منحة في ثوب محنة!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٣٢، ١٦ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

اعتقال وقيود

بسمة أمل ونسيم رجاء وإشراقة بشرى، لكل من مر بمحنة ضاق بها صدرُه وكثُر فيها همُّه وزاد معها غمُّه، تناديه البسمة بانتظار الفرج وترقُّب اليسر بعد العسر، ويخاطب الرجاء قلبَه الطاهر وروحَه الصافية وتجعله البشرى يخرج من محنته سعيدًا، فلقد طارد فيها فلول الأحزان وأشباح الأوهام وطمع في الفوز بجنة رضوان، فلقد اقترب من ربه وناجاه وفرح بقربه وشكَره على منحة جاءت في ثوب محنة..


مواقف مكنت أصحابها من جعل محنتهم منحةً، اطمأنوا فيها، وكانت نورًا في طريقهم نحو الجنة، نستعرضها في التحقيق التالي:


بداية المنحة.. بسمة ورضاء بقضاء الله

حدقتها أواسيها على اعتقال والدها، واختطافه من بيته في منتصف الليل، فقالت: إن هذا شرف، فالله إذا أحب عبدًا ابتلاه، ثم ماذا يمكن أن نقدم إليه بالحزن والأسى، فالحزن لن يفيد ولن يعيد ما فات، كانت هذه كلمات (ح. م) تصف فيها مشاعر صديقتها بعد اعتقال والدها، نقلتها وهي فخورة بها، كما تمنت لكل أهالي الابتلاءات أن يحذو حذوها.


تؤكد على كلامها أم سارة التي خرجت من محنة اعتقال زوجها سعيدةً بها، وتعتبرها منحةً من الله عز وجل، واجبًا شكرُه عليها، وتصف قائلةً إن عدم الحزن لا يكفي والأهم منه الرضا ورسمة البسمة على الوجوه، فللأمر ثمار عظيمة لا يعلمها إلا مَن رضي بقضاء الله ولجأ بإخلاص ورجاء وأمل.


نسيم ورجاء

تأتي المحن كفرصة يتقرب فيها العبد من الله- عز وجل- وتزداد معها روحانياته، يكون رجاؤه فيها كنسيم جميل يداعب روحه ويريح باله.. هذا هو رأي هاجر التي استشعرت حلاوة القرب من الله- عز وجل- باعتقال والدها الذي كان كل شيء في حياتها.


كما أن كلمات صديقةٍ لها كانت لها وقْعًا جميلاً في أذنيها، فلقد قالت لها قد يكون الله أرادك لدرجةٍ عاليةٍ في الجنة وأعمالك الحالية لا تبلغك هذه المنزلة، فعرضك لهذه المحنة لتكون منحةً لنيل الثواب وارتقاءِ الدرجات.


ألا بذكر الله تظمئن القلوب

ساورتْها الهموم والأحزان وتجمَّعت في ذهنها وقلبها كل الآلام، ولم تستطع أجفانها في هذه الليلة أن تنام، فتذكرت قوله تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، وأنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ مخرجًا، ومن كل ضيق فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فأكثرَت من الذكر واستغفرَت الله كثيرًا، وتوكلت على الله في أمرها فرُزقت راحةً عظيمةً، نامت على أثرها، وفرَّج الله بهذه الأذكار همَّها.


لم تستنكر موقفها أم أحمد، التي اعتُقل زوجها، وكان سيتم عرضه على نيابة أمن الدولة، فإما أن يُفرَجَ عنه وإما أن يجدَّد اعتقاله، فجلست تهيِّئ نفسَها للدعاء وطلب الفرج من الله، وأثناء ذلك ذكَّرتها أختها أن من شغله ذكر الله عن مسألته أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين، فأدمنت الذكر، حتى إنها اشتغلت به عن همِّها وضيقها، وذهبت في اليوم الثاني للنيابة لتجد المجموعةَ بأكملها قد تجدَّد حبسُها إلا زوجها ما زال يجري معه التحقيق، فاستمرت في ذكرها حتى جاء إليها خبر الإفراج عنه دون الجميع.


إن بيتك احترق.. كلا لم يحترق..!!

كلمةٌ قالها شخص لأبي الدرداء يخبره بأن بيته احترق، فقال لا لم يحترق، فأكد على كلامه، وقال لقد احترقت المنطقة بأكملها فأجابه: خليلي أوصاني بدعاءٍ من قاله في الصباح لم يصِبه مكروهٌ حتى يمسي، ومن قاله في المساء لم يصبه مكروهٌ حتى يصبح.. بهذه القصة المؤثرة بدأت أم هالة حديثَها الذي زادت ثقتها ثبوتًا وشموخًا، وأضافت قائلةً ما إن واظبت على أذكار الصباح والمساء والمأثورة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أطمئن تمامًا على حال زوجي في المعتقل وحال أولادي ونفسي وكل أهلي.


تؤكد كلامها زينب التي كان لها مواقف مع أذكار الصباح والمساء، وتقول إنها في اليوم الذي يحدث لها ولزوجها ما يزعجها تكون قد نسيت أن تقول الأذكار يومها، ومن الناحية الأخرى فإن زوجها قد يتعرض لأذى شديد وينجيه الله بسبب المحافظة على الأذكار.


