الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإيثار والأخوة عدة الإخوان على طريق الدعوة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب''''<center>الإيثار والأخوة عدة الإخوان على طريق الدعوة</center>''' ==نماذج تاريخية== '''وقع إخوان ويكي''' ''...')
 
 
(١٣ مراجعة متوسطة بواسطة ٤ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''<center>الإيثار والأخوة عدة الإخوان على طريق الدعوة</center>'''
<center><font color="blue"><font size=5> ''' الإيثار والأخوة عُدة [[الإخوان]] على طريق الدعوة</font></font></center>'''


==نماذج تاريخية==


'''وقع إخوان ويكي'''
==مقدمة==
 
كان الناس كلهم في تناحر و تباغض .... و كبر من الغني على الفقبر ، ومن الشريف على الوضيع ، وتفاخر بالأنساب و القبائل .


'''بقلم:علاء ممدوح'''
حتى جاء [[الإسلام]] و بدد بنوره كل تلك الظلمات ، فآخى بين المسلمين و ألف بين قلوبهم و جعل الكل سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى .


العناصر :
يقول الله عزوجل " و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "


'''المقدمة'''
فأخوة الإيمان وما تأتي به من مودة و تعاون و إيثار وقوة نفسية ، هي من عند الله تبارك وتعالى يخلقها في قلوب عباده المؤمنين و لهذا لا يمكن لأي قوة بشرية أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تبدل مكانها الحقد و الكراهية و الخصومة .
   
'''حكايات الإيثار و الإخاء'''


'''زاد الثبات و الصمود عبر السنين'''
ويكفي أن هذه الأخوة و المحبة  توجب محبة الله تعالى لأهلها ، يقول الله عزوجل في الحديث القدسي '''"وجبت محبتي للمتحابين في ، و المتجالسين في ، و المتباذلين في ، و المتزاورين في"''' .


'''المصادر'''
وتكون سببا في ظل الله تعالى لهم ،يقول صلى الله عليه وسلم: '''"إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي'''" .


==مقدمة==
وتجمع بين أصحابها على منابر من نور في الجنة ، يقول صلى الله عليه وسلم: '''" قال الله تعالى "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء"'''.


كان الناس كلهم في تناحر و تباغض .... و كبر من الغني على الفقبر ، ومن الشريف على الوضيع ، وتفاخر بالأنساب و القبائل .
وعلى هذا المبدأ الهام أسس الإمام [[حسن البنا]] بنيان هذه الجماعة الطيبة الزاكية وحرص أشد الحرص على غرس روح الحب في الله بين أفرادها ،  


حتى جاء الإسلام و بدد بنوره كل تلك الظلمات ، فآخى بين المسلمين و ألف بين قلوبهم و جعل الكل سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى .
وكيف لا يهتم بذلك وهو يعلم أن هذه المحبة أوثق عرى الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، و المعاداة في الله ،و الحب في الله ، و البغض في الله عزوجل ".


يقول الله عزوجل " و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "  
ولا يتذوق المسلم حلاوة الإيمان الذي من أجله يبذل كل غال و ثمين إلا بها ،يقول صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان .. وذكر منها " أن يحب المرء لا يحبه إلا لله " .


فأخوة الإيمان وما تأتي به من مودة و تعاون و إيثار وقوة نفسية ، هي من عند الله تبارك وتعالى يخلقها في قلوب عباده المؤمنين و لهذا لا يمكن لأي قوة بشرية  أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تبدل مكانها الحقد و الكراهية و الخصومة .
من أجل هذا كان الإمام [[البنا]] دائما يشير إلى معنى الأخوة و الحب في الله في درس الثلاثاء من كل أسبوع ، ليس هذا فقط بل و أنشأ نظام الأسر التربوي و الذي يعمل على التقارب و المعايشة بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال التعارف( الذي يرفع الحاجز النفسي بين الناس ) و التفاهم ( الذي ييسر التعامل بينهم) والتكافل (الذي يوثق الرباط بينهم.).


ويكفي أن هذه الأخوة و المحبة  توجب محبة الله تعالى لأهلها ، يقول الله عزوجل في الحديث القدسي " وجبت محبتي للمتحابين في ، و المتجالسين في ، و المتباذلين في ، و المتزاورين في " .
'''يقول الإمام [[البنا]] رحمه الله تعالى''' :


وتكون سببا في ظل الله تعالى لهم ،يقول صلى الله عليه وسلم " إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " .
:" وأول القوة : قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب: سلامة الصدر , وأعلاه : مرتبة الإيثار '''(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)''' (الحشر) والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). '''(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)''' وهكذا يجب أن نكون.


وتجمع بين أصحابها على منابر من نور في الجنة ، يقول صلى الله عليه وسلم "
:'''أيها [[الإخوان]]'''
قال الله تعالى " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء".


وعلى هذا المبدأ الهام أسس الإمام حسن البنا بنيان هذه الجماعة الطيبة الزاكية
:لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة , فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين , عظيم الأمل في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم ."
و حرص أشد الحرص على غرس روح الحب في الله بين أفرادها ،


وكيف لا يهتم بذلك وهو يعلم أن هذه المحبة أوثق عرى الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم


" أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، و المعاداة في الله ،و الحب في الله ، و البغض في الله عزوجل ".
==حكايات الإيثار و الإخاء==
ولا يتذوق المسلم حلاوة الإيمان الذي من أجله يبذل كل غال و ثمين إلا بها ،يقول صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ..


وذكر منها " أن يحب المرء لا يحبه إلا لله " .
=== قصة الحاج فرج ===


من أجل هذا كان الإمام البنا دائما يشير إلى معنى الأخوة و الحب في الله في درس الثلاثاء من كل أسبوع ، ليس هذا فقط بل و أنشأ نظام الأسر التربوي و الذي يعمل على التقارب و المعايشة بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال التعارف( الذي يرفع الحاجز النفسي بين الناس ) و التفاهم ( الذي ييسر التعامل بينهم )
:'''تتجلى أسمى معاني الأخوة الصادقة و الإيثار بالنفس بين صفوف [[الإخوان]] في قصة الحاج فرج الذي لم يذكر الأخوة مكانه برغم كل ما تعرضوا له من عذاب السجن الحربي ، وظل حرا طوال 20 عاما.'''
[[ملف:السيسي.jpg|تصغير|<center>الحاج [[عباس السيسي]]</center>]]
:'''يحكي الأستاذ [[عباس السيسي]] القصة على لسان الحاج مرزوق قائلا:'''


و التكافل ( الذي يوثق الرباط بينهم.).
:" ويقول الحاج فرج أنه أن حين اشتد به المرض وتعذر عليه الذهاب إلى المستشفى أو أى عيادة خارجية مخافة أن ينكشف أمره.  


يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى :
:وأدرك أنه ميت لا محالة . فلم يجد بداً من أن يحضر لنفسه قبرا فى المنزل الذى يختبئ فيه - وأوصى بأنه حين يقضى نحبه - يدفن فى هذا القبر! ولكن الله تعالى أنعم عليه بالشفاء ليقضى الله أمراً كان مفعولا!


" وأول القوة : قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب: سلامة الصدر , وأعلاه : مرتبة الإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر) والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض) وهكذا يجب أن نكون 
:ويروى الحاج فرج أنه فى خلال العشرين سنة حدثت معه حوادث ومواقف فوق الخيال - كانت تنتابه الشكوك والظنون فيمن يلقاهم. كانت حواسه شديد اليقظة والانتباه لكل ما يحيط به فهو يتوجس خيفة من كل صوت أوحركة تصدر فى سكون الليل .  
.....


أيها الإخوان :
:عرف فى هذه المحنة قدر الرجال وقيمة القيم والأخوة فى الله. عرف معنى الحب والتضحية والإيثار عرف قيمة هذه الدعوة الخالدة فى تكوين الأمم وإنقاذ الشعوب.


لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة , فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين , عظيم الأمل في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم ."
:ولم يكشف الحاج فرج عن نفسه ويعلن عن وجوده إلا بعد وفاة عبد الناصر وصدور قرار باعفاء المسجونين من [[الإخوان المسلمون]] من باقى العقوبة عام [[1974]] ."


==حكايات الإيثار و الإخاء==
=== الأخوة والإيثار بالمال خارج الأسوار ومن خلفها ===
 
:'''تأمل صدق الأخوة و جمال الإيثار بالمال في هاتين القصتين :'''


1- تتجلى أسمى معاني الأخوة الصادقة و الإيثار بالنفس بين صفوف الإخوان في قصة الحاج فرج الذي لم يذكر الأخوة مكانه برغم كل ما تعرضوا له من عذاب السجن الحربي ، وظل حرا طوال 20 عاما.
:'''الأولى خارج الأسوار ، يحكيها الأستاذ [[عباس السيسي]] :'''
يحكي الأستاذ عباس السيسي القصة على لسان الحاج مرزوق قائلا:


" ويقول الحاج فرج أنه أن حين اشتد به المرض وتعذر عليه الذهاب إلى المستشفى أو أى عيادة خارجية مخافة أن ينكشف أمره.  
:ذلك عام [[1945]] وقبل عيد الفطر بأسابيع.  


وأدرك أنه ميت لا محالة . فلم يجد بداً من أن يحضر لنفسه قبرا فى المنزل الذى يختبئ فيه - وأوصى بأنه حين يقضى نحبه - يدفن فى هذا القبر! ولكن الله تعالى أنعم عليه بالشفاء ليقضى الله أمراً كان مفعولا!
:إذ تقدم الأخ نقيب الأسرة فقال لإخوانه - أيكم يحتاج إلى أى شىء بمناسبة العيد؟ فقال له الأخ أنا أحتاج إلى بدلة وأريد أن ترشدنى إلى ترزى يفصل لى بدلة بالتقسيط.  
...  


ويروى الحاج فرج أنه فى خلال العشرين سنة حدثت معه حوادث ومواقف فوق الخيال - كانت تنتابه الشكوك والظنون فيمن يلقاهم. كانت حواسه شديد اليقظة والانتباه لكل ما يحيط به فهو يتوجس خيفة من كل صوت أوحركة تصدر فى سكون الليل .  
:فقال له الأخ نقيب الأسرة غدا أرشدك عنه. ثم ذهب الأخ نقيب الأسرة إلى ترزى له صلة ب[[الإخوان]] وقال له إن الأخ سوف يأتيك كى تقوم بتفصيل بدلة له - فلا تأخذ منه أى شىء وسوف أقوم أنا بتسديد قيمة البدلة لكم.


عرف فى هذه المحنة قدر الرجال وقيمة القيم والأخوة فى الله. عرف معنى الحب والتضحية والإيثار عرف قيمة هذه الدعوة الخالدة فى تكوين الأمم وإنقاذ الشعوب.
:ولبس الأخ البدلة فى العيد ويسأله [[الإخوان]] من أين اشتريت القماش ومن الذى قام بالتفصيل - فيقول من عند الترزى فلان
...


ولم يكشف الحاج فرج عن نفسه ويعلن عن وجوده إلا بعد وفاة عبد الناصر وصدور قرار باعفاء المسجونين من الإخوان المسلمون من باقى العقوبة عام 1974 ."
: فيذهب [[الإخوان]] لهذا الترزى ويطلبون مثل ما طلب الأخ . ولكنهم يكتشفون أن هذا الترزى لا يفصل بالتقسيط وأن الأخ نقيب الأسرة قام بدفع القيمة كاملة ثم أخذ من الأخ المبلغ على دفعات دون أن يعرف حقيقة الأمر. وكانت هذه القصة دليل صارخ على أسمى معانى الحب والإيثار."
2- الأخوة والإيثار بالمال خارج الأسوار ومن خلفها :


تأمل صدق الأخوة و جمال الإيثار بالمال في هاتين القصتين :
:و الثانية من وراء الأسوار ، يتضح فيها صدق مسارعة الأخ إلى بذل ماله حتى و إن أعطى كل ما يملكه من أجل مصلحة أخيه،  يرويها الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] فيقول :


الأولى خارج الأسوار ، يحكيها الأستاذ عباس السيسي :
:     " معنا عدد من الإخوة ليس معهم نقود ، ومن المصلحة ترك مبلغ في أمانات كل واحد ، تحسبًا لجميع الاحتمالات ، فقد لا نستطيع أن نتقابل بسهولة بعد ذلك ، فعلي القادر أن يتبرع ، وعلي الخالي أن يسجل اسمه ..


" ذلك عام 1945 وقبل عيد الفطر بأسابيع.  
:فخجلت من نفسي أن أتبرع بجزء من مبلغ جاءني كله من عند الله ، فأسرعت بالتبرع بالخمسة والسبعين قرشًا كاملة ، وسجلت اسمي ، في سجل الخالين ، علي أمل أن أتساوي مع أصحاب الحدود الدنيا ، فتكون أماناتي ثلاثين قرشًا مثلاً ..  


