هنداوي دوير يحلل السياسة الدولية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٨:١٦، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات) (←‏هنداوي دوير يحلل السياسة الدولية)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


سطور مجهولة من حياة أحد الشهداء

بقلم:عبدالحليم الكناني

هنداوي دوير يحلل السياسة الدولية

الأستاذ هنداوي دوير أمام محكمة الشعب عام 1954م.

قيل الكثير عن الأخ الشهيد هنداوي دوير.. قيل إنه عصبي المزاج، حاد الطبع، متهور، ثرثار، مغامر، مندفع، وقيل إنه عميل، ورَّط جماعته في كارثة المنشية؛ تنفيذًا لمخطط حكومي خبيث، وساعد على تلك الأقاويل ذلك الغموض والضباب الذي أحاط بحادث المنشية ودوافعه وملابساته وأحداثه، ثم ما كان من أمر المحاكمات التي تلته وما كان فيها من أقوال وأقاويل.

أما العِمالة فقد كفانا مؤونة الرد عليها رفيقه الأخ الداعية المجاهد: علي نويتو، الذي كشف عن حقيقة ما حدث لهنداوي دوير (حيث قُبض عليه ومعه زوجته الحامل، ومورس ضدهما أبشع أنواع التعذيب وأحطها- خصوصًا مع زوجته- حتى يعترف بما يريدون).

ولكننا نعرض لصفحة مجهولة من حياة الأخ الشهيد هنداوي دوير، ربما يستغربها البعض ويعجب لها، فقد كان شاعرًا مجيدًا، ومثقفًا واعيًا؛ بل كانت له مساهمات وكتابات جيدة في صحافة الإخوان المسلمين، يحلل فيها الموقف الدولي، والسياسة العالمية تحليلاً واعيًا عميقًا، يكشف عن وعي وإدراك وسعة اطلاع وحسن متابعة للأحداث الداخلية والخارجية.

ونشرت له مجلة المباحث القضائية بابًا ثابتًا تحت عنوان (الموقف الدولي) شمل كل أعدادها تقريبًا، وننشر هنا نموذجًا من مقالاته التحليلية للسياسة الدولية، ونضعها بين أيدي الباحثين والقراء لعلها تُلقي أضواءً جديدة على شخصيته التي تضاربت حولها الأقوال والتفسيرات.

الموقف الدولي والمسألة المصرية

بقلم هنداوي دوير*

"على أثر خطاب العرش الذي ألقاه رئيس وزراء مصر نيابةً عن جلالة الملك في البرلمان المصري غداةَ افتتاحه، والذي أعلن فيه أن معاهدة سنة 1936 م واتفاقيتي السودان سنة 1899 م لم يعد كل ذلك أساسًا صالحًا للعلاقات المصرية الإنجليزية، وقرر رئيس وزراء مصر بطريقة يُشَم منها التهديد، اعتزام الحكومة المصرية إلغاء هذه الاتفاقات التي تكبل وادي النيل بالأغلال.

على أثر هذا الإعلان احتلت القضية المصرية مكانًا بارزًا في أنهار الصحافة العالمية، كلٌّ يفسر هذا التصريح بحسب هواه ومصالحه، فقالت جريدة برافدا الشيوعية شبه الرسمية: "إن المصريين يريدون التخلص من الاستعمار الرأسمالي وإن كانت تعوزهم المقدرة على الكفاح الجدي والإيجابي"، وقالت جريدة الكازار الإسبانية: "إن الشعب المصري يؤيد حكومته في هذه المسألة القومية"، وأعلنت الصحف الأمريكية أن المطالب المصرية الخاصة بسحب القوات البريطانية من قناة السويس وإنهاء الحكم الثنائي في السودان تستند إلى منطق الجماهير أكثر من استنادها إلى النظرة الواقعية للأمور، وأن القوات البريطانية في منطقة قناة السويس هي الحامية العربية الوحيدة في الشرق الأوسط.

وكثرت تعليقات الرسميين على هذه الفقرات من خطاب العرش المصري، وكان أبرزها ما جاء على لسان مستر بيفين الذي قرر "أن الحكومة العمالية لن تترك منطقة قناة السويس دون دفاع، وهي لن تتخلى عن حق تقرير السودانيين لمصيرهم"، وإذن فلا جلاءَ ولا وَحدة.

