقدات الغربية المناهضة للمنهج الإسلامي.

الجيش المصري

ثم تأسس الجيش المصري الحديث إبان حكم محمد علي باشا الذي يعتبر مؤسس مصر الحديثة، حيث كون جيشا من المصريين لأول مرة بعد عصور طويلة ظل الجيش حكرا على غير المصريين - وخاصة المماليك - حيث بدأ محمد على ببناء أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط على الطراز الحديث عام 1820 بمدينة أسوان وقام بإنشاء العديد من الترسانات.

في سنة 1821 أنشأ محمد على " ديوان الجهادية"، و في سنة 1823 أمر بتدريب 6 آليات من المصريين وكان الألاى يتكون من خمس أورطات، كل أورطه كان بها 800 عسكري، ولقد انتهى تدريب العسكر المصري في سبتمبر 1824م.

استعان محمد علي باشا بالقائد الفرنسي سليمان باشا الفرنساوي الذي أقام في مصر لتأسيس هذا الجيش الذي صار أحد أقوى جيوش المنطقة في فترة وجيزة.

وفي عهد إسماعيل باشا وصل تعداد الجيش المصري لـ 100 ألف مقاتل مسلحين بأحدث الأسلحة.

فى عهد الخديوي محمد توفيق حلت بمصر والجيش المصري كارثة جديدة حينما سمح الخديوي بتدخل انجلترا وفرنسا في شئون مصر بحجة الديون، وألزموه بتقليص عدد القوات المصرية لـ 22200 عسكري، ثم صدر أمر بحل الجيش المصري بعد ما تمرد الجيش عليه في التمرد الذي سمى "الثورة العرابية" و الذي انتهى باحتلال الإنجليز لمصر، وأصبح الجيش المصري كل مهمته حماية الحدود والحاميات في السودان.

ظل الوضع كذلك حتى توقيع معاهدة 1936 في عهد الملك فاروق الأول، وبدأت الأحوال تتغير ففتحت كلية أركان الحرب، ومدرسة الضباط العظام، والكلية الحربية، ومدرسة الطيران الحربي، وكلية الضباط الاحتياط، وعدلت قوانين التجنيد (1).

الإخوان والجيش

انطلق فكر الإمام البنا من المنهج الإسلامي الذي تربى عليه ودعا له، حيث اهتم الإسلام بالجندية، غير أن الضربات التي وجهت للجيش من قبل المحتل جعلت كل مصري ووطني ينادي بتقوية الجيش المصري، وفي هذا الصدد يكتب الأستاذ البنا قوله:

ثم تبذل أقصى الجهد في تقوية الجيش المصري، والنهوض بكل أسلحته، وإتمام وسائل الدفاع العسكرية والمدنية إتمامًا كاملاً سريعًا استعداداً للطوارئ، مع العمل على التخلص من آثار الاحتلال الاقتصادي الذي فرضته علينا شركات الاستغلال الأجنبية، وإلغاء المحاكم المختلطة التي لم يعد هناك مبرر لوجودها (2).

كان منهج الإخوان واضح في تربية أفراد الجيش وهي التربية وفق ما جاء من تعاليم الإسلام، بعيدا عن التربية التي غرسها المستعمر في النفوس من الحرص على المصالح والمكاسب والراحة من خلف الجندية، فكتب الإمام البنا يقول:

أيها المصريون، أيها الشيوخ المحترمون، وأيها الحكام المسيطرون، إن بين أيديكم كنزا ثمينا وطريقا مستقيما ووسائل معبدة، وإن الأمم الأخرى، والحكومات الأخرى لو أخرجتها وسائل الإقناع والتشويق إلى الجندية والجهاد، فذهبت تغرى أبنائها باللبن والعسل والجيش الميكانيكي المسرع والملابس اللامعة البراقة والمجد الحربى المشرق، وما إلى ذلك من المغريات التي تستخدمها دول الغرب فى هذه الأيام.

فالآن بين أيديكم أنتم ما هو أصدق من هذا، وأسمى وأقوى أثرا وأعظم نفعا وأكبر إقناعا وأشد قيادة للنفوس الجامحة والشهوات المتمردة، بين أيديكم الجهاد فى الإسلام، والنغم العذب المشجى من آيات القرآن الكريم، فهلا لجأتم إلى الإسلام فآمنتم به، واستمسكتم بتعاليمه وحملتم الشعب عليه، وجندتم الأمة جميعا تحت لوائه.

أي مسلم يسمع قول الله تعالى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[التوبة: 42] ثم يقعد فى بيته ولا يمضى مع المجاهدين!

وأي مسلم يسمع قول الله تعالى ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[النساء: 74]ثم لا يطمع فى هذا الأجر فيقاتل ويشترى الآخرة بهذه الدنيا الفانية!

وأي مسلم يسمع قول الله تبارك وتعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[الأنفال: 60]ثم يقعد عن تجهيز نفسه وإعداد عدته!