بذكر الله تطمئن القلوب

خرجتُ من المحنة وأنا أحمد الله كثيرًا على أن وضعني فيها، فلقد كانت أعظم منحة يمكن أن أُمنَحَها في حياتي، فلقد ارتقيت بسببها في علاقتي مع الله- عز وجل- اعتُقل زوجها، وساءت معاملة الناس لها ولأولادها، وضاقت حياتهم لسبب قلة الرزق، فعلمت أن لا ملجأَ من الله إلا إليه، ولا طريقَ إلى الخلاص إلا الاتصال بالله- عز وجل- وكانت تجد الراحة في كتاب الله- عز وجل، ووجدت فيه كل معاني السكينة التي كانت تتوافق مع مواقف معينة، وكأن الله أرسل إليها هذه الكلمات في هذه اللحظات لتواسيَها، فكانت تسمعها كأنها أول مرة تسمعها، ولا تزال تتذكر روحانيات استشعرتها حينها مع كل مرة تقرؤها.


ذكر الله تعالى

ومن أغرب المواقف كان موقف هديل، التي كان من ثمار محنتها ارتباطها بالقرآن والمداومة على الورد القرآني، حتى إنها في يومٍ لم تقرأه نتيجة ظرف طارئ،وفي صباح اليوم الثاني حدث لها موقف كادت أن تنهار فيه، لولا أنها لجأت لوردها القرآني الذي كان متأخرًا، لتجده يخاطبها ويرشدها لعلاج الموقف، فاستشعرت أن قدرةَ الله التي جعلتها تؤخر الآيات لتقرأها بعد هذا الموقف.


سهام الليل لا تخطئ

منحة مروة تمثلت في استشعارها للذة قيام الليل ومناجاة الله في الثلث الأخير، وتقول عندما كنت أسمع مقولة إنه في قيام الليل لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها.. كنت أتعجَّب، وحاولت مرارًا القيام من النوم، لكني كنت أجد لذةَ النوم أقوى حتى حدثت لي محنة أرَّقتني ليلاً وأصابتني بالهموم، ورأيت الدنيا سوداءَ من حولي، وكانت هذه المحنة بمثابة المنبه الذي يوقظني لمناجاة الله في الثلث الأخير ورجائه بعد أن ضاقت بي كل الوسائل.


وتؤكد على كلامها (س ز م) التي قرأت أن الله إذا ابتلى عبدًا من عباده يريد أن يَسمع صوت مناجاته، فتأثرت بهذا الكلام بعد ما ابتلاها الله، وتقول إن من أهم ثمار قيام الليل هو أنك ترضَى بما قدره الله لك، وتستشعر أن هذا هو الخير، وترى الجوانب المشرقة من الأمر.


وتضيف أنها في ليلة من ليالي محنتها مرت بظروف نفسية سيئة، وساورتها المخاوف من المستقبل، وكيف سينشأ ولدُها بعيدًا عن أبيه، فقامت إلى الصلاة والناس نيام، ودعته بإلحاح أن يقدِّر لها ولولدِها الخيرَ ويلهمَها الطريق الصحيح، وتقول إنها بعد أن انتهت من الصلاة- والدموع تملأ عينيها- نظرت إلى ولدها فرأته يبتسم وهو نائم، فتنهَّدت وشعرت أن الله أراد أن يطمئِنَها فرفعت عينيها تشكر الله، فإذا بها تقع على ملصوق على الحائظ مكتوب عليه لا تحزن إن الله معنا.


قضاء حاجة من حوائج المسلمين

من منطلق من فرَّج عن مؤمن كربةً فرَّج الله عنه كربةً انطلقت أسرة محمد بعد اعتقاله للبحث عن المكروبين وتفريج همومهم بقدر استطاعتهم حتى يكرمهم الله ويفرِّجَ همَّهم.


ومن العجائب التي وجدوها في هذا الأمر أنهم إذا ما ساعدوا أسرةً في علاج ابنها المريض أو عائلها يجدوا أباهم في زيارتهم له يخبرهم أن الله سخَّر له أحد الأطباء المعتقَلين معه لإنقاذه من أزمة قلبية كاد أن يموت على إثرها.


ولا عجبَ في ذلك، فلعل من أمثلة هذا الأمر في الأثر قصة فيما معناها أن الرجل سافر عنه ابنه في العمل، وبينما هو عائد تعرضت السفينة للغرق وكان وقتها أبوه قد تصدق بثلث طعامه لأسرة لم تجد قوت يومها، فأرسل الله في هذه اللحظة بقايا قارب لابنه كطوق نجاة، وسمع صوتًا يقول له أخبر والدك أن هذا بالثلث فكيف لو كان الكل.


وفي الختام رُبَّ دمعةٍ في جوف الليل كانت سبيلاً للسعادة، وإخلاصٍ في صدقةٍ تفرِّج كرب فقير طوقًا للنجاة، ولرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرج، فلعل هذه المحنة تكون طريقًا لك للجنة، بصبرك عليها، وبهذا تكون أعظم المنح.


المصدر : إخوان أون لاين