مناع القطان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:١٥، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٥ بواسطة Sa3 (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>مناع القطان</font></font></center>''' '''<center>هو الشيخمناع أبو محم...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مناع القطان
هو الشيخمناع أبو محمد القطان.

ولد في شهر أكتوبر ـ ت 1 ـ عام خمسة وعشرين وتسعمائة وألف في قرية شنشور مركز أشمون من محافظة المنوفية بمصر، وإلى قريته هذه ينسب الشيخ الشنشوري شارح (الرحبية) في علم الفرائض.

والشيخمناع من أسرة كثيرة العدد متوسطة الثراء تعرف بآل القطان.

وفي هذه البيئة كان منشأ الشيخ، وهي كشأن البيئات القروية المصرية تمتاز بالمحافظة على الأعراف والتقاليد وترابط الأسر، وما يتصل بذلك من حماية الأعراض والغيرة على حرمات الإسلام.

وقد بدأ حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم في كتّاب القرية، على دأب أمثاله من أبناء البيوت المحافظة في مصر آثناء ئذ، والتحق بمدرستها الابتدائية فأتم برامجها ولما يتجاوز الثانية عشرة. ثم التحق في شبين الكوم بالمعهد الديني التابع للأزهر، فحصل منه على الشهادة الابتدائية ثم الثانوية بترتيب متقدم. ومن أأبرز مشايخه في هذه الفترة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ـ وسنترجم له إن شاء الله ـ والشيخ عبد المتعال سيف النصر، والشيخ علي شلبي.

ومن ثم التحق بكلية أصول الدين في القاهرة، ومنها حصل على الشهادة العالية بتفوق، والتحق بعدها بتخصص التدريس، ونال الشهادة العالمية مع إجازة التدريس عام واحد وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد.

ويذكر الشيخ من أساتيذه في هذه الفترة، الشيخ محمد زيدان، والدكتور محمد البهي، والدكتور محمد يوسف موسى (رح).

ويعد الشيخمناع من الشخصيات التي أثرت فيه توجيهاً وتعليماً وتربية : والده خليل القطان، ويصفه بالتقوى والكرم والجزم.. ثم الشيخ عبد الرزاق عفيفي، فقد تلقى عنه وعاشره وجالسه، وهو في بلده شنشور، فكان يرافقه في البلد، ويلازمه في تنقلاته ودروسه ثم شاء الله أن يصاحبه مدرساً في كلية الشريعة، وفي المعهد العالي للقضاء بمدينة الرياض، حيث لا يزالون معاً منذ سنة 1372 هـ حتى يومنا هذا.

ثم يخص بالذكر الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، فقد تعرفه، واستمع إلى دروسه ومحاضراته وتوجيهاته، فلم يلبث أن انضم إلى الجماعة، واستمر يعمل في صفوفها منذئذ.

ومن بين العلوم التي ثقفها الشيخ يرى التفسير وعلومه أحبها إليه، لأنه يجد فيه ـ وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي ـ من الإعجاز التشريعي ما يكفل قيام الحضارة الفاضلة في كل عصر. وبدافع من هذا الإيثار يتولى تدريس التفسير وعلومه منذ تخرجه.

والقارئ لآثار الشيخ، كتاباً أو مقالاً أو حديثاً أو محاضرة، لا يفوته إدراك هذا الاتجاه، لأن الإيحاءات القرآنية أشد العناصر بروزاً في هذه الآثار.

ويتأمل المترجم في الأحداث التي عاصرها، وتركت طابعها عميقاً في تكوينه الفكري والروحي فيقصرها على ما يأتي :

أ ـ اتصاله بجماعة الإخوان المسلمين وإسهامه في جهادهم.

ب ـ مشاركته في الحركة الوطنية التي قام بها الشعب المصري، وفي مقدمته الإخوان، ضد الاستعمار الإنجليزي سنة 1946 م والحدث انتهت بالقضاء على معاهدة 1936 م.

جـ ـ مشاركته في حركة الجهاد بفلسطين عام 1948 م وذلك بتطوعه في سرايا الإخوان للعمل الفدائي، في قتال اليهود الباغين.

د ـ الفترة التي قضاها في السجن حين حاربت حكومة إبراهيم عبد الهادي جماعة الإخوان، فحلت تنظيماتها وصادرت ممتلكاتها واغتالت مرشدها العام الشهيد حسن البنا، وأوقعت في أعضاء الجماعة مختلف أساليب التعذيب والإرهاب، إذ كان أحد الذين اتهموا في قضايا الجماعة، وزجوا في المعتقلات مع الفوج الأول من سجناء الإخوان بدءاً من عام 1948 م وما بعده.