وأي مسلم يسمع قول الله تبارك ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ*وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[التوبة: 120-121] ثم لا يحتمل كل شدة ونصب ونفقة في سبيل الله وفى انتظار أجره ومثوبته!

أيها الحكام المسلمون: كونوا مسلمين حقا، وأسمعوا الناس هذا النغم العذب من كتاب الله؛ تستثيروا من حماسة النفوس ما خمد، وتحيوا من كرائم الضمائر ما كاد يموت.

يقولون: إن فرنسا مدينة بنصف انتصاراتها وحماسة أبنائها للمارسليز، وأنا أقول لكم إن أثر هذا المارسليز لن يكون شيئا مذكورا أمام ما يبعث هذا النغم الحلو فى نفس المسلم من حماسة وصدق وإخلاص، وفناء فى الجهاد ولست أوازن بين هذا وذاك وكلن أذكركم والذكرى تنفع المؤمنين.

إلى القرآن أيها الناس، إلى كتاب الله الكريم، إلى الصف المحبوب ترفرف عليه راية النبوة وتظلل رأس قائده المؤمن تأييد الله ونصره، ويساير جنده الموفق جبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير (3).

كما أرسل برسالة لرئيس الوزراء طالبه فيها بتقوية الجيش والعمل على استعادة رمزيته، فيقول:

فقد أصبحت الحالة العالمية فى اضطراب لا مزيد عليه، ومصر بحكم موقعها وظروفها تستهدف لأعظم الأخطار وتقرب بسرعة هائلة من الساعة العصيبة، والفرصة الآن سانحة أكثر من أى وقت مضى للاستعداد فإن هذا الشعور الذي تغلي به جوانح الناس جميعا يسهل الحصول على أية مساعدة من الشعب نفسه؛ لهذا يطلب الإخوان المسلمون إلى رفعكم فى إلحاح شديد الإسراع التام فى تحقيق المطالب الآتية:

أولا- تحديد جزء من أموال الأغنياء وأملاكهم للدفاع الوطني، وليس فى ذلك شىء من الظلم، ولا من العدوان، فإن الخطر المحدق يوجب أن يكون كل شىء فداء للوطن.
ثانيا- خفض أكبر مرتب فى الدولة إلى مائة جنيه، فقط وإنقاص المرتبات التي تزيد على عشرين جنيها بهذه النسبة وتحويل الزائد إلى ميزانية الدفاع الوطني، وإضافة ضريبة أرباح الحرب على الذي ينتفعون بمثل لهذه الظروف.
ثالثا- تجنيد أكبر عدد ممكن من الشبان والرجال الأقوياء وإعداد معسكر فى كل مدينة على نظام معسكرات القوات المرابطة مع التبسيط التام لتدريبهم وإعدادهم.
رابعا- تجنيد من يصلح من طلبة الجامعتين الأزهرية والمصرية والمدارس العليا والحاصلين على الدبلومات والشهادات خارج الحكومة للتمرين والتدريب هذا الصيف فى مختلف الأسلحة ليكونوا ضباطا احتياطيين.
خامسا- تحويل الموظفين المدنيين الزائدين عن ضرورة العمل والصالحين للخدمة العسكرية إلى معسكرات التدريب لإلحاقهم بالجيش العامل توا.
سادسا- تجنيد فرق من الأهالي فى كل منطقة وخصوصا المتعلمين والمثقفين منهم لمعاونة البوليس فى مكافحة جنود المظلات، وكذلك فى أثناء الغارات الجوية، وتسليحهم تسليحا كافيا للمحافظة على حياتهم عند أداء هذه المهمة.
سابعا- بناء استحكامات جديدة فى الصحراء الغربية وشراء مدافع قوية للدفاع عن الشواطئ المصرية.
ثامنا- إحلال المصريين محل الأجانب الذين سافروا أو يسافرون أو تعطلوا من العمل فى الشركات وغيرها (4).

حرص كل الإخوان على تعظيم هذه المؤسسة والتعرف على أبناءها لبث التربية الإسلامية فيهم، فنجد ظهور حركة الإخوان في الجيش في سنة 1938م حينما نشطت صحيفة الإخوان "النذير" في مناقشة قضايا الجيش جنودًا وضباطًا، وأفسحت المجال لمناقشة الأخطاء والعيوب التي تسمح بها رجالات الجيش المختلفة كنظام المراسلة وعدم إقامة الأذان في أوقات الصلاة؛ بل عدم تخصيص وقت لصلاة الجنود أصلاً.

وحينما شكل حسن البنا النظام الخاص، جعل قسما منه من أفراد القوات المسلحة للعمل على تربيتهم تربية إسلامية.

يقول حسين حمودة:

فاتفقنا نحن الأربعة الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا والصاغ محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرءوف وكاتب هذه السطور على نشر هذا الفكر الإسلامي بين ضباط القوات المسلحة المصرية (5).

كان يرأسهم الصاغ محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف، وقد انضم لهذا التشكيل عدد كبير أمثال جمال عبد الناصر وخالد محي الدين وصلاح سالم، إلا انه كان من الواضح أن هؤلاء لم يلتحقوا بالإخوان تنظيميا.

