متى يؤُذَّنُ للفجر؟!

متى يؤُذَّنُ للفجر؟!

سالم الفلاحات

ما أسهل السؤال، وما أصعب الإجابة، إلاّ عند الظاهرية مِنَّا والمتسرعين والسطحيين، فقد أجاب هؤلاء وعلى الفور.

قال الأول: يؤذن للفجر عند دخول الوقت.

وقال الثاني: بعد الأذان الأول.

وقال الثالث: عند انقضاء الليل.

وقال الرابع: عندما يستيقظ المؤذن حتى لو كان متأخراً.

وبعد أن كثرت إجاباتهم (الخاطئة) ضاقوا ذرعاً (بلا) هذه التي يسمعونها عقب كل إجابة مني.

قالوا: إذن لن يؤذَّن للفجر مطلقاً، أليس كذلك يا فهيم؟

قلت: بل سيؤذَّن للفجر، ولكن بعد حين، فالناس الآن يصلون الفجر قبل الأذان!! يصلون في ليل!!

ويسيرون في ليل، ويخطبون في ليل، والفجر لم يطلع بعد، فليلُ بلادنا أصبح طويلاً ومتواصلاً، وأنا مثلكم نمت ونمت، وتناوبَتْ عليَّ الكوابيس تلو الكوابيس، ومرت بِيَ الأحلام وأضغاثها جميعاً، وبعد أن هَدَّتني، قمت ونظرت لعل الفجر قد اقترب، ولكن الليل ما زال يرخي سدوله مظلماً معتِماً.

ورجعت لأغرق في حلم جديد، حتى وإن أشرقت الشمس، فالليل ما زال على حاله.

رأيت أن العرب رجعوا إلى الإسلام فوحَّدهم وجمع شملهم، وأصبحوا خير الأمم في هذا القرن، ثقافة، وأخلاقا، وقوة، وعلماً، وحرية، وعدلاً، وقد استرجعوا بلادهم كلها التي فتحوها باسم الله من الأندلس إلى الصين واسترجعوا كل شبر نهب من أرضهم.

وقام فيهم أحد زعمائهم قائلاً: أيها الناس.. المال مال الله، والخلق عباد الله، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

وقام والٍ آخر، وقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها. وآخر يقول: العدل أساس الملك ومن جلدت ظهره فليجلد ظهري ويردد قول الله: "ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".

وقام آخر وقال: والله لأن أرعى الإبل في صحراء إفريقية خير لي من أن أرعى الخنازير في بيداء قشتالة". • رأيت الكثير الكثير، رأيت القادة الكبار يرسلون الذهب والجواهر الثمينة عبر الصحراء مع جنود جائعين فقراء لتصل إلى عاصمة الدولة دون أن تنقص شيئاً ولا يمسها رئيس الدولة، إنما يبكي عند رؤيتها ويوزعها على المحتاجين ويجد صعوبة في قبول الناس لها، فقد أغناهم الإسلام وأوجد فيهم القناعة والزهد.

• ورأيت مسؤولاً كبيراً يبكي ويلتف الناس حوله يُسَائِلونه ما يبكيك؟؟ فيقول خشيت أن أسأل عن بغلة عثرت في العراق، لِمَ لمْ أسوِّ لها الطريق، وبعد أن مَلَّني الفراش قمت متثاقلاً لأصلي الفجر قبل الأذان.. صليتُ بنية الحاضر، وأسأل الله القبول والغفران.

• رأيت الجموع تدفقت من مشارق الأرض ومغاربها، فتجمعت شرقي نهر الأردن، ومنهم من بحث عن مكان إقامة صلاح الدين رحمه الله فعسكر فيه، ولوحوا بقبضات أيديهم نحو فلسطين هاتفين: أبشري أختاه، وقد زحفت الجموع بعد تعبئة كافية راشدة، فاحتضنهم الأقصى الأسير، وخطب خطبة النصرِ والحمد فيه رجل مغمورٌ فيهم كان في وسط الزحوف، ومنهم من صلى في مسجد إبراهيم الخليل وجامع الجزار، ومنهم من ذهب إلى أم النور، ومنهم من ذهب إلى مخيم جنين، ومنهم من ذهب إلى معركة حطين وعين جالوت، وكثير منهم ذهب إلى غزة يقبل ترابها الذي جبل بالدم الطاهر في القرن الحادي والعشرين أيضاً، ويترحم على شهدائها، وخصوا بالذكر أحمد ياسين والرنتيسي، وسألوا عن أناس من المجاهدين لم يحفظوا أسماءهم.

استيقظتُ وإذا بالحكام لا زالوا منقسمين انقساماً وهمياً بين معسكري الاعتدال والممانعة، وليس فيهم معتدل ولا ممانع ولا فرق في المحصلة.

- قد يُعجّل ببزوغ الفجر شدة القهر والظلم والمعاناة.

- وقد يُعجَّل به صلف العدو الماكر وتصريحاته التي تنفلت منه بصفاقة.

- وقد يُعجّل ببزوغ الفجر يأس الناس من كل الوعود التي تمر كالسراب.

- وقد يُعجّل ببزوغ الفجر سنن الكون التي درجت على التغلب والتبدد.

- وقد يُعجّل ببزوغ الفجر مع هذا كله تضحيات المخلصين الصادقين في غزة العزة وفي العراق الذبيح، وفي أفغانستان ، و الشيشان ، و كشمير ، فيبارك الله جهدهم القليل ويكثرهم في عيون أعدائهم.

سيبزغ الفجر وسيصدح المؤذن بلا إله إلا الله محمد رسول الله بحق وصدق دون وجل، ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.

المصدر

• مقال:متى يؤُذَّنُ للفجر؟!جماعة الإخوان المسلمين-الأردن