وقفة مع نموذج مواجهة الإمام الشهيد للغزو الأجنبي (1)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٥٤، ٤ يناير ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


وقفة مع نموذج مواجهة الإمام الشهيد للغزو الأجنبي (1)

بقلم: د. محمد عبد الرحمن المرسي

الإمام حسن البنا في أحد المؤتمرات

عند اعتداء الأجانب على بلاد المسلمين يهب الإخوان للدفاع عن أوطانهم وحرياتهم ودينهم، ويكونون في مقدمة الصفوف، ويقدمون الشهداء والتضحيات، ويحكم حركتهم في ذلك:

التخطيط الجيد، استيعاب الواقع الذي يواجهونه، والحرص على استمرار المواجهة، وتفويت الفرصة على الأعداء أن يتمكنوا من محاصرة الجهاد وتصفيته، كما أنهم يتعاونون مع كل المخلصين من أبناء الوطن لدفع المعتدين، ويحرصون على وحدة الصف ويدعون لذلك، ويهتمون بتأييد الشعب للجهاد ومساندته له.

وقد واجه الإمام الشهيد نموذجين للاحتلال الأجنبي:

1- النموذج الأول: وفيه جاء المحتل الغاصب للبلاد، واستولى عليها، وثبت أقدامه فيها قبل ظهور دعوة الإخوان أو اشتداد ساعدها فيها، مثلما حدث مع الاحتلال الإنجليزي لمصر، والذي سيطر فيه الإنجليز على أوجه الحياة فيها، وتحكموا في مجالات المجتمع وساحته السياسية، وترسَّخت أقدامهم، وأصبح هناك طبقة وفئة منتفعة ومؤيدة لهم، وخضعت الأمة في ظاهرها تقريبًا لسلطانهم.

والإخوان في مواجهة هذا الواقع الممتد الجذور وتلك الغفلة من عموم الشعب، يواجهون ذلك بخطة طويلة المدى، وعلى كل المسارات والمجالات؛ يستهدفون تكوين أفراد الأمة التي ستواجه وتقاتل هذا المحتل من خلال برنامج تربوي جهادي، مع إيقاظ الأمة وتحريك روحها، وربطها بدينها وعقيدتها، والسير بخطوات متوازنة مدروسة لتحقيق هذا الهدف.

وقد اتضح هذا تمامًا فيما فعله وقام به الإمام الشهيد.

وقد رفض الإمام أن تكون مواجهته للإنجليز مجرد مغامرة محدودة، يسهل سحقها وضربها، وإنما أعد خطةً وبرنامجًا متكاملاً لهذه المواجهة.

2- النموذج الثاني: وهو نموذج الغزو المتزامن في وجود الجماعة، مثلما حدث في اغتصاب اليهود لفلسطين، وهنا أصبح على الأمة أن تواجه الغزو، وأن تستمر في المعركة مهما كانت إمكاناتها، وأن تستبسل في الدفاع عن نفسها وأرضها، مع مراعاة ضوابط محددة:

1) أن المعركة ضد المحتل قد تكون طويلة ولا يمكن حسمها في الوقت الحالي؛ نظرًا لقوة المحتل وتمكُّنه من السيطرة.

2) أن معركة التحرير والمقاومة، هي هدف وجزء من منظومة الأهداف التي تعمل لها الجماعة، ولا بد أن يسير العمل والتخطيط متوازيًا وشاملاً لكل الأهداف.

3) أن كيان الجماعة وجهادها وحركتها، وسعيها لامتلاك وسائل التأثير والتوجيه؛ لا تتوقف أو تنتهي بنهاية معارك التحرير، وجلاء المحتل، فهي تواصل العمل لتحقيق باقي أهدافها وبرنامجها المتكامل.

4) أن المواجهة والجهاد للأجانب لا يقتصر على الجانب العسكري، وإنما لا بد أن يشمل كافة الميادين والأطر السياسية والاجتماعية والإعلامية والإدارية.

5) أن الجماعة لا بد لها من دعم الجماهير، وإيقاظها لتتفاعل مع هذه الحركة الجهادية، وتكون سندًا لها وحماية لدورها، وأن تعمق تواجدها وريادتها للأمة في كافة مجالات العمل الاجتماعي والسياسي؛ لتكون المعبر الحقيقي عن نبض الأمة وآمالها.