هـ ـ مشاركته في حركة المقاومة السرية ضد الإنجليز في منطقة القناة سنتي 1951 و1952 م.

ومعلوم أن تلك الأحداث كانت محور نشاط الشباب من جماعة الإخوان المسلمين، تمرسوا خلالها بألوان من التربية الإسلامية، التي توقظ الوعي وتوضح المفهومات الصحيحة، وتحقق التطبيق العلمي للمعاني العليا، التي تلهب في النفوس روح الجهاد الإسلامي، للتخلص من القوى الاستعمارية على اختلاف ألوانها من شرقية وغربية، وتوجه طاقات الشباب المؤمن إلى العمل على استعادة أمجاد الإسلام، واستئناف الحياة الإسلامية القويمة، التي بها يتأكد الانتماء الحي لأمة القرآن.

وقد شاء الله أن يحرم الشيخمناع من الإسهام في محنة الإخوان التي نزلت بها عام 1954 م في مصر، إذ كان أيامئذ مغترباً في المملكة العربية السعودية، حيث لا يزال حتى الآن.

أحداث في التدريس :

وحتى الآن لم نتلق جواباً على سؤالنا الثامن حول الأحداث التي قد تكون عرضت لأي من أصحاب الفضيلة أثناء عملهم في التدريس أو القضاء وما إلى ذلك، فجواب الأستاذمناع إذن هو الأول من نوعه حتى الآن.

يقول الأستاذ : إن أهم هذه الأحداث التي عرضت له في التدريس ما كان يواجهه من بعض الطلاب المنحرفين المخدوعين الذين يعرفون اتجاهه الإسلامي فكان يأخذهم بالحكمة والحذر.. ويقول :

" إن له مع هؤلاء نوادر طريفة.. إلا أنه لم يشر إلى أي من هذه النوادر بالتفصيل، وكل ما يعلمنا هو نتيجة أسلوبه الحكيم الحازم، إذ يرينا أنهم أكبروا فيه صموده واستمساكه بعقيدته حتى لانت عريكتهم له.

وفي ظننا أنه لا بد لكل مدرس إسلامي في هذه الأيام من مواجهة أمثال هذه المشكلات التي يشير إليها فضيلة الشيخ، وهي أمر جد طبيعي، لأنها تمثل مرحلة الصراع التي يمر بها الجيل، وبخاصة في الأقطار التي تسيطر عليها الاتجاهات غير الإسلامية، إذ تعمل الدعايات الشيطانية عملها الدائب لزلزلة بقايا القيم في صدور الشباب، عن طريق المناهج الدراسية حيناً، وعن طريق المدرس الزائغ حيناً آخر، إلى العشرات في وسائل التخريب التي تنصب على الناس من كل صوب.

إن المدرس المستقيم الذي يستشعر المسئولية أمام ربه ودينه وأمته لن يكون سعيداً في مثل هذا الجو، لأنه لا يستطيع كتمان الحقيقة التي تملأ كيانه، ولا يستطيع تأييد الباطل الذي يريد أن يلغي هذه الحقيقة، فإذا قال الحق أثار عليه أهل الباطل، وما أكثرهم في كل مكان، وبخاصة في الأوساط التعليمية، التي يركز عليها أصحاب السلطان من الذين حرموا نعمة الإيمان، وحرموا في الوقت نفسه نعمة النظر في دلائل أهل الإيمان. وقد طالما عانينا من هذه المشكلات خلال عملنا في التدريس فصبرنا ما وسعنا الصبر ونصرنا الحق ما وسعنا النصر.

ولا جرم أن هذا الضرب من محن المدرسين لم يعرفه أحد من أسلافهم، أيام كان الإسلام هو الذي يسود المجتمع، ويحكم الضمائر.

صور من نشاط الشيخ :

لقد شمل نشاط المترجم ولا يزال يشمل جوانب متعددة في خدمة الإسلام والعلم، ويعدد فضيلته بعضها، فيخبرنا أنه كان عضوا في قسم الدعوة والإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، مذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، فكان لا يفتأ يتجول في المدن والقرى للدعوة إلى الله في المساجد والأندية والحفلات، كلما وجد إلى ذلك سبيلاً.

وقد انتخب رئيساً لاتحاد الطلبة في كلية أصول الدين، فقام بالاشتراك مع إخوانه يحركه المطالبة بتجديد المناهج الأزهرية لتمكين الأزهر من النهوض بمسئوليته بإزاء الدعوة، وحول هذا الموضوع نشر عدداً من المقالات في جريدة " الشهاب " جريدة الإخوان يومئذ.

