الفرق بين المراجعتين لصفحة: «اللاعبون والمتفرجون في حوض النيل»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''بقلم / فهمي هويدي'''
'''بقلم / فهمي هويدي'''
[[ملف:601px-Nile Basin.png|300بك|<center>'''دول حوض النيل'''</center>]]
[[ملف:601px-Nile Basin.png|left|300بك|<center>'''دول حوض النيل'''</center>]]
- لماذا لا تستعين الجهود الحكومية في ترميم ومد الجسور مع الدول الإفريقية بالمنظمات الأهلية ذات الخبرة العريقة؟
- لماذا لا تستعين الجهود الحكومية في ترميم ومد الجسور مع الدول الإفريقية بالمنظمات الأهلية ذات الخبرة العريقة؟



مراجعة ٠٣:٤٣، ٢٧ أبريل ٢٠١٠

بقلم / فهمي هويدي

دول حوض النيل

- لماذا لا تستعين الجهود الحكومية في ترميم ومد الجسور مع الدول الإفريقية بالمنظمات الأهلية ذات الخبرة العريقة؟

- الفشل النسبي للمفاوضات مع دول الحوض وثيق الصلة بتراجع الدور المصري وغياب استراتيجية واضحة للتعامل مع العالم الخارجي

التعامل مع ملف المياه يحتاج الى تفكير من نوع مغاير، يعيد قراءة المشكلة بأبعادها المختلفة بعيدا عن لغة الانفعال والتهديد التي تحدث بها بعض المسؤولين المصريين.

ــ1ــ

ما دعاني للعودة الى الموضوع مرة ثانية ليس فقط ما يمثله من أهمية حيوية بالنسبة لمصر، ولكن لأنني وقعت خلال الأسبوع الماضي على كم من المعلومات التي تسلط أضواء جديدة على جوانبه المختلفة

ــ ووجدت أن النظر اليها من شأنه أن يسمح لنا بالتعامل مع الملف بصورة أكثر عمقا ومسؤولية، أدري أننا نتحدث الآن بعدما حققت السياسة المصرية فشلا نسبيا في التوصل الى اتفاق مع دول المصب. الأمر الذي يعد مقدمة لمواجهة لم تكن في الحسبان، يخشى أن تكون مقدمة لافتتاح حروب المياه في القرن الواحد والعشرين.

لقد وجدت مثلا أننا أصبحنا طرفا في مشكلة كبيرة متداولة في المحافل الدولية، التي لم تتوقف عن مناقشة «حق المياه»، وكان آخرها المنتدى العالمي للمياه الذي عقد في استنبول في شهر مارس من العام الماضي «2009»، ذلك أن في العالم 260 حوضا للمياه تتقاسمها دولتان وأكثر. ويعيش حولها %40 من سكان العالم، كما أن هناك مئات من الأحواض الجوفية المشتركة.

ومن الأمثلة الصارخة على ذلك أن 14 دولة تتقاسم نهر الدانوب الأوروبي. و11 دولة تشترك في كل من نهري النيل والنيجر. و9 دول تشترك في الأمازون، وثلاث دول في نهري دجلة والفرات، ومثلها لنهر الأردن. وفي أغلب الأحوال فان أنصبة تلك الدول من المياه يتم التفاهم حولها بصورة ودية وسلمية، الا أن الأمر لا يخلو من خلافات تنشأ اما عن التوزيع غير العادل أو الخلافات السياسية. وهو الحاصل بين تركيا والعراق، واسرائيل والمناطق المحتلة. وبين مصر والسودان من ناحية ودول منابع النيل من ناحية ثانية.

في الوقت ذاته، ثمة 145 معاهدة عالمية حول موضوع المياه، لم تحل الخلافات التي تثور بين أطرافها أو تحسمها تماما، مع ذلك لم يحدث أن كانت المياه وحدها سببا مباشرا للحرب فيما بين الدول، كما يقول رئيس المجلس العالمي للمياه لويك فوشون.

