مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنا (5-6)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٣٨، ١٤ مايو ٢٠١٣ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات) (حمى "مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنا (5-6)" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مذكرات العالم التركي «علي علوي كوروجو» مع الإمام «حسن البنا» (5 - 6)


مواقف معنوية.. لا خلاص إلا بمسلم حقيقي

ترجمة وإعداد:أحمد يوسف

الشباب وتأثير البنا

ما كان يظهره الإمام حسن البنا للشباب من ردود أفعال ومواقف جميلة دالة على حسن روحه وقلبه، أمر يستحق الذكر.. كان معروفاً عنه أنه شخص محب صدوق مخلص في كل أحواله، فكان الشباب يأتي إليه مهرولاً من مختلف الصفوف والجامعات كالغزلان التي أرهقها العطش للماء،؛

وكان استقباله لهم حلة من الجمال تمنيت لو أن الجميع رأوها وعاصروها، كالأم التي تستقبل أولادها العائدين من الغربة؛ عيون مليئة بالحب ونظرات مليئة بالمحبة والسلام.

كل من كان يأتي إلى الإمام يعانقه ويسلم عليه بحب وشفقة وحنوّ بوجهه المبتسم، وكانت معانقته كأن أمك هي من تعانقك، لن تشبع من لمسك إياه وعناقك له! يضمك قليلاً إليه ويناديك باسمك ويسألك عن حالك، وهو مبتسم في كل الأحوال.

في كل أحاديثه وخطاباته وكلماته كنت أحس أني في مجتمع ممثل في جسد واحد وروح واحدة! وقفات تثير الوجد، وخشوع، وصمت عميق، ودموع من الخشية واستماع بإنصات وضحكات وابتسام.

مجالسه كأن الملائكة تحفها، جو من الروح والإخلاص وأخوة الدين والروح، يتلاقون بالسلام والمعانقة، ويسألون عن أحوال بعضهم بعضاً، شباب تركوا دنيا المادة التي أذهبتها هذه الروحانية العالية، وجاؤوا بنَهم إلى عالم الإيمان.

كانت مجالس أرواح وحب وعشق ينسون فيها همومهم وأكدارهم، فكانت نموذجاً مصغراً لمجالس النبي "صلى الله عليه وسلم" مع صحابته الكرام. وفي أيامنا هذه للأسف الشديد لا يجد الشباب المسكين أمثال هذه المجالس المعنوية، فهم مشتتون يعيشون في ظروف سيئة الأخلاق والدين.

حديثه عن الذكر

كان الإمام البنا يتحدث في خطابه بمقدار ساعة ونصف الساعة، وكان سامعه لا يمل أبداً، كان يملك ذاكرة رهيبة، ويفسر القرآن بالقرآن، يأتي الآية ويفسرها بالآيات الأخرى ثم يذكر ما يمكن أن يستخلص منها.

عندما يتحدث عن الذكر مثلاً، يسوق ألفاظ: الذكر، التذكر، الذكرى، عدم النسيان.. ويضع كل ما يتعلق بالذكر من آيات القرآن أمام عينيك؛ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ"152"} (البقرة).

أي شرف عظيم لمن ينال هذا؟! الله عز وجل يذكرنا! الإنسان إذا ذُكر من طرف أخيه أو صاحبه امتلأ قلبه راحة وحباً، وأصبح فؤاده كالحديقة الغناء، وأصبح هو كالوردة والبلبل الحادي!

فكيف لو ذَكَرَنا الله تعالى؟! إن من صلى على نبيه "صلى الله عليه وسلم"، ما معنى هذا؟ معنى ذكر الله لك أن يعفو عن ذنوبك، ويقبل توبتك، ويهبك البركة في عُمرك، ويهب لك ما تتمناه.

ذكر في كل حال وزمان

وهكذا يأتي الإمام بكل الآيات الخاصة بالذكر ويضعها أمامنا، فلا تشبع من مدارستها، كأنك في هذه المجالس القرآنية تتحدث مع الله عز وجل! وكأنك في عالم آخر؛ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "191"} (آل عمران).

فهم أصحاب العقول المستفيدون بنعمة العقل، وأصحاب العقل السليم ينظرون ويتفكرون، فلهم في خلق السماوات والأرض دلائل وآيات وإشارات، من هم؟ هؤلاء هم الذين يذكرون الله دائماً في كل أحوالهم فيكونون في معية الله وحفظه!

