الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مصر الفتاة ودورها في السياسة المصرية»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''<center><font color="blue"><font size=5>[[مصر الفتاة]] ودورها في [[السياسة]] المصرية [[1933]]-[[1941]]</font></font></center>'''
==الفصل الثاني:مقدمات [[مصر الفتاة]]==


'''دكتور على شلبي'''
:#نشأة [[أحمد حسين]].
:#جماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة.
:#مؤتمر الطلبة الشرقيين.
:#مشروع القرش.


'''كلية الآداب جامعة [[المنصورة]]'''
تجدر الإشارة هنا إلى أن جمعية [[مصر الفتاة]] تعد نتاجا طبيعيا للظروف التاريخية التي مر بها المجتمع المصري، والتي تناولناها في الفصل السابق، كما كان ل[[أحمد حسين]] نشاطا سياسيا واجتماعيا سبق إعلانها، ومن الأهمية بمكان أن نعرض لهذا النشاط، والذي يعد بحق إرهاصات لقيام الجمعية، ولعله من المفيد أن نلقى نظرة على نشأة [[أحمد حسين]] رئيس الجمعية وصاحب فكرة إنشائها ، ربما ساعدتنا في تحديد الخط السياسي الذي سيسلكه في كفاحه حتى نهاية فترة الدراسة.


'''الطبعة الأولى 1402 – [[1982]]م'''
ولد [[أحمد حسين]] بمدينة [[القاهرة]] في 8 [[مارس]] عام [[1911]]، وهو ابن محمود حسين الذي كان يشغل وظيفة كاتب حسابات في بعض الدوائر الزراعية، وهو مهنة أورثه إياها والده، وقد ولد محمود حسين في بلدة '''" كفر البطيخ"''' بمحافظة [[دمياط]] وكان والده ويدعى حسين يعمل كاتبا للحسابات بالدوائر الزراعية، وعندما فقد بصره تولى ابنه محمود القيام بمهام وظيفته بجلا منه، وإلى جانب عمله في الحسابات، فقد افتتح" كتابا" يعلم فيه الصبية القراءة والكتابة والحساب.
 
وقد أمضى محمود حسين شبابه كاتبا للحسابات في الدوائر، وكان أن نقل إلى '''" سمنود"''' ليعمل في دائرة السيد '''(بك)''' عبد العال. وفى ذلك الوقت تزوج من والدة [[أحمد حسين]] وهى من قرية '''" ميت النصارى"''' قرب سمنود، وكانت تمت بصلة قربى ل[[مصطفي النحاس]] '''(باشا)''' ثم انتقل والده للعمل في دائرة عزيز عزت '''(باشا)''' ثم عين '''"باشكاتبا"''' لدائرة الأمير [[كمال الدين حسين]] في نجع حمادي عام [[1911]] عندما ثارت الفتنة بين الأقباط والمسلمين.
 
وقد كان تولى أحد المسلمين أعمال الحسابات في دوائر الأمراء يعد حدثا في ذلك الوقت، فقد كانت تلك الوظيفة وقفا على الأقباط. وعندما انفرجت الأزمة وخمدت الفتنة عاد الأقباط إلى تولى مناصبهم في دوائر الأمير [[كمال الدين حسين]]، فاستغنى عن محمود حسين وغيره من الموظفين المسلمين، ومن ثم اختير ليكون كاتبا لحسابات الديوان السلطاني، عندما عين السلطان حسين كامل سلطانا على [[مصر]].
 
ومن ثم استقر به المقام في [[القاهرة]]، حيث ولد بها ابنه أحمد كما سبق القول وأمضى بها سنوات حياته الدراسية، فالتحق '''" بالكتاب"''' ثم بالمدرسة الأولية فالمدرسة الابتدائية حيث التقى بزميله وصديقه [[فتحي رضوان]] فيما بعد، فقد تكونت بينهما صداقة تحولت إلى مشاركة في العمل السياسي والكفاح امتدت حتى عام [[1942]].
 
وفى المدرسة الابتدائية ألف [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] وهما في السنة الثالثة جمعية دينية باسم '''" جمعية نصر الدين الإسلامى"''' وكان على رأسها [[أحمد حسين]]، وغرضها نشر تعاليم الدين والحض على الفضيلة، وقد أعدا منشورات تعبر عن هذا الغرض وارتادا المساجد لشرح غرض جمعيتهما والهدف منها، ولكن ناظر المدرسة هاله ما يفعلون فطلب منهما حل الجمعية وترك هذا العمل للعلماء والمشايخ والفقهاء.
 
حصل [[أحمد حسين]] على شهادة الابتدائي، ومن ثم التحق بمدرسة الخديوية الثانوية، وفى تلك الفترة كان قد اشتد إعجابه بالتمثيل، فقد شهد الكثير من الروايات التي كانت تعرض على المسارح المصرية، كان يدعوه إليها هو ووالده أحد أصدقاء والده الذي كان يعمل فى شركة '''" ترقية التمثيل العربي"''' وعندما التحق بالمدرسة الثانوية وجد الفرصة سانحة أمامه كي يخرج ذلك الإعجاب إلى النور، فقد أصبح نشيطا جدا في فن التمثيل المسرحي، فشارك في أدوار كثيرة كممثل ومخرج ومؤلف روايات، إلى أن أصبح رئيس فريق التمثيل بالمدرسة؛
 
والذي كان يشرف عليه محمود مراد كاتب المسرحيات المغمور، والذي من أهم أعماله رواية '''" مجد رمسيس"''' وهى تبرز الاتجاه نحو الأخذ بالفرعونية. فهي تتغنى بأمجاد الفراعنة، وقد شارك [[أحمد حسين]] بنصيب في تمثيلها فتولى أحد أدوار البطولة فيها.
 
وفى نفس الوقت الذي كان فيه [[أحمد حسين]] يتولى رئاسة فريقه التمثيل بالمدرسة الخديوية انضم للعمل بمسرح رمسيس ووضع رواية من تأليفه هي '''" أبو مسلم الخراساني"''' ومن ثم تقدم لمسابقة للالتحاق بمعهد التمثيل، وكان يرأس لجنة المسابقة زكى طليمات، ولكن اللجنة استبعدته ولو أتيحت له هذه الفرصة والتحق بمعهد التمثيل لتغير مجرى حياته ولأصبح أحد أبطال الحركة المسرحية في [[مصر]] على حد تعبير [[فتحي رضوان]].
 
وفى ذلك الوقت تفرغ [[أحمد حسين]] لدراسته إلى جانب عمله بفريق التمثيل بالمدرسة حيث كانت شهرته على مستوى وزارة المعارف كلها.فقد أخذت ترسل الوفود الأجنبية من زوارها إلى المدرسة لمشاهدة عروض فرقتها، وقد حضر على الشمسي (باشا) وزير المعارف في وزارة النحاس الأولى عام [[1928]] أحد هذه العروض فأعجب بتمثيل [[أحمد حسين]] وطلب لقائه بمكتبه.
 
وعندما توجه [[أحمد حسين]] وناظر المدرسة إلى لقاء الشمسي '''(باشا)''' عرض عليه إرساله فى بعثة تعليمية حكومية يتلقى فيها التمثيل في الخارج، وقد كان مقدرا لهذا المشروع أن يرى النور لولا سقوط الوزارة. وفى ذلك الوقت وكنتيجة لنشاط [[أحمد حسين]] المتزايد في فن التمثيل عهد إليه ناظر المدرسة '''(لبيب الكردانى)''' بتحرير مجلة المدرسة وإدارة جمعية المحاضرات.
 
إلا أنه وقع صدام بين [[أحمد حسين]] والناظر فأعلن بعده اعتزاله لكل نشاط. وكان ذلك وهو في '''" البكالوريا"''' عام [[1929]] ، كما ذكر [[أحمد حسين]] '''" كان ذلك بداية تركي للتمثيل وانخراطي في الحياة العامة والاهتمام ب[[السياسة]]"''' وفى ذلك العام التحق بكلية الحقوق.
 
سبق اهتمام [[أحمد حسين]] ب[[السياسة]] والانخراط في الحياة العامة خطوات أخرى، فقد أعجب [[أحمد حسين]] في تلك الفترة بالتيار الفرعوني الذي ظهر في تلك الفترة، والذي ينادى بإعادة مجد [[مصر]]، كما كان للمسرحيات التي اشترك فيها أكبر الأثر في تعميق هذا الإعجاب في نفسه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛
 
فقد قام مع زملائه في المدرسة برحلة لزيارة الآثار المصرية في [[الأقصر]] و[[أسوان]]، فكانت تلك الزيارة وما طبعته في نفسه من آثار وما أوقفته على مدى عظمة [[مصر]] والمصريين، كانت تتويجا لهذا الاتجاه الفرعوني لديه، إذ كما يقول أنه كرس نفسه وحياته لبعث مجد [[مصر]] الفرعوني .
 
وقد أتاحت الظروف والأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد الفرصة ل[[أحمد حسين]] كي يعبر عن اتجاهه الفرعوني، فعندما عاد محمد محمود '''(باشا)''' من لندن عام [[1922]] وهو يحمل مشروع المعاهدة الذي وضعه مع هندرسون وزير الخارجية البريطانية، كان [[أحمد حسين]] من الذين دعوا المصريين لقبول ذلك المشروع مطالبا محمد محمود بأن يعمل على إعادة مجد [[مصر]]، لقبول ذلك المشروع مطالبا محمد محمود بأن يعمل على إعادة مجد [[مصر]]، فكان ذلك أول مشاركة فعالة له في النشاط السياسي.
 
وعندما عاد محمد محمود من لندن في شهر [[أغسطس]] عام [[1929]] يحمل مشروع المعاهدة الذي توصل إليه مع هندرسون، ليعرضه على الشعب المصري ، وكما سبق أن ذكرنا، فقد لقي المشروع قبولا من بعض الدوائر ورفضا من البعض الآخر وتحفظا من دوائر أخرى؛
 
وفى ظل تلك الظروف كان الأحرار الدستوريون يبذلون أقصى جهودهم للترويج لهذا المشروع، فسعوا إلى تأليف جماعة لتأييد مشروع المعاهدة عرفت '''" بجماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة"''' أسندت رياستها إلى حافظ محمود واشترك في عضويتها [[أحمد حسين]] عندما عرض عليه ذلك حسن صبحي أحد المتصلين بمحمد محمود لكي يعمل لمناصرة المعاهدة والدعوة لقبولها. ولم يتردد [[أحمد حسين]] في قبول هذا العرض على حد تعبيره هو. 
 
شارك [[أحمد حسين]] بجهوده في تلك الجماعة لأنه رأى أن محمد محمود قد عاد إلى [[مصر]] بمشروع معاهدة يفضل جميع المشروعات السابقة عليه. فتألفت هذه الجماعة وبدأت تنشر بياناتها في جريدة '''" [[السياسة]]"''' فصدر أول بيان لها في 20 [[أغسطس]] عام [[1929]]، أعلنت فيه أنها بعيدة عن [[الأحزاب]] تماما وأنه تعبر عن رأى الشباب، وأن رائدها في تأييد المعاهدة أنها هي الفرصة الوحيدة للسير بالبلاد إلى الأمام، وفى ختام بيانها وجهت نداء للشباب بأن ينضووا تحت لوائها.
 
ومن ثم أخذت هذه الجماعة تسعى لتعيين شخصية كبيرة مستقلة على رأسها فحاولت إقناع الأمير عمر طوسون برعايتها مستندة في هذا على ما أعلنه الأمير من أن المشروع " حسن في جملته" ولكن الأمير لم يشأ أن ينغمس في هذه المسألة.
 
فعقدت الجماعة اجتماعا بمنزل إبراهيم '''(بك)''' فتحي بالعباسية ، حضره عدد من كبار الأعيان والمفكرين والأدباء يتقدمهم عبد الخالق مدكور '''(باشا)''' واللواء أحمد فطين ونصبت عبد الخالق مدكور رئيسا لها ب[[القاهرة]] وتولى أحمد كامل المحامى سكرتيرها.
 
ومن ثم بدأت تتوالى أخبار تأليف اللجان الفرعية للجماعة في الأقاليم على صفحات جريدة [[السياسة]]. وقد حرصت هذه اللجان على إعلان شكرها لمحمد محمود بطل المعاهدة وزعيم البلاد. كما اتخذ بعضها الشعار الذي أصبح فيما بعد شعار [[مصر الفتاة]] '''" [[مصر]] فوق الجميع"'''.
 
بدأ [[أحمد حسين]] نشاطه في الجماعة بمهاجمة الوفد لموقفه من مشروع المعاهدة، وكان ذلك في 24 [[أغسطس]] [[1929]]، ووصفه في مقال له، بأنه موقف لا يغبط عليه، وليس فيه ما يشرفه في قليل أو كثير، ومن ثم ألقى خطبة في احتفال أقامه شبان الأحرار الدستوريين في 31 [[أغسطس]] [[1929]] وقد ذكر في خطبته أن [[مصر]] في حاجة إلى زعيم يؤمن بالعمل وحده ولن يكون هذا الزعيم العامل إلا من دم فرعوني تنساب فيه دماء رمسيس ومينا، ولابد أن هذه الإشارة قد أرضت محمد محمود باعتباره مصريا صميما من أحشاء صعيد [[مصر]].
 
'''وقد تضمنت الخطبة ما يوضح فكرة [[أحمد حسين]] في العمل على إعادة مجد [[مصر]] فقال:'''
 
:" وإذن فبلسان الشباب الحر، بلسان [[مصر الفتاة]] أسألك أن تكون زعيمها للشباب في الوزارة أو خارجها على السواء لا تظنن وقد جئت بالمعاهدة أن عملك قد انتهى فإنه لم يكد، فإلى العمل إذن والشباب يؤيدك فلتكن لنا كموسولينى في إيطاليا"
 
ثم هتف قائلا فلتحيى [[مصر]]، [[مصر]] فوق الجميع، فليحيى زعيم الشباب. ثم قدم لمحمد محمود طاقة باسم الشباب الحر فقبلها مسرورا. وقد ركز [[أحمد حسين]] في هذه الخطبة على مجد [[مصر]] التليد ووجوب بعث هذا المجد من جديد على يد ذلك الزعيم الذي أشار إليه يقصد محمد محمود وعندما لم تجد هذه المحاولات لإقرار مشروع المعاهدة؛
 
ولما لم يستجب محمد محمود لمطالب [[أحمد حسين]] بأن يكون ل[[مصر]] كموسولينى في إيطاليا لأنه يرفض أن يكون هكذا ، على الرغم مما لحق بالحياة السياسية على عهده من تعطيل للدستور وحل للبرلمان، إلا أن محمد محمود كان يعلن أن هذا مجرد إجراء وقتلى وتعود بعده الحياة النيابية إلى سابق عهدها. في ظل تلك الظروف تصدى [[أحمد حسين]] في العام التالي ليقوم بالدور الذي طالب به محمد محمود بنفسه.
 
وفى عام [[1930]] تصدى [[أحمد حسين]] لذلك العمل، فيصدر في [[مارس]] من نفس العام مجلة '''" الصرخة"''' وكتب في العدد الثاني منها داعيا إلى تكوين '''" ميليشيا فرعونية"'''
 
'''ذاكرا أنه '''
 
:" بهذه الطريقة استقلت الممالك وارتقت ، فمن قبل كانت إيطاليا الفتاة، ورومانيا الفتاة وألمانيا الفتاة وأيرلندا الفتاة و[[تركيا]] الفتاة، كل أمة أرادت استقلالا أو نهوضا أو مجدا اتبعت هذا الطريق. طريق الشباب الملتهب بحماسة الإيمان. فما أحرانا بتكوين [[مصر الفتاة]] لنعيد ل[[مصر]] بهجتها ومجدها"
 
فى العدد الثالث من المجلة يدعو إلى تكوين '''" جيش الخلاص"''' لينفذ فكرته في إعادة مجد [[مصر]] مترسما تجربة الدول التي ذكرها. إلا أن هذه الدعوة التي دعا إليها [[أحمد حسين]] ورفاقه لم تلقى قبولا لدى الشباب، فتوقف عن إصدار المجلة بعد ذلك.
 
وبعد فشل تجربة العمل مع محمد محمود وتصدى [[أحمد حسين]] للعمل بنفسه وعدم نجاحه فيه ، في ذلك الوقت كانت وزارة صدقي قد تولت الحكم في 20 [[يونيه]] [[1930]]، ونظرا لما عاثته حكومة صدقي فساد في البلاد، تمثل بشكل حاد في الصراع بين الوطنيين من جانب، وبين إسماعيل صدقي والسراي والسلطات الإنجليزية من جانب آخر.
 
بدأ [[أحمد حسين]] يبتعد عن المسرح السياسي تماما، ففي ذلك الوقت كان قد تعرف إلى كل من كمال الدين صلاح ومصطفى عبد الله الوكيل في نفس العام الذي التحقوا فيه بالجامعة.
 
وقد فكر في أن يقوم برحلة لزيارة باريس في صيف ذلك العام- وكان هذا مكفولا للطلبة في العطلة الصيفية- ولكن والده عارض في أمر سفره، ولكنه استطاع إقناعه بأنه لن يكلفه شيئا، وقد ساعده زميله [[فتحي رضوان]] ببعض نفقات الرحلة.
 
وقد أتاحت له هذه الرحلة مشاهدة مشروعات جديدة وأفكار جديدة في باريس كانت ذات أثر بارز في تغير مجرى كفاحه إلى حد ما، وهذا ما سنوضحه بعد قليل.
 
وفى نفس العام بدأت جماعة الأصدقاء ، [[أحمد حسين]] ورفاقه [[فتحي رضوان]] وكمال الدين صلاح ومصطفى الوكيل يطرحون أفكارا جديدة حول إعادة مجد [[مصر]]، وفى ظل تلك الأفكار رشح [[فتحي رضوان]] نفسه لعضوية اتحاد الطلاب على أساس برنامج إصلاحي محدد، وقد وقف زملائه خلفه يساندونه ويؤيدونه ، ولكنه لم ينجح في تلك الانتخابات وإن كانت تلك الجماعة قد عرف أعضاؤها بأنهم أصحاب أفكار جديدة.
 
فقد بدأوا يفكرون في أساليب جديدة لإحياء المعاني الوطنية بين طلاب الجامعة خاصة وبين الشباب عامة، فقد أعلنوا عن عزمهم على الاحتفال بعيد الجهاد 13 [[نوفمبر]] على نمط يختلف عن الأنماط المعروفة للاحتفال به، فاقترح [[فتحي رضوان]] أن يتوجه الشباب إلى ساحة الهرم وعلى ضوء النيران المشتعلة يقضون الليل في شبه معسكر يتبادلون فيه المناظرات، وكذلك القيام ببعض المشاهد التمثيلية المستوحاة من تاريخ [[مصر]]، وقد قاموا بنشر الفكرة بين الطلبة وقد شجعهم على ذلك [[أمين الخولي]].
 
وفى يوم 13 [[نوفمبر]] لم يلب دعوتهم إلا عدد قليل لا يتعد أصابع اليد الواحدة. ومن ثم عندما لم تحظ هذه الفكرة بالقبول بين الشباب سعى [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] إلى مسائل أخرى بعيدا عن [[السياسة]].
 
أما العام الدراسي التالي [[1930]] [[1931]] فإنه يبدو هادئا نوعا بالنسبة لكل من [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] فيذكر '''" جان كوفسكى"''' أن كلاهما كان عضوا بجمعية الشبان المسلمين.
 
وقد جانبه الصواب في هذا الصدد إذ أنهما قد اتخذا من مقر جمعية الشبان المسلمين مسرحا لنشاطهم في إلقاء المحاضرات وعقد الندوات فقط، ولكنهما لم ينضما إلى عضوية الجمعية، وقد كان ذلك بناء على خطتهما في الابتعاد عن أحوال [[السياسة]] الجارية فلا يعنى هذا عضويتها للجمعية، وعلى الرغم من خطة [[أحمد حسين]] في الابتعاد عن [[السياسة]] فإنه كان من أشد المعجبين بإسماعيل صدقي على نفس الصورة التي أعجب بها بمحمد محمود متصورا أنهم دعاة إصلاح، كما أعجب بطلعت حرب وفوق كل هؤلاء كان إعجابه بموسولينى وربما أنه أراد أن يرى فيهم صورة موسولينى.
 
ولكن ذلك الإعجاب لم يجعل [[أحمد حسين]] يحيد عن خطته، فشغل نفسه هو و[[فتحي رضوان]] بمسائل أخرى بعيدا عن [[السياسة]]، فقد عاد [[أحمد حسين]] من رحلته إلى باريس وفى رأسه فكرة مشروع القرش وهو ما سنعرض له. أما [[فتحي رضوان]] فقد كانت الدعوة لعقد مؤتمر للطلبة الشرقيين هي شغله الشاغل في ذلك الوقت، وقد شارك كل منهما الآخر في مشروعه.
 
لشخصية غاندي وقراءاته المتعددة عنه. هذا بالإضافة إلى أن الظروف قد ساقت إليه أشخاصا من دول شرقية ممن يتلقون العلم في الجامعة المصرية وفى الجامعة الأمريكية، فأفضى إليهم بفكرته فرحبوا بها.
 
ومن ناحية ثالثة فإنه أحس بأن الحركات الوطنية في العالم العربي كانت هزيلة فكريا وثقافيا، وأنها وحدها بغير قادرة على مواجهة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي في المنطقة، ففكر في إقامة المؤتمر بهدف توسيع دائرة الروابط بين العالم العربي والدول الشرقية، ولعل ذلك يوضح أن فكرة المؤتمر فكرة سياسية وطنية، ولكنه حاول أن يلبسها ثوبا ثقافيا اقتصر على العمل في مجال الطلبة ثقافيا ورياضيا.
 
استطاع [[فتحي رضوان]] أن يقنع بعض أساتذة الجامعة بفكرة المؤتمر، وهم الدكاترة على إبراهيم، أحمد أمين، [[عبد الرازق السنهوري]] وعلى مصطفى مشرفة فاقتنعوا بها على أن يكون مؤتمرا سنويا للطلبة الشرقيين ب[[القاهرة]]، وذلك بغرض تقوية الصلات والروابط بينهم.
 
وبعد أن استوثق [[فتحي رضوان]] من موقف الأساتذة المؤيد لفكرته حاول الاتصال بطلاب الدول [[الشرقية]] في كل من [[تركيا]] واليابان والصين وجاوه و[[فلسطين]] و[[العراق]] والهند.
 
ولم تقف جهوده عند هذا الحد بل خابر شركات الملاحة فظفر منها بتسهيلات وامتيازات للطلبة المسافرين ، واستكمالا لجهوده في الدعوة للمؤتمر، فكر هو ومجموعة من زملائه في السفر إلى كل من [[العراق]] و[[سوريا]] و[[لبنان]] و[[تركيا]]، وقد لاقى [[فتحي رضوان]] صعوبات جمة في الحصول على جواز سفر كي ينفذ فكرته، وقد حصل عليه بعد أن توسط له كل من أحمد فؤاد صاحب جريدة '''" الصاعقة"''' وادجار جلاد رئيس تحرير جريدة '''" الاتحاد"''' لدى وزير الداخلية على اعتبار أنه مريض يسافر للاستشفاء .
 
وقد سمح لفتحي وزملائه بالسفر إلا أن الحيلة التي لجأوا إليها قد اكتشفت بعد أن وصلوا إلى [[سوريا]] فاعتبرت سلطات الأمن الفرنسية زيارتهم ل[[سوريا]] عملا خطيرا فطردتهم من [[سوريا]] ورفضت دخولهم إلى [[لبنان]] وأعيدوا إلى [[مصر]].
 
كان الغرض من عقد المؤتمر الذي أعلنه [[فتحي رضوان]]، أنه يفضى إلى توثيق العلاقات بين الشبان الشرقيين، ويهدف إلى تنمية أعمالهم الأدبية وجهودهم الفكرية، وتنشيط الرحلات بين شباب الشرق، والعناية بثقافة الشرق.
 
وقد شكلت لجنة تحضيرية للمؤتمر لتعمل على تحقق الغرض الذي تهدف إليه من وراء تلك الفكرة فتكونت من الأساتذة والدكاترة كمستشارين لها وهم الدكتور منصور فهمي والدكتور عبد الوهاب عزام، وعبد العزيز الثعالبي والدكتور عبد الرحمن الشاهبندر وخليل مطران ولطفي جمعه وعبد الرحمن نصر المحامى ورئيس تحرير الهلال، وقد انضم إلى عضويتها ممثلون عن كليات الجامعة المصرية والجامعة الأمريكية و[[الأزهر]].
 
وقد نشرت تلك اللجنة أنها ستبذل جهدها لتنشئ في كل قطر من أقطار الشرق لجانا فرعية تعمل لنفس الغاية. وفى هذا السبيل فقد لجأ [[فتحي رضوان]] إلى كل وسيلة إلى الطلبة في أندونسيا شرح فيه فكرة المؤتمر وأهدافه ، مؤكدا أن هذا المؤتمر بعيد كل البعد عن المنازعات السياسية والدينية.
 
وعلى الرغم من توفر بعض عناصر النجاح لهذا المؤتمر، إلا أن السلطات الاستعمارية بذلت جهودا ضخمة لإحباط فكرته، كما قامت حكومة صدقي بحل المؤتمر التحضيرية، وإن كان [[فتحي رضوان]] قد استطاع نشر بعض المقالات في '''" [[السياسة]] الأسبوعية"''' ومجلة '''" الرسالة"''' عن المؤتمر وأهدافه.
 
وهكذا طويت هذه الفكرة التي راودت [[فتحي رضوان]] وتحمس لها كل الحماسة فلم تر النور. وقد شهدت أوربا في وقت لاحق مؤتمرات للطلبة الشرقيين فعقدت إيطاليا مؤتمرا لهم في روما، وعلى أثر مؤتمر روما دعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر للطلبة الشرقيين في برلين.
 
وبعد أن عقدت تلك المؤتمرات في أوربا ارتفعت أصوات نطالب [[فتحي رضوان]] ببعث فكرته القديمة في إقامة المؤتمر ولكنه يبدو أن [[فتحي رضوان]] قد أدرك أن فكرة عقد المؤتمر لم تعد مناسبة في ذلك الوقت.
 
أما [[أحمد حسين]] ، فقد شارك في بعض الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب عمله في التحضير لمؤتمر الطلبة الشرقيين في تلك الفترة، عملا بخطته السابقة في الابتعاد عن [[السياسة]]، ففي [[1930]] كان وكيلا لجمعية '''" المصري للمصري"''' التي أسسها سلامة موسى وكان وكيلا لها بكلية الحقوق، ولكنه عندما ضيق صدقي عليها الخناق كما سبق أن ذكرنا، هذا فضلا عن الخلاف الذي حدث بين [[أحمد حسين]] وسلامة موسى حول بعض الأفكار تركها [[أحمد حسين]] ليعمل في مجال آخر.
 
لم يكد [[أحمد حسين]] يترك جمعية '''" المصري للمصري"''' التي دعت إلى مقاطعة البضائع الأجنبية حتى بدأ يفكر في أسلوب آخر للنهوض بالصناعات الوطنية. أخذ يفكر في عمل ضخم يهز به كيان الأمة كلها في مجل الاقتصاد، عمل يرتفع باسمه وزملائه إلى المستوى القومي ويمهد به لخطوته التالية وهى تأسيس جمعية [[مصر الفتاة]].
 
وحتى يتسنى له أن يقوم بالدور الذي رسمه لنفسه منذ بداية اعتقاده في مجد [[مصر]] وسعيه الحثيث لإعادة هذا المجد، فلما فشلت المحاولات السابقة التي قام بها في تجربته مع محمد محمود ، وكذلك الدور الذي قام به هو عام [[1930]] ، فقد تقدم هذه المرة بمشروع يرفع اسمه على صعيد [[مصر]] كلها كخطوة تمهيدية يتقدم بعدها ويتصدى للعمل السياسي، كي يحقق ما فشل فيه من قبل، وفى وسط سيل تلك الأفكار التي كانت تراوده واتته الفرصة والفكرة.
 
سافر [[أحمد حسين]] إلى باريس في صيف عام [[1930]]، وكان من بين ما شاهده هناك تمثال ضخم لأحد رجالات التربية في حدائق '''" التوليرى"''' كتب على قاعدته '''" بني هذا التمثال باكتتاب اشترك فيه أكثر من مليوني طفل"''' دفع كل منهم '''" سمو"''' وهى عملة تقرب من المليم..
 
أعجب [[أحمد حسين]] بهذه الفكرة وصمم على أن ينادى بتطبيقها في [[مصر]]، وعندما عاد إلى [[مصر]] رسم خطة للنهوض بالصناعات الوطنية على المستوى القومي، بأن يشارك جميع أفراد الشعب في تنفيذها بإنشاء صناعات جديدة يساهم فيها الجميع بمبالغ ضئيلة، ووضع الحد الأدنى للتبرع قرشا واحدا. ومن هنا سمى مشروعه بمشروع القرش.
 
عرض [[أحمد حسين]] فكرته بعد عودته على زميليه [[فتحي رضوان]] وكمال الدين صلاح فأبديا استحسانهما وكيف أنها ستساعد على إقامة ركائز وطنية للصناعة تحل مع الزمن محل الركائز الأجنبية المسيطرة على الاقتصاد المصري.
 
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها سوف تحقق لهم جماهيرية تساعدهم على الإقدام على خطوتهم التالية، وعن طريق تلك الفكرة أيضا فإنهم سوف يشتهرون على أنهم أصحاب أفكار جديدة.
 
بعد أن استوثق [[أحمد حسين]] من زميليه من الفكرة. عمل على طرحها على أفراد الشعب ليحظى بتأييدهم لها إذ من الطبيعي أن يسبق كل فكرة جديدة نوع من الدعاية لها، لشرح الغرض منها والفوائد التي تعود على الشعب من جراء اعتناقها من هذا المنطلق أخذ [[أحمد حسين]] يفكر في أساليب الدعاية التي يلجأ إليها لنشر فكرته؛
 
فبدأ يتصل بدور الصحف لتبسط فكرته على صفحاتها، وبالفعل عرض فكرته بعد أن بلورها على '''"[[جريدة الأهرام"''' فرأت فيها فكرة جديدة تستحق الاهتمام من جانبها فقامت بنشرها على صفحاتها. وقد حذت الصحف الأخرى غير الوفدية حذو جريدة الأهرام وأخذت تنشر ما يبعث به [[أحمد حسين]] ورفاقه حول المشروع من نداءات إلى الشعب لشرح أهدافه ومراميه.
   
   
'''<center>بسم الله الرحمن الرحيم</center>'''
ومن ثم لجأ [[أحمد حسين]] لنشر فكرته في أوساط الطلبة بالجامعة والمدارس العليا، فلم يبدأ العام الدراسي حتى بدأ في إقناع الطلبة والأساتذة بالفكرة، فاستجاب لدعوته الكثيرين ، ومن هؤلاء كان الدكتور على إبراهيم '''(باشا)''' الجراح الشهير وعميد كلية الطب في ذلك الوقت والذي تولى رئاسة اللجنة التنفيذية للمشروع، فقد كانت رئاسته لها خيرا وبركة على المشروع على حد تعبير [[أحمد حسين]].
 
وقد تشكلت اللجنة من مجموعة من الأساتذة والطلبة، واتخذت من نادي الجامعة بميدان الأوبرا مقرا لها، وقد ضمت كلا من الدكتور على إبراهيم رئيسا، والدكتور عبد الله العربي الأستاذ بكلية الحقوق، والدكتور على حسن الأستاذ بكلية طب وكيلين، والدكاترة مصطفى مشرفة ، [[عبد الرازق السنهوري]] وعلى بدوى وزكى عبد المتعال والأستاذ أمين الخولى مراقبين. وكل من نعيمه الأيوبي ، كمال الدين صلاح. عبد الخالق فريد، سيد [[فتحي رضوان]].
 
[[أحمد حسين]] ، [[عبد القادر عودة]] ومنير القاياتى عن كلية الحقوق، وعبد الرحمن الصدر ونور الدين طراف وحنا مرقص عن كلية الطب. ويحيى العلايلى ، ومصطفى الوكيل ومصطفى ملوك عن كلية العلوم، وإبراهيم عبده ومحمد زكى عن كلية الآداب ، ومدحت عاصم عن كلية الزراعة، صالح عوضين وحسين حافظ عن كلية التجارة وجميعهم أعضاء.
 
وقد تولى داوود '''(بك)''' راتب أمانة الصندوق، وأسندت أعمال السكرتارية إلى كل من [[أحمد حسين]] وسيد [[فتحي رضوان]] ومدحت عاصم. وبعد أن استتبت الفكرة إلى حد ما ، وبعد أن صار لها هيئة تشرف على تنفيذها واصل [[أحمد حسين]] الدعوة لها، فظل يرسل بالنداءات إلى الصحف عن المشروع.
 
هذا  بالإضافة إلى أنه كان يقوم بنفسه بالدعاية للمشروع، فأخذ يجوب دور السينما ويتولى شرح فكرة المشروع للحاضرين في فترة الاستراحة.وعند هذا الحد من النجاح في الدعوة للمشروع، أدرك [[أحمد حسين]] أنه بحاجة إلى أن يسترشد برأي رجال الاقتصاد وفي نفس الوقت يحظى بتأييدهم لفكرته، فسعى لمقابلة طلعت حرب (باشا) وبسط له فكرته ولكنه لم يلق استحسانا من جانبه لتلك الفكرة.
 
ولكن عندما تولى على إبراهيم رئاسة اللجنة التنفيذية للمشروع تغير موقف طلعت حرب تماما وأبدى استعداد بنك [[مصر]] لتقديم أية تسهيلات ممكنة.
 
وفى ذلك الوقت أيضا ظهرت موجة لتشجيع المشروع بين المجلات والصحف المصرية، فقد عرضت '''" دار الهلال"''' أن تصدر عددا من مجلتها '''" الدنيا المصورة"''' يتناول المشروع وفكرته على أن يخصص دخله لصالحه، فأعد [[فتحي رضوان]] الجزء ألأكبر من مادة هذا العدد وراح يتصل بكبار الشعراء والكتاب ومنهم حافظ إبراهيم وخليل مطران وعباس محمود العقاد وأبو بثينة، وأحمد لطفي السيد وفكري أباظة وإبراهيم عبد القادر المازني وطه حسين ومحمد حسين هيكل فحصل على قصائد لهم ومقالات تدعو إلى تأييد المشروع .
 
وكما ضم ذلك العدد عديدا من المقالات لعديد من الكتاب الآخرين من بينهم [[أحمد حسين]] وحافظ محمود. وقد لقي هذا العدد نجاحا كبيرا ساهم الطلبة بجهد كبير فيه، وحقق دخلا للمشروع بلغ ثلاثمائة من الجنيهات بعد أن حصلت دار الهلال على تكاليفه.
 
وقد أصبح ذلك المبلغ نواة لرأس مال المشروع ويمكن الصرف منه على الخطوات التنفيذية التالية.فأودع ذلك المبلغ في بنك [[مصر]] باسم المشروع، وكان حق السحب منه مكفولا لعلى باشا إبراهيم مع أستاذ آخر من أعضاء اللجنة التنفيذية.
 
استمرت حملة الدعاية للمشروع تظهر على صفحات الصحف، فوجهت نداءات إلى الطلبة والعمال والفلاحين وإلى السيدات وإلى الفقراء والأغنياء ، وقد اكتسبت الداعية شكلا تنظيميا فكل النداءات كانت تصدر عن اللجنة التنفيذية للمشروع، وأصبحت الدعاية له تغمر [[مصر]] كلها في ظل شعار جديد اتخذته اللجنة التنفيذية هو " تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي" فأخذت الدعوة طريقها إلى كل فئات الشعب.
 
وقد تحدد يوم أول [[فبراير]] عام [[1932]] موعدا لبدء الاكتتاب للمشروع في الشهر وعلى أن يبدأ في الأقاليم في الفترة من 4- 29 [[فبراير]] من نفس العام. وفى هذا الشأن وجه [[أحمد حسين]] باعتباره السكرتير العام للجنة المشروع بيانا إلى الأمة استهله بقوله '''" ساهموا بقروشكم في بناء استقلالنا الاقتصادي"''' مستخدما أسلوب الترغيب في التبرع للمشروع تارة وأسلوب الترهيب تارة أخرى بقوله '''" لا يفكر شخص في الامتناع عن شراء طوابع القرش فالمتطوعون مكلفون بالتعرض لكل شخص لا يحمل طابع المشروع، والمتطوعون ألوف وأذن فخير لك أن تدفع"'''.
 
أما عن موقف القوى السياسية من المشروع، فعلى الرغم من النجاح المذهل الذي حظيت به فكرة المشروع وانتشار دعوته بين كل طبقات الأمة. إلا أن [[حزب الوفد]] رأى في المشروع صرفا للشباب من جماهيره عن حزبهم، هذا بالإضافة إلى أنه اعتبر المشروع مؤامرة جديدة ودسيسة يراد بها صرف الشباب عن قضية البلاد الحقيقية ، ولابد وأن يكون [[أحمد حسين]] أحد صنائع إسماعيل صدقي.
 
ونما إلى علم النحاس '''(باشا)''' أن المشروع بدأ يلاقى نجاحا كبيرا فشكلت له لجنة من بين طلبة الجامعة والمدارس العليا برئاسة على إبراهيم '''(باشا)''' . عند هذا الحد بدأ القلق يساور النحاس '''(باشا)''' في المشروع واعتبره محاولة لاستقطاب جماهير الوفد من الشباب، فأوعز إلى لجنة الطلبة المركزية الوفدية أن تحارب المشروع وبناء على موقف النحاس من المشروع نشرت جريدة " الجهاد الوفدية"''' بيانا لطالب وفدى يهاجم فيه المشروع والقائمين عليه".
 
ولكن موقف الوفد سرعان  ما تغير عندما اجتمعت كل طوائف الشعب على تأييد الفكرة ، فبدأت جماهيره تنصاع لفكرة المشروع وتعتنقها، وجاء اليوم المحدد للتبرع فأخذ [[أحمد حسين]] على عاتقه مقابلة النحاس '''(باشا)''' والحصول على تبرعه للمشروع، فتوجه إليه بمنزل في [[مصر]] الجديدة وحصل على تبرعه الذي بلغ اثنين وعشرين جنيها، كما التقى  عنده بكل من مكرم عبيد و[[النقراشي]] وحصل على تبرعهما أيضا.
 
وقد كانت قيمة ما دفعه النحاس وأعضاء الوفد المعنوية أكثر بكثير من قيمته المادية، فهو يعنى رضاء الوفد عن المشروع ويوضح قوميته بعيدا عن الخلافات الحزبية التي كانت مستعرة الأوار في [[مصر]] في ذلك الوقت.
 
أما عن موقف وزارة صدقي من المشروع فقد كان ينم عن التأييد للمشروع ، وإن كان حلمي عيسى وزير المعارف قد تصدى له في أول الأمر، ولكن صدقي أصدر إليه تعليماته بأن يكف نهائيا عن كل معارضة للمشروع، وأن يقدم له كل تسهيلات ممكنة؛
 
فقد رأى صدقي في المشروع رافدا من الروافد التي تسعى إلى تفريج حدة الأزمة الاقتصادية، وكانت لجنة المشروع تعلن دائما أنها تعمل بوحي من وطنية القائمين عليها بعيدا عن الخلافات الحزبية، فأرضى ذلك صدقي، ومن ثم أخذت جميع دوائر الحكومة تقدم للمشروع كل التسهيلات الممكنة. وهكذا حظي المشروع بتأييد الأمة كلها حتى أن بعض الأجانب المقيمين ب[[مصر]] أبدوا تعضيدهم للمشروع وتبرعوا له كالوطنيين سواء بسواء.
 
كذلك تبرع موظفو حكومة [[السودان]] من المصريين في أعلى النيل. وفى يوم 11 [[فبراير]] من نفس العام أقيم مهرجان ضخم للمشروع بحديقة الأزبكية حضره ما يربو على العشرين ألف من المواطنين ، قدمت فيه بعض المشاهد المسرحية والغنائية وغيرها، واشترك فيه معظم فناني [[مصر]]. وأدرك [[أحمد حسين]] في ذلك الوقت بأن هذه الروح التي سادت المهرجان هي روح [[مصر الفتاة]] التي ينشدها منذ سنين.
 
بلغت حصيلة التبرعات في ا لعام الأول للمشروع مبلغ '''(17332)''' جنيها. وقد كان هذا المبلغ مخيبا لآمال [[أحمد حسين]] الكبار، فقد أتضح أن الريف المصري كان أعجز عن دفع قروش معدودة ، ولعل هذا يوضح مدى حدة الأزمة الاقتصادية في عام [[1931]] نتيجة لانخفاض أسعار القطن بشكل رهيب.
 
وبعد ذلك جرى التفكير في الخطوة التالية، فتشكلت جمعية القرش طبقا لقانون الجمعيات فتولى رئاستها على (باشا) إبراهيم وضمت عضويتها كل من فؤاد '''(باشا)''' أباظة مدير الجمعية الزراعية الملكية، ومصطفى '''(بك)''' الصادق مدير مصلحة الصناعة والتجارة، وعبد الله فكرى أباظة مدير إحدى شركات بنك [[مصر]]، وحسن مختار رسمي وكيل وزارة المالية، وقد تولى [[أحمد حسين]] أعمال السكرتارية للجمعية وكذلك تم تسجيلها. 
 
وبعد أن تكاملت للجمعية أسباب وجودها، فقد اكتسبت الصبغة القانونية للجمعيات وأصبح لها مجلس إدارة يضم إدارة عددا من الفنيين، في ذلك الوقت بدأ التفكير يتجه نحو تحديد نوع المنشأة الصناعية التي ستقوم الجمعية بإنشائها، فقر الرأي على إقامة مصنع للطرابيش .
 
وقد قامت هذه الصناعة في [[مصر]] من قبل، فكان إسماعيل '''(باشا)''' عاصم قد أنشأ مصنعا للطرابيش في '''"قها"''' ولكن الشركة النمساوية التي كانت تورد الطرابيش ل[[مصر]] حاربته وخفضت الأسعار إلى أقصى درجة ممكنة، وعندما لم يستطع المصنع المصري التصدي للمنافسة أغلق أبوابه، إذ لم تكن الحماية الجمركية قد عرفت في [[مصر]] بعد. وترجع أهمية الإشارة إلى ذلك المصنع أن العمال الفنيين اللازمين للمصنع الجديد المقترح يمكن الحصول عليهم من بين من عملوا في مصنع قها من قبل.
 
وقد أجريت دراسة مبدئية حول إمكانية إقامة المصنع في حدود المبلغ المجموع من حصيلة الاكتتابات في العام الأول. قدمت حكومة إسماعيل صدقي قطعة الأرض لإقامة المصنع بناحية '''" العباسية"''' دون مقابل، كذلك كلفت الحومة مهندسي مصلحة المباني وخبراء مصلحة الصناعة والتجارة ومصلحة الكهربا، بتقديم كل مساعدة ممكنة لإتمام عملية البناء طبقا للرسوم التي وضعتها شركة '''" هارتمان"''' الألمانية التي تم التعاقد معها لتوريد آلات المصنع بكاملها. وهكذا تكاملت للمشروع كل أسباب النجاح، فاتصلت الجمعية بمحمد (بك) حسن العبد المقاول ليتولى عملية البناء وقد تنازل عن مبلغ ألف جنيه من قيمة المباني تبرعا من جانبه للمشروع.
 
لم تتبلور عملية إقامة مصنع الطرابيش دون عقبات فقد مرت بمؤامرات كثيرة، منها محاربة الشركة التشيكوسلوفاكية التي كانت تقوم بتوريد الطرابيش إلى [[مصر]]، فقد تدخلت لدى إسماعيل صدقي كي يرفض المشروع من جانب الحكومة، وكذلك تدخلت لدى شركة" هارتمان" لفسخ العقد المبرم بينها وبين جمعية القرش، ومنها محاولتها رشوة [[أحمد حسين]] للتخلي عن المشروع، ومنها ما أبداه طلعت حرب عندما عرضت عليه فكرة إقامة المصنع من تعذر إقامته بعد دراسات قام بها بنك [[مصر]].
 
وكان البنك ينظر إلى المشروع نظرة رأسمالية بحتة تنصب على مدى ما يمكن أن يحققه المصنع من أرباح، ولكن كان [[أحمد حسين]] ينظر إليه على أنه تحقيق لإرادة أمة تريد النهوض بصناعاتها الوطنية، وقد جعلته كل تلك المحاولات والصعاب أكثر إصرارا على تنفيذ المشروع وإقامة المصنع.
 
وفى العام الثاني للمشروع ، أدرك [[أحمد حسين]] أنه لكي يحافظ على حماسة الجماهير له فلابد وأن يروا ثمرة عاجلة لقروشهم التي دفعوها في العام الماضي، فانتهز فرصة وضع حجر الأساس للمصنع وألقى خطابا طالب فيه بالمزيد من الجهود لجمع الاكتتاب ، ولكن موجة الحماسة للمشروع كانت قد فترت بعض الشيء فلم تسفر عملية الاكتتابات في ذلك العام إلا عن مبلغ ثلاثة عشر ألفا من الجنيهات، وإن كانت الخبرة والتنظيم قد عوضت إلى حد ما نقص الحماسة للمشروع. وأقيم مهرجان القرش الثاني في حديقة الأزبكية.
 
وفى نهاية عام [[1933]] تم إنشاء المصنع وتركيب الآلات وبدأ الطربوش المصري يطرح في السوق ابتداء من 15 [[ديسمبر]] [[1933]]. وبدأ المصنع في الإنتاج بطاقة إنتاجية قدرت بثلاثمائة ألف طربوش في العام.
 
وقد ضم المصنع فيما بعد إلى جانب إنتاج الطربوش غزل الصوف، وشارك في أثناء [[الحرب العالمية الثانية]] في توريد غزل الصوف إلى وزارة الحربية. وتوريد القلنسوات لسلاح الفرسان الملكي والطرابيش لجنود حرس الحدود.
 
وهكذا كانت إقامة المصنع وطرح إنتاجه من الطرابيش المصرية يعد تتويجا لجهود [[أحمد حسين]] وزملائه في هذا المجال ، ودليلا واضحا على رغبة المصريين في تحرير اقتصادهم من ربقة الاستعمار وإن كان ذلك قد تم في ظروف اقتصادية عصيبة مرت بها البلاد.
 
وقبل أن يتم بناء المصنع، كان [[أحمد حسين]] ورفاقه قد تعرضوا لهجوم سافر من جانب الوفد، فألفت جماهيره المظاهرات منادية بسقوط [[أحمد حسين]] " حرامي القرش" فقد اتهموه باختلاس أموال المشروع، وكان يبدو أن الوفد يسعى لإعادة الشباب من جماهيره إلى حظيرته بعد أن شد المشروع كل اهتمامهم؛
 
وكذلك خشي الوفد أن يستقطب [[أحمد حسين]] جماهيره ويضمهم إلى صفه، خاصة وأن الوفد في ذلك الوقت كان يمر بفترة عصيبة تحت وطأة مطرقة صدقي التي سلطها عليه، فلا نشاط ولا اجتماعات لجماهيره، فلجأ إلى هذا الأسلوب في مهاجمة [[أحمد حسين]]، وإزاء هذا الهجوم استقال [[أحمد حسين]] من سكرتارية جمعية القرش متخذا من تصرفات الوفد حياله تكأة كي ينفذ خطوته التالية التي ظل يسعى للوصول إليها، فأعلن قيام جمعية [[مصر الفتاة]] في 21 [[أكتوبر]] [[1933]]، وتولى سكرتارية المشروع من بعده كمال الدين صلاح.
 
اعتبر على (باشا) إبراهيم استقالة [[أحمد حسين]] من جمعية القرش خسارة كبيرة لها، فأراد أن يعيده إلى صفوفها مرة أخرى فوجه إليه خطابا جاء فيه '''" لما كان المجلس حريصا على ألا تحرم الجمعية من جهودكم وخبرتكم فقد قرروا إشراككم في لجنة تنظيم الاكتتاب هذا العام"'''.
 
وقد استجاب [[أحمد حسين]] لهذا القرار وعاد يزاول نشاطه في إطار الجمعية من جديد، إلا أن سلطات البوليس اقتحمت مبنى الجمعية وفضت اجتماعا كان منعقدا بها في عهد وزارة عبد الفتاح يحيى التي جاءت بعد صدقي وإزاء هذا الموقف أوضح [[أحمد حسين]] لمجلس إدارة الجمعية أن انضمامه إليها لن يفيد الجمعية بقدر ما يسيء إليها، وطلب إعفاءه من منصبه فيواصل نشاطه في جمعية [[مصر الفتاة]] التي أنشأها . وهكذا انقطعت صلته تماما بجمعية القرش.
 
وعلى الرغم من أن أحمد حسن قد أعفى من منصبه في جمعية القرش، فقد ظل بعض أعضاء جمعية [[مصر الفتاة]] الناشئة يعملون في المشروع، وجاء وقت الاكتتاب للعام الثالث [[1934]]، فاستمر الوفد في مهاجمة المشروع لبقاء بعض أعضاء [[مصر الفتاة]] من بين المسيطرين عليه؛
 
فشكل في ذلك الوقت لجانا لمقاطعة المشروع لأنه أصبح أداة في يد جماعة سياسية غير مرغوب فيها '''(يقصد جمعية [[مصر الفتاة]])''' وقد ارتاب الوفد في جمعية [[مصر الفتاة]] منذ البداية واعتبرها دسيسة عليه وعلى الشباب، فأصدر تعليماته إلى الطلبة من جماهيره بأن يرفعوا العرائض إلى على '''(باشا)''' إبراهيم يطالبونه بإقصاء أي عضو من أعضاء [[مصر الفتاة]] بعيدا عن المشروع.


==مقدمة==
لم ير على '''(باشا)''' إبراهيم ما يجعله يستجيب لمطالب الشباب الوفدي، فنشرت جمعية القرش بيانا نفت فيه صلتها بأية هيئة سياسية، إلا أن الوفد لم يقتنع بذلك، فطالب أحد محرري جريدة '''" كوكب الشرق"''' الوفدية على إبراهيم نفسه بأن يستقيل من رياسة المشروع وأن يترك الموقف من جانب [[حزب الوفد]] ومن جماهيره من المشروع وحثهم الجماهير الأخرى على عدم المشاركة في التبرع. جاءت حركة الاكتتاب في ذلك العام خلوا من أي حماس من فلم يزد المبلغ المجموع عن ثلاثة آلاف من الجنيهات.


ظهرت حركة [[مصر الفتاة]] في المجتمع المصري في الثلاثينات من القرن العشرين، وكان ظهورها معاصرا لتيارات فكرية معينة وفدت من أوربا بعد أن انتشرت بها في تلك الفترة وما سبقها، وكان لها صداها المسموع في [[مصر]] ، فتألفت جمعية [[مصر الفتاة]] برئاسة [[أحمد حسين]] في خريف عام [[1933]] محاولة بهذا التيار الفكري وباستخدام أساليبه التي اتخذها في مجال تطبيق أفكاره.  
وعلى أثر النجاح الذي حققه مشروع القرش في [[مصر]] ، فقد سرت فكرته بين الدول العربية فقد قام الشباب في [[العراق]] بمشروع '''" الفلس"''' ومن ثم انتقلت فكرته إلى [[السودان]] فقاموا بمشروع القرش هناك لإنشاء المستشفيات والملاجئ، كما انتقلت الفكرة إلى بلاد الحجاز فأيقظت حيوية الشباب هناك، ففكروا في مشروع خيري يخدمون به بلادهم، فقرروا القيام بمشروع القرش على المنوال الذي قام في [[مصر]]، وتقدموا بطلب إلى حكومتهم للسماح لهم بذلك فوافقت. وفى [[مصر]] فقد انتشرت الفكرة بصورة أخرى فألف أحمد كامل قطب المحامى '''" جمعية القرى"''' لمحاربة الأمية في البلاد.  


وفى حقيقة الأمر ، فإن هذه التيارات الفكرية التي انتشرت في أوربا واعتمدت على عنصر الشباب بحماسته المتدفقة وسرعته في التأثير والإيمان المطلق بفكرها الذي أرادت أن تنشره، وهى أفكار جديدة كانت غير مألوفة ولا مستخدمة في ذلك الوقت، فقد لجأت بعض الدول الأوربية للأخذ بهذه الأفكار حتى يتاح لها استعادة وضعها السابق وتجديد شباب دولها عن طريق الشباب وحماسته؛
اتخذ [[أحمد حسين]] من مشروع القرش خطوة تمهيدية توصله إلى غايته التي ينشدها منذ آمن بمجد [[مصر]] والعمل على بعثه، وفى الحقيقة فإن [[أحمد حسين]] قد كسب شهرة قومية عن طريق المشروع، وكسب أيضا أنصارا وأعوانا وخبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري سهلت له القيام بخطوته التالية ، فما أن تخرج في كلية الحقوق حتى طالبه زملاؤه بخطوته التالية التي وعدهم بها من قبل وهى تأليف جمعية [[مصر الفتاة]] .


وربما كان الإخفاق والهزيمة القاسية التي منيت بها ألمانيا في [[الحرب العالمية الأولي]] دافعا لها للتغني بمبدأ سيادة العصر الجرماني، وهى دعوة عنصرية عرقية لعلها مرتبطة بناحية نفسية طبيعية تصاب بها أية كيانات عندما تتعرض لهزة عنيفة، وليس هناك أقوى من رد فعل الحرب وظروفها على المجتمعات المختلفة.  
ومن ثم أعد برنامجها وأعلن قيامها في 21 [[أكتوبر]] [[1933]].وهكذا تألفت جمعية [[مصر الفتاة]] بعد أن مرت فكرة تأليفها بالمراحل السابقة، وعلينا أن نتابع تطور تلك الجمعية حتى نهاية فترة البحث.  


هيأت ظروف الحرب التي تعرضت لها تلك الدول الفرصة لظهور أنظمة سياسية تنادى بضرورة بعث مجد روما في إيطاليا وسيادة العنصر الجرماني في ألمانيا، وقد استطاعت تلك النظم الأوربية في فترة وجيزة أن تحقق نجاحا منقطع النظير في الوصول إلى تحقيق الغايات التي كرست نفسها من أجلها، فتمثل ذلك في النجاح الذي حققه موسولينى في إيطاليا بعد استيلائه على السلطة في عام [[1922]] حيث نهض بإيطاليا نهضة اندهش لها الشرق والغرب معا في ذلك الوقت .
==الفصل الثالث: تطور [[مصر الفتاة]]==


كذلك استطاع هتلر أن يقفز إلى السلطة في عام [[1933]] وأن يعيد لألمانيا جزءا من هيبتها بعد أن مزقت [[الحرب العالمية الأولي]] أوصالها، فكان ذلك النجاح الذي شهدته هاتان الدولتان في ظل أنظمة حكم ديكتاتورية تقوم على الفرد كما تقوم على طبيعة عسكرية استخدمت قوتها في الوصول إلى الحكم وتغيير شكل المجتمع ، كانت مثار إعجاب من معظم دول العالم، إلى الحد الذي رأت فيها بعض الدول والشعوب نماذج تحتذي.
:#[[1933]]-[[1941]]
:#جمعية [[مصر الفتاة]] [[1933]]
:#حزب [[مصر الفتاة]] [[1937]]
:#[[الحزب الوطني]] الإسلامى [[1940]]  


انتشرت موجة الإعجاب بم حققته تلك الأنظمة السياسية في معظم دول العالم، وكان له صداها المسموع في [[مصر]]، فظهرت بها تجمعات سياسية أعجبت بتلك الأنظمة وبما حققته من منجزات لدولها، فكان منها جمعية [[مصر الفتاة]] وجماعة [[الإخوان المسلمين]] والحزب الديمقراطي وحتى [[حزب الوفد]] الحزب الشعبي الجماهيري الذي يؤمن ب[[الديمقراطية]] إيمانا مطلقا، تعرض في فترة من الفترات للأخذ بأساليب تطبيق تلك الأفكار فلم يستطع أن يقاوم موجة الإعجاب بتلك الأنظمة الأوربية.  
يعالج هذا الفصل تطور جمعية [[مصر الفتاة]] في ضوء الظروف والملابسات التي مرت بها ، فليس من شأنه أن يعالج موقف [[مصر الفتاة]] من القوى السياسية القائمة أو موقف تلك القوى منها، وإنما يركز على إبراز الملابسات والظروف التي سبقت كل تطور مرت به الجمعية وكذلك اللاحق منها.


وعلى الرغم من أهمية دراسة حركة [[مصر الفتاة]] ودورها في [[السياسة]] المصرية كحركة سياسية ذات اتجاهات إصلاحية ترمى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات وعناصر الشعب المختلفة، إلا أنه كان دون ذلك عدة محاذير تمنع من دراستها والتعرض لها؛
كان ظهور جمعية [[مصر الفتاة]] كتطور طبيعي وكنتاج حقيقي لما سبقها من نشاط ل[[أحمد حسين]] وزملاءه. مضافا إليهم من أبلوا بلاءا حسنا في مشروع القرش.


فمنها أن معظم قادة تلك الحركة وأعضاؤها ما زال معظمهم على قيد الحياة، ومنها أن معظم وثائق تلك الفترة ما زالت في بطون الأرشيفات المصرية المختلفة والتي لم يكشف النقاب عنها حتى الآن، وهى تشكل المادة الأصلية لدراسة هذه [[الأحزاب]] والجماعات السياسية، ومنها أن دراسة هذه الموضوعات المعاصرة دونه صعوبات كثيرة، ومتعددة.
وقد اتخذت الجمعية من مجلة الصرخة التي سبق أن أصدرها [[أحمد حسين]] عام [[1930]] لسان حالها لتعبر عن أفكارها التي تلخصت في ضرورة العمل لبعث مجد [[مصر]] القديم فكانت


وفى نفس الوقت الذي كانت تلك المحاذير تمنع دراسة الموضوع فقد كان بعضها عاملا مشجعا في نفس الوقت لدراسته، فإن زعماء الحركة وقادتها الأحياء يضيفون أبعادا جديدة وتفسيرات معينة للأحداث المختلفة التي مرت بها الحركة، كما أن التقاء المؤرخ بالشخصيات التي يؤرخ لها والتي شاركت في الحياة السياسية يضيف أبعادا جديدة أيضا إلى تصوره للموضوع ولشخصية القائمين بالحركة التي يعالجها دراسته؛
:" [[مصر]] التي علمت الإنسانية وأضاءت على العالمين، [[مصر]] التي رفعت لواء الأديان جميعا وأعلت كلمة الله و[[الإسلام]]، [[مصر]] مركز العالم وزعيمة الشرق بعد أن طهرتها الآلام وصقلتها المحن، لن تموت أبدا بل ستبعث من جديد، لتعيد سيرتها الأولى منارة للعالم وتاجا للشرق وزعيمة للإسلام" وقد اتخذت الجمعية شعارا لها '''" الله. الوطن. الملك"'''


فالوثائق والمؤلفات ومختلف المصادر تعطى مادة جامدة على المؤرخ أن يحاول تحليلها وتفسريها، أما مناقشة الموضوعات مع من شاركوا في أحداثها ربما أعطت صورة أوضح لتفسيرها وتحليلها، ومن هذا المنطلق كان بقاء معظم قادة وأعضاء الحركة أحياء عاملا مشجعا على دراستها.
'''وجعلت غايتها '''


أما لماذا تم اختيار ذلك الموضوع وتحديده بالفترة الزمنية المذكورة؟ فإن ذلك راجع إلى أن الحركة الوطنية المصرية قد حظيت ببعض الدراسات العلمية التي قام بها بعض المؤرخين والمهتمين بتاريخ [[مصر]]، وعلى الأخص الدراسة التي قام بها الدكتور عبد العظيم رمضان في رسالتيه للماجستير والدكتوراه والتي تعرض فيهما لدراسة حركة [[مصر الفتاة]] كرافد من روافد الحركة الوطنية وقد اعتبره رافدا معاديا للخط الوطني الذي سلكته الجماهير؛
:" أن تصبح [[مصر]] فوق الجميع إمبراطورية عظيمة تتألف من [[مصر]] و[[السودان]] وتحالف الدول العربية وتتزعم [[الإسلام]]"


كذلك قام أحد المؤرخين الأمريكيين بدراسة بعنوان '''" حزب [[مصر الفتاة]] والقومية المصرية في الفترة من [[1933]]- [[1945]]"''' لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث من جامعة '''" متشجان"''' بالولايات المتحدة الأمريكية عالج فيه الحركة معتمدا أساس على الدوريات المختلفة وبعض الكتابات عنها وأن لم يرجع إلى المصادر الأصلية التي كان متاحا الاطلاع عليها فيما يختص بالموضوع سواء كانت الوثائق العربية أو الوثائق البريطانية؛
وهى من أجل تحقيق تلك الغايات فهي في حاجة إلى دم الشباب من الجيل الجديد، فعلى جنود [[مصر الفتاة]] تقع تبعة المجد القديم.أعد [[أحمد حسين]] برنامج الجمعية على الأسس السابقة، وضمنه برنامجا إصلاحيا شاملا شمل مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والخلقية، وذكر أن وسيلته لتحقيق هذا البرنامج هي الإيمان والعمل ، والإيمان به والعمل على تنفيذه؛


ولكنه لم يفعل واقتصر على أرشيف الخارجية الألمانية الذي صور ونقل إلى أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية ، وفى اعتقادي أنه لا يضم من الوثائق عن تاريخ [[مصر]] إلا القليل ، فإذا كان الموضوع [[مصر الفتاة]] فهو أقل القليل، ولكن على العموم جاءت دراسته إضافة جديدة لتاريخ [[مصر]] وكان له فضل الريادة في هذا المجال.  
كما أعد للجمعية قانونها النظامي، الذي أوضح فيه شروط العضوية ودرجاتها المختلفة، ووضع نظاما دقيقا للتشكيلات شبه العسكرية التي تعد نواة الجمعية، وجعل السلطة العليا للإشراف  على مختلف شئون الجمعية وأنشطتها لمجلس مكون من خمسين عضوا من أعضائها المؤسسين هو '''" مجلس الجهاد"''' وقد حدد القانون مختلف التفاصيل لتكوين الهيكل التنظيمي للجمعية الذي سيكون موضوع الفصل التالي.  


وإزاء ما أورده الدكتور [[عبد العظيم رمضان]] واعتبر فيه [[مصر الفتاة]] حركة معادية للخط الوطني ودراسة '''"جان كوفسكى"''' لحركتها مع عدم استناد وبيان مختلف جوانبه في ضوء المادة الأصلية المتاحة من الوثائق العربية والأجنبية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن دراسة [[مصر الفتاة]] كحركة ظهرت في المجتمع المصري رأى فيها البعض تعبيرا عن تيار فكرى وفد من أوربا واعتنقه أفرادها وحاولوا نشره وتطبيق أفكاره في [[مصر]]؛
قوبل إنشاء جمعية [[مصر الفتاة]] بإعراض تام وبتشكك واضح في جانب كل القوى السياسية في ذلك الوقت، فقد اعتبرها الوفد دسيسة عليه لاستقطاب جماهيره من الشباب، فصرح النحاس(باشا) أن على الوفد أن يحارب [[أحمد حسين]] وجماعته وذلك لتشكيك النحاس في هويتها، كما راعه أن تكون الجمعية قادرة على إصدار مجلة وافتتاح مكتب لها ب[[القاهرة]] وآخر ب[[الإسكندرية]] ، وساوره الشك في مصدر المال اللازم لهذا النشاط فربما كانت أموال مشروع القرش أو أن السراي هي التي تمدهم بالمال.


كان ذلك في حد ذاته هو الدافع الأساسي لي للقيام بتلك الدراسة وبيان مدى صحة ذلك وهل كانت [[مصر الفتاة]] في حقيقة أمرها تعبيرا عن ذلك التيار الفاشي الذي حقق نجاحا ملحوظا في أوربا في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين؟ ولعل فصول هذا البحث تجيب على هذا السؤال.  
وقد اعتبرها البعض رافدا من روافد [[الحزب الوطني]] وأنها ثمرة جهود كل من حافظ رمضان وعبد الرحمن الرافعي. وذكر البعض الآخر أن عبد الحميد سعيد رئيس جمعية الشبان المسلمين هو المسئول عن ظهورها.  


أما عن تحديد الموضوع بالفترة الزمنية فيما بين سنتي [[1933]]، [[1941]]، فالتاريخ الأول هو التاريخ الذي أنشأ فيه [[أحمد حسين]] جمعية [[مصر الفتاة]] كتطور طبيعي '''" لمشروع القرش"''' فأعلن قيامها في 21 [[أكتوبر]] [[1933]]، فهي بداية ل[[مصر الفتاة]] كحركة سياسية إصلاحية في المجتمع المصري.  
أما القصر فقد تجاهل تلك الحركة تماما، فبعد أن رفع [[أحمد حسين]] برنامجه للقصر، لم يبد في الأفق أي رد فعل على الرغم مما احتواه البرنامج من تأييد مطلق للملكية ولشخص الملك.  


أما التاريخ الثاني فهو التاريخ الذي أجهضت فيه الحركة تماما في فترة [[الحرب العالمية الثانية]]، وعلى وجه التحديد بعد أن أسفرت الحركة عن عدائها السافر وكشفت النقاب عن وجهها الصحيح ضد [[الإنجليز]]، وقد تمثل ذلك في تأييدها لحركة رشيد عالي الكيلانى في [[العراق]] في [[مايو]] [[1941]]  
ولكن جريدة القصر '''" الليبرتية"''' نشرت رسما '''" كاريكاتوريا"''' سخر من [[حافظ رمضان]] ومن فلاس '''" القمصان الخضراء"''' التي أوجدتها [[مصر الفتاة]] ولعل هذا يوضح موقف القصر من الجمعية وكيف ربطها ب[[الحزب الوطني]] واعتبرها رافدا من روافده.


فكان ذلك في حد ذاته مبررا كي تشتد السلطات الإنجليزية في [[مصر]] في معاملتها وإصدار الأوامر باعتقال رئيسها ومعظم أعضائها وبذلك تجمد نشاطها تماما فلا حزب ولا أعضاء ولا جريدة، ولا نشاط من أي نوع لهذه الحركة خلال الفترة الباقية من الحرب تقريبا حتى استعادت نشاطها من جديد في خريف عام [[1944]]. ولعل التاريخ الذي اتخذناه نهاية لمرحلة الدراسة يعد نهاية للحركة ولتطورها في مرحلة معينة.  
أما [[الإنجليز]] فقد راعهم موقف الجمعية المعادى لهم خاصة وللأجانب بصفة عامة، فاتخذوا موقف المراقبة والتريث لما يمكن أن تأتى به الأيام، وإن كان قد تأكد لديهم أن الجمعية موالية لإيطاليا وتتلقى إعانات مالية منها.  


أما عن دراسة هذه الحركة كأحد الكيانات السياسية التي شاركت بدور فعال في الحركة الوطنية المصرية في تاريخ [[مصر]] المعاصر، تعد دراستها بل دراسة التاريخ المعاصر على وجه العموم دراسة شاقة تتطلب المزيد من الجهد والجرأة في التصدي لموضوعات ما زالت حية في أذهان الجماهير بل ربما شاركوا في أحداثها بنصيب، فمن هنا تأتى صعوبة دراسة هذه الموضوعات المعاصرة.  
فبدأ يساورهم القلق بدرجة كبيرة فلم يدم موقف المراقبة والتريث طويلا، فبدأت السلطات الإنجليزية في [[مصر]] تسعى لإجهاض تلك الحركة، وقد قام '''" كين بويد"''' مدير الإدارة الأوربية بوزارة الداخلية بالدور الأكبر في محاربة تلك الجمعية، فتعرضت لكثير من الاتهامات التي أسفرت عن إجراء تحقيقات وقضايا لفقها القلم المخصوص بالداخلية .  


هذا فضلا عن أن معظم وثائق هذه الفترة المعاصرة ما زالت لم يكشف النقاب عنها بعد. وعلى الرغم من تلك الصعوبات فقد أمكن التوصل إلى عديد من المصادر والوثائق التي تلقى أضواء ساطعة على حركة [[مصر الفتاة]] وبيان الجوانب المختلفة في حركتها وكفاحها خلال فترة البحث وما بعدها.
وفى ظل تلك الظروف كان ظهور جمعية [[مصر الفتاة]]، فالقوى السياسية المؤثرة لا ترضى عنها بل ومتشككة فيها، فكان أن جاءت نشأتها في ظروف صعبة، فلما بدأت في ممارسة نشاطها كانت لها كل القوى بالمرصاد، فلم تسمح الحكومات المختلفة في البداية أن تقوم بعقد اجتماعاتها العامة التي تتيح لها نشر أفكارها على المواطنين؛


'''وقد اعتمد هذا البحث على المصادر الآتية وهى:'''
فقد كانت تلك الحكومات تصادر اجتماعاتها وتمنع عقدها، ولعل في إلقاء نظرة على عدد أعضاء الجمعية في فترة السنوات الثلاث التالية لنشأتها ما يؤكد هذا المعنى، فقد قدر عدد أعضاء الجمعية العمومية التي كانت تعقدها الجمعية سنويا في ساحة الهرم بثلاثين عضوا في عام [[1934]]، وخمسين عضوا في عام [[1935]] وتسعين عضوا في عام [[1936]]. وهذه الأرقام تمثل عدد أعضائها في [[القاهرة]] وإن كان هناك أعداد تماثلها أو تقل عنها قليلا في شعبها بالأقاليم"؟


:وثائق دار القضاء العالي المحفوظة بالمتحف القضائي ومنها قضية الاعتداء على النحاس باشا من جانب عز الدين عبد القادر عضو مجلس جهاد [[مصر الفتاة]] في 28 [[نوفمبر]] [[1937]]، وترجع أهمية هذه القضية في معالجة الموضوع لأنها ضمت مختلف الأوراق والتقارير التي قدمت عن حركة [[مصر الفتاة]] منذ نشأتها عام [[1933]] وحتى وقوع الحادث في عام [[1937]]، كما أنها ضمت محاضر التحقيق والتفتيش وقرار الإحالة المقدم من النيابة العمومية والمرافعة والحكم في القضية ومجموعة كبيرة من أوراق [[مصر الفتاة]] الخاصة وتتكون من ثلاث محافظ كبيرة هي الأحراز في القضية.


:كما كانت مجموعة وثائق عابدين المحفوظة بدار الوثائق القومية ذات أهمية قصوى لهذا البحث، فقد ضمت تقارير الأمن العام عن جمعية وحزب [[مصر الفتاة]] في الفترة من [[1933]]-[[1942]] ، وكذلك بعض التقارير السياسية إلى جانب تقارير البوليس المخصوص بالسرايات الملكية في الفترة من [[1933]]-[[1941]]، هذا فضلا عن مجموعة وثائق عن الانقلابات الدستورية في [[مصر]] في الفترة من [[1924]]-[[1935]].
وعلى الرغم من أن الجمعية لم تحرز نجاحا في كسب جانب يعتد به من الجماهير، فقد كانت دائمة السعي لتحقيق هذا الهدف، فكانت تلجأ إلى إجراء تنظيمات داخلية علها تساعدها في هذه الناحية ، فعندما تولت وزارة توفيق نسيم الحكم في خريف عام [[1934]] وأعلنت أنها ستطلق الحريات السياسية، بعد الكبت الطويل الذي عانت منه البلاد منذ عهد صدقي عام [[1930]]؛


:كما استطعت الحصول على وثائق الخارجية البريطانية وتضم مجموعة تقارير المندوب السامي أو السفير البريطاني إلى وزارة الخارجية البريطانية خلال الفترة وهى تقدم الكثير لهذا البحث كما هو وارد في صفحاته المختلفة.  
استغلت [[مصر الفتاة]] هذا التصريح من جانب وزارة نسيم فطرحت استمارات عضوية جديدة وطالبت الأعضاء بضرورة تحريرها حتى تصبح عضويتهم للجمعية قائمة. وعلى الرغم مما تمتعت به [[مصر الفتاة]] من حرية إلى حد كبير في عهد تلك الوزارة إلا أن عدد أعضائها لم يزد عما ذكرنا سابقا، ولعل ذلك يرجع لأسباب منها أن الوفد قد بدأ يسترد أنفاسه المنهكة في ظل تلك الوزارة، فقد كانت وزارة نسيم بمثابة عودة الروح للوفد من جديد، بعد أن حاول أن ترهقها وزارة صدقي. ومن المؤكد أن التقاط الوفد لأنفاسه قد جعلته يعيد من جديد بعد أن كانت مطرقة صدقي قد فرقتهم إلى حد ما.  


:كما اعتمد هذا البحث على وثائق الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، سجلات الخاضعين لقوانين الإصلاح الزراعي، هذا إلى جانب بعض الوثائق المنشورة عن حركة [[مصر الفتاة]] طوال الفترة، كما قدمت مضابط مجلس النواب بعض المادة الأصلية والمراجع المختلفة التي تناولت الموضوع خلال فترة البحث وعلى الأخص البحث الذي قدمه الباحث الأمريكي '''" جان كوفسكى"''' لجامعة متشجان للحصول على درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث عام [[1967]] فقد استطعت الحصول على نسخة مصورة منه، هذا بالإضافة إلى معظم دوريات تلك الفترة من صحف ومجلات مختلفة.
وفى حقيقة الأمر فإن وزارة توفيق نسيم قد هيأت المسرح وأعدته كي يمارس الوفد نشاطه السياسي بحرية تامة، وأن يستعيد ثقته بنفسه وثقة جماهيره به، فالتعاون بين الوفد والوزارة كان تعاونا تاما، وربما كانت تعمل بوحي من توجيهاته؛


:وعند محاولة وضع خطة العمل في البحث ومنهجه راودتني فكرة تقسيم الموضوع إلى مراحل زمنية ارتبطت بتطورات في حياة حركة [[مصر الفتاة]]، ولكن تبين لي أن هذا المنهج في التقسيم سيفقدها وحدة الموضوع الواحد، وأخيرا استقر الرأي على تقسيم البحث تقسيما موضوعيا، وعلى الرغم مما يعانيه الباحث من صعوبات في الكتابة ملتزما بهذا التقسيم الموضوعي وذلك لتداخل الحوادث والموضوعات بين كل موضوع والموضوع الآخر إلا أنها تعد طريقة أمثل لمعالجة مثل هذا الموضوع.  
كذلك فإن الوزارة قد سعت لإعادة دستور [[1923]] الملغى، فكان ذلك حريا بالوفد أن يتعاون معها، وقد جاءت عودة [[الدستور]] في أعقاب '''" ثورة "''' عارمة قام بها في خريف عام [[1935]] الطلبة وكان لهم فيها شهداء.  


:وقد قسمت بحصى على الطريقة المذكورة إلى مقدمة وعشر فصول وخاتمة، فكان الفصل الأول منها بعنوان '''" الظروف التاريخية لنشأة [[مصر الفتاة]]"''' تناولت فيه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتيارات الفكرية التي سادت في أعقاب تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] وحتى إعلان قيام جمعية [[مصر الفتاة]] في عام [[1933]]؛
وقد شاركت [[مصر الفتاة]] بجهودها في تلك الثورة قدر استطاعتها وإن كان رئيسها [[أحمد حسين]]، وسكرتيرها العام [[فتحي رضوان]] قد قاما برحلة إلى لندن في نهاية ذلك العام بقصد الدعاية للقضية المصرية في لندت، ولكنه في تقديرنا فإن الغرض الحقيقي من تلك الرحلة كان لفت الأنظار لهم في الداخل والدعاية لجمعيتهم أكثر منه دعاية للقضية الوطنية في لندن.


:أما الفصل الثاني بعنوان '''" مقدمات [[مصر الفتاة]]"''' تناولت فيه نشأة [[أحمد حسين]] رئيس الجمعية ونشاطه [[السياسة]] والاجتماعي والاقتصادي قبل إعلانها، كما تناول الفصل الثالث '''" تطور [[مصر الفتاة]]"''' وهو يتناول مراحل التطور التي مرت بها الحركة من جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب [[مصر الفتاة]] في عام [[1937]] إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى عام [[1940]] وفيه عرضت للظروف التاريخية التي سبقت ولحقت التطور.
أخلت وزارة نسيم كراسي الحكم، وتولى على ماهر تأليف وزارة محايدة أجرت الانتخابات على أساس دستور [[1923]] وقانون الانتخاب المباشر ، وفى عهد تلك الوزارة على قصره فقد نعمت [[مصر الفتاة]] بفترة طيبة فقد اعتبرت نفسها في '''" شهر العسل"''' فمارست نشاطها السياسي بحرية تامة؛


:أما الفصل الرابع فقد تناول '''" الهيكل التنظيمي ل[[مصر الفتاة]]"''' وقد قسمته إلى أربعة أقسام رئيسية تناولت المستوى المركزي والمستوى الاقليمى والتشكيلات شبه العسكرية وأخيرا الموارد المالية ل[[مصر الفتاة]] طوال فترة البحث.  
فعلى ماهر من اشد المتحمسين لها جاء ومن كبار مؤيديها فحققت الانتخابات التي أسفرت عن فوز الوفد بأغلبية كبيرة تقدم على ماهر باستقالته , وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا لم تدخل [[مصر الفتاة]] الانتخابات ؟ والإجابة على ذلك السؤال تتلخص في أن قادتها كانوا دون سن عضوية مجلس النواب التي حددها القانون بثلاثين عاما.  


:ولكي يستكمل الهيكل التنظيمي صورته فقد كان الفصل الخامس عن '''" صحافة [[مصر الفتاة]]"''' وفيه تناولت الصحف والمجلات التي استخدمتها [[مصر الفتاة]] طوال فترة البحث واعتبرتها جزءا متمما للهيكل التنظيمي فقد كانت إحدى أدوات [[مصر الفتاة]] التي استخدمتها في تنفيذ برنامجها وتقل تعليماتها إلى أعضائها.
كان تولى وزارة النحاس الحكم بمثابة انتهاء '''" شهر العسل "''' الذي نعمت به [[مصر الفتاة]] إبان حكم على ماهر، فقد بدأ الاصطدام والاضطهاد من جانب الوفد ل[[مصر الفتاة]] خاصة وأنه متشكك فيها منذ البداية، هذا فضلا عما استحدثه منذ [[يناير]] [[1936]] من فرق شبه عسكرية هي فرق القمصان الزرقاء، فكان مجال الصدامات بين الفريقين أوسع؛


:أما الفصل السادس فقد تناول '''" الفكر النظري ل[[مصر الفتاة]]"''' وقد تبلورت أفكارها في أربعة أفكار رئيسية هي فكرة القومية المصرية وفكرة العروبة وفكرة الجامعة الإسلامية إلى جانب فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية، كما تناول الفصل السابع '''" التركيب الاجتماعي لقيادة حركة [[مصر الفتاة]]'''" والتي جاء تركيبها مطابقا لواقع المجتمع المصري الاجتماعي وأن غلب عليها عنصر الشباب .
وعلى الرغم من ذلك فقد فكر [[أحمد حسين]] وزملاءه في مشروع يبعدهم عن الصدام مع الوفد ففكر في القيام برحلة من الشلال إلى [[القاهرة]] سيرا على الأقدام ، بهدف الدعاية للجمعية وكسب المزيد من الأعضاء والأنصار، إلا أن وزارة الوفد حاربت تلك الفكرة وإن لم يمنعها فقد ضيقت الخناق على القائمين بها ومنعتهم من ارتداء قمصانهم الخضراء زى جمعيتهم الرسمي.  
:
أما الفصول من الثامن إلى العاشر فقد تناولت موقف القوى السياسية في [[مصر]] من [[مصر الفتاة]] والعلاقات بينهما طوال فترة البحث. فكان الفصل الثامن بعنوان '''" [[مصر الفتاة]] والقصر"''' وقد تناولت فيه علاقة [[مصر الفتاة]] بالقصر ووزاراته المختلفة وبيان إلى أي مدى ربطت [[مصر الفتاة]] نفسها بالقصر وبدوائره.


:أما الفصل التاسع فكان بعنوان '''" [[مصر الفتاة]] و[[الأحزاب]] "''' وقد تناولت فيه علاقتها بمختلف [[الأحزاب]] المصرية القائمة في تلك الفترة، وكيف أن [[مصر الفتاة]] قد ربطت نفسها بأحزاب الأقلية بعد أن فشلت في الحصول على اعتراف الوفد بها وبشرعية قيامها بدورها في [[السياسة]] المصرية، وكان الفصل العاشر والأخير بعنوان '''" [[مصر الفتاة]] والمسألة الوطنية"''' عرضت فيه لموقف [[مصر]] من الأجانب عامة و[[الإنجليز]] المحتلين للبلاد خاصة وبيان العلاقات بينهما؛
وقد بلغ التوتر بين الطرفين قمته عندما صرح النحاس باشا في مجلس النواب أنه تأكد لديه أن جمعية [[مصر الفتاة]] تعمل لصالح دولة أجنبية، فطالبه أعضاء المعارضة بتقديم الوثائق التي تؤيد ثبوت التهمة للمجلس ولكنه رفض وأصر على رفضه بحجة أنها تمس أمن البلاد، فأقفل باب المناقشة في هذا الموضوع.


:كما تعرضت لبيان علاقة [[مصر الفتاة]] بكل من إيطاليا وألمانيا، وكذلك علاقتها بالدول العربية ومدى اهتمامها بقضايا تلك الدول إيمانا منها بتكوين الحلف العربي الذي كان الحلقة الثانية في سلسلة أفكارها.
كان رد الفعل لتصريح النحاس (باشا) السابق، أن حصلت [[مصر الفتاة]] على عطف بعض قطاعات الرأي العام وكان ذلك أكبر دعاية أتيحت لها، فقد اهتمت بعض السفارات الأجنبية بالموضوع لمعرفة من هي تلك الدولة التي ذكرها النحاس(باشا) فالنحاس قد اتهم ولم يقدم الدليل، وعلى الرغم من ذلك فقد استمر [[أحمد حسين]] يواصل رحلته في الوجه القبلي ، مستهدفا بث الدعوة لجمعيته، وإن كانت الإجراءات التي أحاط بها البوليس الرحلة لم تمكنه تماما من أداء غرضه؛


:ولا يسعني في النهاية إلا أن أتقدم بموفور الشكر لكل من قدم لي مساعدة في إخراج هذا البحث، وأخص بالشكر السادة الزملاء بدار الوثائق القومية ومركز وثائق وتاريخ [[مصر]] المعاصر، والسيد أمين المتحف القضائي بدار القضاء العالي، والزملاء الدكتور عاصم الدسوقي والدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن والدكتور على بركات فقد ساعدوني كثيرا وكانت مكتباتهم عونا لي، كما أشكر الصديق الأستاذ زهير الشايب لما قدمه لي من مساعدة في ترجمة بعض الوئاثق باللغة الفرنسية .  
ولكن حادثا وقع لجماعته جعله يعود دون أن يكمل رحلته، فقد اعتدى ذوو القمصان الزرقاء على اجتماع عقدته الجمعية برئاسة [[فتحي رضوان]] بمسرح '''" برنتانا"''' لترد فيه على اتهام النحاس. عام [[أحمد حسين]] على أثر ذلك الاعتداء، وأخذ يندد بأعمال الوزارة وتجمعت حوله المعارضة وكان حزب الأحرار الدستوريين أكثرهم حماسة في مناوأة الوزارة.


كما أشكر الأستاذ [[أحمد حسين]] والأستاذ [[فتحي رضوان]] والدكتور [[نور طراف]] وجميع من أتيح لي مقابلتهم من قادة [[مصر الفتاة]]، فقد منحوني الكثير من العون وأتاحوا لي الكثير من وقتهم وجهدهم.  
كان تصريح النحاس في مجلس النواب بمثابة '''" الفتيل"''' الذي أشعل القنبلة ، فقد دارت المعارك بين الفرق شبه العسكرية من كلا الجانبين، وازداد معدل الاصطدام بينهما إلى أن سقط اثنان من ذوى القمصان الزرقاء قتلى، فكان ذلك كفيلا بأن تصدر الحكومة أوامرها بإغلاق دور [[مصر الفتاة]] في [[القاهرة]] والأقاليم، وكان من نتيجته أن تعرض نشاطها للجهود فىتلك الفترة، وقد تقدم [[أحمد حسين]] إلى القضاء طالبا إعادة فتح دور [[مصر الفتاة]] لتمارس نشاطها ولكن طلبه رفض من قبل القضاء .  


كما أتقدم بشكري إلى استاذى الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى لما بذله من اهتمام في متابعة مراحل هذا البحث، كما أقدم شكري خالصا إلى الدكتور صلاح العقاد والدكتور جمال زكريا قاسم لما تجشماه من عناء في فحص هذا البحث ومناقشته.  
فافتتح مكتبا يمارس منه مهنة '''" المحاماة"''' هذا فضلا عن أنه قد استخدمه ليدير منه نشاطه السياسي، كما اتخذ من جريدة '''" الضياء"''' لسان حال للجمعية بعد أن تعرضت مجلة '''" الصرخة"''' للمصادرة المستمرة وهى ما زالت في المطبعة.
وعندما قامت وزارة الوفد بعقد معاهدة [[1936]] ، فإن البلاد قد تمتعت بحرية تامة، فاستطاعت [[مصر الفتاة]] أن تعقد اجتماعاتها وظهرت جريدتها بانتظام وأتيح لها أن تنشر كل ما تريد نشره، وفى ذلك الوقت كان العقاد قد خرج على الوفد واستطاع [[أحمد حسين]] أن يقنعه بأن يكتب مقالا أسبوعيا ينشر بجريدتهم '''" الضياء"''' فكتب عدة مقالات انتقد فيها المعاهدة؛


أما أستاذنا المرحوم الدكتور أحمد عزت عبد الكريم مؤسس سمنار التاريخ الحديث بجامعة عين شمس والذي اسعدنى الحظ بإشرافه على هذا البحث، فقد منحنى سيادته كثيرا من الوقت والجهد، وكان لتوجهاته السديدة أكبر الأثر في إخراج هذا البحث على هذه الصورة، رحمه الله رحمة واسعة وجعل مثواه الجنة بين الصديقين والشهداء جزاء ما قدمه لوطنه ولأبنائه الباحثين والمؤرخين.  
وكان [[أحمد حسين]] قد انضم هو وجمعيته إلى المعسكر الذي انتقد المعاهدة، وقد بلغ ذلك الهجوم قمته عندما دعت جمعيته إلى عقد اجتماع عام بدار [[الحزب الوطني]] خطب فيه محمد على علوبة '''(باشا)''' و[[أحمد حسين]] فندد الأخير بالمعاهدة وبأنها ألقت على كاهل [[مصر]] أعباءا جسيمة وراح يقارنها بما سبقها من معاهدات، ومن جراء ذلك الموقف من جانب [[أحمد حسين]] كان الصدام مرة أخرى مع الوفد.


