الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة (3)»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط (حمى "رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة ( 6 )" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''<center> رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة (6)</center>'''


رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة* 6
'''<center> ( قوانين النهوض )</center>'''
 
'''بقلم / أ. [[عبدالمنعم الشريف]]'''


كنا قد استعرضنا في الجزء السابق أن النهوض ممكن ، وأن الإفاقة ليست بالمستحيلة ، وامتلاكنا للفكرة الربانية وحاجة الناس إليها يؤيد ذلك ، وكذلك رغبة المجتمعات الحديثة في تحقيق بعض مقومات نظمنا التي أسسها الإسلام ، ودللنا على ذلك بعرض بعض الدلالات الاجتماعية والدينية والتاريخية والمنطقية ، والتي أشارت بوضوح إلى إمكانية النهوض واجتياز العثرة ....
كنا قد استعرضنا في الجزء السابق أن النهوض ممكن ، وأن الإفاقة ليست بالمستحيلة ، وامتلاكنا للفكرة الربانية وحاجة الناس إليها يؤيد ذلك ، وكذلك رغبة المجتمعات الحديثة في تحقيق بعض مقومات نظمنا التي أسسها الإسلام ، ودللنا على ذلك بعرض بعض الدلالات الاجتماعية والدينية والتاريخية والمنطقية ، والتي أشارت بوضوح إلى إمكانية النهوض واجتياز العثرة ....


غير أن هناك قوانين وسنن وُضعت بإحكام ، ورُسمت بإتقان ، وخضعت لها نواميس المجتمعات ، ومراحل تطورها ، فمن سار عليها سار في سلّم الصعود ، ومن جانبها بقي في مؤخرة الركب ، حتى وإن استهل دساتيرهُ بالاحتكام إلى كتاب الله ، لأن الاحتكام إليه يقود إلى الصعود .. ولسنا في تلك الحالة..! .
غير أن هناك قوانين وسنن وُضعت بإحكام ، ورُسمت بإتقان ، وخضعت لها نواميس المجتمعات ، ومراحل تطورها ، فمن سار عليها سار في سلّم الصعود ، ومن جانبها بقي في مؤخرة الركب ، حتى وإن استهل دساتيرهُ بالاحتكام إلى كتاب الله ، لأن الاحتكام إليه يقود إلى الصعود .. ولسنا في تلك الحالة..! .
وفي ثنايا حديثنا عن رؤية الأستاذ البنا ، نستعرض وصْفَه لبعض القوانين التي تحكم عملية التغيير ، والتي لا ينبغي إغفالها من قِبَلِ من يسعى إلى النهوض بمجتمعاتنا ، وينتدب نفسه لقيادة الركب صعوداً فيبدأ :
وفي ثنايا حديثنا عن رؤية الأستاذ البنا ، نستعرض وصْفَه لبعض القوانين التي تحكم عملية التغيير ، والتي لا ينبغي إغفالها من قِبَلِ من يسعى إلى النهوض بمجتمعاتنا ، وينتدب نفسه لقيادة الركب صعوداً فيبدأ :


1. قانون الفكرة المركزية :


'يعتقد الإخوان المسلمون أن الله تبارك و تعالى حين أنزل القرآن و أمر عباده أن يتبعوا محمدا و رضي لهم الإسلام دينا , و وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم و نهضتها و إسعادها , و ذلك مصداق قول الله تبارك و تعالى :  
== 1. قانون الفكرة المركزية ==
 
يعتقد [[الإخوان المسلمون]] أن الله تبارك و تعالى حين أنزل القرآن و أمر عباده أن يتبعوا محمدا و رضي لهم الإسلام دينا , و وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم و نهضتها و إسعادها , و ذلك مصداق قول الله تبارك و تعالى :  
'''
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)''' .. (الأعراف:157)...( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .


(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) .. (الأعراف:157)...( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .
2. قانون القوة الدافعة ( المُكْنة النفسية ) :


' وينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ، ويهملون كثيرا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها وعليها يتوقف انتصارها ونماؤها . وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها ، إن من وراء المظاهر جميعا في كل دعوة روحا دافعة ، وقوة باطنة تسيرها وتهيمن عليها وتدفع إليها ، ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .  
== 2. قانون القوة الدافعة ( المُكْنة النفسية ) ==
وينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ، ويهملون كثيرا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها وعليها يتوقف انتصارها ونماؤها . وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها ، إن من وراء المظاهر جميعا في كل دعوة روحا دافعة ، وقوة باطنة تسيرها وتهيمن عليها وتدفع إليها ، ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر: '''(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)''' (الرعد:11) .  


ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم له في دعوتنا ، وأهم ما نعول علية في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة الروحية المرتجلة . فنحن نريد أول ما نريد يقظة الروح ، حياة القلوب ، صحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر ، وليس يعنينا أن نتكلم عما نريد بهذه الدعوة من فروع الإصلاح في النواحي العملية المختلفة بقدر ما يعنينا أن نركز في النفوس هذه الفكرة .
ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم له في دعوتنا ، وأهم ما نعول علية في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة الروحية المرتجلة . فنحن نريد أول ما نريد يقظة الروح ، حياة القلوب ، صحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر ، وليس يعنينا أن نتكلم عما نريد بهذه الدعوة من فروع الإصلاح في النواحي العملية المختلفة بقدر ما يعنينا أن نركز في النفوس هذه الفكرة .
سطر ٢٠: سطر ٢٨:
نحن نريد نفوساً حية قوية فتية ، قلوباً جديدة خفاقة ، مشاعر غيورة ملتهبة متأججة ، أرواحاً طموحة متطلعة متوثبة ، تتخيل مثلاً علياً ، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ، ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ، ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ، ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلاً ولا تحتمل شكاً ولا ريباً . وبغير هذا التحديد والتركيز سيكون مثل هذا الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة فيه ، فما حدود الأهداف وما منتهاها ؟!
نحن نريد نفوساً حية قوية فتية ، قلوباً جديدة خفاقة ، مشاعر غيورة ملتهبة متأججة ، أرواحاً طموحة متطلعة متوثبة ، تتخيل مثلاً علياً ، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ، ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ، ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ، ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلاً ولا تحتمل شكاً ولا ريباً . وبغير هذا التحديد والتركيز سيكون مثل هذا الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة فيه ، فما حدود الأهداف وما منتهاها ؟!


إن النبي r قذف في قلوب صحابته بهذه المشاعر الثلاثة فأشرقت بها وانطبعت عليها :  
'''إن النبي (ص) قذف في قلوب صحابته بهذه المشاعر الثلاثة فأشرقت بها وانطبعت عليها :'''


( أ )..... قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحق وما عداه الباطل وأن رسالته خير الرسالات ، ونهجه أفضل المناهج ، وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين ، وتلا عليهم من كتاب الله ما يزيد هذا المعني ثباتاً في النفس وتمسكاً في القلب :  
( أ )..... قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحق وما عداه الباطل وأن رسالته خير الرسالات ، ونهجه أفضل المناهج ، وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين ، وتلا عليهم من كتاب الله ما يزيد هذا المعني ثباتاً في النفس وتمسكاً في القلب :  


(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ , وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) (الزخرف:43-44) ..... (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79).... (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثـية:18 ) .... (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً...) (النساء:65) .
('''فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ , وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(الزخرف:43-44)'''  ..... ('''فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79).... (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)''' (الجاثـية:18 ) .... '''(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً...) (النساء:65) .'''


فآمنوا بهذا واعتقدوه وصدروا عنه .  
فآمنوا بهذا واعتقدوه وصدروا عنه .  
سطر ٣٠: سطر ٣٨:
( ب )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا أهل الحق وما داموا حملة رسالة النور وغيرهم يتخبط في الظلام ، وما دام بين يديهم هدى السماء لإرشاد الأرض فهم إذن يجب أن يكونوا أساتذة الناس وان يقعدوا من غيرهم مقعد الأستاذ من تلميذه : يحنوا عليه ويرشده ويقومه ويسدده ويقوده إلى الخير ويهديه سواء السبيل .
( ب )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا أهل الحق وما داموا حملة رسالة النور وغيرهم يتخبط في الظلام ، وما دام بين يديهم هدى السماء لإرشاد الأرض فهم إذن يجب أن يكونوا أساتذة الناس وان يقعدوا من غيرهم مقعد الأستاذ من تلميذه : يحنوا عليه ويرشده ويقومه ويسدده ويقوده إلى الخير ويهديه سواء السبيل .


وجاء القرآن الكريم يثبت هذا المعني ويزيده كذلك وضوحاً ، وصاروا يتلقون عن نبيهم من وحي السماء :  
'''وجاء القرآن الكريم يثبت هذا المعني ويزيده كذلك وضوحاً ، وصاروا يتلقون عن نبيهم من وحي السماء :'''


(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110) ..... (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143)...... (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78) .  
'''(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110) ..... (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143)...... (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78) .'''


فآمنوا بهذا أيضاً واعتقدوه وصدروا عنه .
فآمنوا بهذا أيضاً واعتقدوه وصدروا عنه .
سطر ٣٨: سطر ٤٦:
( ج )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه ، فإن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم إذا تخلي عنهم الناس ، ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصير وهو معهم أينما كانوا . وإذا لم ينهض معهم جند الأرض تنزل عليهم المدد من جند السماء وأخذوا يقرءون هذه المعاني السامية واضحة في كتاب الله :  
( ج )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه ، فإن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم إذا تخلي عنهم الناس ، ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصير وهو معهم أينما كانوا . وإذا لم ينهض معهم جند الأرض تنزل عليهم المدد من جند السماء وأخذوا يقرءون هذه المعاني السامية واضحة في كتاب الله :  


(إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128) .... (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).... (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40) .... (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) .... (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).... (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (لأنفال:12) , (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47) .... (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ) (القصص:5) . ( رسالة دعوتنا في طور جديد )  
'''(إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128) .... (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).... (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40) .... (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) .... (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).... (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (لأنفال:12) , (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47) .... (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ) (القصص:5) . ( رسالة دعوتنا في طور جديد )'''
 
إن تركيب المكنة النفسية ، وإيجاد الكتلة الحرجة من المشاعر في كل أمة هو فن استراتيجي ، ولنا أن نسأل كيف نجح الغرب في تركيب هذه المكنة في شعوبه المهزومة طوال عشرة قرون ..؟


إن تركيب المكنة النفسية ، وإيجاد الكتلة الحرجة من المشاعر في كل أمة هو فن استراتيجي ، ولنا أن نسأل كيف نجح الغرب في تركيب هذه المكنة في شعوبه المهزومة طوال عشرة قرون ..؟[/color]
وكيف نجح اليابانيون والألمان والصينيون واليهود في فعل ذلك ، وكيف نُزعت تلك المكْنة النفسية من أمتنا بعد أن اجتاحت وتقدمت الأمم قبلها حتى منتصف القرن السادس عشر ...؟ ذلك سؤال في غاية الخطورة و الأهمية ، ونورده لكل المهتمين بعملية النهضة ، وكذلك للمثبطين من أبناء هذه الأمة والداعين للارتهان للغرب اليوم .
وكيف نجح اليابانيون والألمان والصينيون واليهود في فعل ذلك ، وكيف نُزعت تلك المكْنة النفسية من أمتنا بعد أن اجتاحت وتقدمت الأمم قبلها حتى منتصف القرن السادس عشر ...؟ ذلك سؤال في غاية الخطورة و الأهمية ، ونورده لكل المهتمين بعملية النهضة ، وكذلك للمثبطين من أبناء هذه الأمة والداعين للارتهان للغرب اليوم .