وفي حالة وقوع نزاعات مسلحة بين الدول المعنية فعادة ما تكون هناك عوامل أخرى تحرك تلك النزاعات، في مقدمتها طبيعة العلاقات السياسية وغياب التعاون بين تلك الدول، اضافة الى المرارات والرواسب التاريخية، ولا ينسى في هذا الصدد أن موازين القوة بين الأطراف المختلفة تلعب دورها في توزيع حصص المياه، والحالة الأشهر في ذلك تتمثل في اسرائيل التي تحبس المياه وتنتفع بها على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض، وكانت النتيجة أن متوسط استهلاك الفلسطيني في الأرض المحتلة أصبح في حدود 75 لترا يوميا، في مقابل 300 لتر للاسرائيلي، علما بأن المتوسط العالمي الأدنى مائة لتر. بحسب منظمة الصحة العالمية.

ــ2ــ

لأن اللاعبين كثر فالحاصل في القارة الأفريقية أكثر تعقيدا مما نتصور. هذه نقطة مركزية في دراسة تلقيتها من الدكتور السيد فليفل المدير السابق لمعهد الدراسات الأفريقية، اعتبر فيها الموقف المصري ازاء أفريقيا «مفتقدا الى الرؤية الاستراتيجية المتماسكة». وهو يرصد التحركات المناوئة التي يتعين الانتباه اليها سجل الملاحظات التالية:

- تتبنى الولايات المتحدة مشروعات استراتيجية مؤثرة في المصالح المصرية، أخطرها مشروع القرن الأفريقي الكبير. الذي يستهدف تدمير الدرع اليمنى لحوض النيل، وتمزيق السودان بغرض النفاذ منه الى قلب القارة وأقاليمها المائية للهيمنة على أهم موارد القارة الطبيعية الكفيلة بتوليد طاقة مائية هائلة. وهذا المشروع يشكل قيدا على الحركة المصرية في مجاليها الحيويين، العالم العربى والقارة الأفريقية. - طرحت الولايات المتحدة كذلك فكرة بعث مشروع استعماري بريطاني قديم هو اتحاد شرق أفريقيا (كينيا وأوغندا وتنزانيا). وفي التصور الأمريكي فان ذلك الاتحاد يمكن أن يضم دولة مقترحة في جنوب السودان، وقد عقد عدة دورات في السنوات الثلاث الماضية على مستوى القمة. ومن شأن اقامته أن يتم شق تجمع «كوميسا» واضعاف دور مصر فيه، وبصفة خاصة اذا انضمت اليه اثيوبيا، وفي حال انفصال جنوب السودان فان ذلك الاتحاد، سيكون بمنزلة شرخ محتمل في العلاقات العربية الأفريقية، لا يعلم الا الله تداعياته ومآلاته. وما لم تقم مصر باختراق كبير، فان علاقة مصر والسودان معه ستشهد توترات عدة. وفي ظل احتمال انضمام اثيوبيا اليه، وازاء غياب الدولة الصومالية فان أزمة مياه النيل والعلاقة مع دول الحوض ستصبح أزمة أفريقية أفريقية وأفريقية عربية في ذات الوقت.

- تبنت الولايات المتحدة كذلك مشروع خليج غينيا، وهو يرمي الى حصد البترول المكتشف مؤخرا في دول غربي أفريقيا ووسطها، وتستهدف الولايات المتحدة من خلاله أن توفر في عام 2015 نحو ربع احتياجاتها من النفط من هذه المنطقة، خاصة نيجيريا وتشاد والسنغال وأنجولا، وهي لم تكتف بذلك، بل استخدمت تلك الدول ركيزة للتدخل في جوارها وبعض تطورات أزمة دارفور يمكن قراءتها في اطار هذا المشروع.