وإني لأرجو أن أكون قد وفقت في إضافة لبنة متواضعة إلى تاريخ الحركة الوطنية المصرية، وأن يكون التوفيق حليفي في إلقاء الضوء على حركة [[مصر الفتاة]] ودورها في [[السياسة]] المصرية في فترة البحث، توضيحا لتاريخ [[مصر]] المعاصر وخدمة لأجيالنا الشابة ومصرنا الحبيبة.
وفى ذلك الوقت أدرك [[أحمد حسين]] أن جمعية [[مصر الفتاة]] بوضعها في ذلك الوقت لم تكن تملك من القوة المادية أو المعنوية ما يمكنها من التصدي لمناوأة الوفد لها، فبدأ بفكر في أسلوب جديد لكفاحه السياسي ، ربما ساعده في الوصول إلى هدفه المبكر بعد أن تأكد له تماما أن الجمعية منذ نشأتها وحتى ذلك الوقت، لم تستطع إحراز جماهيرية تمكنها من تحقيق حلمه القديم في إعادة مجد [[مصر]] على يديها، فلن تكن الظروف التي مرت بها تتيح لها تكوين '''" الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص"''' الذي دعا إليه منذ عام [[1930]] ،


'''<center>والله ولى التوفيق . مدينة الصحفيين في 4 [[أكتوبر]] [1981]].دكتور على شلبي </center>'''
فقد كون جمعية [[مصر الفتاة]] بعد أن هز المجتمع المصري بمشروع القرش الذي حقق جماهيرية وخبرة بالتنظيم الجماهيري، إلا أن الأوضاع التي تعرضت لها الجمعية، جعلت الكثير من الأعضاء والأنصار ينأون بأنفسهم بعيدا عن الاضطهاد، ونتيجة لذلك فقد سعى لتطوير أسلوب كفاحه عساه يحقق نجاحا أوفر في ظل هذا التطور.  


==الفصل الأول:الظروف التاريخية لنشأة [[مصر الفتاة]]==
مهد [[أحمد حسين]] لخطوته بأن دعا إلى عقد جلسة لمجلس الجهاد بمكتبه في 31 [[ديسمبر]] هام [[1936]]، وذلك للنظر في الموقف السياسي الحاضر، وما ينبغي على [[مصر الفتاة]] عمله لتواجه العهد الجديد، بما يتناسب مع مسئوليتها تجاه الرأي العام وتحقيق برنامجها '''"ونظرا لأن الجلسة ستكون تحولا خطيرا في حياة كفاحنا السياسي وفى تاريخ الجمعية لأهمية المقترحات المعروضة. فإن لي كبير الرجاء أنكم ستقدرون خطورة الموقف فلا تتأخرون عن حضور هذا الاجتماع" '''


:#الأوضاع السياسية.
ومن ثم تابع [[أحمد حسين]] الدعوة لخطوته التالية فنشر مقالا بعنوان '''" نحو حزب جديد"''' عاب فيه على المصريين قبول معاهدة تسجل عليهم الاحتلال وترهق ميزانيتهم وتجيع فلاحيهم، ورضائهم بمركزهم في [[السودان]]، كما هاجم المقال الشباب أيضا لاستكانتهم للأوضاع القائمة في ظل وزارة النحاس التي اشتد في مهاجمتها؛
:#الأوضاع الاقتصادية.
:#الأوضاع الاجتماعية.
:#التيارات  الفكرية.


كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتيارات الفكرية التي ظهرت في المجتمع المصري عقب صدور تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] ذات أثر كبير في تغيير صورة ذلك المجتمع.
وذكر أن المصريين يدركون كل هذا ، ولكنهم لا يفعلون شيئا إزاء المحسوبيات وانشغال الوزراء بالحصول على الرتب والنياشين ، لا يفعلون شيئا بل ينتظرون القضاء المحتوم،


لقد تحدد وضع [[مصر]] السياسي بعد صدور التصريح الذي وضع العلاقة بين [[مصر]] وانجلترا في إطار معين فاعترف التصريح ب[[مصر]] دولة مستقلة ذات سيادة وإن كان ذلك من ناحية الشكل فقط ومنحها حق إقامة حياة برلمانية مرت بمراحل مختلفة من الصراع على السلطة بين [[الأحزاب]] القائمة؛
'''ثم استطرد قائلا '''


فتعرضت خلالها الجماهير لأشكال من الضغوط مرة على يد الملكية الأوتوقراطية ومرة أخرى على يد حكومات الأقلية التي عرفت '''" بوزارات الانقلاب"''' هذا فضلا عما كانت تمارسه انجلترا مستغلة الظروف الموضوعية إلى أبعد حد، وما شاركت به من جهد في الاعتداء على [[الدستور]] والحياة البرلمانية.  
:" ولكن حمدا لله أن جعل في هذه الأمة فريقا يفكر من أجلها. حمدا لله أن سخرنا لنوقف حياتنا لإنقاذ هذه الأمة ولرفعها من هذه الهاوية التي تردت فيها، ولإعادة الحق إلى نصابه ولمحاربة الطغيان والظلم في أشكاله لتحقيق رسالة المجد والخلود" .  


عرضت تلك الضغوط وذلك الصراع التجربة الدستورية برمتها لهزات عنيفة كانت تطيح بها وهى ما زالت في مهدها، فقد كان [[الدستور]] أحد الأماني التي حققها الشعب المصري بعد كفاحه الطويل، فلم يكن من السهل عليه أن يفرط فيما حققه بجهاده، فساد الصراع بينه وبين من يريدون سلب مكاسبه التي حصل عليها فدخل بذلك مرحلة جديدة من مراحل النضال الوطني.  
أعلم [[أحمد حسين]] عن عزمه على تأليف حزب جديد بقوله أن [[مصر]] في حاجة إلى حزب جديد وعزم جديد، [[مصر]] في حاجة إلى نفر من بنيها يتولون شئونها غير باخلين في ذلك بأرواحهم وأموالهم، غير طامعين إلا في أن يموتوا فداء لحياتها.  


فإلى جانب طلب الاستقلال للبلاد، كان مطلب الحفاظ على الحياة النيابية سليمة مع احترام [[الدستور]] لا يقل أهمية عنه بل ربما تقدم عليه.  
[[مصر]] في حاجة إلى الشباب ينقذها من الشيوخ، ونحن وقد علمنا الشباب معنى الجد والاجتهاد ، وأوجدنا فيهم الرجولة بقى أن نتقدم لننقذ الأمة من هذه الأوضاع السياسية، ولن يكون ذلك إلا بتأليف حزب جديد يلقف هذه [[الأحزاب]] التي ألغت وجودها ورضيت بالحياة في ظل الوفد والنحاس.  


ومن خلال ذلك الصراع الذي ساد بين [[الأحزاب]] المصرية القائمة في ذلك الوقت على السلطة، فإن الجماهير قد تعرضت لمزيد من الضغط والاضطهاد، فأحدث ذلك شرخا كبيرا في وحدة الأمة التي برزت في ثورة [[1919]]، فأدى ذلك إلى ظهور أنظمة سياسية جديدة ترفض أسلوب المفاوضات التي ارتضاها المصريون كأساس يمكن عن طريقه تحديد علاقة [[مصر]] بانجلترا، ولكنها كانت تؤمن باستخدام القوة كأساس يمكن عن طريقه إخراج [[الإنجليز]] من [[مصر]]؛
كما ذكرنا أنه لن تكون نجاة هذه الأمة إلا على يد شباب [[مصر الفتاة]]، فهم الذين سيعرفون كيف ينشرون العدالة ، وهم الذين سيخلقون هذه الأمة خلقا جديدا عن طريق الشباب وجهود الشباب ولذلك فسوف تسمع الأمة بعد أيام عن تحويل جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب سياسي، ينزل إلى الميدان في قوة وعزم ليناضل ويجاهد ويحقق رسالة المجد، وهى أن تصبح [[مصر]] فوق الجميع دولة شامخة تتألف من [[مصر]] و[[السودان]] وتحالف الدول العربية وتتزعم [[الإسلام]].


وكانت [[مصر الفتاة]] من بين تلك الأنظمة وكما أحدث تصريح [[فبراير]] تغييرا في شكل المجتمع المصري من الناحية السياسية ، فكان ولابد لكي يتحقق الاستقرار السياسي للبلاد، أن يصاحبه تغيير في الأوضاع الاقتصادية لها، ولكن في خلال تلك الفترة التي تلت صدور التصريح، فإن العالم قد تعرض لأزمة اقتصادية طاحنة شديدة الوقع والأثر عليه وهو ما زال يعالج الآثار الاقتصادية الضارة التي ترتبت على [[الحرب العالمية الأولي]]؛
اكتمل عقد مجلس الجهاد في الموعد المحدد ، إلا من عدد قليل اعتذر عن الحضور . فافتتح [[أحمد حسين]] الجلسة موضحا أن فكرته في تحويل الجمعية إلى حزب سياسي، ناتج عن تدهور الأحوال في [[مصر]] تدهورا شنيعا عقب إبرام معاهدة [[1936]].


فلم يكد يخرج من تلك الآثار حتى فاجأته تلك الأزمة عند نهاية العشرينات من ذلك القرن، ولما كانت [[مصر]] جزءا حيويا وهاما من العالم فكان ولابد وأن يظهر للأزمة صداها المسموع فيها، فقد تأثر بها المجتمع المصري تأثرا كبيرا، وعانت منها الطبقات الكادحة من الشعب من الفلاحين والعمال، ولم يقتصر أثرها عليهما بل تعرضت الطبقات الأخرى لأزمات غير محدودة من جرائها، ومنهم الملاك والتجار من مصريين وأجانب.
'''وقد تضمن بيان الحزب التأسيسي هذا المعنى'''


وإلى جانب الأوضاع السياسية والاقتصادية، فقد برزت إلى السطح في تلك الفترة المشكلة الاجتماعية وبشكل ملح، خاصة بعد أن استقرت الأوضاع السياسية بتحديد العلاقة بين [[مصر]] وانجلترا إلى حد ما، ولكن [[الأحزاب]] السياسية القائمة في ذلك الوقت جاءت برامجها خلوا من المشكلة الاجتماعية ، فقد أصبحت تلك المشكلة مطروحة دون أن تلقى عناية من القوى السياسية المختلفة. وبالإضافة إلى تلك الجوانب الثلاثة فقد برزت تيارات فكرية مختلفة تناولت شخصية [[مصر]] تحول أبرازها على ما عداها.  
:" في هذه الأيام بعد أن جاءت المعاهدة التي كبلت [[مصر]] بالتزامات وقيود ، وفرضت عليها أوضاعا ينبغي ل[[مصر]] أن تخلص منها سريعا وإلا انحدرت نحو هاوية سحيقة لا قرار لها من التدهور المالي والاجتماعي والسياسي.


وفى ضوء الواقع السياسي الذي أوضح مدى اهتزاز الحياة السياسية بفعل الحياة الحزبية القائمة وتطاحن [[الأحزاب]] فيما بينها والصراع على السلطة، ووجود فراغ سياسي، فلم يكن هناك تنظيمات سياسية تستهوى الشباب وتستوعب حركتهم بعيدا عن تلك الإطارات الحزبية التي كانت قائمة.  
:في هذه الأيام التي يجب أن تبعث فيها [[مصر]] من جديد، وتخلق خلقا جديدا، وتحول إلى ثكنة عسكرية من [[الإسكندرية]] حتى خط الاستواء، ليعمل فيها كل مصري واجبه لإبلاغ [[مصر]] إلى المجد والعظمة، في هذه الأيام أحسست وإخواني أن [[مصر]] في حاجة إلى دم جديد يتقدم للنهوض بالعبء.  


هذا فضلا عن أن أسلوب المفاوضات المصرية البريطانية لم يكن ليرضى الشباب ولم يقنعهم كإطار يمكن عن طريقه تحديد علاقة [[مصر]] بانجلترا، فإذا أضفنا إلى ذلك دور انجلترا في الانقلابات الدستورية التي تعرضت لها البلاد والتي أخرت تقدمها وتطورها السياسي، أمكننا تفسير ظهور حركة [[مصر الفتاة]] في ذلك الوقت.  
:بعد أن مل الشيوخ وتقاعسوا لكثرة ما كافحوا في القديم. وفى هذه الأيام رأينا أن نتقدم لنتسلم الأمانة ممن حملوها قبلنا ولنواصل مهمة من سبقونا ولنحقق آمالها.. فالاستقلال لم يعد غايتنا بل  المجد هو مطلبنا وهو أنشودتنا ، فليس يقنعنا [[مصر]] حتى الشلال ولا يرضينا استقلال مقيد، ولكننا نريد استقلالا تاما كاملا لا شك فيه ولا غموض ، ونريد وادي النيل وحدة لا تتجزأ حتى منابعه في خط الاستواء".  


في ظل الظروف ، أو الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري برزت [[مصر الفتاة]] كاحتجاج صارخ على الحياة السياسية والاجتماعية في [[مصر]]. وهذه الظروف هي المفتاح الحقيقي لفهم حركتها وتقييمها في التاريخ المصري الحديث خلال فترة البحث.  
وبالإضافة إلى وجهة نظر [[أحمد حسين]] فيما آلت إليه أحوال [[مصر]] بعد إبرام المعاهدة فإنه يرى أنه لم يعد في البلاد قوة تفكر في خير الأمة وتعمل من أجلها إلا في صفوف [[مصر الفتاة]]، فلا بين [[الأحزاب]] ولا بين جدران البرلمان ولا في أي مكان آخر من يرغب في أن يحرك ساكنا، فأصبح واجب الشباب أن ينهض بالعبء الجديد، وقد أوضح أن الجمعية لا تستطيع أن تحتمل هذا العبء بصورتها الحاضرة لأن كثيرا من الناس يخيل إليهم أنها جمعية فدائية أو جمعية سرية.  


منح تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] [[مصر]] استقلالا شكليا، ولكن في نفس الوقت منحت البلاد حق إنشاء برلمان يتمتع بحق الإشراف على [[السياسة]] والإدارة في حكومة مسئولة على الطريقة الدستورية.  
هذا بالإضافة إلى أنه قد نما إلى علم [[أحمد حسين]] أن وزارة الوفد بصدد إصدار تشريع يحدد صفة الجمعيات عموما وأغراضها، فخشي أن يقضى هذا التشريع على الجمعية. فشرع على الفور يعمل على تحويلها إلى حزب سياسي معلن حتى يكسبها صفة [[الأحزاب]] السياسية.  


وعلى الرغم مما أوجده صدور التصريح من ردود فعل داخل المجتمع المصري، حيث أعلنت القوى السياسية والشعبية استياءها منه إلا من قلة من الشعب رحبت بصدوره . ف[[مصر]] بعد صدوره لم يتعد كونها محمية، فانجلترا ما تزال تضطلع بمهمة الدفاع عنها، كما بقى وضعها بإزاء الدول الأجنبية على ما كان عليه قبل التصريح.
أخذ [[أحمد حسين]] يعدد المزايا التحى ستعود على الجمعية من جراء تحولها إلى حزب سياسي وأنه سيعقب ذلك نشاط جديد لأعضاء الحزب، وأنه سيكون لهم دعاية قوية واسعة النطاق، سيكون من نتيجتها أن ينضم إلى الحزب أعضاء جدد سيستفيد منهم، قائلا أن الظروف السياسية بعد عقد المعاهدة أصبحت تسمح بتحويل نظام الجمعية إلى حزب سياسي يعمل بالأساليب السياسية، ويسمح للمصريين على اختلاف مشاربهم وطبيعتهم بالانضمام إليه.  


وعلى العموم فقد وافقت انجلترا على إصدار التصريح لأنها توقعت أنه يهدئ من ثائرة المصريين الذين أسرفوا في استعمال أسلوب الاغتيالات.
ومن ثم بدأ محمد حسين قراءة قانون الحزب النظامي لأعضاء المجلس كي تدور حوله مناقشة، فتقدم [[فتحي رضوان]] باقتراح يقضى بضرورة أن ينسخ هذا القانون ويوزع على أعضاء المجلس وأن تشكل لجنة خاصة لدراسته وفحصه، فانقسم أعضاء المجلس إزاء هذا الاقتراح بين مؤيد ومعارض له.  


وفى حقيقة الأمر ومهما كان رأى القوى السياسية والشعبية في التصريح فقد كان مكسبا ل[[مصر]] إذ أنهى الحماية بعد أن اعترفت بها الدول، فهو يعد خطوة للأمام في تاريخ العلاقات بين [[مصر]] وانجلترا هذا فضلا عن أنه قد كفل للمصريين تولى شئونهم بأنفسهم.
ومن تطور الإجراءات في الجلسة اتضح أن هذا الاقتراح لم يؤخذ به، فقد استمر [[أحمد حسين]] في عرض مواد القانون عليهم، فنص البند الأول منه على أن يحق لكل مصري ومصرية الانضمام إلى الحزب، فعارض البعض دخول المرأة في عضوية الحزب، ونص البند الثاني على تشكيل مجلس إدارة الحزب من بين الأعضاء الذين ينضمون إلى الحزب من بين السياسيين القدامى على ألا يزيد عددهم عن ثلاثين عضوا، على أن يتولى السلطة العليا في الحزب؛


وفى أعقاب صدور التصريح تولى [[عبد الخالق ثروت]] الوزارة وعهد إليه السلطان فؤاد اتخاذ الترتيبات اللازمة لوضع دستور للبلاد، وفى 15 [[مارس]] [[1922]] أعلن السلطان فؤاد استقلال البلاد واتخذ لقب ملك [[مصر]]، وفى 3 [[أبريل]] الفت الوزارة لجنة لوضع [[الدستور]] عرفت بلجنة الثلاثين.  
فعارض البعض في أن يكون سلطة مجلس الإدارة تفوق سلطة مجلس الجهاد، وهؤلاء يرون أن أعضاء المجلس الجديد سيكونون من بين رجال الجيل القديم الذين تختلف أفكارهم عن أفكار الشباب أعضاء مجلس الجهاد فأوضح [[أحمد حسين]] أنه ليس من المعقول أن تؤثر إرادة الشيوخ على الشباب.  


وقد انقسمت [[الأحزاب]] السياسية القائمة بإزائها، فالوفد وعلى رأسه [[سعد زغلول]] يرى أن وضع [[الدستور]] لابد وأن يجيء على يد جمعية منتخبة لا معينة، حتى لا يكون منحة يسهل التلاعب بها، وقد رفض الوفد أن يشترك في عضويتها، وأطلق عليها سعد '''" لجنة الأشقياء "''' كما رفض [[الحزب الوطني]] أيضا الاشتراك فيها.
استمرت المناقشات في جلسة مجلس الجهاد المذكورة حول مواد القانون النظامي للحزب وعلى الرغم مما وجه إلى بعضها من نقد وما دار حولها من مناقشة، فقد أقر المجلس القانون كما وضعه [[أحمد حسين]] ووقع عليه الأعضاء بالموافقة على تحويل جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب [[مصر الفتاة]]؛


وفى ذلك الوقت بدأ التفكير في تأليف '''" [[حزب الأحرار الدستوريين]]"''' وذلك راجع إلى أن الملك فؤاد قد أثار عدة عقبات أمام لجنة وضع [[الدستور]] وأمام الوزارة من أجل مزيد من السلطات له، فدفع ذلك ثروت إلى جمع أنصار الوزارة للوقوف صفا واحدا في وجه محاولات الملك، ولما كان هؤلاء هم الذين وضعوا [[الدستور]] وقاموا بصياغته، فقد كان طبيعيا أن يعملوا على حمايته، وعند تأليف الحزب تقرر أن ينضم إليه جميع أعضاء لجنة [[الدستور]]، وعدد آخر من ذوى النفوذ وكان كثيرون منهم أعضاء في '''" الحزب الديمقراطي" أو في " جمعية [[مصر]] المستقلة"''' .  
على أن يكون مقره [[القاهرة]] وأن تكون غايته تحقيق برنامج [[مصر الفتاة]]- الذي وضع عند تأسيس الجمعية وانتخبوا [[أحمد حسين]] رئيسا له وقرروا تأليف مجلس إدارة له يعاون الرئيس في إدارة شئون الحزب ووضع سياسته، وعهدوا إلى [[أحمد حسين]] توجيه الدعوة إلى بعض السياسيين والمجاهدين القدماء الذين أظهروا رغبتهم في الاشتراك في الحزب لتكوين مجلس الإدارة. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ما هي سياسة الحزب وما مدى اختلافها واتفاقها مع سياسة الجمعية وما هي أغراضه؟


وهكذا جمع الحزب عددا من كبار المصريين أكثرهم من أعضاء حزب الأمة القديم، أو من أبنائهم وذويهم منضما إليهم فريق من المثقفين المتحررين. قوبل تأليف [[حزب الأحرار الدستوريين]] بالهجوم والاستنكار من الطبقات الشعبية، فقد هاجمته الصحف المصرية حتى قبل أن يعلن عن تأليفه، واتهمته بأنه سيفرط في حقوق الوطن.
'''أجاب [[أحمد حسين]] على هذا السؤال بقوله'''


وعلى الرغم من أن مبادئ الحزب تنصر على استكمال الاستقلال وتأييد النظام الدستوري، فإن الجماهير لم تكن لترضى  عنه، فهو يعيد إلى أذهانها حزب الأمة القديم. ولكن على العموم فيمكن القول بأنه كان حزب موازنة وتلطيف في [[السياسة]] المصرية . وقد ضم إلى عضويته أيضا بعض المنفصلين عن الوفد ومعظمهم من المخالفين لسعد، ولذلك منذ تأليفه طابع العداء لسعد والوفد.  
:" أن سياسة الحزب بعد التحويل هي كما كانت قبل التحويل، ترمى إلى إعداد جيل جديد من الشباب، يؤمنون بالمثل العليا ويجاهدون في سبيل تحقيق هذه المثل بالوسائل التي جاءت في ختام برنامج الحزب  وهى '''" الإيمان والعمل"'''.  


وعلى الرغم من أن الحزب قد أعلن قيامه للدفاع عن [[الدستور]] ، فقد تعرض مشروع [[الدستور]] للمسخ والتشويه والبتر على يد وزارات القصر، فقد حاولت وزارة توفيق نسيم التي أعقبت وزارة ثروت العمل على زيادة سلطات الملك.
:والعمل في نظر [[مصر الفتاة]] هو ممارسة النشاط السياسي من عقد اجتماعات وإصدار جرائد تكون لسان حال للحزب، والانتقال إلى كل أنحاء البلاد للدعوة للحزب، وذلك وصولا إلى غايتها في إحراز جماهيرية له وتكوين جيل قوى من الشباب فعمل لإعادة مجد [[مصر]]، وتحقيق الاستقلال التام ل[[مصر]] و[[السودان]]؛


وفى عهد وزارة يحيى إبراهيم التي جاءت بعدها، ارتفعت الأصوات محتجة على أي بتر وأي تعديل لمشروع [[الدستور]]، وكان أقوى هذه الاحتجاجات الخطاب الذي أرسله عبد العزيز فهمي إلى يحيى إبراهيم طالبه فيه بإصدار [[الدستور]] كما وضعته اللجنة؛
:ومن ثم التحالف مع الدول العربية وبعد أن يتحقق لها ذلك فإنها تتزعم [[الإسلام]]، أما عن أغراض الحزب فهي إصلاح شامل في الداخل لجميع النواحي سياسية واقتصادية واجتماعية. وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال آخر كيف كانت جمعية [[مصر الفتاة]] تحارب الحزبية ثم تسمح لنفسها بأن تتحول إلى حزب سياسي؟


فصدر [[الدستور]] بعد أن حذف منه بعض النصوص الخاصة ب[[السودان]]، وأعقب ذلك إجراء الانتخابات في 12 [[يناير]] [[1924]] والتي أسفرت عن أغلبية مطلقة للوفد، فكان بديهيا أن يعرض الملك على سعد تأليف الوزارة، فقبلها في نفس اليوم 28 [[يناير]] [[1924]].
:أعلن حزب [[مصر الفتاة]] أنه لن يكون هناك فارق بين الحزب والجمعية من حيث الروح التي يسير بها الجهاد، ولا من حيث البرنامج أو المبادئ فكل هذه بقيت كما هي ، وستبقى فرق المجاهدين هي دعامة الحزب الأولى بكل أنظمتها ومزاياها ، ولكن النظام الحزب سيكون بحيث يسمح لكل مصري بالانضمام إلى صفوفه؛


حصل الوفد على الأغلبية المطلقة التي أتاحت له أن يقبل مسئولية الحكم كحق من حقوق الشعب الأصيلة، والوسيلة المباشرة لاستكمال استقلال [[مصر]] والعناية بشئون البلاد الداخلية، فتألفت وزارة [[سعد زغلول]]، وقد اعتبر البعض أن قبوله الوزارة يعد اعترافا بتصريح 28 [[فبراير]]؛
:أما عن جمعية [[مصر الفتاة]] وكيف بها الآن قد نظمت من نفسها حزبا سياسيا، فقد أعلن [[أحمد حسين]] أن حزب [[مصر الفتاة]] سيكون شعاره الأول محاربة الحزبية كذلك بقوله" فقد أصبح لا مناص للقضاء على الحزبية من تأليف شباب قوى شعاره [[مصر]] فوق الجميع، يتعاون مع المصريين جميعا ويعمل لخير المصريين جميعا"


أما البعض الآخر فقد اعتبره تعبيرا عن إرادة الأمة، أما سعد نفسه فقد أعلن منذ البداية أنه سيواصل التنصل من تصريح [[فبراير]]، فأكد في مجلس النواب أن [[السودان]] جزء من [[مصر]] يستحيل فصله، فأعلنت الحكومة البريطانية من جانبها عن إصرارها على عدم التخلي عن [[السودان]].  
وفى حقيقة الأمر فإن [[أحمد حسين]] لم يقدم إجابة شافية على هذا السؤال ، وإن كان قد أوضح هذه النقطة بقوله أنه لكي يستطيع أن يتصدى للأحزاب القائمة وهو يعنى [[حزب الوفد]] فكان ولابد من تحويل الجمعية إلى حزب سياسي ولع تعبير مشهور في هذه الناحية '''" أنه لا يفل الحديد إلا الحديد"'''.  


وفى ذلك الوقت تولت وزارة العمال الحكم في إنجلترا، وبدا من السهل بدء المفاوضات الرسمية بين سعد ومكدونالد وزير خارجيتها ولكن سير المفاوضات قد أكد لسعد أنها فاشلة فقد تمسك كل من الطرفين بموقفه، فلم تمض أيام على بدايتها حتى قطعها سعد وعاد إلى [[القاهرة]] ليؤكد من جديد عزمه على عدم التخلي عن أي حق من '''"الحقوق المقدسة"''' ل[[مصر]] في واد النيل.  
جاء تحويل جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب سياسي في عهد وزارة الوفد في عام [[1937]] ، وفى وقت كانت فيه العلاقات بين [[مصر الفتاة]] والوفد سيئة إلى أقصى درجة ممكنة، فقد انضم حزب [[مصر الفتاة]] بكل ما أوتى من قوة إلى المعسكر الذي هاجم الوفد بشدة، وانتقد إلى أقصى درجة ممكنة المعاهدة التي أبرمها مع إنجلترا، وقد ازداد معدل التوتر بين الفريقين فكثرت حوادث الاعتداءات بين فرق القمصان الزرقاء الوفدية وقمصان [[مصر الفتاة]] الخضراء، فكان أن اشتد [[أحمد حسين]] في مهاجمته للوفد يسانده ويؤيد خطوته هذه كل العناصر المعارضة للوفد، فضلا عن على ماهر رئيس الديوان الملكي.  


وبعد أن فشلت المفاوضات اشتد سعد في معاملة الاحتلال وظاهره مجلس النواب في موقفه، فقد انتهز فرصة مناقشة الميزانية، فصوت على قرار بإلغاء مساهمة [[مصر]] في نفقات جيش الاحتلال البريطاني مع المطالبة بالجلاء عن الأراضي المصرية، وعلى قرار آخر بتعديل مرتبات المستشارين [[الإنجليز]].  
فنشر [[أحمد حسين]] عدة مقالات في جريدة الحزب بعنوان '''" برنامجنا السريع إسقاط صاحب المقام الرفيع"''' ثم خطا خطوة أبعد من ذلك فرفع هو وأعضاء حزبه التماسات إلى الملك مطالبين بإقالة الوزارة.  


كما ظهرت على حين غرة متاعب أخرى لتزيد من حدة التوتر بين المندوب السامي البريطاني والإدارة المصرية. ومن المحتمل أن تكون حكومة لندن قد فكرت منذ ذلك الوقت في إبعاد سعد عن الحكم.
وفى 28 [[نوفمبر]] [[1937]] أطلق عز الدين عبد القادر أحد أعضاء مجلس جهاد [[مصر الفتاة]] أربعة أعيرة نارية على سيارة النحاس '''" باش"''' وهو في طريقه لحضور احتفال أقيم له في '''" شبرا"''' فأصاب السيارة ولم يصب النحاس باشا؛


فقد أدركت الحكومة البريطانية أن استمراره في الحكم مع ما يتمتع بع وحزبه من أغلبية مطلقة في البرلمان سيكون مثار متاعب لبريطانيا ورجالها في [[مصر]].
وقد كان ذلك الحادث ذريعة تذرعت بها الوزارة فاعتبرته من تدبير قيادة الحزب وبتأييد وتخطيط من خصومها، فاشتدت إلى أقصى درجة في معاملة أعضاء [[مصر الفتاة]] وأصدرت أوامرها إلى النائب العام باعتقال جميع أعضاء حزب [[مصر الفتاة]] وتفتيش منازلهم، هذا فضلا عن إغلاق دور الحزب في مختلف الأقاليم واشتدت وزارة الداخلية في إجراءات القبض والتفتيش فقد قبض على كل من له صلة ب[[مصر الفتاة]]، من قريب أو بعيد ومنهم رئيس الحزب نفسه.  


كان فشل المفاوضات وما اتخذ من إجراءات اعتبرتها السلطات البريطانية معادية لها ما ينبئ عن قرب سقوط الوزارة. هذا فضلا عن أن المعارضة قد نشطت ، فأضرب [[الأزهر]]يون وعين القصر حسن نشأت وكيلا للديوان الملكي دون علم الوزارة ودون إقرارها لهذا التعيين، فتقدم سعد باستقالته قائلا أنه لا يستطيع أن يعمل في الظلام.  
ولكن في حقيقة الأمر فإن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الوفد حيال حزب [[مصر الفتاة]] كانت أكثر بكثير مما يحتاج التحقيق في جريمة من الجرائم، فكان يشتم من موقفها غريزة الانتقام من عدو أثار لها المتاعب.  


وقد اجتمع مجلسا البرلمان وجددا الثقة بسعد، ومن ثم بذلك محاولات وجهود كبيرة كي يعدل سعد عن استقالته، ولكنه أصر عليها إلا إذا أجيبت مطالب الوزارة التي اضطر الملك فؤاد أن يسلم بها وأن يقبل الاقتصار على حدود دوره كحاكم دستوري للبلاد ليست لآرائه من فاعلية إلا إذا صادقت عليها الوزارة، فأعلن سعد أنه باق في السلطة '''" بفضل الله وإرادة الأمة"''' وعدل عن استقالته .
عرض ذلك الحادث حزب [[مصر الفتاة]] الناشئ لهزة عنيفة كادت تطيح به وبالقائمين عليه، لولا أن الأوضاع السياسية التي سادت [[مصر]] في ذلك الوقت قد هيأت له عودة الروح من جديد، فقد أقيلت وزارة الوفد في نهاية عام [[1937]]، وتولت وزارة محمد محمود الحكم فكان أن أفرجت عن المعتقلين من [[مصر الفتاة]]، بعد أن تغيرت الهيئات القضائية التي كانت تحاكمهم ن فبدأ الحزب يستعيد نشاطه من جديد وبحرية تامة؛


وبعد هذا الكسب المحقق الذي أحرزته وزارة سعد ضد أوتوقراطية الملك فؤاد فقد تعرضت لحادث أفقدها ما كسبت بل يزيد عليه، فكان مقتل السيرلى ستاك سردار الجيش المصري وحاكم عام [[السودان]] في 19 [[نوفمبر]] عام [[1924]] هو المحك الذي جعل المندوب السامي يتشدد في موقفه من وزارة سعد، وكأنما قد وافته الفرصة تماما للإطاحة بتلك الوزارة، فكانت تصرفاته عقب الحادث توضح ذلك.  
وإن كانت الضربة التي وجهتها إليه حكومة الوفد قد أضعفته إلى حد كبير فانفض من حوله العديد من الأنصار والأعضاء نتيجة لشراسة الإجراءات التي اتخذت ضدهم عقب الحادث المذكور، ولكنه على الرغم من ذلك فقد استرد الحزب أنفاسه المنهكة بسرعة إذ لم تمتد هذه الفترة طويلا.  


وهكذا التقى الطرفان والقصر و[[الإنجليز]] للعمل ضد سعد ووزارته فقدم استقالته في 24 [[نوفمبر]] [[1924]]. وقد احتج البرلمان على التصرفات الإنجليزية المنافية للاستقلال البلاد وأبلغ الاحتجاج إلى برلمانات العالم ومجلي عصبة الأمم.
كانت وزارة محمد محمود وزارة صديقة ل[[مصر الفتاة]]، فعلاوة على أن رئيسها يحفظ لها الدور الذي قامت به في الإحاطة بوزارة الوفد، فقد كان لها من بين أعضاء الوزارة أصدقاء فمحمد كامل البندارى وحسن صبري على علاقات طيبة إلى درجة كبيرة ب[[مصر الفتاة]]، خرج [[أحمد حسين]] من السجن فتوجه لمقابلة محمد  محمود الذي استجاب لمطالبه كمكافأة له على الدور الذي قام به.  


وباستقالة وزارة سعد تبدأ الجولة الأولى من الصراع بين الوطنيين و[[الإنجليز]] من ناحية وبينهم وبين القصر من ناحية أخرى. كما تبدأ أيضا محاولات الاعتداء على [[الدستور]] الذي منح للبلاد وهو ما زال في المهد.  
فعين نور الدين طراف عضو مجلس الجهاد مديرا لمكتبه كما منح الحزب مبلغ 300 جنيه قيمة التأمين الندى لرخصة جريدة '''"[[مصر الفتاة]]"''' كما عين عزيز المصري مفتشا للجيش المصري طبقا لرواية [[أحمد حسين]].


كل ذلك استدعى وقوف السياسيين صفا واحدا لمقاومة الخطر الداهم الذي يهدد البلاد، ولكن وزارة زيور التي جاءت في أعقاب وزارة سعد عملت على ترضية انجلترا والاستجابة لكل مطالبها التي تقدمت بها بعد حادث مقتل السردار وقد عبر زيور عن تلك [[السياسة]] بأنها محاولة لإعادة صفو العلاقات مع الحكومة البريطانية، وإسرافا منها في الوصول إلى تلك الغاية وإرضاء لنزعة الملك فؤاد الأوتوقراطية ، فقد طالب بحل مجلس النواب، وصدر المرسوم الملكي بالحل، وهكذا تخلص الملك فؤاد من البرلمان الوفدي كما تخلص من الوزارة الوفدية من قبل.
وعلى الرغم مما تعرضت له [[مصر الفتاة]] في عهد وزارة الوفد، فقد استطاعت أن تحقق نجاحا ماديا فازداد عدد المنضمين إليها، وذلك على أثر الانشقاق الذي حدث داخل [[حزب الوفد]] بخروج [[النقراشي]] وأحمد ماهر من بين صفوفه في نهاية [[1937]]؛


وبعد أن تحقق للملك فؤاد ما أراد ، سعى إلى خلق أحزاب سياسية جديدة تسند حكمه الاستبدادي، فبعد أن اصطدم بالوفد حاول أن يضم الأحرار الدستوريين إلى صفه، وقد نجح في ذلك بعض الشيء، وحين لم يسيطر عليهم سعى إلى تأليف حزب جديد هو " حزب الاتحاد" فعهد إلى حسن نشأت بتأليفه، وقد اشتهر لدى الدوائر الشعبية على أنه " حزب الملك" وأطلق عليه [[سعد زغلول]] " حزب الشيطان"
فقد وجه حزب [[مصر الفتاة]] اهتماما كبيرا في محاولة اجتذاب الكثير من بين شباب الوفد الذين خرجوا عليه كي يضمهم إلى صفوفه، فعقد الحزب اجتماعات كبيرة داخل الجامعة وكون لجانا مختلفة هدفها الأساسي جذب تلك العناصر وضمها تحت رايته فكانت '''" اللجنة التنفيذية لطلبة [[مصر الفتاة]] ب[[الأزهر]]"''' و '''" لجنة المدارس الثانوية والخاصة" و " لجنة الجامعة والمدارس العليا "'''
وقد تهيأت لهذا الحزب كل أسباب النجاح فقد خصصت له اعتمادات مالية ضخمة، هذا فضلا عن صحيفتي  "الاتحاد" و" الليبرتية" لتعبرا عنه وكلسان حال له.


إلا أن الحزب لم يكن يضم بين أعضائه أحدا من البارزين. وقد كان القصد من إنشائه هو دعم سلطة الملك، وأن يحكم بمراسيم بدلا من الحكومات البرلمانية.
وفى هذا المجال فقد أحرز الحزب نجاحا جدير بالاهتمام، فقد جاءت نتائج انتخابات اتحاد طلبة الجامعة المصرية في أواخر [[أكتوبر]] [[1937]] تنبئ عن فوز ساحق لطلبة [[مصر الفتاة]] على زملائهم الوفديين وغيرهم، فقد حصل حمادة الناحل عضو [[مصر الفتاة]] على أكبر عدد من أصوات الناخبين في كلية الحقوق، كما حصل عثمان نجاتي عضو [[مصر الفتاة]] أيضا على أكبر عدد من أصوات الناخبين في كلية الآداب.
 
أما في عام [[1938]] وبعد أن تهيأ المناخ الصحي للحزب لممارسة نشاطه، فقد أنس في نفسه قوة، واعتبر نفسه حركة المستقبل التي ستؤول إليها مقاليد الأمور في المستقبل ، ففي اجتماع الحزب في 27 [[يناير]] من نفس العام قرر إنشاء عدة مكاتب ولجان تتولى تنفيذ برنامجه الاجتماعي والاصلاحى منها مكتب الانتخابات، لجنة مكافحة الأمية، لجنة مشروع القرش والدراسات الاقتصادية، لجنة الشئون الصحية، لجنة القرية المصرية، لجنة مناهج التعليم وأخيرا لجنة نشر الثقافة العسكرية.
 
وفى 7 [[مارس]] قرر الحزب إنشاء '''" مكتب الشئون الخارجية"''' برئاسة عبد الرحمن بدوى . ويقوم هذا المكتب بدراسة الشئون الخارجية وإعداد تقارير عنها يرفعها لقيادة الحزب.
 
وجدت تلك الفكرة قبولا لدى الحزب، ففي اجتماعه في 5 [[مايو]] [[1938]] أعلن الحزب عن تشكيل عدد آخر من المكاتب تتولى دراسة برنامج الحزب ودراسة مختلف مظاهر الحياة المصرية، فأنشى مكتب شئون التربية برئاسة الدكتور مصطفى الوكيل، مكتب الشئون الصحية برئاسة نور الدين طراف، مكتب الشئون الزراعية برئاسة حسين الأبيارى، مكتب الشئون الاجتماعية برئاسة عثمان نجاتي، مكتب الشئون الاقتصادية برئاسة محمد صبيح، مكتب الفنون برئاسة حسين محمد يوسف، مكتب الشئون الدينية برئاسة عبد الحميد المشهدى، مكتب الدراسات السياسية برئاسة [[فتحي رضوان]]، مكتب الشئون الهندسية يتولى سكرتارية على زين العابدين وسمير حلمي، مكتب شئون الدفاع برئاسة محمد صبيح ، مكتب الشئون الصناعية برئاسة أحمد بدوى، مكتب شئون [[السودان]] برئاسة محيى الدين عبد الحليم، ويمكن اعتبار تكوين هذه المكاتب بمثابة '''"وزارة ظل"''' ألفها حزب [[مصر الفتاة]] كي تكون مستعدة للقفز إلى كراسي الحكم إذا طلب منه ذلك في المستقبل.
 
وعلى الرغم من هذا المد الخاص ب[[مصر الفتاة]]، فقد أرادت وزارة محمد محمود أن تتخلص من فرق القمصان الزرقاء إلى عاثت في البلاد فسادا استشرى خطره، حتى أنها هاجمت أكثر من مرة منازل المعارضين ل[[حزب الوفد]] ومنهم محمد محمود وأفراد حزبه؛
 
فما أن استتب الأمر لمحمد محمود في وزارته حتى استصدرت في 8 [[مارس]] [[1938]] مرسوما بقانون يحظر قيام الفرق شبه العسكرية، فطبق على القمصان الزرقاء الوفدية وقمصان [[مصر الفتاة]] الخضراء وقد كان لذلك المرسوم أثر كبير على [[مصر الفتاة]]، فلم تكن الفرق النظامية مسألة هامشية بالنسبة لنشاط الحزب وفيما يخطط للوصول إليه، فقد اعتبرها '''" جيش الخلاص"''' الذي دعا [[أحمد حسين]] إلى تكوينه منذ عام [[1930]].
 
تأثر نشاط [[مصر الفتاة]] بإلغاء فرقه النظامية، فتقدم [[أحمد حسين]] بالتماس إلى الملك فاروق طلب فيه السماح بعودة فرق القمصان الخضراء، مبررا تلك العودة بأن البلاد لا يمكن لها التقدم إلا بقيام ثورة إصلاحية في مختلف مجالات الحياة وليس سوى الشباب من يستطيعون القيام بتلك الثورة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بانتظامهم في أعمال منظمة تعلمهم النظام والطاعة والأخلاق؛
 
وفى حقيقة الأمر فإن مرسوم حل الفرق شبه العسكرية لم يكن مقصودا به قمصان [[مصر الفتاة]] ولكنه لا يمكن استثناؤها من الحل، وعلى الرغم من ذلك فقد كان للمرسوم رد فعل لدى الأجانب الذين يمارسون مثل هذه الأنشطة شبه العسكرية، فقد تقدم وزير إيطاليا المفوض في [[مصر]] باحتجاج إلى وزير الحقانية أحمد خشبة على شمول هذا المرسوم لفرق قمصانهم السوداء الفاشية.
 
اعتقد حزب [[مصر الفتاة]] أنه بقرب تحقيق أهدافه في الوصول إلى الحكم في أعقاب وزارة محمد محمود، فمهد لخطوته هذه فتقدم إلى الحكومة طالبا تخفيض سن العضوية لمجلس النواب إلى خمسة وعشرين عاما بدلا من ثلاثين حتى يتمكن زعماءه من خوض معركة الانتخابات التي ستجريها الوزارة.  
 
ولكن محمد محمود كان يرى أن علاقته ب[[مصر الفتاة]] لا تتعدى أنه أداة أدت مهمتها وكوفئت عليها فلم يعر ذلك المطلب اهتماما. فكان ذلك بداية نداء إلى الطلبة من أعضاء الحزب بألا يزجوا بأنفسهم في معركة الانتخابات المقبلة بعد أن حيل بين [[مصر الفتاة]] وبين الاشتراك فيها، وأن يتركوا الجيل القديم يتطاحن ويخوض معركة الانتخابات بعيدا عن الشباب، فهو جيل سوف يفنى نفسه بنفسه ويمهد الطريق للشباب.
   
   
وعلى ما يبدو من الظروف التي نشأ فيها الحزب وأشخاص أعضائه وموقف قوى الشعب منه أن الحزب قد ولد ميتا، وأن دل تأليفه على شيء فإنما يدل على مدى النزعات الأوتوقراطية التي كانت توجه القصر بعد الاستقلال .
كان ذلك الموقف من جانب وزارة محمد محمود، إلى جانب مرسوم حل التشكيلات والفرق العسكرية علامتين بارزتين على طريق العلاقات بين حزب [[مصر الفتاة]] والأحرار الدستوريين ، فقد خاب فأل [[أحمد حسين]] في وزارة محمد محمود والتي آمل في أن يحقق الجزء الأكبر من برنامجه على يديها، وقد اعتبرها مرحلة انتقال تمهد له ولحزبه تولى مقاليد أمور البلاد؛


وفى ظل تلك الظروف أجرت وزارة زيور الانتخابات فأسفرت عن أغلبية للوفد لم يكن يريدها زيور واجتمع البرلمان يوم 23 [[مارس]] [[1925]]، فتقدم زيور إلى الملك في نفس اليوم طالبا حل مجلس النواب مرة أخرى، موضحا أنه بمجرد انعقاد المجلس الجديد ظهرت فيه روح عدائية حيث اختار لرئاسته [[سعد زغلول]]، وبما أن هذا التصرف من جانب المجلس يجعل مهمة زيور صعبة على حد قوله فتقدم باستقالة وزارته.  
وبعد أن اتضح له هذا الموقف من جانبها طالبها بإجراء عدة إصلاحات تشمل مختلف نواحي الحياة في المجتمع المصري، ولما لم تستجب لما طالبها به انبرى يهاجمها في حملة صحفية عنيفة على صفحات جريدته، وخاصة بعد أن جرى تأليف الوزارة من جديدة بعد إجراء الانتخابات وإخراج محمد كامل البندارى من عضويتها، فاشتد [[أحمد حسين]] أكثر في مخاصمتها وندد بها وطالب بإسقاطها.  


وعندما عرضت الاستقالة على الملك فؤاد رفض قبولها، وإنما صدر المرسوم بحل المجلس في نفس اليوم.  
وقد تعرضت [[مصر الفتاة]] في عهدها إلى إجراءات اشد قسوة وصرامة عما تعرضت له في عهد الوزارة الوفدية السابقة عليها.


وعلى الرغم من الظروف غير المواتية ل[[أحمد حسين]] وحزبه، فقد اعتقد أنه بقرب تحقيق أهدافه في الوصول إلى الحكم وتحقيق برنامجه بإعادة مجد [[مصر]]، وأن ذلك لن يتأتى إلا على يد الجيل الجديد من الشباب شباب [[مصر الفتاة]].


كان زيور أقل صلاحية مما يتطلب القيام بالدور الذي فرض عليه، فلم ينجح في أن يحول دون حدوث الانقسامات بين أعضاء وزارته من الأحرار والاتحاديين ، ذلك أن آراء ومفاهيم كلا الحزبين كانت متباينة إلى حد كبير، فالاتحاديون يرون في الصراع ضد الوفد تدعيم للحكم الفردي الذي يسعى إله القصر.  
فسافر إلى أوربا في صيف عم [[1938]] ليدرس أنظمة الحكم المختلفة والأسس التي تقوم عليها الحياة الأوربية سياسية واجتماعية وهو يهدف إلى تلمس نظام حكم معين يسلكه حزبه عندما يرتقى الحكم بعد مضى مهلة السنوات الثلاث التي حددها كي يصل حزبه إلى السلطة عندما تدعوها الأمة لذلك.  


وقبل أن يقوم برحلته إلى أوربا عقد اجتماعا في 8 [[يونيو]] [[1938]] صرح فيه بأنه يؤيد قيام حكومة ائتلافية تضم جميع [[الأحزاب]] برئاسة على ماهر، ويرى أن ذلك هو الحل لمشاكل [[مصر]] الحالية، فإذا لم تلق هذه الفكرة قبولا، فإنه يجب أن تعطى الفرصة للشباب الذين يمثلهم حزبه لتصريف شئون البلاد، وطالب أعضاء حزبه أن يستمروا في النضال للوصول إلى هذا الهدف طبقا للبرنامج الذي وضعه لهم.


والأحرار الدستوريون لم يكن إغفال العمل ب[[الدستور]] بالنسبة لهم سوى إجراء وقتي، فتململوا من ائتلاف أدركوا أنه أكثر إضرارا بمصالح حزبهم وبمصالح [[مصر]].
عاد [[أحمد حسين]] من رحلته إلى أوربا في 14 [[أغسطس]] [[1938]]، وكان الحزب قد قرر من قبل أن يقوم بنشاط متزايد في الشتاء القادم لإسقاط الوزارة، ولكن موقفه هذا قد تغير بعد إعادة تأليفها وإدخال السعديين فيها ، فوعد [[أحمد حسين]] بتأييدها إذا نفذت برنامج [[مصر الفتاة]] في الإصلاح؛


وكانت أزمة كتاب [[على عبد الرازق]] " [[[[الإسلام]] وأصول الحكم]]" أحد السباب التي عجلت بنهاية هذا الائتلاف وخروج الدستوريين منه. وكان أن فرض الملك فؤاد على البلاد وزارة قصر حقيقية ، فعين في المناصب التي خلت رجالا معروفين بالولاء له، فأصبحت الوزارة أداة في يد الملك.  
وبعد عودة [[أحمد حسين]] من أوربا اتجه الحزب إلى بذل مجهوداته لزيادة أعضائه والمؤيدين لسياسته فنظم عددا من الاجتماعات واللقاءات في القرى، فقد أوفد الحزب بعض أعضائه إلى الريف ليبذلوا فيه نشاطهم ولتثبيت الإيمان ب[[مصر الفتاة]] في نفوس ساكنيه ولم أعضاء جدد للحزب، وقد بدأ مصطفى الوكيل نائب رئيس الحزب هذه المهمة فوجه نداء إلى جنود [[مصر]] بالريف للعمل على زيادة عدد أعضائه. ولكن هذه الحملة التي قصد بها الدعاية للحزب وضم أنصار جدد لم تحقق نجاحا ملحوظا.  


كان ذلك بادرة وحدة بين [[الأحزاب]] ضد الحكومة والقصر، فاجتمع بالنادي السعدي في نهاية عام [[1925]] ممثلون عن الوفد والأحرار الدستوريين و[[الحزب الوطني]]، واتخذوا قرارات منها مواجهة حكومة زيور والتصدي لها.
ولما لم تثمر هذه الحملة ثمرتها المرجوة، استغل [[أحمد حسين]] فرصة إدخال وزارة المعارف تحت تأثير الأزمات الأوربية عام [[1938]] نظام التدريب العسكري في المدارس والجامعة وللأعضاء المتطوعين، فوجه نداءاته إلى أعضاء [[مصر الفتاة]] بالانخراط في سلك تلك التدريبات فوجه نداء إلى جنود [[مصر الفتاة]] بالريف للعمل على زيادة عدد أعضائه.  


وقد ظل الائتلاف قائما حتى عقدوا مؤتمرا وطنيا في [[فبراير]] [[1926]] قرروا فيه دخول الانتخابات من جديد حتى تظهر إرادة الأمة بعد أن سبق لهم الإعلان عن مقاطعتها.
وعلى الرغم من هذه النداءات المتكررة من جانب [[أحمد حسين]] للأعضاء فلم تحدث ما أراد منها، فأصدر قرارا بحل جميع منظمات الحزب في جميع أنحاء البلاد مستهدفا إعادة تنظيمها من جديد على أسس قوية وبروح فتية، موضحا خطوته هذه بقوله أنه قد سرت لدى الكثير من أعضاء [[مصر الفتاة]] روح التهاون في تنفيذ مبادئ الحزب، وأنه نظرا للتفكك الملحوظ في وحدة أعضائه، ورغبة في استئناف الكفاح الذي يرتكز على التضحية وإنكار الذات وتنفيذ مبادئ [[مصر الفتاة]] بحرفيتها وروحها.  


أجرت وزارة زيور الانتخابات فأسفرت عن ثالث فوزمدو للوفد في [[مايو]] عام [[1926]]. فتقدم زيور باستقالته في 7 [[يونيه]] [[1926]]، وكان على الملك فؤاد أن يقبلها بالهزيمة في أول محاولاته لإحياء أوتوقراطية جده محمد على.  
ويبدو أن الدافع الذي حدا ب[[أحمد حسين]] إلى اتخاذ ذلك القرار كان ما منى به مرشحو [[مصر الفتاة]] من فشل من انتخابات اتحاد الطلبة بالجامعة في ذلك العام.  


إن قرار [[أحمد حسين]] بحل تنظيمات الحزب المختلفة قد عرضه لهزة عنيفة نتج عنها أن نقص عدد أعضائه، فلما أدرك خطورة ذلك القرار، توجه بنداءات إلى أعضاء الحزب وطالبهم فيها بأن يكون لدى كل من يريد استئناف الجهاد في صفوف الحزب ملابس التدريب العسكري، وأن يضع نفسه تحت تصرف الرؤساء الذين سيصدر قرارا بتعيينهم.


وباستقالة زيور تنتهي الجولة الأولى التي أراد فيها الملك فؤاد أن يستبد بالحكم بفشل ذريع وذلك نتيجة اتحاد القوى الوطنية في مناهضة الملك هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحكومة البريطانية قد أصبحت أكثر اقتناعا بأن زيور رغم نواياه الطيبة تجاه بريطانيا لم يكن بالرجل الذي يستطيع المفاوضات معها. وقد أقنعها ذلك بأن استئناف المفاوضات رهين بعودة الحياة النيابية ، وبذلك التقت سياسة [[الأحزاب]] المؤتلفة مع سياسة حكومة لندن.  
وقد اتضح قلة عدد أعضاء الحزب في احتفاله بعيد الجهاد في 13 [[نوفمبر]] من نفس العام من قول [[أحمد حسين]] '''" فإذا كان عددنا الليلة قليلا، فإنه كبير بالروح التي ينطوي عليها. فهو اجتماع هام في حياة الحزب وقف فيه على مفترق الطرق"'''


وقد تبع ذلك القرار بإدخال عدد من التنظيمات الجديدة في حياة الحزب اصطبغت كلها بنمو الروح العسكرية لدى الحزب، كما دعا إلى استخدام القوة فكتب مقالا بعنوان '''" لابد من انقلاب. لابد من قوة"''' أوضح فيه أن الأهداف أصبحت لا تتحقق إلا بالقوة وان الحزب سيعمل لإحداث هذا الانقلاب بالقوة من الآن فصاعدا وتسمى الحزب منذ ذلك الوقت باسم الحركة.


ظل الائتلاف بين [[الأحزاب]] قائما فكان ذلك طابع الوزارات التي جاءت في أعقاب وزارة زيور، فوزارات عدلي وعبد الخالق ثروت و[[مصطفي النحاس]] كانت تعبيرا عن هذا الاتجاه في تلك الفترة لمواجهة اوتوقراطية القصر.  
بذل الحزب جهودا ضخمة لكسب أعضاء وأنصار جدد له، فقد حامل [[أحمد حسين]] أن يضم إلى حركته قطاعات جديدة من بين صفوف الطبقة العاملة، فصرح في الاجتماعات التي عقدها بعد عودته من أوربا أن الحكومات الايطالية والألمانية قد أقامت مشروعات مذهلة من أجل رفاهية الطبقات العاملة، وصرح بأن رفاهية تلك الطبقات تشكل جزءا من البرنامج الذي يريد حزبه أن ينفذه.  


هذا فضلا عن أن الحزب قد أعلن أنه سيوجه عناية خاصة لتكوين الشعب الجديدة له. كما أنه سيبذل نشاطا جما لتوثيق صلاته ب[[الأحزاب]] المختلفة في البلاد الإسلامية، وأنه سيوفد مندوبا من كبار أعضائه لزيارة بعض العواصم الإسلامية الكبرى في آسيا وفى الشمال الأفريقي، وستوجه عناية خاصة بشئون [[السودان]].


وقد سنحت الفرصة لتلك الوزارات أن تسعى لمفاوضات جديدة، فقد جرت مفاوضات بين ثروت وتشمبرلن وأسفرت عن مشروع معاهدة في صيف عام [[1927]]، ولكنه لا يتفق في أساسه ونصوصه مع استقلال البلاد فرفض.  
ولكن هذا الذي أعلن عنه الحزب لم ير النور. ولكن الشيء الواضح في حياة الحزب في تلك الفترة كان بروز الاتجاه الإسلامى على ما عداه ، ويعلل [[أحمد حسين]] ذلك بقوله أنه ناتج عن زيارته للسودان عام [[1938]] '''" أن السودانيين متدينون جدا وقابلوني بحماس شديد، فلما عدت إلى [[مصر]] كنت متأثرا بهذه الروح الدينية"''' وربما كان ذلك بفعل شخصية مصطفى الوكيل المؤثرة والذي كان يغلب عليه هذا الاتجاه ، وهو ما اصطبغ به كفاح الحزب بفضل تأثيره حتى نهاية فترة البحث.  


وفى أثناء إجراء تلك المفاوضات توفى [[سعد زغلول]] ، إلا أن الائتلاف ظل قائما، وخلفه [[مصطفي النحاس]] في زعامة الوفد وتولى الوزارة خلفا لثروت، وفى عهد وزارته حدثت أزمات بينها وبين السلطات البريطانية، فبدأ الائتلاف يتعثر في ذلك الوقت وبدا في الأفق أن محاولة جديدة تجرى بين القصر والأحرار الدستوريين للاعتداء مرة أخرى على [[الدستور]].  
كان بروز الاتجاه الإسلامى على ما عداه في حياة [[مصر الفتاة]] يستهدف توسيع دائرة أنصارها والمؤيدين لسياستها وقد شجع هذا الاتجاه تولى على ماهر الحكم على أثر استقالة وزارة محمد محمود، وعلى ماهر يعطف على [[مصر الفتاة]] ونشاطها منذ البداية، فقد رأى فيها والجمعيات الدينية الأخرى التي ظهرت في [[مصر]] في ذلك الوقت سندا له وللقصر الذي أصبح يمثل اتجاهه في مواجهة [[حزب الوفد]].  


وقد  تمتعت [[مصر الفتاة]] في عهد وزارته الثانية على الأقل في أول عهدها- بشيء من الاستقرار والحرية في ممارسة نشاطها السياسي، مما جعلها تعتقد أنها بقرب تحقيق أهدافها في الوصول إلى حكم البلاد، فقد كانت تعتبر فترة حكم على ماهر مرحلة انتقالية تمهد لها ولجيل الشباب الذي تمثله تولى الحكم، فقد حققت جماهيرية في الفترة التي سبقت إعلان الحرب.


كان القصر يرى أن [[الدستور]] يحول دون تدخله في الحكم أو انفراده به وهو ما كان يسعى إليه منذ بدء التجربة الدستورية في [[مصر]] فقد كان يترقب الفرصة لتعطيله.  
ولكن إعلان قيام [[الحرب العالمية الثانية]] كان له أثره الواضح على المجتمع المصري، فقد أعلنت الأحكام العرفية وشددت الرقابة على الصحف وعطلت الاجتماعات والنشاط السياسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أخذت اهتمامات الجماهير تنصرف إلى شئون الحرب الجارية، فأوقف ذلك المد الخاص بالحزب، وتأكد لقيادته أن ما اعتقدته أنها بقرب تحقيق أهدافها قد أصبح سرابا بفعل ظروف الحرب. فقد دبت بوادر الفتور والخمول لدى أعضاء الحزب.  


أما الأحرار الدستوريون فكان هدفهم الوزارة والمناصب، فإن لم يصلوا إليها عن طريق [[الدستور]] فليصلوا إليها عن طريق تعطيله. فقد اتفق على أن يستقيل الوزراء الدستوريون واحدا بعد الآخر، وبذلك يتصدع بناء وزارة النحاس من ناحية شكلها الائتلافي فيقيلها الملك.
أعلم [[أحمد حسين]] عدم رضائه عما صارت إليه حال الأعضاء ، فأعلن أنه لا يريد أن يكون معه من المجاهدين إلا من يؤثر الجهاد على كل شيء، أعلن ذلك قبل سفره إلى الحجاز في حجته الثانية، فذكر أنه إنما يسافر إلى الحجاز ليتطهر ويستغفر الله ويبتهل إليه أن يرشده إلى سبيله، وسوف يستخيره في أي الطرق يسلك، وما ينبغي عليه أن يفعل، ومن ثم عبر عن رجائه في أن يعود من الحجاز وقد اتضح في نفسه المنهاج الذي ينبغي عليه أن يسلكه، وصرح بأنه مهما يكن ذلك المنهاج فإنه لن ينطوي على الروح التي سادت الأعضاء في ذلك الوقت؛


إلا أن الذي أحرج مركز الوزارة بدرجة كبيرة كان استقالة أحمد خشبة وزير الحقانية الوفدي. هذا فضلا عن الحملة الصحفية التي شنتها الصحافة المعارضة للوفد حول وثائق قضية الأمير أحمد من سيف الدين.  
وطالبهم بأن يتهيئوا لمرحلة جديدة من الكفاح في سبيل تحقق غايات الحزب في إعادة مجد [[مصر]]، وبين لهم أن ذلك لن يحدث إلا بالإخلاص لمبادئهم والتمسك بها. ومن هنا نلمس إرهاصات التغير في أفكار الحزب للأخذ بالمبادئ الإسلامية ونمو الاتجاه الإسلامى. فقد أخذ يطفو على السطح بعد أن كان ضمنيا ، فيسعى الحزب إلى تغيير اسمه إلى '''" [[الحزب الوطني]] الإسلامى"'''.  


وبذلك حبكت المؤامرة لإقالة الوزارة فأقالها الملك فؤاد في 25 [[يونيه]] [[1928]] . وإن كانت من أكثر الوزارات الائتلافية السابقة حرصا على حقوق البلاد وصيانة دستورها.
بدأ الاتجاه الإسلامى يظهر واضحا في نشاط الحزب منذ أواخر عام [[1938]] كما ذكرنا، وهذا بدوره يدعونا إلى مناقشة تيارات الفكرة الإسلامية في [[مصر]] في الثلاثينات من القرن العشرين وما قبلها، فقد  كان [[رشيد رضا]] يهاجم المسلمين الذين يتمسكون بتعاليم [[الإسلام]] كما هي؛


فكان لمقالاته في '''" [[مجلة المنار|المنار]]"''' وكذلك كتبه أكبر الأثر في نشر هذا الرأي فقد تشربت القومية المصرية- عند تناولها هذه المؤلفات المكتوبة بأسلوب جذاب جرعة جديدة من الحماسة والقوة، وتكاتف المسلمون من كافة المذاهب للدفاع عن [[الإسلام]].


وبإقالة وزارة النحاس تظهر بوادر الانقلاب الثاني على [[الدستور]]، والذي يمثل الجولة الثانية من الصراع بين الملك والوطنيين. الملك يحاول أن يؤكد الأوتوقراطية والوطنيون حريصون على أن يكون دور الملك في الحكم ى يتعد كونه ملك دستوريا يملك ولا يحكم .
فأضفت هذه المؤلفات على الدين صبغة قومية، كان لها أثرها على الحياة السياسية في [[مصر]]، وكما أثرت على التكوين العقلي والنفسي والخلقي للشباب، وجاءت أولى نتائجها في ظهور العديد من الجمعيات الدينية التي لعبت دورا يتزايد مع الأيام في أوساط الطبقة المتوسطة ومنها '''" جمعية الشبان المسلمين" و" جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية"''' وغيرها؛


وكانت كل هذه الجمعيات تنفى عن نفسها بقوة أنها تتدخل في الحياة السياسية للبلاد، ولكنها مع ذلك سرعان ما تحولت إلى جمعيات يتعايش فيها كل من الدين والوطنية جنبا إلى جنب، ثم لم تلبث أن نشأت جمعيات أخرى لها طابع مزدوج ديني وسياسي في الوقت نفسه، مثل '''" جماعة [[الإخوان المسلمين]]"'''


بدأ الانقلاب الثاني على [[الدستور]] بأن اسند الملك إلى محمد محمود تأليف الوزارة فألفها في 27 [[يونيه]] [[1928]]، وقد كان ذلك مكافأة له ولحزبه على الدور الذي قام به في صدع الائتلاف وإقالة وزارة النحاس.  
هذا بالإضافة إلى أن جمعية [[مصر الفتاة]] قد تأثرت بهذا الاتجاه منذ البداية فقامت بحملات صاخبة لإغلاق حانات الشرب وتحريم الاختلاط في الأماكن العامة ومنع البغاء . وظلت تواصل نشاطها الديني حتى أعلنت عن تحولها إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى فأخذ نشاطها الديني يطفو على السطح.  


يرى [[أحمد حسين]] أن الوحدة العربية هي الوسيلة لتحقيق الجامعة الإسلامية التي تعد نهاية للتطور الذي ينشده ، كما يرى أنه لتحقيق تلك الغاية، فلابد وان تخلق وحدات عربية قادرة تنصهر في وحدة عربية قوية شاملة، فيرى أن تصبح [[مصر]] وحدة قومية تتألف من [[مصر]] و[[السودان]] ومن ثم تحالف الدول العربية الأخرى وبعد ذلك تتزعم [[الإسلام]].


وبذلك جنى الأحرار الدستوريون ثمار غرسهم. وقد ضمت وزارته كلا من الأحرار الدستوريين والاتحاديين . وهكذا عاد هذان الحزبان للتآمر على [[الدستور]] كما فعلا في عام [[1925]]. فطالبت الوزارة بتأجيل انعقاد البرلمان لمدة شهر ثم أعقبت ذلك بطلب حل البرلمان بمجلسيه وتعطيل الحياة النيابية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.  
بهذا المنطلق الفكري سافر [[أحمد حسين]] إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، هذا فضلا عن جعل دعوة [[مصر الفتاة]] عامة لجميع الأقطار العربية الإسلامية.
عاد [[أحمد حسين]] من الأراضي الحجازية مصمما على إجراء التغيير الذي أراده فيقول" عدت من البلاد المقدسة وأنا ممتلئ عزيمة وقوة على قوة وقد أنار الله لي سبيل العمل وطريق الجهاد، وأول خطوات ذلك العمل وهذا الجهاد أن نعود إلى تنظيم صفوفنا لتناسب الدور الخطير الذي ينبغي علينا أن نضطلع به، بعد أن لم تعد حركة [[مصر الفتاة]] حركة محلية فحسب تبدأ ب[[مصر]]، بل لقد جاوزت الحدود والسدود، ونفذت روحها إلى البلاد العربية والإسلامية، فأصبح من العبث أن نتجاهل هذه الحقيقة بعد أن سعينا لها منذ خرجت [[مصر الفتاة]] إلى الوجود.  


واليوم بدأت ألمس بيدي طريق الحياة ل[[مصر]] وللبلاد العربية والإسلامية، وأن ذلك كله يتحقق في بعث [[الإسلام]] والتعاليم الإسلامية واتخاذها أساس الحياة. وشباب [[مصر الفتاة]] هم المطالبون اليوم بأن يقوموا بهذا الدور الخطير في حياة [[مصر]] و[[الإسلام]].


وقد انقسمت الصحافة البريطانية بإزاء هذا الانقلاب إلى فريقين. فالفريق الأول ينعى على النحاس تصرفاته إزاء بريطانيا، ورفض مشروع ثروت تشمبرلن ويثنى على اختيار محمد محمود لرئاسة الوزارة.  
وهذا من شأنه أن يحملنا على التفكير لكي نعدل حياة [[مصر]] و[[الإسلام]]، وهذا من شأنه أن يحملنا على التفكير لكي نعدل اسم الحزب وبرنامجه تعديلا يجعلها أكثر تصويرا لهذه الأهداف".  


دعا [[أحمد حسين]] مجلسي الإدارة والجهاد لعقد اجتماع في 2 [[مارس]] [[1940]] وذلك لمناقشة المقترحات التي سيعرضها عليهم حول التغيير المزمع وللنظر في أمر الحزب ومبادئه.


أما الفريق الآخر فقد أخذ جانب الدفاع عن النحاس بقوله" إن إقالة النحاس باشا وتعيين محمد محمود باشا وحل البرلمان المزمع كلها حركات مدبرة في حملة منظمة لسياسة كلف اللورد لويد بتنفيذها ..  
عرض [[أحمد حسين]] فكرته عن التغيير على المجتمعين، فأوضح أنه ظهر من رحلته أن العالم الإسلامى على معرفة بحركة الحزب، كما ذكر أن المبادئ التي اتخذها الحزب منذ البداية، كان الهدف منها تقوية الروح القومية وتشجيع كل ما هو مصري، فكانت كلها تنصب على القومية المصرية، والآن حان وقت تغيير هذه القواعد على شكل يجعل القومية التي يسعى إليها الحزب هي القومية الإسلامية، ويجعل نفوذ الحزب يمتد إلى كل الأقطار العربية والإسلامية، ليكون له أنصار وأعوان يساعدوننا على وحدة المسلمين التي نعمل من أجلها.  


وبعد أن عرض [[أحمد حسين]] فكرته على أعضاء المجلس ترك لهم فرصة للتفكير فيما عرضه عليهم لمناقشته في جلسة تالية.


وهى سياسة ترمى إلى إحباط الحركة الوطنية" هذا وإن كانت الحكومة البريطانية قد صرحت على لسان وزير خارجيتها أنه لا دخل لها بما حدث في [[مصر]]، وإن كان الوزير نفسه قد أدلى فيما بعد بتصريحات تنم عن إقرار حكومته لهذا الانقلاب.
عقد الاجتماع الثاني في 6 [[مارس]] [[1940]], وفتح [[أحمد حسين]] باب المناقشة ، فعارض بعض أعضاء المجلس في إجراء التغيير المقترح، وكان محور المعارضة يدور حول أن اسم [[مصر الفتاة]] قد ذاع في كل البلاد، وأن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل حتى يألف الناس الاسم الجديد.


وقد أوضح [[فتحي رضوان]] سكرتير عام الحزب أن معارضته للتغيير إنما ترجع إلى أن الوقت لا يناسب التغيير، وأن ظروف الحزب القائمة لن تسمح لهم بإذاعة البرنامج ونشره خاصة وأنهم لا يستطيعون نشر شيء في جريدتهم " [[مصر الفتاة]]"
وعلى الرغم من المعارضة التى لقيتها فكرة التغيير، فإن المناقشة استمرت داخل الجلسة و[[أحمد حسين]] يرد ويبين أنه قد اقتنع بضرورة التغيير الشامل حتى للاسم قائلا أنه لا يستطيع عمل شاء الآن والحزب بحالته الحاضرة، في حين أنه يرى أن الحزب سيكسب كثيرا من هذا التغيير وسيجد المجال واسعا للكفاح والعمل.
وانتهت الجلسة بموافقة المجلسين على إجراء التغيير المقترح، ودعى المجلسان لعقد جلسة أخرى في 12 [[مارس]] لدراسة البرنامج الجديد الذي سيضعه [[أحمد حسين]] بنفسه.
وضع [[أحمد حسين]] البرنامج وأعد له مذكرة تفسيرية ، وعقدت الجلسة في الموعد المحدد وتناقش الأعضاء حول مواد البرنامج ، واقترح تعديل بعضها وقد أجرى ذلك التعديل ورفع البرنامج إلى الملك في 18 [[مارس]] [[1940]].
كان الهدف المعلن للتغيير أنه محاولة لتوسيع دائرة كفاح الحزب لتشمل العالم العربي والإسلامى، ولكن الهدف الحقيقي منه كان محاولة من جانب [[أحمد حسين]] لكسب المزيد من الأنصار والأعضاء لحزبه حتى تحقق له الجماهيرية التي كان ينشدها منذ البداية، خاصة وأن المراحل السابقة التي مرت بها [[مصر الفتاة]] لم تساعده على تنفيذ فكرته في بعث مجد [[مصر]] القديم، فرأى أن يطور كفاحه بإبراز الاتجاه الإسلامى في أيديولوجية الحزب، والانتقال خطوة إلى الأمام في دائرة أوسع والمناداة ببعث مجد [[الإسلام]] فعزف على وتر الحماس للدين الإسلامى؛
خاصة وأن المجتمع المصري بقيمه وتقاليده السائدة آنذاك أكثر استجابة للاتجاهات الدينية، هذا بالإضافة إلى أنه كان يدرك أبعاد نشاط جماعة [[الإخوان المسلمين]] المتزايد وسيطرتهم على الجمعيات الإسلامية الأخرى وتعاظم القوى الشعبية التي كانت تؤيدها ، فقد أسرع بتغيير اسم [[الحزب الوطني]] الإسلامى لينافس جماعة [[الإخوان]] في الزعامة الشعبية.
وقد ذكر [[أحمد حسين]] فيما بعد أن التغيير كان يهدف إلى الرغبة في التغيير فقد تحول حزب [[مصر الفتاة]] إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى ونشر برنامجه الجديد، وعلينا أن نتناول أهم ما جاء بهذا البرنامج.
نص البرنامج الجديد على تحرير [[مصر]] و[[السودان]] وتحقيق الوحدة العربية. ورسم الخطوط لتحقيق الجامعة الإسلامية. فقد نصت المادة الثانية منه على أن من غايات الحزب مكافحة الاستعمار للأمم الإسلامية في أي جزء من أجزاء العالم وتحرير البلاد الإسلامية، وتحقيق الجامعة الإسلامية وإحياء مجد [[الإسلام]] ونشر رسالته في أرجاء العالمين.
وكما نص البرنامج أن وسيلته لتحقيق تلك الغايات هي أن يضطلع الحزب بمسئولية الحكم في البلاد، فقد نص على أنه يسعى للصول إلى الحكم بالطرق المشروعة ومن أهمها الحصول على تأييد الرأي العام في الانتخابات العامة والحصول على ثقة جلالة الملك صاحب عرش البلاد والعامل الأول على إشادة صرح مجدها ورفاهية شعبها وجمع كلمة العرب والمسلمين.
حدد البرنامج موقف الحزب من مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ففيما يختص بالناحية التشريعية وبنظام الحكم في البلاد، فقد نص على ضرورة أن تستمد قوانين البلاد كل أصولها من الشريعة الإسلامية، أو بما لا يتعارض معها، كما نص على أن يكون نظام الحكم دستوريا طبقا لقواعد [[الإسلام]] يتمتع فيه الناس بالحرية الحقيقية والمساواة والشورى، وأن يتولى صياغة القوانين مجتمع من العلماء والمشرعين الذين تتمثل فيهم جميع مذاهب المسلمين.
وقد حدد الحزب مدة خمس سنوات من تسلميه مقاليد الحكم في البلاد لينفذ فيها برنامجه في الداخل ثم بعدها يواصل تنفيذ برنامجه الخارجي، أما إذا لم تتح له فرصة تولى الحكم فإنه لا يتردد في تأييد أي حكومة متى تعهدت بتنفيذ برنامجه.
وأهم ما يلفت النظر فيما نص عليه البرنامج وانطلاقا من فكر [[مصر الفتاة]] المبكر في ضرورة نشر الروح العسكرية بين المواطنين وخاصة بين الشباب والعمل على تنظيمهم ، وإن كان قد خطا خطوة أبعد من ذلك.
فقد نص على ضرورة أن تكون المصالح الحكومية خاضعة لنظام شبه عسكري وأن يوحد زى الموظفين جميعا. هذا فضلا عن أن المدارس على اختلاف أنواعها ودرجاتها يجب أن يكون النظام بها نظاما شبه عسكري فيوحد الزى لجميع الطلاب، وعليهم تأدية التدريبات العسكرية، كما أن الزى لابد وأن يكون من المصنوعات المصرية.
ولعل هذا يوضح مدى إصرار الحزب على صبغ المجتمع المصري بصبغة شبه عسكرية حتى بعد أن تحول إلى حزب اسلامى يرى أن وسيلته لتولى الحكم هو الحصول على تأييد الرأي العام والحصول على أغلبية في الانتخابات إلا أنه لم يستطع أن يتخلى عن فكرته القديمة في تكوين " الميليشيا الفرعونية" للوصول إلى الحكم بالقوة لبعث مجد [[الإسلام]]. ولعل هذا أهم ما أتى به البرنامج الجديد.
   
   
قوبل الانقلاب على [[الدستور]] للمرة الثانية بالسخط والاستنكار ، فهو حرمان للأمة من حقوقها التي كسبتها بعد نضال مرير. فنشط الوفد لبث الدعوة بين أنصاره لتجديد الثقة بزعيمه، وفى نفس الوقت للتنديد بأعمال وزارة محمد محمود.  
كانت المعارضة التي قوبلت بها فكرة التغيير مبنية على أن ظروف الحرب القائمة لا تتيح القيام بأي نشاط في سبيل عرض البرنامج الجديد والعمل على نشر ما حواه من مبادئ بين المواطنين.
 
وقد تأكد ذلك فيما بعد فلم يكن الحزب بقادر على ممارسة نشاطه السياسي بأي شكل من الأشكال فقد كانت الرقابة مشددة على الصحف، فكانت تظهر فيها الصفحات البيضاء دلالة على كثرة الحذف الذي أعلمه فيها قلم الرقيب، هذا فضلا عن الأحكام العرفية فلا اجتماعات ولا نشاط سياسي.
 
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تجربة التغيير كانت تحمل عوامل فشلها داخل تكوينات الحزب نفسها، فقد قوبلت عملية التغيير بالرفض من جانب بعض شعب الحزب، ففي [[الإسكندرية]] عقدت اللجنة العمالية المشكلة بحي " وموز" للعمل على مبادئ [[الحزب الوطني]] الإسلامى- اجتماعا بتاريخ 31 [[مارس]] [[1940]] نوقشت فيه مسألة العودة في استخدام [[الإسلام]] القديم للحزب وهو " حزب [[مصر الفتاة]]" ووافق الأعضاء على ذلك، هذا فضلا عن أن إسماعيل عامر المشرف على لجان الحزب ب[[الإسكندرية]] دعا الأعضاء إلى اجتماع يعقد في 2 [[أبريل]] ليدلى إليهم بالأسباب التي دعت إلى تغيير الاسم والعودة إلى الاسم القديم.
 
عقد الاجتماع في الموعد المذكور وتولى رئاسته عبد الحميد المشهدى عضو مجلس إدارة الحزب فافتتح الاجتماع قائلا:" عليكم أن تعودوا إلى نشر مبادئ الحزب القديمة والدعاية لها في كل مكان، وألا تتصادموا مع أي شخص أو حزب لأننا في حالة هدنة الآن وسنتبعها بحركة تتطلب منكم جهودا عظيمة... ولكننا إذا ما لجأنا إلى الهدنة اليوم فليس ذلك إلا لخطة مرسومة سنواصل بعدها كفاحا أنتم نواته" .
 
وفى ختام الاجتماع طالبهم المشهدى بضرورة أن يترددوا على دار الحزب ب[[الإسكندرية]] لكي يقفوا على ما ينقله لهم إسماعيل عامر من التعليمات التي سيزوده الحزب بها عن طريق البريد، وذلك لأن الحزب في حالة لا تمكنه من القيام بنشاطه، فالبوليس يراقبهم والرقابة مفروضة بشدة على صحيفة الحزب.
 
هذا فضلا عن أن عملية التغيير قد أحدثت صدعا في وحدة الحزب فنشبت الخلافات بين أعضائه، ولعل مطالبة المشهدى رغم أزهريته- لشعبة [[الإسكندرية]] بالعودة إلى الاسم القديم تؤكد ذلك الموقف ، فالمشهدى عضو مجلس إدارة الحزب ولابد وأنه على دراية وإلمام بسياسة الحزب العليا، ولعل ما يؤكد ذلك أن تقدم كثير من أعضاء الحزب باستقالاتهم من عضويته، وكمثال على ذلك فقد تقدم بعض أعضاء شعبة [[بور سعيد]] باستقالاتهم احتجاجا على التغيير.
 
هذا وإن كان الحزب لم يعلن عن ذلك رسميا، إلا أن جريدته عادت إلى ذكر الاسم القديم في بعض المقالات منها مثلا" من حزب [[مصر الفتاة]] إلى دولة رئيس الوزراء" هذا فضلا عن أن جريدة الحزب ظلت كما هى فلم يتغير اسمها وبقيت باسم " [[مصر الفتاة]]".
 
أدرك الحزب أنه لم يحقق نجاحا فيما قصد إليه بعملية التغيير فبدأ يسعى إلى تنظيمات جديدة بين صفوفه فأعلن أن على [[مصر الفتاة]] أن تراجع نظامها الداخلي في الوقت الحاضر وأن تصلح من أخطائه، وأن تسد ما فيه من ثغرات مستفيدة من تجاربها منذ البداية، فعليها مراجعة موقف كل عضو من أعضاء الحزب ، فذكرت أن من كان ضعيفا خوارا، ومن كان يتخذ من عضويته زينة أو ترفا، ومن كان يعتبر أن الوطنية على هامش حياته فعليه أن يخرج من بين صفوف العاملين في الحزب، ومن أثقلته أعباء الكفاح فلينأى بنفسه، ومن أراد أن يبقى في صفوفها فعليه أن يلتحق بالتدريب العسكري في المدارس والجامعات، أو في ميادين التدريب التي أعدتها الحكومة لتدريب الجيش المرابط.
 
و[[مصر الفتاة]] في هذا لم تستطع أن تتخلى عن فكرتها في خلق القوة التي تساعدها في الوصول إلى الحكم، هذا فضلا عن أن الحزب كان يعد للقيام بثورة مسلحة يتولى على أثر نجاحها مقاليد الحكم في البلاد، ولهل هذا يفسر سر تشدده مع الأعضاء في ضرورة الالتحاق بالتدريب العسكري.
 
إلا أن ظروف الحرب التي كانت قائمة شدت انتباه معظم جماهير الحزب إلى متابعة أحداثها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ما فرضته الحرب من أعباء اقتصادية تمثلت في ارتفاع أسعار المعيشة وقلة المواد التموينية عن حاجة الجماهير، قد شغلتهم هذه الأوضاع إلى حد كبير عن النضال السياسي فلم يواصل الأعضاء دفع التزاماتهم المالية تجاه الحزب، مما جعله يجدد نداءه إليهم بأن من أثقله الكفاح فلينأى بنفسه بعد أن اتضح له تراخيهم عن الجهاد الحق.  
 
ظلت الأوضاع داخل الحزب على هذا المنوال السابق ، الأعضاء تشدهم مشاكل الحياة اليومية عن " الجهاد" وعن تقديم أدنى قدر ممكن من التزاماتهم المالية نحو الحزب، والحزب غير مستطيع أن يقوم بأي نشاط سياسي حر، في اجتماعات ولا نشر في الجريدة إلا ما تسمح به الرقابة ، فهو في هذه الفترة أو منذ بداية الحرب أشبه بالجسد الذي لا يحمل بين جنبيه روحا تحركه.
 
ولقد كان للانجليز منه موقفا فطالبوا الحكومات المتعاقبة في فترة الحرب بضرورة اعتقال أعضائه لتأكدهم أنهم لا يؤيدون جانب الحلفاء ، وإنما هو موالون للمحور، ولكن وزارة على ماهر ومن بعده حسن صبري أهملوا ذلك الطلب من جانب [[الإنجليز]] ما دام ليس هناك ما يبرر هذا الإجراء، فلما كانت حركة رشيد غالى الكيلانى في [[العراق]] والتي شارك فيها مصطفى الوكيل عضو الحزب بنصيب كبير، وما أعلنه الحزب من تأييده لتلك الحركة، ضغط [[الإنجليز]] وتشددوا في موقفهم فلم تجد وزارة حسين سرى مناصا من القبض على غالبية أعضاء الحزب ورئيسه وإيداعهم السجون منذ [[مايو]] [[1941]] وحتى نهاية [[الحرب العالمية الثانية]] على وجه التقريب .
 
إن الظروف التاريخية التي نشأت فيها [[مصر الفتاة]]، هذا فضلا عن النشاط السياسي والاقتصادي ل[[أحمد حسين]] قبل إعلان قيام الجمعية، كل ذلك يمهد لقيام الجمعية التي تعد نوعا جديدا من أنظمة سياسية تؤمن باتخاذ أساليب جديدة لحل المسألة المصرية، أما نشاط [[أحمد حسين]] المبكر والذي دار كله حول إيمانه بضرورة إعادة أمجاد [[مصر]]، لكي تكون سيدة العالم من جديد، ولكي يتحقق ما آمن به [[أحمد حسين]] ورفاقه منذ البداية فقد مر ذلك الإيمان بعديد من المراحل منها العمل بالتحالف مع الأحرار الدستوريين ومطالبة محمد محمود بالعمل على إعادة مجد [[مصر]] وأن يحقق لها ما حققه موسولينى لإيطاليا ، ومنها مرحلة تصدى [[أحمد حسين]] لهذا العمل بنفسه في عام [[1930]] بدعوته إلى تكوين " الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" مستهدفا من وراء ذلك إعادة مجد [[مصر]] القديم على يديه؛
 
ولما لم تنجح المحاولة عاد يقرع أسماع المصريين بمشروع اقتصادي قومي وفى ظروف مناسبة في وقت الأزمة الاقتصادية العالمية، فكان مشروع القرش للنهوض بالصناعات الوطنية، استطاع [[أحمد حسين]] أن يهز به كيان المجتمع المصري ويرتفع باسمه وبجماعته إلى المستوى القومي، وقد مهد به لخطوته التي جاءت بعده فألف جمعية [[مصر الفتاة]] لتحقيق هدفه المبكر بعد أن كسب جماهيرية وخبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري من خلال العمل في المشروع.
 