يقول خالد محي الدين:

لكن هؤلاء الضباط لم يكونوا على ذات الدرجة من الولاء للجماعة فمثلا صلاح خليفة وحسن حمودة كانا من الإخوان قلبا وقالبا أما الآخرون فكانوا مجرد عناصر تبحث عن طريق لسنا ضد الإخوان بل نحن معهم لكننا لسنا معهم بالكامل (6).

لقد كان من المتعارف عليه أن ضباط الجيش وبعض الهيئات في مصر يحرم عليها الانضمام للعمل السياسي أو الانتساب للهيئات أو الأحزاب حتى لا يتأثر الضابط بما تمليه عليه حركته أو حزبه.

وعلى الرغم أنهم كانوا يلتقون بالصاغ لبيب دائما، وكانت تجمعهم مصالح مشتركة هي المصلحة العامة للوطن وطرد المستعمر، ولذا كان التعاون واضحا. يقول الضابط وحيد رمضان: "لقد تعرفت في سنة 1945م في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف على جمال عبد الناصر، وكانت أول مرة ألقاه فيها، كما تعرفت على كمال الدين حسين في إحدى الأسر التي كان يحضرها الصاغ محمود لبيب، وكان يشاركنا أيضًا خالد محيي الدين، وكان لنا موعد دوري نلتقي فيه حتى بدأت حرب فلسطين (7).

غير أنه بعد استشهاد البنا وحل الجماعة انفرط عقد النظام الخاص العسكري، خاصة أن إبراهيم عبد الهادي – رئيس الوزراء آنذاك – وصلته أخبار عن عبد الناصر فاستدعاه والتي نفاها عبد الناصر وبدا البعد عن تنظيمات الإخوان وتشكيل تنظيم الضباط الأحرار.

ويؤكد جمال حماد على ذلك بقوله: (كان انضمام عبد الناصر إلى جماعة الإخوان المسلمين في واقع الأمر مجرد مرحلة مؤقتة من مراحل كفاحه المرسوم لتحقيق الأمل الذي كان يراوده) (8).

كان حسن البنا يدرك التربية التي غرسها المستعمر في نفوس جنود العالم العربي والإسلامي، وكيف جعلتهم بعيدين كل البعد عن أخلاق المسلمين، متمسكين بما جاء به المستعمر من ثقافة، فكان الجندي يضحى بنفسه من أجل عز الجندي المستعمر – تحت حجة المعاهدات – فتخرجت أجيال لا تقييم للدين وزنا ولا تعرق للجهاد الحقيقي معنا.

تساؤلات غريبة

لم يدم الوفاق بين جماعة الإخوان المسلمين ورجال العسكر كثيرا خاصة بعد نجاح ثورة 23 يوليو – والتي مكنت لشباب العسكر من السلطة – الغريب أن هؤلاء الشباب الذين اصطدموا – بل وأحدثوا مذابح في صفوف الإخوان – قد تربوا على يدي الإخوان وتعاونوا معهم في إنجاح الثورة، وعاشوا مع بعضهم سنوات في العمل من اجل التصدي للفساد، وهذا ما يلقي بظلال من الأسئلة عن الأهداف التي دفعت هؤلاء العسكر للانقلاب على رفقاء الطريق، بل وسجنهم لسنوات طويلة، وأحدثوا فيهم مذابح كثيرة؟.

  1. هل طبيعة في العسكريين وهو كره كل ما هو متدين؟
  2. أم هي الخوف على المصالح والمكتسبات التي حصلوا عليها بعد الإطاحة بالملكية؟
  3. أم أن هناك أيادي خارجية دعمت بعضهم وشجعتهم على القضاء على العنصر الإسلامي لاستقرار سيطرة الغرب على مقدرات الدول ولضمان استقرار إسرائيل – والتي يهددها دائما وجود تيار إسلامي مقاوم؟
  4. هل هي القوة التي تظاهر بها الإسلاميين مما أخاف منهم العسكر ودفعتهم للتخلص منهم حتى تستقر الأمور؟
  5. هل هي أخطاء الإسلاميين الذين لم يفهموا طبيعة العسكر، وتربيتهم وأهدافهم وأغراضهم؟
  6. أم أن العنصر الإسلامي – أينما وجد – يشكل خطر على مقومات ودعامات الدولة مما يدفع العسكر للتصدي بالقوة للعناصر الإسلامية خشية الفوضى وعدم الاستقرار؟.

أسئلة كثيرة وغيرها تدافع خلف بعضها لتلقى ظلال دائما حول المذابح التي ترتكبها الأنظمة العسكرية في حق الإسلاميين عامة والإخوان المسلمين خاصة، مثلما جرى الأمر في عهد عبد الناصر في مصر، وفي سوريا في عهد حافظ الأسد، وفي تونس في عهد زين العابدين بن علي، وفي ليبيا في عهد القذافي.