كان الإمام يقول:

«أيها الشباب؛ انتبهوا! الإنسان يكون على ثلاثة أحوال لا غير، لو نظرنا للآية لعرفنا متى يذكرون الله؟ قياماً؛ وقعوداً؛ وعلى جنوبهم أي وهم نائمون، الإنسان إما أن يكون واقفاً أو قاعداً أو نائماً، والمؤمن في هذه الأحوال الثلاث مع الله دائماً، فأي خير هذا؟!

إن الله مع الذاكرين

ثم انتقل الإمام إلى الأحاديث النبوية الشريفة:

يقول الحديث «أنا جليس من ذكرني»، كلما تذكرت هذا الحديث اندهشت! الله يقول: أنا مع من يذكرني، أنا في صحبته، أنا مع عبدي! بمعنى أن الذكر يقربك من الله عز وجل، وبفضله تكون مع الله وحده دون أحد من عباده، فإن كنتم في مجلس ذكر مع عباده فأنتم جميعاً مع الله تعالى. وهكذا كان يرى الإمام البنا حياة المسلم بما يفعله بمقتضى إيمانه أنه كله ذكر لله، وأن كل لحظات حياته ذكر.

شباب الـ«نصف كم»!

كان أكثر ما يلاحظ على الإمام البنا من الوهلة الأولى كونه موفقاً في صيد القلوب، فكأنه الصائد يصيد الطير بسهم واحد! فكان يؤثر فيما يصطاده من قلوب وأرواح كصانع الفضة في تفننه.

ذات يوم رأيت شاباً يسأل الإمام:

«يا سيدي، هناك بعض الشباب في الحي الذي نسكن فيه يدرسون في الثانوية والجامعة، وهم أولاد أثرياء الحي، لا يرتدون الطربوش، رؤوسهم عارية، ويتجولون بقمصان «نصف كم»، وكانوا يقولون لي: أنت تذهب إلى دروس الأستاذ البنا وتمدح كلامه، وتحس أن قلبك قد امتلأ بالنور وابتعد عن المعاصي والذنوب؛ فخذنا إلى هذا الرجل.. لا أدري ماذا تقولون لو أتيت بهم؟ هل أكون قد اقترفت شيئاً مخالفاً للأدب؟».
فتبسم وجه الإمام بسمة جميلة كحديقة زهور وقال: «يا أخي! وما يمنعك أن تأتي بهم دون إذن؟! ائتِ بهم طبعاً».

كيف نبدأ حفظ القرآن؟

وبعد أيام جاء الشاب ومعه هؤلاء الشباب الذين تحدث عنهم وكانوا خمسة أو ستة أشخاص، واستقبلهم الإمام باهتمام ووجه مبتسم وقبّلهم من جباههم وقال: «أنا أرى في هذا الشباب نوراً، وأنتظر قدومهم دائماً، لا تأتون بمفردكم بل أحضروا معكم شباب حيّكم وأطفاله».

وبعد شهر، رأيت هؤلاء الشباب قد بدؤوا في حفظ القرآن الكريم، وكانوا يسألون: «يا أستاذ كيف نبدأ حفظ القرآن بطريقة ميسرة؟ أنبدأ من أوله أم من أي سورة؟ أيهما أنسب؟».

شباب في ظل العرش

ذهلت حين رأيت ما أظهره الإمام البنا لهؤلاء الشباب من اهتمام وتقريب لهم، وفي يوم من الأيام أفرد كلمته لهؤلاء الشباب وقال: «الله عز وجل سوف يُظل أناساً بظله يوم لا ظل إلا ظله، ومن هؤلاء الناس الشباب، الشباب الذي ترك المعاصي والشهوات؛ وترك السيئات».

ورأيت هؤلاء الشباب بعد ذلك يأتون إلى الدروس ومعهم آباؤهم فكانوا سبباً في هدايتهم أيضاً. فكان الإمام البنا بإخلاصه وسماحته وأفقه الواسع وفضائله الجمة ومعايشته وتطبيقه لكل ما يدعو إليه سبباً في كل هذا الخير.