وفى حقيقة الأمر إن كل هذه المراحل التي سبقت إعلان جمعية [[مصر الفتاة]] تعد بحق إرهاصات لها، فقد كانت كل خطوة مرحلة من مراحل الدعوة لها وتهيئة المجتمع المصري لذلك التيار الفكري الجديد الذي يؤمن باستخدام القوة لتحقيق استقلال البلاد، فلما أعلن قيام الجمعية كان [[أحمد حسين]] ورفاقه من جماعة المؤسسين لها، يستهدفون تحقيق المزيد من الأعضاء والأنصار؛
 
حتى تمكنه تلك الجماهيرية من تحقيق هدفه، ومن هذا المنطلق فقد سعى [[أحمد حسين]] إلى عدد من التطورات التي مرن بها فكرة [[مصر الفتاة]]، فبعد أن لم تستطع الجمعية بظروفها المحيطة بها وبطبيعة تكوينها من تحقيق الجماهيرية التي كان ينشدها سعى إلى تحويلها إلى حزب سياسي عله يدرك نجاحا أوفر في المستقبل وإن كان قد التزم بما طرحته [[مصر الفتاة]] منذ بداية تشكيلها من مبادئ وتنظيمات إلى حد كبير؛
 
فلم يكن لهذه التجربة أن تحقق ما قصد إليه من التغيير وهو تحقيق الجماهيرية، فالجماهير في ذلك الوقت كانت تتعلق ب[[حزب الوفد]] وبكفاحه إلى جانب [[الأحزاب]] الأخرى والجمعيات والجماعات الدينية التي انتشرت في ذلك الوقت، وعلى الرغم مما تعرض له [[حزب الوفد]] من انشقاقات بخروج بعض أعضائه عليه وحدوث صدع في تكوينه الداخلي، فقد حاولت [[مصر الفتاة]] استغلال انشقاق [[1937]] بخروج [[النقراشي]] وماهر على الوفد لصالحها إلا أنها لم تحقق إلا نجاحا ضئيلا في هذا الشأن.
 
 
وعندما تأكد ل[[أحمد حسين]] وحزبه أن تجربة التغيير لم تحقق تقدما ملموسا في حياة [[مصر الفتاة]] ، وعندما أدرك أن جماعة [[الإخوان المسلمين]] قد حققت نجاحا منقطع النظير، هذا فضلا عن الجمعيات ذات الصبغة الدينية التي تسيطر عليها ومنها "جمعية الشبان المسلمين" فقد سعى إلى تحويل حزبه إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى عله يدرك نجاحا أوفر يستطيع به أن ينافس جماعة [[الإخوان]] في الزعامة الشعبية لكن التجربة لم تصمد لاختبارات الزمن إلا أسابيع قليلة رأى بعدها العودة إلى أسلوب الكفاح القديم. وإن كانت ظروف الحرب التي ضربت أطنابها على البلاد لم تتح لهذه التجربة أن تمارس بحرية.
 
إن مراحل التطور التي مرت بها [[مصر الفتاة]] كانت كلها تدور حول هدف واحد، وهو أن يتهيأ ل[[مصر الفتاة]] جماهيرية معينة تستطيع أن توصلها إلى الحكم بأي شكل من الأشكال وبأي أسلوب من الأساليب ، سواء كان ذلك عن طريق استخدام الأنظمة القائمة في البلاد أو باستخدام القوة وذلك لتحقيق برنامجها في إعادة مجد [[مصر]]؛
 
فكلما رأت [[مصر الفتاة]] أنها بقرب تحقيق هدفها وجدت نفسها تسير في حلقة مفرغة، وانتهت تجربتها بالفشل في إمكانية الوصول إلى الحكم وتحقيق حلمها القديم.
 
ولعل ما طرحته [[مصر الفتاة]] من مبادئ أفكار داخل المجتمع المصري كان شيئا خياليا رومانسيا، لم يدرك واضعوه حقيقة وضع [[مصر]]، في أنها دولة محتلة لا تملك إرادتها فتتمكن من تنفيذ البرامج الضخمة التي نادت بها، كما أن الأسلوب الذي حاولت [[مصر الفتاة]] استخدامه لتنفيذ برامجها كان أسلوبا غير مألوف في [[مصر]]، فإن تجربة التشكيلات شبه العسكرية التي أوجدتها اتضح أنها تشكل عدوانا على الحريات خاصة بعد أن اتخذ الوفد أيضا تشكيلات مماثلة.
 
وعلى الرغم مما كان يبدو من نجاح هذا الأسلوب في إيطاليا وفى غيرها من دول أوربا فلم يدرك [[أحمد حسين]] و[[مصر الفتاة]] أن هناك فروقا واضحة بين ظروف وطبيعة المجتمع والشعب المصري وبين ظروف وطبيعة الشعب الايطالي أو الألماني فلم يتحقق الهدف من محاكاة أنظمة سياسية بعينها.
 
كما أن التقلب الأيديولوجي في حياة [[مصر الفتاة]] بين النزعة القومية والنزعة الإسلامية، وهو التطور الذي نشأ في فكر [[أحمد حسين]] نفسه، كان له رد الفعل الأكبر على تنظيماته الداخلية، فلم يكفل لها هذا التقلب صفة الاستقرار والثبات فيتاح للمبادئ التي طرحتها في أي مرحلة من المراحل الاستمرار ، حتى ينمو الإيمان بها من خلال التجربة والممارسة؛
 
وإنما كان التغيير الدائم لها عاملا من عوامل فشل الحزب في تحقيق أهدافه في التطورـ هذا فضلا عن كثرة التنظيمات التي استخدمتها منذ البداية وتعقدها، مع قلة واضحة في عدد الأعضاء جعلت التداخل في اختصاصاتها واضحا، مما أدى إلى عدم فهم لطبيعة تكويناتها .  


ولعل من المفيد أن ندرس تلك التنظيمات حتى يمكن تفسير حركة [[مصر الفتاة]]، فالهيكل التنظيمي الذي استحدثته كان يحمل سمات جديدة.


فلم تكد تحل البرلمان حتى وقفت الأمة مواقف تنم عن تمسكها بدستورها كحق من حقوقها، فوجه الوفد نداء في 22 [[يوليو]] عام [[1928]] دعا فيه الأمة إلى النضال من أجل دستورها، كما أصدر [[الحزب الوطني]] بيانا احتج فيه على تعطيل [[الدستور]].
==الفصل الرابع : الهيكل التنظيمي ل[[مصر الفتاة]]==


• المستوى المركزي
• المستوى الإقليمي
• التشكيلات شبه العسكرية
• الموارد المالية


كذلك أصدر النواب والشيوخ قراراتهما من منزل مراد الشريعي بعدم الثقة بالوزارة وبطلان حل المجلسين على أن يجتمعا في يوم السبت الثالث من شهر [[نوفمبر]] عام [[1928]].  
إن تجربة التطور التي مرت بها [[مصر الفتاة]] لم تكن لتحقق لها ما آمنت به منذ البداية ، وما كرست نفسها له، فقد وضع [[أحمد حسين]] منذ البداية هدفا محددا لحركته وهو العمل لإعادة مجد [[مصر]] وحاول أن يستخدم كل الأساليب الممكنة لتحقيقه، إلا أنه لم يرسم الطريق لحركته كزى تسلكه فكانت النتيجة أن فشلت في تحقيق هدفها، وإن كانت قد أحدثت ردود فعل داخل المجتمع. صاحب عملية التطور في جمعية [[مصر الفتاة]] تغيرات ملموسة في التركيب الداخلي لها بهدف تطوير هيكلها التنظيمي ليواكب عملية التطور، أملا في الوصول إلى الهدف المنشود ولابد لنا أن نتناول هذا الجانب حتى تتضح حركة التطور.  


وسوف نتناول في هذا الفصل جانبين: جانبا نظريا يتعلق بالقوانين النظامية المختلفة التي صاغتها [[مصر الفتاة]] وما طرأ عليها من تعديلات ، وكذلك التعليمات والتوجيهات التي كانت تصدر للأعضاء، فقد حددت تلك القوانين حركة [[مصر الفتاة]] داخليا، ونتناول درجات العضوية وتكوين اللجان الفرعية ، والتشكيلات شبه العسكرية وكوادرها المختلفة، والموارد المالية ومصادر التمويل. وقد خضعت كل تلك الجوانب التي حددتها القوانين للتعديل والتغيير كما سنرى. أما الجانب الثاني فهو تطبيقي يتعلق بالممارسة يمكننا في النهاية معرفة مدى التزام [[مصر الفتاة]] بما أعلنته في الجانب النظري.


تولت وزارة محمد محمود الحكم وهى على ثقة تامة أنها غير ممثلة للأمة ولا هي وليدة إرادتها، وفى سبيل ذلك لجأت إلى إهدار الحريات وإلى سياسة الاضطهاد لتثبيت مركزها.
أعلنت [[مصر الفتاة]] منذ بداية تكوينها أن أول عمل تريده هو تنظيم الصفوف لتصل إلى غايتها بأسرع وقت، وقد عبرت عن ذلك بقولها" أننا نعيش في فوضى فيجب أن نعيش في نظام، وأن نجمع الشباب في صعيد واحد، وأن نعودهم النظام والطاعة، وأن نرسم لهم مثلا أعلى يحاولون الوصول إليه، وأن نملأهم إيمانا بحقهم، إيمانا بقوتهم، إيمانا بقدرتهم على العمل، وأن نحملهم على التقشف وعلى بغض اللهو والتخنث والتهتك، وأن يعبدوا الله، وأن يفنوا في سبيل الوطن وأن يلتفوا حول عرش الملك" وقد اشتمل القانون النظامي لجمعية [[مصر الفتاة]] على مبادئ حددت أقسام الهيكل التنظيمي لها على الوجه التالي:


وقد عبر أنصارها عن هذه [[السياسة]] " باليد الحديدية" فأسفرت في الاضطهاد بألوانه المختلفة، فهب الشعب يكافح من أجل [[الدستور]] ومن أجل حريته، وأخذت الوفود تتقدم بعرائضها إلى الملك طالبة إعادة الحياة النيابية، كما جاءت إلى القصر الملكي لتقديمها فاعتدى البوليس عليها، وقد تعرض بعض النواب والشيوخ للاعتداء.
الأنصار:


كما هب طلبة المدارس محتجين مضربين متظاهرين، فأصدر محمد محمود قانون حفظ النظام في معاهد التعليم، وهو يهدف بذلك إلى عزل الطلبة عن [[السياسة]] وهم في مقدمة القوى الوطنية البارزة إذ ذاك.  
وهم كل مصري يناصر مبادئ الجمعية ويهمه نجاحها فيساعدها باشتراكه الشهري وتنفيذ مبادئها ونشر الدعاية لها، ولكي يكون الشخص نصيرا عليه أن يملأ استمارة العضوية الخاصة بذلك والتي يتم تسجيلها في دفاتر الجمعية، ثم يمنح النصير بعد ذلك بطاقة عضوية، وعلى النصير أن يدفع اشتراكا شهريا قدره خمسة قروش، فإذا تأخر عن دفع اشتراكه شهرين متواليين بدون عذر يعتبر مستقيلا إلا إذا رأى رئيس الجمعية غير ذلك، والأنصار وحدهم الذين ينتخب من بينهم المجاهدون، فيجب على من يكون مجاهدا أن يكون نصيرا أولا لمدة شهر فإذا أتبت إخلاصه وكفاءته عين مجاهدا.  


المجاهدون:


تولت وزارة العمال الحكم في إنجلترا عقب انتخابات [[مايو]] [[1929]]، وقد أعربت عن رغبتها في التفاوض بشأن المسألة المصرية، فأسفرت المفاوضات عن مشروع معاهدة عاد به محمد محمود إلى [[مصر]]، وعندما أعلنت نصوصه علق الوفد النظر فيها على إعادة الحياة النيابية كي تقول الأمة كلمتها فيه تحت قبة البرلمان، ولكن محمد محمود بذل جهودا ضخمة كي يحظى بالصديق على مشروع معاهدته، فلجأ إلى أسلوب الترويج له في الداخل، فتألف لذلك الغرض جماعات وعقدت اجتماعات وبذلت محاولات للتقرب من جماهير الشعب خاصة الفلاحين والعمال بطرح مشروعات ضخمة للإصلاحات الاجتماعية ، وبذل الكثير من الوعود المغرية لهم، ورغم ذلك فقد كانت الانجازات ضئيلة وتكدست المشروعات وانتهى الأمر بها إلى زوايا النسيان.  
والمجاهد، هو الشاب الذي يرغب في القيام بدور إيجابي لتنفيذ مبادئ الجمعية بأن يندمج في فرقها النظامية، والتي مهمتها تنفيذ ما يلقى عليها من الأوامر لنشر الروح المعنوية.  


ويخضع المجاهدون لنظام شبه عسكري أساه الخضوع التام للرؤساء وتنفيذ الأوامر بلا مناقشة أو تردد، ويتم تعيين المجاهد بعد موافقة مجلس أركان حرب الجهاد، بناء على ترشيح أحد أعضائه، أو بناء على ترشيح شعب الجمعية في الأقاليم، ويجوز دائما أن يعين مجاهدين بشرط أن يعرض أسماءهم بعد ذلك على المجلس لتسجيل هذا التعيين وعلى المجاهد واجبات هى:


وعلى الرغم من موقف الوفد من المشروع، إلا أنه قد لقي قبولا من جانب بعض القوى، فقد اعتبر [[الحزب الوطني]] أنه يفضل المشروعات التي تقدمته كما صرح بذلك حافظ رمضان، كما وافق عليه حزب الاتحاد إلى جانب بعض الأفراد من ذوى الحيثية الذين أعربوا عن رضائهم عنه ووصفوه بأنه حسن في جملته، كذلك سارع في قبول المشروع غالبية المستقلين في الرأي الذين ألفوا جماعة أطلقوا عليها" جماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة"
أن يكون جنديا يتصرف في كل أعماله بالروح العسكرية، روح النظام والشجاعة والخضوع للقوانين وطاعة الرؤساء، وأن ينفذ كل الأوامر الصادرة من رئيسه الأعلى، وإلا عرض نفسه للمحاكمة، وعليه أيضا أن يكون حائزا لزى الجمعية الرسمي، كذلك يحرك عليه شرب الخمر، أو ارتياد دور اللهو وأن يحافظ على جسده قويا سليما، وألا يلبس أو يأكل إلا كل ما هو مصري، ولا يتعامل إلا مع المحلات المصرية، وأخيرا عليه أن يدفع اشتراكا شهريا قدره عشرة قروش وأن يكون مشتركا في جريدة الجمعية وللرئيس أن يعفى بعض المجاهدين من هذا الالتزام كله أو بعضه. وهؤلاء المجاهدون ينضوون تحت لواء تشكيلات عسكرية لها كوادرها وتنظيماتها وهى:


التشكيلات شبه العسكرية:


وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع الأحرار الدستوريون استمالة المعارضة الوفدية، كما أن الحكومة البريطانية قد عبرت عن رغبتها في أن يصدق برلمان منتخب على مشروع معاهدة جديدة، هذا فضلا عن أن العلاقة بين محمد محمود والملك فؤاد لم تكن طيبة على طول الخط.  
لهذه التشكيلات كوادرها المختلفة التي تتكون من المجاهدين وهى على الوجه الآتي: كل اثني عشر مجاهدا يكونون قسما، يعين الرئيس من بينهم مجاهدا أول يكون رئيسا للقسم ومجاهدا ثانيا ليكون وكيلا له.  


كل ذلك جعل مركز الوزارة يتحرج أكثر فتقدم محمد محمود باستقالته في 2 [[أكتوبر]] [[1929]] قبل إتمام السنوات الثلاث التي حددها لوزارته مسجلا بذلك فشلا ذريعا في تجربة الاعتداء على [[الدستور]].  
ومن كل أربعة أقسام تتكون كتيبة يعين لها الرئيس مجاهدا أول يتولى رياستها واثنين من المجاهدين الثواني يكونان وكيلين له، وكل أربعة كتائب تكون فرقة يعين لها الرئيس مجاهدا أول رئيسا لها يعاونه أربعة مجاهدين ثواني وكلاء له ، وكل أربعة فرق تكون لواء يعين له الرئيس مجاهدا وثمانية مجاهدين ثواني وكلاء له، وكل أربعة ألوية تكون فيلقا يعين الرئيس له مجاهدا أول وسبعة عشر مجاهدا ثانيا.  


كما قدم عظمة للملك فؤاد كي يعدل للمرة الثانية عن إقامة نظام فردى يعمل لصالحه، فأسند إلى عدلي يكن تأليف وزارة انتقالية تجرى الانتخابات تمهيدا لعودة الحياة النيابية من جديد وقد أسفرت الانتخابات عن فوز كبير للوفد فحصل على 212 مقعدا من مجموع المقاعد البالغ عددها 235 مقعدا. فعهد الملك إلى النحاس بتأليف الوزارة.
ولهذه التشكيلات سبه العسكرية أزياء رسمية وشارات مميزة تميز كل منها عن الآخر سواء كان ذلك في الزى الذي يرتدي المجاهد في كل كادر من الكوادر أو في الشارات التي يحملها كل منهم والرتب التي يضعها على ذراعه الأيسر، ولهذه التشكيلات أيضا مجلس أعلى هو مجلس أركان حرب الجهاد يشرف عليها أيضا مجلس أعلى هو مجلس أركان حرب الجهاد يشرف عليها وينظم كل ما يختص بها من شئون؛


فهو يصدر الأوامر ويرسم الخطط التي من شأنها تنفيذ مبادئ الجمعية وإنجاحا، ويقرر تعيين المجاهدين، ويتكون هذا المجلس من كل من رؤساء الأولوية والفيالق، كما أن لهذا المجلس مستشارا له حق حضور كل جلساته وله أن يدلى بآرائه وله حق التصويت في المجلس . أما عن كيفية اكتساب الأنصار لدرجة المجاهد فإن ذلك يتم بناء على حفل يقام لهذا الغرض.


تنصيب المجاهد: يكون تنصيب المجاهد في حفلة عامة يحدد رئيس الجمعية ميعادها ويعلن عنها في جريدة الجمعية قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل ، ويجب أن يحضر الاحتفال أقسام المجاهدين بعدد الأعضاء الذين سيعينون مجاهدين، إلا إذا كان الاحتفال بحضور أعضاء مجلس الجهاد؛


منح مجلسا البرلمان وزارة النحاس تفويضا في 6 [[فبراير]] عام [[1930]] بالدخول في مفاوضات مع الحكومة البريطانية لتسوية المسألة المصرية، وقد بدأها النحاس وهندرسون، إلا أن هذه المفاوضات قطعت بين الطرفين بسبب عدم الاتفاق على المادة الخاصة ب[[السودان]]، فاستغل الأحرار الدستوريون ذلك الوضع وطالبوا الملك بإقالة الوزارة واستئناف تجربة محمد محمود من جديد وكان القصر يرى أن الظروف بعد فشل المفاوضات سانحة لبدء الانقلاب الثالث على [[الدستور]]، فوضع العراقيل في وجه وزارة النحاس، واشتدت لأزمة بينهما فقدم النحاس استقالته في 17 [[يونيه]] [[1930]]، فأسند الملك إلى إسماعيل صدقي بطل الانقلاب الدستوري الثالث تأليف الوزارة.
وذلك تشريفا للمجاهدين الجدد، فإذا كانت المدينة لا يوجد بها أقسام فيكتفي في هذه الحالة بحضور الرئيس أو مندوبه الرسمي الذي يعين خصيصا لذلك، ويشترط لحضور هذا الحفل أن يرتدى الجميع الأزياء الرسمية للجمعية، وعند بداية الحفل تقف أقسام المجاهدين على شكل مثلث متساوي الأضلاع وفى وسطه يركز علم الجمعية ويقف تحته الرئيس  أو من ينتدبه لذلك ثم ينادى على المرشح ويتلو عليه قرار مجلس أركان حرب الجهاد القاضي بتعيينه مجاهدا؛


ثم يوجه إليه السؤال الآتي:" هل أنت مستعد أن تكون مجاهدا في جمعية [[مصر الفتاة]]، فتضحي بنفسك وكل ما تملك في سبيل الله والوطن والملك، وهل تقسم على الخضوع لنظام الجمعية العسكري، وأن تكون مطيعا لرؤسائك مهما كلفك ذلك" فيجيب المرشح مستعد واقسم " ويتلو الرئيس أو مندوبه القسم ثم يتلوه المرشح وهو " أقسم بالله وبالوطن وبالملك أن أقف نفسي وجهدي ومالي في سبيل مبادئ الجمعية وبرنامجها وأن لا أتأخر عن أية تضحية يتطلبها منى الجهاد، وأن أكون خاضعا لنظام الجمعية العسكري، محترما لرؤسائي منفذا ما يلقى لي من الأوامر في حدود القانون بلا مناقشة أو تردد" .


اتبع إسماعيل صدقي منهج سابقيه في الاعتداء على [[الدستور]]، فأجل انعقاد البرلمان شهرا، ثم استصدر مرسوما بفض الدورة البرلمانية في 12 [[يوليو]] [[1930]]، وفى 22 [[أكتوبر]] صدر الأمر الملكي بإلغاء دستور [[1923]] وبحل مجلسي النواب والشيوخ ووضع صدقي دستور [[1930]] ليكون أكثر طواعية له وللقصر، فدستور [[1923]] كان العدو الأول للقصر، فمنذ تطبيقه والملك فؤاد دائب السعي في محاولة الاعتداء عليه، لأن العمل به يتيح للأغلبية البرلمانية الممثلة في [[حزب الوفد]] أن تتولى الحكم فتتصدى للنزعة الأوتوقراطية للملك فؤاد.  
وهنا يقلده الرئيس أو مندوبه شارة الجمعية (عبارة عن قطعة من القماش الأحمر بها ثلاث مثلثات بيضاء) وبذلك يصبح منذ ذلك الوقت مجاهدا ينضوي تحت لواء الكوادر سالفة الذكر. وفى قمة هذه التنظيمات وعلى رأسها يتشكل مجلس الجهاد وهو أعلى سلطة في الجمعية.  


وقد استطاع في المرتين السابقتين أن يعمل على تعطيله، أما هذه المرة فقد اعتمد على شخصية صدقي التي تعد أكثر جرأة ومقدرة عن سابقيه فقضى تماما على دستور [[1923]] واستبدل به دستورا جديدا بعد أن ألحق به قانونا جديدا للانتخاب.
مجلس الجهاد: يتكون هذا المجلس من خمسين عضوا اشتركوا في تأسيس جمعية [[مصر الفتاة]] أو شعبها في الأقاليم أو في أحياء [[القاهرة]]، وعضويته حق لكل رئيس شعبة معترفا بها رسميا أو سكرتيرها إذا لم يكن لها رئيس، ومع ذلك يجوز لمجلس الجهاد أن يضم إليه أعضاء جددا للاستعانة بكفاءاتهم بشرط أن يوافق الرئيس على ضمهم، وتعقد اجتماعاته مرة في يوم الجمعة الأول من كل شهر ، إلا إذا طلب الرئيس عقده؛


قوبل إلغاء دستور [[1923]] بالاحتجاج الشديد من كل القوى السياسية داخل [[مصر]]، فقد احتج الوفد و[[الحزب الوطني]]، وقرر الأحرار الدستوريون أنهم لا يؤيدون الوزارة في إصدار [[الدستور]] الجديد، وإزاء هذا الموقف من جانب القوى السياسية- وقبل أن تجرى وزارة صدقي الانتخابات وفقا للدستور وقانون الانتخاب الجديد، فقد كانت النتيجة الطبيعية لذلك هي تأليف " حزب الشعب" في [[نوفمبر]] [[1930]] فقد قرر صدقي تأليف حزب يستند إليه في فرض النظام الذي وضعه على [[مصر]]، وقد استطاع أن يضم إليه بعض أعضاء مجلس إدارة الأحرار الدستوريين، هذا فضلا عن عدد من الاتحاديين إلى جانب بعض الباشاوات، كما أرغم بعض العمد والمشايخ على عضويته قسرا، على أن يساهم رجال الإدارة بأقصى جهودهم في ضم أعضاء وأنصار الحزب الجديد. كما صدرت الأوامر بتأليف لجان له في كل مركز من المراكز.  
وكذلك فإن جلساته سرية لا يجوز حضورها إلا لأعضائه، وفى حالة الضرورة الملحة لا يجوز لأحد حضورها إلا بتصريح خاص من المجلس بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه، أما حضور الجلسات للأعضاء يجب أن يكون بالزى الرسمي للجمعية، وقبل أن يباشر عضو مجلس الجهاد عمله في المجلس عليه أن يقسم القسم التالي" أقسم بالله وبالوطن والملك أن أقف نفسي وجهدي ومالي في سبيل تنفيذ مبادئ الجمعية وبرنامجها، وأن لا أتأخر عن أي تضحية يتطلبها منى الجهاد، وأن أوؤدى أعمالي بإخلاص ووفاء في حدود قانون الجمعية ، وأقسم أن أحافظ على سرية المداولات وألا أذيع حرفا واحدا منها بدون إذن الرئيس" وكذلك فإن على عضو المجلس أن يقدم 10% من دخله الشهري للجمعية وأن يقوم بتأدية ذلك بما يوحيه إليه شرفه وضميره على ألا يقل ذلك عن عشرين قرشا في الشهر بأي حال من الأحوال.  


هذا وقد تولى إسماعيل صدقي رياسته بنفسه وأصدر "[[جريدة الشعب]]" كلسان حال له. وقد كشف قانون الحزب عن صبغته فمن بين مواده مادة تنص على تأييد النظام الدستوري والمحافظة على سلطة الأمة وحقوق العرش.
اختصاصات مجلس الجهاد:


ولعل هذا الحزب يعيد إلى ألأذهان تجربة نشأت في تأليف حزب الاتحاد عام [[1925]]. وقد أوجده صدقي ليكون سنده في الحياة الدستورية الصورية التي يريد إقامتها.
مجلس الجهاد هو الهيئة التشريعية للجمعية، فهو المختص بإصدار القوانين بناء على اقتراح من الرئيس أو من أحد الأعضاء، وعليه أيضا ن يراقب مالية الجمعية ويشرف عليها ويعد ميزانيتها السنوية، وهو أيضا بمثابة محكمة استئناف تستأنف إليها كل القرارات الصادرة من أية هيئة أخرى بشرط موافقة الرئيس، وتعرض عليه كل القرارات والأعمال التي صدرت في غيبته لكي يحاط علما ويصدق عليها، وهو الذي يرسم سياسة الجمعية العليا؛


أعلن حزبا الوفد والأحرار الدستوريين مقاطعة الانتخابات، وهما يهدفان من وراء ذلك إلى سحب القاعدة الشعبية من تحت النظام الجديد حتى لا يستقر أبدا، هذا فضلا عن عدم تمثيله للشعب فيصبح غير قادر على الاتفاق مع الحكومة البريطانية بشأن المسألة المصرية، وقد وقعا لذلك ميثاقا عرف" بالميثاق القومي" في 31 [[مارس]] [[1931]] وأسمياه " عهد الله والوطن" أما [[الحزب الوطني]] فقد انقسمت لجنته الإدارية على نفسها حول الانتخابات بين مؤيد ومعارض لدخولها، ولكنها في النهاية قررت خوض غمارها على الرغم من موقفه السابق من [[الدستور]].  
ومنها مثلا علاقة الجمعية ببقية الهيئات السياسية الوطنية أو الأجنبية، ويكون رأى المجلس في هذا الصدد استشاريا ، ما لم يصدر قراره فيها بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس فيصبح رأيه قطعيا ، وله أيضا أن ينظر في ضم أعضاء جدد إليه، ويشكل من بين أعضائه محكمة لمحاكمة من يرى محاكمته من أعضائه أو غيرهم من هيئات الجمعية، ويعتبر كل عضو من أعضائه رئيسا لكتيبة من فرق المجاهدين.  


أما فيما يختص بتكوين فروع للجمعية في الأقاليم، وما هي تلك الفروع فقد حددها القانون على الوجه التالي:


وعلى الرغم مما تعرضت له الجماهير الشعبية من عنت على يد حكومة صدقي ، فقد استطاع أعضاء الوفد الطواف بالأقاليم لتوعية الجماهير لمقاطعة انتخابات صدقي، فكان الشعب يستقبلهم استقبالا حافلا رغم رصاص البوليس، كما قامت المظاهرات المعادية لصدقي في كل مكان، في بلبيس و[[بور سعيد]] و[[الإسماعيلية]] و[[السويس]] وزادت حدتها في مدينة [[الإسكندرية]] حتى بلغ عدد القتلى عشرين قتيلا هذا فضلا عن خمسمائة جريح، فأصر الشعب على مقاطعة الانتخابات التي فرضها صدقي وقدم كثير من العمد والمشايخ استقالاتهم احتجاجا؛
اللجان الفرعية للجمعية في الأقاليم:


كما شاركت الطبقات العاملة في احتجاجها على ما قامت به وزارة صدقي، فأضرب عمال عنابر بولاق والورش الأميرية  عن الاشتراك في الانتخابات وتظاهروا احتجاجا فقوبلت مظاهراتهم بمنتهى القسوة والعنف.
تؤلف في عاصمة كل مديرية أو محافظة شعبة للجمعية، من عدد من الأعضاء لا يقل عن خمسة عشر إلا بتصريح خاص من مجلس الجهاد، وأن يكون لهذه القلة ما يبررها ، وبمجرد اجتماع هذا العدد، يحرر محضر رسمي بتشكيل الشعبة، وترسل صورة منه موقعا عليها من جميع الأعضاء إلى المركز الرئيسي، وترسل دعوة لسكرتير عام الجمعية لحضور جلسة تأسيس الشعبة رسميا، وترسل دعوة لسكرتير عام الجمعية لحضور جلسة تأسيس الشعبة رسميا، ويتولى رئاستها أما بنفسه أو بإيفاد أحد أعضاء مجلس الجهاد مندوبا عنه، فإذا تكامل أعضاء الشعبة الموقعون على المحضر الأول يلقى عليهم السكرتير العام أو مندوبه تعليمات الجمعية ومبادئها بصفة رسمية ويرسم لهم خطة العمل، ثم يتشاور معهم فيمن ينتخبونه رئيسا وسكرتيرا وأمينا للصندوق، فإذا قر رأيهم بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء، نفذ القرار وإلا ترك الأمر لرئيس الجمعية ليفصل فيه.  


وهكذا أراد صدقي أن يقيم حكما يستند على أسلوب الاضطهاد والبطش، بعد أن أعلنت الأمة استنكارها لما قام به من خطوات على طريق سلب حريتها التي كسبتها بعد كفاح طويل وذلك بإلغائه دستورها الذي كفل لها هذه الحرية.  
وبمجرد تأليف الشعبة يكتتب أعضاؤها بمبلغ من المال يكون رأسمال للشعبة لتتمنك من القيام بالأعمال التأسيسية ، ثم يحرر محضر رسمي لما دار في الجلسة ونتيجة الانتخابات وما دفع من أموال ويوقع عليه جميع الأعضاء والسكرتير العام أو مندوبه، وعلى السكرتير العام أو مندوبه رفع هذا المحضر إلى مجلس الجهاد للتصديق عليه وبهذا تعتبر الشعبة قد تم تكوينها رسميا.  


استمرت وزارة صدقي في اضطهادها للوطنيين وتضييق الخناق عليهم، فوقعت بالبلاد حوادث دموية ومتعددة، ولكن الاتجاه المضاد لتيار الحركة الوطنية الذي يمثله صدقي وغيره كان لا يستطيع الصمود طويلا أمام كفاح الوطنيين المتواصل، هذا فضلا عن أن تجربة حكم الشعوب قهرا لم تصمد لاختبار الزمن.
لكل شعبة في منطقتها اختصاصات مجلس الجهاد بأعماله، وتسرى عليها كل قواعده وأنظمته، وعضو الشعبة مجاهدا أول لقسم في تشكيلات المجاهدين، وعلى الشعبة أن تقوم بنشر الدعاية لمبادئ الجمعية عن طريق المطبوعات والاجتماعات وعليها أيضا أن تجمع الأنصار وأن تقوم بتحصيل اشتراكاتهم لمساعدة الجمعية في القيام بأعمالها، على أن أهم عمل أنيط بالشعبة أن تقوم به هو إعداد الشباب ليكونوا مجاهدين؛


فقد كان حكم صدقي يحمل بين طياته نقاط ضعفه التي عجلت هي وعدم شعبيته باندحاره، فقد بدأت تظهر فضائح مالية مست بعض الوزراء المشتركين في الحكم، ثم حدث ما هو أخطر من ذلك إذا لم يتردد صدقي نفسه في أن يصطدم بتزايد سلطات الملك، كما أن الأزمة الاقتصادية كانت ما تزال قائمة وتعان منها البلاد، فقدم صدقي استقالته في 21 [[سبتمبر]] [[1933]] بعد حكم شبه ديكتاتوري استمر أكثر من سنوات ثلاث، فكان ذلك بمثابة إدانة ضمنية النظام [[1930]] وجهها إليه صدقي نفسه.  
فتقوم بالتدريبات العسكرية مستعينة في ذلك ببعض الأشخاص الذين سبق لهم الالتحاق بالعسكرية، وعليها أن ترشح من بين أعضائها، من أظهروا استعدادا وتفانيا ليكونوا مجاهدين ينتظمون في سلك التشكيلات النظامية، فإذا ا تم تعيين المرشحين مجاهدين أصبحوا يخضعون في علاقاتهم لمركز القيادة العامة في [[القاهرة]] مباشرة، ومن مهام الشعبة أيضا، أن تعمل على فتح مدار لمحو الأمية ، أو أن تساعدهم في إنشاء مؤسسة صناعية، أو جمعيات تعاونية، وعليها أيضا أن تقوم بتأليف العصب في المراكز ، والعصبة تتكون من عشرة أعضاء على الأقل ويجرى تشكيلها على نمط تشكيل الشعبة، ويقوم بالتأسيس سكرتيرو " الشعب" ، وتقوم العصبة بنشر مبادئ الجمعية وجميع الأنصار وتحصيل اشتراكاتهم وكذلك إعداد الشبان ليكونوا مجاهدين، وعلى العصبة أن تقوم أيضا بتأليف جماعات في القرى من سبعة أعضاء ويجرى تشكيلها بنفس الطريقة السابقة وتكون علاقتها بالعصبة كعلاقة العصبة بالشعبة.  


وهكذا يسجل الانقلاب الثالث الذي أطاح بدستور [[1923]] فشلا أيضا وتنتهي الجولة الثالثة ضده فيواصل الوطنيون كفاحهم لاستعادته وتشيد الأمة في كفاحها من أجله ولكنه لا يعود إليها إلا على أثر " ثورة" قام بها الشباب في خريف عام [[1935]].  
الجمعيات العمومية لهيئات الجمعية:
تنظم كل شعبة جمعية عمومية من أعضائها ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل عصبة ليتداولوا في شئون الجمعية في منظمتهم، وهى مراجعة حسابات المنطقة والموافقة عليها، إعداد تقرير سنوي بخلاصة أعمالهم، انتخاب عضو من كل عصبة غير الرئيس والسكرتير وأمين صندوق الشعبة لحضور الجمعية العمومية في [[القاهرة]]، وقد حدد موعد عقد الجمعيات العمومية للشعب في الفترة ما بين العيد الأصغر والعيد الأكبر.  


وهكذا فإن الأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد في أعقاب تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] كانت تعانى اهتزازا حادا، فقد كان تطبيق التجربة الدستورية في البلاد مثار خلافات ومنازعات حادة بين [[الأحزاب]] القائمة في ذلك الوقت.  
أما الجمعية العمومية التي تعقد في [[القاهرة]] فقد حدد أول أيام عيد الأضحى موعدا لعقدها، برئاسة رئيس الجمعية وتتكون عضويتها من كل من أعضاء مجلس الجهاد، ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل شعبة، وعضو من كل عصبة وفيها يتلو الرئيس تقريره عن أعمال الجمعية في أنحاء البلاد، على أن يتضمن هذا التقرير أهم ما جاء في تقارير الجمعيات العمومية للشعب، ثم يتحدث مندوب عن كل شعبة بما لديه من الاقتراحات لينظر فيها مجلس الجهاد ويحقق ما يمكن تحقيقه ، وللجمعية العمومية حق ضم أعضاء جدد تختارهم إلى مجالس الجهاد.


وقد ظهرت تلك الخلافات جلية أثناء إجراء الانتخابات التي تهدف [[الأحزاب]] من وراء الفوز فيها بأغلبية للوصول إلى الحكم، وبذلك اشتد الصراع بينها للوصول إليه، فشغلهم ذلك ببعضهم ولعله قد استنفد جزء من طاقتهم التي يوجهونها ضد المحتل الأجنبي، وكان من نتيجة ذلك الصراع أيضا أن كثرت المهاترات الحزبية، كما ألقيت الاتهامات على أشخاص المعارضين.
الموارد المالية للجمعية:


هذا فضلا عن أسلوب الترغيب والترهيب الذي استخدم عند تأليف أحزاب سياسية جديدة لا تستند إلى أي سند شعبي، بهدف مساندة أنظمة حكم استبدادية تعمل على زيادة سلطات العرش بالاعتداء على الحياة الدستورية التي جاءت نتيجة لتصريح [[فبراير]].
تتكون الموارد المالية للجمعية من اشتراكات الأنصار ومقدارها خمسة قروش شهريا، واشتراكات المجاهدين ومقدارها عشرة قروش شهريا، والتبرعات والهبات وأرباح المؤسسات والمشروعات التي قد تنشئها الجمعية، هذا بالإضافة إلى نصيبها من دخل أعضاء مجلس الجهاد وهو 10% من دخلهم، كذلك فإن الشعب والعصب والجماعات تقوم بواسطة أمناء صناديقها ، بتحصيل الاشتراكات من الأنصار والمجاهدين وتقبل الهبات المقدمة من أعيان منطقتها؛


كما كان الصراع بين القصر والوطنيين أحد مظاهر ذلك الاهتزاز السياسي ، فالقصر يعمل جاهدا على نقل مقاليد الأمور إلى ساحته، ولكنه أنى له ذلك إلا بالاعتداء على [[الدستور]]، والوطنيون حريصون كل الحرص للحفاظ على مكاسبهم التي كفلها لهم [[الدستور]]، فإذا أضفنا إلى ذلك دور انجلترا في الانقلابات التي تعرض لها [[الدستور]]، فهي إن لم تكن وراء حدوثها فلا أقل من أنها قد أحسنت استغلالها إلى أبعد الحدود لصالحها.
وعلى الجماعة أن تحتفظ أيضا بثلاثين في المائة من مجموع المتحصل لديها، وتسلم الباقي للشعبة التي تحتفظ بثلاثين في المائة، وتسلم الباقي لمجلس الجهاد، ويمكن تعديل تلك النسبة بواسطة المستوى الأعلى، ويجرى قيد حسابات الجمعية بجميع هيئاتها في دفاتر منظمة بحيث يمكن مراجعتها في كل وقت ومراقبتها، وعلى أن تودع أموال الجمعية في بنك [[مصر]] باسم الجمعية أو باسم أي أشخاص آخرين يعينهم مجلس الجهاد في حالة الخوف من مصادرة أموال الجمعية. هذا وقد تشكلت الهيئة الإدارية للجمعية من كل من الرئيس والسكرتير العام والسكرتير المساعد وأمين الصندوق.  


ولعل كل ذلك يوضح مدى الاهتزاز الذي كانت تعانى منه الحياة السياسية المصرية في أعقاب تصريح [[فبراير]]، فقد أحدث ذلك الاهتزاز فراغا سياسيا كبيرا، فإن حركة [[الأحزاب]] السياسية القائمة لم تكن لتستوعب حركة الشباب فتعبر عن آمالهم وأمانيهم ووجهة نظرهم في حل المسألة المصرية، فكان ذلك مبررا كافيا كي تظهر تجمعات سياسية تعتمد في المقام الأول على عنصر الشباب الذي رفض وبإصرار الأسلوب الذي ارتضته [[الأحزاب]] القائمة لحل المسألة المصرية وهو أسلوب المفاوضات وإنما آمن باستخدام القوة لحلها وإكراه المستعمر على الجلاء عن البلاد.  
هذه هي النواحي التنظيمية ل[[مصر الفتاة]] في عهد الجمعية، وعندما تحولت إلى حزب سياسي في [[يناير]] [[1937]] حدث تغيير في قانونها النظامي وإن ظل برنامجها كما هو،هذا ما سنتناوله لنقف على ما أضافه القانون الجديد من الناحية النظرية.  


وقد كانت جمعية [[مصر الفتاة]] التي ظهرت في خريف عام [[1933]] أحد تلك التجمعات منا سنرى. وهكذا فإذا كانت تلك هي صورة الحياة السياسية في [[مصر]] في تلك الفترة فمن الأهمية بمكان أن نتعرف على الوضع الاقتصادي فيها أيضا.  
عندما تحولت جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب [[مصر الفتاة]] في أول [[يناير]] عام [[1937]] نشر الحزب قانونه النظامي في جريدته " الضياء" في ذلك الوقت في 3 [[يناير]] [[1937]]، ولقد أضاف هذا القانون عدة إضافات جديدة لقانون الجمعية. حددت مختلف أنظمة الحزب داخليا.


كان للاعتراف باستقلال البلاد كما جاء في تصريح [[فبراير]] [[1922]] نتائج هامة، إذا أخذ المسئولون عن [[السياسة]] المصرية يدركون بوضوح أن هذا الكسب السياسي لا ثبات له إلا إذا صحبه نوع من الاستقلال الاقتصادي، فسرت هذه الروح بين أفراد الشعب، وأصبح تشجيع الصناعة المحلية والمصنوعات المصرية من الأهداف والأماني الوطنية.
ففيما يختص بدرجات العضوية في الحزب فقد أصبح حق العضوية مكفولا لكل مصري متى كان حسن السير والسلوك مخلصا لمبادئ الحزب محترما لأنظمته ولوائحه، ولعضويته درجات منها:


كانت هذه الروح شعبية ورسمية، فعلى النطاق الشعبي، فإنه منذ عام [[1920]] دعا محمد طلعت حرب إلى تأسيس شركة أنشأت بنك [[مصر]]، وهو أول مؤسسة مصرفية مصرية، أنشأته متواضعا برأسمال المؤسسات المصرفية الأجنبية الكثيرة الموجودة في البلاد.
النصير وهو كل مصري يعطف على الحزب ويعاونه قلبيا وماديا، يعمل على نشر مبادئه، يصوت له في الانتخابات دون أن تكون له صفة رسمية أو يدرج اسمه في سجلات الحزب، وقد استحدث الحزب درجة جديدة من درجات العضوية وهى درجة العضو العادي


وقد اشترط في عقد تأسيس البنك أن يكون حملة الأسهم من المصريين، فكفل له ذلك الصبغة القومية، وأخذ البنك يؤدى رسالته وينمو مع الأيام فأنشأ فروعا له في معظم مدن القطر الهامة، وتضاعف رأسماله واتسعت معاملاته على مر السنين.  
وهو الذي ينضم رسميا للحزب فيسجل اسمه في سجلاته بعد أن يحرر استمارة العضوية ويمنح بطاقة العضوية ويدفع اشتراكا شهريا مقداره خمسة قروش، أما المجاهد فقد ظلت شروط عضويته كما كانت عليه في عهد الجمعية.  


وبقى للمجاهدين مكانتهم في الهيكل التنظيمي للحزب، وبعد أن حلت جميع منظمات الحزب في 5 [[نوفمبر]] [[1938]] أعلن [[أحمد حسين]] أن على كل عضو يرغب في أن يكون مجاهدا في الحزب أن يكون مالكا لملابس التدريب العسكري كما حددتها وزارة المعارف؛


أصبح البنك النواة الاقتصادية والمالية لنهضة الصناعات الوطنية فقد أنشأ عدة شركات مساهمة مصرية، كان البنك أداة تمويل وتوجيه لها، وحققت تلك الشركات نجاحا ملحوظا، فأدى نجاحها إلى تشجيع المصريين على استثمار أموالهم في الصناعة والتجارة.
وكذلك لكي يعتمد المركز الرئيسي أي شعبة من الشعب أن يكون بها اثني عشر مجاهدا على الأقل يؤلفون وحدة منظمة بملابس التدريب العسكري ويواظبون على دفع الاشتراكات الشهرية ويكونون مستعدين لتنفيذ كل ما يصدر لهم ما أوامر وتعليمات الحزب؛


فأسس المصريون شركات صناعية وتجارية حققت قدرا من النجاح، بعد أن كانت الأرض وحدها مجالا لاستثمار أموالهم وخاصة عندما ارتفعت أسعار القطن ارتفاعا أدى إلى استثمار رءوس الأموال في الزراعة، أما على الصعيد الرسمي، فكانت الحكومة تساير الرغبة القومية في تشجيع الصناعة، فأنشأت مصلحة التجارة والصناعة عام [[1922]]، وقررت مبدأ التسليف الصناعي الحكومة.  
وإذا قل العدد عن اثني عشر مجاهدا منظمين فيصدر القرار بحلها، ولاعتماد العصب في القرى أن يكون بها خمسة مجاهدين على الأقل يؤلفون وحدة منظمة بملابس التدريب العسكري ولكي تعتمد أحداها لابد من تقديم استمارات عضوية جديدة مصحوبة بصور الأعضاء وبصورة جماعية لهم بملابس التدريب.  


إلا أن الأزمة الاقتصادية اجتاحت العالم، فكان لها أثرها الواضح في [[مصر]] مما جعل المصريين حكومة وشعبا يتخذون من التدابير المختلفة ما يخفف من وطأة تلك الأزمة، في محاولة من جانبهم أن يتلمسوا طريقا للخروج بالبلاد من تلك الأزمة الطاحنة، والتي تحمل العبء الأكبر من أثارها الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين.  
وهكذا نرى أن درجات العضوية قد اختفت منها درجة النصير والعضو العادي وأصبح ضروريا أن يكون كل عضو مجاهدا.  


لم تكد الدول الاستعمارية تنتهي من فترة التجديد والتعمير بعد [[الحرب العالمية الأولي]] في عام [[1927]]، حتى تلك الدول في أزمة جديدة وصلت إلى الذروة في السنوات م بين [[1929]]- [[1933]].
أما عن الجديد الذي استحدثه الحزب، فقد نص القانون على أن يتولى إدارة الحزب وقيادة فرقه النظامية، كل من رئيس الحزب ومجلسي الإدارة والجهاد، أما عن الرئيس فقد نص البرنامج على أن [[أحمد حسين]] قد انتخب رئيسا للحزب، على أن يظل يتولى منصب الرئاسة ما بقى مخلصا لمبادئ الحزب عاملا على تحقيقها ، وحدد اختصاصاته بأنه هو وحده الذي يمثل الحزب أمام القضاء وأمام الحكومة وفى المعاملات مع الأفراد؛


ففي شهر [[أكتوبر]] [[1929]] حدث الانهيار المالي الكبير في أسعار الأوراق المالية في بورصة نيويورك، مؤذنا بحدوث أزمة اقتصادية، لم تلبث أن اجتاحت العالم أجمع، وقد كانت من الشدة والعنف بدرجة لم يعرف لها العالم مثيلا من قبل، فلقد هبطت الدخول هبوطا كبيرا، كما هبط مستوى العمالة، وهبطت الأسعار وساد البؤس والفاقة سائر المجتمعات الصناعية والزراعية على السواء.
وفى حالة وفاة الرئيس أو تنحيه أو عزله يتم انتخاب الرئيس الجديد بواسطة مجلسي الإدارة والجهاد، وعلى أن يتم الانتخاب في ظرف أسبوعين على الأكثر، على أن القانون لم يحدد طريقة عزل الرئيس وما هي الهيئة التي تملك هذا الحق، ونص القانون أيضا، على أن يعون الرئيس ويشاطره المسئولية في إدارة شئون الحزب مجلس إدارة مكون من عشرين عضوا غير الرئيس؛


وكان لهذه الأزمة صداها المسموع في [[مصر]]، ولكن مظاهرها اختلفت في الدول الزراعية عنها في الدول الصناعية، فالأزمة تظهر في الدول الصناعية في شكل هبوط واضح في الدخول والإنتاج وتفاقم البطالة، وفى المجتمعات الزراعية في شكل صعوبة في تصريف الحاصلات الزراعية وانخفاض كبير في أسعارها.  
ولهذا المجلس أن يزيد في عدد أعضائه عن ثلاثين عضوا غير الرئيس ويجب أن يكون في المجلس أعضاء يمثلون مختلف مديريات ومحافظات البلاد بقدر الإمكان، وأن ينتخب المجلس من بين أعضائه هيئة مكتب الحزب، وتتكون من وكيل وسكرتير عام وسكرتير مساعد وأمين صندوق ومراقب. هذا فضلا عن رئيس الحزب على أن توضع لائحة تحدد اختصاصات كل منهم، وقد حددت اختصاصات ذلك المجلس فيما يلى:


ففي [[مصر]] انخفض سعر القطن انخفاضا كبيرا، فبيع محصول عام [[1929]] بسعر 20 جنيها إسترلينيا للقنطار مقابل 26 جنيها في العام السابق. وبيع محصول [[1930]] بسعر 12 جنيها ، ومحصول [[1931]] بسعر عشرة جنيهات للقنطار. وعلى الرغم من انخفاض الأسعار، فقد كان الطلب على المحصول ضعيفا فلم تستطع [[مصر]] تسويق محصولها منه، فزاد ذلك من حدة الأزمة، فأخذت بالات القطن تتكدس عاما بعد عام حتى بلغ المجموع في عام [[1931]] أكثر من أربعة ملايين قنطار وقد ترتب على ذلك انخفاض في مستويات المعيشة وسوء حال السواد الأعظم من سكان البلاد فظهرت في البلاد موجة رسمية وشعبية للتخفيف من وطأة الأزمة.
اختصاصات مجلس إدارة الحزب:


فعلى النطاق الرسمي- بعد أن اشتدت الأزمة في [[نوفمبر]] [[1929]]، وانخفاض أسعار القطن انخفاضا كبيرا، وتحت ضغط وإلحاح المنتجين قررت الحكومة التدخل في سوق القطن مشترية فبلغت مشتريات الحكومة من القطن ثلاثة ملايين قنطارا، وهى أكبر صفة عقدتها الحكومة؛
يتولى وضع التشريعات واللوائح الخاصة بإدارة الحزب، مراقبة ماليته، رسم سياسته العليا ، ضم أعضاء جدد إليه أو فصل أعضاء من عضويته لخروجهم على مبادئ الحزب أو إخلالهم بنظامه، وقرارات هذا المجلس تصبح نافذة المفعول متى صدرت بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه، إلا إذا كان الرئيس مصدقا على القرار فتكفى أغلبية الأصوات، وتعقد اجتماعاته بناء على دعوة من الرئيس، أو بناء على طلب خمسة من أعضائه للنظر في جدول الأعمال ، الذي يعده السكرتير العام بالاتفاق مع الرئيس؛


ولم تكن [[مصر]] وحدها هي التي اتبعت تلك [[السياسة]]، بل إن الولايات المتحدة اتبعت هي الأخرى نفس [[السياسة]]، وكان من نتيجة هذا التدخل من جانب الحكومة أن ارتفع سعر القطن في [[مصر]] عنه في دول العالم المنتجة له، مما أدى إلى إعاقة بيع المحصول كله لامتناع الغزالين عن الشراء، وتوقعوا أن الحكومة المصرية لن تستطيع الاستمرار في سياسة رفع الأسعار ، ونتيجة لذلك هبطت قيمة الصادرات بحوالي عشرين مليونا من الجنيهات، وفى وقت بقيت فيه الواردات عند نفس المستوى السابق، مما أدى إلى ظهور عجز كبير في الميزان التجاري.
كما نص القانون على أنه لا يجوز التخلف عن حضور الجلسات بدون عذر مقبول، ويعتبر التغيب بدون عذر إذا تكرر إخلالا يترتب عليه جواز فصل العضو من المجلس، وعلى كل عضو من أعضائه أن يدفع اشتراكا شهريا مقداره جنيه مصري أو عشرة جنيهات سنويا، وهنا نلمس أن اختصاصات مجلس الجهاد القديمة قد انتقلت إلى مجلس الإدارة مع بعض تعديلات طفيفة، وقد بقى مجلس الجهاد يشارك في إدارة الحزب وأن اقتصر عمله في الإشراف على المجاهدين وتنظيمهم ومحاكمتهم ، كذلك بقيت مسألة تكوين اللجان الفرعية للحزب في الأقاليم كما هي وبنفس كوادرها وشروطها السابقة.
 
الجمعيات العمومية لهيئات الحزب:
 
تنظم كل شعبة عمومية من أعضائها، ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل عصبة، ورئيس كل جماعة، ليتداولوا في شئون الحزب في منطقتهم، ومنها مراجعة حسابات المنطقة والموافقة عليها، وإعداد تقريرهم السنوي بخلاصة أعمالهم، وإجراء استعراض عام لمجاهدي الأقاليم، وتعقد تلك الجمعيات في الموعد السابق الذكر؛
 
أما الجمعية العمومية للحزب والتي تعقد في [[القاهرة]] فهي نفس الموعد أيضا، وحق حضورها مكفول لكل من أعضاء مجلس الإدارة، وأعضاء مجلس الجهاد، وأعضاء الجمعيات العمومية للشعب، وفيها يعرض الرئيس لسير أعمال الحزب من الناحية العامة، ويتولى السكرتير العام عرض تفاصيل شئون الحزب الداخلية، كذلك تختص تلك الجمعية بالنظر في المقترحات التي يتقدم بها مندوبو الشعب، وعليها أيضا أن تشهد الاستعراض لجميع مجاهدي البلاد.
 
أما عن الموارد المالية للحزب: فقد كانت كما حددها القانون تتمثل في اشتراكات الأعضاء وأعضاء مجلس الإدارة وفى التبرعات والهبات وفى أرباح المؤسسات والمشروعات التي تقوم بها الشعب وإدارة الحزب؛
 
أما عن طريقة تحصيل تلك الموارد فهي نفس الطريقة السابقة، وأن يطرأ عليها تعديل واحد، وهو أن تحتفظ الشعبة بخمسين في المائة من جملة المتحصل لديها لتنفق منه على شئون الشعبة بخمسين في المائة من جملة المتحصل لديها لتنفق منه على شئون الحزب في منطقتها؛
 
وقد أسند قيد حسابات الحزب في كل مستوى من مستوياته إلى أمناء الصندوق على أن يتولى الإشراف على هذه الناحية أمين صندوق الحزب العام، الذي يقوم سنويا بمراجعة حسابات المناطق، على أن تودع الأموال المتجمعة لدى الحزب في أحد البنوك المصرية باسم الحزب، على أن يكون للرئيس ولأمين الصندوق معا حق صرف الأموال من البنك، وعلى أمين الصندوق أن يقوم بإعداد ميزانية سنوية للحزب لتقديمها لمجلس الإدارة حتى إذا ما وافق عليها يجرى العمل بمقتضاها كما يقدم الحساب الختامي كل عام للتصديق عليه.
 
كما نص القانون على أن لكل عضو من أعضاء مجلس الجهاد الحق في أن يصح عضوا في مجلس الإدارة متى رغب في ذلك بعد إكمال دراسته وكان قادرا على القيام بالتزامات العضوية في مجلس الإدارة، ومتى رشحه مجلس الجهاد ووافق على ترشيحه الرئيس الذي ترك له أيضا اختيار أعضاء مجلس الإدارة.
 
وعندما أعلن حزب [[مصر الفتاة]] عن تغيير اسمه إلى الحزب الوطني الإسلامى في [[مارس]] [[1940]] فقد أعد برنامجا جديدا يعبر عن تلك التسمية ويبرز الاتجاه الإسلامى للحزب في تلك الفترة على ما عداه.
 
إلا أن الحزب لم يضع قانونا جديدا ينظم حركة العضوية ويرسم الخطوط العريضة لنظامه الداخلي، ويبدو أن الحزب قد رأى في قانونه النظام السابق ما يفي بالغرض المطلوب، أو أن الأوضاع الداخلية للمجتمع المصري في زمن الحرب والأحكام العرفية  والرقابة المفروضة بشدة على كل وسائل النشر حالت دون أن يعلن الحزب عن تنظيمات جديدة؛
 
فمن المؤكد أن نشاط الحزب في ظروف الحرب قد تجمد إلى حد كبير، إذا علمنا أن الحزب ينشط عندما يكون قادرا على عقد الاجتماعات ، وإلقاء الخطب، ونشر ما يستطيع عن طريقه أن يدير نشاطه الحزبي من تعليقات وتوجيهات لأعضائه في جريدته؛
 
ولكن ذلك النشاط كان محظورا في زمن الحرب، ولعل السبب الأكثر أهمية في عدم إعلان الحزب عن تنظيمات جديدة تتمشى مع خطته الجديدة في الكفاح السياسي، أن تجربة التغيير نفسها لم تصمد لاختبارات الزمن أو أنها ولدت ميت، فلم يحدث أي تغيير في حق العضوية وحركتها، وكذلك لم تظهر إلى الوجود له في أي بلد عربي و إسلامي كما هدف إلى ذلك.
 
حالت ظروف الحرب دون إحداث أي تنظيمات جديدة إلا ما كان يصدر عن الحزب في أوقات متفرقة من تعليمات للأعضاء حول ضرورة ممارسة التدريبات العسكرية في أي مكان يتاح لهم ممارستها فيه، أما في المعسكرات التي أوجدتها الحكومة لهذا الغرض ، أو بالانخراط في سلك الجيش المرابط. فيما عدا هذا لم تصدر أية تعليمات أو تنظيمات عن الحزب ولو من الناحية النظرية، ومن الواضح أن الحزب كان في فترة الحرب أشبه بمنظمة سرية، كما سنوضح ذلك فيما بعد.
 
لقد تناولنا الجانب النظري للهيكل التنيظمى ل[[مصر الفتاة]] في مختلف أطوار حياتها خلال فترة الدراسة، ويتعين علينا دراسة الجانب التطبيقي لهذا الهيكل لنرى مدى الالتزام من جانب [[مصر الفتاة]] في تنفيذ هذه القوانين من الناحية العملية، وهل التزمت بحرفيتها أم كانت النظرية شيئا والتطبيق شيئا آخر.
 
الجانب التطبيقي لهيكل [[مصر الفتاة]] التنظيمي:
 
من المستحسن ونحن نتناول الحديث عن هذا الجانب من الهيكل أن نقسمه إلى أربعة أقسام رئيسية هي المستوى المركزي ونعنى به قيادة [[مصر الفتاة]] بمستوياتها المختلفة، ثم المستوى الإقليمي ونقصد به اللجان الفرعية ل[[مصر الفتاة]] وعلاقتها بالمستوى المركزي، ثم التشكيلات شبه العسكرية ل[[مصر الفتاة]] وكوادرها وعلاقتها بالمستوى المركزي، وأخيرا الموارد الملية ل[[مصر الفتاة]].
 
على أن معالجة هذا الجانب ستكون طبقا للواقع الذي لمسناه من حركة [[مصر الفتاة]] ونشاطها في مختلف الأطوار التي مرت بها، مع محاولة مقارنة بين ما خطته في قوانينها التنظيمية التي اتخذتها [[مصر الفتاة]]، ورد فعل الظروف الموضوعية للمجتمع في كل طور من تلك الأطوار على تكويناتها. ونخلص بمناقشة الموارد المالية ل[[مصر الفتاة]] ومدى اتصالها بالقوى السياسية في [[مصر]] وخارجها.
 
أولا: المستوى المركزي:
 
ويتمثل في قيادة [[مصر الفتاة]] أو المركز العام لها، وهو بطبيعة الحال ذات كوادر مختلفة هي على درجة التحديد، الرئاسة ، السكرتارية العامة، السكرتارية، أمانة الصندوق ثم المجالس وهى مجلس الجهاد ومجلس الإدارة فيما بعد.
 
ويقتضى الأمر دراسة كل مستوى من تلك المستويات مع مناقشة العلاقة بينها، وكيفية إدارة اجتماعات هذا المستوى المركزي وطريقة اتخاذ القرارات، وقبل ذلك طريقة شغل هذه المناصب وكيف كان يتم ذلك، أهو عن طريق التعيين من جانب الرئيس، أم كانت عن طريق الانتخاب؟
 
وأخيرا طريقة الاتصالات بالمستوى الإقليمي وكيف كانت تجرى وما هي وسائلها. كل هذه قضايا سنحاول حسمها على قدر المادة المتاحة لنا وإن كان هناك الكثير من المادة غير المتاح الاطلاع عليها ذات أهمية كبيرة وفائدة عظيمة تحسم بالقطع كل هذه القضايا.
 
تولى [[أحمد حسين]] رئاسة جمعية [[مصر الفتاة]] عندما أعلن قيامها في 21 [[أكتوبر]] [[1933]] ، وإن كان ذلك قد تم دون أن ينص عليه برنامجها أو قانونها النظامي في ذلك الوقت، هذا بالإضافة إلى أنه لم يصدر عن الجمعية أية إشارات لمنصب الرئيس وطريقة توليه ذلك المنصب وهل هو بالتعيين أم بالاختيار أو عن طريق الانتخاب؟ لم تظهر مثل هذه التصورات إلى الوجود، إنما حقيقة ما حدث كما يرويه [[أحمد حسين]] نفسه، بأنه عندما تخرج من كلية الحقوق هو وزملاؤه [[فتحي رضوان]] وكمال الدين صلاح؛
 
وكذلك تخرج كل من عبد الرحمن الصدر من كلية الطب وصلاح الوكيل من كلية العلوم ومحمد صبيح من كلية الآداب طالبوه بأن يقدم على خطوته التي تلي مشروع القرش وهى تأسيس [[مصر الفتاة]] خاصة وأن مشروع القرش قد استنفذ أغراضه بإقامة مصنع الطرابيش من ناحية، وتحقيق الشهرة والخبرة بالعمل الجماهيري ل[[أحمد حسين]] ورفاقه، فارتفعت أسماءهم على المستوى القومي؛
 
كما ذكرنا في الفصل السابق، فكانت المطالبة من جانب زملاءه له تعنى تسليمهم ضمنا بأنه رئيس حركتهم وزعيمها، وربما كان ذلك لأن [[أحمد حسين]] هو أول من فكر في إقامة [[مصر الفتاة]] لتعيد ل[[مصر]] مجدها القديم إمبراطورية شامخة تتألف من [[مصر]] و[[السودان]].
 
ظل [[أحمد حسين]] يتولى رئاسة الجمعية وبدأ يضع التنظيمات بعد أن مرت الجمعية بفترة التأسيس الأولى لنلمس بداية ظهور تلك التنظيمات، فيشكل ما سماه بالهيئة الإدارية للجمعية ، وقد كفل لها رئاسة الجمعية في فترة غيابه عنها في أي مكان خارج [[القاهرة]]، وكانت هذه الهيئة تتكون من كل من [[فتحي رضوان]] السكرتير العام، محمد صبيح السكرتير المساعد، أحمد السيد سكرتير اللجان وأحمد الشيمى أمين الصندوق.
 
تلك كانت أولى ملامح التنظيم الذي أعلنت عنه جمعية [[مصر الفتاة]]، ومن ثم أصدر أحمد قرارا آخر ينظم فيه طريقة سير العمل في الجمعية في فترة غيابه، وقد أناب فيه [[فتحي رضوان]]، للإشراف على الجمعية وعلى جريدة" الصرخة" على أن يتولى أحمد الشيمى المسائل المالية وبإشراف [[فتحي رضوان]]. هذا ويبدو أن [[أحمد حسين]] قد لجأ إلى أسلوب القيادة الجماعية في فترة غيابه في إدارة شئون الجمعية ريثما يعود هو ليتولى الرياسة ويجمع تقريبا كل الخيوط في يديه.
 
وعندما أعلن مجلس جمعية [[مصر الفتاة]] عن تحولها إلى حزب سياسي في جلسته المنعقدة في 31 [[ديسمبر]] عام [[1936]] ، نرى ملمحا جديدا من ملامح التنظيم فقد انتخب المجلس [[أحمد حسين]] رئيسا للحزب كما ذكرن ذلك جريدة " المقطم" وأن كانت جريدة الحزب " الضياء" دأبت على ذكر [[أحمد حسين]] مقترنا بالرئاسة دون أن تشير إلى تعيين أو انتخاب.
 
فذكرت تعيين [[أحمد حسين]] رئيسا للحزب ولكنها لم تشر إلى حسين ضمنيا دون أن يتم عن طريق الانتخاب. وقد ظل يمارس سلطات هذا المنصب دون أن يتم ذلك عن طريق الانتخاب.
 
وقد ظل يمارس سلطات هذا المنصب حتى بعد تحول [[مصر الفتاة]] في [[مارس]] [[1940]] إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى. ويتطلب الأمر أن نلقى نظرة على سلطات الرئيس كما كانت من واقع الممارسة الفعلية للنشاط السياسي ل[[مصر الفتاة]] في مختلف المراحل .
 
تولى [[أحمد حسين]] بصفته الرئيس رئاسة جلسات الجهاد ومجلس الإدارة، وإدارة المناقشات فيهما، كما كانت له سلطة حل المجلسين، كما اتضح ذلك من القرار الذي أصدره بحل جميع منظمات الحزب في أواخر عام [[1938]] بقرار فردى من جانبه. هذا بالإضافة إلى أنه منح حق تشكيل مجلس إدارة الحزب، كما جاء ذلك في قرارات مجلس جهاد جمعية [[مصر الفتاة]] عند تحولها إلى حزب سياسي أن المجلس " عهد إلى الرئيس اختيار الأعضاء الذين يصلحون لمجلس الإدارة" .
 
وبالرغم مما أصدره [[أحمد حسين]] بشأن تنظيم العمل في الجمعية في أثناء غيابه ، فإنه في مرحلة قد بدأ يتراجع عن ذلك النظام الجماعي الذي كان قد قرره بتشكيل الهيئة الإدارية للجمعية، فإنه في هذه المرة يصدر قرارا يحدد فيه الأشخاص الذين ينيبهم عنه في إدارة شئون الحزب؛
 
فجاء في القرار " إلى مجلس إدارة حزب [[مصر الفتاة]] وإلى مجلس جهاده، قد أنبت عنى الأستاذ [[فتحي رضوان]] سكرتير الجمعية (هكذا) العام في إدارتها وتمثيلها أثناء سجني فإذا حدث له ما يمنعه من ذلك فالأستاذ عبد الحميد المشهدى. وإني أرجو أن يتعاون معهم أعضاء المجلسين في إخاء وصدق".
 
استحدث [[أحمد حسين]] في أواخر [[1937]] منصب نائب رئيس الحزب، وذلك عندما عاد مصطفى الوكيل من لندن في [[نوفمبر]] من نفس العام- بعد حصوله على الدكتوراه في العلوم فبذل جهودا ضخمة في إعادة تنظيم صفوف [[مصر الفتاة]]، فبدأ نجمه يرتفع داخل تنظيمات الحزب، خاصة وأن [[فتحي رضوان]] كان قد بدأ يبتعد عن الحزب وعن المشاركة في نشاطه إلى حد ما؛
 
كما يتضح ذلك من خطاب أرسله [[أحمد حسين]] إليه يطالبه فيه بالحضور إلى الحزب بانتظام جاء فيه" أرجو أن تحضر إلى الحزب في مواعيد منظمة مهما قلت لهذا الرجاء استجابة كاملة، يطلب إليه [[أحمد حسين]] أن يتخلى عن منصب السكرتير العام على أن يبقى ذا مركز ممتاز في الحزب.
 
فرد [[فتحي رضوان]] على ذلك الخطاب يعرب عن رغبته في الاستقالة من مجلس الإدارة ومن عضوية الحزب، وفعلا تقدم [[فتحي رضوان]] باستقالته طالبا عرضها على مجلس الإدارة في أقرب فرصة ممكنة، إلا أن [[أحمد حسين]] لم يبت في هذا الموضوع كما سنرى؛
 
وفى ظل هذه الظروف من ابتعاد [[فتحي رضوان]] عن الحزب وارتفاع نجم مصطفى الوكيل نتيجة لتفانيه في الكفاح السياسي للحزب أن عينه [[أحمد حسين]] نائبا للرئيس، فأصبح يتولى مركز القيادة في الحزب في حالة غياب [[أحمد حسين]] فهو الذي يدير النشاط الحزبي من عقد للاجتماعات وتوجيه النداءات لأعضاء الحزب والإعلان عن التنظيمات الجديدة كما سنرى فيما بعد. وكذلك اخذ يكتب افتتاحية الجريدة.
 
أما [[فتحي رضوان]] فقد احتفظ بمنصب السكرتير العام، رغم تقديم استقالته، فقد حدث في [[نوفمبر]] [[1937]] أن أطلق عز الدين عبد القادر النيران على سيارة النحاس باشا، وكان من نتيجة ذلك أن اعتقل معظم أفراج الحزب ومنهم [[فتحي رضوان]] ، وفى أثناء إجراء التحقيق في القضية رأى محاميه مصطفى مرعى، أن يشير إلى الاستقالة التي تقدم بها من قبل ليثبت أنه مستقيل من حزب [[مصر الفتاة]]؛
 
إلا أن [[فتحي رضوان]] رفض ذلك وأحس بأن الحزب في محنة في أقل من أن يقف بجانب [[أحمد حسين]] في ذلك الموقف حتى ينجلي، وهدد محاميه إذا أشار لتلك الاستقالة بأنه سيقاطعه ويعلن عدم صحة ذلك ظل [[فتحي رضوان]] يتولى هذا المنصب، وإن كان نشاطه فيما بعد ذلك لا نكاد نلمسه إلا في فترات قليلة منها معارضته عند تحول الحزب إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى، إلى أن أعلن انفصاله تماما عن الحزب عقب حادث 4 [[فبراير]] وتأييد [[أحمد حسين]] للنحاس باشا في موقفه بخطابه إليه في هذا الصدد، وحاول [[أحمد حسين]] أن يسترضيه في ذلك الوقت بأن يتنازل له عن رئاسة الحزب؛
 
ولكن [[فتحي رضوان]] أدرك أن تلك هي ساعة النهاية بالنسبة له مع حزب [[مصر الفتاة]] المتجمد النشاط في ذلك الوقت بعد اعتقال معظم أعضائه، ونجح [[فتحي رضوان]] في اجتذاب عدد من الأعضاء الحانقين على تصرف [[أحمد حسين]]، وكونوا " اللجنة العليا لشباب [[الحزب الوطني]]" عام [[1944]].
 
أما منصب السكرتير المساعد فقد تولاه محمد صبيح طوال فترة البحث، فعندما أصدر [[أحمد حسين]] قراراته التي تنظم بالجمعية، كان صبيح هو الشخص الذي يلي [[فتحي رضوان]]، وقد تولى الإشراف على الجمعية في فترة سفر [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] إلى لندن [[1935]]، ثم في أواخر [[1940]] بعد سفر مصطفى الوكيل إلى [[العراق]]، وابتعاد [[فتحي رضوان]].
 
أعلن [[أحمد حسين]] قبيل سفره إلى الحجاز في اجتماع الحزب يوم 24 [[ديسمبر]] [[1940]] أنه يسافر ويترك صبيح ليرعى الحزب وينمى قوته، وأشاد بجهاده في السابق عندما كانوا يسافرون ويتركون له الحزب. كذلك كان صبيح يتولى القيام بأعمال السكرتارية لاجتماعات مجلس الجهاد ، كما كان يتولى منصب أركان حرب الجهاد في الفرق النظامية، كما سنوضح ذلك في حينه.
 
أما أمانة الصندوق فقد تولاها أحمد عبد المطلب الشيمى منذ تأسيس الجمعية، ثم أسند ذلك المنصب في عام [[1934]] إلى محمود طاهر العربي، الذي كان يقوم بالتجسس على الجمعية لحساب القلم المخصوص بوزارة الداخلية.
 
وبعد أن اكتشف [[أحمد حسين]] علاقة طاهر العربي بالبوليس ، طرده من الحزب عام [[1937]] ، وقد تأكد ذلك بصفة قاطعة عند وقوع حادث الاعتداء على النحاس، فكانت كل التقارير المقدمة في القضية من إعداد طاهر العربي، وفى أول اجتماع لمجلس إدارة الحزب في 5 [[أبريل]] [[1937]] ، انتخب المجلس من بين أعضائه عبد الحميد شحاته كامل أمينا للصندوق، وكان يساعده في هذا المجال حسن حريو، فقد كان وكيلا لحسابات الحزب.
 
هذا ولم يظهر بعد ذلك تنظيمات جديدة تفيد أن هذا المنصب قد تولاه شخص آخر، ومن مهام ذلك المنصب تنظيم حسابات الحزب من اشتراكات وتبرعات أى تنظيم مالية الحزب بصفة عامة.
 
 
والآن نتناول بالدراسة المجالس التي أوجدتها [[مصر الفتاة]] على اعتبار أنها الجانب الأكبر أهمية داخل المستوى المركزي.
 
مجلس الجهاد:
 
كانت الإجراءات التي يتخذها البوليس السياسي ضد [[مصر الفتاة]] تمنع الجمعية عن نشر أي شيء عن أعضاء ذلك المجلس أو عن اجتماعاته ، ولذلك لم يقع تحت أيدينا إلا تقارير البوليس التي بينت أول تشكيل له في عام [[1935]] وكان يضم تسعة أعضاء فقط. ثم نلمس تشكيل المجلس الثاني، من خلال الاجتماع الذي عقد في 31 [[ديسمبر]] [[1936]] للنظر في تحويل الجمعية إلى حزب سياسي، فكان يضم 33 عضوا هم.
 
وبهذا نلمس تطورا في تكوين المجلس إذ ازداد عدد أعضائه من تسعة في [[1935]] إلى ثلاثة وثلاثين عضوا في نهاية [[1936]]، وإن كان الشرط النظري الذي نص على أنه مكون من خمسين لا  عضوا لم يتحقق.
 
عند تحول الجمعية إلى حزب تنازل مجلس الجهاد عن سلطاته لمجلس الإدارة، ولكنه ظل يتولى الإشراف على الفرق النظامية شبه العسكرية، وتنفيذ القرارات التي يصدرها مجلس الإدارة.
 
وفى جلسة المجلس بتاريخ 23 [[أبريل]] [[1937]] يقرر  المجلس استبعاد بعض أعضائه من عضويته ، ومعظم هؤلاء الأعضاء جدد لم يسبق لهم الانضمام إلى المجلس فيقرر المجلس فصلهم.
 
وهذا يوضح أن عضوية المجلس لم يكن لها صفة الاستقرار، فإن آخر اجتماع للمجلس كان في 31 [[ديسمبر]] [[1936]] ، وهذا الاجتماع بتاريخ 23 [[أبريل]] [[1937]] أي أن هؤلاء الأعضاء قد انضموا خلال تلك الفترة القصيرة وفصلوا أيضا خلالها، ومن خلال استعراض أسماء الأعضاء في جلسة تالية وجد أن بعض هؤلاء المفصولين كانوا من بين الحاضرين للاجتماع والذين شاركوا في مناقشاته.
 
وعندما صدر المرسوم الملكي بحل التشكيلات شبه العسكرية في [[مارس]] [[1938]] أعلن الحزب حل مجلس الجهاد وفرق المجاهدين وكل ما له علاقة بالتشكيلات العسكرية، ولكن عندما قررت الحكومة التدريب العسكري في المدارس، طالب الحزب أعضاءه بالانضمام إلى هذا التدريب. ومن ثم بدأ يظهر استخدام اسم مجلس الجهاد، ونص على أن كل عضو لابد وأن يكون مجاهدا بعد حل جميع منظمات الحزب في 5 [[نوفمبر]] [[1938]].
 
وعلى هذا فيمكن القول بأن قرارات هذا المجلس لم تكن لها فاعلية ولم تكن تحترم بدرجة كبيرة ، فإن التقلب الواضح في حركة العضوية داخل المجلس، وكذلك عدم احترام قراراته وتنفيذها ليدل دلالة واضحة على مدى الارتباك الذي كانت تعانيه قيادة الحزب، فحرصها الدائم على تجنيد أكبر عدد ممكن من الأعضاء، رغم أن بعضهم كان يعمل لحساب القلم المخصوص بالداخلية، فهي تسعى إلى إحراز الجماهيرية عن أى طريق، ولكن غياب الأهداف الواضحة ممكنة التحقيق عن نشاط الحزب، كان من نتيجته ذلك التذبذب في حركة العضوية.
 
وبالرغم من إعلان الحزب عن حل مجلس الجهاد، إلا أنه اجتمع في [[سبتمبر]] عام [[1938]] واقترح [[أحمد حسين]] على المجتمعين زيادة عدد أعضائه من خمسين إلى مائة عضو على أن يشترك فيه أعضاء من شعب الأقاليم.
 
وتقدم [[أحمد حسين]] بقائمة أسماء من أعضاء الحزب يرشحهم لعضوية المجلس. وكذلك تقدم بعض أعضاء المجلس بترشيحات جديدة، وترك أمر البت في هذه المسألة إلى جلسة تالية. ولكن بمتابعة التطور لهيكل المجلس لم يظهر ذلك الاقتراح إلى الوجود، إذ لم يكد يحل شهر [[نوفمبر]] من نفس العام، حتى أعلن [[أحمد حسين]] حل مجلس الجهاد، وكذلك حل جميع الشعب واللجان الموجودة في أنحاء البلاد، معلنا أن الأسباب التي دعته للإقدام على تلك الخطوة، هو ما لمسه من تهاون الكثير من أعضاء الحزب في تنفيذ مبادئ [[مصر الفتاة]]، وكذلك التفكك الملحوظ في وحدة أعضائه.
 
وقد تم إعادة تنظيم الحزب بسرعة على الورق ، وبزعامة مصفى الوكيل أعلن قادة الحزب تخليهم عن مواقعهم وأعلنوا أنهم جنود عاديين في الحزب. واشترط [[أحمد حسين]] لمن يريد أن يستأنف الكفاح معه، أن يعد ملابس التدريب العسكري، وأن يكون مستعدا لإطاعة الرؤساء الذين سيعينهم طاعة كاملة. وبذلك أصبح ضروريا أن يكون كل عضو مجاهدا واختفت صفات العضوية الأخرى.
 
اختفى مجلس الجهاد منذ حله إلى أن بدأ يظهر من جديد في منتصف عام [[1939]]. فقد منح الحزب للأعضاء الذين أثبتوا ولاءهم له ولمبادئه كتابا سمى" كتاب العضوية" وهو يحتوى على برنامج [[مصر الفتاة]]، وكلمات الرئيس ، وكذلك فهو يحوى صورة للعضو ومعلومات عنه.
 
وفى اجتماع لحاملي كتاب العضوية هؤلاء أعلن [[أحمد حسين]] أنهم يكونون مجلس الجهاد الحالي بدل المجلس المنحل. إلا أنه لم يظهر إلى الوجود تشكيل رسمي بهذا المجلس وربما كان لإعلان قيام الحرب الأثر الواضح الذي ترك بصماته على النشاط الحزب برمته، فلم يرد ذكر لهذا المجلس مطلقا حتى نهاية الدراسة.
 
كذلك فإنه في مرحلة التغيير إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى لم تظهر أية تنظيمات خاصة به. هذا فيما يتعلق بدور مجلس الجهاد وتشكيله وسنتناول الحديث عن اختصاصاته من واقع الممارسة الفعلية للنشاط عند تناولنا للتشكيلات شبه العسكرية.
 
بقى أن نتناول المجلس الآخر الذي كان يعاون الرئيس في إدارة شئون الحزب وهو مجلس الإدارة ، فقد قرر مجلس جهاد جمعية [[مصر الفتاة]] بجلسته المنعقدة في 31 [[ديسمبر]] [[1936]] الموافقة على اقتراح الرئيس بتحويل الجمعية إلى حزب سياسي؛
 
وقرر تأليف مجلس إدارة للحزب يعاون الرئيس في إدارته، بحيث يكون لكل مديرية من المديريات ممثل، على ألا يزيد عددهم عن ثلاثين عضوا، وعهد إلى الرئيس اختيار الأعضاء الذين يصلحون لمجلس الإدارة، فانتخب الحاضرون من بينهم كل من [[فتحي رضوان]]، محمد صبيح، محمد حلمي الجيار، أحمد السيد، عبد الحميد المشهدى وبدوى صقر ليكونوا نواة هذا المجلس؛
 
وعهدوا إلى الرئيس [[أحمد حسين]] توجيه الدعوة لبعض السياسيين والمجاهدين القدماء، الذي أظهروا رغبتهم في الاشتراك في الحزب لاستكمال تأليف مجلس الإدارة.
 
إلا أنه في أول اجتماع للمجلس بتاريخ 2 [[أبريل]] [[1937]]، اتضح أنه كان يتألف من [[أحمد حسين]] رئيسا، [[فتحي رضوان]] سكرتيرا وعضوية كل من محمد صبيح، عبد الحميد المشهدى، أحمد السيد، إسماعيل وهبي، عبد الحميد شحاته كامل، أحمد الشيمى، شعبان الكاتب وبدوى صقر.
 
وقد انتخب المجلس عبد الحميد شحاته كامل ليتولى أمانة الصندوق وتنظيم مالية الحزب. وقد اختفى اسم محمد حلمي الجيار من بين الأعضاء، فهو زعيم الشباب الوفدي ب[[الدقهلية]]، فكان الجيار متقلبا بين وفديته وبين الانضمام ل[[مصر الفتاة]]، فقد عاد لتولى قيادة فرق القمصان الزرقاء ب[[الدقهلية]]، وانضم إلى جانب [[النقراشي]] بعد انفصاله عن الوفد، فأصدر الوفد بيانا بحل فرق القمصان ب[[الدقهلية]].
 
وإزاء هذا الأسلوب في اختيار مجلس الإدارة الذي لا يقوم على قاعدة معينة، رأى بعض المؤسسين لجمعية [[مصر الفتاة]] أنه يحق لهم الحصول على عضوية المجلس، ومن هؤلاء كان عز الدين عبد القادر الذي تقدم بطلب رفض رئيس الحزب تلبيته، فقدم استقالته من عضوية مجلس الجهاد. 
 
وفى عام [[1937]] أيضا وعندما تقدم الحزب بعرائض إلى الملك لنزع الثقة من وزارة الوفد وإقالتها، كان مجلس الإدارة مكونا من [[أحمد حسين]] رئيسا، [[فتحي رضوان]] سكرتيرا عاما، محمد صبيح سكرتيرا مساعدا، شعبان الكاتب، أحمد السيد، بدوى صقر، عبد الحميد شحاته كامل، عبد الحميد المشهدى، مصطفى الوكيل وأحمد الشيمى أعضاء.
 
وقد تضمن تشكيل المجلس اسم مصطفى الوكيل، وهو في ذلك الوقت كان ما يزال في لندن ولم يعد إلى [[القاهرة]]، وقد عاد في 2 [[نوفمبر]] [[1937]]، ويتضح من ذلك أن عضوية المجلس كانت تمنح لأعضاء غائبين عن [[مصر]]. ولا يتاح لهم المشاركة في النشاط الحزبي، فكيف كان ذلك؟ 
 
وبعد عودة مصطفى الوكيل من لندن انضم لعضوية مجلس الإدارة بالفعل ، وانضم معه أيضا بعض الأعضاء من الذين تخرجوا في الجامعة ومنهم نور الدين طراف، فخري أسعد، أنور فريد، على زين العابدين، محمد الزقاقى ، أحمد محيى الدين عبد الحليم و[[إبراهيم شكري]].
 
هذا وقد رأى الحزب فيما بعد أن يضم إلى عضوية المجلس كلا من عثمان نجاتي، حمادة الناحل وكمال سعد في [[سبتمبر]] [[1938]] . ومن خلال الممارسة للنشاط الحزبي، وتذبذب عضوية المجلس بانضمام أشخاص بعيدين عن [[مصر الفتاة]] تماما وانفصالهم عنه بأسرع مما انضموا إليه، شرع الحزب يعيد تنظيم صفوفه على أسس جديدة، منها أن اتجه الرأي إلى أن يكون أعضاء المجلس من كبار مؤسسي وأعضاء الحزب الذين أبلوا في كفاحه منذ الدقيقة الأولى أحسن بلاء.
 
وعلى هذا الأساس الجديد جاء تشكيل المجلس على الوجه التالي، [[أحمد حسين]] رئيسا، مصطفى الوكيل، [[فتحي رضوان]]، محمد صبيح، عبد الحميد المشهدى، محمود مكي، [[إبراهيم شكري]] ، حمادة الناحل، محمد مهدي، مصطفى عدلي، صالح حنفي ومحيى الدين عبد الحليم أعضاء . ولعل هناك تشكيل آخر لهذا المجلس إلا أنه لم يقع تحت أيدينا ولكنه ربما ضم بعض الأعضاء البارزين مثل محمد حلمي ومحمد متولي عوض.
 
استمرت حركة العضوية داخل مجلس الإدارة تلاقى تذبذبا واضحا، فليس هناك أسس واضحة ولم يتقيد الحزب بالشروط التي وضعها في الجانب النظري للهيكل، لا من حيث نوعية الأعضاء، ولا من حيث عددهم الذي حدده.
 
فكان الفصل بين عضوية الحزب وعضوية مجلس الجهاد وأخيرا عضوية مجلس الإدارة يعد أمرا صعبا، فالمسألة لم تكن بالدقة المطلوبة، بحيث يمكن الالتزام الدقيق بالهيكل المعلن نظريا، وربما كان التشكيل السابق للمجلس هو آخر تشكيل محدد، وبعد هذا اختلط الحابل بالنابل وأصبح من الصعب التفرقة بين أي درجة من درجات عضوية الحزب حتى نهاية فترة البحث. فالحزب دائم التبديل والتغيير في حركة العضوية.
 