ومن خلال هذا السلسلة سنقف على كل مذبحة من هذه المذابح لنتعرف عليها وعلى الأسباب والدوافع التي أدت لها؟ وعلى نتائجها.

مذبحة ليمان طرة 1957م

ليمان طرة

شهد القرن العشرين العديد من المذابح ضد الشعوب عامة والمعارضين للأنظمة خاصة، غير أن المذبحة التي حدثت في سجن ليمان طرة على أيدي رجال عبد الناصر فاقت التصور خاصة أنها حدثت ضد أفراد عزل لا يملكون حول ولا قوة داخل زنازينهم، وقد تسلطت عليهم قوى النظام العسكري من كل صوب وحدب يعملون فيهم القتل دون رحمة زاعمين لأعوانهم من الجنود أن هؤلاء أعداء الوطن ويجب القضاء عليهم أو الرضوخ لمطالبهم.

بعد الاعتقالات التي حدثت بعد حادثة المنشية، وانقضاء المحاكمات، وترحيل كبار القادة إلى سجن الواحات، حتى تفجرت الاعتقالات مرة أخرى في صفوف الشباب الذين كانوا يعملون جاهدين على توفير اللقيمات لأسر وبنات المعتقلين والمحبوسين، وتم نصب المحاكم العسكرية مرة أخرى تحت مسمى محاكمة تنظيم التمويل والذي ضبط في 1955م، وصدرت الأحكام المختلفة عليهم وسيقوا إلى السجون تحت نيران سياط الطغاة، وظلت السجون بين الشد والجذب حتى هلت بداية عام 1957م، حيث كانت الأحداث تتدافع على الساحة بعدما أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956م وفي 29 أكتوبر 1956 هبطت قوات إسرائيلية في عمق سيناء ثم تبعه الغزو الأنجلوفرنسي ودارت رحى الحرب حتى انسحب الجميع نهائيا في 16 مارس 1957 وأتمت القوات الإسرائيلية انسحابها من سيناء، وخرج عبد الناصر بمكاسب عظيمة جعلته في نظر المصريين والعرب الزعيم الأوحد الذي يجب أن يقتدي به زعماء العالم العربي، فأغراه ذلك على التغيير الجيوسياسي في المنطقة خاصة الدول الملكية، وقد ساعده في ذلك انبهار العديد من القادة الشيوعيين والقوميين بشخصية عبد الناصر، ولذا كان التفكير في الأردن والذي كان يحكمها شاب ما زال صغيرا هو الملك حسين بن طلال حيث تقلد مقاليد الحكم في 11 أغسطس 1952 ولم يكن يبلغ السن القانونية، وما كادت تمر الأيام حتى كان صدامه مع الضباط الأحرار الأردنيين (9).

أحدثت حركة الضباط الأحرار في مصر تأثيرا داخل بعض الجيوش العربية – خاصة من ذوى الفكر الشيوعي والقومي- فتشكلت العديد من حركات الضباط الأحرار في الأردن وغيرها وسلك نهج الضباط الأحرار بمصر وكانوا على اتصال بعبد الناصر - الزعيم الروحي لهم. و حركة الضباط الأحرار الأردنيين هو تنظيم سلمي تأسست في خمسينيات القرن العشرين (1952) من قبل مجموعة من الضباط الأردنيين الوطنيين في المملكة الأردنية الهاشمية.

حيث لم يعجبهم وضع الجيش الأردني، في الوقت الذي انبهروا فيه بالثورة التي قام بها الجيش المصري.

وكان على رأس مجموعة الضباط الأحرار الأردنيين القائد الركن علي أبو نوار والذين شكّلوا طليعة الجيش في حركته يوم 1/آذار/1956، والتي نادت بتعريب الجيش.

وبالفعل أعلن الملك الحسين في 1/3/1956م تعريب الجيش الأردني، وطرد كلوب باشا، وأسندت مهام أركان الجيش لعلي أبو نوار (10).

غير أن هناك رواية أن هذه التحركات كانت بهدف عمل انقلاب على الملك الشاب بدعم من حكومات مصر ودمشق.

فقد ساق الكاتب إبراهيم العريس في صحيفة الحياة بحث مطول حول أحداث 14 نيسان 1957م فقال: إذا وضعنا أنفسنا في منظور تلك الأيام، وتحرينا الحدث الكبير الذي اضطر الملك حسين إلى مواجهته، يمكننا أن نتحدث بالطبع عن انقلاب عسكري موجه من الخارج القاهرة هدفه، أن لم يكن إطاحة الملك الأردني الشاب، فعلى الأقل فرض مواقف سياسية عليه، تجعل الأردن منتمياً إلى محور القاهرة/ دمشق بدلاً من انتمائه التقليدي إلى محور بغداد.

حيث عمل أو نوار على إعادة صديقه رئيس الوزراء المقال لمكانه عن طريق انقلاب عسكري بمعاونة القاهرة وسوريا، إلا أن الملك حسين استطاع أن يسيطر على الموقف ويفشل الانقلاب، ويقيل أبو نوار ويسجنه (11).