ومنذ تخرجه اتخذ سبيله إلى التدريس، فعمل في مصر إلى عام 1953 م حيث أعير إلى المملكة العربية السعودية للتدريس بالمعاهد العلمية التي استمر فيها إلى سنة 1958 م، ومن ثم انتقل للتدريس في كلية الشريعة بالرياض، ثم في كلية اللغة العربية، وحين افتتح المعهد العالي للقضاء عام 1387هـ أصبح عضواً في مجلس المعهد ثم أميناً لسر المجلس ثم مديراً له، إلى عضوية هيئة التدريس بدرجة أستاذ، ثم مديراً للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود..

يضاف إلى ذلك عضويته في كل من مجلس جامعة الإمام والمجلس الأعلى لهذه الجامعة سابقاً.. ثم رئاسة اللجنة العلمية لكلية البنات، وكذلك إشرافه على مواد التشريع الإسلامية بكلية قوى الأمن الداخلي، ثم عضويته في مجلس الإدارة لمدارس الرياض..

وقد اختير فضيلته كذلك عضواً في اللجنة الفرعية للتعليم بالمملكة العربية السعودية، عندما صدر الأمر الملكي بتشكيلها، لوضع السياسة التعليمية على الأسس التي تتطلبها منزلة المملكة في العالم الإسلامي. ومن مهام هذه اللجنة النظر في مناهج التعليم بمراحله المختلفة، وصياغتها صياغة جديدة تنبثق من السياسة التعليمية العليا، وتراعي أحدث النظريات والأساليب التربوية، وقد اختارته هذه اللجنة الفرعية للتعليم مقرراً لها.

ومن أعماله العلمية الإشراف على رسائل الماجستير، وقد بلغ عدد الرسائل التي أشرف عليها في هذا القسم، حتى موعد الطبعة الثالثة من هذا الكتاب، ثلاثين رسالة، وكذلك رسائل الدكتوراه التي بلغت عشراً، إلى ست أخرى يقوم بالإشراف عليها في هذه الأيام.. هذا إلى مشاركاته في مناقشة خمسين من رسائل القسمين.

وقد كلف من قبل كل من جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك سعود بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بتقييم عدد من بحوث أساتذتها المساعدين والمشاركين المقدمة للحصول على الترقيات.. كما أحيلت إليه من بعض الجامعات عدة مؤلفات لتقدير مدى صلاحيتها للنشر.

وفي ذلك كله معالم شاهدة بمكانة الشيخ الفكرية والثقة الكبرى التي يتمتع بها في أرقى المؤسسات العلمية.

في المؤتمرات والندوات :

ومما يتصل بهذا الجانب من نشاط الشيخ الفكري مشاركاته في الكثير من المؤتمرات والندوات، نذكر منها :

ا ـ المؤتمر الأول لرابطة العالم الإسلامي.

2 ـ المؤتمر الإسلامي العالمي في كراتشي.

3 ـ المؤتمر الإسلامي العالمي في بغداد.

4 ـ المؤتمر الإسلامي في القدس.

5 ـ مؤتمر المنظمات الإسلامية.

6 ـ مؤتمر رسالة الجامعة ـ الرياض.

7 ـ أسبوع الفقه الإسلامي ـ الرياض.

8 ـ أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ الرياض.

9 ـ المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي ـ مكة المكرمة.

10 ـ المؤتمر الجغرافي الإسلامي ـ الرياض.

11 ـ ندوة رسالة المسجد ـ الرياض.

12 ـ مؤتمر الدعوة والدعاة ـ المدينة المنورة.

13 ـ مؤتمر مكافحة الجريمة ـ الرياض.

14 ـ ندوة مكافحة المخدرات ـ الرياض.

15 ـ مؤتمر الندوة العالمية للشباب المسلم ـ الرياض.

16 ـ ندوة انحراف الأحداث.

ولقد قدر لنا أن نشارك في إحدى اللجان المنبثقة عن " مؤتمر رسالة الجامعة " الذي عقدته جامعة الرياض ـ الملك سعود ـ عام 1394 هـ إذ كان الشيخمناع هو الذي يرأس هذه اللجنة، وكان له الأثر الطيب في نشاطها، وفي ما انتهت إليه من توصيات نافعة، على الرغم من إلغاء بعضها عند الصياغة الأخيرة، وبخاصة ما يتعلق منها بضرورة الحفاظ على سلامة العربية وآدابها.

في نطاق التأليف :

1 ـ مباحث في علوم القرآن.

2 ـ تفسير آيات الأحكام.

3 ـ التشريع والفقه في الإسلام تاريخاً ومنهجاً.