ولا يبعد أن التذبذب في حركة عضوية المجلس بهذه الطريقة كان ناتجا عن غياب الأهداف الواضحة والمحددة التي يناضل الحزب من اجل الوصول إليها، هذا فضلا عن السلطة المطلقة لرئيس الحزب فهو يبدل ويغير طبقا لأهوائه.
 
وكان من نتيجة ذلك أن استطاع البوليس السياسي أن يجند بعض قادته للتجسس على الحزب نفسه وكان عبد الحميد المشهدى أحد هؤلاء. مما دعا المجلس إلى اتخاذ قرار بفصله من عضويته ومن عضوية الحزب.
 
ننتق بعد هذا إلى تناول أسلوب العمل داخل مجلس إدارة الحزب من حيث طريقة المناقشات ومدى ديمقراطيتها. والأمر يتطلب منا أن نرجع إلى الوراء قليلا فعندما اقترح [[أحمد حسين]] تغيير الجمعية إلى حزب اعترض الكثيرون من الأعضاء على ذلك فقد أصر هو على رأيه، نرجع إلى الوراء قليلا، فعندما اقترح [[أحمد حسين]] تغيير الجمعية إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى أيضا حدثت معارضة شديدة من جانب بعض الأعضاء إلا أن القرار قد صدر أيضا بتغيير اسم الحزب وبرنامجه.
 
هذا بالإضافة إلى أنه عندما ثبت ل[[أحمد حسين]] عمالة المشهدى وقرر فصله من الحزب كان ذلك بقرار فردى من جانب [[أحمد حسين]]، وإن كان الحزب قد أعلن أن ذلك جاء بقرار من مجلس الإدارة كما سبق القول. ولكن [[أحمد حسين]] يذكر" فإذا فصلت اليوم عبد الحميد المشهدى الذي كان من أكبر أعضاء [[مصر الفتاة]]، فليس لأحد أن يسألنا لماذا فصلته، فالمناقشة في الحساب لا تجوز من أي أحد فمن أحب ذلك فليبق ومن لم يحب فليستقيل".
 
وهذا يتضح لنا أن سلطة اتخاذ القرار داخل مجلس إدارة [[مصر الفتاة]] كان يحكمها ديكتاتورية الرئيس، فإذا أصر على موقف كان من الصعب مناقشته فيه للعدول عنه رغم أية معارضة توجه إليه فلم تكن هناك ديمقراطية تمارس داخل المجالس المختلفة.
 
ويجدر بنا كي يستكمل المستوى المركزي للهيكل صورته، أن نتناول منظمات [[مصر الفتاة]] المساعدة التي انبثقت عن المستوى المركزي. فقد بذلت [[مصر الفتاة]] جهودا لإيجاد منظمات مساعدة لها تتبع المركز العام للحزب؛
 
وهى في ذلك تهدف إلى توسيع دائرة أنصارها ونشر مبادئها بين مختلف الأوساط ، فسعت إلى تكوين لجان للطلبة في الجامعة والمدارس العليا والمدارس الثانوية والخاصة وفى [[الأزهر]]، هذا بالإضافة إلى أنه حاولت أيضا أن تخوض التجربة في أوساط العمال بتكوين لجان مماثلة مكاتب إدارية تتولى تنظيم حركة [[مصر الفتاة]] في المجتمع. وسنتناول تلك المنظمات المساعدة بالدراسة حتى تتضح صورة الهيكل التنظيمي ل[[مصر الفتاة]] بتنظيماته الأساسية ومنظماته المساعدة.
 
لجان الطلبة التنفيذية:
 
تألفت في عام [[1935]] هيئة تسمى " كتلة الطلبة القوميين" وهذه الهيئة تضم الشباب المعارض للوفد ولوزارة توفيق نسيم، وقد تولى نور الدين طراف أحد أعضاء [[مصر الفتاة]] رئاستها، وكانت تعقد اجتماعاتها بمنزل النبيل عباس حليم، فهو الذي يتبناها لموقفه المعارض من الوفد ووزارة نسيم آنذاك.
 
وكذلك شارك أعضاء [[مصر الفتاة]] في حركة الطلبة عام [[1936]]، ففي عيد الجهاد في 13 [[نوفمبر]] [[1935]] أصيب [[إبراهيم شكري]] أحد أعضائها بإصابات بالغة وأجريت له عدة جراحات أنقذت حياته، ف[[مصر الفتاة]] تقوم أساسا على الطلبة؛
 
وهى بذلك لابد لها أن تقيم داخل المؤسسات الطلابية منظمات تقوم بالدعاية لها ونشر مبادئها، وفى هذا المجال تقدم نور الدين طراف باقتراح في جلسة مجلس الجهاد بتاريخ 29 [[مارس]] [[1936]] لتأليف لجنة من طلبة [[مصر الفتاة]] باسم " اللجنة التنفيذية لطلبة [[مصر الفتاة]]" فوافق المجلس على الاقتراح وقرر أن تتألف هذه اللجنة من ثلاثة مندوبين عن كل معهد أو كلية من كليات الجامعتين المصرية والأزهرية والمدارس العليا، وانتخب المجلس نور الدين طراف رئيسا لها.
 
تم تشكيل اللجنة فكان لها مندوبون في مختلف الكليات الجامعية، ففي كلية الحقوق كان أعضاؤها هم كل من حمادة الناحل، صالح حنفي، بسكالس ويصا، مصطفى عدلي، أحمد شوقي، وفى كلية الزراعة محمود مكي، إبراهيم شكري ، حسين حلمي، عبد الفتاح زكى وفى الآداب عبد الحكيم عدوى عابدين، محمد فاضل ، أحمد حسن أحمد، وفى الهندسة سمير حلمي، كمال عز الدين، حسنى شعتوت، على زين العابدين ، وفى كلية الطب نور الدين طراف، أحمد عبد النبى، فتحي القداح، محمود فهمي كريم، وفى كلية التجارة أنور عبد المعطى، محمد محمد الزقاقى، مصطفى زهران، وفى معهد التربية محمود الشافعي؛
 
وفى كلية دار العلوم محيى الدين عبد الحليم، إبراهيم خضراوي ، محمود عبد الله، وفى كلية اللغة العربية عبد الحميد محمود، السيد أبو حديد، محمد الجنيدى جمعه، إبراهيم بسيونى، وفى كلية أصول الدين عبد الرحمن الصوالحى ومحمود عبيد.
 
وفى العام التالي [[1937]] بذل الحزب جهودا كبيرة لضم أنصار جدد من الطلبة، خاصة بعد الانشقاق الذي تعرض له [[حزب الوفد]] بخروج [[النقراشي]] وماهر، وكذلك خروج كثير من الطلبة على الوفد، فحاول عقد اجتماعات عامة كبيرة داخل الجامعة، وكون لجانا مختلفة منها " اللجنة التنفيذية لطلبة [[مصر الفتاة]] ب[[الأزهر]]" ، "لجنة المدارس الثانوية والخاصة" ، " ولجنة الجامعة والمدارس العليا" ، وقد أحرز الحزب نجاحا في هذا المجال.
 
وقد بدأ في تكوين لجان الطلبة داخل كل شعبة من شعبه في [[القاهرة]]، فاشترط أن تكون كل شعبة في [[القاهرة]] مؤلفة من لجنتين إحداهما للطلبة والأخرى للعمال ، وخصص لكل منهما يوما من أيام الأسبوع يلتقي فيه أعضاء هذه اللجان برئيس الحزب، وقد تولى حمادة الناحل مهمة الاتصال بلجان الطلبة، وتولى أنور حوطر الاتصال بلجان العمال وقد كان لفوز مرشحي الطلبة من حزب [[مصر الفتاة]] في انتخابات اتحاد الطلبة بالجامعة، وحصولهم على أغلبية الأصوات، إذ حصلوا على أصوات المرشحين الوفديين.
 
كان ذلك مشجعا ل[[مصر الفتاة]] كي تزيد من اهتمامها بلجان الطلبة، فتألفت لجان فرعية في الأقاليم منها" لجنة طلبة [[مصر الفتاة]] التنفيذية بمعهد شبين الكوم" ، كذلك تكونت لجان للطلبة في [[أسيوط]] في المعاهد والمدارس المختلفة وتشكل لها مكتب دائم.
 
وبالإضافة إلى لجان الطلبة التنفيذية، فقد تشكلت لجان فرعية تهتم بموضوعات معينة، فقد تشكلت لجنة فرعية خاصة ب[[فلسطين]] من بين زعماء [[مصر الفتاة]] بالجامعة في مختلف كلياتها، وعملت هذه اللجنة على التنسيق مع الهيئات الأخرى التي تألفت لمناصرة [[فلسطين]]، من ذلك أنها حددت يوم 31 [[أكتوبر]] [[1938]] ليكون يوما جامعيا خاصا ب[[فلسطين]] يظهر فيه طلبة الجامعة شعورهم حيال إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين.
 
ونظرا للأعمال التي كان يقوم بها [[اليهود]] داخل [[فلسطين]]، فقد قرر حزب [[مصر الفتاة]] تكوين لجنة لمقاطعة [[اليهود]] في [[مصر]] والتنبيه إلى خطرهم في [[مصر]] والبلاد العربية، فتشكلت اللجنة من محمد صبيح رئيسا، ومحمود مكي سكرتيرا، كمال سعد ومحمد مهدي وعبد الرحمن الصوالحى أعضاء.
 
وتحقيقا للشطر الثاني من شروط " الشعب" الذي نصر على أن تكون بكل شعبة لجنتين أحداهما للطلبة والأخرى للعمال، فقد قامت [[مصر الفتاة]] بدعاية واسعة النطاق في أوساط العمال لضم عدد كبير منهم لعضويتها، وتوجت عملها بأن ألفت " اللجنة التنفيذية لعمال [[مصر الفتاة]]" وتولى رئاستها أحمد الشيمى وانتخب العمال من بينهم سكرتيرا وأمينا للصندوق ومراقبا لها. هذا وإن لم تعلن أسماءهم.
   
   
وقد أثبتت الدراسات التي قام بها الاقتصاديون أن سياسة التدخل الحكومي في السوق مشترية غير مجدية، ولكنها تلحق بالاقتصاد الأهلي ضررا بليغا، فالقطن المصري يخضع للأسعار العالمية للأقطان، وخاصة سعر القطن الأمريكي وليس التحكم في الأسعار مما يعد مسألة داخلية.  
ولكي يستكمل الهيكل صورته أيضا، فقد استحدث حزب [[مصر الفتاة]] عددا من المكاتب واللجان التي تتبع المركز العام، وكان الهدف من إنشائها التوفر على دراسة وتنفيذ برنامج الحزب الاجتماعي والاصلاحى العام، وهذه المكاتب واللجان هي : مكتب الانتخابات، لجنة مكافحة الأمية، لجنة مشروع القرش والدراسات الاقتصادية، لجنة الشئون الصحية، لجنة القرية المصرية، لجنة مناهج التعليم، لجنة نشر الثقافة العسكرية.
 
وتطويرا لهذه الفكرة قرر الحزب إنشاء " مكتب الشئون الخارجية" مستلهما فكرة إنشائه من مكتب الشئون الخارجية لحزب النازي في [[أبريل]] [[1933]] برئاسة الفريد روزنبرج مستشار هتلر في الشئون الخارجية.
 
ولما كان قادة [[مصر الفتاة]] يرون أن حركتهم جزء من حركة عالمية، فكان لا مناص من أن تفعل مثل هذا، فأنشأت ذلك المكتب ليقوم بدراسة الشئون الخارجية والبحث في مشاكلها، ومنها سياسة [[مصر]] الخارجية، والدعاية ل[[مصر الفتاة]] في الخارج. وقد تولى عبد الرحمن بدوى رئاسته.
 
ويبدو أن هذه الفكرة قد راقت لإدارة الحزب، ومن ثم بدأت في استكمال تشكيل هذه المكاتب بحيث يكون هدفها التوفر على دراسة برنامج الحزب، ومن هذه المكاتب، مكتب شئون التربية، مكتب الشئون الصحية، مكتب الشئون الزراعية، مكتب الشئون الاجتماعية، مكتب الشئون الاقتصادية ، مكتب الفنون، مكتب الشئون الدينية، مكتب الدراسات السياسية، مكتب الشئون الهندسية، مكتب شئون الدفاع، مكتب الشئون الصناعية، مكتب شئون [[السودان]].
 
وهذه المكاتب جميعا يتولى سكرتاريتها محمد صبيح ويعاونه موسى رستم وحسين يوسف مراقبا إداريا لها. ومن ثم استحدث الحزب مكتبين آخرين هما مكتب الشئون العربية ومكتب الدراسات السياسية الداخلية. وقد بدأت اجتماعات رؤساء وأعضاء هذه المكاتب لمناقشة ما يمكن عمله تحقيقا للهدف من إنشائها.
 
ومن هذا المنطلق تكون داخل الحزب " المكتب القضائي" ويشرف عليه المحامون من أعضاء الحزب وغيرهم، ويعمل فيه بصفة دائمة وكيل قضائي. كذلك افتتح الحزب مكتبا لتسجيل الأعضاء تولى محمود مكي رئاسته، وذلك بهدف ضبط حركة العضوية، كذلك أنشئ مكتب الدعاية للإشراف على النشرات التي تصدرها هيئات الحزب لتكون معبرة عن رأيه السياسي، وقد تولى عثمان نجاتي رئاسته .
 
وكذلك افتتح الحزب عيادة طبية لفحص أعضائه وعلاجه تحت إشراف الدكتور أنور نعمان. كما عنى بتكوين جمعية صناعية لمن لديهم الخبرة من الأعضاء، كما افتتح أيضا مدرسة مقاومة الغازات ومدرسة الطيران لإلقاء محاضرات على بعض الأعضاء لتثقيفهم في هذين المجالين.
 
كان المستوى المركزي يضم إلى جانب تنظيماته الأساسية والمساعدة لجنة قوية تضم أعضاء المركز العام، وهى تعتبر بحق النواة التي بدأت بها [[مصر الفتاة]] نشاطها السياسي، والنواة التي استطاعت عن طريقها أن تؤسس لجانا لها في مختلف أنحاء البلاد، ومن ذلك فإنه يحسن أن نتناول تكوين تلك اللجنة وحركة العضوية بها ونشاطها عند تناول المستوى الإقليمي وتكوين اللجان، وفى هذا المستوى يمكننا أن نلقى نظرة على بداية تكوين اللجان وتطورها طوال فترة الدراسة والوقوف على نشاطها ومدى ما أحرزته من جماهيرية داخل المجتمع المصري.
 
فيما يتعلق بالمستوى الاقليمى وتكوين اللجان فيمكن القول، أنه منذ كانت [[مصر الفتاة]] مجرد فكرة لبعث مجد [[مصر]]، آمن بها مجموعة من الأصدقاء الشبان، لا يتعدى عددهم اثني عشر فردا، وقعوا على برنامجها في [[أكتوبر]] [[1933]]، بدأ هؤلاء يعملون على نشر مبادئ [[مصر الفتاة]] لتجنيد المزيد من الأعضاء، فاستطاعوا في خلال أربعة أشهر أن يحققوا نجاحا ملحوظا، فبلغ عدد أعضاء المركز العام ما يزيد على خمسين عضوا في [[يناير]] [[1934]].
 
وفى نفس الوقت كان بعض أعضاء المركز العام يسعون لنشر دعوتهم في [[القاهرة]] وضواحيها وفى الأقاليم، وتحقيقا لهذا الهدف، أسند [[أحمد حسين]] رئيس الجمعية إلى بعض الأعضاء مهمة الطواف بالأقاليم للدعوة ل[[مصر الفتاة]]، فعهد إلى عز الدين عبد القادر مهمة تكوين اللجان في 14 [[يناير]] [[1934]]، فرفع تقريرا إلى الرئيس اتضح منه أن عدد الأعضاء الذين وقعوا على استمارة العضوية بالجمعية حتى الآن بلغ 216 عضوا، منهم 73 بالوجه البحري و174 بالعاصمة وضواحيها و19 بالوجه القبلي.
 
وأن مجموع المناطق التي وجدت فيها دعوة الجمعية آذانا صاغية بلغ 49 منطقة في مختلف إنحاء البلاد، كما أشار التقرير إلى أن أربعة من أعضاء المركز العام يقومون بعمل تكوين اللجان في كل من [[الإسكندرية]] و[[طنطا]] وبنها و[[الزقازيق]]. ولكننا نجد أن ما ورد بالتقرير من أسماء كانت تتبع المركز العام مباشرة وحتى ذلك الوقت لم تتألف أية شعبة أو لجنة للجمعية خارج العاصمة.
 
تألفت أول شعبة بصفة رسمية خارج [[القاهرة]] في طنطا، فبلغ عدد أعضائها 25 عضوا، كذلك تألفت في نفس الوقت أيضا لجنة فرعية في طنطا، وتم انتخاب الرئيس والوكيل والسكرتير وأمين الصندوق، وبلغ عدد أعضائها عشرة أعضاء.
 
وقد تتابع تأليف هذه الشعب، فتألفت شعبة في الزقازيق عاصمة [[الشرقية]] في 25 [[يناير]] [[1934]] بلغ عدد أعضائها 13 عضوا ينتمي بعضهم إلى مراكز وقرى مديرية [[الشرقية]]. وتألفت لجنة في السيدة زينب ضمت 14 عضوا في 21 [[فبراير]] [[1934]] .
 
وإن كان [[أحمد حسين]] قد ذكر أن الجمعية قد تألفت لها لجان في كل من [[طنطا]] و[[الإسكندرية]] وبنها و[[المنصورة]]. أما عن لجان [[الإسكندرية]] وبنها و[[المنصورة]] فلم نعثر على محاضر تأليفها في ذلك التاريخ، وقد كان أول تشكيل رسمي للجنة [[الإسكندرية]] بحضور [[أحمد حسين]] في 7 [[أبريل]] [[1934]] حيث تقرر تعيين عبد الفتاح كيرشاه المحامى سكرتيرا وحنفي جمعة أمينا للصندوق .
 
ومن ثم عاود [[أحمد حسين]] زيارة [[الإسكندرية]] لاستكمال تأليف شعبتها، فعقد اجتماعا لها بتاريخ 20 [[مايو]] [[1934]] وأسند إلى حنفي جمعة مهمة تأليف اللجان الفرعية ب[[الإسكندرية]].
 
تلك هي الشعب التي تم العثور على محاضر تكوينها رسميا، لكن ذلك لا يعنى أنه لم تكن هناك شعب غيرها، ويمكن القول أنه تألفت للجمعية شعب ولجان في مختلف البلدان في عام [[1934]] .
 
وإن لم يكن هناك وضوح تام حول تكوين هذه اللجان، ولكن على الأقل يمكن القول أنه كان ل[[مصر الفتاة]] أعضاء في تلك البلاد كدعاة لتأليف لجان في المستقبل، وإن كانت بعض التقارير تشير إلى أن فروعا للجمعية قد تم تأليفها في مختلف المدن خارج [[القاهرة]]. كما ظهرت للجمعية شعبة في وادي حلفا ب[[السودان]] .
 
وفى عام [[1935]] بدأت تظهر إلى الوجود شعب جديدة للجمعية، منها شعبة مدرسة مشتهر الزراعية، وأطلق عليها مؤسسوها " شعبة الفلاح الحديث" وشعبة الحوامدية، وشعبة في [[أسوان]]، ثم ظهر تكوين شعبة [[بور سعيد]] بصفة رسمية.
 
وفى عام [[1936]] أنشئت شعبة في قنا، وقد عملت هذه الشعبة في تأليف عصبة تابعة لها في نجع حمادي. وتكونت كذلك شعبة في [[الفيوم]]، وشعبة في طهطا أسندت رياستها لمحمد حسن المحامى، وشعب أخرى في [[سوهاج]] ، و[[بني سويف]] و[[شبين الكوم]] و[[أسيوط]]، وشعبة في منوف وعلى رأسها أسرة المشهدى، وشعب في مشتول السوق، وشعبة في بلبيس أما في دمنهور فقد ألف شعبان الكاتب عضو مجلس نواب سابق شعبتها من 25 شابا.
 
وفى عام [[1937]] بعد أن أعلن مجلس الجهاد تحول الجمعية إلى حزب [[مصر الفتاة]] بدأت تظهر إلى الوجود شعب جديدة تعمل على نشر مبادئ الحزب والترويج له، بهدف كسب المزيد من الأعضاء وتجنيدهم في ظل شروط العضوية الجديدة التي ضمنها الحزب قانونه النظامي الجديد، وهو الذي سمح للمصريين جميعا بالانضمام إلى عضويته.
 
ففي شهر [[أبريل]] من ذلك العام نشهد تكوين شعب جديدة للحزب في منيا القمح وقد تكونت عن طريق شعبة مشتول السوق المجاورة لها، وفى الوجه القبلي، تألفت شعبة بساحل سليم وجرى تشكيل مكتبها واعتمده المركز العام وسجل أعضاؤها بسجلات الحزب. وفى نفس الشهر أيضا تألفت شعبة قوية في كوم حمادة ب[[البحيرة]] وقام بتأليفها محمد كمال سعد عضو المركز العام للحزب من ثلاثين عضوا.
 
كما شهد عام [[1937]] أيضا تأليف شعب وعصب جديدة في مختلف أنحاء البلاد منها شعبة في دكرنس بمديرية [[الدقهلية]] في 27 [[مايو]] [[1937]]، وشعبة في ساقية أبو شعرة ب[[المنوفية]] وقام بتأليفها فهمي عقل عضو المركز العام والمحرر بجريدة الثغر. كذلك تألفت عصبة في " أتليدم" ب[[أسيوط]] برئاسة جميل حسنين.
 
أما [[دمياط]] فتألفت أول شعبة بها في 23 [[سبتمبر]] من نفس العام، وفى 4 [[أكتوبر]] تألفت شعبة بسنتريس منوفية وفى مدينة [[القاهرة]] تألفت شعبة في [[مصر]] الجديدة تولى سكرتاريتها صلاح الدين طاهر واقر الحزب أعضاءها في 11 [[أكتوبر]].
 
كما تألفت شعبة بكفر الدوار في 18 [[أكتوبر]]. هذا فضلا عن تأليف شعبة في بولاق ب[[القاهرة]] بصفة رسمية، وإن كان قد ورد ذكرها في عام [[1934]] إلا أنها لن تتألف إلا في [[سبتمبر]] من عام [[1937]].
 
كذلك شهد شهر [[أغسطس]] من نفس العام تشكيل أول مجلس إدارة لشعبة [[الإسكندرية]] التي أصبحت في ذلك الوقت من أقوى شعب الحزب بعد المركز العام. وقد اتخذ ذلك المجلس عدة قرارات من أهمها، أنه لا يسمح لأي عضو من أعضائه بحضور جلساته إلا مرتديا الملابس الرسمية للحزبين وتقرر عقد الجلسات مرتين شهريا، وأن توضع لائحة  داخلية للشعبة.
 
وقد تمت مناقشة موضوع وضع اللائحة الداخلية، ورؤى تأجيل هذا الموضوع خاصة وقد أكد عصام عبد المعطى رئيس الجلسة للأعضاء أم مجلس إدارة الحزب ب[[القاهرة]] ليس له لائحة داخلية، وقد قرروا أن يتوجه وفد منهم إلى سراي رأس التين لتقديم عرائض نزع الثقة من وزارة الوفد عام [[1937]] إلى الملك.
 
ومن الملاحظ أنه في شهر [[أكتوبر]] من هذا العام رفعت عرائض كثيرة تطالب بنزع الثقة من الوزارة، وقد أفاد ذلك في التعرف على بعض الشعب ورصد حركة العضوية بها.
 
كذلك تألفت شعبة لمحلة الكبرى وتألف مجلس إدارتها وإلى جانب هؤلاء ضمت العريضة التي تقدمت بها الشعبة إلى الملك 108 اسما ذكروا على أنهم أعضاء وجنود وأنصار.
 
ومن المؤكد أن كل هؤلاء لا يمثلون أعضاء الشعبة ومن المرجح أن يكون أعضاؤها هم أعضاء مجلس الإدارة فقط، وتقدمت شعبة أبو تيج بعريضة عليها 61 توقيعا، وساقية أبو شعرة بعريضة عليها 51 توقيعا و29" بصمة" للأفراد الذين لا يعرفون الكتابة. أما ساحل سليم والبدارى فبلغ عدد الأعضاء الموقعين 278 فردا، وشربين بعريضة عليها 57 توقيعا.
 
أما المركز العام فتقدم بعريضة ضمت أعضاء مجلس الإدارة والجهاد، إلى جانب أعضاء المركز العام الذين بلغ عددهم 106 عضوا. ولعل ذلك يوضح حركة العضوية به، وقد تبين من خلال دراسة أسماء أعضاء المركز العام أن بعضهم أعضاء في شعب على المستوى الإقليمية.
 
وهنا يتضح أن حركة العضوية بالحزب لت تعرف الإطارات المحددة لها، ولا الفصل التام بين أعضاء المركز العام وبقية أعضاء الشعب. ولمعرفة حقيقة عدد أعضاء المركز العام فقد بلغ 178 عضوا في نهاية عام [[1937]].
 
وفى عام [[1937]] أيضا لجأ الحزب إلى استحداث نوعية أخرى من اللجان، فلأول مرة يظهر بين تنظيماته لجان للمرة، فقد وجه الحزب دعوة إلى بعض نصيراته من بين الأسر التي تنتمي إليه، لتأليف لجنة فتيات [[مصر الفتاة]]، فعقدت اجتماعها الأول في 20 [[سبتمبر]]، وحضره [[أحمد حسين]] فأوضح موقف [[مصر الفتاة]] من المرأة وأكد ضرورة مشاركتها في نشاطه، وقد تم تشكيل اللجنة وأن لم يعلن عن هيئة مكتبها .
 
وهكذا نرى أن حركة العضوية وانتشار اللجان قد شهدت تطورا إلى حد كبير وإن كانت قد تعرضت لهزة عنيفة على أثر حادث الاعتداء على النحاس في آخر هذا العام، فأغلقت دور الحزب في كل مكان، وقبض على معظم الأعضاء ، وقدموا للمحاكمة، وتم تفتيش دور الحزب ومصادرة كل ما يخص النشاط الحزبي بها.
 
وفى عام [[1938]] تنتقل [[مصر الفتاة]] إلى طور جديد من أطوار حياتها، فقد كان لتولى وزارة محمد محمود الحكم أكبر الأثر على نمو هيكل [[مصر الفتاة]] وانتشار لجانها في كل مكان؛
 
بحيث يمكن القول أن بداية عهد حكومة محمد محمود تعتبر عصر ذهبيا ل[[مصر الفتاة]] حيث أصبح يسمح للحزب بالإعلان عن تأليف لجان جديدة، هذا بالإضافة إلى أنه قد سمح له بممارسة نشاطه الحزبي بحرية تامة، وقد انعكس ذلك على حركة العضوية في الحزب، وانتشار اللجان بدرجة ملحوظة، حتى أننا نشهد عددا كثيرا من اللجان في مختلف أنحاء البلاد، وفى الحقيقة فإن [[مصر الفتاة]] لم تشهد انتشارا لأفكارها ، ونموا لهيكلها التنظيمي في أي مرحلة من المراحل، كما شهدت ذلك خلال هذا العام، وهذا اتضح في تشكيل لجان جديدة نوردها هنا بترتيب تأليفها. 
 
ففي مستهل عام [[1938]] ظهرت شعب جديدة في كل من بني خالد (مركز ملوي) وقد تم تأليفها بحضور فهمي عقل سكرتير لجان الحزب المساعد وشعبه في إدفوـ وأخرى في [[سوهاج]] والفشن، وفى دسوق، وتكونت لجان فرعية لشعبة [[الإسكندرية]] الرئيسية منها: شعب في القبارى ، محرم بك ، الجمرك، كرموز، الرمل. وكذلك ظهرت شعبة في زفتى غربية، وشعبة خط المطرية أسند الإشراف عليها للدكتور فخري أسعد، أما شعبة دمنهور فقد تولى محمد كمال سعد عضو المركز العام بالحزب تنظيمها من جديد.
 
وهذا يوضح أن الضربة التي وجهتها وزارة النحاس ل[[مصر الفتاة]]، قد أنهكتها وحلت من عزائمها، فتفرق معظم الأعضاء وابتعدوا عن نشاطها ، فما كان من الحزب إلا أن بدأ يستعيد تماسكه، فشرع يعيد تنظيم صفوفه في عهد وزارة محمد محمود التي أفرجت عن باقي المعتقلين في القضية.
 
وفى ظل هذه الظروف الجديدة التي استردت فيها [[مصر الفتاة]] أنفاسها، أخذ ظهور الشعب الجديدة، فنجد صفحات جريدة " [[مصر الفتاة]]" تزدحم بتأليف تلك الشعب ومنها، شعبة شنشور منوفية، شعبة الشيخ يوسف ب[[سوهاج]]، شعبة أكوه بالسنبلاوين دقهلية، شعبة النخيلة، ثم تألفت لجنة هامة هى لجنة عمال [[أسيوط]]، وشعبة الخصوص بشبين القناطر، وشعبة بى العرب منوفية، وشعبة فوه، وشعبة كفر الزيات، وشعبة بني مزار، وشعبة القناطر الخيرية، وشعبة ببا، شعبة جروان منوفية، وشعب في الإبراهيمية ، وكفر شرقية، وشعب في أرمنت ، وشعبة في بيلا، وشعبة في جزيرة [[أسوان]]. وفى نفس العام شهدت [[الإسكندرية]] تأليف أول لجنة للمرأة بها، فقد تألفت لجنة لفتيات [[مصر الفتاة]]، تابعة لشعبة كرموز وتولى سكرتاريتها سكينة حسن.
 
وعندما أعلم [[أحمد حسين]] في 5 [[نوفمبر]] من نفس العام، حل جميع منظمات الحزب، أعلنت بعض الشعب تأييدها للرئيس وتصميمها على أن تواصل الكفاح معه إلى النهاية، ومن بين تلك الشعب ، شعبة [[الإسكندرية]] التي أعلنت تجديد البيعة للرئيس، وبلغ عدد الأعضاء الموقعين على عريضة البيعة أربعة وخمسين عضوا.
 
حقيقة أن [[أحمد حسين]] قد عرض الحزب لهزة عنيفة كادت تودى بما لديه من تنظيمات وأعضاء إلا أن مصطفى الوكيل قام بجهود عظيمة، لإعادة تأليف مؤسسات الحزب، على أسس جديدة وبشروط جديدة تناولناها فحققت الحركة على يديه في أقل من عام ما لم تحققه في السنوات السابقة من حيث التنظيم وانتشار اللجان في البلاد.
 
وظل الحزب يمارس نشاطه العادي، وأدرك أنه بقرب تحقيق أهدافه فأعلن عن عقد جمعيته العمومية في نهاية عام [[1938]] ووزارة محمد محمود ، قد انتقلت إلى طور جديد، ساءت فيه العلاقات بينهما، لعدة أسباب سنوضحها فيما بعد.
 
فإذا انتقلنا إلى عام [[1939]] فنجد أنذلك العام، لم يشهد سوى تأليف  عدد قليل من الشعب، فتألفت شعبة في بلدة العيادية مركز شربين، وتم تأليف هيئة مكتبها، وشعبة في بلدة العونه ب[[أسيوط]] وكذلك تم تأليف هيئة مكتبها، وشعبة في أبى رجوان ب[[الجيزة]]، وكذلك شهد ذلك العام تأليف شعبة القبارى ب[[الإسكندرية]] رسميا.
 
وفيما عدا ذلك لم يظهر على صفحات جريدة الحزب" [[مصر الفتاة]]" أية إشارة لتأليف جديدة، وربما كان لظروف الحرب أثرها الكبير على تكوينات الحزب، فحتى بعد أن تغير اسم الحزب وبرنامجه إلى [[الحزب الوطني]] الإسلامى، لم تشهد تلك الفترة أية تنظيمات جديدة، ولا ظهور شعب جديدة، إلا فيما أمكن التعرف عليه من خلال تقارير البوليس السياسي، فيما يختص بشعبة [[الإسكندرية]] فقد تألفت للحزب شعبة جديدة للعمال بحي كرموز بالمدينة.
 
وقد تجمد النشاط الحزبي بالمدينة مما اضطر [[أحمد حسين]] بعد زيارته للمدينة في 11 [[يوليو]] [[1940]]، أن يصدر قراره بإلغاء فرع الحزب ب[[الإسكندرية]]، على أن يتبع أعضاؤه المركز العام ب[[القاهرة]]. فأغلقت دار الحزب ونقلت أمتعته إلى معمل الصابون التابع للحزب ب[[الإسكندرية]].
 
وعندما تخرج إبراهيم طلعت من كلية الحقوق، أسند إليه الإشراف على لجنة الحزب بالمدينة، وفى نفس الوقت كان يزاول التمرين على أعمال المحاماة، بمكتب محمد رياض المحامى، فعلم على الاتصال بالأعضاء لاستعادة نشاط الحزب من جديد، فعقد اجتماعين لأعضاء الحزب وشرع يؤلف لجنتين أحداهما لجمع الاشتراكات والأخرى لنشر مبادئ الحزب.
 
ومهما يكن من أمر تأليف اللجان، ومدى انتشارها في [[1938]]، ورد فعل ظروف الحرب على هذا النشاط فإننا لم نشهد لجان أو شعب من أي نوع، وقد جاءت معالجة هذا الجانب في ضوء المادة المتاحة كما سبق القول، ولذلك كان رصد حركة التطور للهيكل التنظيمي عملية شاقة جدا لغياب المادة الأصلية التي تخدم هذا الموضوع بصفة أساسية وهى سجلات الحزب، وملفات الأعضاء التي كانت محفوظة لدى المركز العام، إلا أن تعرض الحزب بصفة دائمة للتفتيش ومصادرة كل أوراقه في كل مرة، جعل البحث في هذا الموضوع شاقا إلى درجة كبيرة.
 
ولكنه مع غياب المادة الأصلية فقد أمكن رصد حركة العضوية وتشكيل اللجان إلى حد كبير. والآن وقد تحدثنا عن المستوى المركزي ل[[مصر الفتاة]] وتناولنا المستوى الإقليمي بالدراسة فإن الأمر يتطلب دراسة التشكيلات العسكرية والتي تشكل جانبا هاما من جوانب الهيكل.
 
التشكيلات شبه العسكرية:
 
كانت الفاشية موجة انتشرت في أوربا ومنها إلى دول العالم المختلفة، فقد ظهرت في إيطاليا، وحققت نجاحا منقطع النظير باستيلائها على الحكم بالقوة في العشرينات من هذا القرن على يد موسولينى، وكلن ظهورها ناتجا عن التناقض الحاد بين [[الرأسمالية]] و[[الشيوعية]].
 
وقد انتقلت أفكارها إلى معظم دول العالم في الثلاثينات وما بعدها من القرن العشرين، فظهرت في كل من ألمانيا واليابان وأسبانيا وأيرلندا. وقد اعتنقت كل هذه الحركات إطارا أيديولوجيا واحدا إلى حد كبير، وقد انتشرت تلك الأفكار بسرعة عجيبة، ووجدت آذانا صاغية لها في داخل المجتمعات التي تحمل بين طيات تكوين طبقات شعوبها تناقضا حادا، أفضى إلى رواج تلك الأفكار، وزيادة عدد أعضاء معتنقيها بدرجة كبيرة.
 
وقد تركز اهتمام تلك الحركات على الاعتماد على الشباب، فعملت على تنظيمهم تنظيما دقيقا، وتدريبهم بأساليب عسكرية محضة تعودهم النظام والطاعة، حتى إذا ما أنسمت في نفسها القوة المادية التي تسعى لتكوينها ، تحركت لتحقيق أهدافها في تغير شكل الحكم القائم، عن طريق تلك القوة المادية التحى أحرزتها ، ممثلة في التشكيلات شبه العسكرية التي اتخذتها، وقد كان للنجاح الباهر الذي أحرزته تلك الحركات الفاشية والنازية في أوربا، صداه المسموع أيضا في منطقة الشرق العربي، فقد ظهرت حركات مماثلة في كل من [[مصر]] و[[العراق]] و[[سوريا]] و[[لبنان]].
 
وإن كان هناك تمايز واضح بينها من ناحية، وبينها وبين الحركات التي انتشرت في أوربا وآسيا من ناحية أخرى، وهذا راجع للظروف الموضوعية لكل مجتمع من المجتمعات.
 
ظهرت تلك الأفكار في [[مصر]] في مطلع الثلاثينات من هذا القرن، وعمل [[أحمد حسين]] على طرحها عندما كان طالبا بالجامعة وتمثلت حركته في الدعوة إلى تكوين" الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ولكنها لم تلق نجاحا في ذلك الوقت، ثم عاود الكرة عندما أعلن قيام جمعية [[مصر الفتاة]] في خريف [[1933]]، على أساس تلك الأفكار التي اعتنقها منذ [[1930]]، ولكن هذه المرة بشكل منظم، بعد أن كسب خبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري من خلال عمله بمشروع القرش؛
 
فشرع في الدعوة لكسب الأنصار من الشباب، ليجمعهم حوله، وحول فكرته التي سيطرت عليه، ومن ثم أخذ يضع لهم الأنظمة التي تكفل له تحقيق فكرته، فعمل على تكوين التشكيلات شبه العسكرية ، وجعلها أساسا لاهتماماته ، ومن ثم برزت إلى الوجود تلك التشكيلات داخل المجتمع المصري، ويجدر بما أن نلقى نظرة عليها داخليا وعلى تكويناتها وكوادرها المختلفة ، ومدى ما حققته من نجاح في هذا المجال.
 
أعلنت جمعية [[مصر الفتاة]] ، أن أول ما تريده هو تنظيم الصفوف لتصل إلى غايتها بأسرع وقت وقالت" أننا نعيش في فوضى فيجب أن نعيش في نظام، فعلينا أن نجمع الشباب في صعيد واحد وأن نعودهم النظام والطاعة، وأن نلبسهم زيا واحدا، وأن ننطقهم بنشيد واحد وأن نجعل لهم شعارا واضحا وغاية محددة"
 
وعلى هذا شرعت [[مصر الفتاة]] في تكوين فرق المجاهدين من أعضائها ، فنشرت جريدة " الصرخة" أول صورة لجندي [[مصر الفتاة]] مرتديا القميص الأخضر في 16 [[ديسمبر]] [[1933]]، موجهة إليه تحية الأجيال الغابرة وتحية الأمة التي تريد على يديه رفعة ومجدا، وقد كان ذلك بداية الدعوة لتكوين فرق المجاهدين لابسي القميص الأخضر، وقد كانت أولى التشكيلات التي ظهرت عدة كتائب في أقسام العاصمة، في شبرا وروض الفرج،وفى الدرب الأحمر ، وفى الأزبكية، وفى [[الأزهر]] وفى القلعة، فبلغ مجموع أعضاء المجاهدين بها ثلاثة وخمسين عضوا في مستهل عام [[1934]].
 
وإن ذكرت [[مصر الفتاة]] في نهاية الثلاثينات أن عدد المجاهدين، الذين حضروا الجمعية العمومية التي كانت تعقدها كل عام بسفح الأهرام- كانوا ثلاثين عضوا فقد عام [[1934]]. وكان جمال عبد الناصر من بين هؤلاء الأعضاء فقد انضم رسميا لمجاهدي [[مصر الفتاة]] في ذلك العام وسدد اشتراكه للجمعية كما ثبت ذلك قسائم تسديد الاشتراكات بالإيصال رقم 34 عن شهر [[يناير]] [[1935]] فدفع مبلغ 5 قروش . كما اطلعنى [[أحمد حسين]] على صورة له وهو يرتدى القميص الأخضر، إلا أنه في نهاية ذلك العام ابتعد عن [[مصر الفتاة]].
 
وهذا العدد يمثل عدد المجاهدين بالعاصمة فقط، ويؤكد صحة الرقم الأخير ما طالب به [[أحمد حسين]] كلا من صبيح والمشهدى والشيمى، عندما كان في جنيف في مستهل عام [[1936]]، بأنه يريد أن يرى خمسين مجاهدا من لابسي القميص الأخضر في [[القاهرة]].
 
وفى عام [[1935]] بلغ عدد المجاهدين بالعاصمة خمسين مجاهدا. ولكن في مستهل عام [[1936]] عندما عاد [[أحمد حسين]] من جنيف عقدت الجمعية اجتماعا بمسرح " برنتانيا" حضره ستون مجاهدا يرتدون القمصان الأعداد السابق ذكرها كانت للمجاهدين في العاصمة، وإن كان هناك أعدادا أخرى تقل عنها قليلا في شعب الأقاليم.
 
ومن ثم تشكلت فرقه من المجاهدين تحمل اسم فرقة فؤاد الأول بلغ عدد أفرادها 116 مجاهدا، 23 مجاهدا أول، 12 مجاهدو كتائب، 2 مدربين عسكريين، 2 أركان حرب الجهاد، و" المجاهد الأعظم" [[أحمد حسين]] كما سمى نفسه فبلغ مجموع أفرادها 156 مجاهدا من لابسي القميص الأخضر في مختلف رتبهم شبه العسكرية.
 
وفى غضون عام [[1936]] ، شرعت جمعية [[مصر الفتاة]] في تنظيم العمال الذين يعتنقون مبادئها، في شكل فرق نظامية يرتدى أعضاؤها القمصان الخضراء، فعقد [[أحمد حسين]] اجتماعا معهم وشرح له الهدف من تكوين تلك الفرق ، وأوضح لهم أن هذه الفرق ليس لها علاقة بالنقابات أو الاتحادات العمالية، وإنما هى حركة سياسية يقصد بها تأييد مبادئ [[مصر الفتاة]]، وقد تابع ذلك بتوجيه نداء إلى العمال في جميع أنحاء [[مصر]] يدعوهم إلى الانضمام لفرق عمال [[مصر الفتاة]] فلديها الحل لك مشاكلهم. ولن يستطيعوا حل مشاكلهم إلا إذا كانوا أقوياء سياسيا.
 
ولكن تلك الفرق لم تظهر إلى الوجود ووقفت الفكرة عند حد الدعوة إليها، وهى الدعوة التي تجددت في العامل التالي عندما فكر الحزب في إنشاء اللجنة التنفيذية لعمال [[مصر الفتاة]] التي لم تظهر بصفة رسمية أيضا.
 
وعندما آلف [[حزب الوفد]] فرقا نظامية شبه عسكرية في [[يناير]] [[1936]]. بدأت [[مصر الفتاة]] توجيه النداءات في محاولة لتجنيد أكبر عدد من المجاهدين، حتى يستطيع بتنظيماته من المجاهدين مواجهة اعتداء القمصان الزرقاء على أعضائه، وفى هذا المجال، تولى محمد صبيح أركان حرب الجهاد إرسال النشرات إلى الشعب والى لجان الحزب وأعضائه في كل أنحاء البلاد، يعلنهم أن أهم ما يعنى به الحزب في ذلك الوقت لمواجهة العهد الحاضر، هو تنظيم القمصان الخضراء وزيادة عددهم لتشكيل الأقسام والكتائب
 
كانت محاولات [[مصر الفتاة]] الدائمة، لنشر الدعاية لتأليف كتائب المجاهدين، دليلا واضحا على أن الفكرة لم تكن تلق ترحيبا  من جانب جماهير الشعب، وتفسير ذلك أنه ليست هناك أية مكاسب مادية أو معنوية لمن ينضوي تحت لواء هذه الفرق ن وإنما كان على العكس عرضة للاضطهاد والمراقبة من جانب البوليس ، وكان منزله عرضة للتفتيش الدائم من جانب البوليس أيضا، خاصة وأنه ليس لهذه الفرق سلطة تساندها وتؤيدها وتحمى ظهرها؛
 
على عكس ما حدث لفرق الوفد الزرقاء، ففي غضون شهور قليلة بلغ عددها ما يزيد على العشرة آلاف، فهي مؤيدة بحزب له جماهير عريضة، وموارد مالية ضخمة، فإذا ما ارتقى الوفد الحكم، كانت هذه الفرق أوفر حظا لدرجة أنه أصبحت تعتبر في وقت من الأوقات" فوق القانون" أما في [[مصر الفتاة]] فلم ينضم لفرقها إلا المجاهدون الصادقون الذين آثروا الجهاد في صفوفها دون مكاسب من أي نوع ، وهذا بدوره يفسر المحاولات الدائمة من جانب قيادة [[مصر الفتاة]] لزيادة عدد أعضائها لابسي القميص الأخضر.
 
ولما كانت شعب ولجان [[مصر الفتاة]] في الوجه البحري أكثر بكثير من الوجه القبلي ، فقد فكر [[أحمد حسين]] في أن يقوم برحلة في الصعيد لنشر مبادئ [[مصر الفتاة]] في غضون عام [[1936]]، فقام ومعه عدد من الأعضاء .
 
ويبدو أن الرحلة لم يكن لها أثر يذكر في زيادة حركة العضوية ل[[مصر الفتاة]]، إذ أن الحزب قد لجأ في السنوات التالية إلى نفس الأساليب للدعوة لضم أعضاء جدد إليه، ورغم هذه الدعاية المستمرة، والنشاط الدائم من جانب قيادة الحزب، فإن كل تلك المحاولات لم تحرز نجاحا ملحوظا، فإذا انتقلنا إلى عام [[1937]]؛
 
وعندما تولى الملك فاروق سلطاته الدستورية، أعلن حزب [[مصر الفتاة]] عن تأليف فيلق باسم " فيلق فاروق الأول" وهو الفيلق الأول لجنود [[مصر الفتاة]] لابسي القميص الأخضر، ومن الناحية النظرية فإن الفيلق يتكون من أربعة ألوية، وكل لواء يتكون من 768 مجاهدا، وأعلنت [[مصر الفتاة]] عن توزيع هذا الفيلق ، على كل من [[القاهرة]] ففيها لواءان يبلغ عدد أعضائها 1536 مجاهدا، ولواء في [[الإسكندرية]] والوجه البحري ، ولواء في الوجه القبلي، أي أن يصل عدد أعضاء [[مصر الفتاة]] من المجاهدين 3072 مجاهدا. وهو ما لم يتحقق لها في أي وقت من الأوقات، فلم يزد عدد أعضائها لابسي القميص الأخضر عن بضع مئات من المجاهدين، ففيما يختص بفيلق فاروق الأول فإن تلك الفكرة لم ترى النور؛
 
وكل ما حدث أن الحزب قد دعا أعضاء فرقة فؤاد الأول سالفة الذكر للاجتماع وشكل من بينهم فرقة فاروق الأول، فقد أصبح الأعضاء يجمعون بين عضوية الفرقتين، وقد جاء تشكيلها على الوجه التالى: [[أحمد حسين]] المجاهد الأعظم، محمد صبيح وعبد الحميد المشهدى أركان حرب الجهاد، عصام عبد المعطى ومحمود مكى وجمال الشرقاوي و[[إبراهيم شكري]] مجاهدو الفرق بالإضافة إلى 25 عضوا هم المجاهدون الأول في الكتائب ، 16 عضوا مجاهدو أقسام و98 مجاهدا بلغ مجموعهم جميعا 146 مجاهدا.
 
وهؤلاء الأعضاء هم تقريبا كل لابسي القميص الأخضر بالحزب. ولكي تتضح حركة العضوية لفرق [[مصر الفتاة]] النظامية إلى حد ما ، فإنه يمكن معرفة ذلك إذا علمنا أن شعبة [[الإسكندرية]] في [[سبتمبر]] [[1937]] لم يزد عدد المجاهدين بها عن ستة عشر مجاهدا فقط.
 
فإذا علمنا أن شعبة [[الإسكندرية]] من الشعب الهامة، فلعل هذا يعطى تفسيرا أن عدد المجاهدين لم يكن ليتيح ل[[مصر الفتاة]] في أي وقت أن يصل إلى تكوين فيلق وبالعدد سالف الذكر، وفى نهاية [[1937]] واجهت [[مصر الفتاة]] ضربات عنيفة عندما أغلقت حكومة الوفد دور [[مصر الفتاة]] بسبب اعتداء عز الدين عبد القادر على النحاس؛
 
وعندما تولت وزارة محمد محمود في أول [[يناير]] [[1938]] بدأت [[مصر الفتاة]] تسترد أنفاسها المنهكة، ولكنها لم تلبث أن تواجه ظروفا جديدة حدت من نشاطها في تكوين الشعب وتنصيب المجاهدين، وقد تمثل في المرسوم الملكي بقانون الذي صدر في 9 [[مارس]] [[1938]] الذى نصر على " تحظر الجمعيات أو الجماعات دائمة أو مؤقتة، التي يكون لها سواء من حيث تأليفها أو عملها من حيث تدريب أعضائها أو نظامهم وزيهم أو تجهيزهم صورة لتشكيلات شبه عسكرية خدمة لحزب أو مذهب سياسي معين".
 
وكان لصدور ذلك المرسوم أثره الواضح على مختلف التنظيمات شبه العسكرية، المصرية منها والأجنبية. أما فيما يختص بموقف حزب [[مصر الفتاة]] فقد طالبت باستثناء قمصانها الخضراء من الحل.
 
والحقيقة لم يكن هدف وزارة محمد محمود حل تشكيلات [[مصر الفتاة]]، وإنما كان همها حل القمصان الزرقاء ، وكان من الصعب على الوزارة له رد فعل واضح على تشكيلات [[مصر الفتاة]] شبه العسكرية ، فأعلن الحزب حل كل التنظيمات التي يتعلق نشاطها بالمجاهدين، وأن يحمل كل عضو كان في صفوفها لقب عضو مؤسس.
 
ويجدر بنا أن نتناول طرق وأماكن تدريب التشكيلات وكوادرها المختلفة، التي تخضع لها في مختلف المراحل التي مرت بها.
 
كانت [[مصر الفتاة]] ، تمارس تدريب أعضائها بعيدا عن أعين البوليس، إذ كانت هناك تعليمات من وزارة الداخلية بتعقب أعضائها والحد من نشاطهم، وعلى هذا فقد ضبط أحد عشر عضوا من أعضائها يتدربون على الأعمال العسكرية ولم تضبط لديهم أسلحة ، وكانوا على هيئة " طابور" يتولى رئاسته محمد صبيح ، ويقوم بإجراء التدريبات العسكرية حسنى ناجى الشماشرجى أحد أعضاء [[مصر الفتاة]]، وقد كان الجميع يرتدون زى الجمعية الرسمي، القميص الأخضر والبنطلون الكاكى.


وقد اتبعت وزارة النحاس الثانية [[1930]] هذه [[السياسة]] للتخفيف عن السواد الأعظم من جماهير الشعب وهم الفلاحون منتجو القطن، هذا فضلا عن كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين أثرت الأزمة عليهم إلى أبعد حد.  
وأما في مدينة [[الإسكندرية]] فقد تبرع الحاج أحمد رمضان- أحد تجار [[الإسكندرية]]- بقطعة أرض من أملاكه بسيدي بشر لحساب الجمعية. وقد استخدمها في ذلك الوقت أعضاء شعبة [[الإسكندرية]] للقيام بالتدريبات العسكرية والرياضية، وقد أشرف على تدريبهم كمال الدين صلاح، رئيس أركان حرب الجمعية، وفى عام [[1936]] أعلنت الجمعية عن معسكر للتدريبات العسكرية، يقام بمدينة [[الإسكندرية]] لمدة خمسة عشر يوما ووضعت له برنامجا للتربية الروحية والعسكرية والثقافية.  


وفى هذا المجال أيضا، قامت وزارة إسماعيل صدقي بعدة دراسات قام بها وكيل وزارة المالية، بهدف وضع سياسة مستديمة لعلاج الأزمة الاقتصادية، فأعد مذكرة في هذا الشأن، اقترح فيها العدول عن سياسة التدخل وترك الأسعار حرة، فاتبعت حكومة صدقي هذه [[السياسة]] الجديدة في [[سبتمبر]] [[1930]] ، فأدى ذلك إلى اطراد انخفاض أسعار القطن، فلجأت الحكومة إلى خفض نفقات إنتاج القطن ، فزادت المبالغ التي تقرضها للزراع بفائدة معتدلة فأنشأت بنك التسليف الزراعي لهذا الغرض، وكذلك مدت أجل استحقاق الأموال التي قدمتها للزراع، وشجعت إنشاء جمعيات تعاونية جديدة.  
أما في [[القاهرة]] فبعد أن انضم عبد الخالق مدكور باشا إلى الجمعية ، اتفق معه [[أحمد حسين]] على أن تجرى التدريبات العسكرية في قهوة " الفنتاريو" التي يملكها مدكور باشا، ووعد بأنه سوف بمهد قطعة أرض من أراضيه لهذا الغرض وفى نفس الوقت لا يستطيع البوليس أن يتعرض لهم في أرضه الخاصة.  


وساعد عدم وجود نقابات للعمال الزراعيين على انخفاض أجورهم، وعلى الرغم من هذه الجهود التي بذلتها الحكومة ظلت الحالة تسوء في البلاد بسبب استمرار هبوط الأسعار، ونقض غلة الفدان، وفرض الحكومة الأمريكية الرسوم العالية على واردات الأقطان طويلة التيلة. هذا بالإضافة إلى زيادة محصول القطن الأمريكي في الموسم الزراعي [[1930]]/[[1931]] . ولم تنج [[مصر]] من حدوث كارثة محققة إلا بخروج انجلترا عن قاعدة الذهب.
وفى نفس الوقت كان [[أحمد حسين]] يبذل جهوده ، لكي يقنع عباس حليم ، بأن يعمل على بث الروح العسكرية والنظام بين العمال المنضمين إليه فنجح في ذلك ، وتم الاتفاق بينهما على أن يقوم عباس حليم بإنشاء أندية رياضية يتدرب فيها كل من عمال عباس حليم ، وأعضاء [[مصر الفتاة]] على التدريبات العسكرية ، وقد رأت تلك الفكرة النور ، فأنشأ عباس حليم ناديا يحمل اسمه لهذا الغرض، في نهاية شارع " الملكة نازلي" وهكذا استطاع [[أحمد حسين]] أن يتوفر لديه الأماكن التي يزاول فيها أعضاء [[مصر الفتاة]] تدريباتهم العسكرية، وفى نفس الوقت حقق لهم الحماية المطلوبة من مهاجمة البوليس؛


ويتضح ذلك من محاولته الاتصال بعبد الخالق مدكور ثم عباس حليم، وهما واجهة قوية يمكن لأعضاء جمعيته أن يستتروا خلفها. بقى بعد هذا أن يحصل لهم على الأسلحة الأزمة لتدريبهم والمدربين المتخصصين الذين يتقنوا عملية التدريب.


كان لخروج انجلترا عن قاعدة الذهب أثره الواضح في [[مصر]]، فقد كان الجنيه المصري مرتبطا بالجنيه الإنجليزي فهو يتبعه في تقلباته، ومن ثم كانت [[مصر]] تسير على نظام الصرف بالاسترلينى وبينما كانت أسعار القطن مستمرة في الانخفاض ، غذ بانجلترا تخرج عن قاعدة الذهب، ونتيجة لذلك تدهورت قيمة الجنيه الاسترلينى بمقدار 30%
ففيما يختص بتسليح الأعضاء، فقد أوفدت جمعية [[مصر الفتاة]]، أحد كبار أعضائها للإشراف على شعبة [[الإسكندرية]] القوية، وإن كان الهدف الحقيقي من مهمته هو الاتصال ببعض مهربي الأسلحة في المدينة، ومن الواضح أن الملازم ثان عبد الله صادق، صديق [[أحمد حسين]] الحميم، والزى يعمل بالجمارك في [[الإسكندرية]] ، حاول مساعدة المشهدى في تلك المهمة بحكم وظيفته.


وتبع ذلك انخفاض في قيمة الجنيه المصري، فساعد هذا على تخفيف وقع الأزمة بعض الشيء، فارتفعت أسعار القطن المصري بحوالي 20% من سعره، كما أفاد هذا التخفيض في تخفيف العبء الحقيقي للدين الخارجي، فقد أصرت الحكومة على سداد الأقساط والفوائد بالاسترلينى إذ أنها عقدت تلك القروض بالعملة الأجنبية. إلا أن هذه الإجراءات السريعة التي لجأت إليها الجهات الرسمية لم يكن لها أثر كبير في تخفيف حدة الأزمة، مما جعل الحكومة تعيد النظر في سياسة [[مصر]] الاقتصادية برمتها.
وإن كان المشهدى لم يستطع الحصول على الأسلحة، رغم أنه بقى ب[[الإسكندرية]] فترة طويلة، وقد استمرت [[مصر الفتاة]] تجد في الحصول على الأسلحة بمختلف الطرق إلى أن تمكنت في عام [[1936]] من الحصول على بعض المسدسات، عن طريق بعض التجار والضباط السابقين بالجيش المصري. وقد كان الحصول على الأسلحة أحد المطالب الأساسية التي تسعى [[مصر الفتاة]] للحصول عليه؛


ففي مجال الزراعة: حاولت الحكومة أن توجد نوعا من التوازن في الإنتاج الزراعي ، يرمى إلى إضعاف سيطرة القطن على الاقتصاد المصري، فاشتدت العناية بزراعة الحبوب والخضر والفاكهة حتى يحدث التوازن المنشود.  
والذي يهيئ لها في النهاية تحقيق حلمها في الاستيلاء على السلطة، لتنفيذ برنامجها في إعادة مجد [[مصر]] القديم على يديها، ومن هذا المنطلق كانت دائمة السعي لتسليح الأعضاء، فعندما فشلت في أن تحصل على الأسلحة الكافية، طالبت أعضاءها بأن يحاول كل منهم الحصول على سلاح، حتى إذا حانت الساعة المناسبة لكي تقوم بتنفيذ خطتها كان الأعضاء مستعدين ومسلحين.  


ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بذلك جهود كبيرة لتحسين الإنتاج الزراعي، وهو ما يسمى بالتوسع الرأسي في الإنتاج، أي إعطاء مزيد من الإنتاج من نفس مساحة الأرض المستغلة. كذلك عنيت الحكومة بمكافحة الآفات.  
وللوصول إلى تلك الغاية كان لابد من تدريب الأعضاء على التدريبات العسكرية بطريقة سلمية، وعلى أيدي متخصصين يجيدون فن العسكرية، ففي أول الأمر يقوم بتدريب الأعضاء من لهم دراية بالنواحي العسكرية، ثم اتجه الرأي إلى أن يقوم بالتدريب المتخصصون من رجال العسكرية، فقد تولى عبد الحميد حسين من أسرة [[أحمد حسين]] وهو " كونستابل" سابق تدريب المجاهدين.  


ووجه اهتمام خاص لتنفيذ بعض مشروعات الري ذات المنفعة العامة، ففي [[1933]] تمت التعلية الثانية لخزان [[أسوان]] لتوفير المياه اللازمة للزراعة بعد زمن الفيضان، واهتمت الحكومة أيضا بمشروعات الصرف إلا أنها كانت دون حاجة  الأراضي.  
وكذلك كان عبد الله صادق يعاونه في هذا الأمر،ولكن الجمعية أرادت أن يشرف على التدريب أحد ضباط الجيش السابقين، فاتصلت بشاكر أحمد وهو أحد الضباط المصريين الذين كانوا يعملون في [[السودان]]، وقد أحيل إلى الاستيداع وعاد إلى [[مصر]].  


أما في مجال الصناعة: فقد أوجدت الأزمة الاقتصادية نوعا من القلق الاقتصادي داخل [[مصر]]، إذا أوضحت المتاعب التي تتعرض لها البلاد نتيجة الاعتماد على القطن، إلى توطيد العزم على ضرورة تنويع أوجه النشاط الاقتصادي بإدخال التصنيع، كما أن نمو السكان وسرعة تزايدهم أدت إلى فائض كبير في العمال الزراعيين، فليس هناك من سبيل للتخفيف من حدة المشكلة السكانية إلا بتحويل جزء منهم إلى عمال صناعيين، حيث مستوى الأجور أعلى منها في مجال الزراعة.
عن طريق محمد صبيح ليقوم بإجراء التدريبات الرياضية والعسكرية للمجاهدين، وقد توجه شاكر أحمد إلى نادي عباس حليم ليقوم بالعمل الذي أسندته إليه الجمعية، حيث يتدرب المجاهدون، فوجد عبد الله صادق يقوم بعمل التدريبات فانتقد شاكر طريقة التعليم التي يتبعها عبد الله صادق؛


وقد اتخذت الحكومة بعض الإجراءات في هذا المجال لتدعيم الصناعة الناشئة، فما أن انتهى أجل المعاهدات التجارية التي غلت أيدي [[مصر]] ردحا طويلا من الزمن إلا وسارعت إلى تغيير [[السياسة]] الجمركية، فعرضت في 17 [[فبراير]] [[1930]] تعريفة جمركية جديدة تعتبر بحق نقطة تحول في تاريخ [[مصر]] الحديث، فقد كان الهدف منها حماية الصناعة المصرية من المنافسة الأجنبية. وفى حقيقة الأمر فإنه يمكن اعتبار تاريخ فرض هذه التعريفة الجديدة، هو بدء قيام الصناعة الحديثة ذات الإنتاج الكبير في [[مصر]].  
وقد طلب شاكر أحمد أجرا قدره ستة جنيهات شهريا، ولكن يبدو أن الجمعية لم تستطع دفع هذا المبلغ، فاتفق على أن يسعى صبيح لدى على الشمسي، لتعيين شاكر أحمد محصلا بشركة المياه بهذا المبلغ، وقد كان الشمسي عضوا بمجلس إدارتها، على أن يتولى تدريب " كتلة الطلبة القوميين" التي تؤيد عباس حليم، على أن يأخذ علاوة قدرها 2% من مجموع الاشتراكات.  


وكذلك فقد استقدمت الحكومة المصرية الخبراء الأجانب لدراسة أوضاع الصناعة في [[مصر]]، ومنحت السلف بفائدة معتدلة، وأصدرت أوامرها إلى المصالح الحكومية بتفضيل المنتجات المصرية حتى لو زادت أثمانها عن مثيلاتها الأجنبية بنسبة 10% .  
وللإشراف على المجاهدين وتدريباتهم تولى كل من محمد صبيح والمشهدى منصب أركان حرب الجمعية والجهاد.  


هذا وإن كانت هذه الإجراءات قد هيأت للصناعة نوعا من الاستقرار، فإن خروج البلاد عن قاعدة الذهب وما كان له من أثر في رفع أسعار القطن. جعل الطلب يتزايد على بعض السلع فحقق ذلك رواجا مؤقتا لبعض السلع.
ومهما يكن الأمر ، فقد توفر لدى الجمعية عدد من المجاهدين، وأمكن الحصول على الأماكن التي يؤدون فيها تدريباتهم العسكرية، وأتيح لهم مدربون من ذوى الخبرة، فكان الأمر يتطلب بالضرورة إيجاد هيئة عليا تتولى الإشراف على كل شئون المجاهدين، فتم تشكيل مجلس الجهاد لهذا الغرض، ومن مهامه تنصيب المجاهدين، والإشراف على تدريبهم ومدى انتظامهم فى الحضور ، ومراقبة مالية الجمعية وتنظيمها، فهو أعلى سلطة فى الجمعية؛


وبرغم كل هذا فقد ظلت الصناعة المصرية دون ما كان يرجى لها من تطور، فلا زالت تلقى منافسة قوية من الصناعة الأجنبية. وفى الحقيقة فإن نهضة الصناعة المصرية أخذت واضحة للعيان منذ التعديل الجمركي في عام [[1930]]، ولكنها كأي نهضة كانت في حاجة إلى الوقت الكافي لنجاحها وثباتها.  
وقد ظل يمارس هذه المهام إلى أن تحولت الجمعية إلى حزب فانتقلت سلطاته إلى مجلس الإدارة، إلا ما يخص منها شئون المجاهدين، وقد تولى محمد صبيح سكرتارية ذلك المجلس، فأعد له سجلات يدون بها محاضر جلساته ويتابع مدى انتظام الأعضاء في حضور جلسته، وذلك بصفته الرئيس الأعلى للمجاهدين.  


وهكذا يمكن القول، أن التشكيلات شبه العسكرية التي استحدثتها [[مصر الفتاة]] داخل المجتمع المصري، كان يمكن أن يتكامل لها أسباب النجاح في تحقيق غرضها، لو أتيح لها العمل بحرية فى ممارسة تدريباتها، ولو توافرت لها السلطة التي تؤيدها وتدعمها لحققت نجاحا أوفر من حيث تجنيد أعداد أكبر من المجاهدين، هذا فضلا عن غموض الأفكار التي طرحتها؛


فكان عدم توفر هذه الشروط كفيلا بألا تحرز قمصان [[مصر الفتاة]] الخضراء نجاحا ملحوظا ، وإن كانت قد أحدثت داخل المجتمع المصري فقد حذت بعض [[الأحزاب]] حزوها في تكوين تشكيلات مشابهة.


وفى مجال التجارة: فقد ازدادت الحاجة إلى المتاجر نتيجة للنمو السكاني في [[مصر]] وتعدد مطالب السكان وتنوعها. ونمت المنشآت التي تقوم بخدمة التجارة الداخلية، ولقد كان للأزمة الاقتصادية آثار واضحة على تجارة [[مصر]] الخارجية، فهبطت الصادرات والواردات هبوط مفاجئا، حتى بدت بوادر التحسن في عام [[1933]].
استحدث [[حزب الوفد]] في [[يناير]] [[1936]] فرقا نظامية شبه عسكرية، واعتمد في تشكيلها على لجان الشبان الوفديين التي أنشأها من قبل.  


فاطردت الزيادة في الصادرات والواردات لأن الأحوال الاقتصادية في [[مصر]] أخذت تستقر تدريجيا بعد هذا التاريخ. هذا بالإضافة إلى أن الحكومة قامت بإجراء بعض التعديلات على النظام الضريبي، إلا أن يدها لم تكن حرة تماما في هذا المجال لقيام الامتيازات الأجنبية، وتركز رءوس الأموال في يد الأجانب المتمتعين بمظلة الامتيازات الأجنبية.  
وقد كان ذلك تقليدا ل[[مصر الفتاة]]، أو ربما إعجابا من جانب ذلك الحزب بنظام تلك الفرق وموجتها التي انتشرت في ذلك الوقت.  


كذلك سعت الحكومة للتخلص من تبعية النقد المصري للنقد الإنجليزي الذي جعل الاقتصاد المصري يتأثر تأثرا مباشرا بالتقلبات التي تصيب الحياة الاقتصادية في انجلترا، ففكرت [[مصر]] في التخلص من هذه التبعية في مجال النظام النقدي.  
وكما حاكى الوفد [[مصر الفتاة]]، فقد لقيت الفكرة أيضا رد فعل لدى [[الحزب الوطني]]، فقد قرر حافظ رمضان رئيس الحزب تكوين " جمعية البازى" واختار لها الزى الرسمي وأصدر تعليماته إلى أنصار الحزب من طلبة الجامعة بضرورة ممارسة التدريبات العسكرية في ساحة النادي.  


وعلى الرغم مما قامت به الدولة في مجال الزراعة والصناعة والتجارة للتخفيف من حدة الأزمة فقد برزت في خلال الأزمة الاقتصادية قضية هامة برزت على سطح الأحداث الجارية في [[مصر]] وهى قضية الثروة العقارية المصرية، فقد أصبح ثلثها تقريبا مهددا بانتقال ملكيته إلى البنوك العقارية والأفراد من الأجانب.  
وقد توفر حافظ رمضان على دراسة الأنظمة الفاشية والنازية وبذل جهودا لبث الروح العسكرية بين الشباب المصري.  


فقد عقد الكثير من ملاك الأراضي قروضا مع البنوك العقارية لآجال طويلة، وذلك عقب [[الحرب العالمية الأولي]]. وعندما حلت الأزمة الاقتصادية بالبلاد واشتدت وطأتها نتيجة للكارثة القطنية في عام [[1931]] ، فقد عجز المدينون من الملاك عن سداد الأقساط والفوائد المستحقة عليهم، فلجأ الدائنون إلى السير في إجراءات بيع الأراضي الضامنة لديونهم، بنزع ملكيتها لصالحهم، فكثرت القضايا أمام المحاكم المختلطة بصفة خاصة، وانتشر بيع الأراضي إجباريا ففزع الملاك مستنجدين بالحكومة.  
وليس هناك وضوح تام حول ما أحرزته تلك الفكرة. وقد اتجه تفكير حافظ رمضان فئ أن يضم جمعية [[مصر الفتاة]] إلى [[الحزب الوطني]]، وكلف محمد محمود جلال عضو الحزب أن يقوم باتصالات بأعضائها لهذا الغرض، ولكن المحاولة أخفقت لرفض أعضاء [[مصر الفتاة]] موضحين أن ذلك من اختصاص [[أحمد حسين]].  


تقدم الاقتصاديون بأبحاثهم يقترحون الحلول للخلاص من تلك الأزمة التي تهدد الثروة القومية للبلاد، فأفسحت الصحف أنهرها لتلك الأبحاث ولمناقشة الأزمة العقارية والعمل على تلافيها وقد أدت الإجراءات التي قام بها الدائنون الأجانب إلى انخفاض سعر الأرض ، فبيعت الأراضي بأقل من قيمتها بكثير، فأصبح ذلك خطرا يهدد الكيان الاجتماعي، فقررت الحكومة أن تستجيب لنداء الملاك، فتدخلت لحل هذه المشكلة، فأنشأت البنك العقاري الزراعي المصري، وكذلك أنشأت بنك التسليف الزراعي كما سبق أن ذكرنا في صيف عام [[1931]] فتعاون البنكان على حل مشكلة الديون العقارية بوقف البيوع الجبرية، فتدخلت الدولة لدى الدائنين في عام [[1931]] ودفعت الأقساط المتأخرة نيابة عن المدينين واعتمدت لذلك القرض مليونا من الجنيهات. وهكذا أنقذت هذا الجزء الكبير من ثروة البلاد العقارية من الضياع.
وسواء كان ذلك تقليدا ل[[مصر الفتاة]]، أو أنها موجة انتشرت وكان لها صداها المسموع في [[مصر]] ، فإن تشكيلات الوفد قد أخفقت تماما، بعد صدور المرسوم بحل الفرق ([[مارس]] [[1938]])


ومهما كان من أمر ، فعلى الرغم من هذه التدابير التي اتخذتها حكومة إسماعيل صدقي للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية، ووقعها على الشعب المصري، فقد عانت منها البلاد الكثير، ووقع العبء الأكبر على العمال والفلاحين وساءت أحوال معيشتهم فانضمت جموعهم إلى حركة المقاومة ضد حكومة إسماعيل صدقي.  
إلا أن [[مصر الفتاة]]، وهى التي قامت أساسا على تلك الفكرة لتنظيم الشباب ، وتعويدهم النظام والطاعة وجمعهم في تشكيلات شبه عسكرية تتيح لها تكوين" الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ليمهد لها تنفيذ أهدافها في إعادة مجد [[مصر]] القديم، مع إيمانها بأن ذلك لن يتحقق إلا بالاستيلاء على الحكم ومن ثم تنفيذ برنامجها، ومن هذا المنطلق الكرى، ظلت [[مصر الفتاة]] تلح على تنفيذ تلك الفكرة، فحتى بعد صدور المرسوم الملكي بحل الفرق، فقد ظلت تمارس تدريباتها العسكرية داخل دورها. وما أن أعلنت حكومة محمد محمود عن إعادة التدريب العسكري لطلبة المدارس والجامعة حتى طالبت [[مصر الفتاة]] جميع أعضائها بأن ينضموا إلى صفوفه، وأن يكون لدى كل عضو من أعضائها ملابس التدريب العسكري التي قررتها وزارة المعارف.  


وقد قابلتهم حكومة صدقي بالحديد والنار فتحولت المعركة إلى " شبه حرب أهلية" على حد تعبير صدقي نفسه. وهكذا وبرغم الجهود المبذولة من جانب حكومة صدقي وعلى ما يتمتع به صدقي نفسه من عقلية اقتصادية ممتازة، فقد عجزت كل تلك الجهود عن أن تجعل الأزمة تنفرج تماما.  
وأعادت تنظيم صفوفها على هذا الأساس، وبدأت تظهر درجة الأعضاء المجاهدين، فتقرر أن تكون كل شعبة أو عصبة من لجانها من مكونة المجاهدين فقط. وعادت إلى تشكيل الكتائب فوجهت دعوة لأعضائها لتأليف " كتيبة [[فلسطين]]" . لتنظيم يوم [[فلسطين]] الذي أعلنت عنه [[مصر الفتاة]]، للقيام بمظاهرات توضح موقف الطلبة من القضية.  


وعندما تولى عبد الفتاح يحيى تأليف الوزارة عقب استقالة صدقي، فكر أن أكثر ما يشغل وزارته هو معالجة الأزمة الاقتصادية، ومع ها فإن ما قامت به وزارته في هذا الشأن لم يتعد إصدار القانون الذي أقره البرلمان بتخفيض إيجار الأطيان الزراعية لعام [[1932]] بمقدار ثلاثة أعشار قيمتها، وكذلك فقد خصصت مبلغ مليوني جنيه لسداد بعض المستحقات على المزارعين .  
ومن ثم أعلن حزب [[مصر الفتاة]]، استمرارا لفكرته فى نشر الروح العسكرية، عن افتتاح مكاتب للتطوع فى جميع شعب [[مصر الفتاة]]، حتى إذا تجمع لدى الحزب عدد كبير من المتطوعين، وضعهم تحت تصرف وزارة الدفاع سواء في الجيش العامل أو في الجيش المرابط، ويوضح أحد التقارير أن ثمانين عضوا من أعضاء [[مصر الفتاة]] قد قرروا الانضمام إلى الجيش المرابط، تحت قيادة اليوزباشي السابق بالجيش محمد زكى مصطفى، والذي يشغل نفس المنصب بالجيش المرابط في ذلك الوقت.  


وكان من نتيجة عجز هذه الوزارة عن معالجة الأزمة كما عجزت سابقتها. أن حاول حزب الأحرار الدستوريين التقرب من [[حزب الوفد]] لوضع سياسة اقتصادية مشتركة ينفذانها لمعالجة أسباب الأزمة من ناحية، وكمحاولة للإطاحة بوزارة عبد الفتاح يحيى من ناحية أخرى.  
ومن ثم يتابع الحزب نشر تعليماته على الأعضاء بضرورة الانضمام إلى معسكرات التدريب، سواء في الجيش المرابط أو في أماكن التدريب التي أوجدته الحكومة. وأكد [[أحمد حسين]] على ضرورة الالتحاق بتلك المعسكرات وقصر حضور اجتماعات الحزب على من يمارسون التدريب في تلك المعسكرات.  


أرسل الأحرار الدستوريين مذكرة إلى [[حزب الوفد]] حول المعنى السابق، فكان رد الوفد المصري على مذكرتهم" يشارك الوفد المصري [[حزب الأحرار الدستوريين]] شعوره فيما وصلت إليه حالة الأزمة الاقتصادية في البلاد من سوء عجزت عن معالجته بطبيعة الحال الحكومات التى تولت إدارة شئونها بدون إرادة الأمة وبمشيئة الغاصبين... وكان بود الوفد المصري.. أن يقابل فكرة الأحرار في الوقت الحاضر بالارتياح لولا أن ترديد هذه الفكرة ينشأ بعد محادثات ذاع خبرها في طول البلاد وعرضها بين صدقي باشا وحزبهم للتعاون اقتصاديا لمحاربة الوزارة الحاضرة" ويتعجب النحاس فيقول:" كيف ينسى الأحرار ما جناه صدقي على البلاد فيمدون يدهم إليه" وقد رفض الوفد هذه الفكرة قائلا: " كما أن الوفد لا يحب أن يقع في سياسة خاطئة يمليها صدقي باشا ويرعاها خدمة لأغراضه الشخصية".  
وهكذا يتضح لنا أن [[مصر الفتاة]] لن تتخل إطلاقا عن فكرتها القديمة في نشر الروح العسكرية بين أعضائها لتكوين " الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ولكن الظروف الموضوعية التي مر بها المجتمع المصري لم تتح لها أن تصل إلى أهدافها التي رسمتها لنفسها منذ بداية كفاحها، فقد مرت التجربة بمنحنيات خطرة وهزات عنيفة كان من نتيجتها أنها لم تستطع تحقيق ما هدفت إليه.  


ويجدر بنا أن نتناول وسائل الاتصال بين المستوى المركزي والمستوى الإقليمي والتشكيلات سبه العسكرية.


وكان رد الفعل واضحا لدى القوى الاجتماعية في [[مصر]]، فقد قام بعض الوطنيين من الشباب بنشر أفكار شابة للنهوض بالصناعة الوطنية وحمايتها من منافسة الصناعة الأجنبية لها، فارتفعت صيحات مخلصة في هذا الشأن ، وتألفت لهذا الغرض جمعيات وطرحت أفكار اقتصادية جديدة، كان الهدف منها تحرير الاقتصاد المصري من ربقة الاستعمار؛
منذ أن أعلن [[أحمد حسين]] ورفاقه برنامج [[مصر الفتاة]]، فقد أيقنوا جميعا بضرورة نشر مبادئهم بين مختلف فئات الشعب، وقد تمثل ذلك في البداية في رحلات قام بها الأعضاء المؤسسون، وأمكن عن طريق تلك الرحلات تكوين اللجان الفرعية ل[[مصر الفتاة]]، واستمر ذلك طابع العلاقات بين المركز العام كانوا يقومون بالدعاية ل[[مصر الفتاة]] ومبادئها، ويعملون على نشرها في مختلف البلاد، كل منهم يعمل في منطقته إذا كان ينتمي لإقليم من الأقاليم


ومن ذلك جمعية " المصري للمصري" التي أسسها سلامة موسى عام [[1930]]، وقد اشترط قانون الجمعية على الأعضاء ألا يشتروا سلعة أجنبية ما دام هناك ما يقابلها من السلع المصرية ، وأن يقاطعوا المصنوعات الإنجليزية، وأن يتجروا مع التجار المصريين دون الأجانب حتى يمكن أن يتحقق استقلالنا ونجعل [[مصر]] ملتقى المصريين" وقد لقيت حركة مقطعة البضائع الأجنبية حماسة كبيرة بيت أفراد الشعب بحسهم القومي، وقد تألفت لهذه الجمعية لجان في مختلف كليات الجامعة.  
بهذه الطريقة تم تأليف معظم الشعب، وبعد أن تكونت كن لابد من استمرا العلاقة بين المركز العام واللجان الإقليمية، ولقد سارت الاتصالات في طريقين، أولهما تم عن طريق الاتصالات الشخصية بين كبار رجال [[مصر الفتاة]] وبين اللجان الفرعية فى الأقاليم، أما الطريق الثاني فقد تمثل في الجريدة التي تعبر عن آراء [[مصر الفتاة]]، وتعد لسان حال لها.  


وقد نظمت الجمعية حملة بالصحف أدت إلى نشر الوعي الاقتصادي بين أفراد الشعب، فأقبلوا على تشجيع المصنوعات الوطنية، ولكن عندما تعرضت الجمعية لإسماعيل صدقي بالهجوم، فقد أمر بغلق أكثر من عشر مجلات من المجلات التي كانت تقوم بنشر أفكارها. وبذلك انتهت هذه الحركة- التي تعبر عن تيار شعبي – تحت وطأة الضغط الذي [[مارس]]ته حكومة صدقي لإسكات أصوات المعارضين لها.  
ففا الجانب الأول ، قام بعض كبار الأعضاء بزيارة اللجان المختلفة في الأقاليم، استكمالا لتأليفها والإشراف على نشاطها، ففي مستهل عام [[1934]]، قام كبار أعضاء الحزب بزيارات مختلفة للأقاليم، ومنها زيارة أحمد الشيم أمين صندوق الجمعية لمدينة [[المنصورة]]، بعد أن انتشرت دعوة [[مصر الفتاة]] فيها، وفى تلك الزيارة تقابل مع زعيم الشباب الوفدي ب[[المنصورة]] الدكتور محمد حلمي الجيار، ودارت بينه وبين الشباب الوفدي مناقشات حول مبادئ [[مصر الفتاة]]،كان نتيجتها أن انضم ل[[مصر الفتاة]] عدد من الأعضاء ، وقد طالبهم الشيمى بالعمل على نشر مبادئ [[مصر الفتاة]] وتجنيد المزيد من الأنصار والأعضاء لها في ريف [[المنصورة]].  


كانت الأوضاع الاقتصادية التي سادت المجتمع ال[[مصر]] خلال الفترة، ذات أثر فعال على النواحي السياسية والاجتماعية، فقد انخفضت أسعار الحاصلات الزراعية وخاصة القطن عماد الاقتصاد المصري.  
وفى نفس الوقت قام [[فتحي رضوان]]، سكرتير عام الجمعية، بزيارة لمدينة الزقازيق، وذلك لتنظيم شعبتها وبث الدعاية ل[[مصر الفتاة]] بها، ولكن البوليس فرض رقابة شديدة على تحركاته ، ولكنه استطاع أن يفلت من رقابة البوليس ويتوجه لأداء فريضة الجمعة في أحد مساجد المدينة، فألقى خطبة ضمنها كفاح [[مصر الفتاة]]، إلا أن البوليس اكتشف أمره فألقى به خارج المسجد. وتلك كانت إحدى الطرق التي سلكها رجال [[مصر الفتاة]] لنشر دعوتهم.  


هذا فضلا عن الصعوبة في تصريفها، وعلى الرغم من الجهود الضخمة التي بذلت من جانب وزارة إسماعيل صدقي للتخفيف من وقع الأزمة على الشعب المصري، فقد زادت حالة الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين سواء، ولعل هذا يدعونا إلى دراسة الأوضاع الاجتماعية التي سادت المجتمع المصري في أعقاب تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] الذي منح البلاد الاستقلال الشكلي فهل كان لهذا الاستقلال أثر على الأوضاع الاجتماعية؟
وعندما كانت جمعية [[مصر الفتاة]] تأنس في أحد فروعها قوة وتنظيما، فقد كانت توفد أحد كبار أعضائها ليكون مندوبا دائما للمركز العام بها، وقد حدث ذلك عندما انتظمت للجمعية شعبة قوية في مدينة [[الإسكندرية]] كانت في ذلك الوقت تعد أقوى شعبة للجمعية، وقد سافر [[فتحي رضوان]] سكرتير عام الجمعية إلى [[الإسكندرية]] وأقام هناك شهرا فواصلت شعبتا [[الإسكندرية]] مجهوداتها، وشارك [[فتحي رضوان]] في أعمالها، ومن ثم قررت الجمعية أن ترسل أحد كبار أعضائها ، فأرسلت عبد الحميد المشهدى ليتولى السكرتارية الدائمة للشعبة، يتولى تنظيمها ويعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن من الأنصار والأعضاء لها.


ترتب على الأوضاع الاقتصادية- التي سبق أن ذكرناها- للمجتمع المصري خلال فترة البحث نتائج اجتماعية فيما يتعلق بالوضع الطبقي الاجتماعي بصفة عامة، فقد تركزت ثروات البلاد في يد القلة من كبار الملاك وغيرهم ، هذا فضلا عن أن تلك القلة من أصحاب الثروات هم المسيطرون على الحياة الاقتصادية المصرية، فهم الذين يمثلون كبار ملاك الأراضي الزراعية، وفى نفس الوقت فهم أصحاب المصانع والشركات الصناعية أو على الأقل حملة أسهمها، كما أنهم محتكرو التجارة الداخلية والخارجية فهم بذلك يمارسون سيطرة كاملة على الاقتصاد المصري، مما كان من نتائجه سوء توزيع الدخل القومي وانخفاض أجور العمال الزراعيين والصناعيين مما أدى إلى انخفاض مستوى معيشتهم.  
وفى هذا المجال أيضا كان [[أحمد حسين]] يقوم بزيارات لشعب الأقاليم، ولم تكن تلك الزيارات تخلو من مضايقات، كان يتعرض لها رجال [[مصر الفتاة]] من جانب الوفد في الأقاليم، وكانت تحدث صدامات مختلفة بين فرق القمصان الخضراء وفرق القمصان الزرقاء الوفدية وقد حدث ذلك أثناء زيارة [[أحمد حسين]] لمدينة [[الفيوم]] للوقوف على مدى نشاط شعبتها، فعاد [[أحمد حسين]] إلى [[القاهرة]] واتجه عبد الحميد المشهدى لزيارة شعبة [[بني سويف]] .  


وبالإضافة إلى ذلك، فإن [[الأحزاب]] السياسية قد أغفلت حقيقة وضع الطبقات الاجتماعية الكادحة، فقد خلت برامجها جمعيا من النص على معالجة هذه المسألة، فقد كانت [[الأحزاب]] السياسية تعبر عن أفكار ومصالح البرجوازية المصرية التي تولت قيادة تلك [[الأحزاب]]، وحتى [[حزب الوفد]]، الحزب الشعبي من بين [[الأحزاب]] المصرية، لم تحظ المشكلة الاجتماعية باهتمامه؛
واستمرارا لأسلوب محاربة الوفد لأعضاء [[مصر الفتاة]]، فعندما توجه عبد الحميد المشهدى إلى منوف بلدته للإشراف على أعمال شعبتها وعقد اجتماع فيها، أرسلت الإدارة في طلبه لمقابلة مأمور المركز الذي أودعه السجن، وقد كان ذلك الموقف من جانب المأمور بإيعاز من صبري أبو علم مرشح الدائرة في الانتخابات الذي حاربه المشهدى. وكذلك أرسل الحزب أحد أعضائه ليقوم بنشر الدعوة في [[أسوان]] والإشراف على شعبتها.