إذ تقدم الأخ نقيب الأسرة فقال لإخوانه - أيكم يحتاج إلى أى شىء بمناسبة العيد؟ فقال له الأخ أنا أحتاج إلى بدلة وأريد أن ترشدنى إلى ترزى يفصل لى بدلة بالتقسيط.  
:فكانت المفاجأة أن كان نصيبي بعد التوزيع جنيهًا كاملاً ، بزيادة قدرها ربع جنيه جديد .. هذه الواقعة البسيطة التي ابتدأت بمشاطرة أخي [[محيي علم الدين]] لما معه بالمباحث العامة ، ثم تكرار العملية مع عفيفي بالسجن الحربي ، ومع عبد المنعم بالليمان أعطتني درسًا جديداً في معاني الإيثار وثمراته المباركة ."


فقال له الأخ نقيب الأسرة غدا أرشدك عنه. ثم ذهب الأخ نقيب الأسرة إلى ترزى له صلة بالإخوان وقال له إن الأخ سوف يأتيك كى تقوم بتفصيل بدلة له - فلا تأخذ منه أى شىء وسوف أقوم أنا بتسديد قيمة البدلة لكم.


ولبس الأخ البدلة فى العيد ويسأله الإخوان من أين اشتريت القماش ومن الذى قام بالتفصيل - فيقول من عند الترزى فلان
=== الأخوة و الإيثار حتى الممات ===


- فيذهب الإخوان لهذا الترزى ويطلبون مثل ما طلب الأخ . ولكنهم يكتشفون أن هذا الترزى لا يفصل بالتقسيط وأن الأخ نقيب الأسرة قام بدفع القيمة كاملة ثم أخذ من الأخ المبلغ على دفعات دون أن يعرف حقيقة الأمر. وكانت هذه القصة دليل صارخ على أسمى معانى الحب والإيثار."
: [[محمد عواد]] .. آثر إخوانه على نفسه .. فكان عذاب السجن الحربي أهون عليه من أن يعترف على أحد من إخوانه ولو كلفه ذلك روحه .


و الثانية من وراء الأسوار ، يتضح فيها صدق مسارعة الأخ إلى بذل ماله حتى و إن أعطى كل ما يملكه من أجل مصلحة أخيه،  يرويها الأستاذ عبد الحليم خفاجي فيقول :
:'''يقول الأستاذ [[عباس السيسي]]'''


-     " معنا عدد من الإخوة ليس معهم نقود ، ومن المصلحة ترك مبلغ في أمانات كل واحد ، تحسبًا لجميع الاحتمالات ، فقد لا نستطيع أن نتقابل بسهولة بعد ذلك ، فعلي القادر أن يتبرع ، وعلي الخالي أن يسجل اسمه ..
:" أعظم من ذلك ما يحكي عن [[محمد عواد]] من زملائه :


فخجلت من نفسي أن أتبرع بجزء من مبلغ جاءني كله من عند الله ، فأسرعت بالتبرع بالخمسة والسبعين قرشًا كاملة ، وسجلت اسمي ، في سجل الخالين ، علي أمل أن أتساوي مع أصحاب الحدود الدنيا ، فتكون أماناتي ثلاثين قرشًا مثلاً ..  
:ظهر منه الثبات و المصابرة و قوة الإرادة، و ما كان البطل يزيد على قوله و هو يُعذب: يا مقلب القلوب ثبت قلبي .. أعنِّي .. لا تفتني.


فكانت المفاجأة أن كان نصيبي بعد التوزيع جنيهًا كاملاً ، بزيادة قدرها ربع جنيه جديد .. هذه الواقعة البسيطة التي ابتدأت بمشاطرة أخي محيي علم الدين لما معه بالمباحث العامة ، ثم تكرار العملية مع عفيفي بالسجن الحربي ، ومع عبد المنعم بالليمان أعطتني درسًا جديداً في معاني الإيثار وثمراته المباركة ."
:و ما أن سمعه كبير الجلادين حتى ركله بقدمه، و أخذ سوطاً و أهوى به عليه، و انهال عليه ضرباً، و بعد أن أعياه التعذيب أمره الجلاد أن ينهض، فحاول و لكن لم يَقْوَ ... خانته قواه، و حاول مراراً فلم يستطع.


3-  الأخوة و الإيثار حتى الممات :
:و نادى الجلاد زبانيته و أمرهم أن يوثقوه بالحبال، ثم سأله: تكلم. اعترف.


- محمد عواد .. آثر إخوانه على نفسه .. فكان عذاب السجن الحربي أهون عليه من أن يعترف على أحد من إخوانه ولو كلفه ذلك روحه .
:قال: بم أتكلم؟ و على أي شيء أعترف؟ أنا لا أعرف شيئاً ..) وظل هكذاإلى أن تأكد الذئاب أنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا منه كلمة واحدة فصدرت أوامر [[صفوت الروبي]] بإغراقه فى الفسقية التى كانت موجودة فى صحن السجن الحربى..  


يقول الأستاذ عباس السيسي :
:وأنزل عواد إلى الفسقية ونزل وراءه جندى يقال له : ((خرشوف)) فركب على أكتافه وأمسك برأسه وراح يغطسه فى الماء حتى إذا ما رأى أنه قد أشرف على الهلاك أخرج رأسه وانهال عليه باللكمات والصفعات وهكذا دواليك! فلما أعيتهم الحيل معه نزل [[صفوت الروبي]] بنفسه إلى الفسقية وأمسك براس عواد ورواح يضرب به جدار الفسقية حتى هشمه تماماً، عندئذ أمر ((الجلاد بإخراجه)) من الفسقية فاكتشف الجميع أنه قد مات، وفاضت روحه".


" أعظم من ذلك ما يحكي عن محمد عواد من زملائه :


ظهر منه الثبات و المصابرة و قوة الإرادة، و ما كان البطل يزيد على قوله و هو يُعذب: يا مقلب القلوب ثبت قلبي .. أعنِّي .. لا تفتني.
=== [[سيد قطب|قطب]] و [[محمد يوسف هواش|هواش]]''' رمز الإخاء الصادق حتى نالا الشهادة سويا ===
[[ملف:سيد-قطب-(3).jpg|تصغير|220بك|<center>[[سيد قطب]] و[[محمد يوسف هواش]] في المحكمة</center>]]


و ما أن سمعه كبير الجلادين حتى ركله بقدمه، و أخذ سوطاً و أهوى به عليه، و انهال عليه ضرباً، و بعد أن أعياه التعذيب أمره الجلاد أن ينهض، فحاول و لكن لم يَقْوَ ... خانته قواه، و حاول مراراً فلم يستطع.
:'''يقول الأستاذ [[جابر رزق]] :'''


و نادى الجلاد زبانيته و أمرهم أن يوثقوه بالحبال، ثم سأله: تكلم. اعترف.
:"  قصة حب في الله تربط بين الشهيدين [[سيد قطب]] , و[[محمد يوسف هواش]] . . حتى أن الشهيد [[سيد قطب]] كان يعتبر الشهيد [[محمد يوسف هواش|هواش]] شريكه في كل ما وصل إليه من فكر . . حتى قيل إن الشهيد [[سيد قطب]] وهو يكتب [[في ظلال القرءان]] حول سورة يوسف رأى الشهيد [[محمد يوسف هواش|هواش]] في رؤية سيدنا يوسف عليه السلام يقول له : قل ل[[سيد قطب]] إن ما تبحث عنه موجود في سورة يوسف . . أو ما معناه . . وكانت رؤيا حق . . فقضية "


قال: بم أتكلم؟ و على أي شيء أعترف؟ أنا لا أعرف شيئاً ..) وظل هكذاإلى أن تأكد الذئاب أنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا منه كلمة واحدة فصدرت أوامر صفوت الروبى بإغراقه فى الفسقية التى كانت موجودة فى صحن السجن الحربى..  
:الحكم لله " واضحة كل الوضوح في سورة يوسف . . وكانت رفقة الشهيد [[محمد يوسف هواش]] للشهيد [[سيد قطب]] رفقة طويلة استغرقت فترة سجنه كلها ."


وأنزل عواد إلى الفسقية ونزل وراءه جندى يقال له : ((خرشوف)) فركب على أكتافه وأمسك برأسه وراح يغطسه فى الماء حتى إذا ما رأى أنه قد أشرف على الهلاك أخرج رأسه وانهال عليه باللكمات والصفعات وهكذا دواليك! فلما أعيتهم الحيل معه نزل صفوت الروبى بنفسه إلى الفسقية وأمسك براس عواد ورواح يضرب به جدار الفسقية حتى هشمه تماماً، عندئذ أمر ((الجلاد بإخراجه)) من الفسقية فاكتشف الجميع أنه قد مات، وفاضت روحه".
:حتى في صبيحة يوم المحاكمة كان [[سيدقطب|قطب]] و [[محمد يوسف هواش|هواش]] معا يجمعهما كلبش واحد .  


- قطب و هواش ...رمز الإخاء الصادق حتى نالا الشهادة سويا .. يقول الأستاذ جابر رزق :
:و '''يقول الأستاذ [[جابر رزق]]''' :
"  قصة حب في الله تربط بين الشهيدين سيد قطب , ومحمد يوسف هواش . . حتى أن الشهيد سيد قطب كان يعتبر الشهيد هواش شريكه في كل ما وصل إليه من فكر . . حتى قيل أن الشهيد سيد قطب وهو يكتب في ظلال القرءان حول سورة يوسف رأى الشهيد هواش في رؤية سيدنا يوسف عليه السلام يقول له : قل لسيد قطب إن ما تبحث عنه موجود في سورة يوسف . . أو ما معناه . . وكانت رؤيا حق . . فقضية "


الحكم لله " واضحة كل الوضوح في سورة يوسف . . وكانت رفقة الشهيد محمد يوسف هواش للشهيد سيد قطب رفقة طويلة استغرقت فترة سجنه كلها ."
:" عندما صدر الحكم بالإعدام على الشهيد [[محمد يوسف هواش]] قال بعض [[إخوان]] السجون الذين عايشوا [[محمد يوسف هواش|هواش]] و[[سيد قطب]] :


حتى في صبيحة يوم المحاكمة كان قطب و هواش معا يجمعهما كلبش واحد .  
:" جاءت لك الشهادة ... يا [[محمد يوسف هواش|هواش]] . . كان الله رحيما بك لأنهم كانوا لا يتصورون أن يعيش [[محمد يوسف هواش|هواش]] بعد إعدام [[سيد قطب]] . . "


و يقول الأستاذ جابر رزق :


" عندما صدر الحكم بالإعدام على الشهيد محمد يوسف هواش قال بعض إخوان السجون الذين عايشوا هواش وسيد قطب :
=== فاروق المنشاوي .. آثر سلامة الجماعة على سلامته ===
[[ملف:فاروق المنشاوي.jpg|تصغير|220بك|<center>الأستاذ [[فاروق المنشاوي]] بين جنود [[عبد الناصر]]</center>]]
:[[فاروق المنشاوي|المنشاوي]] . آثر سلامة الجماعة على سلامته .. فلم يفصح عن معلومة ، و لم يسب و يشتم إخوانه ، وتحمل العذاب إيثارا و إخاءً ، كي لا  يتحمله أخوه حتى قتل رحمه الله . تقول [[زينب الغزالي]] رحمها الله تعالى :


_ " جاءت لك الشهادة ... يا هواش . . كان الله رحيما بك لأنهم كانوا لا يتصورون أن يعيش هواش بعد إعدام سيد قطب . . "
:" وبعد فترة دخل ثلاثة جنود كأنهم خارجون لتوهم من جهنم . طول أجسامهم مرعب وعرض أجسامهم كذلك . وجوههم تعكس غلظة قلوبهم .  


- المنشاوي . آثر سلامة الجماعة على سلامته .. فلم يفصح عن معلومة ، و لم يسب و يشتم إخوانه ، وتحمل العذاب إيثارا و إخاءا ، كي لا  يتحمله أخوه حتى قتل رحمه الله . تقول زينب الغزالي رحمها الله تعالى :
:وبعدهم بقليل دخل رجل فسألهم عما إذا كانوا قد عرفوني ورأوني ، وأجابوا بنفس واحد بالإيجاب ، وقالوا بأن موعد موتى قد حل . ثم خرجوا ليعودوا بالأخ [[فاروق المنشاوي]] فيجلدوه بعد أن قيدوه وصلبوه على عود من الخشب . وبين الجلدة والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها .  


" وبعد فترة دخل ثلاثة جنود كأنهم خارجون لتوهم من جهنم . طول أجسامهم مرعب وعرض أجسامهم كذلك . وجوههم تعكس غلظة قلوبهم .  
:ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه جلدا، وأنا أتمزق مما أرى وأسمع حتى طرحوه أرضا واعتقدت أنه يحتضر .  


وبعدهم بقليل دخل رجل فسألهم عما إذا كانوا قد عرفوني ورأوني ، وأجابوا بنفس واحد بالإيجاب ، وقالوا بأن موعد موتى قد حل . ثم خرجوا ليعودوا بالأخ فاروق المنشاوي فيجلدوه بعد أن قيدوه وصلبوه على عود من الخشب . وبين الجلدة والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها .  
:ولكن إرادة الله شاءت له أن يعيش وبحاكم ليحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة . يدعو في السجن ل  [[الإسلام]] وللحق الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من [[عبد الناصر]] لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز بالشهادة . ولم يكتف الآثمون بجلد الأخ فاروق ،


ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه جلدا، وأنا أتمزق مما أرى وأسمع حتى طرحوه أرضا واعتقدت أنه يحتضر .  
:بل أتوا بأخ آخر علقوه على أعوادهم وأعادوا عليه ما سألوا فاروق عنه ورفض الأخ كما رفض أخوه من قبل . واشتد العذاب وتعب الشاب وظنوا أنه يموت . فأنزلوه أرضا ورفعوه على نقالة وانصرفوا به لا يدرى أحد إلى أين . . ".