وأستطيع أن أقرر أن عرض القضية المصرية على المحافل الدولية ضار بمصلحة مصر، وإننا لن نجني من عرضها على الجمعية العامة أو مجلس الأمن شيئًا إلا ضياع الوقت والمال، خصوصًا إذا قامت الحكومة المصرية بإلغاء المعاهدة والاتفاقيتين السودانيتين فعلاً، وذلك لأن القانون الدولي الذي سنحتكم إليه- وهو دستور هذه الهيئات الدولية- يقرر أن كل معاهدة عقدت باتفاق طرفين لا يجوز إلغاؤها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين بصرف النظر عن الظروف التي وقعت تحتها المعاهدة، وبغض النظر عن الضغط السياسي والعسكري اللذين أثَّرا على أحد طرفي المعاهدة؛ إذْ لا يلتفت القانون الدولي لهذه الظروف ولا يعترف بها، وتكون مصر بإلغائها المعاهدة من جانب واحد قد ارتكبت مخالفةً دوليةً، وأخلت بالتزاماتها من ناحية الشكل؛ الأمر الذي تتحمل مصر على أثره المسئولية الدولية من عدم إمكان نظر القضية بما فيه صالح مصر.

وبغض النظر عن وجود التنافس الشيوعي والرأسمالي في هيئة الأمم، وأن المعسكر الأنجلو أمريكي الذي استطاع أن ينتزع قرارات من مجلس الأمن ومن هيئة الأمم تؤيد الغزو الأمريكي لكوريا وتباركه، يستطيع كذلك- وبمنتهى السهولة واليسر- أن يأخذ قرارًا بأن مصر قد جانبت الصواب في إلغاء المعاهدة من جانب واحد، وإن على الطرفين أن يدخلا في مفاوضات لإنهاء النزاع ونعود نستجدي ونرجع إلى الحلقة المفرغة.

هذا إذا حدث الإلغاء من جانب الحكومة المصرية وحدها فعلاً، ولكن إذا استعدينا هيئة الأمم على الاحتلال الإنجليزي لمصر دون إلغاء المعاهدة فستكون النتيجة هي نفسها التي عرفناها من عرض القضية على مجلس الأمن على أيدي الحكومة السعدية السابقة، بل قد تكون النتيجة أكثر خذلانًا للقضية؛ لأن النحاس باشا الذي وصف معاهدة سنة 1936 م بأنها معاهدة الشرف والاستقلال، والذي أنكر وجود الضغط السياسي والعسكري غداة توقيع المعاهدة لا يستطيع الآن هو نفسه أن يقول إنها عقدت تحت الضغط العسكري أثناء احتلال القاهرة والإسكندرية، ولا يستطيع أن يقف أمام المحافل الدولية كمسألة شخصية؛ لتورطه في مديح المعاهدة والثناء عليها وعلى الإنجليز.

ولما تمردت حكومة الوفد الأخيرة على إنجلترا على غير عادتها أمام ضغط الرأي العام المصري وارتفاع مستوى الوعي القومي، الذي لم تعد تخفى عليه القيود الملفوفة في ثوب فضفاض من الحرير، ولما كان القانون الدولي من ناحية الشكل في صالح إنجلترا، وحدث هذه المرة أن صفي النزاع التقليدي بين الوفد والقصر الملكي، لما كان ذلك كذلك وجهت إإنجلترا- استنادًا إلى مركزها الدولي- صفعات قوية متوالية إلى حكومة الوفد، خاصةً وإلى الشعب المصري عامة، فتشددت في المفاوضات السياسية بين النحاس باشا والسفير الإنجليزي في مصر في الصيف الماضي حتى توقفت، وتشددت إنجلترا في محادثات الأرصدة الإسترلينية حتى انقطعت إلى أجل قريب ستلوح بهاإنجلترا، وهي تعلم مقدار الأزمات المالية التي تجتاح مصر، وحتى عقود الشركات التي تعاقدت فيها مصر مع الشركات الإنجليزية على استيراد الأسلحة للجيش المصري، تلك العقود التي يحميها القانون التجاري الدولي لا القانون الدبلوماسي فسختها إنجلترا بحجة حرب كوريا.

ويقول المراقبون السياسيون إن مركز الوزارة المصرية أصبح على كف عفريت، وأستطيع أن أقول إنه إذا لم تنجح المفاوضات بين بيفين وصلاح الدين التي ستُستأنف قريبًا في لندن فستستقيل الوزارة الوفدية أو تقال.. والذي يحيرني الآن هو كيف تستقيل الوزارة الوفدية أو تقال والعلاقة بين الوفد والقصر الملكي على أحسن ما يرام، وعلم ذلك عند الله "وفي داوننج ستريت رقم 10".