وقد كانت [[الأحزاب]] السياسية جميعا تتفق في إغفالها لتلك المشكلة، كما تتفق أيضا في أن تحد انتشار الأفكار الاجتماعية بصفة عامة، فهي تعتبر انتشار تلك الأفكار بين العمال بمثابة البركان الذي سينفجر في يوم من الأيام فيطيح بها، وبأنظمتها القائمة، فحاربت تلك الأفكار حربا شعواء ، فتعرض معتنقوها للاضطهاد والسجن والتشريد، وكان رد الفعل لذلك أن انتشرت تلك الأفكار سرا، فلما كان تأسيس حزب سياسي لهم يعبر عن تلك الأفكار باسم" الحزب الاشتراكي المصري" وما حدث داخله من انقسامات وما تعرض له من أزمات ثم تألف " الحزب الاشتراكي المصري" من بين أعضائه، إلا أن البرجوازية المصرية قد وقفت حائلا دون نمو الأفكار الاجتماعية في [[مصر]] إلى جانب عوامل أخرى.  
ظل ذلك هو أسلوب الاتصالات بين المستوى المركزي والمستوى الإقليمي ل[[مصر الفتاة]]، ففي هذا المجال قام [[أحمد حسين]] بزيارة شعبة [[أسوان]]، للأشراف عليها وبث الدعوة ل[[مصر الفتاة]]، وفى نفس الوقت توجه لنفس الغرض لزيارة بعض الشعب في مديرية قنا و[[أسيوط]].  


شهدت الشهور التي أعقبت [[الحرب العالمية الأولي]] حركة عالمية نشطة، ولكن الموج السياسي الذي بدأ مع حركة الوفد لم يلبث أن جرف هذه الحركة لصالح القضية الوطنية، فقد أدرك العمال أن [[الرأسمالية]] الأجنبية المستغلة التي يعملون في ظلها إنما تستمد شراستها وعنفها من وجود الاحتلال البريطاني، ولهذا انخرطوا في تأييد الثورة والاشتراك فيها دون أن تحفظ ودون أي شروط.  
وفى صيف عام [[1938]] ، وجه مصطفى الوكيل ،نائب رئيس الحزب، في أثناء سفر [[أحمد حسين]] لأوربا نداء إلى جنود [[مصر الفتاة]] من الطلبة بأن يتوجهوا إلى الريف لنشر دعوة [[مصر الفتاة]] ومبادئها، وليعملوا على تأليف اللجان في بلادهم، وذلك أثناء العطلة الصيفية .  


وقد ربح العمال بأن ينخرطوا في صفوف الجماهير المؤيدة ل[[حزب الوفد]] الذي تولى قيادة الثورة التي اشتركوا فيها، ف[[حزب الوفد]] كان همه الدائم أن يظل الممثل الوحيد للأمة، في مواجهة خصومه السياسيين، وفى مواجهة المحتل فإنه لم يستطع إهمال آمال وتطلعات الطبقة العاملة التي ظلت تمنحه تأييدها وبالتالي الأصوات الانتخابية، وحيث كان العمال متفرقين في أرجاء [[مصر]] كافة، وحيث كان عددهم لا يزال قليلا إلى حد لا يستطيعون معه أن يخرجوا من بينهم واحدا لينوب عنهم في البرلمان، لذلك فإنهم ما كان ينبغا لهم أن يكونوا آخر من يمنح تأييده للحزب الكبير الذي التفوا حوله بحماس منذ عام [[1919]]، وكان التأييد بالنسبة لهم هو الوسيلة الوحيدة لإسماع صوتهم داخل مجلسي البرلمان وللعمل على تحقيق مطالبهم الأساسية.  
ولشدة اهتمام الحزب بنشر دعوته في الريف، فقد تولى بعض الأعضاء عقد اجتماعات في القرى بهدف كسب المزيد من الأعضاء، ولكن لم تلق هذه الجهود أي نجاح ملحوظ. وبعد عودة [[أحمد حسين]] من أوربا فقد قرر أن يقوم ببعض الزيارات للأقاليم في مناسبات مختلفة.  


وعلى الرغم من أن [[حزب الوفد]] كان ميالا إلى الاستجابة للمطالب الشعبية، إلا أنه بحكم تكوينه كان بعيدا عن تبنى الأفكار الاجتماعية، فلم يكن [[سعد زغلول]] يرى بنفسه حاجة إلى التغلغل في أعماق المشاكل الاجتماعية ليستقى منها برنامجا اجتماعيا يحفظ حرارة الجماهير من التسرب، فقد أدرك [[سعد زغلول]] أن المصريين ليسوا بحاجة لأكثر من برنامج سياسي قوى وعلى الرغم من هذا فعندما تولى [[سعد زغلول]] رياسة الوزارة عام [[1924]]؛
وعندما تقرر عقد مؤتمر لحزب [[مصر الفتاة]] في أول [[يناير]] [[1939]]، قررت رئاسة الحزب إيفاد بعض أعضاء المركز العام إلى الأقاليم للدعوة للمؤتمر وللإشراف على شعبها، وقسمت المناطق بينهم، فتولى عبد الحميد المشهدى زيارة مديرية [[الشرقية]]، ومحافظتي القناة و[[دمياط]]، وتولى أحمد بدوى زيارة [[الفيوم]] و[[بني سويف]] و[[المنيا]]، وعصام عبد المعطى زيارة [[البحيرة]] و[[الإسكندرية]] ، وتوفيق الملط [[أسيوط]] وجرجا و[[قنا]]، وعبد الرحمن الصوالحى [[القليوبية]] وبلبيس ومنيا القمح وأجا وميت غمر، وصالح حنفي الغربية ، محيى الدين عبد الحليم [[المنوفية]] و[[الجيزة]]، وسامي جورجي مديرية [[أسوان]].


اعتقد العمال أنهم سينالون من أول حكومة شعبية للبلاد الاعتراف بوجودهم كقوة في الوطن، واعتقدوا أن الحكومة التي تولت السلطة نتيجة تضحيات العمال والفلاحين والجماهير الشعبية في الثورة ستستجيب لمطالب العمال العادلة، فاتجهوا إلى تنظيم صفوفهم، وتألفت عدة اتحادات نقابية، وتقدم العمال بمطالبهم إلى وزارة سعد بشأن الأجور وعدد ساعات العمل، فلما رفضت الحكومة مطالبهم، نظموا خلال شهري فبراري و[[مارس]] سنة [[1924]] إضرابا عاما في [[الإسكندرية]] و[[القاهرة]]، واحتلوا خلاله بعض المصانع وحاولوا طرد أصحابها منها ، تدخلت الحكومة فقمعت الإضرابات واعتقلت عددا كبيرا من زعماء العمال واتهمتهم ب[[الشيوعية]].  
ومن ثم يقرر الحزب أن يقوم بعض رؤسائه برحلات متلاحقة إلى الأقاليم لزيارة الشعب، والإشراف على سير الأعمال بها، والاجتماع بأعضائها وقرر أن يقوم بها مصطفى الوكيل، [[فتحي رضوان]]، محمد صبيح، حسين يوسف، عبد الحميد المشهدى ومحمود مكي، وقد قرروا أن تكون أولى زيارتهم لمديرية [[المنوفية]] ومراكزها.  


بدأ الوفد حملة لإبعاد القادة اليساريين عن مراكز القيادة في النقابات محاولة منه لاحتواء حركة العمال وقد انهمك رؤساء لجان الوفد في المدن والأقاليم في العمل على نجاح تلك الحملة فكانت المرحلة الأولى التي اتبعها الوفد هي مرحلة إغلاق الباب في وجه اليساريين لقيادة الحركة العمالية؛
تابع أعضاء مجلس إدارة الحزب زياراتهم لشعب الأقاليم، فوجه كمال سعد عضو المجلس الدعوة لعدد من الأعضاء لزيارة مزرعته بالقناطر، لتنفيذ برنامج الحزب، فى نشر الدعوة واتصال رؤسائه بأهل القرى اتصالا مباشرا، ثم تقرر أن يواصل أعضاء مجلس الإدارة زيارة الأقاليم وتنظيم شعبها، وكانت زيارتهم هذه المرة إلى بعض قرى مديرية [[الجيزة]]، ثم قام الرئيس بدور في هذا المجال، فزار القناطر الخيرية ومنها انتقل إلى قليوب و[[شبين القناطر]]، ثم كفر أبو زايد فمشتول السوق، ثم إلى سنهوا، وكذلك قام عبد الحميد المشهدى بزيارات لكل من [[المنصورة]] وبيلا ونبروه والمحلة الكبرى لنفس الغرض.


ومن ثم تمثلت المرحلة الثانية في فتح الباب للبرجوازية كي تقود الحركة، فلم يكن من باب الصدفة تدخل الحكومة في قمع إضراب العمال والقبض على زعمائهم في 3 [[مارس]] [[1924]].  
وبقيام [[الحرب العالمية الثانية]] وتشديد الرقابة على النشر، أصبح ذلك الجانب من الاتصالات أكثر أهمية، غذ أصبح هو الأسلوب الوحيد للاتصالات بين المركز العام وبين اللجان،ويتمثل ذلك في لزيارات المفاجئة التي قام بها رؤساء الحزب للأقاليم، ومنها زيارة مصطفى الوكيل وحسن سلومه ل[[بني سويف]].  


ثم تتضح خطة الوفد أكثر فيعلن عن تأسيس (النقابة العامة للعمال) التي تحولت فيما بعد إلى اتحاد عام للعمال، وقد تولى قيادة تلك الحركة عبد الرحمن فهمي بتكليف من [[سعد زغلول]]. وفى 18 [[أبريل]] صدرت مجلة وفدية باسم " العمال" وفى 12 [[يونيو]] تصدر مجلة عمالية أخرى باسم" اتحاد العمال".  
وكذلك زيارة مصطفى الوكيل لشعبة [[المنصورة]] والبلاد المجاورة لها. وزيارة [[أحمد حسين]] لشعبة [[الإسكندرية]] ، حيث ذكر للأعضاء الذين تم جمعهم لعقد الاجتماع عن طريق مرور أحد الأعضاء عليهم أن الرقابة المفروضة على الصحف تجعله لا يستطيع أن ينشر كل شيء، ولهذا فقد عول على زيارة لجان الحزب وفروعه بالمدن، والأقاليم،زيارات مفاجئة لا يعلم بها أحد لكي يتمكن من الاتصال بأنصاره والتحدث إليهم عما يريد.  


هكذا خيل للوفد أن الأوضاع قد تهيأت له لكي يتولى قيادة الحركة العمالية، فلا شك وأن إسهام الوفد في عملية تكوين الاتحاد قد جذب إليه كثيرا من القوى، وقد تركزت الجهود داخل الاتحاد لإغلاق الباب في وجه اليسار.  
وهكذا فرضت ظروف الحرب قصر أسلوب الاتصال بالمستوى الإقليمي على جانب الاتصالات الشخصية المفاجئة دون أن يعلن الحزب عنها بأي وسيلة من وسائل الإعلان.  


ولكن إغلاق الباب في وجه اليسار كان خطوة أخرى تستهدف بث الفكر البرجوازي في صفوف العمال، وقد بذل عبد الرحم فهمي كل ما ليده من جهد، في محاولة إفراغ هذا التجمع العمالي من أي محتوى ثوري وطلائه بطلاء معتدل غاية الاعتدال.  
أما عن الطريق الذي استخدمته [[مصر الفتاة]]، كوسيلة من وسائل الاتصال، فقد تمثل في توجيه تعليمات المستوى المركزي لشعب الأقاليم، عن طريق النشر فئ الجرائد المختلفة التي اتخذتها [[مصر الفتاة]] لسان حال لها تارة، وتارة أخرى عن طريق المراسلات البريدية.  


وهنا أدرك العمال أن الوفد لم يتح لهم اتخاذ أية خطوة جادة للحصول على مطالبهم العادلة، فانفضوا من حوله سريعا كما تجمعوا من قبل، وباعتقال عبد الرحمن فهمي عقب حادث مقتل السردار ، وما أن جاء زيور إلى الحكم حتى انهار هذا الاتحاد مسجلا الفشل الأول لمحاولة البرجوازية قيادة النضال الطبقي للعمال.  
وبذلك تكون [[مصر الفتاة]] قد استخدمت هاتين الوسيلتين للاتصال بالمستوى الإقليمي، أما للإشراف على اللجان الفرعية التي تشكلت لها من قبل، أو للدعاية بغرض تشكيل لجان جديدة، ويجدر بنا لكي نستكمل أبعاد الهيكل التنظيمي أن نتناول القسم الرابع وهو الموارد المالية ل[[مصر الفتاة]].  


وهكذا كان موقف حكومة سعد من قضايا العمال الاجتماعية، فالوفد هو ممثل البرجوازية المصرية لم يكن ليتبنى قضايا العمال هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأفكار الاجتماعية لم تكن لتنمو داخل المجتمع المصري، في وقت استغرق فيه النضال الوطني جهود الجماهير، فلم تجد تلك الأفكار رواجا في الريف المصري حيث توجد الغالبية الجماهيرية الكبرى.
تتمثل الموارد المالية ل[[مصر الفتاة]] من علنية وغير علنية، في عدة مصادر هي كما حددتها القوانين النظامية لها اشتراكات الأعضاء والأنصار بمختلف كوادره، التبرعات لإعانة [[مصر الفتاة]] على مواصلة كفاحها، الاشتراك في الجريدة لسان [[مصر الفتاة]]، إعانات للجرائد التي اتخذتها [[مصر الفتاة]]، من بعض الهيئات والأشخاص؛


وما ذلك إلا لطبيعة البيئة الريفية بما فيها من جهل وتأخر ومعتقدات تواكلية تسود نفوس الفلاحين، وقد استغل خصوم تلك الأفكار أقوى سلطان على النفوس ، وهو الدين، في محاربتها لأنه مجتمع زراعي ولأن الدين الإسلامى يحمى الملكية الفردية. كما كان وجود الاستعمار البريطاني عاملا قويا في مقاومة الأفكار الاجتماعية في [[مصر]] وفى تشديد المقاومة الحكومية ضدها.
وهناك موارد مالية أخرى تمثلت فئ محاولة [[مصر الفتاة]] الحصول على الأموال من بعض القوى السياسية في [[مصر]]، اتصالات ببعض الشخصيات داخل [[مصر]] وخارجها لنفس الغرض، هذا بالإضافة إلى دخل [[مصر الفتاة]] من توزيع الجريدة والإعلانات، والاكتتابات التي كانت تطرحها [[مصر الفتاة]] بين أعضائها وأنصارها؛


إن القضايا الاجتماعية التي كانت مطروحة داخل المجتمع المصري من جانب الطبقات الكادحة للمطالبة بحقوقهم لم تحظ بعناية القوى السياسية القائمة في تلك الفترة، ف[[الأحزاب]] السياسية رغم ما تعتنقه من إيديولوجيات تخالف هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فربما شغلها الاهتمام بالمسألة الوطنية ومحاولة إحراز تقدم فيها عن الاهتمام بالقضية الاجتماعية.  
عندما كانت تشرع في القيام بعمل جديد، أو عندما تتعرض لأزمة مالية، وأخيرا أرباحها من المؤسسات التي تقيمها، وفى الجانب الآخر نتناول الالتزامات المالية المفروضة على [[مصر الفتاة]]، وقد تمثلت في رحلات بعض الأعضاء إلى أوربا في سنوات مختلفة. والآن نتناول المصدر الأول ونعنى به الاشتراكات.  


والقصر بطبيعة تكوينه لم يكن ذا صلة من أي نوع بقضايا الشعب الاجتماعي، والاستعمار كقوة سياسية تفوق القوتين سالفتى الذكر، لم يكن يرى من نفسه سوى مدافعا عن الاحتكارات والاستثمارات الأجنبية في البلاد، فقد كان عاملا قويا في مقاومة الأفكار الاجتماعية التي ترمى إلى ترقية الطبقات الكادحة من أبناء المجتمع المصري العمال والفلاحين، وبذلك تأخرت القضية الاجتماعية عن سواها من القضايا وننتقل بعد هذا لدراسة التيارات الفكرية التي كانت سائدة في تلك الفترة.
كانت [[مصر الفتاة]] منذ بداية قيامها حريصة على ضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء إليها، فبالرغم من أنها حددت قيمة الاشتراك لكل درجة من درجات العضوية بها، إلا أنه في أحد اجتماعات الجمعية في 22 [[يناير]] [[1934]] ، قرر المجتمعون قيمة الاشتراك قرشين شهريا فقط لكل الأعضاء. وهى بذلك تستهدف تخفيف الأعباء المفروضة على من ينضمون إليها بغية انتشار دعوتها وكسب المزيد من ألأعضاء والأنصار، خاصة وأنها قامت في ظروف أزمة اقتصادية طاحنة تعرضت لها [[مصر]] والعالم أجمع، وبالرغم من هذه التسهيلات التي منحتها [[مصر الفتاة]] لأنصارها وأعضائها؛


شهد المجتمع المصري تيارات فكرية مختلفة خلال الفترة ، ففي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت تيارات منها التيار الإسلامى والتيار الليبرالي وتيار الفكرة العربية، وتيار الرابطة [[الشرقية]] وإن كان امتدادا للتيار الإسلامى وتيار القومية المصرية وأخيرا تيار الفكر الاشتراكي.  
فإن عدد الأعضاء المنضمين إليها لم يحقق لها الجماهيرية التحى كانت تنشدها، فقد أمكن العثور على بعض دفاتر قسائم اشتراكات الأعضاء، ومن خلالها أمكن التعرف على عدد الأعضاء المسددين لالتزاماتهم المالية في المركز العام ل[[مصر الفتاة]]، ففي [[يناير]] [[1935]] بلغ عدد الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم 68 عضوا، دفعوا مبالغ متفاوتة تتراوح بين ثلاثة قروش وخمسين قرشا بلغ مجموعها 738 قرشا هي كل حصيلة الاشتراكات في هذا الشهر.  


ومن المفيد أن نعرض لتلك التيارات في خلال الفترة التي شهدت نشأتها وتطورها في أعقاب [[الحرب العالمية الأولي]] حتى ظهور إرهاصات جمعية [[مصر الفتاة]] كتعبير عملي عن تيار فكرى برز في المجتمع المصري.  
وفى شهر [[فبراير]] من نفس العام بلغ الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم اثنان وعشرون عضوا تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين قرشين وخمسين قرشا بلغ مجموعها 274 قرشا.  


كان التيار الإسلامى يرى ربط الحركة الوطنية المصرية بحركة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني والتي وجدت في سلطان [[تركيا]] عبد الحميد لثاني عضدا لها خاصة وأنه حاول أن يحيى الخلافة الإسلامية في شخصه.  
وهذا يوضح أن حصيلة الاشتراكات في تناقص، فإذا علمنا أن معظم المسددين عن هذا الشهر أعضاء جدد انضموا ل[[مصر الفتاة]] ، فإن غالبية من سددوا اشتراكاتهم في الشهر السابق لم يقوموا بتسديد اشتراكاتهم عن هذا الشهر، ولعل هذا يعطى صورة واضحة لتذبذب حركة العضوية وبالتالي الموارد المالية من الاشتراكات بين المد والجزر.  


وفى ذلك الوقت كانت قد ظهرت في [[مصر]] حركة دفاع عن [[الإسلام]]، ارتبطت بردود الفعل التي أثارها الاحتلال البريطاني وزحف المؤثرات الغربية.  
فإذا انتقلنا إلى شهر [[يناير]] عام [[1937]] فإننا نجد أن عدد الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم عشرون عضوا تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين قرشين ونصف وأربعين قرشا بلغ مجموعها 188,5 قرشا.  


وقد تمثل ذلك الاتجاه بوضوح في مصطفى كامل و[[الحزب الوطني]]، الذي كان يرى ارتباط [[مصر]] بالدولة العثمانية على اعتبار أنها أقوى الدول الإسلامية في ذلك الوقت.  
وهكذا تسجل قيمة الاشتراكات هبوطا ملحوظا في عدد الأعضاء المسددين، وهذا بدوره يتنافى مع الفكرة التي من أجلها عمد [[أحمد حسين]] لتحويل جمعية [[مصر الفتاة]] إلى حزب سياسي، بهدف كسب المزيد من الأعضاء والأنصار، وفى شهر [[فبراير]] من نفس العام بلغ عدد الأعضاء الذين سددوا اشتراكاتهم واحدا وثلاثون عضوا، تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين خمسة قروش وخمسة وعشرين قرشا بلغ مجموعها 263 قرشا.  


وقد تأثر مصطفى كامل بالفكر السياسي لدى الأفغاني فقد رأى في [[الإسلام]] الجذوة التي يجب أن تحرك وتدعم القومية المصرية التي أخذت تصطبغ بالأيديولوجيات الغربية، ولهذا فقد نقد مصطفى كامل الاتجاهات العربية في المشرق العربي التي كانت تدعو إلى الانفصال عن [[تركيا]].  
وقد سجل هذا الشهر زيادة في عدد الأعضاء وفى قيمة الاشتراكات إلى حد ما. ولكنه في النهاية فإن قيمة ما كان يجمع من الاشتراكات، لم يكن يتيح ل[[مصر الفتاة]] أن تعتمد عليه في ممارسة نشاطها السياسي في مختلف المراحل.  


وكان تيار الفكرة العربية يعنى توحيد البلاد العربية ولم شتاتها يرجع إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ولكن اتجاه مصطفى كامل و[[الحزب الوطني]] جعل الفكرة العربية لا تظهر إلى حيز الوجود لارتباك [[مصر]] ب[[تركيا]] وحركة الجامعة الإسلامية، ولكن ذلك لم ينع وجود العروبة في قيام روابط ثقافية واقتصادية وسياسية في شعور المصريين وضمائرهم .  
وقد ذكر [[أحمد حسين]] بصدد ذلك ، عندما أعلن الحزب عن اكتتاب يساعده ماليا في النهوض بأعبائه فقال" إن المسألة لا تحتاج إلى خطب، ولا تحتاج إلى إثارة حماسة، لا يمكن لحركة من الحركات أن تنهض إلا معتمدة على المال، والمال هو عصب الجهاد وهو عصب الحزب وهو عصب المجد" .  


وهكذا فقد عرقل التيار الإسلامى المرتبط بحرك الجامعة الإسلامية ظهور تيار الفكرة العربية في [[مصر]] حتى إعلان قيام جمعية [[مصر الفتاة]]، فقد كانت أول تنظيم سياسي مصري يتضمن برنامجه الدعوة إلى الوحدة العربي.
وقد كان [[أحمد حسين]] في ذلك يقرر حقيقة الأوضاع المالية ل[[مصر الفتاة]]. فمنذ إعلان قيامها والأعضاء المشتركون غير جادين في الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاهها، فقد كان الشغل الشاغل ل[[مصر الفتاة]] في كل مراحل تطورها، أن تنبه الأعضاء إلى ضرورة تسديد اشتراكاتهم؛


وقد ارتبط بالتيار الإسلامى تيار آخر هو التيار الشرقي- خاصة وأنهما يتخذان من العقيدة الإسلامية أساسا لقياد الوحدة الإسلامية [[الشرقية]] وفى حقيقة الأمر فإن [[مصر]] في أعقاب [[الحرب العالمية الأولي]]، كانت تهتم بأحداث [[سوريا]] و[[فلسطين]] والريف وبرقة، إلا أن هذا الاهتمام كان من قبيل التضامن الديني، ومما يدل على ذلك أن بعض المصريين رأوا في أواخر العشرينات احتمال اتحاد البلدان [[الشرقية]] من اليابان إلى المحيط الأطلنطي ، وهو الاتجاه الذي عبرت عنه مجلة " الرابطة [[الشرقية]]" ورغم أن عددا كبيرا من المصريين قد أبدوا حماسة لأن تلعب بلادهم دورا شرقيا إسلاميا إلا أن هذا التيار ظل غامضا ومختلطا لفترة طويلة.  
حتى يتسنى لها أن تستمر في مزاولة كفاحها، من أجل الوصول إلى الغاية التي كرست نفسها لها، وهى إعادة مجد [[مصر]]، ففي عام [[1934]] تطالب [[مصر الفتاة]] أعضاءها بأن يواظبوا على دفع اشتراكاتهم وسداد المتأخر عليهم.  


أما التيار الليبرالي، فقد جاء إلى [[مصر]] نتيجة لتأثرها بثقافة وحضارة الغرب ن فعلى الرغم من أن المثقفين المصريين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانوا لا يزالون في مجموعهم معادين للغرب الذي اعتبروه خطرا على مقوماتهم التقليدية ، فإنهم رحبوا بالحضارة الغربية وأعجبوا بالغرب إعجابا شديدا، وأحبوا في أوربا ليبراليتها ونظمها [[الديمقراطية]] وروحها الإنسانية وتساوى الناس فيها، وآمنوا بضرورة اتخاذ المجتمع الأوربي مثلا يحتذي إلى درجة أن حاول بعضهم ربط [[مصر]] بأوربا – ومن ثم ما ذهبوا إليه من أن [[مصر]] كانت تمثل جزءا من حضارة البحر المتوسط التي شملت أوربا والشرق الأدنى، وقد عبر عن هذا الرأي قبيل [[الحرب العالمية الأولي]] كل من [[لطفي السيد]] و[[قاسم أمين]] و[[طه حسين]].  
ويشهد عام [[1938]] سيلا من التعليمات في هذا الصدد، فعندما أدخل الحزب تنظيمات جديدا على صفوفه ، كان الشرط الثاني والأخير من شروط من يريد الاستمرار في عضويته للحزب، أن يواظب على دفع الاشتراك بعد أن يكون مالكا لملابس التدريب العسكري.  


وفى ذلك الوقت بدأ الذين تلقوا تعليما أوربيا ينادون بتطبيق العلم والثقافة الأوربية الحديثة على مجتمعهم بهدف إصلاحه ومن هنا جاء اعتناقهم للمفهوم الأوربي العلماني الخاص بالدولة القومية، لهذا نجدهم يأخذون عن أوربا التنظيمات الحزبية السياسية الحديثة.  
ومن ثم في عام [[1940]] عندما لم تحرز جريدة " [[مصر الفتاة]]" رواجا. يضيف الحزب إلى هذه الشروط، أن يقوم كل عضو بشراء الجريدة. ولم يكن ذلك هو الوضع في المركز العام ل[[مصر الفتاة]]، وإنما تعرضت لجانها في الأقاليم لنفس الحالة. فقد أصبح عدم الوفاء بالالتزام المالي هو القاعدة وما عداه يعد استثناء.  


وباختصار فإن ظهور الوطنية المحلية وولائهم دون اعتبار للعقيدة أصبح أساس للعمل السياسي، بدلا من الولاء الإسلامى الواسع. ولما كان الأساس الثقافي الذي قام عليه هذا الاتجاه الليبرالي العلماني أوربيا، فمن الطبيعي أن يكون زعماء هذا التطور السياسي أقل عداء لانجلترا.  
كان عد التزام الأعضاء بتسديد اشتراكاتهم ل[[مصر الفتاة]]، فضلا عن قلة أعدادهم كفيلا بأن تتجه إلى أسلوب آخر لجمع الأموال اللازمة لمواصلة نشاطها السياسي، وهو الحصول على التبرعات والهبات من بعض الأنصار، كما حددت ذلك في قوانينها النظامية، وفى هذا يقول [[أحمد حسين]] " عندما خرجت [[مصر الفتاة]] إلى الوجود، كان مستحيلا أن نقول للناس سلموا مقاليد الأمور لنا، وقد اكتفت بتبيان مبادئها..  


وقد تم قبول أسس الحضارة الغربية وسر تفوقها، فإن وجود الجماعة القومية التي تحكم نفسها بنفسها على ضوء مصالحها، وفصل الدين عن [[السياسة]] ونظام الحكم الديمقراطي، وقوة الفضائل السياسية، وقد عبر عن هذه الآراء في أوائل القرن العشرين كل من أحمد فتحي زغلول وأحمد لطفي السيد، وفى خلال العشرينات والثلاثينات أحمد أمين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وإبراهيم المازني وطه حسين، وحاولوا أن يجعلوا ل[[مصر]] شخصية ثقافية متميزة خاصة بها فزودوها بأفكار قومية تستند إلى أمجاد الحضارتين الفرعونية والعربية. وكان هدفها الحفاظ على ولاء الفرد ضمن الحدود الإقليمية للدولة الإقليمية.  
وفى هذه الأثناء اقترب منا أشخاص منهم وزراء سابقون وأعضاء في أحزاب، واتصلنا بمختلف الهيئات والجماعات.. وكنا نرحب بالمعونة نتلقاها من أي ناحية ونتلمس مظاهر التأييد، وكانت الحركة دائما أبدا في حاجة إلى المال، وكانت وسيلتنا لجمع المال أن نقنع بعض الأغنياء والمشتغلين ب[[السياسة]] بإعانتنا لمصلحة الوطن والأمة.  


كان حزب الأمة يلتف حول" الجريدة" التي كان أحمد لطفي السيد يشرف على تحريرها، والتي كان ظهورها بداية التبلور الكامل لفكرة القومية المصرية.  
وطرقنا عدة أبواب، وكان من بين هذه الأبواب علوبة باشا، ومحمد محمود باشا وبهي الدين بركات وعلى ماهر، فرأينا من هؤلاء تشجيعا وتعضيدا وبادروا بمد الحركة بالمال، على شكل أقساط شهرية من البعض، وعلى شكل إعانات تدفع من حيت لآخر".  


وقد اشترك مع " اللواء " في طلب الاستقلال، إلا أن اللواء كانت تدعو إليه مشوبا بروح الجامعة الإسلامية والارتباط ب[[تركيا]]، أما " الجريدة" فقد رأت ألا سبيل لذلك إلا بجهود المصريين وحدهم، ومن هنا محاولتها لإنماء الشخصية المصرية بقدر المستطاع، والنظر إلى الأمور السياسية من زاوية [[مصر]] وحدها، هذا إلى أخذها بمبادئ [[الليبرالية]] في مختلف النواحي منتهية إلى المطالبة ب[[الدستور]] فهي تعده ضمانا ضد قيام الاستبداد الفردي وللطفي السيد وجماعة الجريدة الفضل الأول في تحويل الحركة الوطنية المصرية نحو الوجهة [[الديمقراطية]] ذات الطابع العلمي المدروس .  
وقد انقسمت تلك الإعانات إلى نوعين ، أحدهما إعانة ل[[مصر الفتاة]] لمواصلة نشاطها السياسي أما الآخر فقد كان إعانة الجرائد التي اتخذتها لسان حال لها، كي تساعدها على الاستمرار في الصدور، ففي النوع الأول من الإعانات ، شهد عام [[1934]] إعانات من كل من : محمد على علوبة ومحمد زكى على، سليمان حافظ المحامى، عبد الخالق مدكور باشا، إسماعيل وهبي المحامى الذي عرض على [[أحمد حسين]] أن أخاه يوسف وهبي على استعداد أن يمنح جمعية [[مصر الفتاة]] أرباح حفلة في سينما وهبي.  


ذابت كل تلك التيارات الفكرية في أثناء ثورة [[1919]] ، حيث وقفت الأمة في مواجهة المستعمر، ولكن في أعقاب تلك الثورة، فإن الوحدة السياسية التي تمتعت بها البلاد قد تفتت بعد أن تبدد المد الثوري الذي أشاعته الثورة. فأخذت تظهر تكتلات سياسية تعد امتدادا لتلك التي كانت قائمة قبيل الحرب الأولى مع الاختلاف في التفاصيل.  
وقد تراوحت إعانات هؤلاء بين جنيهين وثلاثة جنيهات إلى مبالغ ربما تزيد عن هذا كثيرا، أما عام [[1935]] فإنه يشهد اتساع دائرة الأشخاص الذين يتبرعون ل[[مصر الفتاة]] بأموالهم، وهم عبد الرحمن الرافعي، فكرى أباظة، عباس حليم، إسماعيل داود وبهي الدين بركات، وقد تراوحت المبالغ التي تبرع بها كل منهم ما بين جنيهين وعشرة جنيهات، هذا فضلا عن أن بعض الأعضاء الذين فرضت عليهم ظروفهم أن يكونوا خارج [[القاهرة]] كانوا يتبرعون ل[[مصر الفتاة]] من وقت لآخر بمبالغ تتناسب مع قدرتهم المالية .  


حقيقة أن [[سعد زغلول]] قد استطاع أن يجمع الشعب تحت زعامته أثناء الثورة، ولكن كان من الصعب عليه أن يستمر في زعامة كل الفئات التي تصدت للعمل السياسي.  
وفى عام [[1936]]، وقبل أن يعود [[أحمد حسين]] من رحلته في أوربا إلى [[القاهرة]]، أرسل خطابا إلى [[فتحي رضوان]] يطالبه بالاستعداد والتجهيز لإقامة اجتماع ضخم بعد عودته، ويقول له" سوف أعود ومعي كما قلت لك كثير من النقود التي أرسلت إلى من [[مصر]] وإذن فإن لم يوجد لديكم نقود للصرف على المطبوعات وجعل الاجتماع ضخما فاقترض من أي ناحية" .  


فقد تحولت الفئات التي كانت تلتف حول حزب الأمة والجريدة إلى جانب عدلي يكن والأحرار الدستوريين الذين يعترفون بتصريح [[فبراير]] باعتباره خطوة نحو الاستقلال، وهذا الحزب يتبع قاعدة الاعتدال مع [[الإنجليز]] لحل المسألة المصرية، ففشل الحزب منذ البداية فلجأ أحيانا إلى القصر وأحيانا إلى [[الإنجليز]].  
ولعل هذا يوضح أن [[أحمد حسين]] قد حصل على بعض الأموال من أوربا لأنه كان دائم المطالبة بإرسال أموال إليه من [[مصر]] قبل ذلك مباشرة. وسوف نوضح ذلك فيما بعد ويتضح هذا من تصرفات [[أحمد حسين]] بعد عودته من أوربا، ففي [[مارس]] من نفس العام، عمل على تأنيث المركز العام للجمعية وبعض دور اللجان، وقد دفع في ذلك مبالغ كبيرة، ويشير أحد التقارير إلى أنه ربما تلقى إعانات مالية من الحكومة.  


حقيقة أن [[سعد زغلول]] حاول أن يثبت دعائم الحياة الدستورية، إلا أن القصر استطاع أن يستعيد بمرور الزمن الأرض التي فقدها وأن يسخر [[الدستور]] والساسة لخدمة مصالحه، وكان من نتيجة ذلك الصدام بين الوفد والقصر، وبالإضافة إلى الأحقاد الكامنة والمنافسة داخل الحزب.  
ولكننا نرجح أنه عاد من أوربا ومعه الكثير من الأموال، وبصدد التزام بعض الأعضاء المؤسسين تجاه [[مصر الفتاة]]، فيرسل كمال الدين صلاح، الذي يعمل بالقنصلية الملكية المصرية بالقدس، مبلغا من المال رمزا لتضامنه مع الجمعية. أما في عام [[1937]] فإن ذلك العام يشهد قمة تقديم الإعانات والتبرعات ل[[مصر الفتاة]]، خاصة وبعد أن تحولت الجمعية إلى حزب سياسي.  


أن ضعف الوفد بمرور الزمن بخروج أعضائه المهيمنين وانضمامهم إلى [[الأحزاب]] الأخرى أو تأليفهم أحزابا جديدة. على أن زحف المؤثرات الغربية على الحياة النيابية المصرية بعد دستور [[1923]] ، هو المسئول عن اختلافها بعض الشيء عما كانت عليه قبيل عام [[1914]].  
وفى عهد وزارة الوفد، فإن التبرعات كانت في غالبيتها من أشخاص عرفوا بعدائهم للوفد، وربما كان ذلك من جانبهم عملا على تقويض حكم الوفد والعمل على هدمه عن طريق مهاجمة [[مصر الفتاة]] له، ففي مستهل العام تصل إلى الحزب مجموعة من التبرعات قيمتها سبعين جنيها  ، ومن أشخاص مختلفين من بينهم أعضاء وأنصار الحزب. كما تلقى الحزب معونات أخرى من شخصيات مختلفة.  


على أنه من المفيد أن تشير إلى النظام الليبرالي الذي طبق في [[مصر]] في أعقاب دستور [[1923]] كان نظاما سياسيا لا يتصل بماضي البلاد أو حاضرها. ففشل ذلك النظام لأسباب عديدة.  
وهكذا استطاعت [[مصر الفتاة]] أن تستكمل النقص الواضح في مواردها المالي عن طريق التبرعات، سواء أكانت من أعضائها أو أنصارها إلى أن أصبح لها ميزانية بلغت خمسين جنيها شهريا.  


ومهما تكن أسباب فشل التجربة [[الليبرالية]] في [[مصر]]، فقد ظهر لذلك رد فعل إسلامي قوى ظهر واضحا حين نشر كتابا" في الشعر الجاهلي" لطه حسين" و" [[الإسلام وأصول الحكم]]" ل[[علي عبد الرازق]] لما تضمناه من آراء أثارت رد الفعل القوى، وكما مهد ذلك للهجوم على المؤثرات الغربية على اعتبار أن هذين الكتابين بفعل تأثيرها على المجتمع المصري وفى ذلك الوقت قام صراع بين التقليدين والعصرين، وكان لآراء الأفغاني و[[محمد عبده]] والتي قام بشرحها وتفسيرها [[رشيد رضا]] الأثر الأكبر في نشأة الاتجاه إلى الدفاع عن [[الإسلام]]؛
وهذا المبلغ يسجل ارتفاعا كبيرا في دخل [[مصر الفتاة]] في ذلك العام، فإذا انتقلنا إلى عام [[1938]] فإن العام يشهد رواجا من جميع النواحي ل[[مصر الفتاة]]، ويهمنا هنا الموارد المالية، ففي مستهل حكم محمد محمود، يتبرع ل[[مصر الفتاة]] بمبلغ ثلاثمائة جنيه وذلك قيمة الضمان المالي لاستخراج رخصة جريدة" [[مصر الفتاة]]"


وتفسيره الدين الإسلامى تفسيرا قوميا متطرفا في الحياة السياسية المصرية وفى التكوين الثقافي والروحي للشباب، ومن ثم ظهور عدد كبير من الجمعيات الدينية في أواخر العشرينات جعلت هدفها الدفاع عن الدين والقومية في نفس الوقت، وكانت النتيجة لهذا المد الديني ظهور تشكيلات دينية سياسية ك[[الإخوان المسلمين]] و[[مصر الفتاة]] فيما بعد.  
هذا إلى أن [[مصر الفتاة]] قد تلقت كثيرا من الإعانات والهبات، خاصة وإن وزارة محمد محمود وزارة صديقة لها، وإن ذلك ليعطى تفسيرا واضحا لتزايد نشاط [[مصر الفتاة]] خلال عهد تلك الوزارة على الأقل في البداية فأحرزت [[مصر الفتاة]] نجاحا ملحوظا إلى حد كبير ، فكيف يتحقق هذا النجاح إن لم يكن مؤيدا بموارد مالية كبيرة.  


كانت حركة [[الإخوان المسلمين]] حركة سياسية دينية نشأت كرد فعل للفشل السياسي والاجتماعي للنظام الليبرالي، وقد ظهرت في أواخر العشرينات بزعامة [[حسن البنا]]، وهى لا ترى الأخذ بالأساليب الحديثة للتنظيم السياسي، فهي تدعو إلى إصلاح ديني سلفي، وإن طالبت في نفس الوقت باستقلال [[مصر]] التام، على أن وطنيتها ظلت إسلامية أكثر منها مصرية أو عربية، فكانت غايتها القصوى إعادة بناء المجتمع في نطاق جامعة إسلامية عصرية تلعب دورها في تحقيق سلام العالم.
كانت تلك هي التبرعات والإعانات التي تلقتها [[مصر الفتاة]] في خلال تلك الفترة وأما بقية فترة الدراسة فلم نعثر على أي ذكر لتبرعات أخرى، وهنا ننتقل إلى الجانب الآخر من الموارد وهو المبالغ المدفوعة من جانب الأعضاء لجريدة [[مصر الفتاة]] سواء كان ذلك اشتراكا أم تبرعا.  


وقد قدم [[الإخوان]] أنفسهم لاعتبارهم بديلا لحكم الساسة العلمانيين، وكان نجاحهم في اجتذاب الطبقات الدنيا ثم لجوؤها إلى العنف فيما بعد دليلا على فشل النظام الليبرالي الوطني في المجال الاجتماعي.  
وبالاضافة إلى ما كانت تحققه جرائد [[مصر الفتاة]] المختلفة (الصرخة- وادي النيل- الضياء- [[مصر الفتاة]]) من عائد للتوزيع، فإنها كانت تتلقى إعانات من مختلف الهيئات والشخصيات ، لتساعدها على استمرارها في الصدور، ومن بين هذه الشخصيات محمد محمود وإسماعيل صدقي وحفني محمود فقد دفع كل منهم مبالغ كاشتراك في جريدة الصرخة.  


وقد كان [[البنا]] يهدف بحركته إلى القضاء على عادات الغرب الفكرية التي تغلغلت بالتدريج في المجتمع الإسلامى، كما كان يسعى إلى استئصال شأفة أشكال العادات الاجتماعية المستقاة من الغرب، وكان يعادى القومية التي رأى أنها زحفت من الغرب واعتبر [[الإسلام]] ذا رسالة عالمية.  
وعندما اتخذت [[مصر الفتاة]] جريدة وادي النيل لسان حالها، فقد كانت هناك إعانات من بعض الأشخاص مثل عباس حليم فقد تبرع بمبلغ عشرون جنيها على أنها قيمة إعلانات شركة السجاير التابعة له، وكذلك إعلانات ثمانية محاكم أهلية، وقد كان ل[[مصر الفتاة]] موقف من إعلانات الشركات الأجنبية، فعندما تولت تحرير جريدة وادي النيل، كانت تلك الجريدة مرتبطة باتفاقات سابقة مع بعض الشركات الأجنبية، فأعلنت [[مصر الفتاة]] أنها ستعمل على التخلص منها عندما تنتهي فترة تلك العقود.  


كان الاتجاه العام في [[مصر]] غير مستعد للاندماج في الفكر الغربة، فقد تضمن ذلك الاتجاه توجيه الهجوم إلى النظم والقيم الغربية. مما أدى إلى اهتزاز هيبة القيادة السياسية للطبقة الحاكمة في ظل النظام الدستوري ، وظهور حركات راديكالية جديدة منها [[مصر الفتاة]] وتنظيمات أخرى كانت تدعو إلى العودة إلى [[الإسلام]] باعتباره يفي بحاجات [[مصر]] الأساسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويقيلها من عثرتها، وفى نفس الوقت كانت الفاشية قد أحرزت انتصارات باهرة في كل من إيطاليا وألمانيا، مما كان له صداه المسموع في [[مصر]].  
وقد أعان على ماهر تلك الجريدة بمبلغ خمسة جنيهات ويشير تقرير آخر أنه عندما أصبح [[أحمد حسين]] عاجزا عن الاستمرار في إصدار الجريدة تبرع على ماهر بمبلغ عشرون جنيها مساعدة من القصر إعانة للجريدة.  


وقد بذل موسولينى جهده في تأسيس المدارس الايطالية في عدد من المدن المصرية بهدف تلقين الطلاب مصريين وإيطاليين أمجاد الفاشست. وكان من نتيجة ذلك نمو الاتجاهات الفاشية لدى [[مصر الفتاة]] و[[الحزب الوطني]] و[[حزب الوفد]]، وكان تنظيم [[أحمد حسين]] يمثل النزعات الوطنية المتطرفة ممزوجة بالتعصب الديني وكره الأجانب.  
وعندما عادت [[مصر الفتاة]] إلى تحرير" الصرخة" من جديد فقد انهالت عليها الإعلانات الحكومية التي كانت تشكل مصدرا هاما من مصادر تمويل الجريدة. وبالإضافة إلى هذا فقد تلقت جريدة الثغر مبلغ أربعين جنيها إعانة من كل من سلطان السعدي وصالح لملوم.  


ولعل ذلك يدعونا إلى دراسة بدايات ظهور ذلك التيار الفكري الذي ينادى باستخدام القوة لإعادة مجد [[مصر]] مستلهما أفكاره من منابع فاشية حققت نجاحا في إعادة مجد روما، فكان لابد وأن يتنادى هذا التيار بإعادة مجد [[مصر]] متتبعا خطوات موسولينى في هذا الصدد.  
وفى النهاية يمكننا عمل ميزانية لحزب [[مصر الفتاة]] وتقدير قيمة الدخل والمنصرف، ففي الفترة من 5 إلى 21 [[أغسطس]]، بلغت قيمة المنصرف بالحزب والجريدة مبلغ عشرون جنيها وسبعمائة وعشرة مليمات منها تكاليف إصدار الجريدة، وبلغت الإيرادات بما فيها بعض التبرعات تسعة عشر جنيها وخمسمائة وستون مليما.  


كان نمو الوطنية المصرية بشعاراتها ورموزها وأسانيدها التاريخية قد أدى إلى حجب الميول العربية، وعلى الرغم من وجود الاتجاه الإسلامى ممثلا في حركة الجامعة الإسلامية، فإن مكافحة الاحتلال القائم قد نما الشعور الوطني المصري، كما برز الاتجاه الفرعوني وبخاصة لدى الأقباط المصريين الذين اعتبر بعض زعمائهم ومفكريهم أنفسهم الورثة الشرعيين ل[[مصر]] الفرعونية.  
فإذا علمنا أن هذا المبلغ الأخير يشمل قيمة المباع من الجريدة إلى جانب الإعلانات، فإن معظمه كان عبارة عن إعانات من الأعضاء مثل [[إبراهيم شكري]] و[[أحمد حسين]] وغيرهما ، وهذا بدوره يجعلنا نتصور حجم ميزانية [[مصر الفتاة]] في عام [[1938]]، وهو بحق يعد فترة الازدهار بالنسبة لها، فإذا كانت الميزانية بهذه الضآلة دخلا ومنصرفا، فإن هذا يوضح مدى ما كانت تعنيه من نقص في ميزانيتها، مما دفعها إلى أسلوب آخر للحصول على الأموال اللازمة لها، فتطرح اكتتابات بمبالغ مختلفة بين أعضائها وأنصارها،تساعدها على الاستمرار في النشاط السياسي ، فعندما فكر [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] في السفر إلى لندن، طرحت [[مصر الفتاة]] اكتتابا بين الجماهير لتمويل هذه الرحلة.  


وهذه النزعة الفرعونية قد اشتد ساعدها في أعقاب ثورة [[1919]] وبروز المفهوم العلماني للشخصية القومية، ثم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في عام [[1922]].  
وقد حقق هذا الاكتتاب مبالغ كبيرة، استطاعت [[مصر الفتاة]] أن تستبقى جزء منه لتنظيم أعمال الجمعية وإصدار الجريدة بانتظام.  


فقد خيل للمراقبين أن هذا الاكتشاف وما أثاره من أحاسيس قد أفسح المجال" لبعث مجد [[مصر]]" خاصة وأنه جاء في أعقاب انتفاضة الشعب المصري. كما انتشرت الأسماء الفرعونية داخل المجتمع المصري، وأصبح العالم كله يرتج بمجد [[مصر]] الفرعوني، فصدرت الكتب بشتى اللغات عن حضارة [[مصر]] الفرعونية، واصطبغ طابع الحياة الفنية بطابع فرعوني فامتلأت المسارح بالروايات التي تتغنى بمجد [[مصر]] الفرعوني. وقد عبرت [[مصر الفتاة]] عن هذا الاتجاه بوضوح فيما بعد كما سنرى.  
وفى عام [[1937]] يعلن الحزب عن اكتتاب بين أعضاء الحزب ومناصريه وذلك ليجدد الحزب نشاطه السياسي وليتخذ له مقرا مناسبا، ولتقوية الحزب، والاكتتاب بدأ بمبلغ قرش. وربما كان ذلك امتدادا لفكرة مشروع القرش بصورة أخرى.  


كما شهد المجتمع المصري في تلك الفترة ظهور تيار الفكر الاشتراكي، فقد عرفت [[مصر]] الفكر الاشتراكي باعتباره جزءا من الفكر الأوربي الزى يتغلغل في حياتها الثقافية منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، وقد جاء دخوله إليها على يد العناصر الأوربية الأصل وظل قاصرا عليها، لأن المستوى المادي والفكري للعامل المصري لم يكن قد نضج بالصورة التي تؤهله لتقبل المبادئ [[الإشتراكية]]، ولأن المثقفين المصريين كانوا ينتمون إلى أبناء وملاك  الأراضي والبرجوازيين الذين لم يبدوا اهتماما بالمشاكل الاجتماعية.  
وفى عام [[1938]] يطرح اكتتابا آخر هدفه هذه المرة إصلاح دار الحزب، بعد أن خربها رجال البوليس أثناء اعتقال الأعضاء، فى حادث الاعتداء على النحاس في خريف [[1937]] ولشراء الماكينات اللازمة لمطبعة الحزب.  


على أن نشوب الثورة [[الإشتراكية]] في روسيا في عام [[1917]] وقيام الدولية الثانية في عام [[1919]] كان له أثره في نمو الاتجاهات [[الإشتراكية]] في [[مصر]].  
ثم يعلن أيضا في نفس العام عن اكتتاب الطبع الخطب التي ألقاها [[أحمد حسين]]، ومن هنا يتضح أن [[مصر الفتاة]]، كانت تلجأ إلى طر الاكتتابات بين الأعضاء والأنصار كوسيلة للحصول على أموال بطريقة علنية فإنها كانت تسعى لاتصالات أخرى ، تحصل منها على أموال.


وعلى حين رأى بعض المثقفين التقدميين من المصريين ضرورة السعي إلى نشر الفكر الاشتراكي، قرر بعضهم الآخر أن ظروف [[مصر]] الاجتماعية والاقتصادية غير ملائمة لهذه المحاولة.  
سعت [[مصر الفتاة]]، لإقامة علاقات مع الخديوي عباس حلمي الثاني، وكان واسطة الاتصال بينهما عبد الخالق مدكور باشا، وذلك بهدف الحصول على مساعدة الخديوي للجمعية.  


على أن ذلك لم يحل دون تأليف الخلايا [[الشيوعية]] في [[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] حيث قام الدعاة الشيوعيون ببث الدعوة بين العمال الفنيين من الأجانب وبين المثقفين المصريين الذين درسوا في جامعات أوربا.  
وعند زيارة [[أحمد حسين]] لأداء فريضة الحج في عام [[1935]] يقول" قصدت إلى بيت الله الحرام بنية الحج والعمرة وقد تجلت نعمة الله على  في هذه الحجة إذ ذهبت إليها خالي الوفاض تقريبا، وعدت منها وأنا محمل بما كان يعتبر في هذا الزمان بالنسبة لنا كثير، وما أعطانا دفعة في كفاحنا وهو ثلاثمائة جنيه" فإذا علمنا أن الملك عبد العزيز قد منحه مبلغ خمسة وستون جنيها فقط.  


وقد جرت محاولة لبلورة ذلك الاتجاه الاشتراكي في شكل منظم يرعاه وينميه، فكان أن تألف " الحزب الديمقراطي" بعد [[الحرب العالمية الأولي]].
وهنا يبرز سؤال . من أين جاء [[أحمد حسين]] ببقية المبلغ المذكور؟ ونترك هذا السؤال معلقا مع غيره من الأسئلة لنجيب عليه في فصل [[مصر الفتاة]] والمسألة الوطنية. وفى جانب آخر، سبق أن ذكرنا أن [[أحمد حسين]] عاد من رحلته في أوربا في [[فبراير]] [[1936]] ، وهو يحمل مبالغ كبيرة من المال، وتفسير ذلك أن [[أحمد حسين]] عندما كان في لندن كان على اتصال بشكيب أرسلان ثم التقى به في جنيف في ذلك الوقت، وعلاقة شكيب أرسلان بموسولينى واضحة؛


وفى عام [[1920]] جرت محاولة أكثر تقدما لبلورة ذلك الاتجاه وتحديد ملامحه، فقد تصدى جوزيف روزنتال [[اليهود]]ي المصري المنتمى إلى أصل إيطالي لتأليف أول حزب اشتراكي بمدينة [[الإسكندرية]]، وقد اعتمد في بنائه على العناصر الأجنبية التي تتواجد في [[الإسكندرية]] بأعداد كبيرة؛
فمن المحتمل أن يكون [[أحمد حسين]] قد حصل على مبالغ من قبل موسولينى عن طريق شكيب أرسلان وكذلك هناك إشارات إلى تلقى [[مصر الفتاة]]، إعانات مالية مختلفة من إيطاليا فئ مختلف المناسبات، منها 70 جنيه إعانة لإصدار جريدة الصرخة من جديد، 35 جنيه عند سفر [[أحمد حسين]] إلى لندن عام 1835، وحصوله على مساعدات مالية عندما كان في إيطاليا وألمانيا عام [[1938]]، وأخيرا عندما كان [[أحمد حسين]] بالحجاز فئ عام [[1941]] فقد كان على اتصال بوزير إيطاليا المفوض وهناك احتمال أن يكون قد حصل على مبالغ منه. خاصة وأن نشاط الحزب كان متجمدا في ذلك الوقت.


وقد نشر بيان الحزب التأسيسي موقعا عليه كل من سلامة موسى وعلى العناني ومحمد عبد الله ومحمود العرابي وقوبل تأليف الحزب الاشتراكي المصري بالهجوم العنيف من جانب مختلف الطبقات، من منطلق ديني وخشية من انتشار تلك المبادئ التي ينشرها فتهدد الملكية الفردية وقد استنكر البعض ظهور ذلك مبررا استنكاره بأن قضية التحرر الوطني تأتى في المقام الأول قبل قضية التحرر الاجتماعي التي هي أثر من آثار ذلك التيار.
فإذا انتقلنا من الحديث عن الموارد إلى الحديث عن الأعباء المفروضة على [[مصر الفتاة]] نجد أنها تتمثل فئ إيجار الدور التي اتخذتها مقرا للجانها قيمة استهلاك النور والمياه والتليفون، تكاليف إقامة الاجتماعات والاستعراضات، شراء الملابس العسكرية لبعض الأعضاء، تكاليف إصدار الجريدة؛


تعرض ذلك التيار لهزات عنيفة منها أن الحزب الاشتراكي الذي يعد تعبيرا عنه قد انقسم على نفسه فخرج منه المثقفون المصريون، كما تعرض للانقسام مرة أخرى بطرد روزنتال مؤسسه منه في 21 [[ديسمبر]] [[1922]]، ومن ثم تحول الحزب من بعد ذلك إلى " الحزب الشيوعي المصري" وأصبح فرعا للدولة الثالثة.  
وقد كانت الجريدة تستنفد الجزء الأكبر من الموارد، فإذا كانت الموارد المالية ل[[مصر الفتاة]] تعتمد في غالبيتها على الهبات والتبرعات وليس ذلك دخلا ثابتا فإنها أمام مواجهة تلك الأعباء، كانت تتعرض لأزمات مالية طوال الفترة، كعجزها عن دفع إيجار دارها في [[1935]] لوزارة الأوقاف.  


ومن ثم أخذ هذا التيار يسجل نموا مطردا، وأصبح فرعا للدولية الثالثة. ومن ثم أخذ هذا التيار يسجل نموا مطردا، فاصطبغ نشاط الحزب ب[[الشيوعية]] ، وما أن اشتد ساعده حتى كانت الأوضاع في [[مصر]] تسجل تغيرا في وضعها السياسي بصدور [[الدستور]] وتولى الشعب الحكم، ف[[مارس]] الحزب نشاطه بحرية إلى حد ما، ومن خلال ممارسته لنشاطه وبتوجهات منه فقد احتل العمال المصانع، فلم تجد وزارة سعد مناصا من الوقوف في وجه تلك الحركة بكل قوتها ومحاربتها، فألقت القبض على كل زعماء الحزب وقدمتهم للمحاكمة في عام [[1924]] مما أدى إلى ضعف ذلك التيار.  
وتبرز تلك الأزمة أيضا في عام [[1940]] عندما يرفع صاحب الدار التي تشغلها قضية ضدها لعدم سداد الإيجار لمدة ستة أشهر، كما أنها لم تستطع أن تدفع بقية ثمن ماكينات الطباعة.  


كان تيار الفكر الاشتراكي يحمل أسباب ضعفه، فقد مزقت الخلافات الأيديولوجية كيان الحزب الذي يمثله هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الظروف التي أحاطت بنشأة التيار كانت عقبة في سبيل انتشاره في [[مصر]] على اعتبار أنها دولة زراعية، والأفكار [[الإشتراكية]] لا تروج في البلدان الزراعية ولأن الدين الإسلامى يحمى الملكية الفردية وينافى المبادئ [[الشيوعية]]، ومن ناحية ثالثة فإن الوجود البريطاني في [[مصر]] كان عاملا قويا في مقاومة ذلك التيار الفكري وتشديد المقاومة ضد معتنقيه ومحاولة نشر أفكاره.  
ولم يكن هذا هو حال المركز العام وحده، بل تعرضت شعب الأقاليم لتوقف نشاطها نتيجة لنقص في الموارد، فقد صدرت أحكام لصالح أصحاب دور الشعب، عندما لم تستطع [[مصر الفتاة]] إصدار جريدتها ، فتلجأ للحصول على قروض من بعض الأصدقاء، ففي هذا الصدد يقترض [[أحمد حسين]] مبلغ عشرين جنيها من محمد على الطاهر الفلسطيني صاحب جريدة" الشورى" لشراء الورق اللازم لطبع الجريدة، ويتضح أن هذا المبلغ قد سبقه مبالغ أخرى.  


عرضنا للتيارات الفكرية التي سادت للمجتمع المصري وتتبعناها منذ نشأتها تقريبا وحتى منتصف الثلاثينات من القرن العشرين، ولعل وجود كل تلك التيارات على تنوعها على سطح الحياة في [[مصر]] كان ذا أثر واضح على نشاطها السياسي والاجتماعي، فقد كان عدم تحقيق [[مصر]] لاستقلالها التام ما جعلها تموج بعديد من التيارات الفكرية التي تحاول وضع الحلول العملية لاستكمال الاستقلال وتحديد شخصية [[مصر]]. وقد اختلفت وجهات النظر وتباينت الوسائل التي رسمها كل تيار من هذه التيارات للوصول إلى تلك الغاية.


كانت تلك هي الظروف التاريخية التي نشأت في أحضانها جمعية [[مصر الفتاة]] التي أعلن [[أحمد حسين]] رئيسها عن قيامها في 21 [[أكتوبر]] [[1933]] . ومن الطريف أن نذكر هنا أن ظهور اسم [[مصر الفتاة]] في تاريخ [[مصر]] الحديث لم يكن على يد [[أحمد حسين]] وجمعية [[مصر الفتاة]]؛
تلك كانت الصورة العامة للنواحي المالية ل[[مصر الفتاة]] دخلا ومنصرفا والتي توضح أنه لم يتحقق لها أي دخل ثابت من حصيلة الاشتراكات، وقد اعتمدت أساسا على الهبات والتبرعات، ومن الصعب أن ينظم حزب من [[الأحزاب]] نشاطه السياسي على مصادر مالية غير معلومة، وغير مضمون الحصول عليها، وكانت طريقة الحصول على أموال من جهات أخرى، ربما لخدمة أغراض معينة- يعد عملا غير مشروع؛


بل أن هذا الاسم قد ظهر لأول مرة في تاريخ [[مصر]] على ضوء ما لدينا من معلومات عام 1879 على يد مجموعة من الشبان المثقفين في مدينة [[الإسكندرية]] انتظموا في جمعية سرية أطلقوا عليها" جمعية [[مصر الفتاة]]" وقد ضمت تلك الجمعية كل من محمد أمين (نائب الرئيس الذي لم تشر إليه المصادر المختلفة) ومحمود واصف (سكرتيرا) وعبد الله النديم وأدين إسحاق وسليم النقاش (أعضاء) .  
ولكن أمام الالتزامات المفروضة على [[مصر الفتاة]] كي تواصل نشاطها، وأمام إصرار رئيسها وإيمانه العميق بإمكانية بعث مجد [[مصر]] على يديها ، كان الإصرار على الاستمرار تحت أي ظروف وفى مواجهة أي أزمات، لكن حقيقة الأمر أن [[مصر الفتاة]] طوال فترة الدراسة لم تحقق نجاحا ماديا أو معنويا ، اللهم إلا بعض النجاح في عام [[1938]] والذي لم يدم طويلا لانتهاء " شهر العسل " بينها وبين وزارة محمد محمود [[1938]].  


كما اتخذت لها صحيفة تعبر عنها باسم" [[مصر الفتاة]]" في أواخر عام 1879 وبعد أن استمرت تلك الصحيفة في الصدور بعام تولى أديب إسحاق رئاسة تحريرها وشاركه النديم في ذلك.  
وهكذا تكون صورة الهيكل التنظيمي ل[[مصر الفتاة]] قد تم تشكيلها، ولابد لنا من كلمة في ختام ذلك الفصل نلقى بها أضواء على هذا الهيكل.  


أما عن صحيفة " [[مصر الفتاة]]" فلم يرد ذكرها إلا في كتاب الدكتور عبد اللطيف حمزة، أما بقية المصادر الأخرى بالإضافة إلى ما أسفر عنه البحث فيمكن ترجيح هذا الرأي وهو أن [[جمال الدين الأفغاني]] قد ساعد أديب إسحاق في الحصول على امتياز إصدار جريدة " [[مصر]] " عام 1877 والتي اشتهرت بمقالاتها في التعريف بالوطنية والدعوة إلى الحرية، وهى الجريدة الأولى التي وردت فيها كلمة" [[مصر الفتاة]]" ومن المرجح أن تكون جريدة " [[مصر]]" هي التي كانت تعبر عن أفكار تلك الجمعية داخل صفحاتها، خاصة وأن أديب إسحاق صاحب امتيازها كان أحد أعضاء هذه الجمعية. أما هذه الجمعية فقد توقف نشاطها في عام 1880 وذلك بانضمام معظم أعضائها إلى [[الحزب الوطني]].
حقيقة أن [[مصر الفتاة]] قد سعت في مختلف المراحل التي مرت بها أن ترسم لنفسها أشكالا تنظيمية مختلفة، وكانت تضمن قوانينها النظامية مختلف الأشكال التنظيمية، أبعادها واختصاصات كل منها؛


وفى عام [[1908]] يبرز اسم [[مصر الفتاة]] إلى الوجود مرة أخرى كإحدى صحف [[الحزب الوطني]] فيصدر العدد الأول منها في أول [[ديسمبر]] من نفس العام.
وعندما حاولت تطبيق تلك القوانين، وتحقيق تلك الأشكال التنظيمية، كانت تصطدم بالواقع الذي لم يكن يتيح لها الالتزام بها بدقة، فكانت تحاول أن تقيم وحداتها المختلفة في ضوء الممكن المتاح، فإن الجانب التطبيقي للهيكل ، يختلف اختلافا جوهريا عما جاء في القوانين النظامية المختلفة التي أصدرتها؛


وقد مرت تلك الصحيفة بأطوار مختلفة فقد انتقلت ملكيتها إلى يد اجنبى لتتمتع بغطاء الحماية وتنجو من المصادرة لنهجها نهجا متطرفا في معالجة القضايا إلى أن عطلت نهائيا في [[أبريل]] عام [[1911]] .
فكانت دائمة التغيير والتعديل في قوانينها وتعليماتها لأعضائها وأنصارها وقد كان ذلك ناتجا عن الإصرار على فكرة معينة منذ البداية، ومحاولة تسخير كل الوسائل لتحقيقها، دون أن تسعى لنشر الإيمان بتلك الفكرة مقدما، ثم يأتي بعد ذلك دور التنظيم ليمهد لهذه الأفكار كي ترى النور؛


وقد أهمل استخدام اسم [[مصر الفتاة]] بعد استخدامه على مستوى [[الحزب الوطني]] وخاصة في قول مصطفى كامل" أريد أن أوقظ في [[مصر]] الهرمة [[مصر الفتاة]]" حتى استخدم مرة أخرى فيما بعد على لسان [[أحمد حسين]] في عام [[1929]] .  
ولكن [[مصر الفتاة]] لجأت إلى إيجاد أشكال تنظيمية دون أن تنشر الأفكار الأساسية التي تلتف حولها الجماهير، ومن ثم يمكن تنظيمهم وصولا للهدف المنشود.  


ثم عاد فاستخدمه بعد ذلك اسما لتنظيمه السياسي الذي أقامه في 21 [[أكتوبر]] [[1933]] كما سبق القول باسم " جمعية [[مصر الفتاة]]" .  
وحقيقة الأمر أن [[الأحزاب]] المصرية ومنها [[مصر الفتاة]]، ظلت بعيدة عن ممارسة الأساليب التنظيمية الحقة ، ذلك أنها في الواقع لم تكن تستطيع أن تسمح بتنمية الوعي الاجتماعي للجماهير ، أو تتيح لها فرصة المشاركة الجادة في العمل السياسي الحقيقي، فقد ظل الارتجال السياسي طابع العمل الحزب، وحتى بالمعنى الحزبي الصرف فقد فشلت [[الأحزاب]] المصرية ومنها [[مصر الفتاة]]، في إيجاد الشكل التنظيمي العلمي  للحزب، كما استقر في أنحاء العالم، وفى إيجاد تقاليد حزبية راسخة يمكن في إطارها ممارسة العمل السياسي، ومشاركة الأعضاء الحزبيين في رسم وتوجيه سياسة الحزب.  


عرضنا للظروف التاريخية لنشأة جمعية [[مصر الفتاة]] ولأول مرة استخدم فيها الاسم، وعلينا أن نعرض لنشاط [[أحمد حسين]] رئيس الجمعية ولنشاطه السياسي والاقتصادي الذي سبق إعلان قيام الجمعية والتي تعد بحق مقدمات [[مصر الفتاة]].
إن صلة الجماهير بالحزب سواء كانت من بين أعضائه الرسميين أو من المشايعين له، لم تكن تتعدى التجمهر في السرادقات والمواكب، والخلاصة أن [[الأحزاب]] المصرية فشلت في إيجاد التنظيم الحزبي، الذي يتيح لأعضائها أن يمارسوا العمل السياسي، وبالتالي فشلت في إيجاد أي أساس صالح لبناء تنظيمات سياسية وهكذا فإن [[مصر الفتاة]] لم تستطع أن تنهج النهج السليم في الوصول إلى تحقيق الهيكل التنظيمي العلمي لها، وإنما اعتمدت على الارتجال وعدم الالتزام حتى بالإطارات التي وضعتها لنفسها لتتحرك وتنظم نفسها داخلها.

مراجعة ١٤:٠٩، ١٨ سبتمبر ٢٠١٢

الفصل الثاني:مقدمات مصر الفتاة

  1. نشأة أحمد حسين.
  2. جماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة.
  3. مؤتمر الطلبة الشرقيين.
  4. مشروع القرش.

تجدر الإشارة هنا إلى أن جمعية مصر الفتاة تعد نتاجا طبيعيا للظروف التاريخية التي مر بها المجتمع المصري، والتي تناولناها في الفصل السابق، كما كان لأحمد حسين نشاطا سياسيا واجتماعيا سبق إعلانها، ومن الأهمية بمكان أن نعرض لهذا النشاط، والذي يعد بحق إرهاصات لقيام الجمعية، ولعله من المفيد أن نلقى نظرة على نشأة أحمد حسين رئيس الجمعية وصاحب فكرة إنشائها ، ربما ساعدتنا في تحديد الخط السياسي الذي سيسلكه في كفاحه حتى نهاية فترة الدراسة.

ولد أحمد حسين بمدينة القاهرة في 8 مارس عام 1911، وهو ابن محمود حسين الذي كان يشغل وظيفة كاتب حسابات في بعض الدوائر الزراعية، وهو مهنة أورثه إياها والده، وقد ولد محمود حسين في بلدة " كفر البطيخ" بمحافظة دمياط وكان والده ويدعى حسين يعمل كاتبا للحسابات بالدوائر الزراعية، وعندما فقد بصره تولى ابنه محمود القيام بمهام وظيفته بجلا منه، وإلى جانب عمله في الحسابات، فقد افتتح" كتابا" يعلم فيه الصبية القراءة والكتابة والحساب.

وقد أمضى محمود حسين شبابه كاتبا للحسابات في الدوائر، وكان أن نقل إلى " سمنود" ليعمل في دائرة السيد (بك) عبد العال. وفى ذلك الوقت تزوج من والدة أحمد حسين وهى من قرية " ميت النصارى" قرب سمنود، وكانت تمت بصلة قربى لمصطفي النحاس (باشا) ثم انتقل والده للعمل في دائرة عزيز عزت (باشا) ثم عين "باشكاتبا" لدائرة الأمير كمال الدين حسين في نجع حمادي عام 1911 عندما ثارت الفتنة بين الأقباط والمسلمين.

وقد كان تولى أحد المسلمين أعمال الحسابات في دوائر الأمراء يعد حدثا في ذلك الوقت، فقد كانت تلك الوظيفة وقفا على الأقباط. وعندما انفرجت الأزمة وخمدت الفتنة عاد الأقباط إلى تولى مناصبهم في دوائر الأمير كمال الدين حسين، فاستغنى عن محمود حسين وغيره من الموظفين المسلمين، ومن ثم اختير ليكون كاتبا لحسابات الديوان السلطاني، عندما عين السلطان حسين كامل سلطانا على مصر.

ومن ثم استقر به المقام في القاهرة، حيث ولد بها ابنه أحمد كما سبق القول وأمضى بها سنوات حياته الدراسية، فالتحق " بالكتاب" ثم بالمدرسة الأولية فالمدرسة الابتدائية حيث التقى بزميله وصديقه فتحي رضوان فيما بعد، فقد تكونت بينهما صداقة تحولت إلى مشاركة في العمل السياسي والكفاح امتدت حتى عام 1942.

وفى المدرسة الابتدائية ألف أحمد حسين وفتحي رضوان وهما في السنة الثالثة جمعية دينية باسم " جمعية نصر الدين الإسلامى" وكان على رأسها أحمد حسين، وغرضها نشر تعاليم الدين والحض على الفضيلة، وقد أعدا منشورات تعبر عن هذا الغرض وارتادا المساجد لشرح غرض جمعيتهما والهدف منها، ولكن ناظر المدرسة هاله ما يفعلون فطلب منهما حل الجمعية وترك هذا العمل للعلماء والمشايخ والفقهاء.

حصل أحمد حسين على شهادة الابتدائي، ومن ثم التحق بمدرسة الخديوية الثانوية، وفى تلك الفترة كان قد اشتد إعجابه بالتمثيل، فقد شهد الكثير من الروايات التي كانت تعرض على المسارح المصرية، كان يدعوه إليها هو ووالده أحد أصدقاء والده الذي كان يعمل فى شركة " ترقية التمثيل العربي" وعندما التحق بالمدرسة الثانوية وجد الفرصة سانحة أمامه كي يخرج ذلك الإعجاب إلى النور، فقد أصبح نشيطا جدا في فن التمثيل المسرحي، فشارك في أدوار كثيرة كممثل ومخرج ومؤلف روايات، إلى أن أصبح رئيس فريق التمثيل بالمدرسة؛

والذي كان يشرف عليه محمود مراد كاتب المسرحيات المغمور، والذي من أهم أعماله رواية " مجد رمسيس" وهى تبرز الاتجاه نحو الأخذ بالفرعونية. فهي تتغنى بأمجاد الفراعنة، وقد شارك أحمد حسين بنصيب في تمثيلها فتولى أحد أدوار البطولة فيها.

وفى نفس الوقت الذي كان فيه أحمد حسين يتولى رئاسة فريقه التمثيل بالمدرسة الخديوية انضم للعمل بمسرح رمسيس ووضع رواية من تأليفه هي " أبو مسلم الخراساني" ومن ثم تقدم لمسابقة للالتحاق بمعهد التمثيل، وكان يرأس لجنة المسابقة زكى طليمات، ولكن اللجنة استبعدته ولو أتيحت له هذه الفرصة والتحق بمعهد التمثيل لتغير مجرى حياته ولأصبح أحد أبطال الحركة المسرحية في مصر على حد تعبير فتحي رضوان.

وفى ذلك الوقت تفرغ أحمد حسين لدراسته إلى جانب عمله بفريق التمثيل بالمدرسة حيث كانت شهرته على مستوى وزارة المعارف كلها.فقد أخذت ترسل الوفود الأجنبية من زوارها إلى المدرسة لمشاهدة عروض فرقتها، وقد حضر على الشمسي (باشا) وزير المعارف في وزارة النحاس الأولى عام 1928 أحد هذه العروض فأعجب بتمثيل أحمد حسين وطلب لقائه بمكتبه.

وعندما توجه أحمد حسين وناظر المدرسة إلى لقاء الشمسي (باشا) عرض عليه إرساله فى بعثة تعليمية حكومية يتلقى فيها التمثيل في الخارج، وقد كان مقدرا لهذا المشروع أن يرى النور لولا سقوط الوزارة. وفى ذلك الوقت وكنتيجة لنشاط أحمد حسين المتزايد في فن التمثيل عهد إليه ناظر المدرسة (لبيب الكردانى) بتحرير مجلة المدرسة وإدارة جمعية المحاضرات.

إلا أنه وقع صدام بين أحمد حسين والناظر فأعلن بعده اعتزاله لكل نشاط. وكان ذلك وهو في " البكالوريا" عام 1929 ، كما ذكر أحمد حسين " كان ذلك بداية تركي للتمثيل وانخراطي في الحياة العامة والاهتمام بالسياسة" وفى ذلك العام التحق بكلية الحقوق.

سبق اهتمام أحمد حسين بالسياسة والانخراط في الحياة العامة خطوات أخرى، فقد أعجب أحمد حسين في تلك الفترة بالتيار الفرعوني الذي ظهر في تلك الفترة، والذي ينادى بإعادة مجد مصر، كما كان للمسرحيات التي اشترك فيها أكبر الأثر في تعميق هذا الإعجاب في نفسه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛

فقد قام مع زملائه في المدرسة برحلة لزيارة الآثار المصرية في الأقصر وأسوان، فكانت تلك الزيارة وما طبعته في نفسه من آثار وما أوقفته على مدى عظمة مصر والمصريين، كانت تتويجا لهذا الاتجاه الفرعوني لديه، إذ كما يقول أنه كرس نفسه وحياته لبعث مجد مصر الفرعوني .

وقد أتاحت الظروف والأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد الفرصة لأحمد حسين كي يعبر عن اتجاهه الفرعوني، فعندما عاد محمد محمود (باشا) من لندن عام 1922 وهو يحمل مشروع المعاهدة الذي وضعه مع هندرسون وزير الخارجية البريطانية، كان أحمد حسين من الذين دعوا المصريين لقبول ذلك المشروع مطالبا محمد محمود بأن يعمل على إعادة مجد مصر، لقبول ذلك المشروع مطالبا محمد محمود بأن يعمل على إعادة مجد مصر، فكان ذلك أول مشاركة فعالة له في النشاط السياسي.

وعندما عاد محمد محمود من لندن في شهر أغسطس عام 1929 يحمل مشروع المعاهدة الذي توصل إليه مع هندرسون، ليعرضه على الشعب المصري ، وكما سبق أن ذكرنا، فقد لقي المشروع قبولا من بعض الدوائر ورفضا من البعض الآخر وتحفظا من دوائر أخرى؛

وفى ظل تلك الظروف كان الأحرار الدستوريون يبذلون أقصى جهودهم للترويج لهذا المشروع، فسعوا إلى تأليف جماعة لتأييد مشروع المعاهدة عرفت " بجماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة" أسندت رياستها إلى حافظ محمود واشترك في عضويتها أحمد حسين عندما عرض عليه ذلك حسن صبحي أحد المتصلين بمحمد محمود لكي يعمل لمناصرة المعاهدة والدعوة لقبولها. ولم يتردد أحمد حسين في قبول هذا العرض على حد تعبيره هو.

شارك أحمد حسين بجهوده في تلك الجماعة لأنه رأى أن محمد محمود قد عاد إلى مصر بمشروع معاهدة يفضل جميع المشروعات السابقة عليه. فتألفت هذه الجماعة وبدأت تنشر بياناتها في جريدة " السياسة" فصدر أول بيان لها في 20 أغسطس عام 1929، أعلنت فيه أنها بعيدة عن الأحزاب تماما وأنه تعبر عن رأى الشباب، وأن رائدها في تأييد المعاهدة أنها هي الفرصة الوحيدة للسير بالبلاد إلى الأمام، وفى ختام بيانها وجهت نداء للشباب بأن ينضووا تحت لوائها.

ومن ثم أخذت هذه الجماعة تسعى لتعيين شخصية كبيرة مستقلة على رأسها فحاولت إقناع الأمير عمر طوسون برعايتها مستندة في هذا على ما أعلنه الأمير من أن المشروع " حسن في جملته" ولكن الأمير لم يشأ أن ينغمس في هذه المسألة.

فعقدت الجماعة اجتماعا بمنزل إبراهيم (بك) فتحي بالعباسية ، حضره عدد من كبار الأعيان والمفكرين والأدباء يتقدمهم عبد الخالق مدكور (باشا) واللواء أحمد فطين ونصبت عبد الخالق مدكور رئيسا لها بالقاهرة وتولى أحمد كامل المحامى سكرتيرها.

ومن ثم بدأت تتوالى أخبار تأليف اللجان الفرعية للجماعة في الأقاليم على صفحات جريدة السياسة. وقد حرصت هذه اللجان على إعلان شكرها لمحمد محمود بطل المعاهدة وزعيم البلاد. كما اتخذ بعضها الشعار الذي أصبح فيما بعد شعار مصر الفتاة " مصر فوق الجميع".

بدأ أحمد حسين نشاطه في الجماعة بمهاجمة الوفد لموقفه من مشروع المعاهدة، وكان ذلك في 24 أغسطس 1929، ووصفه في مقال له، بأنه موقف لا يغبط عليه، وليس فيه ما يشرفه في قليل أو كثير، ومن ثم ألقى خطبة في احتفال أقامه شبان الأحرار الدستوريين في 31 أغسطس 1929 وقد ذكر في خطبته أن مصر في حاجة إلى زعيم يؤمن بالعمل وحده ولن يكون هذا الزعيم العامل إلا من دم فرعوني تنساب فيه دماء رمسيس ومينا، ولابد أن هذه الإشارة قد أرضت محمد محمود باعتباره مصريا صميما من أحشاء صعيد مصر.

وقد تضمنت الخطبة ما يوضح فكرة أحمد حسين في العمل على إعادة مجد مصر فقال:

" وإذن فبلسان الشباب الحر، بلسان مصر الفتاة أسألك أن تكون زعيمها للشباب في الوزارة أو خارجها على السواء لا تظنن وقد جئت بالمعاهدة أن عملك قد انتهى فإنه لم يكد، فإلى العمل إذن والشباب يؤيدك فلتكن لنا كموسولينى في إيطاليا"

ثم هتف قائلا فلتحيى مصر، مصر فوق الجميع، فليحيى زعيم الشباب. ثم قدم لمحمد محمود طاقة باسم الشباب الحر فقبلها مسرورا. وقد ركز أحمد حسين في هذه الخطبة على مجد مصر التليد ووجوب بعث هذا المجد من جديد على يد ذلك الزعيم الذي أشار إليه يقصد محمد محمود وعندما لم تجد هذه المحاولات لإقرار مشروع المعاهدة؛

ولما لم يستجب محمد محمود لمطالب أحمد حسين بأن يكون لمصر كموسولينى في إيطاليا لأنه يرفض أن يكون هكذا ، على الرغم مما لحق بالحياة السياسية على عهده من تعطيل للدستور وحل للبرلمان، إلا أن محمد محمود كان يعلن أن هذا مجرد إجراء وقتلى وتعود بعده الحياة النيابية إلى سابق عهدها. في ظل تلك الظروف تصدى أحمد حسين في العام التالي ليقوم بالدور الذي طالب به محمد محمود بنفسه.

وفى عام 1930 تصدى أحمد حسين لذلك العمل، فيصدر في مارس من نفس العام مجلة " الصرخة" وكتب في العدد الثاني منها داعيا إلى تكوين " ميليشيا فرعونية"

ذاكرا أنه

" بهذه الطريقة استقلت الممالك وارتقت ، فمن قبل كانت إيطاليا الفتاة، ورومانيا الفتاة وألمانيا الفتاة وأيرلندا الفتاة وتركيا الفتاة، كل أمة أرادت استقلالا أو نهوضا أو مجدا اتبعت هذا الطريق. طريق الشباب الملتهب بحماسة الإيمان. فما أحرانا بتكوين مصر الفتاة لنعيد لمصر بهجتها ومجدها"

فى العدد الثالث من المجلة يدعو إلى تكوين " جيش الخلاص" لينفذ فكرته في إعادة مجد مصر مترسما تجربة الدول التي ذكرها. إلا أن هذه الدعوة التي دعا إليها أحمد حسين ورفاقه لم تلقى قبولا لدى الشباب، فتوقف عن إصدار المجلة بعد ذلك.

وبعد فشل تجربة العمل مع محمد محمود وتصدى أحمد حسين للعمل بنفسه وعدم نجاحه فيه ، في ذلك الوقت كانت وزارة صدقي قد تولت الحكم في 20 يونيه 1930، ونظرا لما عاثته حكومة صدقي فساد في البلاد، تمثل بشكل حاد في الصراع بين الوطنيين من جانب، وبين إسماعيل صدقي والسراي والسلطات الإنجليزية من جانب آخر.

بدأ أحمد حسين يبتعد عن المسرح السياسي تماما، ففي ذلك الوقت كان قد تعرف إلى كل من كمال الدين صلاح ومصطفى عبد الله الوكيل في نفس العام الذي التحقوا فيه بالجامعة.

وقد فكر في أن يقوم برحلة لزيارة باريس في صيف ذلك العام- وكان هذا مكفولا للطلبة في العطلة الصيفية- ولكن والده عارض في أمر سفره، ولكنه استطاع إقناعه بأنه لن يكلفه شيئا، وقد ساعده زميله فتحي رضوان ببعض نفقات الرحلة.

وقد أتاحت له هذه الرحلة مشاهدة مشروعات جديدة وأفكار جديدة في باريس كانت ذات أثر بارز في تغير مجرى كفاحه إلى حد ما، وهذا ما سنوضحه بعد قليل.

وفى نفس العام بدأت جماعة الأصدقاء ، أحمد حسين ورفاقه فتحي رضوان وكمال الدين صلاح ومصطفى الوكيل يطرحون أفكارا جديدة حول إعادة مجد مصر، وفى ظل تلك الأفكار رشح فتحي رضوان نفسه لعضوية اتحاد الطلاب على أساس برنامج إصلاحي محدد، وقد وقف زملائه خلفه يساندونه ويؤيدونه ، ولكنه لم ينجح في تلك الانتخابات وإن كانت تلك الجماعة قد عرف أعضاؤها بأنهم أصحاب أفكار جديدة.

فقد بدأوا يفكرون في أساليب جديدة لإحياء المعاني الوطنية بين طلاب الجامعة خاصة وبين الشباب عامة، فقد أعلنوا عن عزمهم على الاحتفال بعيد الجهاد 13 نوفمبر على نمط يختلف عن الأنماط المعروفة للاحتفال به، فاقترح فتحي رضوان أن يتوجه الشباب إلى ساحة الهرم وعلى ضوء النيران المشتعلة يقضون الليل في شبه معسكر يتبادلون فيه المناظرات، وكذلك القيام ببعض المشاهد التمثيلية المستوحاة من تاريخ مصر، وقد قاموا بنشر الفكرة بين الطلبة وقد شجعهم على ذلك أمين الخولي.

وفى يوم 13 نوفمبر لم يلب دعوتهم إلا عدد قليل لا يتعد أصابع اليد الواحدة. ومن ثم عندما لم تحظ هذه الفكرة بالقبول بين الشباب سعى أحمد حسين وفتحي رضوان إلى مسائل أخرى بعيدا عن السياسة.

أما العام الدراسي التالي 1930 1931 فإنه يبدو هادئا نوعا بالنسبة لكل من أحمد حسين وفتحي رضوان فيذكر " جان كوفسكى" أن كلاهما كان عضوا بجمعية الشبان المسلمين.

وقد جانبه الصواب في هذا الصدد إذ أنهما قد اتخذا من مقر جمعية الشبان المسلمين مسرحا لنشاطهم في إلقاء المحاضرات وعقد الندوات فقط، ولكنهما لم ينضما إلى عضوية الجمعية، وقد كان ذلك بناء على خطتهما في الابتعاد عن أحوال السياسة الجارية فلا يعنى هذا عضويتها للجمعية، وعلى الرغم من خطة أحمد حسين في الابتعاد عن السياسة فإنه كان من أشد المعجبين بإسماعيل صدقي على نفس الصورة التي أعجب بها بمحمد محمود متصورا أنهم دعاة إصلاح، كما أعجب بطلعت حرب وفوق كل هؤلاء كان إعجابه بموسولينى وربما أنه أراد أن يرى فيهم صورة موسولينى.

ولكن ذلك الإعجاب لم يجعل أحمد حسين يحيد عن خطته، فشغل نفسه هو وفتحي رضوان بمسائل أخرى بعيدا عن السياسة، فقد عاد أحمد حسين من رحلته إلى باريس وفى رأسه فكرة مشروع القرش وهو ما سنعرض له. أما فتحي رضوان فقد كانت الدعوة لعقد مؤتمر للطلبة الشرقيين هي شغله الشاغل في ذلك الوقت، وقد شارك كل منهما الآخر في مشروعه.

لشخصية غاندي وقراءاته المتعددة عنه. هذا بالإضافة إلى أن الظروف قد ساقت إليه أشخاصا من دول شرقية ممن يتلقون العلم في الجامعة المصرية وفى الجامعة الأمريكية، فأفضى إليهم بفكرته فرحبوا بها.

ومن ناحية ثالثة فإنه أحس بأن الحركات الوطنية في العالم العربي كانت هزيلة فكريا وثقافيا، وأنها وحدها بغير قادرة على مواجهة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي في المنطقة، ففكر في إقامة المؤتمر بهدف توسيع دائرة الروابط بين العالم العربي والدول الشرقية، ولعل ذلك يوضح أن فكرة المؤتمر فكرة سياسية وطنية، ولكنه حاول أن يلبسها ثوبا ثقافيا اقتصر على العمل في مجال الطلبة ثقافيا ورياضيا.