ولكن إرادة الله شاءت له أن يعيش وبحاكم ليحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة . يدعو في السجن للإسلام وللحق الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من عبد الناصر لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز بالشهادة . ولم يكتف الآثمون بجلد الأخ فاروق ،


بل أتوا بأخ آخر علقوه على أعوادهم وأعادوا عليه ما سألوا فاروق عنه ورفض الأخ كما رفض أخوه من قبل . واشتد العذاب وتعب الشاب وظنوا أنه يموت . فأنزلوه أرضا ورفعوه على نقالة وانصرفوا به لا يدرى أحد إلى أين . . ".
===قصة المهندس [[أحمد نجيب الفوال]] مع المرحوم الحاج [[حامد الطحان]] ===


- قصة المهندس أحمد نجيب الفوال مع المرحوم الحاج حامد الطحان .يقول الأستاذ عباس السيسي:
:'''يقول الأستاذ [[عباس السيسي]]:'''


"... كان المرحوم المهندس أحمد نجيب الفوال وهو من مواليد مدينة (فوه) وكان قد سافر إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه فهو من خريجى كلية الزراعة باسكندرية وكانت بينه وبين الوالد المجاهد الحاج حامد الطحان من أعيان كفر بولين مركز كوم حمادة  
:"... كان المرحوم المهندس [[أحمد نجيب الفوال]] وهو من مواليد مدينة (فوه) وكان قد سافر إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه فهو من خريجى كلية الزراعة ب[[الإسكندرية]] وكانت بينه وبين الوالد المجاهد الحاج [[حامد الطحان]] من أعيان كفر بولين مركز كوم حمادة  


- صلة روحية وحب فى الله تعالى .. ومات الحاج حامد ودفن فى قريته وبعد مدة مات أحمد نجيب الفوال عام 1965 .. وكتب فى وصيته أن يدفن بجوار الحاج حامد الطحان .. وجئ بالجثة من أمريكا وعلم الأهالى بالقصة وعلم البوليس السياسى بها وعارض موضوع الدفن - ولكن الأهالى أصروا على تنفيذ الوصية . ودفن أحمد نجيب الفوال بجوار أخيه فى الله فى مظاهرة إسلامية رائعة هزت وجدان الناس جميعاً ."
:صلة روحية وحب فى الله تعالى .. ومات الحاج حامد ودفن فى قريته وبعد مدة مات [[أحمد نجيب الفوال]] عام [[1965]] .. وكتب فى وصيته أن يدفن بجوار الحاج [[حامد الطحان]] .. وجئ بالجثة من أمريكا وعلم الأهالى بالقصة وعلم البوليس السياسى بها وعارض موضوع الدفن - ولكن الأهالى أصروا على تنفيذ الوصية . ودفن [[أحمد نجيب الفوال]] بجوار أخيه فى الله فى مظاهرة إسلامية رائعة هزت وجدان الناس جميعاً ."
4- وفي العيد .. تتجلى الأخوة و معاني الإيثار:


يحكي الأستاذ عبد الحليم خفاجي عن جمال يوم العيد بمعاني الإخاء الصادقة في صبيحته فيقول :
===وفي العيد .. تتجلى الأخوة و معاني الإيثار===
" دوت أركان السجن بنشيد الانتصار الرباني في صبيحة يوم العيد .. وقد تركت الأبواب مفتوحة من بعد الفجر ، دون السماح بالخروج منها إلي ما بعد الانتهاء من وقت الصلاة والفراغ من التكبير .. التكبير الذي لا يستطيع أحد منا أن يلفظ بكلماته في غير اليوم .. حيث يشتبه مع شعار الإخوان الذي تعمل له الحكومة ألف حساب ..  
 
:'''يحكي الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] عن جمال يوم العيد بمعاني الإخاء الصادقة في صبيحته فيقول :'''
[[ملف:عبد-الحليم-خفاجي-00.jpg|تصغير|<center> الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]]</center>]]
:" دوت أركان السجن بنشيد الانتصار الرباني في صبيحة يوم العيد .. وقد تركت الأبواب مفتوحة من بعد الفجر ، دون السماح بالخروج منها إلي ما بعد الانتهاء من وقت الصلاة والفراغ من التكبير .. التكبير الذي لا يستطيع أحد منا أن يلفظ بكلماته في غير اليوم .. حيث يشتبه مع شعار [[الإخوان]] الذي تعمل له الحكومة ألف حساب ..  


ولكننا اليوم قفي أمان من أي شر ، فكان لوقعه الجميل أثر كبير في نفوسنا ، أعاد إليها يقينها في الله القاهر فوق عباده . من كل مكان في السجن تلتقط أرواحنا قبل آذاننا - الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. ولله الحمد .
:ولكننا اليوم في أمان من أي شر ، فكان لوقعه الجميل أثر كبير في نفوسنا ، أعاد إليها يقينها في الله القاهر فوق عباده . من كل مكان في السجن تلتقط أرواحنا قبل آذاننا - الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. [[الله أكبر .. ولله الحمد]] .


وتهيأنا بلبس حللنا كاملة ، حتى الذين كانت تمنعهم الجروح والأربطة جاهدوا للظهور في أحسن زينة .. ويا لها من لحظة ملائكية عندما انطلقنا خارج الزنازين يعانق بعضنا بعضًا ، أو عندما نري من أثقلتهم الأربطة أو أثخنتهم الجراح ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعمي عقبي الدار .. لم تشهد عيناي مثل هذه المشاهد الربانية من قبل ..  
:وتهيأنا بلبس حللنا كاملة ، حتى الذين كانت تمنعهم الجروح والأربطة جاهدوا للظهور في أحسن زينة .. ويا لها من لحظة ملائكية عندما انطلقنا خارج الزنازين يعانق بعضنا بعضًا ، أو عندما نري من أثقلتهم الأربطة أو أثخنتهم الجراح ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعمي عقبي الدار .. لم تشهد عيناي مثل هذه المشاهد الربانية من قبل ..  


كأنما شفت الأجساد ، فلم يعد موجود سوي الأرواح المشرقة النقية ، ترفرف في ملكوت السماء .. ولم تلبث هذه الأرواح الطاهرة أن انتظمت في صفين متقابلين للتهنئة بالعيد ، ولكن الصفوف تضطرب وتهتز أمام العناق الطويل ، والأشواق الحارة ، والحب الصادق ، والدموع الفياضة ..  
:كأنما شفت الأجساد ، فلم يعد موجود سوي الأرواح المشرقة النقية ، ترفرف في ملكوت السماء .. ولم تلبث هذه الأرواح الطاهرة أن انتظمت في صفين متقابلين للتهنئة بالعيد ، ولكن الصفوف تضطرب وتهتز أمام العناق الطويل ، والأشواق الحارة ، والحب الصادق ، والدموع الفياضة ..  


عالم جديد غريب من صفاء أهل الجنة ، وتراحمهم ، وتوادهم .. وتمت سعادتي بلقاء رفعت وعبد السلام وعفيفي وغيرهم من طلائع النور .. لقد رأيت الشيطان يهرب من نفوس زبانية التعذيب فتطأطئ رؤوسها خجلاً أمام زحف النور ، ويسارعون بدورهم إلي عناق الإخوان ، والاعتذار لهم بالأوامر العسكرية ..
:عالم جديد غريب من صفاء أهل الجنة ، وتراحمهم ، وتوادهم .. وتمت سعادتي بلقاء رفعت وعبد السلام وعفيفي وغيرهم من طلائع النور .. لقد رأيت الشيطان يهرب من نفوس زبانية التعذيب فتطأطئ رؤوسها خجلاً أمام زحف النور ، ويسارعون بدورهم إلي عناق [[الإخوان]] ، والاعتذار لهم بالأوامر العسكرية ..


رأيت أحد السجانة ينتحي جانبًا ، وينتحب في صمت ، يا الله إن لهم قلوبًا كقلوبنا ، ولكن الشيطان سلكهم في سقر مثل فرعون من قبل ، وهو يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار فبئس الورد المورود ، ولقد تحرك قلب أحد هؤلاء العتلات فنطق لسانه باللغة التي يفهمها قائلاً :
:رأيت أحد السجانة ينتحي جانبًا ، وينتحب في صمت ، يا الله إن لهم قلوبًا كقلوبنا ، ولكن الشيطان سلكهم في سقر مثل فرعون من قبل ، وهو يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار فبئس الورد المورود ، ولقد تحرك قلب أحد هؤلاء العتلات فنطق لسانه باللغة التي يفهمها قائلاً :


إن فيكم يا أولاد الكلب فضيلة قذرة وهي أنكم تحبون بعضكم البعض."  
:إن فيكم يا أولاد الكلب فضيلة قذرة وهي أنكم تحبون بعضكم البعض."  


وهذه عشرون كرباجا ثمن الإيثار يحكي قصتها الأستاذ عباس السيسي فيقول:  
:وهذه عشرون كرباجا ثمن الإيثار يحكي قصتها الأستاذ [[عباس السيسي]] فيقول:  


" كان عيد الفطر أول عيد جاء علينا ونحن فى السجن الحربى، وأعطت إدارة السجن أجازات للجنود (الحراس) وانتدبت بعض الجنود الذين لا خبرة لهم بالتعذيب.  
:" كان عيد الفطر أول عيد جاء علينا ونحن فى السجن الحربى، وأعطت إدارة السجن أجازات للجنود (الحراس) وانتدبت بعض الجنود الذين لا خبرة لهم بالتعذيب.  


وفى صباح أول يوم العيد فتح علينا الزنزانة عسكرى من هؤلاء ومعه صندوق من الخشب به ثلاث تفاحات وحوالى نصف كيلو من الجوز واللوز والبندق، وأغلق علينا الباب ونظرنا إلى هذه المفاجأة ولسان حالنا يقول :  
:وفى صباح أول يوم العيد فتح علينا الزنزانة عسكرى من هؤلاء ومعه صندوق من الخشب به ثلاث تفاحات وحوالى نصف كيلو من الجوز واللوز والبندق، وأغلق علينا الباب ونظرنا إلى هذه المفاجأة ولسان حالنا يقول :  


(اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا) وقمنا فوزعنا لكل واحد منا تفاحة وجزءاً من المكسرات، واتفقنا على أننا نستبقى بجزءاً من المكسرات فى جيوبنا حتى إذا خرجنا إلى دورة المياه أعطيناه لإخواننا ظناً منا ألا يكون قد وصلهم شىء من ذلك.
:'''(اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا)''' وقمنا فوزعنا لكل واحد منا تفاحة وجزءاً من المكسرات، واتفقنا على أننا نستبقى بجزءاً من المكسرات فى جيوبنا حتى إذا خرجنا إلى دورة المياه أعطيناه لإخواننا ظناً منا ألا يكون قد وصلهم شىء من ذلك.


... وكلما ذهبنا إلى الدورة فى المواعيد المقررة لم نستطع أبداً أن نعطى إخواننا أى شىء حيث الحراسة شديدة متحفزة فنعود على أمل أن نستطيع فى المرة القادمة حتى كان صباح آخر أيام العيد، فتح علينا الزنزانة العسكرى الشرس (على الأسود) وهو مشهور بإجرامه.  
:وكلما ذهبنا إلى الدورة فى المواعيد المقررة لم نستطع أبداً أن نعطى إخواننا أى شىء حيث الحراسة شديدة متحفزة فنعود على أمل أن نستطيع فى المرة القادمة حتى كان صباح آخر أيام العيد، فتح علينا الزنزانة العسكرى الشرس (على الأسود) وهو مشهور بإجرامه.  


فوقفنا له تحية تعظيم سلام وهو تقليد معروف فى السجن الحربى وقال لى : (ولد يا سيسى فين صندوق الخشب اللى كان فيه التفاح) فقلت له : (يا فندم ما عرفش أى شىء عن هذا الصندوق) قال : يا أولاد .. لازم تجيبوا هذا الصندوق.
:فوقفنا له تحية تعظيم سلام وهو تقليد معروف فى السجن الحربى وقال لى : (ولد يا سيسى فين صندوق الخشب اللى كان فيه التفاح) فقلت له : (يا فندم ما عرفش أى شىء عن هذا الصندوق) قال : يا أولاد .. لازم تجيبوا هذا الصندوق.