تباينت الكتابات حول كون ما حدث في الأردن كان انقلابا أو مناورة لكن ما جاء في الأوراق الرسمية للسفير البريطاني بالأردن يؤكد أنها كانت مؤامرة انقلابية برعاية مصرية سورية، وقد بدأ نشاط الشيوعيين بعد إلغاء المعاهدة مع بريطانيا والتي ظلت الأردن تحتفل بها ثلاثة أيام متتالية، حضرها كل أطياف المجتمع.

وقد ذكر السفير تشارلز جونستون CHARLES JOHNSTON تفاصيل الأيام التي سبقت الانقلاب في وثيقة مرسله لدولته.

ويقول مترجم الوثائق: وقبل أن أتوقف في الحديث عن برقيات السفير فإنني أشير للإيجاز الرائع الذي وصف به مدير الاستخبارات العسكرية (كوجهول) إذ كتب في مذكراته (مخطوطة) بعنوان قبل أن أنسى before I forget ولخص موقف علي بقوله "أنه كان يتخطى الحدود He overstepped" (12).

«كان علي أبو نوار يعدُّ انقلابًا عسكريًا، وطلبتُ منه أن يسحب القوات فَقَبِل وانصرف»، هكذا قال الملك في كتابه، ولعلّ هذا التوقع قد جاءَ بسبب الإنذار الذي قدّمه أبو نوار للملك بعد إقالته لحكومة النابلسي، مُطالبًا إياه إما بإعادة النابلسي أو بتعيين أحد اثنين: سعيد المفتي زعيم الشراكسة وأحد كبار رجال الدولة أو عبد الحميد النمر. كان هذا الطلب من الملك قبل أن تصل قوات رشيد إلى القصر، (بناء على كلام الملك)، وكان هذا الطلب هو العامل الحاسم بعد إقالة الحكومة في إفشال الانقلاب (13).

سبب المذبحة وإخوان الأردن

لقد وقف إخوان الأردن في مواجهة الانقلاب العسكري الذي قادة علي أبو نوار – مدفوعين بما جرى في مصر للإخوان هناك وحرصا على وطنهم في الانقلابات العسكرية- ولهذا تعاونوا مع مشايخ القبائل والملك في إفشال هذا المخطط، وكانت البداية بحضورهم احتفالات إلغاء المعاهدة مع بريطانيا.

جاء في كتابات السفير البريطاني السرية قوله:

وفي يوم 12/4 ظهر دعم من حركة الإخوان المسلمين وشيوخ القبائل وحضر (4000) من البادية وعسكروا قرب عمان... وتحرك العراقيون المرابطون في الاتش ثري نحو الحدود... وتم تحذير إسرائيل من سفارة بريطانيا والولايات المتحدة أن لا تنتهز الفرصة وتعتدي على الأردن لأن الملك سوف يسحب قطعات عسكرية من الحدود (14).

أحداث المذبحة

فشل انقلاب نيسان 1957م بالأردن وخاب سعى عبد الناصر في تحويل الأردن لجمهورية على يدي بعض الضباط الأحرار من اليساريين والقوميين، واشتاط غضبا من كل من عاون الملك على إفشال هذا الانقلاب ولم يجد أمامه ما يصب فيه غضبه سوى الإخوان بمصر نكاية في مساعدة إخوان الأردن الملك.

لم يجد عبد الناصر إلا الأبرياء العزل في السجون يصب غضبه فيهم وأوعز إلى رجاله بالاستعداد لإبادة الإخوان وتصويرهم على أنه محاولات هرب أو تمرد.

وكانت البداية بسجن ليمان طره حيث جرد لهم القوات واعد الخطط واستورد السلاح وقامت القوات بغزو سجن طره واقتحمت العنابر على المعتقلين المعذبين وأطلقوا عليهم الرصاص وأجهزت عليهم بالعصي فمات واحد وعشرون من الإخوان وهم في زهرة شبابهم وجرح واحد وعشرون، هذا غير من أصابهم الجنون.

يقول الأستاذ جابر رزق: "لقد أقيمت المذبحة في أول يونيو 1957م لمائة وثمانين من الإخوان المسلمين، هم الذين بقوا في سجن ليمان طرة بعد ترحيل إخوانهم إلى سجن المحاريق وبني سويف وأسيوط وغيرها من السجون.

لقد بلغ عبد الناصر ورجال حكمه من الخسة واللاإنسانية أن أطلقوا الرصاص على المائة والثمانين من المسجونين داخل الزنازين وهم عزل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: 8]، فقد استشهد فيها كلاًّ من أنور مصطفى أحمد، والسيد علي محمد، ومحمود شعبان، وأحمد حامد قرقر، ومحمود عبد الجواد العطار، وإبراهيم أبو الدهب، ورزق حسن إسماعيل وغيرهم، واستطاع عبد الناصر أن يحيط المذبحة بجدار من الصمت والتكتيم حتى لا يعرف الشعب المصري شيئًا عن المذبحة".