استطاع فتحي رضوان أن يقنع بعض أساتذة الجامعة بفكرة المؤتمر، وهم الدكاترة على إبراهيم، أحمد أمين، عبد الرازق السنهوري وعلى مصطفى مشرفة فاقتنعوا بها على أن يكون مؤتمرا سنويا للطلبة الشرقيين بالقاهرة، وذلك بغرض تقوية الصلات والروابط بينهم.

وبعد أن استوثق فتحي رضوان من موقف الأساتذة المؤيد لفكرته حاول الاتصال بطلاب الدول الشرقية في كل من تركيا واليابان والصين وجاوه وفلسطين والعراق والهند.

ولم تقف جهوده عند هذا الحد بل خابر شركات الملاحة فظفر منها بتسهيلات وامتيازات للطلبة المسافرين ، واستكمالا لجهوده في الدعوة للمؤتمر، فكر هو ومجموعة من زملائه في السفر إلى كل من العراق وسوريا ولبنان وتركيا، وقد لاقى فتحي رضوان صعوبات جمة في الحصول على جواز سفر كي ينفذ فكرته، وقد حصل عليه بعد أن توسط له كل من أحمد فؤاد صاحب جريدة " الصاعقة" وادجار جلاد رئيس تحرير جريدة " الاتحاد" لدى وزير الداخلية على اعتبار أنه مريض يسافر للاستشفاء .

وقد سمح لفتحي وزملائه بالسفر إلا أن الحيلة التي لجأوا إليها قد اكتشفت بعد أن وصلوا إلى سوريا فاعتبرت سلطات الأمن الفرنسية زيارتهم لسوريا عملا خطيرا فطردتهم من سوريا ورفضت دخولهم إلى لبنان وأعيدوا إلى مصر.

كان الغرض من عقد المؤتمر الذي أعلنه فتحي رضوان، أنه يفضى إلى توثيق العلاقات بين الشبان الشرقيين، ويهدف إلى تنمية أعمالهم الأدبية وجهودهم الفكرية، وتنشيط الرحلات بين شباب الشرق، والعناية بثقافة الشرق.

وقد شكلت لجنة تحضيرية للمؤتمر لتعمل على تحقق الغرض الذي تهدف إليه من وراء تلك الفكرة فتكونت من الأساتذة والدكاترة كمستشارين لها وهم الدكتور منصور فهمي والدكتور عبد الوهاب عزام، وعبد العزيز الثعالبي والدكتور عبد الرحمن الشاهبندر وخليل مطران ولطفي جمعه وعبد الرحمن نصر المحامى ورئيس تحرير الهلال، وقد انضم إلى عضويتها ممثلون عن كليات الجامعة المصرية والجامعة الأمريكية والأزهر.

وقد نشرت تلك اللجنة أنها ستبذل جهدها لتنشئ في كل قطر من أقطار الشرق لجانا فرعية تعمل لنفس الغاية. وفى هذا السبيل فقد لجأ فتحي رضوان إلى كل وسيلة إلى الطلبة في أندونسيا شرح فيه فكرة المؤتمر وأهدافه ، مؤكدا أن هذا المؤتمر بعيد كل البعد عن المنازعات السياسية والدينية.

وعلى الرغم من توفر بعض عناصر النجاح لهذا المؤتمر، إلا أن السلطات الاستعمارية بذلت جهودا ضخمة لإحباط فكرته، كما قامت حكومة صدقي بحل المؤتمر التحضيرية، وإن كان فتحي رضوان قد استطاع نشر بعض المقالات في " السياسة الأسبوعية" ومجلة " الرسالة" عن المؤتمر وأهدافه.

وهكذا طويت هذه الفكرة التي راودت فتحي رضوان وتحمس لها كل الحماسة فلم تر النور. وقد شهدت أوربا في وقت لاحق مؤتمرات للطلبة الشرقيين فعقدت إيطاليا مؤتمرا لهم في روما، وعلى أثر مؤتمر روما دعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر للطلبة الشرقيين في برلين.

وبعد أن عقدت تلك المؤتمرات في أوربا ارتفعت أصوات نطالب فتحي رضوان ببعث فكرته القديمة في إقامة المؤتمر ولكنه يبدو أن فتحي رضوان قد أدرك أن فكرة عقد المؤتمر لم تعد مناسبة في ذلك الوقت.

أما أحمد حسين ، فقد شارك في بعض الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب عمله في التحضير لمؤتمر الطلبة الشرقيين في تلك الفترة، عملا بخطته السابقة في الابتعاد عن السياسة، ففي 1930 كان وكيلا لجمعية " المصري للمصري" التي أسسها سلامة موسى وكان وكيلا لها بكلية الحقوق، ولكنه عندما ضيق صدقي عليها الخناق كما سبق أن ذكرنا، هذا فضلا عن الخلاف الذي حدث بين أحمد حسين وسلامة موسى حول بعض الأفكار تركها أحمد حسين ليعمل في مجال آخر.

لم يكد أحمد حسين يترك جمعية " المصري للمصري" التي دعت إلى مقاطعة البضائع الأجنبية حتى بدأ يفكر في أسلوب آخر للنهوض بالصناعات الوطنية. أخذ يفكر في عمل ضخم يهز به كيان الأمة كلها في مجل الاقتصاد، عمل يرتفع باسمه وزملائه إلى المستوى القومي ويمهد به لخطوته التالية وهى تأسيس جمعية مصر الفتاة.

وحتى يتسنى له أن يقوم بالدور الذي رسمه لنفسه منذ بداية اعتقاده في مجد مصر وسعيه الحثيث لإعادة هذا المجد، فلما فشلت المحاولات السابقة التي قام بها في تجربته مع محمد محمود ، وكذلك الدور الذي قام به هو عام 1930 ، فقد تقدم هذه المرة بمشروع يرفع اسمه على صعيد مصر كلها كخطوة تمهيدية يتقدم بعدها ويتصدى للعمل السياسي، كي يحقق ما فشل فيه من قبل، وفى وسط سيل تلك الأفكار التي كانت تراوده واتته الفرصة والفكرة.

سافر أحمد حسين إلى باريس في صيف عام 1930، وكان من بين ما شاهده هناك تمثال ضخم لأحد رجالات التربية في حدائق " التوليرى" كتب على قاعدته " بني هذا التمثال باكتتاب اشترك فيه أكثر من مليوني طفل" دفع كل منهم " سمو" وهى عملة تقرب من المليم..

أعجب أحمد حسين بهذه الفكرة وصمم على أن ينادى بتطبيقها في مصر، وعندما عاد إلى مصر رسم خطة للنهوض بالصناعات الوطنية على المستوى القومي، بأن يشارك جميع أفراد الشعب في تنفيذها بإنشاء صناعات جديدة يساهم فيها الجميع بمبالغ ضئيلة، ووضع الحد الأدنى للتبرع قرشا واحدا. ومن هنا سمى مشروعه بمشروع القرش.

عرض أحمد حسين فكرته بعد عودته على زميليه فتحي رضوان وكمال الدين صلاح فأبديا استحسانهما وكيف أنها ستساعد على إقامة ركائز وطنية للصناعة تحل مع الزمن محل الركائز الأجنبية المسيطرة على الاقتصاد المصري.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها سوف تحقق لهم جماهيرية تساعدهم على الإقدام على خطوتهم التالية، وعن طريق تلك الفكرة أيضا فإنهم سوف يشتهرون على أنهم أصحاب أفكار جديدة.

بعد أن استوثق أحمد حسين من زميليه من الفكرة. عمل على طرحها على أفراد الشعب ليحظى بتأييدهم لها إذ من الطبيعي أن يسبق كل فكرة جديدة نوع من الدعاية لها، لشرح الغرض منها والفوائد التي تعود على الشعب من جراء اعتناقها من هذا المنطلق أخذ أحمد حسين يفكر في أساليب الدعاية التي يلجأ إليها لنشر فكرته؛

فبدأ يتصل بدور الصحف لتبسط فكرته على صفحاتها، وبالفعل عرض فكرته بعد أن بلورها على "[[جريدة الأهرام" فرأت فيها فكرة جديدة تستحق الاهتمام من جانبها فقامت بنشرها على صفحاتها. وقد حذت الصحف الأخرى غير الوفدية حذو جريدة الأهرام وأخذت تنشر ما يبعث به أحمد حسين ورفاقه حول المشروع من نداءات إلى الشعب لشرح أهدافه ومراميه.

ومن ثم لجأ أحمد حسين لنشر فكرته في أوساط الطلبة بالجامعة والمدارس العليا، فلم يبدأ العام الدراسي حتى بدأ في إقناع الطلبة والأساتذة بالفكرة، فاستجاب لدعوته الكثيرين ، ومن هؤلاء كان الدكتور على إبراهيم (باشا) الجراح الشهير وعميد كلية الطب في ذلك الوقت والذي تولى رئاسة اللجنة التنفيذية للمشروع، فقد كانت رئاسته لها خيرا وبركة على المشروع على حد تعبير أحمد حسين.

وقد تشكلت اللجنة من مجموعة من الأساتذة والطلبة، واتخذت من نادي الجامعة بميدان الأوبرا مقرا لها، وقد ضمت كلا من الدكتور على إبراهيم رئيسا، والدكتور عبد الله العربي الأستاذ بكلية الحقوق، والدكتور على حسن الأستاذ بكلية طب وكيلين، والدكاترة مصطفى مشرفة ، عبد الرازق السنهوري وعلى بدوى وزكى عبد المتعال والأستاذ أمين الخولى مراقبين. وكل من نعيمه الأيوبي ، كمال الدين صلاح. عبد الخالق فريد، سيد فتحي رضوان.

أحمد حسين ، عبد القادر عودة ومنير القاياتى عن كلية الحقوق، وعبد الرحمن الصدر ونور الدين طراف وحنا مرقص عن كلية الطب. ويحيى العلايلى ، ومصطفى الوكيل ومصطفى ملوك عن كلية العلوم، وإبراهيم عبده ومحمد زكى عن كلية الآداب ، ومدحت عاصم عن كلية الزراعة، صالح عوضين وحسين حافظ عن كلية التجارة وجميعهم أعضاء.

وقد تولى داوود (بك) راتب أمانة الصندوق، وأسندت أعمال السكرتارية إلى كل من أحمد حسين وسيد فتحي رضوان ومدحت عاصم. وبعد أن استتبت الفكرة إلى حد ما ، وبعد أن صار لها هيئة تشرف على تنفيذها واصل أحمد حسين الدعوة لها، فظل يرسل بالنداءات إلى الصحف عن المشروع.

هذا بالإضافة إلى أنه كان يقوم بنفسه بالدعاية للمشروع، فأخذ يجوب دور السينما ويتولى شرح فكرة المشروع للحاضرين في فترة الاستراحة.وعند هذا الحد من النجاح في الدعوة للمشروع، أدرك أحمد حسين أنه بحاجة إلى أن يسترشد برأي رجال الاقتصاد وفي نفس الوقت يحظى بتأييدهم لفكرته، فسعى لمقابلة طلعت حرب (باشا) وبسط له فكرته ولكنه لم يلق استحسانا من جانبه لتلك الفكرة.

ولكن عندما تولى على إبراهيم رئاسة اللجنة التنفيذية للمشروع تغير موقف طلعت حرب تماما وأبدى استعداد بنك مصر لتقديم أية تسهيلات ممكنة.

وفى ذلك الوقت أيضا ظهرت موجة لتشجيع المشروع بين المجلات والصحف المصرية، فقد عرضت " دار الهلال" أن تصدر عددا من مجلتها " الدنيا المصورة" يتناول المشروع وفكرته على أن يخصص دخله لصالحه، فأعد فتحي رضوان الجزء ألأكبر من مادة هذا العدد وراح يتصل بكبار الشعراء والكتاب ومنهم حافظ إبراهيم وخليل مطران وعباس محمود العقاد وأبو بثينة، وأحمد لطفي السيد وفكري أباظة وإبراهيم عبد القادر المازني وطه حسين ومحمد حسين هيكل فحصل على قصائد لهم ومقالات تدعو إلى تأييد المشروع .

وكما ضم ذلك العدد عديدا من المقالات لعديد من الكتاب الآخرين من بينهم أحمد حسين وحافظ محمود. وقد لقي هذا العدد نجاحا كبيرا ساهم الطلبة بجهد كبير فيه، وحقق دخلا للمشروع بلغ ثلاثمائة من الجنيهات بعد أن حصلت دار الهلال على تكاليفه.

وقد أصبح ذلك المبلغ نواة لرأس مال المشروع ويمكن الصرف منه على الخطوات التنفيذية التالية.فأودع ذلك المبلغ في بنك مصر باسم المشروع، وكان حق السحب منه مكفولا لعلى باشا إبراهيم مع أستاذ آخر من أعضاء اللجنة التنفيذية.

استمرت حملة الدعاية للمشروع تظهر على صفحات الصحف، فوجهت نداءات إلى الطلبة والعمال والفلاحين وإلى السيدات وإلى الفقراء والأغنياء ، وقد اكتسبت الداعية شكلا تنظيميا فكل النداءات كانت تصدر عن اللجنة التنفيذية للمشروع، وأصبحت الدعاية له تغمر مصر كلها في ظل شعار جديد اتخذته اللجنة التنفيذية هو " تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي" فأخذت الدعوة طريقها إلى كل فئات الشعب.

وقد تحدد يوم أول فبراير عام 1932 موعدا لبدء الاكتتاب للمشروع في الشهر وعلى أن يبدأ في الأقاليم في الفترة من 4- 29 فبراير من نفس العام. وفى هذا الشأن وجه أحمد حسين باعتباره السكرتير العام للجنة المشروع بيانا إلى الأمة استهله بقوله " ساهموا بقروشكم في بناء استقلالنا الاقتصادي" مستخدما أسلوب الترغيب في التبرع للمشروع تارة وأسلوب الترهيب تارة أخرى بقوله " لا يفكر شخص في الامتناع عن شراء طوابع القرش فالمتطوعون مكلفون بالتعرض لكل شخص لا يحمل طابع المشروع، والمتطوعون ألوف وأذن فخير لك أن تدفع".

أما عن موقف القوى السياسية من المشروع، فعلى الرغم من النجاح المذهل الذي حظيت به فكرة المشروع وانتشار دعوته بين كل طبقات الأمة. إلا أن حزب الوفد رأى في المشروع صرفا للشباب من جماهيره عن حزبهم، هذا بالإضافة إلى أنه اعتبر المشروع مؤامرة جديدة ودسيسة يراد بها صرف الشباب عن قضية البلاد الحقيقية ، ولابد وأن يكون أحمد حسين أحد صنائع إسماعيل صدقي.

ونما إلى علم النحاس (باشا) أن المشروع بدأ يلاقى نجاحا كبيرا فشكلت له لجنة من بين طلبة الجامعة والمدارس العليا برئاسة على إبراهيم (باشا) . عند هذا الحد بدأ القلق يساور النحاس (باشا) في المشروع واعتبره محاولة لاستقطاب جماهير الوفد من الشباب، فأوعز إلى لجنة الطلبة المركزية الوفدية أن تحارب المشروع وبناء على موقف النحاس من المشروع نشرت جريدة " الجهاد الوفدية" بيانا لطالب وفدى يهاجم فيه المشروع والقائمين عليه".

ولكن موقف الوفد سرعان ما تغير عندما اجتمعت كل طوائف الشعب على تأييد الفكرة ، فبدأت جماهيره تنصاع لفكرة المشروع وتعتنقها، وجاء اليوم المحدد للتبرع فأخذ أحمد حسين على عاتقه مقابلة النحاس (باشا) والحصول على تبرعه للمشروع، فتوجه إليه بمنزل في مصر الجديدة وحصل على تبرعه الذي بلغ اثنين وعشرين جنيها، كما التقى عنده بكل من مكرم عبيد والنقراشي وحصل على تبرعهما أيضا.

وقد كانت قيمة ما دفعه النحاس وأعضاء الوفد المعنوية أكثر بكثير من قيمته المادية، فهو يعنى رضاء الوفد عن المشروع ويوضح قوميته بعيدا عن الخلافات الحزبية التي كانت مستعرة الأوار في مصر في ذلك الوقت.

أما عن موقف وزارة صدقي من المشروع فقد كان ينم عن التأييد للمشروع ، وإن كان حلمي عيسى وزير المعارف قد تصدى له في أول الأمر، ولكن صدقي أصدر إليه تعليماته بأن يكف نهائيا عن كل معارضة للمشروع، وأن يقدم له كل تسهيلات ممكنة؛

فقد رأى صدقي في المشروع رافدا من الروافد التي تسعى إلى تفريج حدة الأزمة الاقتصادية، وكانت لجنة المشروع تعلن دائما أنها تعمل بوحي من وطنية القائمين عليها بعيدا عن الخلافات الحزبية، فأرضى ذلك صدقي، ومن ثم أخذت جميع دوائر الحكومة تقدم للمشروع كل التسهيلات الممكنة. وهكذا حظي المشروع بتأييد الأمة كلها حتى أن بعض الأجانب المقيمين بمصر أبدوا تعضيدهم للمشروع وتبرعوا له كالوطنيين سواء بسواء.

كذلك تبرع موظفو حكومة السودان من المصريين في أعلى النيل. وفى يوم 11 فبراير من نفس العام أقيم مهرجان ضخم للمشروع بحديقة الأزبكية حضره ما يربو على العشرين ألف من المواطنين ، قدمت فيه بعض المشاهد المسرحية والغنائية وغيرها، واشترك فيه معظم فناني مصر. وأدرك أحمد حسين في ذلك الوقت بأن هذه الروح التي سادت المهرجان هي روح مصر الفتاة التي ينشدها منذ سنين.

بلغت حصيلة التبرعات في ا لعام الأول للمشروع مبلغ (17332) جنيها. وقد كان هذا المبلغ مخيبا لآمال أحمد حسين الكبار، فقد أتضح أن الريف المصري كان أعجز عن دفع قروش معدودة ، ولعل هذا يوضح مدى حدة الأزمة الاقتصادية في عام 1931 نتيجة لانخفاض أسعار القطن بشكل رهيب.

وبعد ذلك جرى التفكير في الخطوة التالية، فتشكلت جمعية القرش طبقا لقانون الجمعيات فتولى رئاستها على (باشا) إبراهيم وضمت عضويتها كل من فؤاد (باشا) أباظة مدير الجمعية الزراعية الملكية، ومصطفى (بك) الصادق مدير مصلحة الصناعة والتجارة، وعبد الله فكرى أباظة مدير إحدى شركات بنك مصر، وحسن مختار رسمي وكيل وزارة المالية، وقد تولى أحمد حسين أعمال السكرتارية للجمعية وكذلك تم تسجيلها.

وبعد أن تكاملت للجمعية أسباب وجودها، فقد اكتسبت الصبغة القانونية للجمعيات وأصبح لها مجلس إدارة يضم إدارة عددا من الفنيين، في ذلك الوقت بدأ التفكير يتجه نحو تحديد نوع المنشأة الصناعية التي ستقوم الجمعية بإنشائها، فقر الرأي على إقامة مصنع للطرابيش .

وقد قامت هذه الصناعة في مصر من قبل، فكان إسماعيل (باشا) عاصم قد أنشأ مصنعا للطرابيش في "قها" ولكن الشركة النمساوية التي كانت تورد الطرابيش لمصر حاربته وخفضت الأسعار إلى أقصى درجة ممكنة، وعندما لم يستطع المصنع المصري التصدي للمنافسة أغلق أبوابه، إذ لم تكن الحماية الجمركية قد عرفت في مصر بعد. وترجع أهمية الإشارة إلى ذلك المصنع أن العمال الفنيين اللازمين للمصنع الجديد المقترح يمكن الحصول عليهم من بين من عملوا في مصنع قها من قبل.

وقد أجريت دراسة مبدئية حول إمكانية إقامة المصنع في حدود المبلغ المجموع من حصيلة الاكتتابات في العام الأول. قدمت حكومة إسماعيل صدقي قطعة الأرض لإقامة المصنع بناحية " العباسية" دون مقابل، كذلك كلفت الحومة مهندسي مصلحة المباني وخبراء مصلحة الصناعة والتجارة ومصلحة الكهربا، بتقديم كل مساعدة ممكنة لإتمام عملية البناء طبقا للرسوم التي وضعتها شركة " هارتمان" الألمانية التي تم التعاقد معها لتوريد آلات المصنع بكاملها. وهكذا تكاملت للمشروع كل أسباب النجاح، فاتصلت الجمعية بمحمد (بك) حسن العبد المقاول ليتولى عملية البناء وقد تنازل عن مبلغ ألف جنيه من قيمة المباني تبرعا من جانبه للمشروع.

لم تتبلور عملية إقامة مصنع الطرابيش دون عقبات فقد مرت بمؤامرات كثيرة، منها محاربة الشركة التشيكوسلوفاكية التي كانت تقوم بتوريد الطرابيش إلى مصر، فقد تدخلت لدى إسماعيل صدقي كي يرفض المشروع من جانب الحكومة، وكذلك تدخلت لدى شركة" هارتمان" لفسخ العقد المبرم بينها وبين جمعية القرش، ومنها محاولتها رشوة أحمد حسين للتخلي عن المشروع، ومنها ما أبداه طلعت حرب عندما عرضت عليه فكرة إقامة المصنع من تعذر إقامته بعد دراسات قام بها بنك مصر.

وكان البنك ينظر إلى المشروع نظرة رأسمالية بحتة تنصب على مدى ما يمكن أن يحققه المصنع من أرباح، ولكن كان أحمد حسين ينظر إليه على أنه تحقيق لإرادة أمة تريد النهوض بصناعاتها الوطنية، وقد جعلته كل تلك المحاولات والصعاب أكثر إصرارا على تنفيذ المشروع وإقامة المصنع.

وفى العام الثاني للمشروع ، أدرك أحمد حسين أنه لكي يحافظ على حماسة الجماهير له فلابد وأن يروا ثمرة عاجلة لقروشهم التي دفعوها في العام الماضي، فانتهز فرصة وضع حجر الأساس للمصنع وألقى خطابا طالب فيه بالمزيد من الجهود لجمع الاكتتاب ، ولكن موجة الحماسة للمشروع كانت قد فترت بعض الشيء فلم تسفر عملية الاكتتابات في ذلك العام إلا عن مبلغ ثلاثة عشر ألفا من الجنيهات، وإن كانت الخبرة والتنظيم قد عوضت إلى حد ما نقص الحماسة للمشروع. وأقيم مهرجان القرش الثاني في حديقة الأزبكية.

وفى نهاية عام 1933 تم إنشاء المصنع وتركيب الآلات وبدأ الطربوش المصري يطرح في السوق ابتداء من 15 ديسمبر 1933. وبدأ المصنع في الإنتاج بطاقة إنتاجية قدرت بثلاثمائة ألف طربوش في العام.

وقد ضم المصنع فيما بعد إلى جانب إنتاج الطربوش غزل الصوف، وشارك في أثناء الحرب العالمية الثانية في توريد غزل الصوف إلى وزارة الحربية. وتوريد القلنسوات لسلاح الفرسان الملكي والطرابيش لجنود حرس الحدود.

وهكذا كانت إقامة المصنع وطرح إنتاجه من الطرابيش المصرية يعد تتويجا لجهود أحمد حسين وزملائه في هذا المجال ، ودليلا واضحا على رغبة المصريين في تحرير اقتصادهم من ربقة الاستعمار وإن كان ذلك قد تم في ظروف اقتصادية عصيبة مرت بها البلاد.

وقبل أن يتم بناء المصنع، كان أحمد حسين ورفاقه قد تعرضوا لهجوم سافر من جانب الوفد، فألفت جماهيره المظاهرات منادية بسقوط أحمد حسين " حرامي القرش" فقد اتهموه باختلاس أموال المشروع، وكان يبدو أن الوفد يسعى لإعادة الشباب من جماهيره إلى حظيرته بعد أن شد المشروع كل اهتمامهم؛

وكذلك خشي الوفد أن يستقطب أحمد حسين جماهيره ويضمهم إلى صفه، خاصة وأن الوفد في ذلك الوقت كان يمر بفترة عصيبة تحت وطأة مطرقة صدقي التي سلطها عليه، فلا نشاط ولا اجتماعات لجماهيره، فلجأ إلى هذا الأسلوب في مهاجمة أحمد حسين، وإزاء هذا الهجوم استقال أحمد حسين من سكرتارية جمعية القرش متخذا من تصرفات الوفد حياله تكأة كي ينفذ خطوته التالية التي ظل يسعى للوصول إليها، فأعلن قيام جمعية مصر الفتاة في 21 أكتوبر 1933، وتولى سكرتارية المشروع من بعده كمال الدين صلاح.

اعتبر على (باشا) إبراهيم استقالة أحمد حسين من جمعية القرش خسارة كبيرة لها، فأراد أن يعيده إلى صفوفها مرة أخرى فوجه إليه خطابا جاء فيه " لما كان المجلس حريصا على ألا تحرم الجمعية من جهودكم وخبرتكم فقد قرروا إشراككم في لجنة تنظيم الاكتتاب هذا العام".

وقد استجاب أحمد حسين لهذا القرار وعاد يزاول نشاطه في إطار الجمعية من جديد، إلا أن سلطات البوليس اقتحمت مبنى الجمعية وفضت اجتماعا كان منعقدا بها في عهد وزارة عبد الفتاح يحيى التي جاءت بعد صدقي وإزاء هذا الموقف أوضح أحمد حسين لمجلس إدارة الجمعية أن انضمامه إليها لن يفيد الجمعية بقدر ما يسيء إليها، وطلب إعفاءه من منصبه فيواصل نشاطه في جمعية مصر الفتاة التي أنشأها . وهكذا انقطعت صلته تماما بجمعية القرش.

وعلى الرغم من أن أحمد حسن قد أعفى من منصبه في جمعية القرش، فقد ظل بعض أعضاء جمعية مصر الفتاة الناشئة يعملون في المشروع، وجاء وقت الاكتتاب للعام الثالث 1934، فاستمر الوفد في مهاجمة المشروع لبقاء بعض أعضاء مصر الفتاة من بين المسيطرين عليه؛

فشكل في ذلك الوقت لجانا لمقاطعة المشروع لأنه أصبح أداة في يد جماعة سياسية غير مرغوب فيها (يقصد جمعية مصر الفتاة) وقد ارتاب الوفد في جمعية مصر الفتاة منذ البداية واعتبرها دسيسة عليه وعلى الشباب، فأصدر تعليماته إلى الطلبة من جماهيره بأن يرفعوا العرائض إلى على (باشا) إبراهيم يطالبونه بإقصاء أي عضو من أعضاء مصر الفتاة بعيدا عن المشروع.

لم ير على (باشا) إبراهيم ما يجعله يستجيب لمطالب الشباب الوفدي، فنشرت جمعية القرش بيانا نفت فيه صلتها بأية هيئة سياسية، إلا أن الوفد لم يقتنع بذلك، فطالب أحد محرري جريدة " كوكب الشرق" الوفدية على إبراهيم نفسه بأن يستقيل من رياسة المشروع وأن يترك الموقف من جانب حزب الوفد ومن جماهيره من المشروع وحثهم الجماهير الأخرى على عدم المشاركة في التبرع. جاءت حركة الاكتتاب في ذلك العام خلوا من أي حماس من فلم يزد المبلغ المجموع عن ثلاثة آلاف من الجنيهات.

وعلى أثر النجاح الذي حققه مشروع القرش في مصر ، فقد سرت فكرته بين الدول العربية فقد قام الشباب في العراق بمشروع " الفلس" ومن ثم انتقلت فكرته إلى السودان فقاموا بمشروع القرش هناك لإنشاء المستشفيات والملاجئ، كما انتقلت الفكرة إلى بلاد الحجاز فأيقظت حيوية الشباب هناك، ففكروا في مشروع خيري يخدمون به بلادهم، فقرروا القيام بمشروع القرش على المنوال الذي قام في مصر، وتقدموا بطلب إلى حكومتهم للسماح لهم بذلك فوافقت. وفى مصر فقد انتشرت الفكرة بصورة أخرى فألف أحمد كامل قطب المحامى " جمعية القرى" لمحاربة الأمية في البلاد.

اتخذ أحمد حسين من مشروع القرش خطوة تمهيدية توصله إلى غايته التي ينشدها منذ آمن بمجد مصر والعمل على بعثه، وفى الحقيقة فإن أحمد حسين قد كسب شهرة قومية عن طريق المشروع، وكسب أيضا أنصارا وأعوانا وخبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري سهلت له القيام بخطوته التالية ، فما أن تخرج في كلية الحقوق حتى طالبه زملاؤه بخطوته التالية التي وعدهم بها من قبل وهى تأليف جمعية مصر الفتاة .

ومن ثم أعد برنامجها وأعلن قيامها في 21 أكتوبر 1933.وهكذا تألفت جمعية مصر الفتاة بعد أن مرت فكرة تأليفها بالمراحل السابقة، وعلينا أن نتابع تطور تلك الجمعية حتى نهاية فترة البحث.

الفصل الثالث: تطور مصر الفتاة

  1. 1933-1941
  2. جمعية مصر الفتاة 1933
  3. حزب مصر الفتاة 1937
  4. الحزب الوطني الإسلامى 1940

يعالج هذا الفصل تطور جمعية مصر الفتاة في ضوء الظروف والملابسات التي مرت بها ، فليس من شأنه أن يعالج موقف مصر الفتاة من القوى السياسية القائمة أو موقف تلك القوى منها، وإنما يركز على إبراز الملابسات والظروف التي سبقت كل تطور مرت به الجمعية وكذلك اللاحق منها.

كان ظهور جمعية مصر الفتاة كتطور طبيعي وكنتاج حقيقي لما سبقها من نشاط لأحمد حسين وزملاءه. مضافا إليهم من أبلوا بلاءا حسنا في مشروع القرش.

وقد اتخذت الجمعية من مجلة الصرخة التي سبق أن أصدرها أحمد حسين عام 1930 لسان حالها لتعبر عن أفكارها التي تلخصت في ضرورة العمل لبعث مجد مصر القديم فكانت

" مصر التي علمت الإنسانية وأضاءت على العالمين، مصر التي رفعت لواء الأديان جميعا وأعلت كلمة الله والإسلام، مصر مركز العالم وزعيمة الشرق بعد أن طهرتها الآلام وصقلتها المحن، لن تموت أبدا بل ستبعث من جديد، لتعيد سيرتها الأولى منارة للعالم وتاجا للشرق وزعيمة للإسلام" وقد اتخذت الجمعية شعارا لها " الله. الوطن. الملك"

وجعلت غايتها

" أن تصبح مصر فوق الجميع إمبراطورية عظيمة تتألف من مصر والسودان وتحالف الدول العربية وتتزعم الإسلام"

وهى من أجل تحقيق تلك الغايات فهي في حاجة إلى دم الشباب من الجيل الجديد، فعلى جنود مصر الفتاة تقع تبعة المجد القديم.أعد أحمد حسين برنامج الجمعية على الأسس السابقة، وضمنه برنامجا إصلاحيا شاملا شمل مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والخلقية، وذكر أن وسيلته لتحقيق هذا البرنامج هي الإيمان والعمل ، والإيمان به والعمل على تنفيذه؛

كما أعد للجمعية قانونها النظامي، الذي أوضح فيه شروط العضوية ودرجاتها المختلفة، ووضع نظاما دقيقا للتشكيلات شبه العسكرية التي تعد نواة الجمعية، وجعل السلطة العليا للإشراف على مختلف شئون الجمعية وأنشطتها لمجلس مكون من خمسين عضوا من أعضائها المؤسسين هو " مجلس الجهاد" وقد حدد القانون مختلف التفاصيل لتكوين الهيكل التنظيمي للجمعية الذي سيكون موضوع الفصل التالي.

قوبل إنشاء جمعية مصر الفتاة بإعراض تام وبتشكك واضح في جانب كل القوى السياسية في ذلك الوقت، فقد اعتبرها الوفد دسيسة عليه لاستقطاب جماهيره من الشباب، فصرح النحاس(باشا) أن على الوفد أن يحارب أحمد حسين وجماعته وذلك لتشكيك النحاس في هويتها، كما راعه أن تكون الجمعية قادرة على إصدار مجلة وافتتاح مكتب لها بالقاهرة وآخر بالإسكندرية ، وساوره الشك في مصدر المال اللازم لهذا النشاط فربما كانت أموال مشروع القرش أو أن السراي هي التي تمدهم بالمال.

وقد اعتبرها البعض رافدا من روافد الحزب الوطني وأنها ثمرة جهود كل من حافظ رمضان وعبد الرحمن الرافعي. وذكر البعض الآخر أن عبد الحميد سعيد رئيس جمعية الشبان المسلمين هو المسئول عن ظهورها.

أما القصر فقد تجاهل تلك الحركة تماما، فبعد أن رفع أحمد حسين برنامجه للقصر، لم يبد في الأفق أي رد فعل على الرغم مما احتواه البرنامج من تأييد مطلق للملكية ولشخص الملك.

ولكن جريدة القصر " الليبرتية" نشرت رسما " كاريكاتوريا" سخر من حافظ رمضان ومن فلاس " القمصان الخضراء" التي أوجدتها مصر الفتاة ولعل هذا يوضح موقف القصر من الجمعية وكيف ربطها بالحزب الوطني واعتبرها رافدا من روافده.

أما الإنجليز فقد راعهم موقف الجمعية المعادى لهم خاصة وللأجانب بصفة عامة، فاتخذوا موقف المراقبة والتريث لما يمكن أن تأتى به الأيام، وإن كان قد تأكد لديهم أن الجمعية موالية لإيطاليا وتتلقى إعانات مالية منها.

فبدأ يساورهم القلق بدرجة كبيرة فلم يدم موقف المراقبة والتريث طويلا، فبدأت السلطات الإنجليزية في مصر تسعى لإجهاض تلك الحركة، وقد قام " كين بويد" مدير الإدارة الأوربية بوزارة الداخلية بالدور الأكبر في محاربة تلك الجمعية، فتعرضت لكثير من الاتهامات التي أسفرت عن إجراء تحقيقات وقضايا لفقها القلم المخصوص بالداخلية .

وفى ظل تلك الظروف كان ظهور جمعية مصر الفتاة، فالقوى السياسية المؤثرة لا ترضى عنها بل ومتشككة فيها، فكان أن جاءت نشأتها في ظروف صعبة، فلما بدأت في ممارسة نشاطها كانت لها كل القوى بالمرصاد، فلم تسمح الحكومات المختلفة في البداية أن تقوم بعقد اجتماعاتها العامة التي تتيح لها نشر أفكارها على المواطنين؛

فقد كانت تلك الحكومات تصادر اجتماعاتها وتمنع عقدها، ولعل في إلقاء نظرة على عدد أعضاء الجمعية في فترة السنوات الثلاث التالية لنشأتها ما يؤكد هذا المعنى، فقد قدر عدد أعضاء الجمعية العمومية التي كانت تعقدها الجمعية سنويا في ساحة الهرم بثلاثين عضوا في عام 1934، وخمسين عضوا في عام 1935 وتسعين عضوا في عام 1936. وهذه الأرقام تمثل عدد أعضائها في القاهرة وإن كان هناك أعداد تماثلها أو تقل عنها قليلا في شعبها بالأقاليم"؟


وعلى الرغم من أن الجمعية لم تحرز نجاحا في كسب جانب يعتد به من الجماهير، فقد كانت دائمة السعي لتحقيق هذا الهدف، فكانت تلجأ إلى إجراء تنظيمات داخلية علها تساعدها في هذه الناحية ، فعندما تولت وزارة توفيق نسيم الحكم في خريف عام 1934 وأعلنت أنها ستطلق الحريات السياسية، بعد الكبت الطويل الذي عانت منه البلاد منذ عهد صدقي عام 1930؛

استغلت مصر الفتاة هذا التصريح من جانب وزارة نسيم فطرحت استمارات عضوية جديدة وطالبت الأعضاء بضرورة تحريرها حتى تصبح عضويتهم للجمعية قائمة. وعلى الرغم مما تمتعت به مصر الفتاة من حرية إلى حد كبير في عهد تلك الوزارة إلا أن عدد أعضائها لم يزد عما ذكرنا سابقا، ولعل ذلك يرجع لأسباب منها أن الوفد قد بدأ يسترد أنفاسه المنهكة في ظل تلك الوزارة، فقد كانت وزارة نسيم بمثابة عودة الروح للوفد من جديد، بعد أن حاول أن ترهقها وزارة صدقي. ومن المؤكد أن التقاط الوفد لأنفاسه قد جعلته يعيد من جديد بعد أن كانت مطرقة صدقي قد فرقتهم إلى حد ما.

وفى حقيقة الأمر فإن وزارة توفيق نسيم قد هيأت المسرح وأعدته كي يمارس الوفد نشاطه السياسي بحرية تامة، وأن يستعيد ثقته بنفسه وثقة جماهيره به، فالتعاون بين الوفد والوزارة كان تعاونا تاما، وربما كانت تعمل بوحي من توجيهاته؛

كذلك فإن الوزارة قد سعت لإعادة دستور 1923 الملغى، فكان ذلك حريا بالوفد أن يتعاون معها، وقد جاءت عودة الدستور في أعقاب " ثورة " عارمة قام بها في خريف عام 1935 الطلبة وكان لهم فيها شهداء.

وقد شاركت مصر الفتاة بجهودها في تلك الثورة قدر استطاعتها وإن كان رئيسها أحمد حسين، وسكرتيرها العام فتحي رضوان قد قاما برحلة إلى لندن في نهاية ذلك العام بقصد الدعاية للقضية المصرية في لندت، ولكنه في تقديرنا فإن الغرض الحقيقي من تلك الرحلة كان لفت الأنظار لهم في الداخل والدعاية لجمعيتهم أكثر منه دعاية للقضية الوطنية في لندن.

أخلت وزارة نسيم كراسي الحكم، وتولى على ماهر تأليف وزارة محايدة أجرت الانتخابات على أساس دستور 1923 وقانون الانتخاب المباشر ، وفى عهد تلك الوزارة على قصره فقد نعمت مصر الفتاة بفترة طيبة فقد اعتبرت نفسها في " شهر العسل" فمارست نشاطها السياسي بحرية تامة؛

فعلى ماهر من اشد المتحمسين لها جاء ومن كبار مؤيديها فحققت الانتخابات التي أسفرت عن فوز الوفد بأغلبية كبيرة تقدم على ماهر باستقالته , وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا لم تدخل مصر الفتاة الانتخابات ؟ والإجابة على ذلك السؤال تتلخص في أن قادتها كانوا دون سن عضوية مجلس النواب التي حددها القانون بثلاثين عاما.

كان تولى وزارة النحاس الحكم بمثابة انتهاء " شهر العسل " الذي نعمت به مصر الفتاة إبان حكم على ماهر، فقد بدأ الاصطدام والاضطهاد من جانب الوفد لمصر الفتاة خاصة وأنه متشكك فيها منذ البداية، هذا فضلا عما استحدثه منذ يناير 1936 من فرق شبه عسكرية هي فرق القمصان الزرقاء، فكان مجال الصدامات بين الفريقين أوسع؛

وعلى الرغم من ذلك فقد فكر أحمد حسين وزملاءه في مشروع يبعدهم عن الصدام مع الوفد ففكر في القيام برحلة من الشلال إلى القاهرة سيرا على الأقدام ، بهدف الدعاية للجمعية وكسب المزيد من الأعضاء والأنصار، إلا أن وزارة الوفد حاربت تلك الفكرة وإن لم يمنعها فقد ضيقت الخناق على القائمين بها ومنعتهم من ارتداء قمصانهم الخضراء زى جمعيتهم الرسمي.

وقد بلغ التوتر بين الطرفين قمته عندما صرح النحاس باشا في مجلس النواب أنه تأكد لديه أن جمعية مصر الفتاة تعمل لصالح دولة أجنبية، فطالبه أعضاء المعارضة بتقديم الوثائق التي تؤيد ثبوت التهمة للمجلس ولكنه رفض وأصر على رفضه بحجة أنها تمس أمن البلاد، فأقفل باب المناقشة في هذا الموضوع.

كان رد الفعل لتصريح النحاس (باشا) السابق، أن حصلت مصر الفتاة على عطف بعض قطاعات الرأي العام وكان ذلك أكبر دعاية أتيحت لها، فقد اهتمت بعض السفارات الأجنبية بالموضوع لمعرفة من هي تلك الدولة التي ذكرها النحاس(باشا) فالنحاس قد اتهم ولم يقدم الدليل، وعلى الرغم من ذلك فقد استمر أحمد حسين يواصل رحلته في الوجه القبلي ، مستهدفا بث الدعوة لجمعيته، وإن كانت الإجراءات التي أحاط بها البوليس الرحلة لم تمكنه تماما من أداء غرضه؛

ولكن حادثا وقع لجماعته جعله يعود دون أن يكمل رحلته، فقد اعتدى ذوو القمصان الزرقاء على اجتماع عقدته الجمعية برئاسة فتحي رضوان بمسرح " برنتانا" لترد فيه على اتهام النحاس. عام أحمد حسين على أثر ذلك الاعتداء، وأخذ يندد بأعمال الوزارة وتجمعت حوله المعارضة وكان حزب الأحرار الدستوريين أكثرهم حماسة في مناوأة الوزارة.

كان تصريح النحاس في مجلس النواب بمثابة " الفتيل" الذي أشعل القنبلة ، فقد دارت المعارك بين الفرق شبه العسكرية من كلا الجانبين، وازداد معدل الاصطدام بينهما إلى أن سقط اثنان من ذوى القمصان الزرقاء قتلى، فكان ذلك كفيلا بأن تصدر الحكومة أوامرها بإغلاق دور مصر الفتاة في القاهرة والأقاليم، وكان من نتيجته أن تعرض نشاطها للجهود فىتلك الفترة، وقد تقدم أحمد حسين إلى القضاء طالبا إعادة فتح دور مصر الفتاة لتمارس نشاطها ولكن طلبه رفض من قبل القضاء .

فافتتح مكتبا يمارس منه مهنة " المحاماة" هذا فضلا عن أنه قد استخدمه ليدير منه نشاطه السياسي، كما اتخذ من جريدة " الضياء" لسان حال للجمعية بعد أن تعرضت مجلة " الصرخة" للمصادرة المستمرة وهى ما زالت في المطبعة.

وعندما قامت وزارة الوفد بعقد معاهدة 1936 ، فإن البلاد قد تمتعت بحرية تامة، فاستطاعت مصر الفتاة أن تعقد اجتماعاتها وظهرت جريدتها بانتظام وأتيح لها أن تنشر كل ما تريد نشره، وفى ذلك الوقت كان العقاد قد خرج على الوفد واستطاع أحمد حسين أن يقنعه بأن يكتب مقالا أسبوعيا ينشر بجريدتهم " الضياء" فكتب عدة مقالات انتقد فيها المعاهدة؛

وكان أحمد حسين قد انضم هو وجمعيته إلى المعسكر الذي انتقد المعاهدة، وقد بلغ ذلك الهجوم قمته عندما دعت جمعيته إلى عقد اجتماع عام بدار الحزب الوطني خطب فيه محمد على علوبة (باشا) وأحمد حسين فندد الأخير بالمعاهدة وبأنها ألقت على كاهل مصر أعباءا جسيمة وراح يقارنها بما سبقها من معاهدات، ومن جراء ذلك الموقف من جانب أحمد حسين كان الصدام مرة أخرى مع الوفد.

وفى ذلك الوقت أدرك أحمد حسين أن جمعية مصر الفتاة بوضعها في ذلك الوقت لم تكن تملك من القوة المادية أو المعنوية ما يمكنها من التصدي لمناوأة الوفد لها، فبدأ بفكر في أسلوب جديد لكفاحه السياسي ، ربما ساعده في الوصول إلى هدفه المبكر بعد أن تأكد له تماما أن الجمعية منذ نشأتها وحتى ذلك الوقت، لم تستطع إحراز جماهيرية تمكنها من تحقيق حلمه القديم في إعادة مجد مصر على يديها، فلن تكن الظروف التي مرت بها تتيح لها تكوين " الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" الذي دعا إليه منذ عام 1930 ،

فقد كون جمعية مصر الفتاة بعد أن هز المجتمع المصري بمشروع القرش الذي حقق جماهيرية وخبرة بالتنظيم الجماهيري، إلا أن الأوضاع التي تعرضت لها الجمعية، جعلت الكثير من الأعضاء والأنصار ينأون بأنفسهم بعيدا عن الاضطهاد، ونتيجة لذلك فقد سعى لتطوير أسلوب كفاحه عساه يحقق نجاحا أوفر في ظل هذا التطور.

مهد أحمد حسين لخطوته بأن دعا إلى عقد جلسة لمجلس الجهاد بمكتبه في 31 ديسمبر هام 1936، وذلك للنظر في الموقف السياسي الحاضر، وما ينبغي على مصر الفتاة عمله لتواجه العهد الجديد، بما يتناسب مع مسئوليتها تجاه الرأي العام وتحقيق برنامجها "ونظرا لأن الجلسة ستكون تحولا خطيرا في حياة كفاحنا السياسي وفى تاريخ الجمعية لأهمية المقترحات المعروضة. فإن لي كبير الرجاء أنكم ستقدرون خطورة الموقف فلا تتأخرون عن حضور هذا الاجتماع"

ومن ثم تابع أحمد حسين الدعوة لخطوته التالية فنشر مقالا بعنوان " نحو حزب جديد" عاب فيه على المصريين قبول معاهدة تسجل عليهم الاحتلال وترهق ميزانيتهم وتجيع فلاحيهم، ورضائهم بمركزهم في السودان، كما هاجم المقال الشباب أيضا لاستكانتهم للأوضاع القائمة في ظل وزارة النحاس التي اشتد في مهاجمتها؛

وذكر أن المصريين يدركون كل هذا ، ولكنهم لا يفعلون شيئا إزاء المحسوبيات وانشغال الوزراء بالحصول على الرتب والنياشين ، لا يفعلون شيئا بل ينتظرون القضاء المحتوم،

ثم استطرد قائلا

" ولكن حمدا لله أن جعل في هذه الأمة فريقا يفكر من أجلها. حمدا لله أن سخرنا لنوقف حياتنا لإنقاذ هذه الأمة ولرفعها من هذه الهاوية التي تردت فيها، ولإعادة الحق إلى نصابه ولمحاربة الطغيان والظلم في أشكاله لتحقيق رسالة المجد والخلود" .

أعلم أحمد حسين عن عزمه على تأليف حزب جديد بقوله أن مصر في حاجة إلى حزب جديد وعزم جديد، مصر في حاجة إلى نفر من بنيها يتولون شئونها غير باخلين في ذلك بأرواحهم وأموالهم، غير طامعين إلا في أن يموتوا فداء لحياتها.

مصر في حاجة إلى الشباب ينقذها من الشيوخ، ونحن وقد علمنا الشباب معنى الجد والاجتهاد ، وأوجدنا فيهم الرجولة بقى أن نتقدم لننقذ الأمة من هذه الأوضاع السياسية، ولن يكون ذلك إلا بتأليف حزب جديد يلقف هذه الأحزاب التي ألغت وجودها ورضيت بالحياة في ظل الوفد والنحاس.

كما ذكرنا أنه لن تكون نجاة هذه الأمة إلا على يد شباب مصر الفتاة، فهم الذين سيعرفون كيف ينشرون العدالة ، وهم الذين سيخلقون هذه الأمة خلقا جديدا عن طريق الشباب وجهود الشباب ولذلك فسوف تسمع الأمة بعد أيام عن تحويل جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي، ينزل إلى الميدان في قوة وعزم ليناضل ويجاهد ويحقق رسالة المجد، وهى أن تصبح مصر فوق الجميع دولة شامخة تتألف من مصر والسودان وتحالف الدول العربية وتتزعم الإسلام.

اكتمل عقد مجلس الجهاد في الموعد المحدد ، إلا من عدد قليل اعتذر عن الحضور . فافتتح أحمد حسين الجلسة موضحا أن فكرته في تحويل الجمعية إلى حزب سياسي، ناتج عن تدهور الأحوال في مصر تدهورا شنيعا عقب إبرام معاهدة 1936.

وقد تضمن بيان الحزب التأسيسي هذا المعنى

" في هذه الأيام بعد أن جاءت المعاهدة التي كبلت مصر بالتزامات وقيود ، وفرضت عليها أوضاعا ينبغي لمصر أن تخلص منها سريعا وإلا انحدرت نحو هاوية سحيقة لا قرار لها من التدهور المالي والاجتماعي والسياسي.
في هذه الأيام التي يجب أن تبعث فيها مصر من جديد، وتخلق خلقا جديدا، وتحول إلى ثكنة عسكرية من الإسكندرية حتى خط الاستواء، ليعمل فيها كل مصري واجبه لإبلاغ مصر إلى المجد والعظمة، في هذه الأيام أحسست وإخواني أن مصر في حاجة إلى دم جديد يتقدم للنهوض بالعبء.
بعد أن مل الشيوخ وتقاعسوا لكثرة ما كافحوا في القديم. وفى هذه الأيام رأينا أن نتقدم لنتسلم الأمانة ممن حملوها قبلنا ولنواصل مهمة من سبقونا ولنحقق آمالها.. فالاستقلال لم يعد غايتنا بل المجد هو مطلبنا وهو أنشودتنا ، فليس يقنعنا مصر حتى الشلال ولا يرضينا استقلال مقيد، ولكننا نريد استقلالا تاما كاملا لا شك فيه ولا غموض ، ونريد وادي النيل وحدة لا تتجزأ حتى منابعه في خط الاستواء".

وبالإضافة إلى وجهة نظر أحمد حسين فيما آلت إليه أحوال مصر بعد إبرام المعاهدة فإنه يرى أنه لم يعد في البلاد قوة تفكر في خير الأمة وتعمل من أجلها إلا في صفوف مصر الفتاة، فلا بين الأحزاب ولا بين جدران البرلمان ولا في أي مكان آخر من يرغب في أن يحرك ساكنا، فأصبح واجب الشباب أن ينهض بالعبء الجديد، وقد أوضح أن الجمعية لا تستطيع أن تحتمل هذا العبء بصورتها الحاضرة لأن كثيرا من الناس يخيل إليهم أنها جمعية فدائية أو جمعية سرية.

هذا بالإضافة إلى أنه قد نما إلى علم أحمد حسين أن وزارة الوفد بصدد إصدار تشريع يحدد صفة الجمعيات عموما وأغراضها، فخشي أن يقضى هذا التشريع على الجمعية. فشرع على الفور يعمل على تحويلها إلى حزب سياسي معلن حتى يكسبها صفة الأحزاب السياسية.

أخذ أحمد حسين يعدد المزايا التحى ستعود على الجمعية من جراء تحولها إلى حزب سياسي وأنه سيعقب ذلك نشاط جديد لأعضاء الحزب، وأنه سيكون لهم دعاية قوية واسعة النطاق، سيكون من نتيجتها أن ينضم إلى الحزب أعضاء جدد سيستفيد منهم، قائلا أن الظروف السياسية بعد عقد المعاهدة أصبحت تسمح بتحويل نظام الجمعية إلى حزب سياسي يعمل بالأساليب السياسية، ويسمح للمصريين على اختلاف مشاربهم وطبيعتهم بالانضمام إليه.

ومن ثم بدأ محمد حسين قراءة قانون الحزب النظامي لأعضاء المجلس كي تدور حوله مناقشة، فتقدم فتحي رضوان باقتراح يقضى بضرورة أن ينسخ هذا القانون ويوزع على أعضاء المجلس وأن تشكل لجنة خاصة لدراسته وفحصه، فانقسم أعضاء المجلس إزاء هذا الاقتراح بين مؤيد ومعارض له.

ومن تطور الإجراءات في الجلسة اتضح أن هذا الاقتراح لم يؤخذ به، فقد استمر أحمد حسين في عرض مواد القانون عليهم، فنص البند الأول منه على أن يحق لكل مصري ومصرية الانضمام إلى الحزب، فعارض البعض دخول المرأة في عضوية الحزب، ونص البند الثاني على تشكيل مجلس إدارة الحزب من بين الأعضاء الذين ينضمون إلى الحزب من بين السياسيين القدامى على ألا يزيد عددهم عن ثلاثين عضوا، على أن يتولى السلطة العليا في الحزب؛

فعارض البعض في أن يكون سلطة مجلس الإدارة تفوق سلطة مجلس الجهاد، وهؤلاء يرون أن أعضاء المجلس الجديد سيكونون من بين رجال الجيل القديم الذين تختلف أفكارهم عن أفكار الشباب أعضاء مجلس الجهاد فأوضح أحمد حسين أنه ليس من المعقول أن تؤثر إرادة الشيوخ على الشباب.

استمرت المناقشات في جلسة مجلس الجهاد المذكورة حول مواد القانون النظامي للحزب وعلى الرغم مما وجه إلى بعضها من نقد وما دار حولها من مناقشة، فقد أقر المجلس القانون كما وضعه أحمد حسين ووقع عليه الأعضاء بالموافقة على تحويل جمعية مصر الفتاة إلى حزب مصر الفتاة؛

على أن يكون مقره القاهرة وأن تكون غايته تحقيق برنامج مصر الفتاة- الذي وضع عند تأسيس الجمعية وانتخبوا أحمد حسين رئيسا له وقرروا تأليف مجلس إدارة له يعاون الرئيس في إدارة شئون الحزب ووضع سياسته، وعهدوا إلى أحمد حسين توجيه الدعوة إلى بعض السياسيين والمجاهدين القدماء الذين أظهروا رغبتهم في الاشتراك في الحزب لتكوين مجلس الإدارة. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ما هي سياسة الحزب وما مدى اختلافها واتفاقها مع سياسة الجمعية وما هي أغراضه؟

أجاب أحمد حسين على هذا السؤال بقوله

" أن سياسة الحزب بعد التحويل هي كما كانت قبل التحويل، ترمى إلى إعداد جيل جديد من الشباب، يؤمنون بالمثل العليا ويجاهدون في سبيل تحقيق هذه المثل بالوسائل التي جاءت في ختام برنامج الحزب وهى " الإيمان والعمل".
والعمل في نظر مصر الفتاة هو ممارسة النشاط السياسي من عقد اجتماعات وإصدار جرائد تكون لسان حال للحزب، والانتقال إلى كل أنحاء البلاد للدعوة للحزب، وذلك وصولا إلى غايتها في إحراز جماهيرية له وتكوين جيل قوى من الشباب فعمل لإعادة مجد مصر، وتحقيق الاستقلال التام لمصر والسودان؛
ومن ثم التحالف مع الدول العربية وبعد أن يتحقق لها ذلك فإنها تتزعم الإسلام، أما عن أغراض الحزب فهي إصلاح شامل في الداخل لجميع النواحي سياسية واقتصادية واجتماعية. وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال آخر كيف كانت جمعية مصر الفتاة تحارب الحزبية ثم تسمح لنفسها بأن تتحول إلى حزب سياسي؟
أعلن حزب مصر الفتاة أنه لن يكون هناك فارق بين الحزب والجمعية من حيث الروح التي يسير بها الجهاد، ولا من حيث البرنامج أو المبادئ فكل هذه بقيت كما هي ، وستبقى فرق المجاهدين هي دعامة الحزب الأولى بكل أنظمتها ومزاياها ، ولكن النظام الحزب سيكون بحيث يسمح لكل مصري بالانضمام إلى صفوفه؛
أما عن جمعية مصر الفتاة وكيف بها الآن قد نظمت من نفسها حزبا سياسيا، فقد أعلن أحمد حسين أن حزب مصر الفتاة سيكون شعاره الأول محاربة الحزبية كذلك بقوله" فقد أصبح لا مناص للقضاء على الحزبية من تأليف شباب قوى شعاره مصر فوق الجميع، يتعاون مع المصريين جميعا ويعمل لخير المصريين جميعا"

وفى حقيقة الأمر فإن أحمد حسين لم يقدم إجابة شافية على هذا السؤال ، وإن كان قد أوضح هذه النقطة بقوله أنه لكي يستطيع أن يتصدى للأحزاب القائمة وهو يعنى حزب الوفد فكان ولابد من تحويل الجمعية إلى حزب سياسي ولع تعبير مشهور في هذه الناحية " أنه لا يفل الحديد إلا الحديد".

جاء تحويل جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي في عهد وزارة الوفد في عام 1937 ، وفى وقت كانت فيه العلاقات بين مصر الفتاة والوفد سيئة إلى أقصى درجة ممكنة، فقد انضم حزب مصر الفتاة بكل ما أوتى من قوة إلى المعسكر الذي هاجم الوفد بشدة، وانتقد إلى أقصى درجة ممكنة المعاهدة التي أبرمها مع إنجلترا، وقد ازداد معدل التوتر بين الفريقين فكثرت حوادث الاعتداءات بين فرق القمصان الزرقاء الوفدية وقمصان مصر الفتاة الخضراء، فكان أن اشتد أحمد حسين في مهاجمته للوفد يسانده ويؤيد خطوته هذه كل العناصر المعارضة للوفد، فضلا عن على ماهر رئيس الديوان الملكي.

فنشر أحمد حسين عدة مقالات في جريدة الحزب بعنوان " برنامجنا السريع إسقاط صاحب المقام الرفيع" ثم خطا خطوة أبعد من ذلك فرفع هو وأعضاء حزبه التماسات إلى الملك مطالبين بإقالة الوزارة.

وفى 28 نوفمبر 1937 أطلق عز الدين عبد القادر أحد أعضاء مجلس جهاد مصر الفتاة أربعة أعيرة نارية على سيارة النحاس " باش" وهو في طريقه لحضور احتفال أقيم له في " شبرا" فأصاب السيارة ولم يصب النحاس باشا؛

وقد كان ذلك الحادث ذريعة تذرعت بها الوزارة فاعتبرته من تدبير قيادة الحزب وبتأييد وتخطيط من خصومها، فاشتدت إلى أقصى درجة في معاملة أعضاء مصر الفتاة وأصدرت أوامرها إلى النائب العام باعتقال جميع أعضاء حزب مصر الفتاة وتفتيش منازلهم، هذا فضلا عن إغلاق دور الحزب في مختلف الأقاليم واشتدت وزارة الداخلية في إجراءات القبض والتفتيش فقد قبض على كل من له صلة بمصر الفتاة، من قريب أو بعيد ومنهم رئيس الحزب نفسه.

ولكن في حقيقة الأمر فإن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الوفد حيال حزب مصر الفتاة كانت أكثر بكثير مما يحتاج التحقيق في جريمة من الجرائم، فكان يشتم من موقفها غريزة الانتقام من عدو أثار لها المتاعب.

عرض ذلك الحادث حزب مصر الفتاة الناشئ لهزة عنيفة كادت تطيح به وبالقائمين عليه، لولا أن الأوضاع السياسية التي سادت مصر في ذلك الوقت قد هيأت له عودة الروح من جديد، فقد أقيلت وزارة الوفد في نهاية عام 1937، وتولت وزارة محمد محمود الحكم فكان أن أفرجت عن المعتقلين من مصر الفتاة، بعد أن تغيرت الهيئات القضائية التي كانت تحاكمهم ن فبدأ الحزب يستعيد نشاطه من جديد وبحرية تامة؛

وإن كانت الضربة التي وجهتها إليه حكومة الوفد قد أضعفته إلى حد كبير فانفض من حوله العديد من الأنصار والأعضاء نتيجة لشراسة الإجراءات التي اتخذت ضدهم عقب الحادث المذكور، ولكنه على الرغم من ذلك فقد استرد الحزب أنفاسه المنهكة بسرعة إذ لم تمتد هذه الفترة طويلا.

كانت وزارة محمد محمود وزارة صديقة لمصر الفتاة، فعلاوة على أن رئيسها يحفظ لها الدور الذي قامت به في الإحاطة بوزارة الوفد، فقد كان لها من بين أعضاء الوزارة أصدقاء فمحمد كامل البندارى وحسن صبري على علاقات طيبة إلى درجة كبيرة بمصر الفتاة، خرج أحمد حسين من السجن فتوجه لمقابلة محمد محمود الذي استجاب لمطالبه كمكافأة له على الدور الذي قام به.

فعين نور الدين طراف عضو مجلس الجهاد مديرا لمكتبه كما منح الحزب مبلغ 300 جنيه قيمة التأمين الندى لرخصة جريدة "مصر الفتاة" كما عين عزيز المصري مفتشا للجيش المصري طبقا لرواية أحمد حسين.

وعلى الرغم مما تعرضت له مصر الفتاة في عهد وزارة الوفد، فقد استطاعت أن تحقق نجاحا ماديا فازداد عدد المنضمين إليها، وذلك على أثر الانشقاق الذي حدث داخل حزب الوفد بخروج النقراشي وأحمد ماهر من بين صفوفه في نهاية 1937؛

فقد وجه حزب مصر الفتاة اهتماما كبيرا في محاولة اجتذاب الكثير من بين شباب الوفد الذين خرجوا عليه كي يضمهم إلى صفوفه، فعقد الحزب اجتماعات كبيرة داخل الجامعة وكون لجانا مختلفة هدفها الأساسي جذب تلك العناصر وضمها تحت رايته فكانت " اللجنة التنفيذية لطلبة مصر الفتاة بالأزهر" و " لجنة المدارس الثانوية والخاصة" و " لجنة الجامعة والمدارس العليا "

وفى هذا المجال فقد أحرز الحزب نجاحا جدير بالاهتمام، فقد جاءت نتائج انتخابات اتحاد طلبة الجامعة المصرية في أواخر أكتوبر 1937 تنبئ عن فوز ساحق لطلبة مصر الفتاة على زملائهم الوفديين وغيرهم، فقد حصل حمادة الناحل عضو مصر الفتاة على أكبر عدد من أصوات الناخبين في كلية الحقوق، كما حصل عثمان نجاتي عضو مصر الفتاة أيضا على أكبر عدد من أصوات الناخبين في كلية الآداب.

أما في عام 1938 وبعد أن تهيأ المناخ الصحي للحزب لممارسة نشاطه، فقد أنس في نفسه قوة، واعتبر نفسه حركة المستقبل التي ستؤول إليها مقاليد الأمور في المستقبل ، ففي اجتماع الحزب في 27 يناير من نفس العام قرر إنشاء عدة مكاتب ولجان تتولى تنفيذ برنامجه الاجتماعي والاصلاحى منها مكتب الانتخابات، لجنة مكافحة الأمية، لجنة مشروع القرش والدراسات الاقتصادية، لجنة الشئون الصحية، لجنة القرية المصرية، لجنة مناهج التعليم وأخيرا لجنة نشر الثقافة العسكرية.

وفى 7 مارس قرر الحزب إنشاء " مكتب الشئون الخارجية" برئاسة عبد الرحمن بدوى . ويقوم هذا المكتب بدراسة الشئون الخارجية وإعداد تقارير عنها يرفعها لقيادة الحزب.

وجدت تلك الفكرة قبولا لدى الحزب، ففي اجتماعه في 5 مايو 1938 أعلن الحزب عن تشكيل عدد آخر من المكاتب تتولى دراسة برنامج الحزب ودراسة مختلف مظاهر الحياة المصرية، فأنشى مكتب شئون التربية برئاسة الدكتور مصطفى الوكيل، مكتب الشئون الصحية برئاسة نور الدين طراف، مكتب الشئون الزراعية برئاسة حسين الأبيارى، مكتب الشئون الاجتماعية برئاسة عثمان نجاتي، مكتب الشئون الاقتصادية برئاسة محمد صبيح، مكتب الفنون برئاسة حسين محمد يوسف، مكتب الشئون الدينية برئاسة عبد الحميد المشهدى، مكتب الدراسات السياسية برئاسة فتحي رضوان، مكتب الشئون الهندسية يتولى سكرتارية على زين العابدين وسمير حلمي، مكتب شئون الدفاع برئاسة محمد صبيح ، مكتب الشئون الصناعية برئاسة أحمد بدوى، مكتب شئون السودان برئاسة محيى الدين عبد الحليم، ويمكن اعتبار تكوين هذه المكاتب بمثابة "وزارة ظل" ألفها حزب مصر الفتاة كي تكون مستعدة للقفز إلى كراسي الحكم إذا طلب منه ذلك في المستقبل.

وعلى الرغم من هذا المد الخاص بمصر الفتاة، فقد أرادت وزارة محمد محمود أن تتخلص من فرق القمصان الزرقاء إلى عاثت في البلاد فسادا استشرى خطره، حتى أنها هاجمت أكثر من مرة منازل المعارضين لحزب الوفد ومنهم محمد محمود وأفراد حزبه؛

فما أن استتب الأمر لمحمد محمود في وزارته حتى استصدرت في 8 مارس 1938 مرسوما بقانون يحظر قيام الفرق شبه العسكرية، فطبق على القمصان الزرقاء الوفدية وقمصان مصر الفتاة الخضراء وقد كان لذلك المرسوم أثر كبير على مصر الفتاة، فلم تكن الفرق النظامية مسألة هامشية بالنسبة لنشاط الحزب وفيما يخطط للوصول إليه، فقد اعتبرها " جيش الخلاص" الذي دعا أحمد حسين إلى تكوينه منذ عام 1930.

تأثر نشاط مصر الفتاة بإلغاء فرقه النظامية، فتقدم أحمد حسين بالتماس إلى الملك فاروق طلب فيه السماح بعودة فرق القمصان الخضراء، مبررا تلك العودة بأن البلاد لا يمكن لها التقدم إلا بقيام ثورة إصلاحية في مختلف مجالات الحياة وليس سوى الشباب من يستطيعون القيام بتلك الثورة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بانتظامهم في أعمال منظمة تعلمهم النظام والطاعة والأخلاق؛

وفى حقيقة الأمر فإن مرسوم حل الفرق شبه العسكرية لم يكن مقصودا به قمصان مصر الفتاة ولكنه لا يمكن استثناؤها من الحل، وعلى الرغم من ذلك فقد كان للمرسوم رد فعل لدى الأجانب الذين يمارسون مثل هذه الأنشطة شبه العسكرية، فقد تقدم وزير إيطاليا المفوض في مصر باحتجاج إلى وزير الحقانية أحمد خشبة على شمول هذا المرسوم لفرق قمصانهم السوداء الفاشية.

اعتقد حزب مصر الفتاة أنه بقرب تحقيق أهدافه في الوصول إلى الحكم في أعقاب وزارة محمد محمود، فمهد لخطوته هذه فتقدم إلى الحكومة طالبا تخفيض سن العضوية لمجلس النواب إلى خمسة وعشرين عاما بدلا من ثلاثين حتى يتمكن زعماءه من خوض معركة الانتخابات التي ستجريها الوزارة.

ولكن محمد محمود كان يرى أن علاقته بمصر الفتاة لا تتعدى أنه أداة أدت مهمتها وكوفئت عليها فلم يعر ذلك المطلب اهتماما. فكان ذلك بداية نداء إلى الطلبة من أعضاء الحزب بألا يزجوا بأنفسهم في معركة الانتخابات المقبلة بعد أن حيل بين مصر الفتاة وبين الاشتراك فيها، وأن يتركوا الجيل القديم يتطاحن ويخوض معركة الانتخابات بعيدا عن الشباب، فهو جيل سوف يفنى نفسه بنفسه ويمهد الطريق للشباب.

كان ذلك الموقف من جانب وزارة محمد محمود، إلى جانب مرسوم حل التشكيلات والفرق العسكرية علامتين بارزتين على طريق العلاقات بين حزب مصر الفتاة والأحرار الدستوريين ، فقد خاب فأل أحمد حسين في وزارة محمد محمود والتي آمل في أن يحقق الجزء الأكبر من برنامجه على يديها، وقد اعتبرها مرحلة انتقال تمهد له ولحزبه تولى مقاليد أمور البلاد؛

وبعد أن اتضح له هذا الموقف من جانبها طالبها بإجراء عدة إصلاحات تشمل مختلف نواحي الحياة في المجتمع المصري، ولما لم تستجب لما طالبها به انبرى يهاجمها في حملة صحفية عنيفة على صفحات جريدته، وخاصة بعد أن جرى تأليف الوزارة من جديدة بعد إجراء الانتخابات وإخراج محمد كامل البندارى من عضويتها، فاشتد أحمد حسين أكثر في مخاصمتها وندد بها وطالب بإسقاطها.

وقد تعرضت مصر الفتاة في عهدها إلى إجراءات اشد قسوة وصرامة عما تعرضت له في عهد الوزارة الوفدية السابقة عليها.

وعلى الرغم من الظروف غير المواتية لأحمد حسين وحزبه، فقد اعتقد أنه بقرب تحقيق أهدافه في الوصول إلى الحكم وتحقيق برنامجه بإعادة مجد مصر، وأن ذلك لن يتأتى إلا على يد الجيل الجديد من الشباب شباب مصر الفتاة.

فسافر إلى أوربا في صيف عم 1938 ليدرس أنظمة الحكم المختلفة والأسس التي تقوم عليها الحياة الأوربية سياسية واجتماعية وهو يهدف إلى تلمس نظام حكم معين يسلكه حزبه عندما يرتقى الحكم بعد مضى مهلة السنوات الثلاث التي حددها كي يصل حزبه إلى السلطة عندما تدعوها الأمة لذلك.

وقبل أن يقوم برحلته إلى أوربا عقد اجتماعا في 8 يونيو 1938 صرح فيه بأنه يؤيد قيام حكومة ائتلافية تضم جميع الأحزاب برئاسة على ماهر، ويرى أن ذلك هو الحل لمشاكل مصر الحالية، فإذا لم تلق هذه الفكرة قبولا، فإنه يجب أن تعطى الفرصة للشباب الذين يمثلهم حزبه لتصريف شئون البلاد، وطالب أعضاء حزبه أن يستمروا في النضال للوصول إلى هذا الهدف طبقا للبرنامج الذي وضعه لهم.

عاد أحمد حسين من رحلته إلى أوربا في 14 أغسطس 1938، وكان الحزب قد قرر من قبل أن يقوم بنشاط متزايد في الشتاء القادم لإسقاط الوزارة، ولكن موقفه هذا قد تغير بعد إعادة تأليفها وإدخال السعديين فيها ، فوعد أحمد حسين بتأييدها إذا نفذت برنامج مصر الفتاة في الإصلاح؛

وبعد عودة أحمد حسين من أوربا اتجه الحزب إلى بذل مجهوداته لزيادة أعضائه والمؤيدين لسياسته فنظم عددا من الاجتماعات واللقاءات في القرى، فقد أوفد الحزب بعض أعضائه إلى الريف ليبذلوا فيه نشاطهم ولتثبيت الإيمان بمصر الفتاة في نفوس ساكنيه ولم أعضاء جدد للحزب، وقد بدأ مصطفى الوكيل نائب رئيس الحزب هذه المهمة فوجه نداء إلى جنود مصر بالريف للعمل على زيادة عدد أعضائه. ولكن هذه الحملة التي قصد بها الدعاية للحزب وضم أنصار جدد لم تحقق نجاحا ملحوظا.

ولما لم تثمر هذه الحملة ثمرتها المرجوة، استغل أحمد حسين فرصة إدخال وزارة المعارف تحت تأثير الأزمات الأوربية عام 1938 نظام التدريب العسكري في المدارس والجامعة وللأعضاء المتطوعين، فوجه نداءاته إلى أعضاء مصر الفتاة بالانخراط في سلك تلك التدريبات فوجه نداء إلى جنود مصر الفتاة بالريف للعمل على زيادة عدد أعضائه.

وعلى الرغم من هذه النداءات المتكررة من جانب أحمد حسين للأعضاء فلم تحدث ما أراد منها، فأصدر قرارا بحل جميع منظمات الحزب في جميع أنحاء البلاد مستهدفا إعادة تنظيمها من جديد على أسس قوية وبروح فتية، موضحا خطوته هذه بقوله أنه قد سرت لدى الكثير من أعضاء مصر الفتاة روح التهاون في تنفيذ مبادئ الحزب، وأنه نظرا للتفكك الملحوظ في وحدة أعضائه، ورغبة في استئناف الكفاح الذي يرتكز على التضحية وإنكار الذات وتنفيذ مبادئ مصر الفتاة بحرفيتها وروحها.

ويبدو أن الدافع الذي حدا بأحمد حسين إلى اتخاذ ذلك القرار كان ما منى به مرشحو مصر الفتاة من فشل من انتخابات اتحاد الطلبة بالجامعة في ذلك العام.

إن قرار أحمد حسين بحل تنظيمات الحزب المختلفة قد عرضه لهزة عنيفة نتج عنها أن نقص عدد أعضائه، فلما أدرك خطورة ذلك القرار، توجه بنداءات إلى أعضاء الحزب وطالبهم فيها بأن يكون لدى كل من يريد استئناف الجهاد في صفوف الحزب ملابس التدريب العسكري، وأن يضع نفسه تحت تصرف الرؤساء الذين سيصدر قرارا بتعيينهم.

وقد اتضح قلة عدد أعضاء الحزب في احتفاله بعيد الجهاد في 13 نوفمبر من نفس العام من قول أحمد حسين " فإذا كان عددنا الليلة قليلا، فإنه كبير بالروح التي ينطوي عليها. فهو اجتماع هام في حياة الحزب وقف فيه على مفترق الطرق"

وقد تبع ذلك القرار بإدخال عدد من التنظيمات الجديدة في حياة الحزب اصطبغت كلها بنمو الروح العسكرية لدى الحزب، كما دعا إلى استخدام القوة فكتب مقالا بعنوان " لابد من انقلاب. لابد من قوة" أوضح فيه أن الأهداف أصبحت لا تتحقق إلا بالقوة وان الحزب سيعمل لإحداث هذا الانقلاب بالقوة من الآن فصاعدا وتسمى الحزب منذ ذلك الوقت باسم الحركة.

بذل الحزب جهودا ضخمة لكسب أعضاء وأنصار جدد له، فقد حامل أحمد حسين أن يضم إلى حركته قطاعات جديدة من بين صفوف الطبقة العاملة، فصرح في الاجتماعات التي عقدها بعد عودته من أوربا أن الحكومات الايطالية والألمانية قد أقامت مشروعات مذهلة من أجل رفاهية الطبقات العاملة، وصرح بأن رفاهية تلك الطبقات تشكل جزءا من البرنامج الذي يريد حزبه أن ينفذه.

هذا فضلا عن أن الحزب قد أعلن أنه سيوجه عناية خاصة لتكوين الشعب الجديدة له. كما أنه سيبذل نشاطا جما لتوثيق صلاته بالأحزاب المختلفة في البلاد الإسلامية، وأنه سيوفد مندوبا من كبار أعضائه لزيارة بعض العواصم الإسلامية الكبرى في آسيا وفى الشمال الأفريقي، وستوجه عناية خاصة بشئون السودان.

ولكن هذا الذي أعلن عنه الحزب لم ير النور. ولكن الشيء الواضح في حياة الحزب في تلك الفترة كان بروز الاتجاه الإسلامى على ما عداه ، ويعلل أحمد حسين ذلك بقوله أنه ناتج عن زيارته للسودان عام 1938 " أن السودانيين متدينون جدا وقابلوني بحماس شديد، فلما عدت إلى مصر كنت متأثرا بهذه الروح الدينية" وربما كان ذلك بفعل شخصية مصطفى الوكيل المؤثرة والذي كان يغلب عليه هذا الاتجاه ، وهو ما اصطبغ به كفاح الحزب بفضل تأثيره حتى نهاية فترة البحث.

كان بروز الاتجاه الإسلامى على ما عداه في حياة مصر الفتاة يستهدف توسيع دائرة أنصارها والمؤيدين لسياستها وقد شجع هذا الاتجاه تولى على ماهر الحكم على أثر استقالة وزارة محمد محمود، وعلى ماهر يعطف على مصر الفتاة ونشاطها منذ البداية، فقد رأى فيها والجمعيات الدينية الأخرى التي ظهرت في مصر في ذلك الوقت سندا له وللقصر الذي أصبح يمثل اتجاهه في مواجهة حزب الوفد.

وقد تمتعت مصر الفتاة في عهد وزارته الثانية على الأقل في أول عهدها- بشيء من الاستقرار والحرية في ممارسة نشاطها السياسي، مما جعلها تعتقد أنها بقرب تحقيق أهدافها في الوصول إلى حكم البلاد، فقد كانت تعتبر فترة حكم على ماهر مرحلة انتقالية تمهد لها ولجيل الشباب الذي تمثله تولى الحكم، فقد حققت جماهيرية في الفترة التي سبقت إعلان الحرب.

ولكن إعلان قيام الحرب العالمية الثانية كان له أثره الواضح على المجتمع المصري، فقد أعلنت الأحكام العرفية وشددت الرقابة على الصحف وعطلت الاجتماعات والنشاط السياسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أخذت اهتمامات الجماهير تنصرف إلى شئون الحرب الجارية، فأوقف ذلك المد الخاص بالحزب، وتأكد لقيادته أن ما اعتقدته أنها بقرب تحقيق أهدافها قد أصبح سرابا بفعل ظروف الحرب. فقد دبت بوادر الفتور والخمول لدى أعضاء الحزب.

أعلم أحمد حسين عدم رضائه عما صارت إليه حال الأعضاء ، فأعلن أنه لا يريد أن يكون معه من المجاهدين إلا من يؤثر الجهاد على كل شيء، أعلن ذلك قبل سفره إلى الحجاز في حجته الثانية، فذكر أنه إنما يسافر إلى الحجاز ليتطهر ويستغفر الله ويبتهل إليه أن يرشده إلى سبيله، وسوف يستخيره في أي الطرق يسلك، وما ينبغي عليه أن يفعل، ومن ثم عبر عن رجائه في أن يعود من الحجاز وقد اتضح في نفسه المنهاج الذي ينبغي عليه أن يسلكه، وصرح بأنه مهما يكن ذلك المنهاج فإنه لن ينطوي على الروح التي سادت الأعضاء في ذلك الوقت؛

وطالبهم بأن يتهيئوا لمرحلة جديدة من الكفاح في سبيل تحقق غايات الحزب في إعادة مجد مصر، وبين لهم أن ذلك لن يحدث إلا بالإخلاص لمبادئهم والتمسك بها. ومن هنا نلمس إرهاصات التغير في أفكار الحزب للأخذ بالمبادئ الإسلامية ونمو الاتجاه الإسلامى. فقد أخذ يطفو على السطح بعد أن كان ضمنيا ، فيسعى الحزب إلى تغيير اسمه إلى " الحزب الوطني الإسلامى".

بدأ الاتجاه الإسلامى يظهر واضحا في نشاط الحزب منذ أواخر عام 1938 كما ذكرنا، وهذا بدوره يدعونا إلى مناقشة تيارات الفكرة الإسلامية في مصر في الثلاثينات من القرن العشرين وما قبلها، فقد كان رشيد رضا يهاجم المسلمين الذين يتمسكون بتعاليم الإسلام كما هي؛

فكان لمقالاته في " المنار" وكذلك كتبه أكبر الأثر في نشر هذا الرأي فقد تشربت القومية المصرية- عند تناولها هذه المؤلفات المكتوبة بأسلوب جذاب جرعة جديدة من الحماسة والقوة، وتكاتف المسلمون من كافة المذاهب للدفاع عن الإسلام.

فأضفت هذه المؤلفات على الدين صبغة قومية، كان لها أثرها على الحياة السياسية في مصر، وكما أثرت على التكوين العقلي والنفسي والخلقي للشباب، وجاءت أولى نتائجها في ظهور العديد من الجمعيات الدينية التي لعبت دورا يتزايد مع الأيام في أوساط الطبقة المتوسطة ومنها " جمعية الشبان المسلمين" و" جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية" وغيرها؛

وكانت كل هذه الجمعيات تنفى عن نفسها بقوة أنها تتدخل في الحياة السياسية للبلاد، ولكنها مع ذلك سرعان ما تحولت إلى جمعيات يتعايش فيها كل من الدين والوطنية جنبا إلى جنب، ثم لم تلبث أن نشأت جمعيات أخرى لها طابع مزدوج ديني وسياسي في الوقت نفسه، مثل " جماعة الإخوان المسلمين"

هذا بالإضافة إلى أن جمعية مصر الفتاة قد تأثرت بهذا الاتجاه منذ البداية فقامت بحملات صاخبة لإغلاق حانات الشرب وتحريم الاختلاط في الأماكن العامة ومنع البغاء . وظلت تواصل نشاطها الديني حتى أعلنت عن تحولها إلى الحزب الوطني الإسلامى فأخذ نشاطها الديني يطفو على السطح.

يرى أحمد حسين أن الوحدة العربية هي الوسيلة لتحقيق الجامعة الإسلامية التي تعد نهاية للتطور الذي ينشده ، كما يرى أنه لتحقيق تلك الغاية، فلابد وان تخلق وحدات عربية قادرة تنصهر في وحدة عربية قوية شاملة، فيرى أن تصبح مصر وحدة قومية تتألف من مصر والسودان ومن ثم تحالف الدول العربية الأخرى وبعد ذلك تتزعم الإسلام.

بهذا المنطلق الفكري سافر أحمد حسين إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، هذا فضلا عن جعل دعوة مصر الفتاة عامة لجميع الأقطار العربية الإسلامية.

عاد أحمد حسين من الأراضي الحجازية مصمما على إجراء التغيير الذي أراده فيقول" عدت من البلاد المقدسة وأنا ممتلئ عزيمة وقوة على قوة وقد أنار الله لي سبيل العمل وطريق الجهاد، وأول خطوات ذلك العمل وهذا الجهاد أن نعود إلى تنظيم صفوفنا لتناسب الدور الخطير الذي ينبغي علينا أن نضطلع به، بعد أن لم تعد حركة مصر الفتاة حركة محلية فحسب تبدأ بمصر، بل لقد جاوزت الحدود والسدود، ونفذت روحها إلى البلاد العربية والإسلامية، فأصبح من العبث أن نتجاهل هذه الحقيقة بعد أن سعينا لها منذ خرجت مصر الفتاة إلى الوجود.

واليوم بدأت ألمس بيدي طريق الحياة لمصر وللبلاد العربية والإسلامية، وأن ذلك كله يتحقق في بعث الإسلام والتعاليم الإسلامية واتخاذها أساس الحياة. وشباب مصر الفتاة هم المطالبون اليوم بأن يقوموا بهذا الدور الخطير في حياة مصر والإسلام.

وهذا من شأنه أن يحملنا على التفكير لكي نعدل حياة مصر والإسلام، وهذا من شأنه أن يحملنا على التفكير لكي نعدل اسم الحزب وبرنامجه تعديلا يجعلها أكثر تصويرا لهذه الأهداف".

دعا أحمد حسين مجلسي الإدارة والجهاد لعقد اجتماع في 2 مارس 1940 وذلك لمناقشة المقترحات التي سيعرضها عليهم حول التغيير المزمع وللنظر في أمر الحزب ومبادئه.

عرض أحمد حسين فكرته عن التغيير على المجتمعين، فأوضح أنه ظهر من رحلته أن العالم الإسلامى على معرفة بحركة الحزب، كما ذكر أن المبادئ التي اتخذها الحزب منذ البداية، كان الهدف منها تقوية الروح القومية وتشجيع كل ما هو مصري، فكانت كلها تنصب على القومية المصرية، والآن حان وقت تغيير هذه القواعد على شكل يجعل القومية التي يسعى إليها الحزب هي القومية الإسلامية، ويجعل نفوذ الحزب يمتد إلى كل الأقطار العربية والإسلامية، ليكون له أنصار وأعوان يساعدوننا على وحدة المسلمين التي نعمل من أجلها.

وبعد أن عرض أحمد حسين فكرته على أعضاء المجلس ترك لهم فرصة للتفكير فيما عرضه عليهم لمناقشته في جلسة تالية.

عقد الاجتماع الثاني في 6 مارس 1940, وفتح أحمد حسين باب المناقشة ، فعارض بعض أعضاء المجلس في إجراء التغيير المقترح، وكان محور المعارضة يدور حول أن اسم مصر الفتاة قد ذاع في كل البلاد، وأن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل حتى يألف الناس الاسم الجديد.

وقد أوضح فتحي رضوان سكرتير عام الحزب أن معارضته للتغيير إنما ترجع إلى أن الوقت لا يناسب التغيير، وأن ظروف الحزب القائمة لن تسمح لهم بإذاعة البرنامج ونشره خاصة وأنهم لا يستطيعون نشر شيء في جريدتهم " مصر الفتاة"

وعلى الرغم من المعارضة التى لقيتها فكرة التغيير، فإن المناقشة استمرت داخل الجلسة وأحمد حسين يرد ويبين أنه قد اقتنع بضرورة التغيير الشامل حتى للاسم قائلا أنه لا يستطيع عمل شاء الآن والحزب بحالته الحاضرة، في حين أنه يرى أن الحزب سيكسب كثيرا من هذا التغيير وسيجد المجال واسعا للكفاح والعمل.

وانتهت الجلسة بموافقة المجلسين على إجراء التغيير المقترح، ودعى المجلسان لعقد جلسة أخرى في 12 مارس لدراسة البرنامج الجديد الذي سيضعه أحمد حسين بنفسه.

وضع أحمد حسين البرنامج وأعد له مذكرة تفسيرية ، وعقدت الجلسة في الموعد المحدد وتناقش الأعضاء حول مواد البرنامج ، واقترح تعديل بعضها وقد أجرى ذلك التعديل ورفع البرنامج إلى الملك في 18 مارس 1940.