... وأخيراً قال أحدنا : إحنا رمينا هذا الصندوق فى الزبالة تحت السلم، فذهب يبحث عنه، فقلت لإخوانى: هيا كل واحد يسرع ويبتلع ما معه من جوز ولوز قبل أن يأتى العسكرى (على الأسود)، فكل واحد منا وضع كل ما معه فى فيه وأخذ يشغل أسنانه وإذا بالعسكرى يأتى غاضباً حيث لم يجد الصندوق.
:وأخيراً قال أحدنا : إحنا رمينا هذا الصندوق فى الزبالة تحت السلم، فذهب يبحث عنه، فقلت لإخوانى: هيا كل واحد يسرع ويبتلع ما معه من جوز ولوز قبل أن يأتى العسكرى (على الأسود)، فكل واحد منا وضع كل ما معه فى فيه وأخذ يشغل أسنانه وإذا بالعسكرى يأتى غاضباً حيث لم يجد الصندوق.
... وقال : يا ولد يا سيسى يا ابن.. فين الصندوق؟  
... وقال : يا ولد يا سيسى يا ابن.. فين الصندوق؟  


كان فهمى مملوءاً فلم أستطع أن أنطق وأقول له أى شىء.. فيلطمنى لطمة شديدة على وجهى، فتنطلق المكسرات فى وجهه كالقنبلة واكتشف الأمر وحكم على كل واحد بـ (عشرين كرباجاً) ."
:كان فمى مملوءاً فلم أستطع أن أنطق وأقول له أى شىء.. فيلطمنى لطمة شديدة على وجهى، فتنطلق المكسرات فى وجهه كالقنبلة واكتشف الأمر وحكم على كل واحد بـ (عشرين كرباجاً) ."
 
 
===الإخاء خدمة و تعاون===
 
:'''إن الأخوة الصادقة تجعل الأخ يعمل في خدمة إخوانه مهما كان مستواه رفيعا ، ومهما كانت الخدمة ... يقول المهندس [[محمد الصروي]] :'''
[[ملف:الصروي.jpg|تصغير|210بك|<center>المهندس [[محمد الصروي]]</center>]]
:" كان على كل واحد من الشباب أن يقوم بالعمل في خدمة إخوانه.. فالعمل عبادة وخدمة [[الإخوان]] عبادة، ولقد عملت في المهن التالية:
 
:صبي سباك تحت رئاسة الأخ [[أحمد عبد المجيد]]، لإصلاح حنفيات دورة المياه باستخدام أنبوبة معجون الأسنان الفارغة.. (صيانة بإمكانات وعقلية السجون).
 
:صبي سباك محترف هو الأخ [[عبد السميع عفيفي]]، حيث قمنا بمد شبكة مياه إلى جميع حجرات العنبر.. بدلاً من ملء الجرادل.
 
:حافظت على عملي الأصلي في سجن [[قنا]] وهو إصلاح شباشب وأحذية [[الإخوان]] لمدة دامت خمس سنوات ونصف السنة.
 
:وبالمناسبة عملت من قبل في سجن [[قنا]] مشرفاً على الصيدلية الخاصة ب[[الإخوان]] وإعطاء حقن العضل والوريد وتحت الجلد وتطعيم [[الإخوان]]، تحت إشراف د. [[محمود عزت إبراهيم]].. لكن لما حضرنا إلى سجن مزرعة طره كان هناك من هم أقدر مني على هذه الوظيفة وعددهم كثير."
 
:'''وعن هذا المعنى أيضا يقول الأستاذ [[عباس السيسي]]:'''
 
:" ... والأخ [[منصور موسى منصور]] الجواهرجى بالصاغة فى الموسكى كان يقوم بالإشراف على دورة المياه فى السجن مستعينا ببعض الإخوة فى مقدمتهم وكيله المرحوم الأخ [[أحمد إسماعيل]] الشهير (بحسنى كاوتش) وهو من [[إخوان]] [[الإسكندرية]] وكان يساعد الأخ حسنى فى النظافة الأخ المرحوم [[أحمد محمود حيدر]] …".
 
:'''والأخوة الصادقة أيضا تجعل الأخ يجود بعلمه لإخوانه ، يقول المهندس [[محمد الصروي]] :'''
 
:"  ( تجمع المهندسون الكيماويون وأعدوا برنامجاً دراسياً، يقوم كل واحد منا بتدريس أحد كتب الماجستير في علوم الهندسة الكيماوية علاوة على دراستنا للهندسة الكهربائية والكيمياء والهندسة المدنية (الخرسانة المسلحة)، كما قام الكيميائي النابه الأخ [[منصور عبد الظاهر]] (الخانكة - [[القليوبية]]) بتدريس علم هندسة الراديو، وكانت له حلقة لدراسة الراديو يحضرها الكثيرون.. لذلك لما خرجنا من السجن كان مستوانا العلمي مرتفعاً جداً بالنسبة لأقراننا الذين لم يدخلوا السجون."
 
 
===أخوة الدين أقوى من عرى النسب ===
 
:'''ولا أدل على ذلك من هذه الواقعة التي يرويها الأستاذ [[عباس السيسي]] بقوله :'''
 
:" ... حدثت هذه القصة فى مدينة رشيد - حين قام أحد الإخوة من الشباب - بقيادة سيارة خاصة فى الطريق العام فاصطدم بفتاة رآها تسقط تحت عجلات السيارة.
 
:فخرج من السيارة فزعا نحو نزل الأخ [[عباس السيسي]] الذى يبعد حوالى كيلو متر. مع العلم أن منزله هو يقع فى مسافة قريبة من الحادث - وحين وصل إلى المنزل لحقه إخوانه الذين طمأنوه على سلامة الفتاة وأنها لم تصب بسوء - فاستعاد راحته النفسية :
 
: وهذه القصة إن دلت على شىء فإنما تدل دلالة عميقة على قوة الصلة الروحية بين أبناء الدعوة الإسلامية وما تربطهم من عقيدة راسخة. جعلت أخوة الإيمان والعقيدة فوق أخوة النسب. ولقد كانت إرادة القلب أقوى من إرادة العقل فقد قطع تلك المسافة بهواتف روحية يحدوها الحب فى الله تعالى."
 
 
=== الأخوة الصادقة تربي الأخ السهل اللين المتواضع مع إخوانه ،مهما كان مركزه===
 
:'''يحكي الأستاذ [[عباس السيسي]] هذه القصة الجميلة فيقول :'''
 
:" كنت مسافراً مع الأستاذ [[عمر التلمساني]] من [[الإسكندرية]] إلى [[القاهرة]] ونحن فى الطريق - قلت للأستاذ عمر - من الواجب على جماعة [[الإخوان]] تكوين شركات اقتصادية بسيطة لتعين [[الإخوان]] على ظروف الحياة الصعبة؛ كما سبق أن كونوا مثل هذه الشركات فى عصرهم القديم مع الإمام [[حسن البنا]] .
 
: فقال : يجب على الإخوة أن يفكروا فى مثل ذلك ونحن نساعدهم .
 
: فقلت له : أنا عندى فكرة إنشاء شركة مياه غازية .
 
: فقال رحمه الله : وهل فكرت لها فى اسم تجارى؟
 
: قلت : نعم .. فكرت أن يكون اسمها ( سيسي كولا )
 
: فقال الرجل : والله اسم (جميل ) !!"
 
 
=== الأخوة والإيثار في الإيواء برغم المخاطر الجسام ===
 
:'''الأخوة والإيثار في الإيواء برغم المخاطر الجسام و الأهوال التي من الممكن أن يتعرض لها الأخ المضيف و أسرته:'''


:'''وهذا يتضح جليا في قصة الأخ رزق إسماعيل التي يرويها الأستاذ [[أحمد البس]] :'''


:" ولما اتجهت إلى عدم تسليم نفسى اتصلت بالشهيد الأخ " [[رزق حسن إسماعيل]]" رحمه الله فرحب بقدومى عليه وإيوائى رغم أن الموقف شديد وخطر ولكن رحمه الله تعالى كان يتصرف بصدق ووفاء وليس بداخله وخارجه أدنى خوف.


5- الإخاء خدمة و تعاون :
:ودخلت إلى بلدته ودخلت منزله القديم بالدور الثانى وأغلق على الباب الحجرة" المقعد" ولا يدخل علىّ أحد إلا هو أو ابنته حين يدق الباب دقا أعرفه فأفتح لها فتناولنى الطعام والشراب وتسألنى عن أى شئ أكون محتاجا إليه, وفى الغالب ليس لى طلبات مطلقا."


إن الأخوة الصادقة تجعل الأخ يعمل في خدمة إخوانه مهما كان مستواه رفيعا ، ومهما كانت الخدمة ... يقول المهندس محمد الصروي :


" كان على كل واحد من الشباب أن يقوم بالعمل في خدمة إخوانه.. فالعمل عبادة وخدمة الإخوان عبادة، ولقد عملت في المهن التالية:
=== جمال ربيع ... له من اسمه نصيب ===


صبي سباك تحت رئاسة الأخ أحمد عبد المجيد، لإصلاح حنفيات دورة المياه باستخدام أنبوبة معجون الأسنان الفارغة.. (صيانة بإمكانات وعقلية السجون).
:'''جمال ربيع ... له من اسمه نصيب  فقد سطر التاريخ جمال أخوته وكمال إيثاره النابع من ربيع قلبه المؤمن:'''


صبي سباك محترف هو الأخ عبد السميع عفيفي، حيث قمنا بمد شبكة مياه إلى جميع حجرات العنبر.. بدلاً من ملء الجرادل.
:فقد آثر على صحته أمن إخوانه و خلاصهم حين أجرى عملية الزائدة وما به من بأس عند طبيب مبتدئ من أجل جمع معلومات لإخوانه.. الله أكبر، نعم الأخوة و نعم الإيثار ... يحكي لنا القصة الأستاذ [[حسين حمودة]] فيقول:


حافظت على عملي الأصلي في سجن قنا وهو إصلاح شباشب وأحذية الإخوان لمدة دامت خمس سنوات ونصف السنة.
:" جمال ربيع في وضع خطة لهروب [[الإخوان]] من سجن الواحات الخارجة وعرضها على وتناقشنا في تفاصيلها مع الإخوة الضباط المسجونين معنا ومع الأستاذ [[محمود عبدة]] قائد متطوعي [[الإخوان]] في حرب [[فلسطين]] [[1948]] والذي كان مسجونا معنا في سجن الواحات الخارجة ومع مجموعة من شباب [[الإخوان]] الموجودين معنا في السجن.
وبالمناسبة عملت من قبل في سجن قنا مشرفاً على الصيدلية الخاصة بالإخوان وإعطاء حقن العضل والوريد وتحت الجلد وتطعيم الإخوان، تحت إشراف د. محمود عزت إبراهيم.. لكن لما حضرنا إلى سجن مزرعة طره كان هناك من هم أقدر مني على هذه الوظيفة وعددهم كثير."


وعن هذا المعنى أيضا يقول الأستاذ عباس السيسي:
:'''وتتخلص خطة الهرب هذه فيما يلي :'''


" ... والأخ منصور موسى منصور الجواهرجى بالصاغة فى الموسكى كان يقوم بالإشراف على دورة المياه فى السجن مستعينا ببعض الإخوة فى مقدمتهم وكيله المرحوم الأخ أحمد إسماعيل الشهير (بحسنى كاوتش) وهو من إخوان الإسكندرية وكان يساعد الأخ حسنى فى النظافة الأخ المرحوم أحمد محمود حيدر …".
:1- يقوم [[الإخوان]] بالاستيلاء على أسلحة وذخائر حراس السجن مستخدمين في ذلك الحيلة والخداع والإخفاء والتمويه وكان ذلك أمرا ميسورا لطبيعة السجن المفتوح ولقلة حراس ولكون الأسوار من الأسلاك الشائكة التي يمكن تقطيعها بسهولة بواسطة قصافة يمكن الحصول عليها بغير كبير عناء (القصافة مقص لقطع الأسلاك).


والأخوة الصادقة أيضا تجعل الأخ يجود بعلمه لإخوانه ، يقول المهندس محمد الصروي :
:2- في نفس توقيت الاستيلاء على أسلحة الحراس تقوم مجموعة من [[الإخوان]] بقطع وسيلة الاتصال السلكية واللاسلكية بين السجن ومديرية الأمن لمحافظة [[الوادي الجديد]] والموجودة بمدينة الخارجة.
"  ( تجمع المهندسون الكيماويون وأعدوا برنامجاً دراسياً، يقوم كل واحد منا بتدريس أحد كتب الماجستير في علوم الهندسة الكيماوية علاوة على دراستنا للهندسة الكهربائية والكيمياء والهندسة المدنية (الخرسانة المسلحة)، كما قام الكيميائي النابه الأخ منصور عبد الظاهر (الخانكة - قليوبية) بتدريس علم هندسة الراديو، وكانت له حلقة لدراسة الراديو يحضرها الكثيرون.. لذلك لما خرجنا من السجن كان مستوانا العلمي مرتفعاً جداً بالنسبة لأقراننا الذين لم يدخلوا السجون."


6- أخوة الدين أقوى من عرى النسب :
:3- التحرك إلى مدينة الخارجة للاستيلاء على مقر مديرية الأمن بمحافظة [[الوادي الجديد]] وتعطيل وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بين محافظة [[الوادي الجديد]] والحكومة المركزية بمدينة [[القاهرة]] وأخذ المحافظ ومدير الأمن ومن معهم من الضباط كرهائن بعد الاستيلاء على الأسلحة والذخائر ووسائل النقل وكميات البنزين الموجودة بمدينة الخارجة.


ولا أدل على ذلك من هذه الواقعة التي يرويها الأستاذ عباس السيسي بقوله :
:4- التحرك ومعنا الرهائن إلى [[السودان]] الشقيق عن طريق درب الأربعين.


" ... حدثت هذه القصة فى مدينة رشيد - حين قام أحد الإخوة من الشباب - بقيادة سيارة خاصة فى الطريق العام فاصطدم بفتاة رآها تسقط تحت عجلات السيارة.  
:5- بمجرد الوصول إلى [[السودان]] يطلب [[الإخوان]] حق اللجوء السياسي من حكومة [[السودان]].


فخرج من السيارة فزعا نحو نزل الأخ عباس السيسى الذى يبعد حوالى كيلو متر. مع العلم أن منزله هو يقع فى مسافة قريبة من الحادث - وحين وصل إلى المنزل لحقه إخوانه الذين طمأنوه على سلامة الفتاة وأنها لم تصب بسوء - فاستعاد راحته النفسية :
:6- يطلق [[الإخوان]] سراح الرهائن بعد الوصول إلى [[السودان]] ومن أهم الأسباب التي دفعت [[الإخوان]] إلى اختيار [[السودان]] الشقيق أن العلاقات بين حكومة [[عبد الناصر]] وحكومة [[إسماعيل الأزهري]] في [[السودان]] في ذلك الوقت كانت سيئة بسبب موقف حكومة [[مصر]] من اللواء [[محمد نجيب]] وكان ل[[محمد نجيب]] شعبية ضخمة في [[السودان]] كما كان ل[[لإخوان المسلمين]] رصيد شعبي ضخم في [[السودان]].


... وهذه القصة إن دلت على شىء فإنما تدل دلالة عميقة على قوة الصلة الروحية بين أبناء الدعوة الإسلامية وما تربطهم من عقيدة راسخة. جعلت أخوة الإيمان والعقيدة فوق أخوة النسب. ولقد كانت إرادة القلب أقوى من إرادة العقل فقد قطع تلك المسافة بهواتف روحية يحدوها الحب فى الله تعالى."
:وقد جازف جمال ربيع بحياته فادعى المرض ونقل إلى مستشفى الخارجة حيث أجريت له جراحة استئصال الزائدة الدودية (المصران الأعور) في مستشفى الخارجة حيث أجرى له الجراحة طبيب مبتدئ.


7- الأخوة الصادقة تربي الأخ السهل اللين المتواضع مع إخوانه ،مهما كان مركزه.
:وكان الغرض من ذلك التواجد بمستشفى مدينة الخارجة أطول مدة ممكنة لجمع المعلومات عن محافظة [[الوادي الجديد]] ومديرية الأمن بها ووسائل النقل وكميات الوقود ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.
يحكي الأستاذ عباس السيسي هذه القصة الجميلة فيقول :


" كنت مسافراً مع الأستاذ عمر التلمسانى من الإسكندرية إلى القاهرة ونحن فى الطريق - قلت للأستاذ عمر - من الواجب على جماعة الإخوان تكوين شركات اقتصادية بسيطة لتعين الإخوان على ظروف الحياة الصعبة؛ كما سبق أن كونوا مثل هذه الشركات فى عصرهم القديم مع الإمام حسن البنا 0
:حيث إن المسافة التي كان [[الإخوان]] سيقطعونها من الواحات الخارجة إلى [[السودان]] تبلغ حوالي 400 كيلو متر.


... فقال : يجب على الإخوة أن يفكروا فى مثل ذلك ونحن نساعدهم 0
:وقد مكث [[جمال ربيع]] في مستشفى الخارجة حوالي شهر ولما عاد كانت لديه معلومات وتفصيلات كافية لابد منها قبل الإقدام على مثل هذه العملية الخطيرة.


... فقلت له : أنا عندى فكرة إنشاء شركة مياه غازية 0
:وكانت خطة الهرب من سجن الواحات الخارجة تشغل تفكير [[الإخوان]] في النصف الأخير من عام [[1955]]. ولو قدر لهذه الخطة التنفيذ والنجاح لهزت نظام [[عبد الناصر]] هزا عنيفا في الداخل وفي الخارج.


... فقال رحمه الله : وهل فكرت لها فى اسم تجارى؟
:'''ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك :'''


... قلت : نعم .. فكرت أن يكون اسمها ( سيسى كولا )
:فقد حدث في مطلع عام [[1956]] أن زارنا بسجن الواحات الخارجة ضابط من الجيش يعمل في المخابرات اسمه بهجت وطلب مقابلتي وأخبرني أنه مكلف من الرئيس [[عبد الناصر]] بالاتصال بي شخصيا وإخطاري بأن [[عبد الناصر]] يود من كل قلبه أن ينسى [[الإخوان]] ما حدث لهم وأن يفتحوا معه صفحة جديدة وأن الإفراج عنا وشيك الوقوع.


... فقال الرجل : والله اسم (جميل ) !!"
:وهنا تغير الموقف وبخاصة بعد تأميم [[جمال عبد الناصر]] لقناة [[السويس]] في [[يوليو]] سنة [[1956]] واقتنعت مع [[جمال ربيع]] وباقي [[الإخوان]] بالعدول عن تنفيذ خطة الهرب وقام حوالي سبعين من [[الإخوان]] بإرسال برقيات تأييد ل[[جمال عبد الناصر]] بعد تأميم القنال وأبدوا استعدادهم للقتال ضد الدول المعتدية على [[مصر]].


8- الأخوة والإيثار في الإيواء برغم المخاطر الجسام و الأهوال التي من الممكن أن يتعرض لها الأخ المضيف و أسرته .
:وكان المؤيدون هم الضباط والدكتور [[خميس حميدة]] وكيل جماعة [[الإخوان]] والأستاذ [[محمود عبده]] قائد متطوعي [[الإخوان]] في حرب [[فلسطين]] سنة [[1948]] ومجموعة أخرى من [[الإخوان]] بلغ عدد الجميع سبعين شخصا تقريبا."


وهذا يتضح جليا في قصة الأخ رزق إسماعيل التي يرويها الأستاذ أحمد البس :
" ولما اتجهت إلى عدم تسليم نفسى اتصلت بالشهيد الأخ " رزق حسن إسماعيل" رحمه الله فرحب بقدومى عليه وإيوائى رغم أن الموقف شديد وخطر ولكن رحمه الله تعالى كان يتصرف بصدق ووفاء وليس بداخله وخارجه أدنى خوف.


ودخلت إلى بلدته ودخلت منزله القديم بالدور الثانى وأغلق على الباب الحجرة" المقعد" ولا يدخل علىّ أحد إلا هو أو ابنته حين يدق الباب دقا أعرفه فأفتح لها فتناولنى الطعام والشراب وتسألنى عن أى شئ أكون محتاجا إليه, وفى الغالب ليس لى طلبات مطلقا."
===الكومي و درس تربوي عملي في الأخوة===


:'''يروي لنا هذا الدرس الذي يهدف إلى تربية الأخ على معاني الأخوة و الإيثار في تعامله مع إخوانه الأستاذ [[عباس السيسي]] يقول:'''
[[ملف:الحاج-مصطفى-الكومى-يقرأالقرآن.jpg|تصغير|210بك|<center>الحاج [[مصطفى الكومي]] يقرأ القرآن داخل السجن </center>]]
:" يذكر الأخوة أنهم حين كانوا معتقلين فى سجن أبى زعبل كانت كل مجموعة تعيش فى عنبر صغير يسكن فيه حوالى مائة من [[الإخوان]] فى ضيق شديد - حتى بلغ الأمر أن الأخ ينام على مساحة من الأرض لا تزيد عن ثلاثين سنتيمترا يضع عليها جنبه ولا يتستطيع الأخ أن يتحرك يمينا أو يسارا .


9- جمال ربيع ... له من اسمه نصيب  فقد سطر التاريخ جمال أخوته وكمال
:وفى هذا الجو الكئيب يحدث أن بعض الاخوة يبلغ بهم الضيق مبلغه ولا سيما من هؤلاء الأخوة الذين لم يتشربوا روح الدعوة بعد .
إيثاره النابع من ربيع قلبه المؤمن .


فقد آثر على صحته أمن إخوانه و خلاصهم حين أجرى عملية الزائدة وما به من بأس عند طبيب مبتدئ من أجل جمع معلومات لإخوانه.. الله أكبر، نعم الأخوة و نعم الإيثار ... يحكي لنا القصة الأستاذ حسين حمودة فيقول:
:وذات يوم غضب أحد هؤلاء على واحد من [[الإخوان]] فأمسك بزجاجة فارغة وقذفه بها. ولكن الله سلم فضلا عن أنه سب [[الإخوان]] وتطاول عليهم .


" جمال ربيع في وضع خطة لهروب الإخوان من سجن الواحات الخارجة وعرضها على وتناقشنا في تفاصيلها مع الإخوة الضباط المسجونين معنا ومع الأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين 1948 والذي كان مسجونا معنا في سجن الواحات الخارجة ومع مجموعة من شباب الإخوان الموجودين معنا في السجن.
:فما كان من الأخ المسئول عن العنبر وكان هو الأخ الفاضل الحاج [[مصطفى الكومي]] إلا أن أصدر أمره إلى [[الإخوان]] بمقاطعة هذا الأخ مقاطعة كاملة تشمل عدم التحدث معه.  
وتتخلص خطة الهرب هذه فيما يلي :


1- يقوم الإخوان بالاستيلاء على أسلحة وذخائر حراس السجن مستخدمين في ذلك الحيلة والخداع والإخفاء والتمويه وكان ذلك أمرا ميسورا لطبيعة السجن المفتوح ولقلة حراس ولكون الأسوار من الأسلاك الشائكة التي يمكن تقطيعها بسهولة بواسطة قصافة يمكن الحصول عليها بغير كبير عناء (القصافة مقص لقطع الأسلاك).
: وعدم الرد عليه إذا ألقى عليهم السلام. وعاش هذا الأخ أياما يحاول أن يجد واحدا منهم يقترب منه فالتجأ إلى إخوانه من بلدته، فصدوه أيضا. حتى ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض إذا وجدت هذه الأرض. ذلك لأنه لا يستطيع أن يتعدى باب هذا العنبر المغلق من السجن العنيد .


2- في نفس توقيت الاستيلاء على أسلحة الحراس تقوم مجموعة من الإخوان بقطع وسيلة الاتصال السلكية واللاسلكية بين السجن ومديرية الأمن لمحافظة الوادي الجديد والموجودة بمدينة الخارجة.
:هذا وذات صباح والأخوة جميعاً قد هجروه.  


3- التحرك إلى مدينة الخارجة للاستيلاء على مقر مديرية الأمن بمحافظة الوادي الجديد وتعطيل وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بين محافظة الوادي الجديدة والحكومة المركزية بمدينة القاهرة وأخذ المحافظ ومدير الأمن ومن معهم من الضباط كرهائن بعد الاستيلاء على الأسلحة والذخائر ووسائل النقل وكميات البنزين الموجودة بمدينة الخارجة.
:انطلق يصرخ قائلا يا حاج مصطفى أنا غلطان أنا غلطان. وقام إليه الحاج مصطفى واحتضنه وصالحه وبين له أن [[الإخوان]] لا يفعلون معك ذلك إلا لأنه علاج لك وهذا الذى فعلوه معك هو أضعف الإيمان. أمام ما فعلته أنت بهم، واعتذر هذا الأخ لإخوانه وعرف قيمة الجماعة، وعرف [[الإخوان]] بذلك قيمة السمع والطاعة" .


4- التحرك ومعنا الرهائن إلى السودان الشقيق عن طريق درب الأربعين.


5- بمجرد الوصول إلى السودان يطلب الإخوان حق اللجوء السياسي من حكومة السودان.
=== الأخ [[زكريا الطباخ]] ===
[[ملف:زكريا-الطباخ.jpg|إطار|<center> الأستاذ [[زكريا الطباخ]]</center>]]
:'''الأخ [[زكريا الطباخ]] .. الذي انضم لصفوف الجماعة لما رآه من صدق الأخوة و الإيثار حين احتواه الأخوة كلهم لصغر سنه وحداثة عهده بهذه الإبتلاءات .. يقول [[زكريا الطباخ]] :'''


6- يطلق الإخوان سراح الرهائن بعد الوصول إلى السودان ومن أهم الأسباب التي دفعت الإخوان إلى اختيار السودان الشقيق أن العلاقات بين حكومة عبد الناصر وحكومة إسماعيل الأزهري في السودان في ذلك الوقت كانت سيئة بسبب موقف حكومة مصر من اللواء محمد نجيب وكان لمحمد نجيب شعبية ضخمة في السودان كما كان للإخوان المسلمين رصيد شعبي ضخم في السودان.
:انتقلت و [[الإخوان]] بعد ذلك إلى سجن طره ب[[القاهرة]] ، واحتضنني الإخوة وبدأت أجلس معهم ، وعلموني كيف أقرأ القرآن وأداوم على ذلك ، وكيف أصلي وأواظب على صلاتي ، وفي حلقاتهم فهمت ما هو الدين الإسلامي ، وماهو الإيمان ، وما هي السيرة ، وما هو الحديث ، ومالي من حقوق وما علي واجبات ...  


وقد جازف جمال ربيع بحياته فادعى المرض ونقل إلى مستشفى الخارجة حيث أجريت له جراحة استئصال الزائدة الدودية (المصران الأعور) في مستشفى الخارجة حيث أجرى له الجراحة طبيب مبتدئ.
:وقتها علمت أن ما حدث لي هو رحمة من الله عزوجل ونعمة فحمدته و شكرته ومنذ ذلك الوقت وأنا معهم والحمد لله ".


وكان الغرض من ذلك التواجد بمستشفى مدينة الخارجة أطول مدة ممكنة لجمع المعلومات عن محافظة الوادي الجديد ومديرية الأمن بها ووسائل النقل وكميات الوقود ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.
:ويحكي الأستاذ زكريا " رحل جزء من [[الإخوان]] إلى الواحات ، واستبعدت لكوني صغيرا ، فوجدت الأخ [[مبارك عبد العظيم]] و قد أتى ببلوفر من الصوف من نوع فاخر جدا و نادر ولم يكن يملك إلا هو - وكان مهربا له - وقام بلفه و أعطاه لأحد الإخوة .. فأثر في هذا الموقف كثيرا ، وما فيه من معاني الإيثار والحب في الله "
حيث إن المسافة التي كان الإخوان سيقطعونها من الواحات الخارجة إلى السودان تبلغ حوالي 400 كيلو متر.
وقد مكث جمال ربيع في مستشفى الخارجة حوالي شهر ولما عاد كانت لديه معلومات وتفصيلات كافية لابد منها قبل الإقدام على مثل هذه العملية الخطيرة.


وكانت خطة الهرب من سجن الواحات الخارجة تشغل تفكير الإخوان في النصف الأخير من عام 1955. ولو قدر لهذه الخطة التنفيذ والنجاح لهزت نظام عبد الناصر هزا عنيفا في الداخل وفي الخارج.
ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك :


فقد حدث في مطلع عام 1956 أن زارنا بسجن الواحات الخارجة ضابط من الجيش يعمل في المخابرات اسمه بهجت وطلب مقابلتي وأخبرني أنه مكلف من الرئيس عبد الناصر بالاتصال بي شخصيا وإخطاري بأن عبد الناصر يود من كل قلبه أن ينسى الإخوان ما حدث لهم وأن يفتحوا معه صفحة جديدة وأن الإفراج عنا وشك الوقوع.
=== الحاج [[شحاتة هدهد]] ===


وهنا تغير الموقف وبخاصة بعد تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس في يوليو سنة 1956 واقتنعت مع جمال ربيع وباقي الإخوان بالعدول عن تنفيذ خطة الهرب وقام حوالي سبعين من الإخوان بإرسال برقيات تأييد لجمال عبد الناصر بعد تأميم القنال وأبدوا استعدادهم للقتال ضد الدول المعتدية على مصر.
:'''والأخ الحاج [[شحاتة هدهد]] ... يؤكد على تلاحم و ترابط صفوف [[الإخوان]] بصدق الأخوة والإيثار.. فيقول:'''
وكان المؤيدون هم الضباط والدكتور خميس حميدة وكيل جماعة الإخوان والأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين سنة 1948 ومجموعة أخرى من الإخوان بلغ عدد الجميع سبعين شخصا تقريبا."
[[ملف:الحاج-شحاتة-هدهد.jpg|تصغير|200بك|<center>الحاج [[شحاتة هدهد]] </center>]]
:" لقد كان شعار تعامل [[الإخوان]] فيما بينهم هو الحب في الله والإيثار والتضحية.. فكثيرا ما ترى الأخ يؤثر أخاه بجلابية أو طعام أو غير ذلك ، بل لقد وصل [[الإخوان]] إلى درجة عالية من الإيثار و التضحية ، فقد تعجب جدا حين تعلم أن الأخ كان يؤثر أخاه بـ"علقة" و ويتحمل عنه الضرب ، أذكر موقفًا كان قد حدث في السجن الكبيرالذي يتكون من 4 أدوار في كل دور 100 زنزانة،


10-الكومي و درس تربوي عملي في الأخوة .
:ومساحة الزنزانة من 3 إلى 4 أمتار يضعون فيها 8 أشخاص، وكانوا يجمعونا كلنا في وقت واحد ويتدافع [[الإخوان]] للنزول بأعداد كبيرة من مكان واحد وأثناء نزولنا يقوم الجلادون بضربنا بالكرابيج، فكان الأخ يغطي أخاه ويحميه من الضرب ليأخذ هو الضرب على ظهره بدلا منه ، ويمر أخوه دون أن يضرب فكان الأخ يؤثر أخاه على نفسه .  


يروي لنا هذا الدرس الذي يهدف إلى تربية الأخ على معاني الأخوة و الإيثار في تعامله مع إخوانه الأستاذ عباس السيسي يقول:
:فتأمل عظيم التضحية و الإيثار.


" يذكر الإخوة أنهم حين كانوا معتقلين فى سجن أبى زعبل كانت كل مجموعة تعيش فى عنبر صغير يسكن فيه حوالى مائة من الإخوان فى ضيق شديد - حتى بلغ الأمر أن الأخ ينام على مساحة من الأرض لا تزيد عن ثلاثين سنتيمترا يضع عليها جنبه ولا يتستطيع الأخ أن يتحرك يمينا أو يسارا .
:وأذكر أنني سئلت مرة عن الأيام البيضاء والسوداء في السجن فقلت إن الأيام كلها كانت بيضاء بصحبة [[الإخوان]]."


وفى هذا الجو الكئيب يحدث ان بعض الاخوة بيلغ بهم الضيق مبلغة ولا سيما من هؤلاء الاخوة الذين لم يتشربوا روح الدعوة بعد .
:'''و يقول أ. شحاته :'''


وذات يوم غضب أحد هؤلاء على واحد من الإخوان فأمسك بزجاجة فارغة وقذفه بها. ولكن الله سلم فضلا عن أنه سب الإخوان وتطاول عليهم .
:" في عام [[1946]] كنت أجلس مع الإمام [[البنا]] في جلسات خاصة بعد انتهاء محاضرته، و ذات مرة و كان البيت الذي فيه المركز العام معروضًا للبيع، قال لنا الإمام [[البنا]]: "إذا كنا [[إخوان مسلمين]] بحق فلنجمع ثمن هذا البيت في أسبوع.."، وشاء الله أن نجمع ثمن البيت في أيام معدودات قبل نهاية الأسبوع ."


فما كان من الأخ المسئول عن العنبر وكان هو الأخ الفاضل الحاج مصطفى الكومى إلا أن أصدر أمره إلى الإخوان بمقاطعة هذا الأخ مقاطعة كاملة تشمل عدم التحدث معه
:في حالة وفاتي أملي أن يكون دفني في مقابر [[الإخوان المسلمين]] الذين عشت حياتي معهم "


- وعدم الرد عليه إذا ألقى عليهم السلام. وعاش هذا الأخ أياما يحاول أن يجد واحدا منهم يقترب منه فالتجأ إلى إخوانه من بلدته، فصدوه أيضا. حتى ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض إذا وجدت هذه الأرض. ذلك لأنه لا يستطيع أن يتعدى باب هذا العنبر المغلق من السجن العنيد .
:هذه هي وصية الأستاذ [[شحاتة هدهد]] لقد عاش الرجل وحب [[الإخوان]] هواء يتنفسه ودما يجري في عروقه ، ودائما يدعو ل[[لإخوان]] ليلا و نهارا ويرجو من الله القبول كما يقول ذلك بنفسه ."


هذا وذات صباح والإخوة جميعاً قد هجروه.  
:وبادله [[الإخوان]] حبا بحب ،ووفاء بوفاء و أهدوه ثلاث عمرات إلى بيت الله الحرام ، آخرها كانت من المرشد السابق الأستاذ [[محمد مهدي عاكف]] حفظه الله .


انطلق يصرح قائلا يا حاج مصطفى أنا غلطان أنا غلطان. وقام إليه الحاج مصطفى واحتضنه وصالحه وبين له أن الإخوان لا يفعلون معك ذلك إلا لأنه علاج لك وهذا الذى فعلوه معك هو أضعف الإيمان. أمام ما فعلته أنت بهم، واعتذر هذا الأخ لإخوانه وعرف قيمة الجماعة، وعرف الإخوان بذلك قيمة السمع والطاعة" .
:فالحب في الله حب لا ينال بحيلة ولا يشترى بمال ، ولكنه حب يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده ."


11- الأخ زكريا الطباخ .. الذي انضم لصفوف الجماعة لما رآه من صدق الأخوة و الإيثار حين احتواه الأخوة كلهم لصغر سنه وحداثة عهده بهذه الإبتلاءات .. يقول زكريا الطباخ :


"  :" انتقلت و الإخوان بعد ذلك إلى سجن طره بالقاهرة ، واحتضنني الإخوة وبدأت أجلس معهم ، وعلموني كيف أقرأ القرآن وأداوم على ذلك ، وكيف أصلي وأواظب على صلاتي ، وفي حلقاتهم فهمت ما هو الدين الإسلامي ، وماهو الإيمان ، وما هي السيرة ، وما هو الحديث ، ومالي من حقوق وما علي واجبات ...  
=== عبد الرزاق .. ملك السجن .. الذي تغيرت حياته بسبب [[الإخوان]]  ===


وقتها علمت أن ما حدث لي هو رحمة من الله عزوجل ونعمة فحمدته و شكرته ومنذ ذلك الوقت وأنا معهم والحمد لله ".
:'''عبد الرزاق .. ملك السجن .. الذي تغيرت حياته بسبب [[الإخوان]] ، نراه في مشهد الوداع لإخوانه صادقا في حبه لهم وأخوته ، يروي لنا المشهد الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] فيقول:'''


ويحكي الأستاذ زكريا " رحل جزء من الإخوان إلى الواحات ، واستبعدت لكوني صغيرا ، فوجدت الأخ مبارك عبد العظيم و قد أتى ببلوفر من الصوف من نوع فاخر جدا و نادر ولم يكن يملك إلا هو - وكان مهربا له - وقام بلفه و أعطاه لأحد الإخوة .. فأثر في هذا الموقف كثيرا ، وما فيه من معاني الإيثار والحب في الله "
:" إنه يعتنق كل أخ يقابله بحرارة زائدة ، والدموع تنهمر من عينيه .. زالت دهشتنا عندما عرفنا قصته .. وتعجب هو بدوره كيف لم نسمع بقصة ملك السجن حتى الآن .. فَسِرُّ سلطاني يكمن في الأحكام الكثيرة الصادرة ضدي ، والتي بلغ مجموعها مائة وعشرين عامًا حتى الآن .. ولا يعلم إلا الله كم تصير في المستقبل ..


12- و الأخ الحاج شحاته هدهد ... يؤكد على تلاحم و ترابط صفوف الإخوان بصدق الأخوة والإيثار.. فيقول:
: كيف كان ذلك يا عم عبد الرازق ؟


" لقد كان شعار تعامل الإخوان فيما بينهم هو الحب في الله والإيثار والتضحية.. فكثيرا ما ترى الأخ يؤثر أخاه بجلابية أو طعام أو غير ذلك ، بل لقد وصل الإخوان إلى درجة عالية من الإيثار و التضحية ، فقد تعجب جدا حين تعلم أن الأخ كان يؤثر أخاه بـ"علقة" و ويتحمل عنه الضرب ، أذكر موقفًا كان قد حدث في السجن الكبيرالذي يتكون من 4 أدوار في كل دور 100 زنزانة،
: قال صاحب الخمسين عامًا والذي تقرأ في تجاعيد وجهه كل ما مر علي الليمان من أحداث ، برغم بنيته القوية .


ومساحة الزنزانة من 3 إلى 4 أمتار يضعون فيها 8 أشخاص، وكانوا يجمعونا كلنا في وقت واحد ويتدافع الإخوان للنزول بأعداد كبيرة من مكان واحد وأثناء نزولنا يقوم الجلادون بضربنا بالكرابيج، فكان الأخ يغطي أخاه ويحميه من الضرب ليأخذ هو الضرب على ظهره بدلا منه ، ويمر أخوه دون أن يضرب فكان الأخ يؤثر أخاه على نفسه .  
: كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا ، حين حكم عليّ بالسجن ثلاثة سنوات في إحدى القضايا الصغيرة .  


فتأمل عظيم التضحية و الإيثار.
:كنت أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا .. ورفض الرضوخ لأي إهانة أدخلني في عراكات كثيرة ، قدمت بسببها في قضايا من داخل السجن . ثم تطورت الأحكام والاشتباكات ، فأصبحت القضايا من داخل الليمان .  


وأذكر أنني سئلت مرة عن الأيام البيضاء والسوداء في السجن فقلت إن الأيام كلها كانت بيضاء بصحبة الإخوان."
:وليس بعد الليمان درجة أعلي من السجون ، وليس بعد الأشغال الشاقة عقوبة أشد .. ووصلت إلي القمة في هذا الشأن ومازال رصيدي من الأحكام في ازدياد .


و يقول أ. شحاته :
:واعتبرت نفسي في عداد الأموات ، واسترحت لهذه النهاية ، وانتهي معها الحرص علي الحياة أو الخوف من النتائج ، وأصبح من أسهل الأمور عندي أن أتعرض لأي حكم جديد ، إذا لزم الأمر ن لأستمتع بازدياد رصيدي .. ويحدث أحيانًا أن أتعرض لضباط الإدارة بالمخدرات ، لكي أقدم إلي المحاكمة ، فأحظى برؤية دنيا الناس في طريقي إلي المحاكمة ، فضلاً عما يتيحه الخروج من تهريب الممنوعات .. فالكل الآن يتحاشاني أو يعطف عليّ ، المهم أن أمري مطاع ، وكل صعب مذلل أمامي .. فأنا ملك السجن بجدارة .."