خطابه وتلاوته

كان الإمام يرحمه الله تعالى يملك صوتاً جميلاً هادئاً، لا تنزعج من سماعه ولا تمل، لا يعلو بصوته ولا يصيح، بل يتحدث بأناة تستطيع معها أن تفهم ما يقوله ويقصده بسهولة، وكنت أراه يبكي في بعض خطبه كلما ذكر النبي "صلى الله عليه وسلم".

كان يقرأ عادةً سورة طويلة في صلاة الجمعة، يقرأ ثلاث صفحات من سورة الكهف قراءة جميلة جداً، كان يشبه في قراءته الشيخ عثمان أفندي الساعاتي (شيخ تركي معروف)، لا يعتمد في قراءته على التنغيم، وإنما يقرأ قراءة مستقيمة جميلة يراعي فيها جمال المعنى وتدفع المستمع إلى التفكر في الآيات المقروءة، فكان يرحمه الله يعيش القرآن ويعيش به، ويُعيّشه لغيره.

حماسه للشهادة

أتذكر أنه في إحدى خطب البنا حين تطرق إلى موضوع الشهادة كاد يفقد شعوره من الحماس! كان يعطي لهذه القضية اهتماماً كبيراً، ويعلي بها صوته محمساً المستمعين. لقد رأيت في هذا الرجل عشقاً للشهادة لم أرَه في أحد غيره، وكأنه كان يسير نحوها، كانت حالته تنبئك أنه سيموت شهيداً.

فأناشيد الإخوان وأسس دعوتهم تقوم على مبدأ «الموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، حين تسأل أحد الإخوان: ما غايتك في الحياة؛ أن تكون غنياً؟ أن تعيش مرفهاً؟ هل تريد القصور والبيوت والعز و..؟

فيكون جوابه: لا؛ غايتي العمل في سبيل الله، وأن أموت شهيداً في سبيله وسبيل دعوته، وهذه أسمى أمانينا، كان هذا الكلام يطبق ولم يكن مجرد شعارات فقط، وقد استشهد الإمام البنا بالفعل وبعده مئات الإخوان، وإن لم نحيِ نحن هذه القيم فينا وندافع عنها، فلن تقوم لنا قائمة ولن نحصل حتى على أدنى مقومات الإنسانية والحياة.

(أخيرة) أسير وغريب في وطنه

لم أرَ الإمام البنا حاداً أو مقطب الجبين إلا حين يتكلم عن أعداء الإسلام، فكان يقول غاضباً:

«لقد أصابنا الوهن، وأصبحنا تحت وطأة الاحتلال البريطاني، ذهب الإنجليز وبقي من يُسمون بالمسلمين وهم في الحقيقة إنجليز مصر! لقد أُهنا في ديننا وإيماننا، وأصبحنا غرباء في أوطاننا! هل نحن أسرى؟ صحيح نحن في وطننا لكننا في وضع سيء جداً لا نستطيع أن نعيش كما ينبغي ولا أن نتحرك بحرية».

في هذا الوقت كان حاكم مصر هو الملك «فاروق»، وكان مشهوراً بحبه للنساء والقمار! دبر مع الإنجليز واغتالوا الإمام البنا واستشهد في فبراير عام 1949م. وسمعت أن «فاروق» قال بعد وفاة الإمام: «الآن أستطيع أن أرتاح بعد أن ذهب البنا»! لا أدري كيف فعل هذا مع أعداء الوطن! أوهموه أن الإخوان سيُفقدونه عرش مصر.

مؤامرات عبد الناصر

لكن الملك لم يهنأ طويلاً، فقامت عليه ثورة 1952م بقيادة «عبد الناصر» وأصدقائه، وكان بينهم ضباط من شباب الإخوان المسلمين، بل حتى «عبد الناصر» عُرف أنه كان من الإخوان!

لكنه خلال تخطيطه للثورة كان يلتقي السفير الأمريكي بالقاهرة الذي وعده بأن الأمريكيين سيدعمونه في الثورة، بشرط أن يقضي على الإخوان بعد ذلك، والكل يعرف أن «إسرائيل» وأمريكا لا تريد صحوة إسلامية في الشرق الأوسط.