كان الهدف المعلن للتغيير أنه محاولة لتوسيع دائرة كفاح الحزب لتشمل العالم العربي والإسلامى، ولكن الهدف الحقيقي منه كان محاولة من جانب أحمد حسين لكسب المزيد من الأنصار والأعضاء لحزبه حتى تحقق له الجماهيرية التي كان ينشدها منذ البداية، خاصة وأن المراحل السابقة التي مرت بها مصر الفتاة لم تساعده على تنفيذ فكرته في بعث مجد مصر القديم، فرأى أن يطور كفاحه بإبراز الاتجاه الإسلامى في أيديولوجية الحزب، والانتقال خطوة إلى الأمام في دائرة أوسع والمناداة ببعث مجد الإسلام فعزف على وتر الحماس للدين الإسلامى؛

خاصة وأن المجتمع المصري بقيمه وتقاليده السائدة آنذاك أكثر استجابة للاتجاهات الدينية، هذا بالإضافة إلى أنه كان يدرك أبعاد نشاط جماعة الإخوان المسلمين المتزايد وسيطرتهم على الجمعيات الإسلامية الأخرى وتعاظم القوى الشعبية التي كانت تؤيدها ، فقد أسرع بتغيير اسم الحزب الوطني الإسلامى لينافس جماعة الإخوان في الزعامة الشعبية.

وقد ذكر أحمد حسين فيما بعد أن التغيير كان يهدف إلى الرغبة في التغيير فقد تحول حزب مصر الفتاة إلى الحزب الوطني الإسلامى ونشر برنامجه الجديد، وعلينا أن نتناول أهم ما جاء بهذا البرنامج.

نص البرنامج الجديد على تحرير مصر والسودان وتحقيق الوحدة العربية. ورسم الخطوط لتحقيق الجامعة الإسلامية. فقد نصت المادة الثانية منه على أن من غايات الحزب مكافحة الاستعمار للأمم الإسلامية في أي جزء من أجزاء العالم وتحرير البلاد الإسلامية، وتحقيق الجامعة الإسلامية وإحياء مجد الإسلام ونشر رسالته في أرجاء العالمين.

وكما نص البرنامج أن وسيلته لتحقيق تلك الغايات هي أن يضطلع الحزب بمسئولية الحكم في البلاد، فقد نص على أنه يسعى للصول إلى الحكم بالطرق المشروعة ومن أهمها الحصول على تأييد الرأي العام في الانتخابات العامة والحصول على ثقة جلالة الملك صاحب عرش البلاد والعامل الأول على إشادة صرح مجدها ورفاهية شعبها وجمع كلمة العرب والمسلمين.

حدد البرنامج موقف الحزب من مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ففيما يختص بالناحية التشريعية وبنظام الحكم في البلاد، فقد نص على ضرورة أن تستمد قوانين البلاد كل أصولها من الشريعة الإسلامية، أو بما لا يتعارض معها، كما نص على أن يكون نظام الحكم دستوريا طبقا لقواعد الإسلام يتمتع فيه الناس بالحرية الحقيقية والمساواة والشورى، وأن يتولى صياغة القوانين مجتمع من العلماء والمشرعين الذين تتمثل فيهم جميع مذاهب المسلمين.

وقد حدد الحزب مدة خمس سنوات من تسلميه مقاليد الحكم في البلاد لينفذ فيها برنامجه في الداخل ثم بعدها يواصل تنفيذ برنامجه الخارجي، أما إذا لم تتح له فرصة تولى الحكم فإنه لا يتردد في تأييد أي حكومة متى تعهدت بتنفيذ برنامجه.

وأهم ما يلفت النظر فيما نص عليه البرنامج وانطلاقا من فكر مصر الفتاة المبكر في ضرورة نشر الروح العسكرية بين المواطنين وخاصة بين الشباب والعمل على تنظيمهم ، وإن كان قد خطا خطوة أبعد من ذلك.

فقد نص على ضرورة أن تكون المصالح الحكومية خاضعة لنظام شبه عسكري وأن يوحد زى الموظفين جميعا. هذا فضلا عن أن المدارس على اختلاف أنواعها ودرجاتها يجب أن يكون النظام بها نظاما شبه عسكري فيوحد الزى لجميع الطلاب، وعليهم تأدية التدريبات العسكرية، كما أن الزى لابد وأن يكون من المصنوعات المصرية.

ولعل هذا يوضح مدى إصرار الحزب على صبغ المجتمع المصري بصبغة شبه عسكرية حتى بعد أن تحول إلى حزب اسلامى يرى أن وسيلته لتولى الحكم هو الحصول على تأييد الرأي العام والحصول على أغلبية في الانتخابات إلا أنه لم يستطع أن يتخلى عن فكرته القديمة في تكوين " الميليشيا الفرعونية" للوصول إلى الحكم بالقوة لبعث مجد الإسلام. ولعل هذا أهم ما أتى به البرنامج الجديد.

كانت المعارضة التي قوبلت بها فكرة التغيير مبنية على أن ظروف الحرب القائمة لا تتيح القيام بأي نشاط في سبيل عرض البرنامج الجديد والعمل على نشر ما حواه من مبادئ بين المواطنين.

وقد تأكد ذلك فيما بعد فلم يكن الحزب بقادر على ممارسة نشاطه السياسي بأي شكل من الأشكال فقد كانت الرقابة مشددة على الصحف، فكانت تظهر فيها الصفحات البيضاء دلالة على كثرة الحذف الذي أعلمه فيها قلم الرقيب، هذا فضلا عن الأحكام العرفية فلا اجتماعات ولا نشاط سياسي.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تجربة التغيير كانت تحمل عوامل فشلها داخل تكوينات الحزب نفسها، فقد قوبلت عملية التغيير بالرفض من جانب بعض شعب الحزب، ففي الإسكندرية عقدت اللجنة العمالية المشكلة بحي " وموز" للعمل على مبادئ الحزب الوطني الإسلامى- اجتماعا بتاريخ 31 مارس 1940 نوقشت فيه مسألة العودة في استخدام الإسلام القديم للحزب وهو " حزب مصر الفتاة" ووافق الأعضاء على ذلك، هذا فضلا عن أن إسماعيل عامر المشرف على لجان الحزب بالإسكندرية دعا الأعضاء إلى اجتماع يعقد في 2 أبريل ليدلى إليهم بالأسباب التي دعت إلى تغيير الاسم والعودة إلى الاسم القديم.

عقد الاجتماع في الموعد المذكور وتولى رئاسته عبد الحميد المشهدى عضو مجلس إدارة الحزب فافتتح الاجتماع قائلا:" عليكم أن تعودوا إلى نشر مبادئ الحزب القديمة والدعاية لها في كل مكان، وألا تتصادموا مع أي شخص أو حزب لأننا في حالة هدنة الآن وسنتبعها بحركة تتطلب منكم جهودا عظيمة... ولكننا إذا ما لجأنا إلى الهدنة اليوم فليس ذلك إلا لخطة مرسومة سنواصل بعدها كفاحا أنتم نواته" .

وفى ختام الاجتماع طالبهم المشهدى بضرورة أن يترددوا على دار الحزب بالإسكندرية لكي يقفوا على ما ينقله لهم إسماعيل عامر من التعليمات التي سيزوده الحزب بها عن طريق البريد، وذلك لأن الحزب في حالة لا تمكنه من القيام بنشاطه، فالبوليس يراقبهم والرقابة مفروضة بشدة على صحيفة الحزب.

هذا فضلا عن أن عملية التغيير قد أحدثت صدعا في وحدة الحزب فنشبت الخلافات بين أعضائه، ولعل مطالبة المشهدى رغم أزهريته- لشعبة الإسكندرية بالعودة إلى الاسم القديم تؤكد ذلك الموقف ، فالمشهدى عضو مجلس إدارة الحزب ولابد وأنه على دراية وإلمام بسياسة الحزب العليا، ولعل ما يؤكد ذلك أن تقدم كثير من أعضاء الحزب باستقالاتهم من عضويته، وكمثال على ذلك فقد تقدم بعض أعضاء شعبة بور سعيد باستقالاتهم احتجاجا على التغيير.

هذا وإن كان الحزب لم يعلن عن ذلك رسميا، إلا أن جريدته عادت إلى ذكر الاسم القديم في بعض المقالات منها مثلا" من حزب مصر الفتاة إلى دولة رئيس الوزراء" هذا فضلا عن أن جريدة الحزب ظلت كما هى فلم يتغير اسمها وبقيت باسم " مصر الفتاة".

أدرك الحزب أنه لم يحقق نجاحا فيما قصد إليه بعملية التغيير فبدأ يسعى إلى تنظيمات جديدة بين صفوفه فأعلن أن على مصر الفتاة أن تراجع نظامها الداخلي في الوقت الحاضر وأن تصلح من أخطائه، وأن تسد ما فيه من ثغرات مستفيدة من تجاربها منذ البداية، فعليها مراجعة موقف كل عضو من أعضاء الحزب ، فذكرت أن من كان ضعيفا خوارا، ومن كان يتخذ من عضويته زينة أو ترفا، ومن كان يعتبر أن الوطنية على هامش حياته فعليه أن يخرج من بين صفوف العاملين في الحزب، ومن أثقلته أعباء الكفاح فلينأى بنفسه، ومن أراد أن يبقى في صفوفها فعليه أن يلتحق بالتدريب العسكري في المدارس والجامعات، أو في ميادين التدريب التي أعدتها الحكومة لتدريب الجيش المرابط.

ومصر الفتاة في هذا لم تستطع أن تتخلى عن فكرتها في خلق القوة التي تساعدها في الوصول إلى الحكم، هذا فضلا عن أن الحزب كان يعد للقيام بثورة مسلحة يتولى على أثر نجاحها مقاليد الحكم في البلاد، ولهل هذا يفسر سر تشدده مع الأعضاء في ضرورة الالتحاق بالتدريب العسكري.

إلا أن ظروف الحرب التي كانت قائمة شدت انتباه معظم جماهير الحزب إلى متابعة أحداثها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ما فرضته الحرب من أعباء اقتصادية تمثلت في ارتفاع أسعار المعيشة وقلة المواد التموينية عن حاجة الجماهير، قد شغلتهم هذه الأوضاع إلى حد كبير عن النضال السياسي فلم يواصل الأعضاء دفع التزاماتهم المالية تجاه الحزب، مما جعله يجدد نداءه إليهم بأن من أثقله الكفاح فلينأى بنفسه بعد أن اتضح له تراخيهم عن الجهاد الحق.

ظلت الأوضاع داخل الحزب على هذا المنوال السابق ، الأعضاء تشدهم مشاكل الحياة اليومية عن " الجهاد" وعن تقديم أدنى قدر ممكن من التزاماتهم المالية نحو الحزب، والحزب غير مستطيع أن يقوم بأي نشاط سياسي حر، في اجتماعات ولا نشر في الجريدة إلا ما تسمح به الرقابة ، فهو في هذه الفترة أو منذ بداية الحرب أشبه بالجسد الذي لا يحمل بين جنبيه روحا تحركه.

ولقد كان للانجليز منه موقفا فطالبوا الحكومات المتعاقبة في فترة الحرب بضرورة اعتقال أعضائه لتأكدهم أنهم لا يؤيدون جانب الحلفاء ، وإنما هو موالون للمحور، ولكن وزارة على ماهر ومن بعده حسن صبري أهملوا ذلك الطلب من جانب الإنجليز ما دام ليس هناك ما يبرر هذا الإجراء، فلما كانت حركة رشيد غالى الكيلانى في العراق والتي شارك فيها مصطفى الوكيل عضو الحزب بنصيب كبير، وما أعلنه الحزب من تأييده لتلك الحركة، ضغط الإنجليز وتشددوا في موقفهم فلم تجد وزارة حسين سرى مناصا من القبض على غالبية أعضاء الحزب ورئيسه وإيداعهم السجون منذ مايو 1941 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه التقريب .

إن الظروف التاريخية التي نشأت فيها مصر الفتاة، هذا فضلا عن النشاط السياسي والاقتصادي لأحمد حسين قبل إعلان قيام الجمعية، كل ذلك يمهد لقيام الجمعية التي تعد نوعا جديدا من أنظمة سياسية تؤمن باتخاذ أساليب جديدة لحل المسألة المصرية، أما نشاط أحمد حسين المبكر والذي دار كله حول إيمانه بضرورة إعادة أمجاد مصر، لكي تكون سيدة العالم من جديد، ولكي يتحقق ما آمن به أحمد حسين ورفاقه منذ البداية فقد مر ذلك الإيمان بعديد من المراحل منها العمل بالتحالف مع الأحرار الدستوريين ومطالبة محمد محمود بالعمل على إعادة مجد مصر وأن يحقق لها ما حققه موسولينى لإيطاليا ، ومنها مرحلة تصدى أحمد حسين لهذا العمل بنفسه في عام 1930 بدعوته إلى تكوين " الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" مستهدفا من وراء ذلك إعادة مجد مصر القديم على يديه؛

ولما لم تنجح المحاولة عاد يقرع أسماع المصريين بمشروع اقتصادي قومي وفى ظروف مناسبة في وقت الأزمة الاقتصادية العالمية، فكان مشروع القرش للنهوض بالصناعات الوطنية، استطاع أحمد حسين أن يهز به كيان المجتمع المصري ويرتفع باسمه وبجماعته إلى المستوى القومي، وقد مهد به لخطوته التي جاءت بعده فألف جمعية مصر الفتاة لتحقيق هدفه المبكر بعد أن كسب جماهيرية وخبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري من خلال العمل في المشروع.

وفى حقيقة الأمر إن كل هذه المراحل التي سبقت إعلان جمعية مصر الفتاة تعد بحق إرهاصات لها، فقد كانت كل خطوة مرحلة من مراحل الدعوة لها وتهيئة المجتمع المصري لذلك التيار الفكري الجديد الذي يؤمن باستخدام القوة لتحقيق استقلال البلاد، فلما أعلن قيام الجمعية كان أحمد حسين ورفاقه من جماعة المؤسسين لها، يستهدفون تحقيق المزيد من الأعضاء والأنصار؛

حتى تمكنه تلك الجماهيرية من تحقيق هدفه، ومن هذا المنطلق فقد سعى أحمد حسين إلى عدد من التطورات التي مرن بها فكرة مصر الفتاة، فبعد أن لم تستطع الجمعية بظروفها المحيطة بها وبطبيعة تكوينها من تحقيق الجماهيرية التي كان ينشدها سعى إلى تحويلها إلى حزب سياسي عله يدرك نجاحا أوفر في المستقبل وإن كان قد التزم بما طرحته مصر الفتاة منذ بداية تشكيلها من مبادئ وتنظيمات إلى حد كبير؛

فلم يكن لهذه التجربة أن تحقق ما قصد إليه من التغيير وهو تحقيق الجماهيرية، فالجماهير في ذلك الوقت كانت تتعلق بحزب الوفد وبكفاحه إلى جانب الأحزاب الأخرى والجمعيات والجماعات الدينية التي انتشرت في ذلك الوقت، وعلى الرغم مما تعرض له حزب الوفد من انشقاقات بخروج بعض أعضائه عليه وحدوث صدع في تكوينه الداخلي، فقد حاولت مصر الفتاة استغلال انشقاق 1937 بخروج النقراشي وماهر على الوفد لصالحها إلا أنها لم تحقق إلا نجاحا ضئيلا في هذا الشأن.


وعندما تأكد لأحمد حسين وحزبه أن تجربة التغيير لم تحقق تقدما ملموسا في حياة مصر الفتاة ، وعندما أدرك أن جماعة الإخوان المسلمين قد حققت نجاحا منقطع النظير، هذا فضلا عن الجمعيات ذات الصبغة الدينية التي تسيطر عليها ومنها "جمعية الشبان المسلمين" فقد سعى إلى تحويل حزبه إلى الحزب الوطني الإسلامى عله يدرك نجاحا أوفر يستطيع به أن ينافس جماعة الإخوان في الزعامة الشعبية لكن التجربة لم تصمد لاختبارات الزمن إلا أسابيع قليلة رأى بعدها العودة إلى أسلوب الكفاح القديم. وإن كانت ظروف الحرب التي ضربت أطنابها على البلاد لم تتح لهذه التجربة أن تمارس بحرية.

إن مراحل التطور التي مرت بها مصر الفتاة كانت كلها تدور حول هدف واحد، وهو أن يتهيأ لمصر الفتاة جماهيرية معينة تستطيع أن توصلها إلى الحكم بأي شكل من الأشكال وبأي أسلوب من الأساليب ، سواء كان ذلك عن طريق استخدام الأنظمة القائمة في البلاد أو باستخدام القوة وذلك لتحقيق برنامجها في إعادة مجد مصر؛

فكلما رأت مصر الفتاة أنها بقرب تحقيق هدفها وجدت نفسها تسير في حلقة مفرغة، وانتهت تجربتها بالفشل في إمكانية الوصول إلى الحكم وتحقيق حلمها القديم.

ولعل ما طرحته مصر الفتاة من مبادئ أفكار داخل المجتمع المصري كان شيئا خياليا رومانسيا، لم يدرك واضعوه حقيقة وضع مصر، في أنها دولة محتلة لا تملك إرادتها فتتمكن من تنفيذ البرامج الضخمة التي نادت بها، كما أن الأسلوب الذي حاولت مصر الفتاة استخدامه لتنفيذ برامجها كان أسلوبا غير مألوف في مصر، فإن تجربة التشكيلات شبه العسكرية التي أوجدتها اتضح أنها تشكل عدوانا على الحريات خاصة بعد أن اتخذ الوفد أيضا تشكيلات مماثلة.

وعلى الرغم مما كان يبدو من نجاح هذا الأسلوب في إيطاليا وفى غيرها من دول أوربا فلم يدرك أحمد حسين ومصر الفتاة أن هناك فروقا واضحة بين ظروف وطبيعة المجتمع والشعب المصري وبين ظروف وطبيعة الشعب الايطالي أو الألماني فلم يتحقق الهدف من محاكاة أنظمة سياسية بعينها.

كما أن التقلب الأيديولوجي في حياة مصر الفتاة بين النزعة القومية والنزعة الإسلامية، وهو التطور الذي نشأ في فكر أحمد حسين نفسه، كان له رد الفعل الأكبر على تنظيماته الداخلية، فلم يكفل لها هذا التقلب صفة الاستقرار والثبات فيتاح للمبادئ التي طرحتها في أي مرحلة من المراحل الاستمرار ، حتى ينمو الإيمان بها من خلال التجربة والممارسة؛

وإنما كان التغيير الدائم لها عاملا من عوامل فشل الحزب في تحقيق أهدافه في التطورـ هذا فضلا عن كثرة التنظيمات التي استخدمتها منذ البداية وتعقدها، مع قلة واضحة في عدد الأعضاء جعلت التداخل في اختصاصاتها واضحا، مما أدى إلى عدم فهم لطبيعة تكويناتها .

ولعل من المفيد أن ندرس تلك التنظيمات حتى يمكن تفسير حركة مصر الفتاة، فالهيكل التنظيمي الذي استحدثته كان يحمل سمات جديدة.

الفصل الرابع : الهيكل التنظيمي لمصر الفتاة

• المستوى المركزي • المستوى الإقليمي • التشكيلات شبه العسكرية • الموارد المالية

إن تجربة التطور التي مرت بها مصر الفتاة لم تكن لتحقق لها ما آمنت به منذ البداية ، وما كرست نفسها له، فقد وضع أحمد حسين منذ البداية هدفا محددا لحركته وهو العمل لإعادة مجد مصر وحاول أن يستخدم كل الأساليب الممكنة لتحقيقه، إلا أنه لم يرسم الطريق لحركته كزى تسلكه فكانت النتيجة أن فشلت في تحقيق هدفها، وإن كانت قد أحدثت ردود فعل داخل المجتمع. صاحب عملية التطور في جمعية مصر الفتاة تغيرات ملموسة في التركيب الداخلي لها بهدف تطوير هيكلها التنظيمي ليواكب عملية التطور، أملا في الوصول إلى الهدف المنشود ولابد لنا أن نتناول هذا الجانب حتى تتضح حركة التطور.

وسوف نتناول في هذا الفصل جانبين: جانبا نظريا يتعلق بالقوانين النظامية المختلفة التي صاغتها مصر الفتاة وما طرأ عليها من تعديلات ، وكذلك التعليمات والتوجيهات التي كانت تصدر للأعضاء، فقد حددت تلك القوانين حركة مصر الفتاة داخليا، ونتناول درجات العضوية وتكوين اللجان الفرعية ، والتشكيلات شبه العسكرية وكوادرها المختلفة، والموارد المالية ومصادر التمويل. وقد خضعت كل تلك الجوانب التي حددتها القوانين للتعديل والتغيير كما سنرى. أما الجانب الثاني فهو تطبيقي يتعلق بالممارسة يمكننا في النهاية معرفة مدى التزام مصر الفتاة بما أعلنته في الجانب النظري.

أعلنت مصر الفتاة منذ بداية تكوينها أن أول عمل تريده هو تنظيم الصفوف لتصل إلى غايتها بأسرع وقت، وقد عبرت عن ذلك بقولها" أننا نعيش في فوضى فيجب أن نعيش في نظام، وأن نجمع الشباب في صعيد واحد، وأن نعودهم النظام والطاعة، وأن نرسم لهم مثلا أعلى يحاولون الوصول إليه، وأن نملأهم إيمانا بحقهم، إيمانا بقوتهم، إيمانا بقدرتهم على العمل، وأن نحملهم على التقشف وعلى بغض اللهو والتخنث والتهتك، وأن يعبدوا الله، وأن يفنوا في سبيل الوطن وأن يلتفوا حول عرش الملك" وقد اشتمل القانون النظامي لجمعية مصر الفتاة على مبادئ حددت أقسام الهيكل التنظيمي لها على الوجه التالي:

الأنصار:

وهم كل مصري يناصر مبادئ الجمعية ويهمه نجاحها فيساعدها باشتراكه الشهري وتنفيذ مبادئها ونشر الدعاية لها، ولكي يكون الشخص نصيرا عليه أن يملأ استمارة العضوية الخاصة بذلك والتي يتم تسجيلها في دفاتر الجمعية، ثم يمنح النصير بعد ذلك بطاقة عضوية، وعلى النصير أن يدفع اشتراكا شهريا قدره خمسة قروش، فإذا تأخر عن دفع اشتراكه شهرين متواليين بدون عذر يعتبر مستقيلا إلا إذا رأى رئيس الجمعية غير ذلك، والأنصار وحدهم الذين ينتخب من بينهم المجاهدون، فيجب على من يكون مجاهدا أن يكون نصيرا أولا لمدة شهر فإذا أتبت إخلاصه وكفاءته عين مجاهدا.

المجاهدون:

والمجاهد، هو الشاب الذي يرغب في القيام بدور إيجابي لتنفيذ مبادئ الجمعية بأن يندمج في فرقها النظامية، والتي مهمتها تنفيذ ما يلقى عليها من الأوامر لنشر الروح المعنوية.

ويخضع المجاهدون لنظام شبه عسكري أساه الخضوع التام للرؤساء وتنفيذ الأوامر بلا مناقشة أو تردد، ويتم تعيين المجاهد بعد موافقة مجلس أركان حرب الجهاد، بناء على ترشيح أحد أعضائه، أو بناء على ترشيح شعب الجمعية في الأقاليم، ويجوز دائما أن يعين مجاهدين بشرط أن يعرض أسماءهم بعد ذلك على المجلس لتسجيل هذا التعيين وعلى المجاهد واجبات هى:

أن يكون جنديا يتصرف في كل أعماله بالروح العسكرية، روح النظام والشجاعة والخضوع للقوانين وطاعة الرؤساء، وأن ينفذ كل الأوامر الصادرة من رئيسه الأعلى، وإلا عرض نفسه للمحاكمة، وعليه أيضا أن يكون حائزا لزى الجمعية الرسمي، كذلك يحرك عليه شرب الخمر، أو ارتياد دور اللهو وأن يحافظ على جسده قويا سليما، وألا يلبس أو يأكل إلا كل ما هو مصري، ولا يتعامل إلا مع المحلات المصرية، وأخيرا عليه أن يدفع اشتراكا شهريا قدره عشرة قروش وأن يكون مشتركا في جريدة الجمعية وللرئيس أن يعفى بعض المجاهدين من هذا الالتزام كله أو بعضه. وهؤلاء المجاهدون ينضوون تحت لواء تشكيلات عسكرية لها كوادرها وتنظيماتها وهى:

التشكيلات شبه العسكرية:

لهذه التشكيلات كوادرها المختلفة التي تتكون من المجاهدين وهى على الوجه الآتي: كل اثني عشر مجاهدا يكونون قسما، يعين الرئيس من بينهم مجاهدا أول يكون رئيسا للقسم ومجاهدا ثانيا ليكون وكيلا له.

ومن كل أربعة أقسام تتكون كتيبة يعين لها الرئيس مجاهدا أول يتولى رياستها واثنين من المجاهدين الثواني يكونان وكيلين له، وكل أربعة كتائب تكون فرقة يعين لها الرئيس مجاهدا أول رئيسا لها يعاونه أربعة مجاهدين ثواني وكلاء له ، وكل أربعة فرق تكون لواء يعين له الرئيس مجاهدا وثمانية مجاهدين ثواني وكلاء له، وكل أربعة ألوية تكون فيلقا يعين الرئيس له مجاهدا أول وسبعة عشر مجاهدا ثانيا.

ولهذه التشكيلات سبه العسكرية أزياء رسمية وشارات مميزة تميز كل منها عن الآخر سواء كان ذلك في الزى الذي يرتدي المجاهد في كل كادر من الكوادر أو في الشارات التي يحملها كل منهم والرتب التي يضعها على ذراعه الأيسر، ولهذه التشكيلات أيضا مجلس أعلى هو مجلس أركان حرب الجهاد يشرف عليها أيضا مجلس أعلى هو مجلس أركان حرب الجهاد يشرف عليها وينظم كل ما يختص بها من شئون؛

فهو يصدر الأوامر ويرسم الخطط التي من شأنها تنفيذ مبادئ الجمعية وإنجاحا، ويقرر تعيين المجاهدين، ويتكون هذا المجلس من كل من رؤساء الأولوية والفيالق، كما أن لهذا المجلس مستشارا له حق حضور كل جلساته وله أن يدلى بآرائه وله حق التصويت في المجلس . أما عن كيفية اكتساب الأنصار لدرجة المجاهد فإن ذلك يتم بناء على حفل يقام لهذا الغرض.

تنصيب المجاهد: يكون تنصيب المجاهد في حفلة عامة يحدد رئيس الجمعية ميعادها ويعلن عنها في جريدة الجمعية قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل ، ويجب أن يحضر الاحتفال أقسام المجاهدين بعدد الأعضاء الذين سيعينون مجاهدين، إلا إذا كان الاحتفال بحضور أعضاء مجلس الجهاد؛

وذلك تشريفا للمجاهدين الجدد، فإذا كانت المدينة لا يوجد بها أقسام فيكتفي في هذه الحالة بحضور الرئيس أو مندوبه الرسمي الذي يعين خصيصا لذلك، ويشترط لحضور هذا الحفل أن يرتدى الجميع الأزياء الرسمية للجمعية، وعند بداية الحفل تقف أقسام المجاهدين على شكل مثلث متساوي الأضلاع وفى وسطه يركز علم الجمعية ويقف تحته الرئيس أو من ينتدبه لذلك ثم ينادى على المرشح ويتلو عليه قرار مجلس أركان حرب الجهاد القاضي بتعيينه مجاهدا؛

ثم يوجه إليه السؤال الآتي:" هل أنت مستعد أن تكون مجاهدا في جمعية مصر الفتاة، فتضحي بنفسك وكل ما تملك في سبيل الله والوطن والملك، وهل تقسم على الخضوع لنظام الجمعية العسكري، وأن تكون مطيعا لرؤسائك مهما كلفك ذلك" فيجيب المرشح مستعد واقسم " ويتلو الرئيس أو مندوبه القسم ثم يتلوه المرشح وهو " أقسم بالله وبالوطن وبالملك أن أقف نفسي وجهدي ومالي في سبيل مبادئ الجمعية وبرنامجها وأن لا أتأخر عن أية تضحية يتطلبها منى الجهاد، وأن أكون خاضعا لنظام الجمعية العسكري، محترما لرؤسائي منفذا ما يلقى لي من الأوامر في حدود القانون بلا مناقشة أو تردد" .

وهنا يقلده الرئيس أو مندوبه شارة الجمعية (عبارة عن قطعة من القماش الأحمر بها ثلاث مثلثات بيضاء) وبذلك يصبح منذ ذلك الوقت مجاهدا ينضوي تحت لواء الكوادر سالفة الذكر. وفى قمة هذه التنظيمات وعلى رأسها يتشكل مجلس الجهاد وهو أعلى سلطة في الجمعية.

مجلس الجهاد: يتكون هذا المجلس من خمسين عضوا اشتركوا في تأسيس جمعية مصر الفتاة أو شعبها في الأقاليم أو في أحياء القاهرة، وعضويته حق لكل رئيس شعبة معترفا بها رسميا أو سكرتيرها إذا لم يكن لها رئيس، ومع ذلك يجوز لمجلس الجهاد أن يضم إليه أعضاء جددا للاستعانة بكفاءاتهم بشرط أن يوافق الرئيس على ضمهم، وتعقد اجتماعاته مرة في يوم الجمعة الأول من كل شهر ، إلا إذا طلب الرئيس عقده؛

وكذلك فإن جلساته سرية لا يجوز حضورها إلا لأعضائه، وفى حالة الضرورة الملحة لا يجوز لأحد حضورها إلا بتصريح خاص من المجلس بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه، أما حضور الجلسات للأعضاء يجب أن يكون بالزى الرسمي للجمعية، وقبل أن يباشر عضو مجلس الجهاد عمله في المجلس عليه أن يقسم القسم التالي" أقسم بالله وبالوطن والملك أن أقف نفسي وجهدي ومالي في سبيل تنفيذ مبادئ الجمعية وبرنامجها، وأن لا أتأخر عن أي تضحية يتطلبها منى الجهاد، وأن أوؤدى أعمالي بإخلاص ووفاء في حدود قانون الجمعية ، وأقسم أن أحافظ على سرية المداولات وألا أذيع حرفا واحدا منها بدون إذن الرئيس" وكذلك فإن على عضو المجلس أن يقدم 10% من دخله الشهري للجمعية وأن يقوم بتأدية ذلك بما يوحيه إليه شرفه وضميره على ألا يقل ذلك عن عشرين قرشا في الشهر بأي حال من الأحوال.

اختصاصات مجلس الجهاد:

مجلس الجهاد هو الهيئة التشريعية للجمعية، فهو المختص بإصدار القوانين بناء على اقتراح من الرئيس أو من أحد الأعضاء، وعليه أيضا ن يراقب مالية الجمعية ويشرف عليها ويعد ميزانيتها السنوية، وهو أيضا بمثابة محكمة استئناف تستأنف إليها كل القرارات الصادرة من أية هيئة أخرى بشرط موافقة الرئيس، وتعرض عليه كل القرارات والأعمال التي صدرت في غيبته لكي يحاط علما ويصدق عليها، وهو الذي يرسم سياسة الجمعية العليا؛

ومنها مثلا علاقة الجمعية ببقية الهيئات السياسية الوطنية أو الأجنبية، ويكون رأى المجلس في هذا الصدد استشاريا ، ما لم يصدر قراره فيها بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس فيصبح رأيه قطعيا ، وله أيضا أن ينظر في ضم أعضاء جدد إليه، ويشكل من بين أعضائه محكمة لمحاكمة من يرى محاكمته من أعضائه أو غيرهم من هيئات الجمعية، ويعتبر كل عضو من أعضائه رئيسا لكتيبة من فرق المجاهدين.

أما فيما يختص بتكوين فروع للجمعية في الأقاليم، وما هي تلك الفروع فقد حددها القانون على الوجه التالي:

اللجان الفرعية للجمعية في الأقاليم:

تؤلف في عاصمة كل مديرية أو محافظة شعبة للجمعية، من عدد من الأعضاء لا يقل عن خمسة عشر إلا بتصريح خاص من مجلس الجهاد، وأن يكون لهذه القلة ما يبررها ، وبمجرد اجتماع هذا العدد، يحرر محضر رسمي بتشكيل الشعبة، وترسل صورة منه موقعا عليها من جميع الأعضاء إلى المركز الرئيسي، وترسل دعوة لسكرتير عام الجمعية لحضور جلسة تأسيس الشعبة رسميا، وترسل دعوة لسكرتير عام الجمعية لحضور جلسة تأسيس الشعبة رسميا، ويتولى رئاستها أما بنفسه أو بإيفاد أحد أعضاء مجلس الجهاد مندوبا عنه، فإذا تكامل أعضاء الشعبة الموقعون على المحضر الأول يلقى عليهم السكرتير العام أو مندوبه تعليمات الجمعية ومبادئها بصفة رسمية ويرسم لهم خطة العمل، ثم يتشاور معهم فيمن ينتخبونه رئيسا وسكرتيرا وأمينا للصندوق، فإذا قر رأيهم بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء، نفذ القرار وإلا ترك الأمر لرئيس الجمعية ليفصل فيه.

وبمجرد تأليف الشعبة يكتتب أعضاؤها بمبلغ من المال يكون رأسمال للشعبة لتتمنك من القيام بالأعمال التأسيسية ، ثم يحرر محضر رسمي لما دار في الجلسة ونتيجة الانتخابات وما دفع من أموال ويوقع عليه جميع الأعضاء والسكرتير العام أو مندوبه، وعلى السكرتير العام أو مندوبه رفع هذا المحضر إلى مجلس الجهاد للتصديق عليه وبهذا تعتبر الشعبة قد تم تكوينها رسميا.

لكل شعبة في منطقتها اختصاصات مجلس الجهاد بأعماله، وتسرى عليها كل قواعده وأنظمته، وعضو الشعبة مجاهدا أول لقسم في تشكيلات المجاهدين، وعلى الشعبة أن تقوم بنشر الدعاية لمبادئ الجمعية عن طريق المطبوعات والاجتماعات وعليها أيضا أن تجمع الأنصار وأن تقوم بتحصيل اشتراكاتهم لمساعدة الجمعية في القيام بأعمالها، على أن أهم عمل أنيط بالشعبة أن تقوم به هو إعداد الشباب ليكونوا مجاهدين؛

فتقوم بالتدريبات العسكرية مستعينة في ذلك ببعض الأشخاص الذين سبق لهم الالتحاق بالعسكرية، وعليها أن ترشح من بين أعضائها، من أظهروا استعدادا وتفانيا ليكونوا مجاهدين ينتظمون في سلك التشكيلات النظامية، فإذا ا تم تعيين المرشحين مجاهدين أصبحوا يخضعون في علاقاتهم لمركز القيادة العامة في القاهرة مباشرة، ومن مهام الشعبة أيضا، أن تعمل على فتح مدار لمحو الأمية ، أو أن تساعدهم في إنشاء مؤسسة صناعية، أو جمعيات تعاونية، وعليها أيضا أن تقوم بتأليف العصب في المراكز ، والعصبة تتكون من عشرة أعضاء على الأقل ويجرى تشكيلها على نمط تشكيل الشعبة، ويقوم بالتأسيس سكرتيرو " الشعب" ، وتقوم العصبة بنشر مبادئ الجمعية وجميع الأنصار وتحصيل اشتراكاتهم وكذلك إعداد الشبان ليكونوا مجاهدين، وعلى العصبة أن تقوم أيضا بتأليف جماعات في القرى من سبعة أعضاء ويجرى تشكيلها بنفس الطريقة السابقة وتكون علاقتها بالعصبة كعلاقة العصبة بالشعبة.

الجمعيات العمومية لهيئات الجمعية: تنظم كل شعبة جمعية عمومية من أعضائها ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل عصبة ليتداولوا في شئون الجمعية في منظمتهم، وهى مراجعة حسابات المنطقة والموافقة عليها، إعداد تقرير سنوي بخلاصة أعمالهم، انتخاب عضو من كل عصبة غير الرئيس والسكرتير وأمين صندوق الشعبة لحضور الجمعية العمومية في القاهرة، وقد حدد موعد عقد الجمعيات العمومية للشعب في الفترة ما بين العيد الأصغر والعيد الأكبر.

أما الجمعية العمومية التي تعقد في القاهرة فقد حدد أول أيام عيد الأضحى موعدا لعقدها، برئاسة رئيس الجمعية وتتكون عضويتها من كل من أعضاء مجلس الجهاد، ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل شعبة، وعضو من كل عصبة وفيها يتلو الرئيس تقريره عن أعمال الجمعية في أنحاء البلاد، على أن يتضمن هذا التقرير أهم ما جاء في تقارير الجمعيات العمومية للشعب، ثم يتحدث مندوب عن كل شعبة بما لديه من الاقتراحات لينظر فيها مجلس الجهاد ويحقق ما يمكن تحقيقه ، وللجمعية العمومية حق ضم أعضاء جدد تختارهم إلى مجالس الجهاد.

الموارد المالية للجمعية:

تتكون الموارد المالية للجمعية من اشتراكات الأنصار ومقدارها خمسة قروش شهريا، واشتراكات المجاهدين ومقدارها عشرة قروش شهريا، والتبرعات والهبات وأرباح المؤسسات والمشروعات التي قد تنشئها الجمعية، هذا بالإضافة إلى نصيبها من دخل أعضاء مجلس الجهاد وهو 10% من دخلهم، كذلك فإن الشعب والعصب والجماعات تقوم بواسطة أمناء صناديقها ، بتحصيل الاشتراكات من الأنصار والمجاهدين وتقبل الهبات المقدمة من أعيان منطقتها؛

وعلى الجماعة أن تحتفظ أيضا بثلاثين في المائة من مجموع المتحصل لديها، وتسلم الباقي للشعبة التي تحتفظ بثلاثين في المائة، وتسلم الباقي لمجلس الجهاد، ويمكن تعديل تلك النسبة بواسطة المستوى الأعلى، ويجرى قيد حسابات الجمعية بجميع هيئاتها في دفاتر منظمة بحيث يمكن مراجعتها في كل وقت ومراقبتها، وعلى أن تودع أموال الجمعية في بنك مصر باسم الجمعية أو باسم أي أشخاص آخرين يعينهم مجلس الجهاد في حالة الخوف من مصادرة أموال الجمعية. هذا وقد تشكلت الهيئة الإدارية للجمعية من كل من الرئيس والسكرتير العام والسكرتير المساعد وأمين الصندوق.

هذه هي النواحي التنظيمية لمصر الفتاة في عهد الجمعية، وعندما تحولت إلى حزب سياسي في يناير 1937 حدث تغيير في قانونها النظامي وإن ظل برنامجها كما هو،هذا ما سنتناوله لنقف على ما أضافه القانون الجديد من الناحية النظرية.

عندما تحولت جمعية مصر الفتاة إلى حزب مصر الفتاة في أول يناير عام 1937 نشر الحزب قانونه النظامي في جريدته " الضياء" في ذلك الوقت في 3 يناير 1937، ولقد أضاف هذا القانون عدة إضافات جديدة لقانون الجمعية. حددت مختلف أنظمة الحزب داخليا.

ففيما يختص بدرجات العضوية في الحزب فقد أصبح حق العضوية مكفولا لكل مصري متى كان حسن السير والسلوك مخلصا لمبادئ الحزب محترما لأنظمته ولوائحه، ولعضويته درجات منها:

النصير وهو كل مصري يعطف على الحزب ويعاونه قلبيا وماديا، يعمل على نشر مبادئه، يصوت له في الانتخابات دون أن تكون له صفة رسمية أو يدرج اسمه في سجلات الحزب، وقد استحدث الحزب درجة جديدة من درجات العضوية وهى درجة العضو العادي

وهو الذي ينضم رسميا للحزب فيسجل اسمه في سجلاته بعد أن يحرر استمارة العضوية ويمنح بطاقة العضوية ويدفع اشتراكا شهريا مقداره خمسة قروش، أما المجاهد فقد ظلت شروط عضويته كما كانت عليه في عهد الجمعية.

وبقى للمجاهدين مكانتهم في الهيكل التنظيمي للحزب، وبعد أن حلت جميع منظمات الحزب في 5 نوفمبر 1938 أعلن أحمد حسين أن على كل عضو يرغب في أن يكون مجاهدا في الحزب أن يكون مالكا لملابس التدريب العسكري كما حددتها وزارة المعارف؛

وكذلك لكي يعتمد المركز الرئيسي أي شعبة من الشعب أن يكون بها اثني عشر مجاهدا على الأقل يؤلفون وحدة منظمة بملابس التدريب العسكري ويواظبون على دفع الاشتراكات الشهرية ويكونون مستعدين لتنفيذ كل ما يصدر لهم ما أوامر وتعليمات الحزب؛

وإذا قل العدد عن اثني عشر مجاهدا منظمين فيصدر القرار بحلها، ولاعتماد العصب في القرى أن يكون بها خمسة مجاهدين على الأقل يؤلفون وحدة منظمة بملابس التدريب العسكري ولكي تعتمد أحداها لابد من تقديم استمارات عضوية جديدة مصحوبة بصور الأعضاء وبصورة جماعية لهم بملابس التدريب.

وهكذا نرى أن درجات العضوية قد اختفت منها درجة النصير والعضو العادي وأصبح ضروريا أن يكون كل عضو مجاهدا.

أما عن الجديد الذي استحدثه الحزب، فقد نص القانون على أن يتولى إدارة الحزب وقيادة فرقه النظامية، كل من رئيس الحزب ومجلسي الإدارة والجهاد، أما عن الرئيس فقد نص البرنامج على أن أحمد حسين قد انتخب رئيسا للحزب، على أن يظل يتولى منصب الرئاسة ما بقى مخلصا لمبادئ الحزب عاملا على تحقيقها ، وحدد اختصاصاته بأنه هو وحده الذي يمثل الحزب أمام القضاء وأمام الحكومة وفى المعاملات مع الأفراد؛

وفى حالة وفاة الرئيس أو تنحيه أو عزله يتم انتخاب الرئيس الجديد بواسطة مجلسي الإدارة والجهاد، وعلى أن يتم الانتخاب في ظرف أسبوعين على الأكثر، على أن القانون لم يحدد طريقة عزل الرئيس وما هي الهيئة التي تملك هذا الحق، ونص القانون أيضا، على أن يعون الرئيس ويشاطره المسئولية في إدارة شئون الحزب مجلس إدارة مكون من عشرين عضوا غير الرئيس؛

ولهذا المجلس أن يزيد في عدد أعضائه عن ثلاثين عضوا غير الرئيس ويجب أن يكون في المجلس أعضاء يمثلون مختلف مديريات ومحافظات البلاد بقدر الإمكان، وأن ينتخب المجلس من بين أعضائه هيئة مكتب الحزب، وتتكون من وكيل وسكرتير عام وسكرتير مساعد وأمين صندوق ومراقب. هذا فضلا عن رئيس الحزب على أن توضع لائحة تحدد اختصاصات كل منهم، وقد حددت اختصاصات ذلك المجلس فيما يلى:

اختصاصات مجلس إدارة الحزب:

يتولى وضع التشريعات واللوائح الخاصة بإدارة الحزب، مراقبة ماليته، رسم سياسته العليا ، ضم أعضاء جدد إليه أو فصل أعضاء من عضويته لخروجهم على مبادئ الحزب أو إخلالهم بنظامه، وقرارات هذا المجلس تصبح نافذة المفعول متى صدرت بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه، إلا إذا كان الرئيس مصدقا على القرار فتكفى أغلبية الأصوات، وتعقد اجتماعاته بناء على دعوة من الرئيس، أو بناء على طلب خمسة من أعضائه للنظر في جدول الأعمال ، الذي يعده السكرتير العام بالاتفاق مع الرئيس؛

كما نص القانون على أنه لا يجوز التخلف عن حضور الجلسات بدون عذر مقبول، ويعتبر التغيب بدون عذر إذا تكرر إخلالا يترتب عليه جواز فصل العضو من المجلس، وعلى كل عضو من أعضائه أن يدفع اشتراكا شهريا مقداره جنيه مصري أو عشرة جنيهات سنويا، وهنا نلمس أن اختصاصات مجلس الجهاد القديمة قد انتقلت إلى مجلس الإدارة مع بعض تعديلات طفيفة، وقد بقى مجلس الجهاد يشارك في إدارة الحزب وأن اقتصر عمله في الإشراف على المجاهدين وتنظيمهم ومحاكمتهم ، كذلك بقيت مسألة تكوين اللجان الفرعية للحزب في الأقاليم كما هي وبنفس كوادرها وشروطها السابقة.

الجمعيات العمومية لهيئات الحزب:

تنظم كل شعبة عمومية من أعضائها، ورئيس وسكرتير وأمين صندوق كل عصبة، ورئيس كل جماعة، ليتداولوا في شئون الحزب في منطقتهم، ومنها مراجعة حسابات المنطقة والموافقة عليها، وإعداد تقريرهم السنوي بخلاصة أعمالهم، وإجراء استعراض عام لمجاهدي الأقاليم، وتعقد تلك الجمعيات في الموعد السابق الذكر؛

أما الجمعية العمومية للحزب والتي تعقد في القاهرة فهي نفس الموعد أيضا، وحق حضورها مكفول لكل من أعضاء مجلس الإدارة، وأعضاء مجلس الجهاد، وأعضاء الجمعيات العمومية للشعب، وفيها يعرض الرئيس لسير أعمال الحزب من الناحية العامة، ويتولى السكرتير العام عرض تفاصيل شئون الحزب الداخلية، كذلك تختص تلك الجمعية بالنظر في المقترحات التي يتقدم بها مندوبو الشعب، وعليها أيضا أن تشهد الاستعراض لجميع مجاهدي البلاد.

أما عن الموارد المالية للحزب: فقد كانت كما حددها القانون تتمثل في اشتراكات الأعضاء وأعضاء مجلس الإدارة وفى التبرعات والهبات وفى أرباح المؤسسات والمشروعات التي تقوم بها الشعب وإدارة الحزب؛

أما عن طريقة تحصيل تلك الموارد فهي نفس الطريقة السابقة، وأن يطرأ عليها تعديل واحد، وهو أن تحتفظ الشعبة بخمسين في المائة من جملة المتحصل لديها لتنفق منه على شئون الشعبة بخمسين في المائة من جملة المتحصل لديها لتنفق منه على شئون الحزب في منطقتها؛

وقد أسند قيد حسابات الحزب في كل مستوى من مستوياته إلى أمناء الصندوق على أن يتولى الإشراف على هذه الناحية أمين صندوق الحزب العام، الذي يقوم سنويا بمراجعة حسابات المناطق، على أن تودع الأموال المتجمعة لدى الحزب في أحد البنوك المصرية باسم الحزب، على أن يكون للرئيس ولأمين الصندوق معا حق صرف الأموال من البنك، وعلى أمين الصندوق أن يقوم بإعداد ميزانية سنوية للحزب لتقديمها لمجلس الإدارة حتى إذا ما وافق عليها يجرى العمل بمقتضاها كما يقدم الحساب الختامي كل عام للتصديق عليه.

كما نص القانون على أن لكل عضو من أعضاء مجلس الجهاد الحق في أن يصح عضوا في مجلس الإدارة متى رغب في ذلك بعد إكمال دراسته وكان قادرا على القيام بالتزامات العضوية في مجلس الإدارة، ومتى رشحه مجلس الجهاد ووافق على ترشيحه الرئيس الذي ترك له أيضا اختيار أعضاء مجلس الإدارة.

وعندما أعلن حزب مصر الفتاة عن تغيير اسمه إلى الحزب الوطني الإسلامى في مارس 1940 فقد أعد برنامجا جديدا يعبر عن تلك التسمية ويبرز الاتجاه الإسلامى للحزب في تلك الفترة على ما عداه.

إلا أن الحزب لم يضع قانونا جديدا ينظم حركة العضوية ويرسم الخطوط العريضة لنظامه الداخلي، ويبدو أن الحزب قد رأى في قانونه النظام السابق ما يفي بالغرض المطلوب، أو أن الأوضاع الداخلية للمجتمع المصري في زمن الحرب والأحكام العرفية والرقابة المفروضة بشدة على كل وسائل النشر حالت دون أن يعلن الحزب عن تنظيمات جديدة؛

فمن المؤكد أن نشاط الحزب في ظروف الحرب قد تجمد إلى حد كبير، إذا علمنا أن الحزب ينشط عندما يكون قادرا على عقد الاجتماعات ، وإلقاء الخطب، ونشر ما يستطيع عن طريقه أن يدير نشاطه الحزبي من تعليقات وتوجيهات لأعضائه في جريدته؛

ولكن ذلك النشاط كان محظورا في زمن الحرب، ولعل السبب الأكثر أهمية في عدم إعلان الحزب عن تنظيمات جديدة تتمشى مع خطته الجديدة في الكفاح السياسي، أن تجربة التغيير نفسها لم تصمد لاختبارات الزمن أو أنها ولدت ميت، فلم يحدث أي تغيير في حق العضوية وحركتها، وكذلك لم تظهر إلى الوجود له في أي بلد عربي و إسلامي كما هدف إلى ذلك.

حالت ظروف الحرب دون إحداث أي تنظيمات جديدة إلا ما كان يصدر عن الحزب في أوقات متفرقة من تعليمات للأعضاء حول ضرورة ممارسة التدريبات العسكرية في أي مكان يتاح لهم ممارستها فيه، أما في المعسكرات التي أوجدتها الحكومة لهذا الغرض ، أو بالانخراط في سلك الجيش المرابط. فيما عدا هذا لم تصدر أية تعليمات أو تنظيمات عن الحزب ولو من الناحية النظرية، ومن الواضح أن الحزب كان في فترة الحرب أشبه بمنظمة سرية، كما سنوضح ذلك فيما بعد.

لقد تناولنا الجانب النظري للهيكل التنيظمى لمصر الفتاة في مختلف أطوار حياتها خلال فترة الدراسة، ويتعين علينا دراسة الجانب التطبيقي لهذا الهيكل لنرى مدى الالتزام من جانب مصر الفتاة في تنفيذ هذه القوانين من الناحية العملية، وهل التزمت بحرفيتها أم كانت النظرية شيئا والتطبيق شيئا آخر.

الجانب التطبيقي لهيكل مصر الفتاة التنظيمي:

من المستحسن ونحن نتناول الحديث عن هذا الجانب من الهيكل أن نقسمه إلى أربعة أقسام رئيسية هي المستوى المركزي ونعنى به قيادة مصر الفتاة بمستوياتها المختلفة، ثم المستوى الإقليمي ونقصد به اللجان الفرعية لمصر الفتاة وعلاقتها بالمستوى المركزي، ثم التشكيلات شبه العسكرية لمصر الفتاة وكوادرها وعلاقتها بالمستوى المركزي، وأخيرا الموارد الملية لمصر الفتاة.

على أن معالجة هذا الجانب ستكون طبقا للواقع الذي لمسناه من حركة مصر الفتاة ونشاطها في مختلف الأطوار التي مرت بها، مع محاولة مقارنة بين ما خطته في قوانينها التنظيمية التي اتخذتها مصر الفتاة، ورد فعل الظروف الموضوعية للمجتمع في كل طور من تلك الأطوار على تكويناتها. ونخلص بمناقشة الموارد المالية لمصر الفتاة ومدى اتصالها بالقوى السياسية في مصر وخارجها.

أولا: المستوى المركزي:

ويتمثل في قيادة مصر الفتاة أو المركز العام لها، وهو بطبيعة الحال ذات كوادر مختلفة هي على درجة التحديد، الرئاسة ، السكرتارية العامة، السكرتارية، أمانة الصندوق ثم المجالس وهى مجلس الجهاد ومجلس الإدارة فيما بعد.

ويقتضى الأمر دراسة كل مستوى من تلك المستويات مع مناقشة العلاقة بينها، وكيفية إدارة اجتماعات هذا المستوى المركزي وطريقة اتخاذ القرارات، وقبل ذلك طريقة شغل هذه المناصب وكيف كان يتم ذلك، أهو عن طريق التعيين من جانب الرئيس، أم كانت عن طريق الانتخاب؟

وأخيرا طريقة الاتصالات بالمستوى الإقليمي وكيف كانت تجرى وما هي وسائلها. كل هذه قضايا سنحاول حسمها على قدر المادة المتاحة لنا وإن كان هناك الكثير من المادة غير المتاح الاطلاع عليها ذات أهمية كبيرة وفائدة عظيمة تحسم بالقطع كل هذه القضايا.

تولى أحمد حسين رئاسة جمعية مصر الفتاة عندما أعلن قيامها في 21 أكتوبر 1933 ، وإن كان ذلك قد تم دون أن ينص عليه برنامجها أو قانونها النظامي في ذلك الوقت، هذا بالإضافة إلى أنه لم يصدر عن الجمعية أية إشارات لمنصب الرئيس وطريقة توليه ذلك المنصب وهل هو بالتعيين أم بالاختيار أو عن طريق الانتخاب؟ لم تظهر مثل هذه التصورات إلى الوجود، إنما حقيقة ما حدث كما يرويه أحمد حسين نفسه، بأنه عندما تخرج من كلية الحقوق هو وزملاؤه فتحي رضوان وكمال الدين صلاح؛

وكذلك تخرج كل من عبد الرحمن الصدر من كلية الطب وصلاح الوكيل من كلية العلوم ومحمد صبيح من كلية الآداب طالبوه بأن يقدم على خطوته التي تلي مشروع القرش وهى تأسيس مصر الفتاة خاصة وأن مشروع القرش قد استنفذ أغراضه بإقامة مصنع الطرابيش من ناحية، وتحقيق الشهرة والخبرة بالعمل الجماهيري لأحمد حسين ورفاقه، فارتفعت أسماءهم على المستوى القومي؛

كما ذكرنا في الفصل السابق، فكانت المطالبة من جانب زملاءه له تعنى تسليمهم ضمنا بأنه رئيس حركتهم وزعيمها، وربما كان ذلك لأن أحمد حسين هو أول من فكر في إقامة مصر الفتاة لتعيد لمصر مجدها القديم إمبراطورية شامخة تتألف من مصر والسودان.

ظل أحمد حسين يتولى رئاسة الجمعية وبدأ يضع التنظيمات بعد أن مرت الجمعية بفترة التأسيس الأولى لنلمس بداية ظهور تلك التنظيمات، فيشكل ما سماه بالهيئة الإدارية للجمعية ، وقد كفل لها رئاسة الجمعية في فترة غيابه عنها في أي مكان خارج القاهرة، وكانت هذه الهيئة تتكون من كل من فتحي رضوان السكرتير العام، محمد صبيح السكرتير المساعد، أحمد السيد سكرتير اللجان وأحمد الشيمى أمين الصندوق.

تلك كانت أولى ملامح التنظيم الذي أعلنت عنه جمعية مصر الفتاة، ومن ثم أصدر أحمد قرارا آخر ينظم فيه طريقة سير العمل في الجمعية في فترة غيابه، وقد أناب فيه فتحي رضوان، للإشراف على الجمعية وعلى جريدة" الصرخة" على أن يتولى أحمد الشيمى المسائل المالية وبإشراف فتحي رضوان. هذا ويبدو أن أحمد حسين قد لجأ إلى أسلوب القيادة الجماعية في فترة غيابه في إدارة شئون الجمعية ريثما يعود هو ليتولى الرياسة ويجمع تقريبا كل الخيوط في يديه.

وعندما أعلن مجلس جمعية مصر الفتاة عن تحولها إلى حزب سياسي في جلسته المنعقدة في 31 ديسمبر عام 1936 ، نرى ملمحا جديدا من ملامح التنظيم فقد انتخب المجلس أحمد حسين رئيسا للحزب كما ذكرن ذلك جريدة " المقطم" وأن كانت جريدة الحزب " الضياء" دأبت على ذكر أحمد حسين مقترنا بالرئاسة دون أن تشير إلى تعيين أو انتخاب.

فذكرت تعيين أحمد حسين رئيسا للحزب ولكنها لم تشر إلى حسين ضمنيا دون أن يتم عن طريق الانتخاب. وقد ظل يمارس سلطات هذا المنصب دون أن يتم ذلك عن طريق الانتخاب.

وقد ظل يمارس سلطات هذا المنصب حتى بعد تحول مصر الفتاة في مارس 1940 إلى الحزب الوطني الإسلامى. ويتطلب الأمر أن نلقى نظرة على سلطات الرئيس كما كانت من واقع الممارسة الفعلية للنشاط السياسي لمصر الفتاة في مختلف المراحل .

تولى أحمد حسين بصفته الرئيس رئاسة جلسات الجهاد ومجلس الإدارة، وإدارة المناقشات فيهما، كما كانت له سلطة حل المجلسين، كما اتضح ذلك من القرار الذي أصدره بحل جميع منظمات الحزب في أواخر عام 1938 بقرار فردى من جانبه. هذا بالإضافة إلى أنه منح حق تشكيل مجلس إدارة الحزب، كما جاء ذلك في قرارات مجلس جهاد جمعية مصر الفتاة عند تحولها إلى حزب سياسي أن المجلس " عهد إلى الرئيس اختيار الأعضاء الذين يصلحون لمجلس الإدارة" .

وبالرغم مما أصدره أحمد حسين بشأن تنظيم العمل في الجمعية في أثناء غيابه ، فإنه في مرحلة قد بدأ يتراجع عن ذلك النظام الجماعي الذي كان قد قرره بتشكيل الهيئة الإدارية للجمعية، فإنه في هذه المرة يصدر قرارا يحدد فيه الأشخاص الذين ينيبهم عنه في إدارة شئون الحزب؛

فجاء في القرار " إلى مجلس إدارة حزب مصر الفتاة وإلى مجلس جهاده، قد أنبت عنى الأستاذ فتحي رضوان سكرتير الجمعية (هكذا) العام في إدارتها وتمثيلها أثناء سجني فإذا حدث له ما يمنعه من ذلك فالأستاذ عبد الحميد المشهدى. وإني أرجو أن يتعاون معهم أعضاء المجلسين في إخاء وصدق".

استحدث أحمد حسين في أواخر 1937 منصب نائب رئيس الحزب، وذلك عندما عاد مصطفى الوكيل من لندن في نوفمبر من نفس العام- بعد حصوله على الدكتوراه في العلوم فبذل جهودا ضخمة في إعادة تنظيم صفوف مصر الفتاة، فبدأ نجمه يرتفع داخل تنظيمات الحزب، خاصة وأن فتحي رضوان كان قد بدأ يبتعد عن الحزب وعن المشاركة في نشاطه إلى حد ما؛

كما يتضح ذلك من خطاب أرسله أحمد حسين إليه يطالبه فيه بالحضور إلى الحزب بانتظام جاء فيه" أرجو أن تحضر إلى الحزب في مواعيد منظمة مهما قلت لهذا الرجاء استجابة كاملة، يطلب إليه أحمد حسين أن يتخلى عن منصب السكرتير العام على أن يبقى ذا مركز ممتاز في الحزب.

فرد فتحي رضوان على ذلك الخطاب يعرب عن رغبته في الاستقالة من مجلس الإدارة ومن عضوية الحزب، وفعلا تقدم فتحي رضوان باستقالته طالبا عرضها على مجلس الإدارة في أقرب فرصة ممكنة، إلا أن أحمد حسين لم يبت في هذا الموضوع كما سنرى؛

وفى ظل هذه الظروف من ابتعاد فتحي رضوان عن الحزب وارتفاع نجم مصطفى الوكيل نتيجة لتفانيه في الكفاح السياسي للحزب أن عينه أحمد حسين نائبا للرئيس، فأصبح يتولى مركز القيادة في الحزب في حالة غياب أحمد حسين فهو الذي يدير النشاط الحزبي من عقد للاجتماعات وتوجيه النداءات لأعضاء الحزب والإعلان عن التنظيمات الجديدة كما سنرى فيما بعد. وكذلك اخذ يكتب افتتاحية الجريدة.

أما فتحي رضوان فقد احتفظ بمنصب السكرتير العام، رغم تقديم استقالته، فقد حدث في نوفمبر 1937 أن أطلق عز الدين عبد القادر النيران على سيارة النحاس باشا، وكان من نتيجة ذلك أن اعتقل معظم أفراج الحزب ومنهم فتحي رضوان ، وفى أثناء إجراء التحقيق في القضية رأى محاميه مصطفى مرعى، أن يشير إلى الاستقالة التي تقدم بها من قبل ليثبت أنه مستقيل من حزب مصر الفتاة؛

إلا أن فتحي رضوان رفض ذلك وأحس بأن الحزب في محنة في أقل من أن يقف بجانب أحمد حسين في ذلك الموقف حتى ينجلي، وهدد محاميه إذا أشار لتلك الاستقالة بأنه سيقاطعه ويعلن عدم صحة ذلك ظل فتحي رضوان يتولى هذا المنصب، وإن كان نشاطه فيما بعد ذلك لا نكاد نلمسه إلا في فترات قليلة منها معارضته عند تحول الحزب إلى الحزب الوطني الإسلامى، إلى أن أعلن انفصاله تماما عن الحزب عقب حادث 4 فبراير وتأييد أحمد حسين للنحاس باشا في موقفه بخطابه إليه في هذا الصدد، وحاول أحمد حسين أن يسترضيه في ذلك الوقت بأن يتنازل له عن رئاسة الحزب؛

ولكن فتحي رضوان أدرك أن تلك هي ساعة النهاية بالنسبة له مع حزب مصر الفتاة المتجمد النشاط في ذلك الوقت بعد اعتقال معظم أعضائه، ونجح فتحي رضوان في اجتذاب عدد من الأعضاء الحانقين على تصرف أحمد حسين، وكونوا " اللجنة العليا لشباب الحزب الوطني" عام 1944.

أما منصب السكرتير المساعد فقد تولاه محمد صبيح طوال فترة البحث، فعندما أصدر أحمد حسين قراراته التي تنظم بالجمعية، كان صبيح هو الشخص الذي يلي فتحي رضوان، وقد تولى الإشراف على الجمعية في فترة سفر أحمد حسين وفتحي رضوان إلى لندن 1935، ثم في أواخر 1940 بعد سفر مصطفى الوكيل إلى العراق، وابتعاد فتحي رضوان.

أعلن أحمد حسين قبيل سفره إلى الحجاز في اجتماع الحزب يوم 24 ديسمبر 1940 أنه يسافر ويترك صبيح ليرعى الحزب وينمى قوته، وأشاد بجهاده في السابق عندما كانوا يسافرون ويتركون له الحزب. كذلك كان صبيح يتولى القيام بأعمال السكرتارية لاجتماعات مجلس الجهاد ، كما كان يتولى منصب أركان حرب الجهاد في الفرق النظامية، كما سنوضح ذلك في حينه.

أما أمانة الصندوق فقد تولاها أحمد عبد المطلب الشيمى منذ تأسيس الجمعية، ثم أسند ذلك المنصب في عام 1934 إلى محمود طاهر العربي، الذي كان يقوم بالتجسس على الجمعية لحساب القلم المخصوص بوزارة الداخلية.

وبعد أن اكتشف أحمد حسين علاقة طاهر العربي بالبوليس ، طرده من الحزب عام 1937 ، وقد تأكد ذلك بصفة قاطعة عند وقوع حادث الاعتداء على النحاس، فكانت كل التقارير المقدمة في القضية من إعداد طاهر العربي، وفى أول اجتماع لمجلس إدارة الحزب في 5 أبريل 1937 ، انتخب المجلس من بين أعضائه عبد الحميد شحاته كامل أمينا للصندوق، وكان يساعده في هذا المجال حسن حريو، فقد كان وكيلا لحسابات الحزب.

هذا ولم يظهر بعد ذلك تنظيمات جديدة تفيد أن هذا المنصب قد تولاه شخص آخر، ومن مهام ذلك المنصب تنظيم حسابات الحزب من اشتراكات وتبرعات أى تنظيم مالية الحزب بصفة عامة.


والآن نتناول بالدراسة المجالس التي أوجدتها مصر الفتاة على اعتبار أنها الجانب الأكبر أهمية داخل المستوى المركزي.

مجلس الجهاد:

كانت الإجراءات التي يتخذها البوليس السياسي ضد مصر الفتاة تمنع الجمعية عن نشر أي شيء عن أعضاء ذلك المجلس أو عن اجتماعاته ، ولذلك لم يقع تحت أيدينا إلا تقارير البوليس التي بينت أول تشكيل له في عام 1935 وكان يضم تسعة أعضاء فقط. ثم نلمس تشكيل المجلس الثاني، من خلال الاجتماع الذي عقد في 31 ديسمبر 1936 للنظر في تحويل الجمعية إلى حزب سياسي، فكان يضم 33 عضوا هم.

وبهذا نلمس تطورا في تكوين المجلس إذ ازداد عدد أعضائه من تسعة في 1935 إلى ثلاثة وثلاثين عضوا في نهاية 1936، وإن كان الشرط النظري الذي نص على أنه مكون من خمسين لا عضوا لم يتحقق.

عند تحول الجمعية إلى حزب تنازل مجلس الجهاد عن سلطاته لمجلس الإدارة، ولكنه ظل يتولى الإشراف على الفرق النظامية شبه العسكرية، وتنفيذ القرارات التي يصدرها مجلس الإدارة.

وفى جلسة المجلس بتاريخ 23 أبريل 1937 يقرر المجلس استبعاد بعض أعضائه من عضويته ، ومعظم هؤلاء الأعضاء جدد لم يسبق لهم الانضمام إلى المجلس فيقرر المجلس فصلهم.

وهذا يوضح أن عضوية المجلس لم يكن لها صفة الاستقرار، فإن آخر اجتماع للمجلس كان في 31 ديسمبر 1936 ، وهذا الاجتماع بتاريخ 23 أبريل 1937 أي أن هؤلاء الأعضاء قد انضموا خلال تلك الفترة القصيرة وفصلوا أيضا خلالها، ومن خلال استعراض أسماء الأعضاء في جلسة تالية وجد أن بعض هؤلاء المفصولين كانوا من بين الحاضرين للاجتماع والذين شاركوا في مناقشاته.

وعندما صدر المرسوم الملكي بحل التشكيلات شبه العسكرية في مارس 1938 أعلن الحزب حل مجلس الجهاد وفرق المجاهدين وكل ما له علاقة بالتشكيلات العسكرية، ولكن عندما قررت الحكومة التدريب العسكري في المدارس، طالب الحزب أعضاءه بالانضمام إلى هذا التدريب. ومن ثم بدأ يظهر استخدام اسم مجلس الجهاد، ونص على أن كل عضو لابد وأن يكون مجاهدا بعد حل جميع منظمات الحزب في 5 نوفمبر 1938.

وعلى هذا فيمكن القول بأن قرارات هذا المجلس لم تكن لها فاعلية ولم تكن تحترم بدرجة كبيرة ، فإن التقلب الواضح في حركة العضوية داخل المجلس، وكذلك عدم احترام قراراته وتنفيذها ليدل دلالة واضحة على مدى الارتباك الذي كانت تعانيه قيادة الحزب، فحرصها الدائم على تجنيد أكبر عدد ممكن من الأعضاء، رغم أن بعضهم كان يعمل لحساب القلم المخصوص بالداخلية، فهي تسعى إلى إحراز الجماهيرية عن أى طريق، ولكن غياب الأهداف الواضحة ممكنة التحقيق عن نشاط الحزب، كان من نتيجته ذلك التذبذب في حركة العضوية.

وبالرغم من إعلان الحزب عن حل مجلس الجهاد، إلا أنه اجتمع في سبتمبر عام 1938 واقترح أحمد حسين على المجتمعين زيادة عدد أعضائه من خمسين إلى مائة عضو على أن يشترك فيه أعضاء من شعب الأقاليم.

وتقدم أحمد حسين بقائمة أسماء من أعضاء الحزب يرشحهم لعضوية المجلس. وكذلك تقدم بعض أعضاء المجلس بترشيحات جديدة، وترك أمر البت في هذه المسألة إلى جلسة تالية. ولكن بمتابعة التطور لهيكل المجلس لم يظهر ذلك الاقتراح إلى الوجود، إذ لم يكد يحل شهر نوفمبر من نفس العام، حتى أعلن أحمد حسين حل مجلس الجهاد، وكذلك حل جميع الشعب واللجان الموجودة في أنحاء البلاد، معلنا أن الأسباب التي دعته للإقدام على تلك الخطوة، هو ما لمسه من تهاون الكثير من أعضاء الحزب في تنفيذ مبادئ مصر الفتاة، وكذلك التفكك الملحوظ في وحدة أعضائه.

وقد تم إعادة تنظيم الحزب بسرعة على الورق ، وبزعامة مصفى الوكيل أعلن قادة الحزب تخليهم عن مواقعهم وأعلنوا أنهم جنود عاديين في الحزب. واشترط أحمد حسين لمن يريد أن يستأنف الكفاح معه، أن يعد ملابس التدريب العسكري، وأن يكون مستعدا لإطاعة الرؤساء الذين سيعينهم طاعة كاملة. وبذلك أصبح ضروريا أن يكون كل عضو مجاهدا واختفت صفات العضوية الأخرى.

اختفى مجلس الجهاد منذ حله إلى أن بدأ يظهر من جديد في منتصف عام 1939. فقد منح الحزب للأعضاء الذين أثبتوا ولاءهم له ولمبادئه كتابا سمى" كتاب العضوية" وهو يحتوى على برنامج مصر الفتاة، وكلمات الرئيس ، وكذلك فهو يحوى صورة للعضو ومعلومات عنه.

وفى اجتماع لحاملي كتاب العضوية هؤلاء أعلن أحمد حسين أنهم يكونون مجلس الجهاد الحالي بدل المجلس المنحل. إلا أنه لم يظهر إلى الوجود تشكيل رسمي بهذا المجلس وربما كان لإعلان قيام الحرب الأثر الواضح الذي ترك بصماته على النشاط الحزب برمته، فلم يرد ذكر لهذا المجلس مطلقا حتى نهاية الدراسة.

كذلك فإنه في مرحلة التغيير إلى الحزب الوطني الإسلامى لم تظهر أية تنظيمات خاصة به. هذا فيما يتعلق بدور مجلس الجهاد وتشكيله وسنتناول الحديث عن اختصاصاته من واقع الممارسة الفعلية للنشاط عند تناولنا للتشكيلات شبه العسكرية.

بقى أن نتناول المجلس الآخر الذي كان يعاون الرئيس في إدارة شئون الحزب وهو مجلس الإدارة ، فقد قرر مجلس جهاد جمعية مصر الفتاة بجلسته المنعقدة في 31 ديسمبر 1936 الموافقة على اقتراح الرئيس بتحويل الجمعية إلى حزب سياسي؛

وقرر تأليف مجلس إدارة للحزب يعاون الرئيس في إدارته، بحيث يكون لكل مديرية من المديريات ممثل، على ألا يزيد عددهم عن ثلاثين عضوا، وعهد إلى الرئيس اختيار الأعضاء الذين يصلحون لمجلس الإدارة، فانتخب الحاضرون من بينهم كل من فتحي رضوان، محمد صبيح، محمد حلمي الجيار، أحمد السيد، عبد الحميد المشهدى وبدوى صقر ليكونوا نواة هذا المجلس؛

وعهدوا إلى الرئيس أحمد حسين توجيه الدعوة لبعض السياسيين والمجاهدين القدماء، الذي أظهروا رغبتهم في الاشتراك في الحزب لاستكمال تأليف مجلس الإدارة.

إلا أنه في أول اجتماع للمجلس بتاريخ 2 أبريل 1937، اتضح أنه كان يتألف من أحمد حسين رئيسا، فتحي رضوان سكرتيرا وعضوية كل من محمد صبيح، عبد الحميد المشهدى، أحمد السيد، إسماعيل وهبي، عبد الحميد شحاته كامل، أحمد الشيمى، شعبان الكاتب وبدوى صقر.

وقد انتخب المجلس عبد الحميد شحاته كامل ليتولى أمانة الصندوق وتنظيم مالية الحزب. وقد اختفى اسم محمد حلمي الجيار من بين الأعضاء، فهو زعيم الشباب الوفدي بالدقهلية، فكان الجيار متقلبا بين وفديته وبين الانضمام لمصر الفتاة، فقد عاد لتولى قيادة فرق القمصان الزرقاء بالدقهلية، وانضم إلى جانب النقراشي بعد انفصاله عن الوفد، فأصدر الوفد بيانا بحل فرق القمصان بالدقهلية.

وإزاء هذا الأسلوب في اختيار مجلس الإدارة الذي لا يقوم على قاعدة معينة، رأى بعض المؤسسين لجمعية مصر الفتاة أنه يحق لهم الحصول على عضوية المجلس، ومن هؤلاء كان عز الدين عبد القادر الذي تقدم بطلب رفض رئيس الحزب تلبيته، فقدم استقالته من عضوية مجلس الجهاد.

وفى عام 1937 أيضا وعندما تقدم الحزب بعرائض إلى الملك لنزع الثقة من وزارة الوفد وإقالتها، كان مجلس الإدارة مكونا من أحمد حسين رئيسا، فتحي رضوان سكرتيرا عاما، محمد صبيح سكرتيرا مساعدا، شعبان الكاتب، أحمد السيد، بدوى صقر، عبد الحميد شحاته كامل، عبد الحميد المشهدى، مصطفى الوكيل وأحمد الشيمى أعضاء.

وقد تضمن تشكيل المجلس اسم مصطفى الوكيل، وهو في ذلك الوقت كان ما يزال في لندن ولم يعد إلى القاهرة، وقد عاد في 2 نوفمبر 1937، ويتضح من ذلك أن عضوية المجلس كانت تمنح لأعضاء غائبين عن مصر. ولا يتاح لهم المشاركة في النشاط الحزبي، فكيف كان ذلك؟

وبعد عودة مصطفى الوكيل من لندن انضم لعضوية مجلس الإدارة بالفعل ، وانضم معه أيضا بعض الأعضاء من الذين تخرجوا في الجامعة ومنهم نور الدين طراف، فخري أسعد، أنور فريد، على زين العابدين، محمد الزقاقى ، أحمد محيى الدين عبد الحليم وإبراهيم شكري.

هذا وقد رأى الحزب فيما بعد أن يضم إلى عضوية المجلس كلا من عثمان نجاتي، حمادة الناحل وكمال سعد في سبتمبر 1938 . ومن خلال الممارسة للنشاط الحزبي، وتذبذب عضوية المجلس بانضمام أشخاص بعيدين عن مصر الفتاة تماما وانفصالهم عنه بأسرع مما انضموا إليه، شرع الحزب يعيد تنظيم صفوفه على أسس جديدة، منها أن اتجه الرأي إلى أن يكون أعضاء المجلس من كبار مؤسسي وأعضاء الحزب الذين أبلوا في كفاحه منذ الدقيقة الأولى أحسن بلاء.

وعلى هذا الأساس الجديد جاء تشكيل المجلس على الوجه التالي، أحمد حسين رئيسا، مصطفى الوكيل، فتحي رضوان، محمد صبيح، عبد الحميد المشهدى، محمود مكي، إبراهيم شكري ، حمادة الناحل، محمد مهدي، مصطفى عدلي، صالح حنفي ومحيى الدين عبد الحليم أعضاء . ولعل هناك تشكيل آخر لهذا المجلس إلا أنه لم يقع تحت أيدينا ولكنه ربما ضم بعض الأعضاء البارزين مثل محمد حلمي ومحمد متولي عوض.

استمرت حركة العضوية داخل مجلس الإدارة تلاقى تذبذبا واضحا، فليس هناك أسس واضحة ولم يتقيد الحزب بالشروط التي وضعها في الجانب النظري للهيكل، لا من حيث نوعية الأعضاء، ولا من حيث عددهم الذي حدده.

فكان الفصل بين عضوية الحزب وعضوية مجلس الجهاد وأخيرا عضوية مجلس الإدارة يعد أمرا صعبا، فالمسألة لم تكن بالدقة المطلوبة، بحيث يمكن الالتزام الدقيق بالهيكل المعلن نظريا، وربما كان التشكيل السابق للمجلس هو آخر تشكيل محدد، وبعد هذا اختلط الحابل بالنابل وأصبح من الصعب التفرقة بين أي درجة من درجات عضوية الحزب حتى نهاية فترة البحث. فالحزب دائم التبديل والتغيير في حركة العضوية.

ولا يبعد أن التذبذب في حركة عضوية المجلس بهذه الطريقة كان ناتجا عن غياب الأهداف الواضحة والمحددة التي يناضل الحزب من اجل الوصول إليها، هذا فضلا عن السلطة المطلقة لرئيس الحزب فهو يبدل ويغير طبقا لأهوائه.

وكان من نتيجة ذلك أن استطاع البوليس السياسي أن يجند بعض قادته للتجسس على الحزب نفسه وكان عبد الحميد المشهدى أحد هؤلاء. مما دعا المجلس إلى اتخاذ قرار بفصله من عضويته ومن عضوية الحزب.

ننتق بعد هذا إلى تناول أسلوب العمل داخل مجلس إدارة الحزب من حيث طريقة المناقشات ومدى ديمقراطيتها. والأمر يتطلب منا أن نرجع إلى الوراء قليلا فعندما اقترح أحمد حسين تغيير الجمعية إلى حزب اعترض الكثيرون من الأعضاء على ذلك فقد أصر هو على رأيه، نرجع إلى الوراء قليلا، فعندما اقترح أحمد حسين تغيير الجمعية إلى الحزب الوطني الإسلامى أيضا حدثت معارضة شديدة من جانب بعض الأعضاء إلا أن القرار قد صدر أيضا بتغيير اسم الحزب وبرنامجه.

هذا بالإضافة إلى أنه عندما ثبت لأحمد حسين عمالة المشهدى وقرر فصله من الحزب كان ذلك بقرار فردى من جانب أحمد حسين، وإن كان الحزب قد أعلن أن ذلك جاء بقرار من مجلس الإدارة كما سبق القول. ولكن أحمد حسين يذكر" فإذا فصلت اليوم عبد الحميد المشهدى الذي كان من أكبر أعضاء مصر الفتاة، فليس لأحد أن يسألنا لماذا فصلته، فالمناقشة في الحساب لا تجوز من أي أحد فمن أحب ذلك فليبق ومن لم يحب فليستقيل".

وهذا يتضح لنا أن سلطة اتخاذ القرار داخل مجلس إدارة مصر الفتاة كان يحكمها ديكتاتورية الرئيس، فإذا أصر على موقف كان من الصعب مناقشته فيه للعدول عنه رغم أية معارضة توجه إليه فلم تكن هناك ديمقراطية تمارس داخل المجالس المختلفة.

ويجدر بنا كي يستكمل المستوى المركزي للهيكل صورته، أن نتناول منظمات مصر الفتاة المساعدة التي انبثقت عن المستوى المركزي. فقد بذلت مصر الفتاة جهودا لإيجاد منظمات مساعدة لها تتبع المركز العام للحزب؛

وهى في ذلك تهدف إلى توسيع دائرة أنصارها ونشر مبادئها بين مختلف الأوساط ، فسعت إلى تكوين لجان للطلبة في الجامعة والمدارس العليا والمدارس الثانوية والخاصة وفى الأزهر، هذا بالإضافة إلى أنه حاولت أيضا أن تخوض التجربة في أوساط العمال بتكوين لجان مماثلة مكاتب إدارية تتولى تنظيم حركة مصر الفتاة في المجتمع. وسنتناول تلك المنظمات المساعدة بالدراسة حتى تتضح صورة الهيكل التنظيمي لمصر الفتاة بتنظيماته الأساسية ومنظماته المساعدة. 

لجان الطلبة التنفيذية:

تألفت في عام 1935 هيئة تسمى " كتلة الطلبة القوميين" وهذه الهيئة تضم الشباب المعارض للوفد ولوزارة توفيق نسيم، وقد تولى نور الدين طراف أحد أعضاء مصر الفتاة رئاستها، وكانت تعقد اجتماعاتها بمنزل النبيل عباس حليم، فهو الذي يتبناها لموقفه المعارض من الوفد ووزارة نسيم آنذاك.

وكذلك شارك أعضاء مصر الفتاة في حركة الطلبة عام 1936، ففي عيد الجهاد في 13 نوفمبر 1935 أصيب إبراهيم شكري أحد أعضائها بإصابات بالغة وأجريت له عدة جراحات أنقذت حياته، فمصر الفتاة تقوم أساسا على الطلبة؛

وهى بذلك لابد لها أن تقيم داخل المؤسسات الطلابية منظمات تقوم بالدعاية لها ونشر مبادئها، وفى هذا المجال تقدم نور الدين طراف باقتراح في جلسة مجلس الجهاد بتاريخ 29 مارس 1936 لتأليف لجنة من طلبة مصر الفتاة باسم " اللجنة التنفيذية لطلبة مصر الفتاة" فوافق المجلس على الاقتراح وقرر أن تتألف هذه اللجنة من ثلاثة مندوبين عن كل معهد أو كلية من كليات الجامعتين المصرية والأزهرية والمدارس العليا، وانتخب المجلس نور الدين طراف رئيسا لها.

تم تشكيل اللجنة فكان لها مندوبون في مختلف الكليات الجامعية، ففي كلية الحقوق كان أعضاؤها هم كل من حمادة الناحل، صالح حنفي، بسكالس ويصا، مصطفى عدلي، أحمد شوقي، وفى كلية الزراعة محمود مكي، إبراهيم شكري ، حسين حلمي، عبد الفتاح زكى وفى الآداب عبد الحكيم عدوى عابدين، محمد فاضل ، أحمد حسن أحمد، وفى الهندسة سمير حلمي، كمال عز الدين، حسنى شعتوت، على زين العابدين ، وفى كلية الطب نور الدين طراف، أحمد عبد النبى، فتحي القداح، محمود فهمي كريم، وفى كلية التجارة أنور عبد المعطى، محمد محمد الزقاقى، مصطفى زهران، وفى معهد التربية محمود الشافعي؛

وفى كلية دار العلوم محيى الدين عبد الحليم، إبراهيم خضراوي ، محمود عبد الله، وفى كلية اللغة العربية عبد الحميد محمود، السيد أبو حديد، محمد الجنيدى جمعه، إبراهيم بسيونى، وفى كلية أصول الدين عبد الرحمن الصوالحى ومحمود عبيد.

وفى العام التالي 1937 بذل الحزب جهودا كبيرة لضم أنصار جدد من الطلبة، خاصة بعد الانشقاق الذي تعرض له حزب الوفد بخروج النقراشي وماهر، وكذلك خروج كثير من الطلبة على الوفد، فحاول عقد اجتماعات عامة كبيرة داخل الجامعة، وكون لجانا مختلفة منها " اللجنة التنفيذية لطلبة مصر الفتاة بالأزهر" ، "لجنة المدارس الثانوية والخاصة" ، " ولجنة الجامعة والمدارس العليا" ، وقد أحرز الحزب نجاحا في هذا المجال.

وقد بدأ في تكوين لجان الطلبة داخل كل شعبة من شعبه في القاهرة، فاشترط أن تكون كل شعبة في القاهرة مؤلفة من لجنتين إحداهما للطلبة والأخرى للعمال ، وخصص لكل منهما يوما من أيام الأسبوع يلتقي فيه أعضاء هذه اللجان برئيس الحزب، وقد تولى حمادة الناحل مهمة الاتصال بلجان الطلبة، وتولى أنور حوطر الاتصال بلجان العمال وقد كان لفوز مرشحي الطلبة من حزب مصر الفتاة في انتخابات اتحاد الطلبة بالجامعة، وحصولهم على أغلبية الأصوات، إذ حصلوا على أصوات المرشحين الوفديين.

كان ذلك مشجعا لمصر الفتاة كي تزيد من اهتمامها بلجان الطلبة، فتألفت لجان فرعية في الأقاليم منها" لجنة طلبة مصر الفتاة التنفيذية بمعهد شبين الكوم" ، كذلك تكونت لجان للطلبة في أسيوط في المعاهد والمدارس المختلفة وتشكل لها مكتب دائم.

وبالإضافة إلى لجان الطلبة التنفيذية، فقد تشكلت لجان فرعية تهتم بموضوعات معينة، فقد تشكلت لجنة فرعية خاصة بفلسطين من بين زعماء مصر الفتاة بالجامعة في مختلف كلياتها، وعملت هذه اللجنة على التنسيق مع الهيئات الأخرى التي تألفت لمناصرة فلسطين، من ذلك أنها حددت يوم 31 أكتوبر 1938 ليكون يوما جامعيا خاصا بفلسطين يظهر فيه طلبة الجامعة شعورهم حيال إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين.

ونظرا للأعمال التي كان يقوم بها اليهود داخل فلسطين، فقد قرر حزب مصر الفتاة تكوين لجنة لمقاطعة اليهود في مصر والتنبيه إلى خطرهم في مصر والبلاد العربية، فتشكلت اللجنة من محمد صبيح رئيسا، ومحمود مكي سكرتيرا، كمال سعد ومحمد مهدي وعبد الرحمن الصوالحى أعضاء.

وتحقيقا للشطر الثاني من شروط " الشعب" الذي نصر على أن تكون بكل شعبة لجنتين أحداهما للطلبة والأخرى للعمال، فقد قامت مصر الفتاة بدعاية واسعة النطاق في أوساط العمال لضم عدد كبير منهم لعضويتها، وتوجت عملها بأن ألفت " اللجنة التنفيذية لعمال مصر الفتاة" وتولى رئاستها أحمد الشيمى وانتخب العمال من بينهم سكرتيرا وأمينا للصندوق ومراقبا لها. هذا وإن لم تعلن أسماءهم.

ولكي يستكمل الهيكل صورته أيضا، فقد استحدث حزب مصر الفتاة عددا من المكاتب واللجان التي تتبع المركز العام، وكان الهدف من إنشائها التوفر على دراسة وتنفيذ برنامج الحزب الاجتماعي والاصلاحى العام، وهذه المكاتب واللجان هي : مكتب الانتخابات، لجنة مكافحة الأمية، لجنة مشروع القرش والدراسات الاقتصادية، لجنة الشئون الصحية، لجنة القرية المصرية، لجنة مناهج التعليم، لجنة نشر الثقافة العسكرية.

وتطويرا لهذه الفكرة قرر الحزب إنشاء " مكتب الشئون الخارجية" مستلهما فكرة إنشائه من مكتب الشئون الخارجية لحزب النازي في أبريل 1933 برئاسة الفريد روزنبرج مستشار هتلر في الشئون الخارجية.

ولما كان قادة مصر الفتاة يرون أن حركتهم جزء من حركة عالمية، فكان لا مناص من أن تفعل مثل هذا، فأنشأت ذلك المكتب ليقوم بدراسة الشئون الخارجية والبحث في مشاكلها، ومنها سياسة مصر الخارجية، والدعاية لمصر الفتاة في الخارج. وقد تولى عبد الرحمن بدوى رئاسته.

ويبدو أن هذه الفكرة قد راقت لإدارة الحزب، ومن ثم بدأت في استكمال تشكيل هذه المكاتب بحيث يكون هدفها التوفر على دراسة برنامج الحزب، ومن هذه المكاتب، مكتب شئون التربية، مكتب الشئون الصحية، مكتب الشئون الزراعية، مكتب الشئون الاجتماعية، مكتب الشئون الاقتصادية ، مكتب الفنون، مكتب الشئون الدينية، مكتب الدراسات السياسية، مكتب الشئون الهندسية، مكتب شئون الدفاع، مكتب الشئون الصناعية، مكتب شئون السودان.

وهذه المكاتب جميعا يتولى سكرتاريتها محمد صبيح ويعاونه موسى رستم وحسين يوسف مراقبا إداريا لها. ومن ثم استحدث الحزب مكتبين آخرين هما مكتب الشئون العربية ومكتب الدراسات السياسية الداخلية. وقد بدأت اجتماعات رؤساء وأعضاء هذه المكاتب لمناقشة ما يمكن عمله تحقيقا للهدف من إنشائها.

ومن هذا المنطلق تكون داخل الحزب " المكتب القضائي" ويشرف عليه المحامون من أعضاء الحزب وغيرهم، ويعمل فيه بصفة دائمة وكيل قضائي. كذلك افتتح الحزب مكتبا لتسجيل الأعضاء تولى محمود مكي رئاسته، وذلك بهدف ضبط حركة العضوية، كذلك أنشئ مكتب الدعاية للإشراف على النشرات التي تصدرها هيئات الحزب لتكون معبرة عن رأيه السياسي، وقد تولى عثمان نجاتي رئاسته .

وكذلك افتتح الحزب عيادة طبية لفحص أعضائه وعلاجه تحت إشراف الدكتور أنور نعمان. كما عنى بتكوين جمعية صناعية لمن لديهم الخبرة من الأعضاء، كما افتتح أيضا مدرسة مقاومة الغازات ومدرسة الطيران لإلقاء محاضرات على بعض الأعضاء لتثقيفهم في هذين المجالين.

كان المستوى المركزي يضم إلى جانب تنظيماته الأساسية والمساعدة لجنة قوية تضم أعضاء المركز العام، وهى تعتبر بحق النواة التي بدأت بها مصر الفتاة نشاطها السياسي، والنواة التي استطاعت عن طريقها أن تؤسس لجانا لها في مختلف أنحاء البلاد، ومن ذلك فإنه يحسن أن نتناول تكوين تلك اللجنة وحركة العضوية بها ونشاطها عند تناول المستوى الإقليمي وتكوين اللجان، وفى هذا المستوى يمكننا أن نلقى نظرة على بداية تكوين اللجان وتطورها طوال فترة الدراسة والوقوف على نشاطها ومدى ما أحرزته من جماهيرية داخل المجتمع المصري.

فيما يتعلق بالمستوى الاقليمى وتكوين اللجان فيمكن القول، أنه منذ كانت مصر الفتاة مجرد فكرة لبعث مجد مصر، آمن بها مجموعة من الأصدقاء الشبان، لا يتعدى عددهم اثني عشر فردا، وقعوا على برنامجها في أكتوبر 1933، بدأ هؤلاء يعملون على نشر مبادئ مصر الفتاة لتجنيد المزيد من الأعضاء، فاستطاعوا في خلال أربعة أشهر أن يحققوا نجاحا ملحوظا، فبلغ عدد أعضاء المركز العام ما يزيد على خمسين عضوا في يناير 1934.

وفى نفس الوقت كان بعض أعضاء المركز العام يسعون لنشر دعوتهم في القاهرة وضواحيها وفى الأقاليم، وتحقيقا لهذا الهدف، أسند أحمد حسين رئيس الجمعية إلى بعض الأعضاء مهمة الطواف بالأقاليم للدعوة لمصر الفتاة، فعهد إلى عز الدين عبد القادر مهمة تكوين اللجان في 14 يناير 1934، فرفع تقريرا إلى الرئيس اتضح منه أن عدد الأعضاء الذين وقعوا على استمارة العضوية بالجمعية حتى الآن بلغ 216 عضوا، منهم 73 بالوجه البحري و174 بالعاصمة وضواحيها و19 بالوجه القبلي.

وأن مجموع المناطق التي وجدت فيها دعوة الجمعية آذانا صاغية بلغ 49 منطقة في مختلف إنحاء البلاد، كما أشار التقرير إلى أن أربعة من أعضاء المركز العام يقومون بعمل تكوين اللجان في كل من الإسكندرية وطنطا وبنها والزقازيق. ولكننا نجد أن ما ورد بالتقرير من أسماء كانت تتبع المركز العام مباشرة وحتى ذلك الوقت لم تتألف أية شعبة أو لجنة للجمعية خارج العاصمة.

تألفت أول شعبة بصفة رسمية خارج القاهرة في طنطا، فبلغ عدد أعضائها 25 عضوا، كذلك تألفت في نفس الوقت أيضا لجنة فرعية في طنطا، وتم انتخاب الرئيس والوكيل والسكرتير وأمين الصندوق، وبلغ عدد أعضائها عشرة أعضاء.

وقد تتابع تأليف هذه الشعب، فتألفت شعبة في الزقازيق عاصمة الشرقية في 25 يناير 1934 بلغ عدد أعضائها 13 عضوا ينتمي بعضهم إلى مراكز وقرى مديرية الشرقية. وتألفت لجنة في السيدة زينب ضمت 14 عضوا في 21 فبراير 1934 .

وإن كان أحمد حسين قد ذكر أن الجمعية قد تألفت لها لجان في كل من طنطا والإسكندرية وبنها والمنصورة. أما عن لجان الإسكندرية وبنها والمنصورة فلم نعثر على محاضر تأليفها في ذلك التاريخ، وقد كان أول تشكيل رسمي للجنة الإسكندرية بحضور أحمد حسين في 7 أبريل 1934 حيث تقرر تعيين عبد الفتاح كيرشاه المحامى سكرتيرا وحنفي جمعة أمينا للصندوق .

ومن ثم عاود أحمد حسين زيارة الإسكندرية لاستكمال تأليف شعبتها، فعقد اجتماعا لها بتاريخ 20 مايو 1934 وأسند إلى حنفي جمعة مهمة تأليف اللجان الفرعية بالإسكندرية.

تلك هي الشعب التي تم العثور على محاضر تكوينها رسميا، لكن ذلك لا يعنى أنه لم تكن هناك شعب غيرها، ويمكن القول أنه تألفت للجمعية شعب ولجان في مختلف البلدان في عام 1934 .

وإن لم يكن هناك وضوح تام حول تكوين هذه اللجان، ولكن على الأقل يمكن القول أنه كان لمصر الفتاة أعضاء في تلك البلاد كدعاة لتأليف لجان في المستقبل، وإن كانت بعض التقارير تشير إلى أن فروعا للجمعية قد تم تأليفها في مختلف المدن خارج القاهرة. كما ظهرت للجمعية شعبة في وادي حلفا بالسودان .

وفى عام 1935 بدأت تظهر إلى الوجود شعب جديدة للجمعية، منها شعبة مدرسة مشتهر الزراعية، وأطلق عليها مؤسسوها " شعبة الفلاح الحديث" وشعبة الحوامدية، وشعبة في أسوان، ثم ظهر تكوين شعبة بور سعيد بصفة رسمية.

وفى عام 1936 أنشئت شعبة في قنا، وقد عملت هذه الشعبة في تأليف عصبة تابعة لها في نجع حمادي. وتكونت كذلك شعبة في الفيوم، وشعبة في طهطا أسندت رياستها لمحمد حسن المحامى، وشعب أخرى في سوهاج ، وبني سويف وشبين الكوم وأسيوط، وشعبة في منوف وعلى رأسها أسرة المشهدى، وشعب في مشتول السوق، وشعبة في بلبيس أما في دمنهور فقد ألف شعبان الكاتب عضو مجلس نواب سابق شعبتها من 25 شابا.

وفى عام 1937 بعد أن أعلن مجلس الجهاد تحول الجمعية إلى حزب مصر الفتاة بدأت تظهر إلى الوجود شعب جديدة تعمل على نشر مبادئ الحزب والترويج له، بهدف كسب المزيد من الأعضاء وتجنيدهم في ظل شروط العضوية الجديدة التي ضمنها الحزب قانونه النظامي الجديد، وهو الذي سمح للمصريين جميعا بالانضمام إلى عضويته.

ففي شهر أبريل من ذلك العام نشهد تكوين شعب جديدة للحزب في منيا القمح وقد تكونت عن طريق شعبة مشتول السوق المجاورة لها، وفى الوجه القبلي، تألفت شعبة بساحل سليم وجرى تشكيل مكتبها واعتمده المركز العام وسجل أعضاؤها بسجلات الحزب. وفى نفس الشهر أيضا تألفت شعبة قوية في كوم حمادة بالبحيرة وقام بتأليفها محمد كمال سعد عضو المركز العام للحزب من ثلاثين عضوا.

كما شهد عام 1937 أيضا تأليف شعب وعصب جديدة في مختلف أنحاء البلاد منها شعبة في دكرنس بمديرية الدقهلية في 27 مايو 1937، وشعبة في ساقية أبو شعرة بالمنوفية وقام بتأليفها فهمي عقل عضو المركز العام والمحرر بجريدة الثغر. كذلك تألفت عصبة في " أتليدم" بأسيوط برئاسة جميل حسنين.

أما دمياط فتألفت أول شعبة بها في 23 سبتمبر من نفس العام، وفى 4 أكتوبر تألفت شعبة بسنتريس منوفية وفى مدينة القاهرة تألفت شعبة في مصر الجديدة تولى سكرتاريتها صلاح الدين طاهر واقر الحزب أعضاءها في 11 أكتوبر.

كما تألفت شعبة بكفر الدوار في 18 أكتوبر. هذا فضلا عن تأليف شعبة في بولاق بالقاهرة بصفة رسمية، وإن كان قد ورد ذكرها في عام 1934 إلا أنها لن تتألف إلا في سبتمبر من عام 1937.

كذلك شهد شهر أغسطس من نفس العام تشكيل أول مجلس إدارة لشعبة الإسكندرية التي أصبحت في ذلك الوقت من أقوى شعب الحزب بعد المركز العام. وقد اتخذ ذلك المجلس عدة قرارات من أهمها، أنه لا يسمح لأي عضو من أعضائه بحضور جلساته إلا مرتديا الملابس الرسمية للحزبين وتقرر عقد الجلسات مرتين شهريا، وأن توضع لائحة داخلية للشعبة.

وقد تمت مناقشة موضوع وضع اللائحة الداخلية، ورؤى تأجيل هذا الموضوع خاصة وقد أكد عصام عبد المعطى رئيس الجلسة للأعضاء أم مجلس إدارة الحزب بالقاهرة ليس له لائحة داخلية، وقد قرروا أن يتوجه وفد منهم إلى سراي رأس التين لتقديم عرائض نزع الثقة من وزارة الوفد عام 1937 إلى الملك.

ومن الملاحظ أنه في شهر أكتوبر من هذا العام رفعت عرائض كثيرة تطالب بنزع الثقة من الوزارة، وقد أفاد ذلك في التعرف على بعض الشعب ورصد حركة العضوية بها.

كذلك تألفت شعبة لمحلة الكبرى وتألف مجلس إدارتها وإلى جانب هؤلاء ضمت العريضة التي تقدمت بها الشعبة إلى الملك 108 اسما ذكروا على أنهم أعضاء وجنود وأنصار.

ومن المؤكد أن كل هؤلاء لا يمثلون أعضاء الشعبة ومن المرجح أن يكون أعضاؤها هم أعضاء مجلس الإدارة فقط، وتقدمت شعبة أبو تيج بعريضة عليها 61 توقيعا، وساقية أبو شعرة بعريضة عليها 51 توقيعا و29" بصمة" للأفراد الذين لا يعرفون الكتابة. أما ساحل سليم والبدارى فبلغ عدد الأعضاء الموقعين 278 فردا، وشربين بعريضة عليها 57 توقيعا.

أما المركز العام فتقدم بعريضة ضمت أعضاء مجلس الإدارة والجهاد، إلى جانب أعضاء المركز العام الذين بلغ عددهم 106 عضوا. ولعل ذلك يوضح حركة العضوية به، وقد تبين من خلال دراسة أسماء أعضاء المركز العام أن بعضهم أعضاء في شعب على المستوى الإقليمية.

وهنا يتضح أن حركة العضوية بالحزب لت تعرف الإطارات المحددة لها، ولا الفصل التام بين أعضاء المركز العام وبقية أعضاء الشعب. ولمعرفة حقيقة عدد أعضاء المركز العام فقد بلغ 178 عضوا في نهاية عام 1937.

وفى عام 1937 أيضا لجأ الحزب إلى استحداث نوعية أخرى من اللجان، فلأول مرة يظهر بين تنظيماته لجان للمرة، فقد وجه الحزب دعوة إلى بعض نصيراته من بين الأسر التي تنتمي إليه، لتأليف لجنة فتيات مصر الفتاة، فعقدت اجتماعها الأول في 20 سبتمبر، وحضره أحمد حسين فأوضح موقف مصر الفتاة من المرأة وأكد ضرورة مشاركتها في نشاطه، وقد تم تشكيل اللجنة وأن لم يعلن عن هيئة مكتبها .

وهكذا نرى أن حركة العضوية وانتشار اللجان قد شهدت تطورا إلى حد كبير وإن كانت قد تعرضت لهزة عنيفة على أثر حادث الاعتداء على النحاس في آخر هذا العام، فأغلقت دور الحزب في كل مكان، وقبض على معظم الأعضاء ، وقدموا للمحاكمة، وتم تفتيش دور الحزب ومصادرة كل ما يخص النشاط الحزبي بها.

وفى عام 1938 تنتقل مصر الفتاة إلى طور جديد من أطوار حياتها، فقد كان لتولى وزارة محمد محمود الحكم أكبر الأثر على نمو هيكل مصر الفتاة وانتشار لجانها في كل مكان؛

بحيث يمكن القول أن بداية عهد حكومة محمد محمود تعتبر عصر ذهبيا لمصر الفتاة حيث أصبح يسمح للحزب بالإعلان عن تأليف لجان جديدة، هذا بالإضافة إلى أنه قد سمح له بممارسة نشاطه الحزبي بحرية تامة، وقد انعكس ذلك على حركة العضوية في الحزب، وانتشار اللجان بدرجة ملحوظة، حتى أننا نشهد عددا كثيرا من اللجان في مختلف أنحاء البلاد، وفى الحقيقة فإن مصر الفتاة لم تشهد انتشارا لأفكارها ، ونموا لهيكلها التنظيمي في أي مرحلة من المراحل، كما شهدت ذلك خلال هذا العام، وهذا اتضح في تشكيل لجان جديدة نوردها هنا بترتيب تأليفها.

ففي مستهل عام 1938 ظهرت شعب جديدة في كل من بني خالد (مركز ملوي) وقد تم تأليفها بحضور فهمي عقل سكرتير لجان الحزب المساعد وشعبه في إدفوـ وأخرى في سوهاج والفشن، وفى دسوق، وتكونت لجان فرعية لشعبة الإسكندرية الرئيسية منها: شعب في القبارى ، محرم بك ، الجمرك، كرموز، الرمل. وكذلك ظهرت شعبة في زفتى غربية، وشعبة خط المطرية أسند الإشراف عليها للدكتور فخري أسعد، أما شعبة دمنهور فقد تولى محمد كمال سعد عضو المركز العام بالحزب تنظيمها من جديد.

وهذا يوضح أن الضربة التي وجهتها وزارة النحاس لمصر الفتاة، قد أنهكتها وحلت من عزائمها، فتفرق معظم الأعضاء وابتعدوا عن نشاطها ، فما كان من الحزب إلا أن بدأ يستعيد تماسكه، فشرع يعيد تنظيم صفوفه في عهد وزارة محمد محمود التي أفرجت عن باقي المعتقلين في القضية.

وفى ظل هذه الظروف الجديدة التي استردت فيها مصر الفتاة أنفاسها، أخذ ظهور الشعب الجديدة، فنجد صفحات جريدة " مصر الفتاة" تزدحم بتأليف تلك الشعب ومنها، شعبة شنشور منوفية، شعبة الشيخ يوسف بسوهاج، شعبة أكوه بالسنبلاوين دقهلية، شعبة النخيلة، ثم تألفت لجنة هامة هى لجنة عمال أسيوط، وشعبة الخصوص بشبين القناطر، وشعبة بى العرب منوفية، وشعبة فوه، وشعبة كفر الزيات، وشعبة بني مزار، وشعبة القناطر الخيرية، وشعبة ببا، شعبة جروان منوفية، وشعب في الإبراهيمية ، وكفر شرقية، وشعب في أرمنت ، وشعبة في بيلا، وشعبة في جزيرة أسوان. وفى نفس العام شهدت الإسكندرية تأليف أول لجنة للمرأة بها، فقد تألفت لجنة لفتيات مصر الفتاة، تابعة لشعبة كرموز وتولى سكرتاريتها سكينة حسن.

وعندما أعلم أحمد حسين في 5 نوفمبر من نفس العام، حل جميع منظمات الحزب، أعلنت بعض الشعب تأييدها للرئيس وتصميمها على أن تواصل الكفاح معه إلى النهاية، ومن بين تلك الشعب ، شعبة الإسكندرية التي أعلنت تجديد البيعة للرئيس، وبلغ عدد الأعضاء الموقعين على عريضة البيعة أربعة وخمسين عضوا.

حقيقة أن أحمد حسين قد عرض الحزب لهزة عنيفة كادت تودى بما لديه من تنظيمات وأعضاء إلا أن مصطفى الوكيل قام بجهود عظيمة، لإعادة تأليف مؤسسات الحزب، على أسس جديدة وبشروط جديدة تناولناها فحققت الحركة على يديه في أقل من عام ما لم تحققه في السنوات السابقة من حيث التنظيم وانتشار اللجان في البلاد.

وظل الحزب يمارس نشاطه العادي، وأدرك أنه بقرب تحقيق أهدافه فأعلن عن عقد جمعيته العمومية في نهاية عام 1938 ووزارة محمد محمود ، قد انتقلت إلى طور جديد، ساءت فيه العلاقات بينهما، لعدة أسباب سنوضحها فيما بعد.

فإذا انتقلنا إلى عام 1939 فنجد أنذلك العام، لم يشهد سوى تأليف عدد قليل من الشعب، فتألفت شعبة في بلدة العيادية مركز شربين، وتم تأليف هيئة مكتبها، وشعبة في بلدة العونه بأسيوط وكذلك تم تأليف هيئة مكتبها، وشعبة في أبى رجوان بالجيزة، وكذلك شهد ذلك العام تأليف شعبة القبارى بالإسكندرية رسميا.

وفيما عدا ذلك لم يظهر على صفحات جريدة الحزب" مصر الفتاة" أية إشارة لتأليف جديدة، وربما كان لظروف الحرب أثرها الكبير على تكوينات الحزب، فحتى بعد أن تغير اسم الحزب وبرنامجه إلى الحزب الوطني الإسلامى، لم تشهد تلك الفترة أية تنظيمات جديدة، ولا ظهور شعب جديدة، إلا فيما أمكن التعرف عليه من خلال تقارير البوليس السياسي، فيما يختص بشعبة الإسكندرية فقد تألفت للحزب شعبة جديدة للعمال بحي كرموز بالمدينة.

وقد تجمد النشاط الحزبي بالمدينة مما اضطر أحمد حسين بعد زيارته للمدينة في 11 يوليو 1940، أن يصدر قراره بإلغاء فرع الحزب بالإسكندرية، على أن يتبع أعضاؤه المركز العام بالقاهرة. فأغلقت دار الحزب ونقلت أمتعته إلى معمل الصابون التابع للحزب بالإسكندرية.

وعندما تخرج إبراهيم طلعت من كلية الحقوق، أسند إليه الإشراف على لجنة الحزب بالمدينة، وفى نفس الوقت كان يزاول التمرين على أعمال المحاماة، بمكتب محمد رياض المحامى، فعلم على الاتصال بالأعضاء لاستعادة نشاط الحزب من جديد، فعقد اجتماعين لأعضاء الحزب وشرع يؤلف لجنتين أحداهما لجمع الاشتراكات والأخرى لنشر مبادئ الحزب.

ومهما يكن من أمر تأليف اللجان، ومدى انتشارها في 1938، ورد فعل ظروف الحرب على هذا النشاط فإننا لم نشهد لجان أو شعب من أي نوع، وقد جاءت معالجة هذا الجانب في ضوء المادة المتاحة كما سبق القول، ولذلك كان رصد حركة التطور للهيكل التنظيمي عملية شاقة جدا لغياب المادة الأصلية التي تخدم هذا الموضوع بصفة أساسية وهى سجلات الحزب، وملفات الأعضاء التي كانت محفوظة لدى المركز العام، إلا أن تعرض الحزب بصفة دائمة للتفتيش ومصادرة كل أوراقه في كل مرة، جعل البحث في هذا الموضوع شاقا إلى درجة كبيرة.

ولكنه مع غياب المادة الأصلية فقد أمكن رصد حركة العضوية وتشكيل اللجان إلى حد كبير. والآن وقد تحدثنا عن المستوى المركزي لمصر الفتاة وتناولنا المستوى الإقليمي بالدراسة فإن الأمر يتطلب دراسة التشكيلات العسكرية والتي تشكل جانبا هاما من جوانب الهيكل.

التشكيلات شبه العسكرية:

كانت الفاشية موجة انتشرت في أوربا ومنها إلى دول العالم المختلفة، فقد ظهرت في إيطاليا، وحققت نجاحا منقطع النظير باستيلائها على الحكم بالقوة في العشرينات من هذا القرن على يد موسولينى، وكلن ظهورها ناتجا عن التناقض الحاد بين الرأسمالية والشيوعية.

وقد انتقلت أفكارها إلى معظم دول العالم في الثلاثينات وما بعدها من القرن العشرين، فظهرت في كل من ألمانيا واليابان وأسبانيا وأيرلندا. وقد اعتنقت كل هذه الحركات إطارا أيديولوجيا واحدا إلى حد كبير، وقد انتشرت تلك الأفكار بسرعة عجيبة، ووجدت آذانا صاغية لها في داخل المجتمعات التي تحمل بين طيات تكوين طبقات شعوبها تناقضا حادا، أفضى إلى رواج تلك الأفكار، وزيادة عدد أعضاء معتنقيها بدرجة كبيرة.

وقد تركز اهتمام تلك الحركات على الاعتماد على الشباب، فعملت على تنظيمهم تنظيما دقيقا، وتدريبهم بأساليب عسكرية محضة تعودهم النظام والطاعة، حتى إذا ما أنسمت في نفسها القوة المادية التي تسعى لتكوينها ، تحركت لتحقيق أهدافها في تغير شكل الحكم القائم، عن طريق تلك القوة المادية التحى أحرزتها ، ممثلة في التشكيلات شبه العسكرية التي اتخذتها، وقد كان للنجاح الباهر الذي أحرزته تلك الحركات الفاشية والنازية في أوربا، صداه المسموع أيضا في منطقة الشرق العربي، فقد ظهرت حركات مماثلة في كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان.

وإن كان هناك تمايز واضح بينها من ناحية، وبينها وبين الحركات التي انتشرت في أوربا وآسيا من ناحية أخرى، وهذا راجع للظروف الموضوعية لكل مجتمع من المجتمعات.

ظهرت تلك الأفكار في مصر في مطلع الثلاثينات من هذا القرن، وعمل أحمد حسين على طرحها عندما كان طالبا بالجامعة وتمثلت حركته في الدعوة إلى تكوين" الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ولكنها لم تلق نجاحا في ذلك الوقت، ثم عاود الكرة عندما أعلن قيام جمعية مصر الفتاة في خريف 1933، على أساس تلك الأفكار التي اعتنقها منذ 1930، ولكن هذه المرة بشكل منظم، بعد أن كسب خبرة بالتنظيم والعمل الجماهيري من خلال عمله بمشروع القرش؛

فشرع في الدعوة لكسب الأنصار من الشباب، ليجمعهم حوله، وحول فكرته التي سيطرت عليه، ومن ثم أخذ يضع لهم الأنظمة التي تكفل له تحقيق فكرته، فعمل على تكوين التشكيلات شبه العسكرية ، وجعلها أساسا لاهتماماته ، ومن ثم برزت إلى الوجود تلك التشكيلات داخل المجتمع المصري، ويجدر بما أن نلقى نظرة عليها داخليا وعلى تكويناتها وكوادرها المختلفة ، ومدى ما حققته من نجاح في هذا المجال.

أعلنت جمعية مصر الفتاة ، أن أول ما تريده هو تنظيم الصفوف لتصل إلى غايتها بأسرع وقت وقالت" أننا نعيش في فوضى فيجب أن نعيش في نظام، فعلينا أن نجمع الشباب في صعيد واحد وأن نعودهم النظام والطاعة، وأن نلبسهم زيا واحدا، وأن ننطقهم بنشيد واحد وأن نجعل لهم شعارا واضحا وغاية محددة"

وعلى هذا شرعت مصر الفتاة في تكوين فرق المجاهدين من أعضائها ، فنشرت جريدة " الصرخة" أول صورة لجندي مصر الفتاة مرتديا القميص الأخضر في 16 ديسمبر 1933، موجهة إليه تحية الأجيال الغابرة وتحية الأمة التي تريد على يديه رفعة ومجدا، وقد كان ذلك بداية الدعوة لتكوين فرق المجاهدين لابسي القميص الأخضر، وقد كانت أولى التشكيلات التي ظهرت عدة كتائب في أقسام العاصمة، في شبرا وروض الفرج،وفى الدرب الأحمر ، وفى الأزبكية، وفى الأزهر وفى القلعة، فبلغ مجموع أعضاء المجاهدين بها ثلاثة وخمسين عضوا في مستهل عام 1934.

وإن ذكرت مصر الفتاة في نهاية الثلاثينات أن عدد المجاهدين، الذين حضروا الجمعية العمومية التي كانت تعقدها كل عام بسفح الأهرام- كانوا ثلاثين عضوا فقد عام 1934. وكان جمال عبد الناصر من بين هؤلاء الأعضاء فقد انضم رسميا لمجاهدي مصر الفتاة في ذلك العام وسدد اشتراكه للجمعية كما ثبت ذلك قسائم تسديد الاشتراكات بالإيصال رقم 34 عن شهر يناير 1935 فدفع مبلغ 5 قروش . كما اطلعنى أحمد حسين على صورة له وهو يرتدى القميص الأخضر، إلا أنه في نهاية ذلك العام ابتعد عن مصر الفتاة.

وهذا العدد يمثل عدد المجاهدين بالعاصمة فقط، ويؤكد صحة الرقم الأخير ما طالب به أحمد حسين كلا من صبيح والمشهدى والشيمى، عندما كان في جنيف في مستهل عام 1936، بأنه يريد أن يرى خمسين مجاهدا من لابسي القميص الأخضر في القاهرة.

وفى عام 1935 بلغ عدد المجاهدين بالعاصمة خمسين مجاهدا. ولكن في مستهل عام 1936 عندما عاد أحمد حسين من جنيف عقدت الجمعية اجتماعا بمسرح " برنتانيا" حضره ستون مجاهدا يرتدون القمصان الأعداد السابق ذكرها كانت للمجاهدين في العاصمة، وإن كان هناك أعدادا أخرى تقل عنها قليلا في شعب الأقاليم.

ومن ثم تشكلت فرقه من المجاهدين تحمل اسم فرقة فؤاد الأول بلغ عدد أفرادها 116 مجاهدا، 23 مجاهدا أول، 12 مجاهدو كتائب، 2 مدربين عسكريين، 2 أركان حرب الجهاد، و" المجاهد الأعظم" أحمد حسين كما سمى نفسه فبلغ مجموع أفرادها 156 مجاهدا من لابسي القميص الأخضر في مختلف رتبهم شبه العسكرية.

وفى غضون عام 1936 ، شرعت جمعية مصر الفتاة في تنظيم العمال الذين يعتنقون مبادئها، في شكل فرق نظامية يرتدى أعضاؤها القمصان الخضراء، فعقد أحمد حسين اجتماعا معهم وشرح له الهدف من تكوين تلك الفرق ، وأوضح لهم أن هذه الفرق ليس لها علاقة بالنقابات أو الاتحادات العمالية، وإنما هى حركة سياسية يقصد بها تأييد مبادئ مصر الفتاة، وقد تابع ذلك بتوجيه نداء إلى العمال في جميع أنحاء مصر يدعوهم إلى الانضمام لفرق عمال مصر الفتاة فلديها الحل لك مشاكلهم. ولن يستطيعوا حل مشاكلهم إلا إذا كانوا أقوياء سياسيا.

ولكن تلك الفرق لم تظهر إلى الوجود ووقفت الفكرة عند حد الدعوة إليها، وهى الدعوة التي تجددت في العامل التالي عندما فكر الحزب في إنشاء اللجنة التنفيذية لعمال مصر الفتاة التي لم تظهر بصفة رسمية أيضا.

وعندما آلف حزب الوفد فرقا نظامية شبه عسكرية في يناير 1936. بدأت مصر الفتاة توجيه النداءات في محاولة لتجنيد أكبر عدد من المجاهدين، حتى يستطيع بتنظيماته من المجاهدين مواجهة اعتداء القمصان الزرقاء على أعضائه، وفى هذا المجال، تولى محمد صبيح أركان حرب الجهاد إرسال النشرات إلى الشعب والى لجان الحزب وأعضائه في كل أنحاء البلاد، يعلنهم أن أهم ما يعنى به الحزب في ذلك الوقت لمواجهة العهد الحاضر، هو تنظيم القمصان الخضراء وزيادة عددهم لتشكيل الأقسام والكتائب

كانت محاولات مصر الفتاة الدائمة، لنشر الدعاية لتأليف كتائب المجاهدين، دليلا واضحا على أن الفكرة لم تكن تلق ترحيبا من جانب جماهير الشعب، وتفسير ذلك أنه ليست هناك أية مكاسب مادية أو معنوية لمن ينضوي تحت لواء هذه الفرق ن وإنما كان على العكس عرضة للاضطهاد والمراقبة من جانب البوليس ، وكان منزله عرضة للتفتيش الدائم من جانب البوليس أيضا، خاصة وأنه ليس لهذه الفرق سلطة تساندها وتؤيدها وتحمى ظهرها؛

على عكس ما حدث لفرق الوفد الزرقاء، ففي غضون شهور قليلة بلغ عددها ما يزيد على العشرة آلاف، فهي مؤيدة بحزب له جماهير عريضة، وموارد مالية ضخمة، فإذا ما ارتقى الوفد الحكم، كانت هذه الفرق أوفر حظا لدرجة أنه أصبحت تعتبر في وقت من الأوقات" فوق القانون" أما في مصر الفتاة فلم ينضم لفرقها إلا المجاهدون الصادقون الذين آثروا الجهاد في صفوفها دون مكاسب من أي نوع ، وهذا بدوره يفسر المحاولات الدائمة من جانب قيادة مصر الفتاة لزيادة عدد أعضائها لابسي القميص الأخضر.

ولما كانت شعب ولجان مصر الفتاة في الوجه البحري أكثر بكثير من الوجه القبلي ، فقد فكر أحمد حسين في أن يقوم برحلة في الصعيد لنشر مبادئ مصر الفتاة في غضون عام 1936، فقام ومعه عدد من الأعضاء .

ويبدو أن الرحلة لم يكن لها أثر يذكر في زيادة حركة العضوية لمصر الفتاة، إذ أن الحزب قد لجأ في السنوات التالية إلى نفس الأساليب للدعوة لضم أعضاء جدد إليه، ورغم هذه الدعاية المستمرة، والنشاط الدائم من جانب قيادة الحزب، فإن كل تلك المحاولات لم تحرز نجاحا ملحوظا، فإذا انتقلنا إلى عام 1937؛

وعندما تولى الملك فاروق سلطاته الدستورية، أعلن حزب مصر الفتاة عن تأليف فيلق باسم " فيلق فاروق الأول" وهو الفيلق الأول لجنود مصر الفتاة لابسي القميص الأخضر، ومن الناحية النظرية فإن الفيلق يتكون من أربعة ألوية، وكل لواء يتكون من 768 مجاهدا، وأعلنت مصر الفتاة عن توزيع هذا الفيلق ، على كل من القاهرة ففيها لواءان يبلغ عدد أعضائها 1536 مجاهدا، ولواء في الإسكندرية والوجه البحري ، ولواء في الوجه القبلي، أي أن يصل عدد أعضاء مصر الفتاة من المجاهدين 3072 مجاهدا. وهو ما لم يتحقق لها في أي وقت من الأوقات، فلم يزد عدد أعضائها لابسي القميص الأخضر عن بضع مئات من المجاهدين، ففيما يختص بفيلق فاروق الأول فإن تلك الفكرة لم ترى النور؛

وكل ما حدث أن الحزب قد دعا أعضاء فرقة فؤاد الأول سالفة الذكر للاجتماع وشكل من بينهم فرقة فاروق الأول، فقد أصبح الأعضاء يجمعون بين عضوية الفرقتين، وقد جاء تشكيلها على الوجه التالى: أحمد حسين المجاهد الأعظم، محمد صبيح وعبد الحميد المشهدى أركان حرب الجهاد، عصام عبد المعطى ومحمود مكى وجمال الشرقاوي وإبراهيم شكري مجاهدو الفرق بالإضافة إلى 25 عضوا هم المجاهدون الأول في الكتائب ، 16 عضوا مجاهدو أقسام و98 مجاهدا بلغ مجموعهم جميعا 146 مجاهدا.

وهؤلاء الأعضاء هم تقريبا كل لابسي القميص الأخضر بالحزب. ولكي تتضح حركة العضوية لفرق مصر الفتاة النظامية إلى حد ما ، فإنه يمكن معرفة ذلك إذا علمنا أن شعبة الإسكندرية في سبتمبر 1937 لم يزد عدد المجاهدين بها عن ستة عشر مجاهدا فقط.

فإذا علمنا أن شعبة الإسكندرية من الشعب الهامة، فلعل هذا يعطى تفسيرا أن عدد المجاهدين لم يكن ليتيح لمصر الفتاة في أي وقت أن يصل إلى تكوين فيلق وبالعدد سالف الذكر، وفى نهاية 1937 واجهت مصر الفتاة ضربات عنيفة عندما أغلقت حكومة الوفد دور مصر الفتاة بسبب اعتداء عز الدين عبد القادر على النحاس؛

وعندما تولت وزارة محمد محمود في أول يناير 1938 بدأت مصر الفتاة تسترد أنفاسها المنهكة، ولكنها لم تلبث أن تواجه ظروفا جديدة حدت من نشاطها في تكوين الشعب وتنصيب المجاهدين، وقد تمثل في المرسوم الملكي بقانون الذي صدر في 9 مارس 1938 الذى نصر على " تحظر الجمعيات أو الجماعات دائمة أو مؤقتة، التي يكون لها سواء من حيث تأليفها أو عملها من حيث تدريب أعضائها أو نظامهم وزيهم أو تجهيزهم صورة لتشكيلات شبه عسكرية خدمة لحزب أو مذهب سياسي معين".

وكان لصدور ذلك المرسوم أثره الواضح على مختلف التنظيمات شبه العسكرية، المصرية منها والأجنبية. أما فيما يختص بموقف حزب مصر الفتاة فقد طالبت باستثناء قمصانها الخضراء من الحل.

والحقيقة لم يكن هدف وزارة محمد محمود حل تشكيلات مصر الفتاة، وإنما كان همها حل القمصان الزرقاء ، وكان من الصعب على الوزارة له رد فعل واضح على تشكيلات مصر الفتاة شبه العسكرية ، فأعلن الحزب حل كل التنظيمات التي يتعلق نشاطها بالمجاهدين، وأن يحمل كل عضو كان في صفوفها لقب عضو مؤسس.

ويجدر بنا أن نتناول طرق وأماكن تدريب التشكيلات وكوادرها المختلفة، التي تخضع لها في مختلف المراحل التي مرت بها.

كانت مصر الفتاة ، تمارس تدريب أعضائها بعيدا عن أعين البوليس، إذ كانت هناك تعليمات من وزارة الداخلية بتعقب أعضائها والحد من نشاطهم، وعلى هذا فقد ضبط أحد عشر عضوا من أعضائها يتدربون على الأعمال العسكرية ولم تضبط لديهم أسلحة ، وكانوا على هيئة " طابور" يتولى رئاسته محمد صبيح ، ويقوم بإجراء التدريبات العسكرية حسنى ناجى الشماشرجى أحد أعضاء مصر الفتاة، وقد كان الجميع يرتدون زى الجمعية الرسمي، القميص الأخضر والبنطلون الكاكى.

وأما في مدينة الإسكندرية فقد تبرع الحاج أحمد رمضان- أحد تجار الإسكندرية- بقطعة أرض من أملاكه بسيدي بشر لحساب الجمعية. وقد استخدمها في ذلك الوقت أعضاء شعبة الإسكندرية للقيام بالتدريبات العسكرية والرياضية، وقد أشرف على تدريبهم كمال الدين صلاح، رئيس أركان حرب الجمعية، وفى عام 1936 أعلنت الجمعية عن معسكر للتدريبات العسكرية، يقام بمدينة الإسكندرية لمدة خمسة عشر يوما ووضعت له برنامجا للتربية الروحية والعسكرية والثقافية.

أما في القاهرة فبعد أن انضم عبد الخالق مدكور باشا إلى الجمعية ، اتفق معه أحمد حسين على أن تجرى التدريبات العسكرية في قهوة " الفنتاريو" التي يملكها مدكور باشا، ووعد بأنه سوف بمهد قطعة أرض من أراضيه لهذا الغرض وفى نفس الوقت لا يستطيع البوليس أن يتعرض لهم في أرضه الخاصة.

وفى نفس الوقت كان أحمد حسين يبذل جهوده ، لكي يقنع عباس حليم ، بأن يعمل على بث الروح العسكرية والنظام بين العمال المنضمين إليه فنجح في ذلك ، وتم الاتفاق بينهما على أن يقوم عباس حليم بإنشاء أندية رياضية يتدرب فيها كل من عمال عباس حليم ، وأعضاء مصر الفتاة على التدريبات العسكرية ، وقد رأت تلك الفكرة النور ، فأنشأ عباس حليم ناديا يحمل اسمه لهذا الغرض، في نهاية شارع " الملكة نازلي" وهكذا استطاع أحمد حسين أن يتوفر لديه الأماكن التي يزاول فيها أعضاء مصر الفتاة تدريباتهم العسكرية، وفى نفس الوقت حقق لهم الحماية المطلوبة من مهاجمة البوليس؛

ويتضح ذلك من محاولته الاتصال بعبد الخالق مدكور ثم عباس حليم، وهما واجهة قوية يمكن لأعضاء جمعيته أن يستتروا خلفها. بقى بعد هذا أن يحصل لهم على الأسلحة الأزمة لتدريبهم والمدربين المتخصصين الذين يتقنوا عملية التدريب.

ففيما يختص بتسليح الأعضاء، فقد أوفدت جمعية مصر الفتاة، أحد كبار أعضائها للإشراف على شعبة الإسكندرية القوية، وإن كان الهدف الحقيقي من مهمته هو الاتصال ببعض مهربي الأسلحة في المدينة، ومن الواضح أن الملازم ثان عبد الله صادق، صديق أحمد حسين الحميم، والزى يعمل بالجمارك في الإسكندرية ، حاول مساعدة المشهدى في تلك المهمة بحكم وظيفته.

وإن كان المشهدى لم يستطع الحصول على الأسلحة، رغم أنه بقى بالإسكندرية فترة طويلة، وقد استمرت مصر الفتاة تجد في الحصول على الأسلحة بمختلف الطرق إلى أن تمكنت في عام 1936 من الحصول على بعض المسدسات، عن طريق بعض التجار والضباط السابقين بالجيش المصري. وقد كان الحصول على الأسلحة أحد المطالب الأساسية التي تسعى مصر الفتاة للحصول عليه؛

والذي يهيئ لها في النهاية تحقيق حلمها في الاستيلاء على السلطة، لتنفيذ برنامجها في إعادة مجد مصر القديم على يديها، ومن هذا المنطلق كانت دائمة السعي لتسليح الأعضاء، فعندما فشلت في أن تحصل على الأسلحة الكافية، طالبت أعضاءها بأن يحاول كل منهم الحصول على سلاح، حتى إذا حانت الساعة المناسبة لكي تقوم بتنفيذ خطتها كان الأعضاء مستعدين ومسلحين.

وللوصول إلى تلك الغاية كان لابد من تدريب الأعضاء على التدريبات العسكرية بطريقة سلمية، وعلى أيدي متخصصين يجيدون فن العسكرية، ففي أول الأمر يقوم بتدريب الأعضاء من لهم دراية بالنواحي العسكرية، ثم اتجه الرأي إلى أن يقوم بالتدريب المتخصصون من رجال العسكرية، فقد تولى عبد الحميد حسين من أسرة أحمد حسين وهو " كونستابل" سابق تدريب المجاهدين.

وكذلك كان عبد الله صادق يعاونه في هذا الأمر،ولكن الجمعية أرادت أن يشرف على التدريب أحد ضباط الجيش السابقين، فاتصلت بشاكر أحمد وهو أحد الضباط المصريين الذين كانوا يعملون في السودان، وقد أحيل إلى الاستيداع وعاد إلى مصر.

عن طريق محمد صبيح ليقوم بإجراء التدريبات الرياضية والعسكرية للمجاهدين، وقد توجه شاكر أحمد إلى نادي عباس حليم ليقوم بالعمل الذي أسندته إليه الجمعية، حيث يتدرب المجاهدون، فوجد عبد الله صادق يقوم بعمل التدريبات فانتقد شاكر طريقة التعليم التي يتبعها عبد الله صادق؛

وقد طلب شاكر أحمد أجرا قدره ستة جنيهات شهريا، ولكن يبدو أن الجمعية لم تستطع دفع هذا المبلغ، فاتفق على أن يسعى صبيح لدى على الشمسي، لتعيين شاكر أحمد محصلا بشركة المياه بهذا المبلغ، وقد كان الشمسي عضوا بمجلس إدارتها، على أن يتولى تدريب " كتلة الطلبة القوميين" التي تؤيد عباس حليم، على أن يأخذ علاوة قدرها 2% من مجموع الاشتراكات.

وللإشراف على المجاهدين وتدريباتهم تولى كل من محمد صبيح والمشهدى منصب أركان حرب الجمعية والجهاد.

ومهما يكن الأمر ، فقد توفر لدى الجمعية عدد من المجاهدين، وأمكن الحصول على الأماكن التي يؤدون فيها تدريباتهم العسكرية، وأتيح لهم مدربون من ذوى الخبرة، فكان الأمر يتطلب بالضرورة إيجاد هيئة عليا تتولى الإشراف على كل شئون المجاهدين، فتم تشكيل مجلس الجهاد لهذا الغرض، ومن مهامه تنصيب المجاهدين، والإشراف على تدريبهم ومدى انتظامهم فى الحضور ، ومراقبة مالية الجمعية وتنظيمها، فهو أعلى سلطة فى الجمعية؛

وقد ظل يمارس هذه المهام إلى أن تحولت الجمعية إلى حزب فانتقلت سلطاته إلى مجلس الإدارة، إلا ما يخص منها شئون المجاهدين، وقد تولى محمد صبيح سكرتارية ذلك المجلس، فأعد له سجلات يدون بها محاضر جلساته ويتابع مدى انتظام الأعضاء في حضور جلسته، وذلك بصفته الرئيس الأعلى للمجاهدين.

وهكذا يمكن القول، أن التشكيلات شبه العسكرية التي استحدثتها مصر الفتاة داخل المجتمع المصري، كان يمكن أن يتكامل لها أسباب النجاح في تحقيق غرضها، لو أتيح لها العمل بحرية فى ممارسة تدريباتها، ولو توافرت لها السلطة التي تؤيدها وتدعمها لحققت نجاحا أوفر من حيث تجنيد أعداد أكبر من المجاهدين، هذا فضلا عن غموض الأفكار التي طرحتها؛

فكان عدم توفر هذه الشروط كفيلا بألا تحرز قمصان مصر الفتاة الخضراء نجاحا ملحوظا ، وإن كانت قد أحدثت داخل المجتمع المصري فقد حذت بعض الأحزاب حزوها في تكوين تشكيلات مشابهة.

استحدث حزب الوفد في يناير 1936 فرقا نظامية شبه عسكرية، واعتمد في تشكيلها على لجان الشبان الوفديين التي أنشأها من قبل.

وقد كان ذلك تقليدا لمصر الفتاة، أو ربما إعجابا من جانب ذلك الحزب بنظام تلك الفرق وموجتها التي انتشرت في ذلك الوقت.

وكما حاكى الوفد مصر الفتاة، فقد لقيت الفكرة أيضا رد فعل لدى الحزب الوطني، فقد قرر حافظ رمضان رئيس الحزب تكوين " جمعية البازى" واختار لها الزى الرسمي وأصدر تعليماته إلى أنصار الحزب من طلبة الجامعة بضرورة ممارسة التدريبات العسكرية في ساحة النادي.

وقد توفر حافظ رمضان على دراسة الأنظمة الفاشية والنازية وبذل جهودا لبث الروح العسكرية بين الشباب المصري.

وليس هناك وضوح تام حول ما أحرزته تلك الفكرة. وقد اتجه تفكير حافظ رمضان فئ أن يضم جمعية مصر الفتاة إلى الحزب الوطني، وكلف محمد محمود جلال عضو الحزب أن يقوم باتصالات بأعضائها لهذا الغرض، ولكن المحاولة أخفقت لرفض أعضاء مصر الفتاة موضحين أن ذلك من اختصاص أحمد حسين.

وسواء كان ذلك تقليدا لمصر الفتاة، أو أنها موجة انتشرت وكان لها صداها المسموع في مصر ، فإن تشكيلات الوفد قد أخفقت تماما، بعد صدور المرسوم بحل الفرق (مارس 1938)

إلا أن مصر الفتاة، وهى التي قامت أساسا على تلك الفكرة لتنظيم الشباب ، وتعويدهم النظام والطاعة وجمعهم في تشكيلات شبه عسكرية تتيح لها تكوين" الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ليمهد لها تنفيذ أهدافها في إعادة مجد مصر القديم، مع إيمانها بأن ذلك لن يتحقق إلا بالاستيلاء على الحكم ومن ثم تنفيذ برنامجها، ومن هذا المنطلق الكرى، ظلت مصر الفتاة تلح على تنفيذ تلك الفكرة، فحتى بعد صدور المرسوم الملكي بحل الفرق، فقد ظلت تمارس تدريباتها العسكرية داخل دورها. وما أن أعلنت حكومة محمد محمود عن إعادة التدريب العسكري لطلبة المدارس والجامعة حتى طالبت مصر الفتاة جميع أعضائها بأن ينضموا إلى صفوفه، وأن يكون لدى كل عضو من أعضائها ملابس التدريب العسكري التي قررتها وزارة المعارف.

وأعادت تنظيم صفوفها على هذا الأساس، وبدأت تظهر درجة الأعضاء المجاهدين، فتقرر أن تكون كل شعبة أو عصبة من لجانها من مكونة المجاهدين فقط. وعادت إلى تشكيل الكتائب فوجهت دعوة لأعضائها لتأليف " كتيبة فلسطين" . لتنظيم يوم فلسطين الذي أعلنت عنه مصر الفتاة، للقيام بمظاهرات توضح موقف الطلبة من القضية.

ومن ثم أعلن حزب مصر الفتاة، استمرارا لفكرته فى نشر الروح العسكرية، عن افتتاح مكاتب للتطوع فى جميع شعب مصر الفتاة، حتى إذا تجمع لدى الحزب عدد كبير من المتطوعين، وضعهم تحت تصرف وزارة الدفاع سواء في الجيش العامل أو في الجيش المرابط، ويوضح أحد التقارير أن ثمانين عضوا من أعضاء مصر الفتاة قد قرروا الانضمام إلى الجيش المرابط، تحت قيادة اليوزباشي السابق بالجيش محمد زكى مصطفى، والذي يشغل نفس المنصب بالجيش المرابط في ذلك الوقت.

ومن ثم يتابع الحزب نشر تعليماته على الأعضاء بضرورة الانضمام إلى معسكرات التدريب، سواء في الجيش المرابط أو في أماكن التدريب التي أوجدته الحكومة. وأكد أحمد حسين على ضرورة الالتحاق بتلك المعسكرات وقصر حضور اجتماعات الحزب على من يمارسون التدريب في تلك المعسكرات.

وهكذا يتضح لنا أن مصر الفتاة لن تتخل إطلاقا عن فكرتها القديمة في نشر الروح العسكرية بين أعضائها لتكوين " الميليشيا الفرعونية" أو " جيش الخلاص" ولكن الظروف الموضوعية التي مر بها المجتمع المصري لم تتح لها أن تصل إلى أهدافها التي رسمتها لنفسها منذ بداية كفاحها، فقد مرت التجربة بمنحنيات خطرة وهزات عنيفة كان من نتيجتها أنها لم تستطع تحقيق ما هدفت إليه.

ويجدر بنا أن نتناول وسائل الاتصال بين المستوى المركزي والمستوى الإقليمي والتشكيلات سبه العسكرية.

منذ أن أعلن أحمد حسين ورفاقه برنامج مصر الفتاة، فقد أيقنوا جميعا بضرورة نشر مبادئهم بين مختلف فئات الشعب، وقد تمثل ذلك في البداية في رحلات قام بها الأعضاء المؤسسون، وأمكن عن طريق تلك الرحلات تكوين اللجان الفرعية لمصر الفتاة، واستمر ذلك طابع العلاقات بين المركز العام كانوا يقومون بالدعاية لمصر الفتاة ومبادئها، ويعملون على نشرها في مختلف البلاد، كل منهم يعمل في منطقته إذا كان ينتمي لإقليم من الأقاليم

بهذه الطريقة تم تأليف معظم الشعب، وبعد أن تكونت كن لابد من استمرا العلاقة بين المركز العام واللجان الإقليمية، ولقد سارت الاتصالات في طريقين، أولهما تم عن طريق الاتصالات الشخصية بين كبار رجال مصر الفتاة وبين اللجان الفرعية فى الأقاليم، أما الطريق الثاني فقد تمثل في الجريدة التي تعبر عن آراء مصر الفتاة، وتعد لسان حال لها.

ففا الجانب الأول ، قام بعض كبار الأعضاء بزيارة اللجان المختلفة في الأقاليم، استكمالا لتأليفها والإشراف على نشاطها، ففي مستهل عام 1934، قام كبار أعضاء الحزب بزيارات مختلفة للأقاليم، ومنها زيارة أحمد الشيم أمين صندوق الجمعية لمدينة المنصورة، بعد أن انتشرت دعوة مصر الفتاة فيها، وفى تلك الزيارة تقابل مع زعيم الشباب الوفدي بالمنصورة الدكتور محمد حلمي الجيار، ودارت بينه وبين الشباب الوفدي مناقشات حول مبادئ مصر الفتاة،كان نتيجتها أن انضم لمصر الفتاة عدد من الأعضاء ، وقد طالبهم الشيمى بالعمل على نشر مبادئ مصر الفتاة وتجنيد المزيد من الأنصار والأعضاء لها في ريف المنصورة.

وفى نفس الوقت قام فتحي رضوان، سكرتير عام الجمعية، بزيارة لمدينة الزقازيق، وذلك لتنظيم شعبتها وبث الدعاية لمصر الفتاة بها، ولكن البوليس فرض رقابة شديدة على تحركاته ، ولكنه استطاع أن يفلت من رقابة البوليس ويتوجه لأداء فريضة الجمعة في أحد مساجد المدينة، فألقى خطبة ضمنها كفاح مصر الفتاة، إلا أن البوليس اكتشف أمره فألقى به خارج المسجد. وتلك كانت إحدى الطرق التي سلكها رجال مصر الفتاة لنشر دعوتهم.

وعندما كانت جمعية مصر الفتاة تأنس في أحد فروعها قوة وتنظيما، فقد كانت توفد أحد كبار أعضائها ليكون مندوبا دائما للمركز العام بها، وقد حدث ذلك عندما انتظمت للجمعية شعبة قوية في مدينة الإسكندرية كانت في ذلك الوقت تعد أقوى شعبة للجمعية، وقد سافر فتحي رضوان سكرتير عام الجمعية إلى الإسكندرية وأقام هناك شهرا فواصلت شعبتا الإسكندرية مجهوداتها، وشارك فتحي رضوان في أعمالها، ومن ثم قررت الجمعية أن ترسل أحد كبار أعضائها ، فأرسلت عبد الحميد المشهدى ليتولى السكرتارية الدائمة للشعبة، يتولى تنظيمها ويعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن من الأنصار والأعضاء لها.

وفى هذا المجال أيضا كان أحمد حسين يقوم بزيارات لشعب الأقاليم، ولم تكن تلك الزيارات تخلو من مضايقات، كان يتعرض لها رجال مصر الفتاة من جانب الوفد في الأقاليم، وكانت تحدث صدامات مختلفة بين فرق القمصان الخضراء وفرق القمصان الزرقاء الوفدية وقد حدث ذلك أثناء زيارة أحمد حسين لمدينة الفيوم للوقوف على مدى نشاط شعبتها، فعاد أحمد حسين إلى القاهرة واتجه عبد الحميد المشهدى لزيارة شعبة بني سويف .

واستمرارا لأسلوب محاربة الوفد لأعضاء مصر الفتاة، فعندما توجه عبد الحميد المشهدى إلى منوف بلدته للإشراف على أعمال شعبتها وعقد اجتماع فيها، أرسلت الإدارة في طلبه لمقابلة مأمور المركز الذي أودعه السجن، وقد كان ذلك الموقف من جانب المأمور بإيعاز من صبري أبو علم مرشح الدائرة في الانتخابات الذي حاربه المشهدى. وكذلك أرسل الحزب أحد أعضائه ليقوم بنشر الدعوة في أسوان والإشراف على شعبتها.

ظل ذلك هو أسلوب الاتصالات بين المستوى المركزي والمستوى الإقليمي لمصر الفتاة، ففي هذا المجال قام أحمد حسين بزيارة شعبة أسوان، للأشراف عليها وبث الدعوة لمصر الفتاة، وفى نفس الوقت توجه لنفس الغرض لزيارة بعض الشعب في مديرية قنا وأسيوط.

وفى صيف عام 1938 ، وجه مصطفى الوكيل ،نائب رئيس الحزب، في أثناء سفر أحمد حسين لأوربا نداء إلى جنود مصر الفتاة من الطلبة بأن يتوجهوا إلى الريف لنشر دعوة مصر الفتاة ومبادئها، وليعملوا على تأليف اللجان في بلادهم، وذلك أثناء العطلة الصيفية .

ولشدة اهتمام الحزب بنشر دعوته في الريف، فقد تولى بعض الأعضاء عقد اجتماعات في القرى بهدف كسب المزيد من الأعضاء، ولكن لم تلق هذه الجهود أي نجاح ملحوظ. وبعد عودة أحمد حسين من أوربا فقد قرر أن يقوم ببعض الزيارات للأقاليم في مناسبات مختلفة.

وعندما تقرر عقد مؤتمر لحزب مصر الفتاة في أول يناير 1939، قررت رئاسة الحزب إيفاد بعض أعضاء المركز العام إلى الأقاليم للدعوة للمؤتمر وللإشراف على شعبها، وقسمت المناطق بينهم، فتولى عبد الحميد المشهدى زيارة مديرية الشرقية، ومحافظتي القناة ودمياط، وتولى أحمد بدوى زيارة الفيوم وبني سويف والمنيا، وعصام عبد المعطى زيارة البحيرة والإسكندرية ، وتوفيق الملط أسيوط وجرجا وقنا، وعبد الرحمن الصوالحى القليوبية وبلبيس ومنيا القمح وأجا وميت غمر، وصالح حنفي الغربية ، محيى الدين عبد الحليم المنوفية والجيزة، وسامي جورجي مديرية أسوان.

ومن ثم يقرر الحزب أن يقوم بعض رؤسائه برحلات متلاحقة إلى الأقاليم لزيارة الشعب، والإشراف على سير الأعمال بها، والاجتماع بأعضائها وقرر أن يقوم بها مصطفى الوكيل، فتحي رضوان، محمد صبيح، حسين يوسف، عبد الحميد المشهدى ومحمود مكي، وقد قرروا أن تكون أولى زيارتهم لمديرية المنوفية ومراكزها.

تابع أعضاء مجلس إدارة الحزب زياراتهم لشعب الأقاليم، فوجه كمال سعد عضو المجلس الدعوة لعدد من الأعضاء لزيارة مزرعته بالقناطر، لتنفيذ برنامج الحزب، فى نشر الدعوة واتصال رؤسائه بأهل القرى اتصالا مباشرا، ثم تقرر أن يواصل أعضاء مجلس الإدارة زيارة الأقاليم وتنظيم شعبها، وكانت زيارتهم هذه المرة إلى بعض قرى مديرية الجيزة، ثم قام الرئيس بدور في هذا المجال، فزار القناطر الخيرية ومنها انتقل إلى قليوب وشبين القناطر، ثم كفر أبو زايد فمشتول السوق، ثم إلى سنهوا، وكذلك قام عبد الحميد المشهدى بزيارات لكل من المنصورة وبيلا ونبروه والمحلة الكبرى لنفس الغرض.

وبقيام الحرب العالمية الثانية وتشديد الرقابة على النشر، أصبح ذلك الجانب من الاتصالات أكثر أهمية، غذ أصبح هو الأسلوب الوحيد للاتصالات بين المركز العام وبين اللجان،ويتمثل ذلك في لزيارات المفاجئة التي قام بها رؤساء الحزب للأقاليم، ومنها زيارة مصطفى الوكيل وحسن سلومه لبني سويف.

وكذلك زيارة مصطفى الوكيل لشعبة المنصورة والبلاد المجاورة لها. وزيارة أحمد حسين لشعبة الإسكندرية ، حيث ذكر للأعضاء الذين تم جمعهم لعقد الاجتماع عن طريق مرور أحد الأعضاء عليهم أن الرقابة المفروضة على الصحف تجعله لا يستطيع أن ينشر كل شيء، ولهذا فقد عول على زيارة لجان الحزب وفروعه بالمدن، والأقاليم،زيارات مفاجئة لا يعلم بها أحد لكي يتمكن من الاتصال بأنصاره والتحدث إليهم عما يريد.

وهكذا فرضت ظروف الحرب قصر أسلوب الاتصال بالمستوى الإقليمي على جانب الاتصالات الشخصية المفاجئة دون أن يعلن الحزب عنها بأي وسيلة من وسائل الإعلان.

أما عن الطريق الذي استخدمته مصر الفتاة، كوسيلة من وسائل الاتصال، فقد تمثل في توجيه تعليمات المستوى المركزي لشعب الأقاليم، عن طريق النشر فئ الجرائد المختلفة التي اتخذتها مصر الفتاة لسان حال لها تارة، وتارة أخرى عن طريق المراسلات البريدية.

وبذلك تكون مصر الفتاة قد استخدمت هاتين الوسيلتين للاتصال بالمستوى الإقليمي، أما للإشراف على اللجان الفرعية التي تشكلت لها من قبل، أو للدعاية بغرض تشكيل لجان جديدة، ويجدر بنا لكي نستكمل أبعاد الهيكل التنظيمي أن نتناول القسم الرابع وهو الموارد المالية لمصر الفتاة.

تتمثل الموارد المالية لمصر الفتاة من علنية وغير علنية، في عدة مصادر هي كما حددتها القوانين النظامية لها اشتراكات الأعضاء والأنصار بمختلف كوادره، التبرعات لإعانة مصر الفتاة على مواصلة كفاحها، الاشتراك في الجريدة لسان مصر الفتاة، إعانات للجرائد التي اتخذتها مصر الفتاة، من بعض الهيئات والأشخاص؛

وهناك موارد مالية أخرى تمثلت فئ محاولة مصر الفتاة الحصول على الأموال من بعض القوى السياسية في مصر، اتصالات ببعض الشخصيات داخل مصر وخارجها لنفس الغرض، هذا بالإضافة إلى دخل مصر الفتاة من توزيع الجريدة والإعلانات، والاكتتابات التي كانت تطرحها مصر الفتاة بين أعضائها وأنصارها؛

عندما كانت تشرع في القيام بعمل جديد، أو عندما تتعرض لأزمة مالية، وأخيرا أرباحها من المؤسسات التي تقيمها، وفى الجانب الآخر نتناول الالتزامات المالية المفروضة على مصر الفتاة، وقد تمثلت في رحلات بعض الأعضاء إلى أوربا في سنوات مختلفة. والآن نتناول المصدر الأول ونعنى به الاشتراكات.

كانت مصر الفتاة منذ بداية قيامها حريصة على ضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء إليها، فبالرغم من أنها حددت قيمة الاشتراك لكل درجة من درجات العضوية بها، إلا أنه في أحد اجتماعات الجمعية في 22 يناير 1934 ، قرر المجتمعون قيمة الاشتراك قرشين شهريا فقط لكل الأعضاء. وهى بذلك تستهدف تخفيف الأعباء المفروضة على من ينضمون إليها بغية انتشار دعوتها وكسب المزيد من ألأعضاء والأنصار، خاصة وأنها قامت في ظروف أزمة اقتصادية طاحنة تعرضت لها مصر والعالم أجمع، وبالرغم من هذه التسهيلات التي منحتها مصر الفتاة لأنصارها وأعضائها؛

فإن عدد الأعضاء المنضمين إليها لم يحقق لها الجماهيرية التحى كانت تنشدها، فقد أمكن العثور على بعض دفاتر قسائم اشتراكات الأعضاء، ومن خلالها أمكن التعرف على عدد الأعضاء المسددين لالتزاماتهم المالية في المركز العام لمصر الفتاة، ففي يناير 1935 بلغ عدد الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم 68 عضوا، دفعوا مبالغ متفاوتة تتراوح بين ثلاثة قروش وخمسين قرشا بلغ مجموعها 738 قرشا هي كل حصيلة الاشتراكات في هذا الشهر.

وفى شهر فبراير من نفس العام بلغ الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم اثنان وعشرون عضوا تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين قرشين وخمسين قرشا بلغ مجموعها 274 قرشا.

وهذا يوضح أن حصيلة الاشتراكات في تناقص، فإذا علمنا أن معظم المسددين عن هذا الشهر أعضاء جدد انضموا لمصر الفتاة ، فإن غالبية من سددوا اشتراكاتهم في الشهر السابق لم يقوموا بتسديد اشتراكاتهم عن هذا الشهر، ولعل هذا يعطى صورة واضحة لتذبذب حركة العضوية وبالتالي الموارد المالية من الاشتراكات بين المد والجزر.

فإذا انتقلنا إلى شهر يناير عام 1937 فإننا نجد أن عدد الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم عشرون عضوا تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين قرشين ونصف وأربعين قرشا بلغ مجموعها 188,5 قرشا.

وهكذا تسجل قيمة الاشتراكات هبوطا ملحوظا في عدد الأعضاء المسددين، وهذا بدوره يتنافى مع الفكرة التي من أجلها عمد أحمد حسين لتحويل جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي، بهدف كسب المزيد من الأعضاء والأنصار، وفى شهر فبراير من نفس العام بلغ عدد الأعضاء الذين سددوا اشتراكاتهم واحدا وثلاثون عضوا، تتراوح قيمة اشتراكاتهم بين خمسة قروش وخمسة وعشرين قرشا بلغ مجموعها 263 قرشا.

وقد سجل هذا الشهر زيادة في عدد الأعضاء وفى قيمة الاشتراكات إلى حد ما. ولكنه في النهاية فإن قيمة ما كان يجمع من الاشتراكات، لم يكن يتيح لمصر الفتاة أن تعتمد عليه في ممارسة نشاطها السياسي في مختلف المراحل.

وقد ذكر أحمد حسين بصدد ذلك ، عندما أعلن الحزب عن اكتتاب يساعده ماليا في النهوض بأعبائه فقال" إن المسألة لا تحتاج إلى خطب، ولا تحتاج إلى إثارة حماسة، لا يمكن لحركة من الحركات أن تنهض إلا معتمدة على المال، والمال هو عصب الجهاد وهو عصب الحزب وهو عصب المجد" .

وقد كان أحمد حسين في ذلك يقرر حقيقة الأوضاع المالية لمصر الفتاة. فمنذ إعلان قيامها والأعضاء المشتركون غير جادين في الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاهها، فقد كان الشغل الشاغل لمصر الفتاة في كل مراحل تطورها، أن تنبه الأعضاء إلى ضرورة تسديد اشتراكاتهم؛

حتى يتسنى لها أن تستمر في مزاولة كفاحها، من أجل الوصول إلى الغاية التي كرست نفسها لها، وهى إعادة مجد مصر، ففي عام 1934 تطالب مصر الفتاة أعضاءها بأن يواظبوا على دفع اشتراكاتهم وسداد المتأخر عليهم.

ويشهد عام 1938 سيلا من التعليمات في هذا الصدد، فعندما أدخل الحزب تنظيمات جديدا على صفوفه ، كان الشرط الثاني والأخير من شروط من يريد الاستمرار في عضويته للحزب، أن يواظب على دفع الاشتراك بعد أن يكون مالكا لملابس التدريب العسكري.

ومن ثم في عام 1940 عندما لم تحرز جريدة " مصر الفتاة" رواجا. يضيف الحزب إلى هذه الشروط، أن يقوم كل عضو بشراء الجريدة. ولم يكن ذلك هو الوضع في المركز العام لمصر الفتاة، وإنما تعرضت لجانها في الأقاليم لنفس الحالة. فقد أصبح عدم الوفاء بالالتزام المالي هو القاعدة وما عداه يعد استثناء.

كان عد التزام الأعضاء بتسديد اشتراكاتهم لمصر الفتاة، فضلا عن قلة أعدادهم كفيلا بأن تتجه إلى أسلوب آخر لجمع الأموال اللازمة لمواصلة نشاطها السياسي، وهو الحصول على التبرعات والهبات من بعض الأنصار، كما حددت ذلك في قوانينها النظامية، وفى هذا يقول أحمد حسين " عندما خرجت مصر الفتاة إلى الوجود، كان مستحيلا أن نقول للناس سلموا مقاليد الأمور لنا، وقد اكتفت بتبيان مبادئها..

وفى هذه الأثناء اقترب منا أشخاص منهم وزراء سابقون وأعضاء في أحزاب، واتصلنا بمختلف الهيئات والجماعات.. وكنا نرحب بالمعونة نتلقاها من أي ناحية ونتلمس مظاهر التأييد، وكانت الحركة دائما أبدا في حاجة إلى المال، وكانت وسيلتنا لجمع المال أن نقنع بعض الأغنياء والمشتغلين بالسياسة بإعانتنا لمصلحة الوطن والأمة.

وطرقنا عدة أبواب، وكان من بين هذه الأبواب علوبة باشا، ومحمد محمود باشا وبهي الدين بركات وعلى ماهر، فرأينا من هؤلاء تشجيعا وتعضيدا وبادروا بمد الحركة بالمال، على شكل أقساط شهرية من البعض، وعلى شكل إعانات تدفع من حيت لآخر".

وقد انقسمت تلك الإعانات إلى نوعين ، أحدهما إعانة لمصر الفتاة لمواصلة نشاطها السياسي أما الآخر فقد كان إعانة الجرائد التي اتخذتها لسان حال لها، كي تساعدها على الاستمرار في الصدور، ففي النوع الأول من الإعانات ، شهد عام 1934 إعانات من كل من : محمد على علوبة ومحمد زكى على، سليمان حافظ المحامى، عبد الخالق مدكور باشا، إسماعيل وهبي المحامى الذي عرض على أحمد حسين أن أخاه يوسف وهبي على استعداد أن يمنح جمعية مصر الفتاة أرباح حفلة في سينما وهبي.

وقد تراوحت إعانات هؤلاء بين جنيهين وثلاثة جنيهات إلى مبالغ ربما تزيد عن هذا كثيرا، أما عام 1935 فإنه يشهد اتساع دائرة الأشخاص الذين يتبرعون لمصر الفتاة بأموالهم، وهم عبد الرحمن الرافعي، فكرى أباظة، عباس حليم، إسماعيل داود وبهي الدين بركات، وقد تراوحت المبالغ التي تبرع بها كل منهم ما بين جنيهين وعشرة جنيهات، هذا فضلا عن أن بعض الأعضاء الذين فرضت عليهم ظروفهم أن يكونوا خارج القاهرة كانوا يتبرعون لمصر الفتاة من وقت لآخر بمبالغ تتناسب مع قدرتهم المالية .

وفى عام 1936، وقبل أن يعود أحمد حسين من رحلته في أوربا إلى القاهرة، أرسل خطابا إلى فتحي رضوان يطالبه بالاستعداد والتجهيز لإقامة اجتماع ضخم بعد عودته، ويقول له" سوف أعود ومعي كما قلت لك كثير من النقود التي أرسلت إلى من مصر وإذن فإن لم يوجد لديكم نقود للصرف على المطبوعات وجعل الاجتماع ضخما فاقترض من أي ناحية" .

ولعل هذا يوضح أن أحمد حسين قد حصل على بعض الأموال من أوربا لأنه كان دائم المطالبة بإرسال أموال إليه من مصر قبل ذلك مباشرة. وسوف نوضح ذلك فيما بعد ويتضح هذا من تصرفات أحمد حسين بعد عودته من أوربا، ففي مارس من نفس العام، عمل على تأنيث المركز العام للجمعية وبعض دور اللجان، وقد دفع في ذلك مبالغ كبيرة، ويشير أحد التقارير إلى أنه ربما تلقى إعانات مالية من الحكومة.

ولكننا نرجح أنه عاد من أوربا ومعه الكثير من الأموال، وبصدد التزام بعض الأعضاء المؤسسين تجاه مصر الفتاة، فيرسل كمال الدين صلاح، الذي يعمل بالقنصلية الملكية المصرية بالقدس، مبلغا من المال رمزا لتضامنه مع الجمعية. أما في عام 1937 فإن ذلك العام يشهد قمة تقديم الإعانات والتبرعات لمصر الفتاة، خاصة وبعد أن تحولت الجمعية إلى حزب سياسي.

وفى عهد وزارة الوفد، فإن التبرعات كانت في غالبيتها من أشخاص عرفوا بعدائهم للوفد، وربما كان ذلك من جانبهم عملا على تقويض حكم الوفد والعمل على هدمه عن طريق مهاجمة مصر الفتاة له، ففي مستهل العام تصل إلى الحزب مجموعة من التبرعات قيمتها سبعين جنيها ، ومن أشخاص مختلفين من بينهم أعضاء وأنصار الحزب. كما تلقى الحزب معونات أخرى من شخصيات مختلفة.

وهكذا استطاعت مصر الفتاة أن تستكمل النقص الواضح في مواردها المالي عن طريق التبرعات، سواء أكانت من أعضائها أو أنصارها إلى أن أصبح لها ميزانية بلغت خمسين جنيها شهريا.

وهذا المبلغ يسجل ارتفاعا كبيرا في دخل مصر الفتاة في ذلك العام، فإذا انتقلنا إلى عام 1938 فإن العام يشهد رواجا من جميع النواحي لمصر الفتاة، ويهمنا هنا الموارد المالية، ففي مستهل حكم محمد محمود، يتبرع لمصر الفتاة بمبلغ ثلاثمائة جنيه وذلك قيمة الضمان المالي لاستخراج رخصة جريدة" مصر الفتاة"

هذا إلى أن مصر الفتاة قد تلقت كثيرا من الإعانات والهبات، خاصة وإن وزارة محمد محمود وزارة صديقة لها، وإن ذلك ليعطى تفسيرا واضحا لتزايد نشاط مصر الفتاة خلال عهد تلك الوزارة على الأقل في البداية فأحرزت مصر الفتاة نجاحا ملحوظا إلى حد كبير ، فكيف يتحقق هذا النجاح إن لم يكن مؤيدا بموارد مالية كبيرة.

كانت تلك هي التبرعات والإعانات التي تلقتها مصر الفتاة في خلال تلك الفترة وأما بقية فترة الدراسة فلم نعثر على أي ذكر لتبرعات أخرى، وهنا ننتقل إلى الجانب الآخر من الموارد وهو المبالغ المدفوعة من جانب الأعضاء لجريدة مصر الفتاة سواء كان ذلك اشتراكا أم تبرعا.

وبالاضافة إلى ما كانت تحققه جرائد مصر الفتاة المختلفة (الصرخة- وادي النيل- الضياء- مصر الفتاة) من عائد للتوزيع، فإنها كانت تتلقى إعانات من مختلف الهيئات والشخصيات ، لتساعدها على استمرارها في الصدور، ومن بين هذه الشخصيات محمد محمود وإسماعيل صدقي وحفني محمود فقد دفع كل منهم مبالغ كاشتراك في جريدة الصرخة.

وعندما اتخذت مصر الفتاة جريدة وادي النيل لسان حالها، فقد كانت هناك إعانات من بعض الأشخاص مثل عباس حليم فقد تبرع بمبلغ عشرون جنيها على أنها قيمة إعلانات شركة السجاير التابعة له، وكذلك إعلانات ثمانية محاكم أهلية، وقد كان لمصر الفتاة موقف من إعلانات الشركات الأجنبية، فعندما تولت تحرير جريدة وادي النيل، كانت تلك الجريدة مرتبطة باتفاقات سابقة مع بعض الشركات الأجنبية، فأعلنت مصر الفتاة أنها ستعمل على التخلص منها عندما تنتهي فترة تلك العقود.

وقد أعان على ماهر تلك الجريدة بمبلغ خمسة جنيهات ويشير تقرير آخر أنه عندما أصبح أحمد حسين عاجزا عن الاستمرار في إصدار الجريدة تبرع على ماهر بمبلغ عشرون جنيها مساعدة من القصر إعانة للجريدة.

وعندما عادت مصر الفتاة إلى تحرير" الصرخة" من جديد فقد انهالت عليها الإعلانات الحكومية التي كانت تشكل مصدرا هاما من مصادر تمويل الجريدة. وبالإضافة إلى هذا فقد تلقت جريدة الثغر مبلغ أربعين جنيها إعانة من كل من سلطان السعدي وصالح لملوم.

وفى النهاية يمكننا عمل ميزانية لحزب مصر الفتاة وتقدير قيمة الدخل والمنصرف، ففي الفترة من 5 إلى 21 أغسطس، بلغت قيمة المنصرف بالحزب والجريدة مبلغ عشرون جنيها وسبعمائة وعشرة مليمات منها تكاليف إصدار الجريدة، وبلغت الإيرادات بما فيها بعض التبرعات تسعة عشر جنيها وخمسمائة وستون مليما.

فإذا علمنا أن هذا المبلغ الأخير يشمل قيمة المباع من الجريدة إلى جانب الإعلانات، فإن معظمه كان عبارة عن إعانات من الأعضاء مثل إبراهيم شكري وأحمد حسين وغيرهما ، وهذا بدوره يجعلنا نتصور حجم ميزانية مصر الفتاة في عام 1938، وهو بحق يعد فترة الازدهار بالنسبة لها، فإذا كانت الميزانية بهذه الضآلة دخلا ومنصرفا، فإن هذا يوضح مدى ما كانت تعنيه من نقص في ميزانيتها، مما دفعها إلى أسلوب آخر للحصول على الأموال اللازمة لها، فتطرح اكتتابات بمبالغ مختلفة بين أعضائها وأنصارها،تساعدها على الاستمرار في النشاط السياسي ، فعندما فكر أحمد حسين وفتحي رضوان في السفر إلى لندن، طرحت مصر الفتاة اكتتابا بين الجماهير لتمويل هذه الرحلة.

وقد حقق هذا الاكتتاب مبالغ كبيرة، استطاعت مصر الفتاة أن تستبقى جزء منه لتنظيم أعمال الجمعية وإصدار الجريدة بانتظام.

وفى عام 1937 يعلن الحزب عن اكتتاب بين أعضاء الحزب ومناصريه وذلك ليجدد الحزب نشاطه السياسي وليتخذ له مقرا مناسبا، ولتقوية الحزب، والاكتتاب بدأ بمبلغ قرش. وربما كان ذلك امتدادا لفكرة مشروع القرش بصورة أخرى.

وفى عام 1938 يطرح اكتتابا آخر هدفه هذه المرة إصلاح دار الحزب، بعد أن خربها رجال البوليس أثناء اعتقال الأعضاء، فى حادث الاعتداء على النحاس في خريف 1937 ولشراء الماكينات اللازمة لمطبعة الحزب.

ثم يعلن أيضا في نفس العام عن اكتتاب الطبع الخطب التي ألقاها أحمد حسين، ومن هنا يتضح أن مصر الفتاة، كانت تلجأ إلى طر الاكتتابات بين الأعضاء والأنصار كوسيلة للحصول على أموال بطريقة علنية فإنها كانت تسعى لاتصالات أخرى ، تحصل منها على أموال.

سعت مصر الفتاة، لإقامة علاقات مع الخديوي عباس حلمي الثاني، وكان واسطة الاتصال بينهما عبد الخالق مدكور باشا، وذلك بهدف الحصول على مساعدة الخديوي للجمعية.

وعند زيارة أحمد حسين لأداء فريضة الحج في عام 1935 يقول" قصدت إلى بيت الله الحرام بنية الحج والعمرة وقد تجلت نعمة الله على في هذه الحجة إذ ذهبت إليها خالي الوفاض تقريبا، وعدت منها وأنا محمل بما كان يعتبر في هذا الزمان بالنسبة لنا كثير، وما أعطانا دفعة في كفاحنا وهو ثلاثمائة جنيه" فإذا علمنا أن الملك عبد العزيز قد منحه مبلغ خمسة وستون جنيها فقط.

وهنا يبرز سؤال . من أين جاء أحمد حسين ببقية المبلغ المذكور؟ ونترك هذا السؤال معلقا مع غيره من الأسئلة لنجيب عليه في فصل مصر الفتاة والمسألة الوطنية. وفى جانب آخر، سبق أن ذكرنا أن أحمد حسين عاد من رحلته في أوربا في فبراير 1936 ، وهو يحمل مبالغ كبيرة من المال، وتفسير ذلك أن أحمد حسين عندما كان في لندن كان على اتصال بشكيب أرسلان ثم التقى به في جنيف في ذلك الوقت، وعلاقة شكيب أرسلان بموسولينى واضحة؛

فمن المحتمل أن يكون أحمد حسين قد حصل على مبالغ من قبل موسولينى عن طريق شكيب أرسلان وكذلك هناك إشارات إلى تلقى مصر الفتاة، إعانات مالية مختلفة من إيطاليا فئ مختلف المناسبات، منها 70 جنيه إعانة لإصدار جريدة الصرخة من جديد، 35 جنيه عند سفر أحمد حسين إلى لندن عام 1835، وحصوله على مساعدات مالية عندما كان في إيطاليا وألمانيا عام 1938، وأخيرا عندما كان أحمد حسين بالحجاز فئ عام 1941 فقد كان على اتصال بوزير إيطاليا المفوض وهناك احتمال أن يكون قد حصل على مبالغ منه. خاصة وأن نشاط الحزب كان متجمدا في ذلك الوقت.

فإذا انتقلنا من الحديث عن الموارد إلى الحديث عن الأعباء المفروضة على مصر الفتاة نجد أنها تتمثل فئ إيجار الدور التي اتخذتها مقرا للجانها قيمة استهلاك النور والمياه والتليفون، تكاليف إقامة الاجتماعات والاستعراضات، شراء الملابس العسكرية لبعض الأعضاء، تكاليف إصدار الجريدة؛

وقد كانت الجريدة تستنفد الجزء الأكبر من الموارد، فإذا كانت الموارد المالية لمصر الفتاة تعتمد في غالبيتها على الهبات والتبرعات وليس ذلك دخلا ثابتا فإنها أمام مواجهة تلك الأعباء، كانت تتعرض لأزمات مالية طوال الفترة، كعجزها عن دفع إيجار دارها في 1935 لوزارة الأوقاف.

وتبرز تلك الأزمة أيضا في عام 1940 عندما يرفع صاحب الدار التي تشغلها قضية ضدها لعدم سداد الإيجار لمدة ستة أشهر، كما أنها لم تستطع أن تدفع بقية ثمن ماكينات الطباعة.

ولم يكن هذا هو حال المركز العام وحده، بل تعرضت شعب الأقاليم لتوقف نشاطها نتيجة لنقص في الموارد، فقد صدرت أحكام لصالح أصحاب دور الشعب، عندما لم تستطع مصر الفتاة إصدار جريدتها ، فتلجأ للحصول على قروض من بعض الأصدقاء، ففي هذا الصدد يقترض أحمد حسين مبلغ عشرين جنيها من محمد على الطاهر الفلسطيني صاحب جريدة" الشورى" لشراء الورق اللازم لطبع الجريدة، ويتضح أن هذا المبلغ قد سبقه مبالغ أخرى.


تلك كانت الصورة العامة للنواحي المالية لمصر الفتاة دخلا ومنصرفا والتي توضح أنه لم يتحقق لها أي دخل ثابت من حصيلة الاشتراكات، وقد اعتمدت أساسا على الهبات والتبرعات، ومن الصعب أن ينظم حزب من الأحزاب نشاطه السياسي على مصادر مالية غير معلومة، وغير مضمون الحصول عليها، وكانت طريقة الحصول على أموال من جهات أخرى، ربما لخدمة أغراض معينة- يعد عملا غير مشروع؛

ولكن أمام الالتزامات المفروضة على مصر الفتاة كي تواصل نشاطها، وأمام إصرار رئيسها وإيمانه العميق بإمكانية بعث مجد مصر على يديها ، كان الإصرار على الاستمرار تحت أي ظروف وفى مواجهة أي أزمات، لكن حقيقة الأمر أن مصر الفتاة طوال فترة الدراسة لم تحقق نجاحا ماديا أو معنويا ، اللهم إلا بعض النجاح في عام 1938 والذي لم يدم طويلا لانتهاء " شهر العسل " بينها وبين وزارة محمد محمود 1938.

وهكذا تكون صورة الهيكل التنظيمي لمصر الفتاة قد تم تشكيلها، ولابد لنا من كلمة في ختام ذلك الفصل نلقى بها أضواء على هذا الهيكل.

حقيقة أن مصر الفتاة قد سعت في مختلف المراحل التي مرت بها أن ترسم لنفسها أشكالا تنظيمية مختلفة، وكانت تضمن قوانينها النظامية مختلف الأشكال التنظيمية، أبعادها واختصاصات كل منها؛

وعندما حاولت تطبيق تلك القوانين، وتحقيق تلك الأشكال التنظيمية، كانت تصطدم بالواقع الذي لم يكن يتيح لها الالتزام بها بدقة، فكانت تحاول أن تقيم وحداتها المختلفة في ضوء الممكن المتاح، فإن الجانب التطبيقي للهيكل ، يختلف اختلافا جوهريا عما جاء في القوانين النظامية المختلفة التي أصدرتها؛

فكانت دائمة التغيير والتعديل في قوانينها وتعليماتها لأعضائها وأنصارها وقد كان ذلك ناتجا عن الإصرار على فكرة معينة منذ البداية، ومحاولة تسخير كل الوسائل لتحقيقها، دون أن تسعى لنشر الإيمان بتلك الفكرة مقدما، ثم يأتي بعد ذلك دور التنظيم ليمهد لهذه الأفكار كي ترى النور؛

ولكن مصر الفتاة لجأت إلى إيجاد أشكال تنظيمية دون أن تنشر الأفكار الأساسية التي تلتف حولها الجماهير، ومن ثم يمكن تنظيمهم وصولا للهدف المنشود.

وحقيقة الأمر أن الأحزاب المصرية ومنها مصر الفتاة، ظلت بعيدة عن ممارسة الأساليب التنظيمية الحقة ، ذلك أنها في الواقع لم تكن تستطيع أن تسمح بتنمية الوعي الاجتماعي للجماهير ، أو تتيح لها فرصة المشاركة الجادة في العمل السياسي الحقيقي، فقد ظل الارتجال السياسي طابع العمل الحزب، وحتى بالمعنى الحزبي الصرف فقد فشلت الأحزاب المصرية ومنها مصر الفتاة، في إيجاد الشكل التنظيمي العلمي للحزب، كما استقر في أنحاء العالم، وفى إيجاد تقاليد حزبية راسخة يمكن في إطارها ممارسة العمل السياسي، ومشاركة الأعضاء الحزبيين في رسم وتوجيه سياسة الحزب.

إن صلة الجماهير بالحزب سواء كانت من بين أعضائه الرسميين أو من المشايعين له، لم تكن تتعدى التجمهر في السرادقات والمواكب، والخلاصة أن الأحزاب المصرية فشلت في إيجاد التنظيم الحزبي، الذي يتيح لأعضائها أن يمارسوا العمل السياسي، وبالتالي فشلت في إيجاد أي أساس صالح لبناء تنظيمات سياسية وهكذا فإن مصر الفتاة لم تستطع أن تنهج النهج السليم في الوصول إلى تحقيق الهيكل التنظيمي العلمي لها، وإنما اعتمدت على الارتجال وعدم الالتزام حتى بالإطارات التي وضعتها لنفسها لتتحرك وتنظم نفسها داخلها.