6) لا بد من حماية ظهر المجاهدين، وتأمين قاعدة انطلاقهم الجهادي، فلا يغدر بهم، أو يتم الضحك عليهم واستغلالهم لمصالح فئة أخرى، أو تنقطع أنفاسهم ولا يستطيعون استكمال مراحل الجهاد والعمل الدعوي، أو قد يعيشون في وهم وسراب، ثم يجدون أنفسهم لقمة سائغة لأعداء الله، أو قد وقعوا في حبائله؛ لأنهم وثقوا في وعود من لا عهد له، فكل هذه محاذير يجب أن تؤخذ في الاعتبار إذا أريد لمسيرة الجهاد أن تستمر.

7) قراءة الواقع المحلي والدولي جيدًا، والاستفادة من كل الفرص، مع التفريق بين مرحلية العمل الجهادي، وتطويره من مستوى لآخر، ومواكبته للعمل وللضغط السياسي، وبين التنازل عن الثوابت أو التفريط في الحقوق، وأن تكون المستهدفات واضحة لتصل بنا في النهاية إلى تحقيق الغاية المنشودة.

8) المحافظة على استقلالية القرار، وأن يكون التوجه والقرار بيدهم لا بيد الآخرين يستغلونه ويحركونه حسب هواهم.

9) ألا يتسلق على أكتاف العمل الجهادي الآخرون، أو يسرقون ثمرة جهادهم، كما أنهم لا يسمحون لأحد أن يخدعهم أو يخدع الأمة، وأن يميزوا بين المخلصين وبين اللصوص والنصابين من أصحاب الشعارات.

ونوضح هنا أن دفع المحتل ومواجهته في هذا البلد الذي نزل فيه بقواته، يصبح فرض عين على مَن كان بها حسب القدرة والوسع، وأن على الشعب أن يسعى لامتلاك هذه القدرة حتى ولو طال الزمن، ويصبح على شعوب العالم الإسلامي والحركات الإسلامية دعمه وتأييده بكل أوجه الدعم.

وإمداد هذا البلد بالرجال والمجاهدين يتوقف على تأمين ذلك المسار الذي يتم من خلاله هذا الدعم، وتحقيق الفائدة الحقيقية منه، حتى لا يتم ضربه أو إجهاضه أو يتسبب في خلل وإعاقة للدعوة، وألا ينتج عنه إضعاف أو إجهاض الحركات الإسلامية في بلادها على المدى القريب أو حتى البعيد، فليس مسوغًا أن تترك بلادها ودورها الدعوي فيه والأهداف التي تعمل لها، وهي بمثابة المرابطة على ثغرها، لتترك هذا الثغر وتنتقل هناك وتنتهي في ساحة ميدان المواجهة أمام العدو الغاصب المتفوق؛ فيجب أن يقدر الأمر من كافة جوانبه، وبالحجم والقدر المناسب.

والمواجهة الحقيقية للعدو لها أسلوبها وخطتها، وكيفية إضعاف المحتل القوى وإيذائه وإرهاقه وإرغامه على الجلاء، ولا يقتصر ذلك على السلاح فقط، بل يشمل كافة مجالات الضغط والعمل، فالعاطفة لها مجالها، والقدرة على تحقيق الأهداف في الواقع شيء آخر.

ومع هذه الضوابط فإن الدعم المالي والإعلامي والاقتصادي والسياسي والدولي والمقاطعة الفعالة؛ لهو من الأهمية بمكان كبير في ظل اختلال موازين القوى، وبسبب طول المعركة المتوقعة، والراصد لسياسة وأسلوب الأمام الشهيد في هذا الميدان، عندما دفع الإخوان إلى أرض فلسطين، ليرى بوضوح كيف أنه راعى هذه الضوابط، حتى عندما أقدم النظام في مصر على حل الجماعة في ديسمبر 1948 م، أرسل إلى مجاهدي الإخوان في فلسطين أن مهمتهم هناك على أرض فلسطين ما زالت قائمةً، وألا يلتفتوا إلى ما يحدث في مصر، وعندما اعتقلوا هؤلاء المجاهدين، لم يوجه الإخوان سلاحهم إلى من اعتقلهم من أفراد الجيش، بل ساعدوا الجيش وحموا مؤخرته بعد ذلك، وخرجت الجماعة بعد محنة 48 أقوى مما كانت بفضل حكمة الإمام الشهيد ووزنه للأمور بدقة، وقد نال في أثنائها الشهادة؛ ليستمر دور الإخوان في قضية فلسطين ثابتًا متناميًا.