وبعد ثورة 1952م قام «عبد الناصر» بالضغط على الإخوان بحجة أنهم معارضة، وكان يدس بين مظاهرات الإخوان رجاله لكي يهتفوا ضده ثم يتهم الإخوان بذلك، حتى حظر الإخوان المسلمين وأغلق جمعياتهم وأوقف الكثير من الشباب المسلم.

وأخذ «عبد الناصر» يتنادى بالقومية العربية، وأراد أن يؤسس الاتحاد العربي، وتصرف بغباء فهاجم اليمن وهُزم فيها، وحارب «إسرائيل» بجيشه الهزيل، وخرب العالم العربي بحركاته الهوجاء.

العلماء ورثة الأنبياء

يترك الشخص القدوة في الناس تأثيراً مهماً وكبيراً جداً، ويصير بمثابة الدافع والمحفز لمن حوله في السير إلى الغايات العليا. فعظمة رسالة الإسلام في نبيها القائد والقدوة الرحمة للعالمين وشخصيته التي هذبها الله وصنعها على عينه؛

وقد أجلَّ الإسلام من يأتي بعد النبي "صلى الله عليه وسلم" من الذين يحملون نشر دعوة الإسلام ويحمونها؛ والذين يحببون الناس في هذا الطريق ويتبعون نور الإسلام من العلماء والقادة والدعاة، فقال "صلى الله عليه وسلم": «العلماء ورثة الأنبياء»، فهؤلاء العلماء هم حاملوا راية الدعوة لله. ليس العلم أن يكون الإنسان عالماً وحسب، بل لا يكون وارثاً للرسول إلا إذا عاش مثله.

الداعي.. وحياته الخاصة

حياة هؤلاء العظماء ومواقفهم ومعاملاتهم وأحوالهم تكون أكثر تأثيراً من كلماتهم، فهم يعيشون كل لحظات حياتهم للإسلام، وهذا ما عاشه الشباب معهم كل يوم، لقد عشتها بنفسي مع هؤلاء العظماء أمثال الإمام حسن البنا، وصبري أفندي، وزاهد الكوثري، وإحسان أفندي وغيرهم.

وللأسف الشديد هناك الكثير ممن يوصفون بالعلماء ويصدرون أنفسهم كقواد لدعوة الإسلام، لكنهم يسيؤون للدعوة بتصرفاتهم الشخصية ومعاملاتهم التجارية والسياسية التي لا تليق بهم وبمكانتهم.

ولا يمكننا القول: إن هذه حياتهم الخاصة؛ لأن الذين يخرجون باسم الدعوة لا حياة خاصة لهم! الذي يريد أن يعيش حياته على هواه عليه ألا يتصدر باسم الإسلام ولا يخرج باسم الدعوة.

تعرفت على أحد شعراء العالم الإسلامي الكبار، وهو الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، أثناء وجودي في القاهرة، وهو من أصل حلبي (سورية) وأمه تركية، وكان يعرف التركية والعربية والفرنسية.

وبعد تأسيس دولة السودان عمل سفيراً لسورية هناك أعواماً كثيرة، يرحمه الله رحمة واسعة؛ فقد كان شاعراً عظيماً يذكرنا بمحمد إقبال، ومحمد عاكف، عمل أستاذاً في المغرب، وكان يأتي المملكة السعودية كثيراً في مواسم الحج والعمرة، إلا أنه مات وهو مهموم كل الهم بالإسلام.

كان يقول:

«أنا شخص معقد، لا يعجبني أحد أو يقنعني بسهولة! لكن حسن البنا أقنعني وأعجبني كثيراً، وسرّني كذلك». وكان يذكر الأيام التي تعرف فيها على الإمام البنا قائلاً: «لقد تجولت مع الإمام البنا أثناء افتتاح بعض شعب الإخوان المسلمين في القرى والحواري، وبعض القرى التي ذهبنا إليها لا توجد بها مواصلات، فكنا نذهب إليها على ظهر الدواب!».

