يا أمتي تقدمي.. ويا قدس لا تحزني

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:١٨، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "يا أمتي تقدمي.. ويا قدس لا تحزني" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
يا أمتي تقدمي.. ويا قدس لا تحزني
توفيق الواعي.jpg

بقلم د. يوسف الواعي

﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 45) بهذه الآية الكريمة، وهذه الكلمات المباركات، افتتح القاضي محيي الدين الزنكي أولَ خطبة بعد تحرير المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين، وتطهير مسرى نبينا محمد- صلى الله عليه سلم- من أيدي الغازين الظالمين على يد صلاح الدين.

وأورد القاضي تحميدات القرآن الكريم كلها، ثم قال: "الحمد لله معزِّ الإسلام ، ومذلِّ الشرك بقهره، ومصرِّف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج المشركين بمكره، الذي قدَّر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاض على العباد من طلِّه وهطله، الذي أظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يُقمَع، والظاهر على خلقه فلا يُنازَع، والآمر بما يشاء فلا يُراجَع، والحكم بما يريد فلا يدافَع.

أحمده على إظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه، ونصره لأنصاره، مطهر بيت المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمدَ باطنُ سره وظاهرُ إجهاره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، شهادةَ من طهَّر بالتوحيد قلبَه، وأرضى به ربَّه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رافع الشكر، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعُرج به منه إلى السموات العُلا، ثم إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى، وعلى خليفته الصدِّيق، السابقِ إلى الإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أول من رفع عن هذا البيت شعارَ الصلبان، وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، مزلزل الشرك ومكسر الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان".

ثم ذكر القاضي محيي الدين تمام المواعظ، وهي مشتملة على تغبيط الحاضرين بما يسَّره الله على أيديهم من فتح بيت المقدس الذي من شأنه كذا وكذا، وأنه أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، لا تُشد الرحال بعد المسجدَين إلا إليه، ولا تنعقد الخناصر بعد المَوطنَين إلا عليه، وإليه أُسري برسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام، وصلَّى فيه بالأنبياء والرسل الكرام، ومنه كان المعراج إلى السموات، ثم عاد إليه، ثم سار منه إلى المسجد الحرام على البراق، وهو أرض المحشر والمنشر يوم التلاق، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، وقد أُسس على التقوى من أول يوم، ثم ذكر تمام الخطبتين، ثم دعا للخليفة، ثم دعا للسلطان صلاح الدين.

والحقيقة أن خُطبَ النصرِ تخالف خطبَ الهزائم، والحديث مع المجاهدين غير الحديث في الخاملين، الأول عليه حلاوةٌ وطلاوة، والثاني عليه غبرةٌ وقترةٌ، والحنين إلى المسجد الأقصى يُذيب القلوب ويُدمي العيون شوقًا ولَوعةً، ويُحيي الذكريات، ويُحرك الأشجان، ويَبعث على التضحية، رغم ما تعانيه الأمة ويعانيه المجاهدون في فلسطين من قَتل وسَجن وتشريد، ولكن الأشواق تسري إليه وتذوب فيه، وتُذرف العبرات في رباه:

أَسري إليك على براق أخصر من صنع أشواقي ومن تحناني

وأطوف فيك مصليًا ومسلمًا رغم الحديد وقبضة السجَّان

في كل ركن أستعيد حكايةً في الأرض في الأبواب والجدران

فيها أعفِّر في ترابك جبهتي وهناك يحتضن النبي كياني

آتٍ إليك من الركام كأنني أسطورةٌ أو ماردٌ من جان

أدري بأنك غاضبٌ من أمة شُغلت عن المضمون بالعنوان

تركَتْك في أرض العدو وقطعت أرحامها بمعارك البهتان

عهدٌ علينا أن نشدَّ أياديًا تسعى إلى التحرير والعمران

يا مسجدي قل للمآذن هلِّلي وليصدحنَّ بلالها بأذان

طال التشوق كي تعود طهورةً أرض مباركة من الرحمن

طال احتمالي للهوان فيا ترى تأتي السيوف بيوم بدر ثاني؟!

أمة العزم والجهاد والعزة أبدًا لن تستكين أو تستنيم للهوان والظلم، ومَن وهم غير ذلك لا يلومنَّ إلا نفسَه، أمةٌ لا تقبل الضَيم والذِّلة، وصدق الله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ (الشورى: 39)، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139).

أمةٌ معها عناية الله وتأييده، وشدائدها دائمًا مقدمات صحوتها، تُصاب ولكنها لا تزول، تَمرض ولكنها لا تموت، وما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة؛ حيث جاءت حادثة الإسراء والمعراج بعد عناءٍ شديدٍ، وإحباطٍ عتيدٍ، ماتت السيدة خديجة التي كانت سندَ الرسول داخليًّا في أسرته، وتوفِّي في نفس العام عمُّه أبو طالب سندُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-خارجيًّا، فضاقت عليه الدنيا، وتجمعت عليه قريش ونالت منه، فذهب إلى الطائف؛ علَّه يجد النصير والمعين، فقوبل في الطائف بما لم يكن يتوقعه من صدود وجحود ومطاردة، فأغرَوا به السفهاء والصبية، يرمونه بالحجارة حتى أُدميت قدماه الشريفتان، وأُنهكت قواه، ووهَن جسدُه الشريفُ، فالتجأَ إلى الله واستغاث به، ودعاه بالدعاء المعروف: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني؟! أم إلى عدو ملكته أمري؟! لك العتبى حتى ترضى، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي".

ورجع- صلى الله عليه وسلم- وهو جريحُ الفؤاد، مكلومُ الجسد، دامعُ العين، من إيذاء أهل الطائف له، فأراد الله- سبحانه وتعالى- أن يكرمه بما لم يكرم به غيره، وأن يبيِّن له أن الله تعالى ما ودَّعه وما قلاه، وأن عنايةَ الله ترعاه، وجاء الفرج وكانت بدايته رحلة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان ذلك إيذانًا بعهد جديد تحوَّلت فيه الدعوة من الضيق إلى السعة، ومن الجمود إلى الانطلاق، ومن الضعف إلى القوة، فانطلقت هذه الدعوة في أرجاء الأرض، وجاء إسلام الأنصار وانتقال الرسول إلى المدينة، وغمرت الدعوة أرجاءَ الجزيرة، وكان ما كان من مغالبة الإسلام للأكاسرة والقياصرة، فهل تفهم الأمةُ الدرسَ، وتتقدم لتغالب الضعف والوهن؟! وهل تكون ذكرى الإسراء والمعراج نداءً للأمة أن هبِّي وتنادَي للكفاح، ويا قدس لا تحزني فقد ظهر الصباح؟!

نسأل الله التوفيق والسداد.. آمين آمين.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى