الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رقى الثورة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
ط (حمى "رقى الثورة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
 
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''<center>رقى الثورة</center>'''
'''<center><font color="blue"><font size=5>رقى الثورة</font></font></center>'''


[[ملف:الاحتفال.jpg|center|350px]]
'''بقلم: [[محمد سلماوى]]'''
'''<center>١٨/ ٢/ [[٢٠١١]]</center>'''


''' بقلم محمد سلماوى  ١٨/ ٢/ ٢٠١١'''
[[ملف:الاحتفال.jpg|تصغير|center|350px|'''<center>فرحة الثورة المصرية</center>''']]


كنت أتابع أحد الشباب فى ميدان التحرير وهو يرسم لوحة رائعة على أرض الميدان تمثل الثورة، وأخذت أقول لنفسى إنها تليق بأن نحتفظ بها فى متحف لثورة ٢٥ يناير، ثم فجأة بدأت تهطل الأمطار على الميدان، فأسالت ألوان اللوحة وضيعت معالمها، فقلت للشاب: «لا عليك يا عمر، لقد رسمت لوحتك وشاهدنا جميعاً جمالها، وهذا يكفيك».
كنت أتابع أحد الشباب فى [[ميدان التحرير]] وهو يرسم لوحة رائعة على أرض الميدان تمثل الثورة، وأخذت أقول لنفسى إنها تليق بأن نحتفظ بها فى متحف لثورة ٢٥[[ يناير]]، ثم فجأة بدأت تهطل الأمطار على الميدان، فأسالت ألوان اللوحة وضيعت معالمها، فقلت للشاب: «لا عليك يا عمر، لقد رسمت لوحتك وشاهدنا جميعاً جمالها، وهذا يكفيك».


فقال بابتسامة ارتياح هادئة: «سأرسم غيرها بعد أن تجف الأمطار»! ذلك أن تلك لم تكن اللوحة الأولى التى يرسمها، فمنذ بداية اندلاع الثورة وهو يوزع وقته بين الهتاف ومقاومة قوات الأمن ورسم لوحاته التى كانت أقدام الناس التى احتشدت فى الميدان سريعاً ما تضيع معالمها، وفى كل مرة كان عمر يعيد رسم لوحاته كان يشعر بسعادة غامرة لأن محوها المتتالى كان تأكيداً له ولنا بأن الثورة لم تفقد جذوتها، وأن أبناءها يتزايدون فوق أرض الميدان مع كل يوم جديد.
فقال بابتسامة ارتياح هادئة: «سأرسم غيرها بعد أن تجف الأمطار»! ذلك أن تلك لم تكن اللوحة الأولى التى يرسمها، فمنذ بداية اندلاع الثورة وهو يوزع وقته بين الهتاف ومقاومة قوات الأمن ورسم لوحاته التى كانت أقدام الناس التى احتشدت فى الميدان سريعاً ما تضيع معالمها، وفى كل مرة كان عمر يعيد رسم لوحاته كان يشعر بسعادة غامرة لأن محوها المتتالى كان تأكيداً له ولنا بأن الثورة لم تفقد جذوتها، وأن أبناءها يتزايدون فوق أرض الميدان مع كل يوم جديد.


وسيظل المراقبون فى جميع أنحاء العالم يحللون مختلف جوانب ثورة ٢٥ يناير فى مصر ويرصدون نتائجها لفترة طويلة مقبلة، فقد كانت الثورة مفاجئة للعالم كله ليس فقط بموعد حدوثها أو باتساع نطاقها أو بنجاحها فى تحقيق جميع مطالبها، وإنما أيضاً فى طبيعتها ذاتها، فالمعروف أن الثورة تقوم دائماً على العنف لأنها تهدف إلى القضاء الكامل وليس التدريجى على وضع قائم وإحلال وضع آخر مناقض للوضع القديم، لكن ثورتنا رفعت من البداية حتى النهاية شعار «سلمية!» فسلكت بذلك نهجاً غير مسبوق فى تاريخ الثورات.
وسيظل المراقبون فى جميع أنحاء العالم يحللون مختلف جوانب ثورة ٢٥ [[يناير]] فى مصر ويرصدون نتائجها لفترة طويلة مقبلة، فقد كانت الثورة مفاجئة للعالم كله ليس فقط بموعد حدوثها أو باتساع نطاقها أو بنجاحها فى تحقيق جميع مطالبها، وإنما أيضاً فى طبيعتها ذاتها، فالمعروف أن الثورة تقوم دائماً على العنف لأنها تهدف إلى القضاء الكامل وليس التدريجى على وضع قائم وإحلال وضع آخر مناقض للوضع القديم، لكن ثورتنا رفعت من البداية حتى النهاية شعار «سلمية!» فسلكت بذلك نهجاً غير مسبوق فى تاريخ الثورات.


لقد شبّه البعض ثورة ٢٥ يناير بما قام به غاندى فى مواجهة الاستعمار البريطانى للهند، لكن الحقيقة أن التشبيه غير وارد لأن غاندى لم يطلق ثورة، وإنما قاد حركة مقاومة اختار بعبقريته وإنسانيته المفرطة أن تجىء سلمية، وقد حققت المقاومة أغراضها فى جلاء قوات الإمبراطورية البريطانية عن أرض الهند، لكنها لم تأت بتغيير ثورى إلا بما كان سينتج عن الاستقلال فى جميع الأحوال.
لقد شبّه البعض ثورة ٢٥[[ يناير]] بما قام به غاندى فى مواجهة الاستعمار البريطانى للهند، لكن الحقيقة أن التشبيه غير وارد لأن غاندى لم يطلق ثورة، وإنما قاد حركة مقاومة اختار بعبقريته وإنسانيته المفرطة أن تجىء سلمية، وقد حققت المقاومة أغراضها فى جلاء قوات الإمبراطورية البريطانية عن أرض الهند، لكنها لم تأت بتغيير ثورى إلا بما كان سينتج عن الاستقلال فى جميع الأحوال.


أما ثورتنا فقد غيرت وجه الحياة السياسية بالكامل وذلك سينعكس على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحققت ذلك دون إراقة قطرة دم واحدة إلا ما سفكته القوات المضادة لها التى سقطت فى نفس اللحظة من تقدير التاريخ، لكن ليس قبل أن تعطى للثورة شهداءها الذين ستكشف الأيام عن أن عددهم يزيد كثيراً عن الـ٣٥٠ شهيداً المعلن عنهم حتى الآن.
أما ثورتنا فقد غيرت وجه الحياة السياسية بالكامل وذلك سينعكس على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحققت ذلك دون إراقة قطرة دم واحدة إلا ما سفكته القوات المضادة لها التى سقطت فى نفس اللحظة من تقدير التاريخ، لكن ليس قبل أن تعطى للثورة شهداءها الذين ستكشف الأيام عن أن عددهم يزيد كثيراً عن الـ٣٥٠ شهيداً المعلن عنهم حتى الآن.


ذلك هو رقى الثورة الذى شهدناه جميعاً وشهده معنا العالم، مبهوراً بما يحدث فى ميدان التحرير، وإذا كنت قد كتبت فى الأسبوع الماضى عن جانب من الثورة لم يكن مطروقاً وهو «عروبة الثورة»، فإننى أكتب اليوم عن جانب آخر كان المراقبون الدوليون أول من توقف عنده بالدهشة والإعجاب والتقدير.
ذلك هو رقى الثورة الذى شهدناه جميعاً وشهده معنا العالم، مبهوراً بما يحدث فى [[ميدان التحرير]]، وإذا كنت قد كتبت فى الأسبوع الماضى عن جانب من الثورة لم يكن مطروقاً وهو «عروبة الثورة»، فإننى أكتب اليوم عن جانب آخر كان المراقبون الدوليون أول من توقف عنده بالدهشة والإعجاب والتقدير.


لقد نقل الإعلامى الأمريكى الكبير تشارلى روز طاقم برنامجه التليفزيونى الشهير بكامل هيئته إلى القاهرة، حيث كرس عدة حلقات منه لتغطية الثورة المصرية، وقد أخبرنى حين قابلته فى ميدان التحرير بأنه مبهور بهؤلاء الشباب الذين يواجهون فى الصباح الغازات المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والرصاص المطاطى وخراطيم المياه، ثم يتحلقون فى المساء حول من يقدم فاصلاً فكاهياً أو يعزف الموسيقى، فيحولون ميدان التحرير إلى مهرجان شعبى فريد. ووسط حشود الميدان كسبت صديقاً جديداً هو الشاعر الجميل أحمد، وهو من القيادات الميدانية للثورة يشارك فى ترتيباتها ويشرف مع زملائه على الإذاعة التى أقاموها وسط الميدان، ثم حين يفرغ من ذلك يلقى الشعر.
لقد نقل الإعلامى الأمريكى الكبير تشارلى روز طاقم برنامجه التليفزيونى الشهير بكامل هيئته إلى القاهرة، حيث كرس عدة حلقات منه لتغطية الثورة المصرية، وقد أخبرنى حين قابلته فى [[ميدان التحرير]] بأنه مبهور بهؤلاء الشباب الذين يواجهون فى الصباح الغازات المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والرصاص المطاطى وخراطيم المياه، ثم يتحلقون فى المساء حول من يقدم فاصلاً فكاهياً أو يعزف الموسيقى، فيحولون [[ميدان التحرير]] إلى مهرجان شعبى فريد.  
 
ووسط حشود الميدان كسبت صديقاً جديداً هو الشاعر الجميل أحمد، وهو من القيادات الميدانية للثورة يشارك فى ترتيباتها ويشرف مع زملائه على الإذاعة التى أقاموها وسط الميدان، ثم حين يفرغ من ذلك يلقى الشعر.


أما بلال ورفاقه فكانوا يستقبلون كل من يصل إلى الميدان بالهتافات المناسبة، فحين وصل وفد اتحاد كتاب مصر انطلقوا فى تصفيق توقيعى وهم يرددون: أهلاً أهلاً بالكتاب!.. أهلاً أهلاً بالأدباء!
أما بلال ورفاقه فكانوا يستقبلون كل من يصل إلى الميدان بالهتافات المناسبة، فحين وصل وفد اتحاد كتاب مصر انطلقوا فى تصفيق توقيعى وهم يرددون: أهلاً أهلاً بالكتاب!.. أهلاً أهلاً بالأدباء!


لقد اطلعت فى ميدان التحرير خلال أيام الثورة ليس فقط على ذكاء وتقدم هؤلاء الشباب، وإنما أيضاً على رقيهم الذى أثبت للعالم أجمع أن الحضارة المصرية العريقة لا تسكن أحجار التماثيل والمعابد فقط، وإنما تعيش فى نفوس المصريين وفى جيناتهم الموروثة.
لقد اطلعت فى [[ميدان التحرير]] خلال أيام الثورة ليس فقط على ذكاء وتقدم هؤلاء الشباب، وإنما أيضاً على رقيهم الذى أثبت للعالم أجمع أن الحضارة المصرية العريقة لا تسكن أحجار التماثيل والمعابد فقط، وإنما تعيش فى نفوس المصريين وفى جيناتهم الموروثة.


== المصدر ==
== المصدر ==

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٧:٣٥، ٥ يناير ٢٠١٢

رقى الثورة

بقلم: محمد سلماوى

١٨/ ٢/ ٢٠١١
فرحة الثورة المصرية

كنت أتابع أحد الشباب فى ميدان التحرير وهو يرسم لوحة رائعة على أرض الميدان تمثل الثورة، وأخذت أقول لنفسى إنها تليق بأن نحتفظ بها فى متحف لثورة ٢٥يناير، ثم فجأة بدأت تهطل الأمطار على الميدان، فأسالت ألوان اللوحة وضيعت معالمها، فقلت للشاب: «لا عليك يا عمر، لقد رسمت لوحتك وشاهدنا جميعاً جمالها، وهذا يكفيك».

فقال بابتسامة ارتياح هادئة: «سأرسم غيرها بعد أن تجف الأمطار»! ذلك أن تلك لم تكن اللوحة الأولى التى يرسمها، فمنذ بداية اندلاع الثورة وهو يوزع وقته بين الهتاف ومقاومة قوات الأمن ورسم لوحاته التى كانت أقدام الناس التى احتشدت فى الميدان سريعاً ما تضيع معالمها، وفى كل مرة كان عمر يعيد رسم لوحاته كان يشعر بسعادة غامرة لأن محوها المتتالى كان تأكيداً له ولنا بأن الثورة لم تفقد جذوتها، وأن أبناءها يتزايدون فوق أرض الميدان مع كل يوم جديد.

وسيظل المراقبون فى جميع أنحاء العالم يحللون مختلف جوانب ثورة ٢٥ يناير فى مصر ويرصدون نتائجها لفترة طويلة مقبلة، فقد كانت الثورة مفاجئة للعالم كله ليس فقط بموعد حدوثها أو باتساع نطاقها أو بنجاحها فى تحقيق جميع مطالبها، وإنما أيضاً فى طبيعتها ذاتها، فالمعروف أن الثورة تقوم دائماً على العنف لأنها تهدف إلى القضاء الكامل وليس التدريجى على وضع قائم وإحلال وضع آخر مناقض للوضع القديم، لكن ثورتنا رفعت من البداية حتى النهاية شعار «سلمية!» فسلكت بذلك نهجاً غير مسبوق فى تاريخ الثورات.

لقد شبّه البعض ثورة ٢٥يناير بما قام به غاندى فى مواجهة الاستعمار البريطانى للهند، لكن الحقيقة أن التشبيه غير وارد لأن غاندى لم يطلق ثورة، وإنما قاد حركة مقاومة اختار بعبقريته وإنسانيته المفرطة أن تجىء سلمية، وقد حققت المقاومة أغراضها فى جلاء قوات الإمبراطورية البريطانية عن أرض الهند، لكنها لم تأت بتغيير ثورى إلا بما كان سينتج عن الاستقلال فى جميع الأحوال.

أما ثورتنا فقد غيرت وجه الحياة السياسية بالكامل وذلك سينعكس على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحققت ذلك دون إراقة قطرة دم واحدة إلا ما سفكته القوات المضادة لها التى سقطت فى نفس اللحظة من تقدير التاريخ، لكن ليس قبل أن تعطى للثورة شهداءها الذين ستكشف الأيام عن أن عددهم يزيد كثيراً عن الـ٣٥٠ شهيداً المعلن عنهم حتى الآن.

ذلك هو رقى الثورة الذى شهدناه جميعاً وشهده معنا العالم، مبهوراً بما يحدث فى ميدان التحرير، وإذا كنت قد كتبت فى الأسبوع الماضى عن جانب من الثورة لم يكن مطروقاً وهو «عروبة الثورة»، فإننى أكتب اليوم عن جانب آخر كان المراقبون الدوليون أول من توقف عنده بالدهشة والإعجاب والتقدير.

لقد نقل الإعلامى الأمريكى الكبير تشارلى روز طاقم برنامجه التليفزيونى الشهير بكامل هيئته إلى القاهرة، حيث كرس عدة حلقات منه لتغطية الثورة المصرية، وقد أخبرنى حين قابلته فى ميدان التحرير بأنه مبهور بهؤلاء الشباب الذين يواجهون فى الصباح الغازات المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والرصاص المطاطى وخراطيم المياه، ثم يتحلقون فى المساء حول من يقدم فاصلاً فكاهياً أو يعزف الموسيقى، فيحولون ميدان التحرير إلى مهرجان شعبى فريد.

ووسط حشود الميدان كسبت صديقاً جديداً هو الشاعر الجميل أحمد، وهو من القيادات الميدانية للثورة يشارك فى ترتيباتها ويشرف مع زملائه على الإذاعة التى أقاموها وسط الميدان، ثم حين يفرغ من ذلك يلقى الشعر.

أما بلال ورفاقه فكانوا يستقبلون كل من يصل إلى الميدان بالهتافات المناسبة، فحين وصل وفد اتحاد كتاب مصر انطلقوا فى تصفيق توقيعى وهم يرددون: أهلاً أهلاً بالكتاب!.. أهلاً أهلاً بالأدباء!

لقد اطلعت فى ميدان التحرير خلال أيام الثورة ليس فقط على ذكاء وتقدم هؤلاء الشباب، وإنما أيضاً على رقيهم الذى أثبت للعالم أجمع أن الحضارة المصرية العريقة لا تسكن أحجار التماثيل والمعابد فقط، وإنما تعيش فى نفوس المصريين وفى جيناتهم الموروثة.

المصدر