3. قانون التغيير الذاتي :
' هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً:


(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
== 3. قانون التغيير الذاتي ==
'''هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً:'''


و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود :
'''(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)''' (الرعد:11) .


(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن , فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت) .
و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود :'''(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن , فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت) '''.


أو لست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و ضعف قلوبها و خلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة و صفات الرجولة الصحيحة , و إن كثر عددها و زادت خيراتها و ثمراتها ، و إن الأمة إذا رتعت في النعيم و أنست بالترف و غرقت في أعراض المادة و افتتنت بزهرة الحياة الدنيا , و نسيت احتمال الشدائد و مقارعة الخطوب و المجاهدة في سبيل الحق , فقل على عزتها و آمالها العفاء .' ( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .
أو لست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و ضعف قلوبها و خلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة و صفات الرجولة الصحيحة , و إن كثر عددها و زادت خيراتها و ثمراتها ، و إن الأمة إذا رتعت في النعيم و أنست بالترف و غرقت في أعراض المادة و افتتنت بزهرة الحياة الدنيا , و نسيت احتمال الشدائد و مقارعة الخطوب و المجاهدة في سبيل الحق , فقل على عزتها و آمالها العفاء ... ( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .


إن تغيير عالم الأفكار شرط رئيس في تغيير عالم الأشياء ، والتركيز على النفوس هو بداية الطريق لكل مصلح .
إن تغيير عالم الأفكار شرط رئيس في تغيير عالم الأشياء ، والتركيز على النفوس هو بداية الطريق لكل مصلح .


4. قانون الأخذ بمستلزمات الانطلاق والبدء :


' إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى 'قوة نفسية عظيمة' تتمثل في عدة أمور:
== 4. قانون الأخذ بمستلزمات الانطلاق والبدء ==
'''إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى 'قوة نفسية عظيمة' تتمثل في عدة أمور:'''


- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.
- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.
سطر ٧١: سطر ٨٠:
على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً.
على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً.


وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس:36) .
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: '''(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)''' (يونس:36) .


5. مقومات نجاح الأفكار ( الشباب ) :


' إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الايمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها... ' ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ..( الكهف ) .  
== 5. مقومات نجاح الأفكار ( الشباب ) ==
إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الايمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها... ' ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ..( الكهف ) .  


6. قانون إعداد الرجال :


== 6. قانون إعداد الرجال ==
يشير الإمام البنا هنا إلى المقياس الفعلي للنهضة ، والمؤشر الحقيقي لقوة الأمة أو ضعفها فيقول :
يشير الإمام البنا هنا إلى المقياس الفعلي للنهضة ، والمؤشر الحقيقي لقوة الأمة أو ضعفها فيقول :
' إن الرجال سر حياة الأمم ونهضتها ، وإن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس و الإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة ' ( رسالة هل نحن قوم عمليون ؟ ) .
' إن الرجال سر حياة الأمم ونهضتها ، وإن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس و الإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة ' ( رسالة هل نحن قوم عمليون ؟ ) .
بهذه السداسية نختم هذا الجزء من رؤية الأستاذ البنا لقوانين النهوض ، ولنا لقاء مع سداسية أخرى لتكتمل لدينا ( اثنا عشرة قانونا ) من قوانين النهوض في فكر الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.
 
إن شاء المولى عز وجل.
 
'''بهذه السداسية نختم هذا الجزء من رؤية الأستاذ البنا لقوانين النهوض ، ولنا لقاءبإذن الله تعالي  مع سداسية أخرى لتكتمل لدينا ( اثنا عشرة قانونا ) من قوانين النهوض في فكر الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله .'''
 
.