" في عام 1946 كنت أجلس مع الإمام البنا في جلسات خاصة بعد انتهاء محاضرته، و ذات مرة و كان البيت الذي فيه المركز العام معروضًا للبيع، قال لنا الإمام البنا: "إذا كنا إخوان مسلمين بحق فلنجمع ثمن هذا البيت في أسبوع.."، وشاء الله أن نجمع ثمن البيت في أيام معدودات قبل نهاية الأسبوع ."
:'''ويتابع الأستاذ خفاجي فيقول:'''


في حالة وفاتي أملي أن يكون دفني في مقابر الإخوان المسلمين الذين عشت حياتي معهم "
: ولم أجد في جعبتي حديثًا يصلح في هذا المقام سوي قولي له :
هذه هي وصية الأستاذ شحاته هدهد لقد عاش الرجل وحب الإخوان هواء يتنفسه ودما يجري في عروقه ، ودائما يدعو للإخوان ليلا و نهارا ويرجو من الله القبول كما يقول ذلك بنفسه ."


وبادله الإخوان حبا بحب ،ووفاء بوفاء و أهدوه ثلاث عمرات إلى بيت الله الحرام ، آخرها كانت من المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف حفظه الله .
: كن مطمئنًا يا عم عبد الرازق ، فإن هذه الأوضاع الظالمة ستزول ، وإن الحياة الفاسدة التي زجت بأمثالك في هذه الظلمات ستتبدل بإذن الله ، وإن شمس [[الإسلام]] ستشرق من جديد وفي القريب .. وها هم طلائع النور أمامك يمتلئون بشراًُ وأملاً في نصر الله ، وتغير أحوال المسلمين ، وخاصة أولئك الذين طحنتهم السجون .  
فالحب في الله حب لا ينال بحيلة ولا يشترى بمال ، ولكنه حب يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده ."


13- وعبد الرزاق .. ملك السجن .. الذي تغيرت حياته بسبب الإخوان ، نراه في مشهد الوداع لإخوانه صادقا في حبه لهم وأخوته ، يروي لنا المشهد الأستاذ عبد الحليم خفاجي فيقول:
:ويجب ألا تيأس من روح الله ، وثق أنك لن تؤدي من هذه السنين الطويلة شيئًا مذكوراً .. لبثت علي هذا الحال أتعثر في عباراتي .. أراها - بيني وبين نفسي - عبارات عاجزة وفاترة .. ويبدو أن الرجل قد أدرك بفراسته فراغ عباراتنا جميعًا من الروح ، فابتسم إلينا في إشفاق وحب وقال :


" إنه يعتنق كل أخ يقابله بحرارة زائدة ، والدموع تنهمر من عينيه .. زالت دهشتنا عندما عرفنا قصته .. وتعجب هو بدوره كيف لم نسمع بقصة ملك السجن حتى الآن .. فَسِرُّ سلطاني يكمن في الأحكام الكثيرة الصادرة ضدي ، والتي بلغ مجموعها مائة وعشرين عامًا حتى الآن .. ولا يعلم إلا الله كم تصير في المستقبل ..
: أنا أخوكم في الله ، قد عرفت الطريق إلي ربي علي يد أخي وحبيبي [[صلاح شادي]] الذي جئت - فضلاً عن التعرف عليكم وتوديعكم - لأحمّلكم تحياتي له وسلامي عليه .. وقد هان بمعرفتي لربي كل شيء ، وأنا أعفيكم من شُقة التفكير في أمري ، وقد برأني الله من حياتي القديمة ، وإن كنت أعيش في هذه الغابة علي سمعتي فيها . وتعلمت من صلاح أن كل نعيم دون الجنة حقير ، وأن كل بلاء دون النار عافية .. وأنا وأنتم ومن في الخارج نعيش مأساة واحدة ، هي مسألة الحرمان من معرفة الله .. والحمد لله الذي أراني المستقبل المنير في وجوهكم المشرقة ..  


- كيف كان ذلك يا عم عبد الرازق ؟
:وسنتقابل عما قريب عند الله .. في الحياة الطاهرة الأبدية .. قلنا في انفعال وتأثر :


- قال صاحب الخمسين عامًا والذي تقرأ في تجاعيد وجهه كل ما مر علي الليمان من أحداث ، برغم بنيته القوية .
:وفي الدنيا أيضًا - إن شاء الله - بعد تحقيق النصر .. فابتسم والحارس ينتزعه منا ، والدموع تظفر من عينيه ، وقال :


- كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا ، حين حكم عليّ بالسجن ثلاثة سنوات في إحدى القضايا الصغيرة .  
: إن شاء الله .. اختطفه الحارس قبل أن نعانقه جميعًا ، وظلت عينيه علينا لا تتحول ولا يحس بجذب السجان له ، حتى خرج بظهره من الإيراد ."


كنت أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا .. ورفض الرضوخ لأي إهانة أدخلني في عراكات كثيرة ، قدمت بسببها في قضايا من داخل السجن . ثم تطورت الأحكام والاشتباكات ، فأصبحت القضايا من داخل الليمان .


وليس بعد الليمان درجة أعلي من السجون ، وليس بعد الأشغال الشاقة عقوبة أشد .. ووصلت إلي القمة في هذا الشأن ومازال رصيدي من الأحكام في ازدياد .
=== في آتون المحنة يكون الطلب الوحيد للأخ عبد الحليم من الرقيب زكريا هو سلامة إخوانه ===


واعتبرت نفسي في عداد الأموات ، واسترحت لهذه النهاية ، وانتهي معها الحرص علي الحياة أو الخوف من النتائج ، وأصبح من أسهل الأمور عندي أن أتعرض لأي حكم جديد ، إذا لزم الأمر ن لأستمتع بازدياد رصيدي .. ويحدث أحيانًا أن أتعرض لضباط الإدارة بالمخدرات ، لكي أقدم إلي المحاكمة ، فأحظى برؤية دنيا الناس في طريقي إلي المحاكمة ، فضلاً عما يتيحه الخروج من تهريب الممنوعات .. فالكل الآن يتحاشاني أو يعطف عليّ ، المهم أن أمري مطاع ، وكل صعب مذلل أمامي .. فانا ملك السجن بجدارة .."
:'''وفي آتون المحنة يكون الطلب الوحيد للأخ عبد الحليم من الرقيب زكريا هو سلامة إخوانه فلم يطلب لنفسه أو لأهله شيئا فلله در تلك النفوس الطيبة... يروي لنا القصة الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] قائلا:'''
ويتابع الأستاذ خفاجي فيقول:


"..... ولم أجد في جعبتي حديثًا يصلح في هذا المقام سوي قولي له :
:" وعدنا إلي السجن الحربي ، انتظاراً للنطق بالحكم ، وقبل أن يتم تسليمنا لإدارة السجن ظهر أمامي الرقيب زكريا مرة أخري ، بإصرار أكبر بأن أكتب لأهلي رسالة علي الأقل ، وقد أحضر معه الورقة من أجل ذلك .. فقلت له


- كن مطمئنًا يا عم عبد الرازق ، فإن هذه الأوضاع الظالمة ستزول ، وإن الحياة الفاسدة التي زجت بأمثالك في هذه الظلمات ستتبدل بإذن الله ، وإن شمس الإسلام ستشرق من جديد وفي القريب .. وها هم طلائع النور أمامك يمتلئون بشراًُ وأملاً في نصر الله ، وتغير أحوال المسلمين ، وخاصة أولئك الذين طحنتهم السجون .
:- إن كنت مصراً فإن لي طلبًا واحداً أسألك عنه يوم أن يأذن الله بالتقاء الوجوه في ظروف أفضل .. قال بجد :


ويجب ألا تيأس من روح الله ، وثق أنك لن تؤدي من هذه السنين الطويلة شيئًا مذكوراً .. لبثت علي هذا الحال أتعثر في عباراتي .. أراها - بيني وبين نفسي - عبارات عاجزة وفاترة .. ويبدو أن الرجل قد أدرك بفراسته فراغ عباراتنا جميعًا من الروح ، فابتسم إلينا في إشفاق وحب وقال :
:- اطلب ما شئت .


- أنا أخوكم في الله ، قد عرفت الطريق إلي ربي علي يد أخي وحبيبي صلاح شادي الذي جئت - فضلاً عن التعرف عليكم وتوديعكم - لأحمّلكم تحياتي له وسلامي عليه .. وقد هان بمعرفتي لربي كل شيء ، وأنا أعفيكم من شُقة التفكير في أمري ، وقد برأني الله من حياتي القديمة ، وإن كنت أعيش في هذه الغابة علي سمعتي فيها . وتعلمت من صلاح أن كل نعيم دون الجنة حقير ، وأن كل بلاء دون النار عافية .. وأنا وأنتم ومن في الخارج نعيش مأساة واحدة ، هي مسألة الحرمان من معرفة الله .. والحمد لله الذي أراني المستقبل المنير في وجوهكم المشرقة ..  
:- تعاهد الله أمامي ألا تمتد يدك بسوء إلي أي أخ طائعًا مختاراً ، وأن تمنع زملاءك من ذلك ما استطعت ، لأن القضية كبيرة ، والحقائق غائبة عنكم والفرصة كلها متاحة لطرف واحد .. وهذا أفضل ما تقدمه لي في محنتي .


وسنتقابل عما قريب عند الله .. في الحياة الطاهرة الأبدية .. قلنا في انفعال وتأثر :
:- أعاهد الله علي ذلك .. وستجدني عند حسن ظنك .
وفي الدنيا أيضًا - إن شاء الله - بعد تحقيق النصر .. فابتسم والحارس ينتزعه منا ، والدموع تظفر من عينيه ، وقال :


- إن شاء الله .. اختطفه الحارس قبل أن نعانقه جميعًا ، وظلت عينيه علينا لا تتحول ولا يحس بجذب السجان له ، حتى خرج بظهره من الإيراد ."
:- إذاً فإلي اللقاء ، والله علي ما تقول شهيد .


:وافترقنا لم أره من يومها حتى تاريخ كتابة هذه السطور ، وإن كنت أحتفظ له في قلبي بالحب والعرفان ، حتى يأذن القدر باللقاء ف[[الإسلام]] دين الوفاء ."


14-وفي آتون المحنة يكون الطلب الوحيد للأخ عبد الحليم من الرقيب زكريا هو سلامة إخوانه فلم يطلب لنفسه أو لأهله شيئا فلله در تلك النفوس الطيبة... يروي لنا القصة الأستاذ عبد الحليم خفاجي قائلا:


" وعدنا إلي السجن الحربي ، انتظاراً للنطق بالحكم ، وقبل أن يتم تسليمنا لإدارة السجن ظهر أمامي الرقيب زكريا مرة أخري ، بإصرار أكبر بأن أكتب لأهلي رسالة علي الأقل ، وقد أحضر معه الورقة من أجل ذلك .. فقلت له
=== يقر الأخ على نفسه بما لم يفعله ... إنقاذا لأخيه ===


- إن كنت مصراً فإن لي طلبًا واحداً أسألك عنه يوم أن يأذن الله بالتقاء الوجوه في ظروف أفضل .. قال بجد :
:''' يقر الأخ على نفسه بما لم يفعله ... إنقاذا لأخيه فهكذا تملي عليه مشاعر الإخاء والإيثار التي عليها تربى في صفوف الجماعة ... يقول الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] :'''


- اطلب ما شئت .
:" اثنان من عساكر السجن الحربي يسوقان أمامهما شخصًا محلوق الرأس ، شبه عاري ، تنزف دماءه كأنه أرنب مسلوخ .. سادت لحظة صمت رهيبة قطعها صوت المحقق الخشن :


- تعاهد الله أمامي ألا تمتد يدك بسوء إلي أي أخ طائعًا مختاراً ، وأن تمنع زملاءك من ذلك ما استطعت ، لان القضية كبيرة ، والحقائق غائبة عنكم ن والفرصة كلها متاحة لطرف واحد .. وهذا أفضل ما تقدمه لي في محنتي .
:- انظر إلي هذا الولد أتعرفه ؟


- أعاهد الله علي ذلك .. وستجدني عند حسن ظنك .
:- نظرت إلي هذا الولد ، ولم أصدق عيني ، ويا هول ما رأيت ، إنه زميلي [[عبد السلام الخوجة]] .. واشتد عجبي من رؤيته في حالة من الذعر تمنعه من أي كلام وقبل أن أرد علي أي سؤال كان قد اتجه بسؤال آخر إلي عبد السلام قائلاً له :


- إذاً فإلي اللقاء ، والله علي ما تقول شهيد .
:- كم أعطاك من المال ؟


وافترقنا لم أره من يومها حتى تاريخ كتابة هذه السطور ، وإن كنت أحتفظ له في قلبي بالحب والعرفان ، حتى يأذن القدر باللقاء فالإسلام دين الوفاء ."
:- جنيهين ونصف يا فندم .


15- يقر الأخ على نفسه بما لم يفعله ... إنقاذا لأخيه فهكذا تملي عليه مشاعر الإخاء  والإيثار التي عليها تربى في صفوف الجماعة ...يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
:- وماذا قال لك وهو يسلمك النقود ؟


" اثنان من عساكر السجن الحربي يسوقان أمامهما شخصًا محلوق الرأس ، شبه عاري ، تنزف دماءه كأنه أرنب مسلوخ .. سادت لحظة صمت وهيبة قطعها صوت المحقق الخشن :
:- هذا المبلغ أرسلني به [[الإخوان]] .