جولة في إحدى القرى

ركبنا على ظهر دابة وذهبنا إلى إحدى القرى، وكان الإمام شديد الفرح والسعادة كأنه ركب سيارة فارهة، ولما وصلنا القرية كان الليل قد حل، ووصلنا متعبين جداً ولم يعرف أحد بقدومنا بسبب عدم توافر وسائل الاتصال، فقال الإمام:

«أخ عُمر، أخونا القروي سيفرح كثيراً باستضافتنا وسيكرمنا من قلبه، لكننا جئنا دون أن نخبر أحداً! ولا نعرف كيف تكون حالهم الآن، والنبي "صلى الله عليه وسلم" كان يأمرنا ألا نرجع من سفر إلى بيوتنا دون إخبار، وروى هذا في حديث عميق رقيق له معانٍ كثيرة، فهو يقول لك: تعالَ إلى بيتك في النهار، ولا تأتِ إليه فجأة! هناك غرفة للمؤذن في هذا المسجد، بإمكاننا أن نقيم فيها، فما رأيك؟».
كان معنا بعض الشباب، فقلنا له: كما ترى، فنحن معك، ورغم إصرار الإخوة في القرية على أن يأخذونا عندهم، فإن الإمام قال: نحن جئنا فجأة دون سابق إنذار، فيجب علينا ألا نزعج العائلة، وبتنا في غرفة المؤذن.

قائد يستحق المحبة

أحضروا الطعام فأكلنا وصلينا ثم نمنا، كنت منهاراً من شدة التعب، وقال الإمام: أنا تعودت على النوم دون غطاء، وأعطاني لحاف المؤذن فلم أستطع معارضته، ونمت مباشرة، والتحف هو بملابسه ونام. وبعد منتصف الليل أردت أن أتوضأ، فخرجت فإذا بي أراه غارقاً في سجوده، حيث كان يصلي التهجد في صحن المسجد. قلت في نفسي:

«كيف لهذا الرجل ألا يُحَب؟!فهو المفكر والكاتب والساعي إلى كل مكان والمقتحم الجبال والقمم، الذي يقف للتهجد في هذه الساعة! رجل كهذا كيف لا يُحب؟!». ولن تُحرم الأمة ولن يُحرم الدين بإذن الله من هؤلاء المرشدين المخلصين المضحين الذين وهبوا أنفسهم لدين الله وإعلاء كلمته.

البنا.. ونجاح دعوته

سمع الكثيرون عن عمي حاجي يوسف زادة مصطفى أفندي وأعماله، وكنت أُسئل دائماً: «حدثنا عن كرامات عمك»! وهذا السؤال سُئل لعمي نفسه كثيراً، فكان يقول هذه الكلمات، وكنت شاهداً عليها: يا ولدي، كرامة الشخص في هذه الأيام في مدى خدمته للإسلام!

فكرامة الولي هذه الأيام تقاس بجهاده لأجل دينه، ماذا قدم؟! هل خدم الدين؟! هل علم الناس الإسلام؟! هل أخذ بأيديهم إلى دين الله؟ هل ربى شباباً يخدم دينه؟ هل يفكر دائماً في تربية المسلمين وتوعيتهم وتعليمهمالإسلام؟

هل ينفق ماله ووقته في سبيل الله؟ هل يتجاوز همومه ومتاعبه لأجل الدعوة؟ هل يعيش كل وقته وكل لحظة من عمره للإسلام؟ وهل هو قدوة في كل أحواله للناس؟ هل يربي المسلمين والشباب على خدمة الدين عن علم ومعرفة؟

وهل يربيهم على خدمة الدين بالاعتدال والصبر والسكينة؟ هل يبتعد عن الإفراط والتفريط والتشدد؟ هل يتطوع في كل عمل؟ هل يبتعد عن الجاه والشهرة والمنصب؟ هل هو كالجندي المطيع الواقف في نوبته؟ هذا هو يا ولدي!

فكرامة العالم والداعية اليوم هي مقدار خدمته للدين! اجعل هذا مقياسك في الحكم؛ فمن تجده يقوم بهذا ويخدم الدين على هذا النحو فهو عبد الله وولي الله.

ومن خلال هذا المقياس الذي علمني إياه عمي، فقد كان الإمام المعظم الشهيد حسن البنا يرحمه الله جندياً عمل لدين الله بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكان عبداً ولياً مجاهداً مخلصاً مباركاً.. رحمه الله رحمة واسعة.

إقرا أيضا


إقرا أيضاً

الإمام البنا في عيون السياسيين

الإمام حسن البنا في عيون الصحفيين

الإمام حسن البنا في عيون الصحفيين

الإمام حسن البنا في عيون الغرب

Banna banner.jpg