مراجعة ٢٣:٠٤، ٢١ يونيو ٢٠١٠

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة (6)
( قوانين النهوض )

بقلم / أ. عبدالمنعم الشريف

كنا قد استعرضنا في الجزء السابق أن النهوض ممكن ، وأن الإفاقة ليست بالمستحيلة ، وامتلاكنا للفكرة الربانية وحاجة الناس إليها يؤيد ذلك ، وكذلك رغبة المجتمعات الحديثة في تحقيق بعض مقومات نظمنا التي أسسها الإسلام ، ودللنا على ذلك بعرض بعض الدلالات الاجتماعية والدينية والتاريخية والمنطقية ، والتي أشارت بوضوح إلى إمكانية النهوض واجتياز العثرة ....

غير أن هناك قوانين وسنن وُضعت بإحكام ، ورُسمت بإتقان ، وخضعت لها نواميس المجتمعات ، ومراحل تطورها ، فمن سار عليها سار في سلّم الصعود ، ومن جانبها بقي في مؤخرة الركب ، حتى وإن استهل دساتيرهُ بالاحتكام إلى كتاب الله ، لأن الاحتكام إليه يقود إلى الصعود .. ولسنا في تلك الحالة..! .

وفي ثنايا حديثنا عن رؤية الأستاذ البنا ، نستعرض وصْفَه لبعض القوانين التي تحكم عملية التغيير ، والتي لا ينبغي إغفالها من قِبَلِ من يسعى إلى النهوض بمجتمعاتنا ، وينتدب نفسه لقيادة الركب صعوداً فيبدأ :


1. قانون الفكرة المركزية

يعتقد الإخوان المسلمون أن الله تبارك و تعالى حين أنزل القرآن و أمر عباده أن يتبعوا محمدا و رضي لهم الإسلام دينا , و وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم و نهضتها و إسعادها , و ذلك مصداق قول الله تبارك و تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) .. (الأعراف:157)...( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .


2. قانون القوة الدافعة ( المُكْنة النفسية )

وينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية ، ويهملون كثيرا النظر إلى الدوافع النفسية والإلهامات الروحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها وعليها يتوقف انتصارها ونماؤها . وتلك حقيقة لا يجادل فيها إلا البعيد عن دراسة الدعوات وتعرف أسرارها ، إن من وراء المظاهر جميعا في كل دعوة روحا دافعة ، وقوة باطنة تسيرها وتهيمن عليها وتدفع إليها ، ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .

ولهذا أستطيع أن أقول إن أول ما نهتم له في دعوتنا ، وأهم ما نعول علية في نمائها وظهورها وانتشارها هذه اليقظة الروحية المرتجلة . فنحن نريد أول ما نريد يقظة الروح ، حياة القلوب ، صحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر ، وليس يعنينا أن نتكلم عما نريد بهذه الدعوة من فروع الإصلاح في النواحي العملية المختلفة بقدر ما يعنينا أن نركز في النفوس هذه الفكرة .

نحن نريد نفوساً حية قوية فتية ، قلوباً جديدة خفاقة ، مشاعر غيورة ملتهبة متأججة ، أرواحاً طموحة متطلعة متوثبة ، تتخيل مثلاً علياً ، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ، ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ، ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ، ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلاً ولا تحتمل شكاً ولا ريباً . وبغير هذا التحديد والتركيز سيكون مثل هذا الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة فيه ، فما حدود الأهداف وما منتهاها ؟!

إن النبي (ص) قذف في قلوب صحابته بهذه المشاعر الثلاثة فأشرقت بها وانطبعت عليها :

( أ )..... قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحق وما عداه الباطل وأن رسالته خير الرسالات ، ونهجه أفضل المناهج ، وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين ، وتلا عليهم من كتاب الله ما يزيد هذا المعني ثباتاً في النفس وتمسكاً في القلب :

(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ , وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(الزخرف:43-44) ..... (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79).... (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثـية:18 ) .... (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً...) (النساء:65) .