- نتيجة لهذه المشروعات الأمريكية صار السودان عرضة للاختطاف والتناوش والنهش من الشرق (في اطار مشروع الشرق الأوسط) ومن الغرب (في اطار مشروع خليج غينيا) ومن الجنوب (في اطار مشروع اتحاد شرق أفريقيا)، بل وصار عرضة للتقسيم الكامل في اطار مشروع القرن الأفريقي الكبير، وهو ما يهدد مصالح مصر الثابتة في مياه النيل بمخاطر شتى.

- اذا أضفنا لذلك كله ذلكم المشروع الوليد للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا «أفريكوم» لأدركنا أن هذه المشاريع الأمريكية ليست برامج تنموية طوباوية تحدث في فراغ استراتيجي، بل يظاهرها تجييش للجيوش وحشد للقوى، وربما نشهد يوما تكون فيه جيوش الدول الأفريقية التي لا تتوقف زيارات المسؤولين الأمريكيين لها (السنغال ونيجيريا وغانا في غرب القارة وجنوب أفريقيا في جنوبها، وكينيا وأوغندا واثيوبيا في شرقها) تدخل في اطار المشروعات الأمريكية، على نحو ما حدث من تدخل اثيوبيا في الصومال، وقيادة أوغندا للقوات الأفريقية هناك. الأمر الذي يعني أننا بصدد برامج خطيرة تهدد أمن مصر القومي، لا تمس مصالحها فحسب، ولكنها تتجاهل أنها موجودة أصلا.

ــ3ــ

في الوقت الراهن، ومن الناحية العملية، لا مفر من الاعتراف بأن موقف مصر ضعيف، لا لأنها لا تملك أوراقا، ولكن لأنها لم تستخدم أوراقها وتجاهلتها طويلا، ولكي تدافع مصر عن حقوقها فمطلوب منها بذل جهد مضاعف، لسبب جوهري هو أن الساحة الأفريقية أصبحت تكتظ باللاعبين الوافدين اليها من كل صوب، فالى جانب الولايات المتحدة واسرائيل، ثمة حضور مشهود للصين وفرنسا وألمانيا واليابان والهند وإيران وصولا الى ماليزيا. وفي حدود علمي فان تركيا بدورها أصبحت تتطلع للنفاذ الى الأسواق الأفريقية، حتى انها قامت بتعيين أحد أهم رجال الأعمال سفيرا لها في نيروبي، ولابد أن يلفت نظرنا في هذا السياق أن المنظمات الأهلية التركية أصبحت تمارس نشاطا ثقافيا واسعا في مختلف دول القارة، بحيث لم تعد هناك دولة أفريقية الا وأقيمت فيها مدرسة تركية على الأقل.

لقد تلقيت رسالة بخصوص امكانيات الدور المصري من الدكتور جمال عبدالسلام المدير السابق للجنة الاغاثة باتحاد الأطباء العرب طرح فيها سؤالين هما:

لماذا لا تستحدث مصر وزارة لشؤون أفريقيا، كما سبق أن خصص الرئيس عبدالناصر وزارة للسد العالي (عين لها المهندس صدقي سليمان وزيرا)؟

ــ السؤال الثاني هو: لماذا لا تستعين الجهود الحكومية في ترميم ومد الجسور مع الدول الأفريقية بالمنظمات الأهلية ذات الخبرة العريضة في مختلف مجالات الخدمات، وفي مقدمة تلك المنظمات جمعية الهلال الأحمر ولجان الاغاثة بالجمعية الشرعية ونقابة الأطباء المصرية واتحاد الأطباء العرب.

يذكرنا الدكتور جمال عبدالسلام بأن العالم العربي ومصر خاصة أقرب الى أفريقيا من كل تلك البلدان التي تقاطرت عليها، وأن مدرسة واحدة أقامتها الكويت في جوبا، جعلت شعب جنوب السودان يخرج في مظاهرات صاخبة احتجاجا على غزو العراق للكويت، في حين أن الموقف في الشمال كان ملتبسا، كما أن اقامة مدرسة جمال عبدالناصر في مقديشيو والبعثة الأزهرية التي تم ايفادها الى الصومال «كانت الأكبر في القارة الأفريقية» أحدثتا تغييرات جوهرية في أجواء البلاد، لمسها الوفد الاغاثي الذي أرسلته الجامعة العربية الى هناك في بداية التسعينيات. من ناحية أخرى فان الأنشطة التي قامت بها القوافل الاغاثية العلاجية ولجان مكافحة العمى في بعض الدول الأفريقية كانت لها أصداؤها الايجابية القوية، حين زارت جيبوتي والصومال وتشاد والنيجر.