4 ـ الحديث والثقافة الإسلامية.

5 ـ نظام الأسرة في الإسلام.

6 ـ الدعوة إلى الإسلام.

7 ـ موقف الإسلام من الاشتراكية.

8 ـ الإسلام رسالة الإصلاح.

9 ـ الشريعة الإسلامية.

10 ـ رفع الحرج في الشريعة الإسلامية.

11 ـ وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية.

12 ـ الحاجة إلى الرسل في هداية البشرية.

وهذه لمؤلفات كلها قد طبعت وأعيد طبع بعضها، وهناك مؤلفات ذكر فضيلته أنها معدة للنشر وسمى منها :

1 ـ مباحث في علوم الحديث.

2 ـ تاريخ التفسير ومناهج المفسرين.

3 ـ الفرق الإسلامية.

4 ـ العقيدة والمجتمع.

5 ـ القضاء في العهد النبوي والخلافة الراشدة.

6 ـ الزواج بأجنبية.

ويقول الشيخ : إن أحب هذه الكتب إليه هو أولها " مباحث في علوم القرآن " ويعلل ذلك بأن أصول هذا الكتاب كانت باكورة تواليفه.

وهو تعليل معقول يثبت أثر الظروف النفسية في إيثار المؤلف بعض تآليفه على بعض، ولكنه لا يثبت أرجحية المختار على سواه في التقدير المطلق. ونظرة مدققة في أسماء هذه الكتب تؤكد أنها على سواء في القيمة الموضوعية، إذ كل مباحثها من الضرب الذي تنطلق إليه حاجة الفكر المسلم في المرحلة الراهنة.

مستقبل الجيل الإسلامي :

ويرى فضيلة المترجم أن ثمة تشابهاً كبيراً في أوضاع العالم الإسلامي على اختلاف دياره وأقطاره، وأن التفاوت الذي يبدو في بعض أجزائه لا يعدو أن يكون تفاوتاً في العوامل المؤثرة فيه قوة وضعفاً، أو في مدى قابليته للتأثر بها. ويوضح الشيخ رأيه قائلاً :

" إن التآمر الدولي الذي يحوكه خصوم الإسلام إنما يستهدف القضاء على كيان الأمة الإسلامية ومقومات شخصياتها حتى تظل نهب المطامع الغربية تارة والشرقية أخرى، فلا يتحقق لها استقلال ذاتي ولا تنفض عن كاهلها غبار التبعية. والغزو الفكري يشق طريق لتحقيق هذا الهدف بخطوات ثابتة، ويقوم بتنفيذها أبناء جلدتنا باسم الحرية والتقدمية. وفي ظن الشيخ أن مستقبل الجيل الإسلامي الجديد سوف يكون أحسن حالاً من حاضره وعياً للإسلام وإدراكاً لمهمته وعملاً على النهوض بأمته.

أما لماذا وكيف. يقول : " لقد ذاق العالم الإسلامي مرارة الاستعمار الغربي، واكتوى بنار فساد المدينة الحديثة ردحاً من الدهر قاسى فيه ألواناً من المآسي أنهكت قواه، وفرقت شمله وأشاعت فيه روح المروق والإباحية، واستغلت مرافقه وخاماته وطاقاته، فرزح تحت نير الاستعباد مكبلاً بأغلاله. ثم جاءت صحوة العالم الإسلامي بعد هذه الكبوة تشع ببوارق الأمل. إلا أن هذا الأمل ما لبث طويلاً حتى تبدد شعاعه في الظلام الكثيف الذي ساقه الثوار المتحررون في مؤامرة جديدة، ترفع شعار الكفاية والعدل، وتخفي وراءها الشيوعية الدولية مغلفة بالحرية والاشتراكية والقومية، وحيث ظن الناس أنهم نجوا من مخلب قط وقعوا بين فكي أسد. ويعرب الأستاذ عن تفاؤله بأن هذا الشعور يكمن اليوم بين جوانح الكثير من أبناء الأمة الإسلامية، وستتاح له الفرصة قريباً للتعبير عن حاجاته، ويومئذ تبدو بوادر اليقظة الواعية التي تنفض يدها من الشرق والغرب، وتراجع رصيدها الإسلامي من تاريخ أمتنا المجيدة، فتجدد في هذه الأمة بواعث الأمل وعوامل النهوض لبناء مجتمع إسلامي معاصر على مبادئ الإسلام وهدى شريعته، يقيم للإنسانية حضارة إسلامية فاضلة، تأخذ بيدها إلى سبيل الرشاد.