ولقد يممت الحكومة المصرية شطر أمريكا تستعديها على إنجلترا وتستجديها العون على يد صلاح الدين بك- وزير الخارجية المصرية- لإمكان استفادة مصر من برنامج الرئيس ترومان في النقطة الرابعة لمساعدة الشعوب المتأخرة، وإمكان مد مصر بالأسلحة والذخيرة على غرار تركيا واليونان وإيران محافظة على المصالح الأمريكية، وكانت الصفعة المزعجة التي جاءت على لسان مستر أتشيسون الذي قال لصلاح الدين بك بالحرف الواحد: "تستطيع مصر أن تأخذ الأسلحة من بريطانيا، وإن وجود بريطانيا في الشرق الأوسط أحفظ للمصالح الأمريكية من أمريكا نفسها".

وذلك التصريح يُذكِّرنا بالمعاهدة الإنجليزية الفرنسية في سنة 1904 م، والتي قضت بإطلاق يد فرنسا في سوريا ولبنان، وانفراد إنجلترا بالسيطرة على مصر على أثر الصراع السياسي الطويل بين الدولتين على تقسيم الأسلاب في الشرق الأوسط؛ وإذن فالمسألة ليست مسألة حق وباطل، ولكنها مسألة توزيع مناطق النفوذ ورعاية المصالح المشتركة بين إنجلترا وأمريكا، والوقوف صفًا واحدًا لمواجهة الخطر الشيوعي الزاحف.

ولئن كانت إنجلترا قد جلَّت قواتها العسكرية عن القاهرة والإسكندرية إلى فايد فامتنع بذلك الضغط العسكري شكلاً على العاصمة، فإذا افترضنا جدلاً أن الحكومة الوفدية تشجعت واستجمعت كل أسباب القوة المعنوية والمادية، وقامت بإلغاء المعاهدة من جانب واحد وقاطعت الإنجليز في فايد، ومنعت عنهم الماء والتموين والعمال المصريين واعتبرتهم معتدين.. فإن إنجلترا لن تفقد أعصابها وتزحف قواتها إلى العاصمة المصرية لتحتلها من جديد، وكيف تفقد إنجلترا أعصابها وفي يدها إسرائيل التي قال عنها مستر بيفن "إن إسرائيل قد أنشئت لتبقى وتعيش".

والأمر أسهل من السهولة نفسها، توعز إنجلترا إلى إسرائيل بتطهير فلسطين كلها وطرد الجيوش العربية منها، والجيش المصري- والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- في حالة لا تسر الوطنيين، نقص من الأسلحة وفساد شامل من الرشوة التي سيطرت على أذهان الرؤساء فيه، والقضية الكبرى أمام القضاء شاهد مؤسف على هذه الحقيقة، عند ذلك سنستغيث ببريطانيا لمدنا بالسلاح، وإذا دخلت إسرائيل الحدود المصرية سنسلم لبريطانيا العظمى بكل غال ونفيس، ونرتمي تحت أقدامها راكعين، مع ما لا يخفى من المطامع اليهودية في التوسع وفساد العلاقات العربية وتمزق الجامعة العربية، والبرلمان اليهودي مكتوب على بابه بأنوار النيون العبارة التالية "من الفرات إلى النيل هذا وطنكم يا بني إسرائيل".

والعيب والنقمة واللوم كله سيضعه التاريخ على سعد زغلول ومدرسته الذين صافحوا الإنجليز ومكنوا لهم من رقابنا وسلموا مصر للإنجليز عاثوا فيها فسادًا منذ ستين عامًا مضت، والويل لمن بقي منهم من الذين قالوا "نحن كرماء لضيوفنا" عندما يصحو الشعب ويفيق من ورطة التهريج الحزبية المسيطرة على أذهان الكثيرين من أبناء هذه الأمة المغلوبة على أمرها.

واعتقادي أن الحكومة المصرية ليست جادةً في مخاصمة الإنجليز، ولو كانت جادةً بحق لقطعت عن القوات الإنجليزية في فايد التموين (الخبز والخضر والسمن والبيض واللحم)، والحجة الحيوية فعلاً لمحاربة الغلاء الفاحش الذي يرزح تحت أعبائه عامة الشعب المصري باستثناء قلة من الباشوات المصريين والرأسماليين، وهؤلاء لا يشعرون بغلاء وإن صار ثمن البيضة الواحدة جنيهًا مصريًا.

وإن هذه القوات هي سبب الغلاء الحقيقي في مصر، هذه القوات تأكل العيش الأبيض منذ سنة 1939 م ونحن نأكل العيش الأسود، وتأكل اللحم وقد عزَّ شراؤه على كثير من عامة الشعب والقوة الشرائية للإنجليز في فايد أكبر من القوة الشرائية عند عامة الشعب المصري، والمزاحمة الفعلية تأتي تبعًا لهذه القدرة.

والسوق حرة ولا قيد، والتاجر الذي يعرض بضاعته يطلب أعلى ثمن، ومن يدفعه يتسلمها ولا حرج ولو كان من الإنجليز أعداء هذه الأمة".