وقد يحاول المحتل الأجنبي تغيير أسلوب وصورة سيطرته على البلاد، فيسحب قوات الاحتلال تحت ضغط المجاهدين والمقاومة؛ لكنه يسلم الأمر لفئة من أبناء هذا الوطن، لكنها ترتبط به وتعمل لاستمرار سيطرته في النواحي الأخرى، وعلى الحركة الإسلامية أن تقطع الطريق على هذا، وأن تتقدم لتكون مقاليد الأمور بيدها وبيد المخلصين، فإذا لم تتمكن من ذلك، فلتدرك أن التحرر والاستقلال الكامل معركة طويلة؛ فلتحافظ على كيانها وقوتها، وتستمر في منهاجها وعملها المتكامل، وتسلك سبيل النضال الدستوري والكفاح السياسي والعمل الدعوي، إلى أن تحقق كامل أهدافها.

كما يحدد الإخوان موقفهم بوضوح وهو الرفض لأي اتفاقية مع العدو المحتل، قد تقر له باحتلال أي شبر من الوطن الإسلامي، مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما كانت التضحيات في إعلان موقفهم وتوعية الجماهير به؛ لأن الأمة تنتظر رأي الإسلام ورأي الجماعة، ولا يجوز لها السكوت في هذا الموقف.

وهم كذلك لا يمكن أن يتنازلوا عن ثوابت الإسلام في هذا المجال، حتى لو تنازلت الحكومات والشعوب، ولا يقرون لهم بذلك حتى ولو أجمعوا على تلك الاتفاقيات التي تقر للعدو باغتصاب الأرض، إنما يستمرون في دعوتهم والثبات على موقفهم حتى يثوب الجميع إلى أحكام الإسلام.

وموقفهم من اتفاقية "كامب ديفيد" مع الكيان الغاصب خير دليل على ذلك، رغم ما تعرُّضوا له من تضييق وإيذاء.

وهذا المبدأ أعلنه الإخوان قديمًا، وعبَّر عنه الإمام الهضيبي- رحمه الله- عام 1954 م، فقال في خطاب وجَّهه لجموع الإخوان المسلمين:

المستشار:حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين

(.. وهذا الذي فعله الإخوان المسلمون من معارضة كل اتفاق مع المستعمرين ليس شهرة عندهم، وإنما هو أصل دينهم؛ فإن أحكام الإسلام تقتضي أنه إذا وطئت أقدام العدو أرض المسلمين وجب على واحد منهم صغيرًا أو كبيرًا- الرجل والمرأة في ذلك سواء- أن ينهضوا لدفع العدو أيًّا كان حتى يعيدوه إلى عقر داره، وإذا كان ليست لنا قوة على ذلك حتى الآن، وإلى أن يمنحنا الله القوة لدفعهم أو يوجد من أسباب ضعفهم ما يمكننا من ذلك، فليس لنا أن نرضى بوجودهم على أرض الإسلام بمقتضى اتفاقات نعقدها معهم، ولا أن نرضى بأى ارتباط كان.. فإذا جلوا عن أرض الإسلام؛ فللمسلمين أن يرتبطوا بالاتفاقات التي تقتضيها مصلحة الإسلام، وإذا كانت بعض الحكومات تضطر إلى قبول مثل هذه الاتفاقات؛ فمما يخالف هذا الأصل أن يرضى الإخوان المسلمون به أو يوافقوا عليه، ويجب على الإخوان المسلمين أن يحافظوا كل المحافظة على هذا الأصل حتى لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم مختارين أو مضطرين إلى مخالفة الأصل الذي قدمته لكم..) (من خطاب الإمام الهضيبي إلى الإخوان المسلمين في مايو 1954 م بعد خروجه من السجن في مارس 1954 م، وفيه توضيح لموقف الإخوان من بنود اتفاقية الجلاء التي عقدها عبد الناصر مع الإنجليز).

ويقول أيضًا: ".. والإخوان المسلمون على ما أوصاهم به ربهم لا يؤيدون جزافًا ولا يعارضون جزافًا، وإنما هم تبع للحق أينما كان، ولو كان من خصومهم، وضد الباطل أينما كان ولو كان مع أصدقائهم.." (نفس المصدر السابق).

وإذا كان الإخوان في بلد ما من الضعف أو في بداية الدعوة والتكوين، ولا يستطيعون الإعلان؛ فإن الجماعة بقيادتها العالمية تقوم بذلك، وتعلن على الأمة كلها ليعرف الجميع رأي الإسلام.

وها هو الإمام الهضيبي- رحمه الله- يقول في نهاية خطابه الذي أشرنا إليه: "أيها الإخوان إن من شأن الدعوات ألا تترخص في شيء من أصولها، فكونوا مستعدين للموت في سبيل دعوتكم، فإن من مبادئنا "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف)" (نفس المصدر السابق).