فآمنوا بهذا واعتقدوه وصدروا عنه .

( ب )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا أهل الحق وما داموا حملة رسالة النور وغيرهم يتخبط في الظلام ، وما دام بين يديهم هدى السماء لإرشاد الأرض فهم إذن يجب أن يكونوا أساتذة الناس وان يقعدوا من غيرهم مقعد الأستاذ من تلميذه : يحنوا عليه ويرشده ويقومه ويسدده ويقوده إلى الخير ويهديه سواء السبيل .

وجاء القرآن الكريم يثبت هذا المعني ويزيده كذلك وضوحاً ، وصاروا يتلقون عن نبيهم من وحي السماء :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110) ..... (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143)...... (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78) .

فآمنوا بهذا أيضاً واعتقدوه وصدروا عنه .

( ج )..... وقذف في قلوبهم أنهم ما داموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه ، فإن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم إذا تخلي عنهم الناس ، ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصير وهو معهم أينما كانوا . وإذا لم ينهض معهم جند الأرض تنزل عليهم المدد من جند السماء وأخذوا يقرءون هذه المعاني السامية واضحة في كتاب الله :

(إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128) .... (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).... (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40) .... (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) .... (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).... (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (لأنفال:12) , (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47) .... (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ) (القصص:5) . ( رسالة دعوتنا في طور جديد )

إن تركيب المكنة النفسية ، وإيجاد الكتلة الحرجة من المشاعر في كل أمة هو فن استراتيجي ، ولنا أن نسأل كيف نجح الغرب في تركيب هذه المكنة في شعوبه المهزومة طوال عشرة قرون ..؟

وكيف نجح اليابانيون والألمان والصينيون واليهود في فعل ذلك ، وكيف نُزعت تلك المكْنة النفسية من أمتنا بعد أن اجتاحت وتقدمت الأمم قبلها حتى منتصف القرن السادس عشر ...؟ ذلك سؤال في غاية الخطورة و الأهمية ، ونورده لكل المهتمين بعملية النهضة ، وكذلك للمثبطين من أبناء هذه الأمة والداعين للارتهان للغرب اليوم .


3. قانون التغيير الذاتي

هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً:

(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .

و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود :(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن , فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت) .

أو لست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و ضعف قلوبها و خلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة و صفات الرجولة الصحيحة , و إن كثر عددها و زادت خيراتها و ثمراتها ، و إن الأمة إذا رتعت في النعيم و أنست بالترف و غرقت في أعراض المادة و افتتنت بزهرة الحياة الدنيا , و نسيت احتمال الشدائد و مقارعة الخطوب و المجاهدة في سبيل الحق , فقل على عزتها و آمالها العفاء ... ( رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ) .

إن تغيير عالم الأفكار شرط رئيس في تغيير عالم الأشياء ، والتركيز على النفوس هو بداية الطريق لكل مصلح .


4. قانون الأخذ بمستلزمات الانطلاق والبدء

إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى 'قوة نفسية عظيمة' تتمثل في عدة أمور:

- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.

- وفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر .

- تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل.

- معرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره.

على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً.

وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس:36) .


5. مقومات نجاح الأفكار ( الشباب )

إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الايمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها... ' ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ..( الكهف ) .


6. قانون إعداد الرجال

يشير الإمام البنا هنا إلى المقياس الفعلي للنهضة ، والمؤشر الحقيقي لقوة الأمة أو ضعفها فيقول : ' إن الرجال سر حياة الأمم ونهضتها ، وإن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس و الإرادات . وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما يقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة ' ( رسالة هل نحن قوم عمليون ؟ ) .


بهذه السداسية نختم هذا الجزء من رؤية الأستاذ البنا لقوانين النهوض ، ولنا لقاءبإذن الله تعالي مع سداسية أخرى لتكتمل لدينا ( اثنا عشرة قانونا ) من قوانين النهوض في فكر الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله .

.