ويضيف: والسبب الآخر وهو سياسي فقد علمنا أن المذبحة كانت انتقاما من الإخوان المسلمين في الأردن لأنهم تصدوا للانقلاب الذي قام به اللواء على أبو نوارة للإطاحة بالملك حسين لحساب جمال عبد الناصر وكان الإخوان هم السبب الرئيسي في إفشال هذا الانقلاب الشيوعي (15).

ويقول الشهيد محمد يوسف هواش - وهو أحذ الذين شاهدوا المذبحة:

لقد سبقت المذبحة عدة مقدمات؛ ففي يوم الأربعاء 22/5 منعت صلاة العصر بصورة غاية في الاستفزاز، ويوم الخميس 23/5 منع لعب الكرة الذي كان مرخصًا به، ويوم الجمعة ظلت الزنازين مغلقة حتى صلاة الجمعة، ويوم السبت حدثت مشادة بين الضابط عبد العال سلومة وثلاثة من الإخوان بغير داع، ويوم الأحد 26/5 قال سلومة مهددًا: "فيه أوامر عالية بجر الإخوان لمعركة نِخَلَّص فيها على ثلاثين.. أربعين"، وأخذ الضابط عبد الله ماهر يحتك بالإخوان بغير مناسبة ويحاول استفزازهم بكل طريقة، ويوم 29/5 شرح الإخوان لمدير السجن ما يحدث لهم، ويوم 30/5 منعت الزيارات، ويوم 1/6 حدثت المذبحة" (16).

ويقول الأستاذ جودة شعبان –أحد شهود المذبحة:

كنا في ليمان طرة ما يقرب من 180 من الإخوان، وكان أكبر عدد منهم في الليمان من إخوان شبرا، وكانت زياراتهم هي يوم مشهود؛ فقد كان عدد الحضور في اليوم المخصص لهم كبير, وفي أواخر مايو شعرنا بأن ضباط السجن يقومون بعمليات استفزازية ضد الإخوان، خاصة الضابط عبد العال سلومة وعبد الله ماهر، فأخذنا نتواصى بالصبر وضبط النفس وحكمة التصرف أمام كل ما نتعرض له من معاملة المسئولين في الليمان، خاصة الضباط الذين كشفت الأحداث عن مدى حقدهم وكراهيتهم للإخوان أمثال عبد العال سلومة وعبد الله ماهر وعبد اللطيف رشدي، وكانت الأحكام للإخوان الموجودين في الليمان تتراوح بين العشر سنوات والخمس وعشرين سنة، وكنا نطلع الجبل مثل بقية المساجين، وكانت لنا طريحة لابد من أن ننجزها، وكان من بين وسائل الضغط النفسي علينا في الليمان عملية التفتيش المستمر، وكانت تتم بصورة مستفزة، وكادت هذه المذبحة تحدث في فبراير 1956 م لكن مدير السجن كان حكيمًا فحال دون ذلك، مما دفع زكريا محيي الدين وزير الداخلية آنذاك أن يقوم بنقله عقابًا له على ذلك، وجاء بمأمور آخر هو السيد والي والذي كان شديد الحنق على الإخوان المسلمين.

وقبل يوم المذبحة جاءت زيارة لمجموعة إخوان شبرا، وكانت من أكبر الزيارات، وكنت واحدًا من المطلوبين للزيارة، وقد جاء أهالينا ببعض الطعام، وكان من ضمن الذين أخذوا طعامًا الأخ عبد الغفار السيد، وفجأة ظهر الضابط عبد الله ماهر ودفع الأخ مما أوقعه في صورة مستفزة، ولم يقتصر على ذلك بل قام بضرب أم أحد الإخوان ثم أنهى الزيارة، وسارع إلى الإدارة وقال: إن الإخوان اعتدوا عليه، وكأن الأمر مبيت، فانتفضت الإدارة لتنفذ ما اتفق عليه مع السادة من قبل، وجاءوا وقالوا: من أخذ شيئًا فليركن على جنب، فخرجت ومعي بعض الإخوة، فأمر بأخذنا إلى عنبر التأديب، وساقوا أهلنا إلى قسم المعادي مرفق معهم مذكرة يقولون فيها: إنهم أدخلوا ممنوعات للسجن، وكان من ضمنهم والد الأخ حسن علي حسن فقال لوكيل النيابة: إننا لم ندخل ممنوعات لكنه كان طعامًا، والأمر أننا إخوان مسلمين فأفرج عنهم، وبعد أن أدخلونا عنبر التأديب لم ندر بما يحدث في الخارج، وعشنا في لحظات كلها تعذيب وتكدير, لكننا كنا قبل الحادث قد رأينا أنهم أعادوا مرضى الإخوان الموجدين في المستشفى، وشعرنا بأن شيئًا يدبر لنا فقررنا الامتناع عن الخروج للجبل حتى لا نُضرب بالرصاص بحجة أننا حاولنا الهروب، وكتبنا مذكرة نطلب فيها التحقيق معنا، ولنعرض عليهم أن حياتنا في خطر، وكنا ما زلنا في عنبر التأديب، وثاني يوم من الزيارة سمعنا صوت رصاص منهمر وصرخات الإخوان من كل مكان، وبعد فترة صَمَت صوت الرصاص وجاءت النيابة وسمعت منا وأدانت إدارة السجن لكنها تغيرت، وفي الليلة الرابعة بعد المذبحة أخرجونا إلى سجن القناطر الخيرية وبقينا فيه ثلاثة أشهر في تعذيب وتكدير، وعلمنا أن المذبحة أسفرت عن مقتل واحد وعشرين من الإخوان وأصيب مثلهم.