ــ4ــ

حتى تأخذ المصارحة مداها، يتعين علينا في النهاية أن نسجل عدة أمور أحسبها ضرورية لانتقال مصر من موقف المتفرج الى اللاعب في ساحة حوض النيل، هذه الأمور هي:

1ــ ان الفشل النسبي للمفاوضات مع دول الحوض وثيق الصلة بتراجع الدور المصري وغياب استراتيجية واضحة للتعامل مع العالم الخارجي، فالعلاقة مع دول حوض النيل مثلا، لا تنفصل عن العلاقة مع دول منطقة القرن الأفريقي، بل مع محيط دول الاتحاد الأفريقي.

2ــ ان مصر لم تتصرف حتى الآن باعتبارها جزءا من أفريقيا، وأعطت انطباعا بأنها ضيف عليها ومضطر اليها. وذلك وضع يحتاج الى تصحيح بحيث تنضم الهوية الأفريقية الى مفردات الهوية الأخرى للاقليم، المصرية والعربية والاسلامية والمتوسطية.. الخ. ورغم أن بعض المسؤولين المصريين دأبوا على الحديث عن تضحيات مصر من أجل أفريقيا (في أزمنة سابقة) الا أن الأفارقة لم يجدوا ما يبرهن على ذلك في زماننا. ولك أن تقدر مشاعرهم مثلا عندما يجدون أن مصر أعادت الحياة الى شبكة كهرباء لبنان مرة واثنتين اثر العدوان الاسرائيلي، في حين لا يجدون أثرا يذكر لدورها التنموي في بلادهم.

3ــ حين نتحدث عن دور العوامل أو الدسائس الخارجية التي باعدت بين مصر وبين دول الحوض، فينبغي ألا يمنعنا ذلك من تفهم مشاعر الأفارقة ازاء مصر. ذلك أن منهم من يلمس استعلاء مصريا غير مبرر في التعامل معهم.. ومنهم من لا يستطيع أن يتحلل من مشاعر الاستياء والحساسية حين يجدون أن مياه النهر تمر على بلدانهم التي تعاني التخلف والفقر والمرض، لتصل الى حياضنا لنزرع بها ونروي. ومن حقهم في هذه الحالة أن يطالبوا بمردود يمتص مشاعرهم تلك ويرطب من جوانحهم. ولا شك أن الاسهام المصري في تنمية تلك المجتمعات وتوفير ما يمكن توفيره من خدمات طبيعية وتعليمية لهم لا يبدد تلك المشاعر فحسب ولكنه أيضا يوفر لمصر نفوذا ناعما يرجح من كفتها في مثل المواقف الخلافية التي نحن بصددها.

4ــ ثمة انطباع مغلوط يشيع بين بعض النخب في الدول الأفريقية خصوصا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد يدعى أن التنسيق قائم بين مصر والولايات المتحدة واسرائيل في المشرق العربي والقرن الأفريقي واسرائيل، ولا أعرف علاقة هذه الشائعة بفكرة معسكر «الاعتدال» الذي يروج له في العالم العربي وتتصدره الدول الثلاث، لكن الذي لا أشك فيه أن هذه السمعة أفقدت الدور المصري «الغائب» رصيده الوطني والمستقبل في القارة.

لأن التحدي كبير، فالجهد المطلوب أيضا كبير، وهو ما يتطلب قرارا سياسيا على أعلى مستوى، يستصحب عزيمة صادقة ونفسا طويلا.

وتلك مشكلات عويصة لا أعرف سنحلها في الأجل المنظور أم لا.