مسؤولية علماء الإسلام :

ويفيض الشيخ في الحديث عن هذا الجانب قائلاً :

" على يد علماء الإسلام الذين يدركون واقع أمتهم، ويفهمون حقيقة رسالتهم، ويقدرون أمانة الله في أعناقهم، على يد هؤلاء العلماء يقع العبء الثقيل في مسيرة الجيل، والوقوف في وجه التيارات الغازية، واستئناف حياة إسلامية صحيحة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية بتقديم الصديق إلى إخوانه العلماء بهذه التوصيات الأربع :

1 ـ أن يستشعروا خطورة المسئولية، وفداحة الخطب.. فإن الله قد أناط بهم ميراث النبوة من القيام بواجب الدعوة وهداية البشرية إلى الخير، وهي مسؤولية جد خطيرة لا يحملها إلا أولئك الذين يتجردون لله من ذوي الإيمان الصادق والعزيمة القوية،التي تمضي في طريقها بثبات وصبر :[يا يحيى خذ الكتاب بقوة ] [فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل].

والتخلي عن أداء تلك المهمة أو التقصير فيها لا ينكب الأمة في خطب تواسي فيه بالاستعاضة عنه، وإنما ينكبها في أغلى شيء لديها لا تجد له عوضاً.

إن الأمة قد ترزأ في اقتصادها، واحتلال أرضها، أو تخلف حياتها، ولكنها تظل أمة حية تنبض بمعاني القوة ما دامت معتصمة بدينها، مؤمنة بعقيدتها، واثقة بنصر الله لها. أما إذا فقدت الثقة والإيمان والدين فقد فقدت روحها، وأصبحت جثة هامدة لا حياة فيها، وذلك هو الرزء الذي لا تجدي فيه المواساة، ولا يستعاض عنه بشيء، فشعور علماء الإسلام بهذه الحقيقة هو بداية الطريق.

2 ـ ومن شأن هذا الشعور أن يوقظ في نفوس العلماء ضرورة العمل الموحد، وهذه هي الوصية الثانية، لقد علماء الإسلام على مر العصور والأجيال يختلفون في المسائل الفرعية الاجتهادية، ولكن هذا الاختلاف لم يفسد ما بينهم من رابطة الجهاد ووشيجة قرابته، فقد كانوا يوقنون بأنهم جميعاً جنود الإسلام في صف المعركة. فالمعركة واحدة وصفها واحد وغايتها واحدة، وهي تحرير الإنسان من عبوديته لأخيه الإنسان حتى يصير عبداً خالصاً لله، وتلك هي الحرية بالمفهوم الإسلامي : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ).

وإذا كانت الاتجاهات المعادية للإسلام تدفن كل خلاف بينها لتقف على قلب رجل واحد في حرب الإسلام ولتحطيم كيانه وتمزيق شمل أمته، فكيف يسوغ لرجالات الإسلام أن يواجهوا هذا التكتل أشتاتاً متنافرين. والله تعالى يقول : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

3 ـ ثم يأتي دور التخطيط للعمل المثمر الهادف ـ وهي الوصية الثالثة.

لقد تقدمت المعارف الإنسانية، وكثرت فنونها وأصبح لكل فن شعبيته الدراسية. ولكل شعبة أبحاثها، فلعلم الاقتصاد مبادئه ونظرياته، وللعلوم السياسية أسسها ومناهجها، ولعلوم الاجتماع قواعدها وفلسفتها ، ولكل أمة منهج فكري تصدر عنه في تنظيم شئون حياتها فتصوغ معارفها في قالبه. وتقدمت كذلك وسائل الإعلام والنشر والتوجيه تقدماً معدوم النظير، وأخذ أصحاب كل مبدأ بهذه الأساليب في نشر مبدئهم عن تخطيط مدروس.

فعلى رجال الحركة الإسلامية إذن أن يرتفعوا إلى هذا المستوى في الدراسة الواعية والأساليب المبتكرة، للذود عن حياض الإسلام، والقيام بواجب دعوته.

4 ـ وتأتي بعد ذلك الوصية الرابعة في الدأب والمثابرة. إن العمل أياً كان نوعه شاق على النفس، ولكن الصبر عليه هو ضرورة الحياة الجادة النامية، وحين يتسرب اليأس إلى النفس يدركها الخور وتتراءى أمامها الحياة مخيفة مقفرة.

ونحن المسلمون أصحاب عقيدة تصلنا بالله تعالى، الذي بيده ملكوت السموات والأرض، ومن هذه الصلة نستمد القوة المعنوية الدافعة، التي تبدد سحب المخاوف، وتقضي على عوامل اليأس، وتبعث فينا روح الأمل الباسم المشرق من خلال البلاء والمحن (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون!) (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).