وقد نقل معنا عبد العال سلومة إلى سجن القناطر الذي أذاق الإخوان أشد أنواع العذاب البدني والنفسي، حتى إن ستة من إخواننا فقدوا عقولهم أثناء وجودنا في سجن القناطر (17).

لم يكن هؤلاء الذين ماتوا ذوى خطر على عبد الناصر ولا على ملكه بل كانوا كما كتب الكاتب المسيحي روكسي معكرون – الذي اعتقل معهم فترة وكتب كتيب أقسمت أن أروي- قال: لقد عشت معكم أياما وليالي .. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون .. وما شعرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والإقدام المتبادل .. وما لمست فيكم غير أيمانكم بدينكم . وأيمانكم بوطنكم وأيمانكم بإنسانيتكم .. وهو منتهى المعرفة.

ثم يقول: قصة المذبحة فظيعة، بل أفظع قصة عرفها القرن العشرون .. بدأت مقدماتها يوم صلاة الجمعة، حيث كان السجين الشيخ حسن أيوب وهو من جماعة الإخوان المسلمين، يقوم بالوعظ والإرشاد لكل من حضر الصلاة .. وكان ذلك في فناء العنبر، ولم يكد ينتهي الشيخ حسن من وعظه حتى فوجئ المصلون بسياط الزبانية تلسع ظهورهم وتفرقهم .. وقد نال النصيب الأكبر من هذه السياط الشيخ حسن المسكين (18).

الكاتب رفعت السعيد – والذي كان مسجون في سجن الواحات – اعترف بأن عبد الناصر ارتكب المذبحة، فقال في حوار مع صحيفة روزاليوسف:

والمشروع الثالث تحدث فيه عن الصاغ عبدالباسط البنا قائد كتيبة ليمان طره وهو شقيق حسن البنا وكان يزور مصحة ليمان طرة 3 مرات ويسلم عليه علي غير معرفة سابقة ويحدثه في ضرورة تخليص الإخوان في السجون.. لأنهم هكذا يستهلكون تماما، وكل هذا رغم أنه لم يكن يوما في جماعة الإخوان في حياة أخيه ولكنه كان يريد إنقاذ الإخوان المسجونين من مذبحة تحققت بعد ذلك وانتهت بقتل 21 من السجناء الإخوان وجرح كثيرون (19).

وكذلك سجله الصحفي الكبير الأستاذ مصطفى أمين في كتابه ( سنة ثانية سجن) الذي قال فيه :

" فى أحد أيام شهر يونيو سنة 1957 كنت جالسا فى مكتبى فى أخبار اليوم عندما اتصل بى قسم الاستماع بأخبار اليوم واخبرني أن إذاعات العالم تذيع أنه حدثت مذبحة فى سجن ليمان طره, وأن أكثر من عشرين مسجونا من الإخوان المسلمين قتلوا فى زنزاناتهم, وأن أكثر من خمسين منهم جرحوا, واتصلت على الفور بوزارة الداخلية وسألت عن حقيقة الخبر, فأكد لى مسئول كبير فى الوزارة أن الخبر كاذب ولا – أساس له من الصحة.

واتصلت برئاسة الجمهورية وسألتهم عن حقيقة النبأ, وأكدت لى الرياسة أنها أكذوبة استعمارية أطلقتها إذاعات الاستعمار ومقصود بها تشويه سمعة مصر فى عيون العالم!!.

وصدقت هذا التكذيب الرسمى إلى أن دخلت سجن الاستئناف ولذا بأحد الحراس يعترف بأنه اشترك فى المذبحة, وأن الأوامر التى كانت لديه قضت بقتل جميع المسجونين السياسيين الموجودين فى الطابق الثالث فى العنبر رقم 1 بليمان طره! وفى سجن القناطر قابلت عددا من الحراس الذين حملوا القتلى بعد المذبحة من العنبر إلى مستشفى السجن، وكان الخلاف الوحيد في الرواية : أن بعضهم قال عدد القتلى كان عشرين قتيلا, والبعض الآخر قال أن عددهم كان واحدا وعشرين قتيلا!!

وعندما نقلت إلى ليمان طره لاحظت, وأنا أتفحص زنزانتي فى الطابق الرابع فى عنبر واحد – أن جدران الزنزانة فيها عدد من الخروق وسألت عن هذه الخروق فقيل لى أنها رصاص مذبحة طرة!!

وبدأت أحقق بنفسى فى هذه المذبحة الخطيرة, وسمعت شهودها الذين بقوا على قيد الحياة.. " أ.ه (20).

ويقول إبراهيم غوشة – المتحدث باسم حماس فيما بعد وقت أن كان طالبا هندسة القاهرة- : وبعد فترة حصلت مجزرة في ليمان طرة عندما هاجمت الشرطة المصرية المساجين، ومعظمهم من طلبة وأساتذة الجامعات، ومنهم شخصيات معتبرة في المجتمع المصري فاستشهد منهم حوالي 25 شخصا بإطلاق الرصاص عليهم.

وفي أجازة الصيف لما عدت إلى الأردن سلمتها إلى الأخ يوسف العظم، حيث نشرها في مجلة الكفاح الإسلامي، وكان ذلك سبقا صحفيا عندما نشر أسماء الـ 25 شهيدا الذين استشهدوا في مذبحة ليمان طرة (21).

كما كتب محمد عبد الرحمن – المراقب العام لإخوان الأردن تحت عنوان في موكب الكفاح، حيث وصف ما جرى في المذبحة، وأعداد الشهداء الذين حصدهم عبد الناصر وجنوده (22).

جرت المذبحة بدون دليل

بدون اتهام

بدون نيابة

حيث حاول النظام طمس معالم المذبحة – رغم انه حاول تكرارها في سجن قنا وسجن الواحات – ولا أحد يستطيع معرفة الدوافع الحقيقية التي دفعت به لارتكاب هذه المذابح.

الهامش

  1. الهيئة المصرية العامة الجيش المصري في السياسة، 1882-1936م: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977م.
  2. رسالة المؤتمر السادس، رسائل الإمام البنا.
  3. جريدة النذير، العدد (13)، السنة الثانية، 25 ربيع الأول سنة1358 /16مايو سنة 1939، صـ3، 4.
  4. جريدة التعارف، العدد (16)، السنة الخامسة، 2 جماد أول سنة1359 /8 يونيو 1940، صـ4.
  5. حسين محمد أحمد حموده: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، الزهراء للإعلام العربي، 1985م.
  6. خالد محي الدين: والآن أتكلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، 1992م، صـ 43.
  7. ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، ترجمة عبدالسلام رضوان، ط،1، مكتبة مدبولي، 1977،صـ61.
  8. جمال حماد: أسرار ثورة 23 يوليو ج1، دار العلوم للنشر والتوزيع 1431هـ/2010 صـ59
  9. ويكيبيديا الموسوعة الحرة، الملك حسين بن طلال.
  10. علي أبو نوار: حين تلاشت العرب.. مذكرات في السياسة العربية (١٩٤٨- ١٩٦٤)، دار الساقي، 1990م.
  11. إبراهيم العريس: صحيفة الحياة، العدد 13185، 14/4/1999م، 28 ذو الحجة 1419هـ، صـ 16.
  12. د/ سعد أبو دية: الغد الأردني، الجمعة 31 تشرين الأول / أكتوبر 2008م.رابط goo.gl/9FESMy
  13. ساسة بوست: فريق العمل بحث بعنوان انقلاب الأردن الأول والأخير.. ربما لم يكن انقلابًا، 12 فبراير 2017م.رابط goo.gl/AXrPJD
  14. د/ سعد أبو دية: الغد الأردني، الجمعة 31 تشرين الأول / أكتوبر 2008م، مرجع سابق.
  15. جابر رزق: مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة، دار اللواء للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1421ه - 2001م، صـ 60.
  16. يوميات محمد يوسف هواش: مجزرة القرن العشرين، دار الأنصار، الطبعة الأولى، محرم 1399ه - ديسمبر 1978م.
  17. حوار مع الأستاذ جودة شعبان، موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين، 6‏/ 2‏ /2010م. رابط goo.gl/FGJTmF
  18. روكسي معكرون: أقسمت أن أروي ..نبأ المجزرة الرهيبة التي تقشعر لها الأبدان، دار الأنصار، القاهرة، الطبعة الثالثة - 1978م، 1398هـ.
  19. أغاريد مصطفى: المفكر د. رفعت السعيد يكشف ألغاز الشخصية القطبية، روزاليوسف الأسبوعية يوم 7 /9 / 2013م، http://cutt.us/k3WPz
  20. مصطفى أمين: سنة ثانية سجن، القاهرة، المكتب المصري الحديث، 1977م، صـ 275
  21. إبراهيم غوشة: المئذنة الحمراء: السيرة الذاتية لإبراهيم غوشة،طـ1، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2008م، صـ 81، 82.
  22. صحيفة الكفاح الإسلامي: العدد 26، الجمعة 23 ذو القعدة 1376هـ/ 12 حزيران/ يونيو 1957م، صـ 1، 12.