- أنظر إلي هذا الولد أتعرفه ؟
:يا لغرابة ما أسمع .. ماذا دهي عبد السلام ..


- نظرت إلي هذا الولد ، ولم أصدق عيني ، ويا هول ما رأيت ، إنه زميلي عبد السلام الخوجة .. واشتد عجبي من رؤيته في حالة من الذعر تمنعه من أي كلام وقبل أن أرد علي أي سؤال كان قد اتجه بسؤال آخر إلي عبد السلام قائلاً له :
:إن شيئًا من ذلك لم يحدث علي الإطلاق .. أي شيطان رجيم قد مسخ زميلي وصديقي ، وجعله يلقي بهذه الكذبة البلقاء بكل سهولة ويسر ، كأنها وقائع صحيحة .. لابد أنه في كرب عظيم ..


- كم أعطاك من المال ؟
:أو لعله يوحي إليَّ أن أقول ذلك درءاً لشر أكبر .. يا له من اختيار صعب أن أصدقه أو أكذبه ..


- جنيهين ونصف يا فندم .
:لما في أحدهما من تعذيب الجسم ، ولما في الآخر من عذاب الضمير .. وعمل ذهني بسرعة البرق فأجبت علي الفور :


- وماذا قال لك وهو يسلمك النقود ؟
:- نعم أعطيته النقود وقلت له ذلك ..


- هذا المبلغ أرسلني به الإخوان .
:'''وهنا بدأ الارتياح علي وجه المحقق ، فتغيرت لهجته ، ولانت ملامحه ، وهو يستزيدني من التفاصيل :'''


يا لغرابة ما أسمع .. ماذا دهي عبد السلام ..  
:مَنْ هؤلاء [[الإخوان]] الذين زودوك بهذه المبالغ ؟ اذكرهم لنا بالاسم .. وكم كان إجمالي المبلغ قبل أن تقوم بتوزيعه علي الآخرين بما فيهم عبد السلام ؟ وكم مرة قمت بذلك ؟ و ..و .. فقطعت عليه استرساله قائلاً :


إن شيئًا من ذلك لم يحدث علي الإطلاق .. أي شيطان رجيم قد مسخ زميلي وصديقي ، وجعله يلقي بهذه الكذبة البلقاء بكل سهولة ويسر ، كأنها وقائع صحيحة .. لابد أنه في كرب عظيم ..  
:- إنما قلت له ذلك ليتقبل مني هذه المساعدة عن طيب خاطر ، بعد صدور الحكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات وفصله من عمله .


أو لعله يوحي إليَّ أن أقول ذلك درءاً لشر أكبر .. يا له من اختيار صعب أن أصدقه أو أكذبه ..  
:ولم أكد أتم عبارتي حتى فوجئت بضربة قاتلة علي رأسي من قبضة المحقق ، جعلت الشرر يتطاير من عيني ، وكانت هذه اللكمة إيذانا للزبانية بالانقضاض لتستحل دمي بكل ما لديها من وحشية ، فألقوني علي الأرض ومرغوني في التراب ، وداسوني بالأحذية الغليظة العمياء ، ثم جاء دور السياط لتلهب كل مكان في جسمي ، ثم عادوا الكرة بذلك كله مجتمعًا ، فلا أدري أي الآلام أدفع عن نفسي ، فكنت إذا أصابتني سهام .. تكسرت النصال علي النصال .." .


لما في أحدهما من تعذيب الجسم ، ولما في الآخر من عذاب الضمير .. وعمل ذهني بسرعة البرق فأجبت علي الفور :


- نعم أعطيته النقود وقلت له ذلك ..
===الطلبة .. ومعاني الإيثار ===


وهنا بدأ الارتياح علي وجه المحقق ، فتغيرت لهجته ، ولانت ملامحه ، وهو يستزيدني من التفاصيل :
:'''والإيثار لايكون في الطعام وحسب ، وإنما في راحة الأبدان أيضا.'''
مَنْ هؤلاء الإخوان الذين زودوك بهذه المبالغ ؟ اذكرهم لنا بالاسم .. وكم كان إجمالي المبلغ قبل أن تقوم بتوزيعه علي الآخرين بما فيهم عبد السلام ؟ وكم مرة قمت بذلك ؟ و ..و .. فقطعت عليه استرساله قائلاً :


- إنما قلت له ذلك ليتقبل مني هذه المساعدة عن طيب خاطر ، بعد صدور الحكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات وفصله من عمله .
:'''يحكي الأستاذ [[عباس السيسي]] فيقول :'''


ولم أكد أتم عبارتي حتى فوجئت بضربة قاتلة علي رأسي من قبضة المحقق ، جعلت الشرر يتطاير من عيني ، وكانت هذه اللكمة إيذانا للزبانية بالانقضاض لتستحل دمي بكل ما لديها من وحشية ، فألقوني علي الأرض ومرغوني في التراب ، وداسوني بالأحذية الغليظة العمياء ، ثم جاء دور السياط لتلهب كل مكان في جسمي ، ثم عادوا الكرة بذلك كله مجتمعًا ، فلا أدري أي الآلام أدفع عن نفسي ، فكنت إذا أصابتني سهام .. تكسرت النصال علي النصال .." .
:" (طلبة) نداء من زبانية الحربى لنزول مجموعة من [[الإخوان]] دون تحديد لأداء خدمات سواء إحضار الطعام من المطبخ أو كنس فناء السجن باليد ورشه بالماء .. الخ، فكان [[الإخوان]] يتزاحمون لأداء ذلك إيثاراً لراحة إخوانهم وطمعاً فى الأجر من ربهم".




16- الطلبة .. ومعاني الإيثار :
=== بالأخوة يستحيل قبو السجن روضة من رياض الجنة ===


والإيثار لايكون في الطعام وحسب ، وإنما في راحة الأبدان أيضا
:'''وبالأخوة يستحيل قبو السجن روضة من رياض الجنة ، فيغدو المكان دافئا بالحب في الله ، عامرا بالإيثار... يقص الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] هذه القصة قائلا:'''
يحكي الأستاذ عباس السيسي فيقول :


" (طلبة) نداء من زبانية الحربى لنزول مجموعة من الإخوان دون تحديد لأداء خدمات سواء إحضار الطعام من المطبخ أو كنس فناء السجن باليد ورشه بالماء .. الخ، فكان الإخوان يتزاحمون لأداء ذلك إيثاراً لراحة إخوانهم وطمعاً فى الأجر من ربهم".
:" هذا الشعور جاء من الطريقة الجهنمية التي بنيت بها الزنازين ، فجدرانها مرتفعة تشبه الأبراج ، وليس لها أي منفذ للضوء سوي كوة تعلو قرب السقف ، وباب الزنزانة كأنه باب قبر ، وهناك كوة أخري في وسط السقف ، مغطاة بطبقات من السلك ؛ لتعمل علي تجديد الهواء مع كوة الباب ، وفوق السلك غطاء خشبي مرتفع قليلاً ، بحيث يسمح للهواء أن يمر ، ولا يسمح لضوء الشمس بالتسلل في أي وقت ، والجدران مطلية بالسواد ..  


17- وبالأخوة يستحيل قبو السجن روضة من رياض الجنة ، فيغدو المكان دافئا بالحب في الله ، عامرا بالإيثار... يقص الأستاذ عبد الحليم خفاجي هذه القصة قائلا:
:فجو الزنزانة مظلم بالليل والنهار ، فضلاً عن شعور نزلائها بأنهم في قاع جب .. ويتخذ حراس الليل مواقعهم فوق ظهور هذه الزنازين .. وعندما يكلموننا من كوة السقف للسؤال عن مصير بعض أقربائهم ، يأتيهم ردنا من مكان سحيق ، أو من جوف القبور ، ولكننا سكان قبور تزعجهم نداءات الحراس طوال الليل ووقع أحذيتهم الغليظة ..  


" هذا الشعور جاء من الطريقة الجهنمية التي بنيت بها الزنازين ، فجدرانها مرتفعة تشبه الأبراج ، وليس لها أي منفذ للضوء سوي كوة تعلو قرب السقف ، وباب الزنزانة كأنه باب قبر ، وهناك كوة أخري في وسط السقف ، مغطاة بطبقات من السلك ؛ لتعمل علي تجديد الهواء مع كوة الباب ، وفوق السلك غطاء خشبي مرتفع قليلاً ، بحيث يسمح للهواء أن يسمر ، ولا يسمح لضوء الشمس بالتسلل في أي وقت ، والجدران مطلية بالسواد ..  
:فهذه الزنازين هي بحق قبور الأحياء ، وهي أوقع من " منزل الأموات " التي أطلقها دستوفسكي علي نزلاء سجنه .


فجو الزنزانة مظلم بالليل والنهار ، فضلاً عن شعور نزلائها بأنهم في قاع جب .. ويتخذ حراس الليل مواقعهم فوق ظهور هذه الزنازين .. وعندما يكلموننا من كوة السقف للسؤال عن مصير بعض أقربائهم ، يأتيهم ردنا من مكان سحيق ، أو من جوف القبور ، ولكننا سكان قبور تزعجهم نداءات الحراس طوال الليل ووقع أحذيتهم الغليظة ..
:'''تمثيلية :'''


فهذه الزنازين هي بحق قبور الأحياء ، وهي أوقع من " منزل الأموات " التي أطلقها دستوفسكي علي نزلاء سجنه .
:- وحيث إن للبيئة دخلاً في تشكيل ثقافة الإنسان ، فقد أوحي إلينا القبر بتمثيلية


تمثيلية :
:- أرواح الشهداء


- وحيث إن للبيئة دخلاً في تشكيل ثقافة الإنسان ، فقد أوحي إلينا القبر بتمثيلية
:- ووزعنا الأدوار علينا جميعًا ، بحيث يعبر كل واحد عن عصر من عصور التاريخ ، وكنت أمثل عصرنا الحديث كأحد شهداء [[الإخوان]] - وجري الحوار طريفًا ، مليئاً بالمفارقات المضحكة ، بسبب المتغيرات الحضارية في المصطلحات والأساليب ، بحيث كنت أجد صعوبة في إفهام الشهداء الأربعة معني الترام والطيارة ، وفي شرح عمل الكهرباء ، وكيف عذبوا بها البعض منا ، وكيف مات البعض منا برصاص البنادق ..


- أرواح الشهداء
:وهكذا أخذنا نسمر حتى اَحَلْنَا حفرة القبر إلي روضة من رياض الجنة ، وتشاء الأقدار أن يستشهد ثلاثة من هؤلاء الإخوة في مثل هذا الشهر بعد عامين ، في مذبحة الليمان الشهيرة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله ."


- ووزعنا الأدوار علينا جميعًا ، بحيث يعبر كل واحد عن عصر من عصور التاريخ ، وكنت أمثل عصرنا الحديث كأحد شهداء الإخوان - وجري الحوار طريفًا ، مليئاً بالمفارقات المضحكة ، بسبب المتغيرات الحضارية في المصطلحات والأساليب ، بحيث كنت أجد صعوبة في إفهام الشهداء الأربعة معني الترام والطيارة ، وفي شرح عمل الكهرباء ، وكيف عذبوا بها البعض منا ، وكيف مات البعض منا برصاص البنادق ..


وهكذا أخذنا نسمر حتى اَحَلْنَا حفرة القبر إلي روضة من رياض الجنة ، وتشاء الأقدار أن يستشهد ثلاثة من هؤلاء الإخوة في مثل هذا الشهر بعد عامين ، في مذبحة الليمان الشهيرة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله ."
===الأخوة في الله هي البهجة الحقيقية في الحياة ===


18- الأخوة في الله هي البهجة الحقيقية في الحياة ...
:'''وفي قصة الأستاذ السيسي إيضاح للمعنى حيث يقول :'''


وفي قصة الأستاذ السيسي إيضاح للمعنى حيث يقول :
:" توجهت إلى [[الكويت]] فى زيارة للأخوة وكان ذلك فى يوم 27 [[مايو]] [[1983]] وهو موعد امتحان طلاب المرحلة النهائية فى المدارس الثانوية.. ولما كنت شديد الشوق لرؤية الإخوة الطلاب كذا حرصى الشديد على أن لا أشغلهم فى هذه الفترة الحاسمة من حياتهم التعليمية. فقد آثرت الصبر حتى ينتهى موعد الإمتحان..
" توجهت إلى الكويت فى زيارة للإخوة وكان ذلك فى يوم 27مايو 1983 وهو موعد امتحان طلاب المرحلة النهائية فى المدارس الثانوية.. ولما كنت شديد الشوق لرؤية الإخوة الطلاب كذا حرصى الشديد على أن لا أشغلهم فى هذه الفترة الحاسمة من حياتهم التعليمية. فقد آثرت الصبر حتى ينتهى موعد الإمتحان..
...  


وكان يوم الأحد 6يونيو الساعة 9.30 صباحاً هو آخر مادة فى هذا المشوار الطويل ولم تكتمل الساعة 10.30 من صباح اليوم حتى وفد إلينا الإخوة الطلاب الذين أنهوا الإمتحان - واكتمل عددهم حوالى الخمسة عشر مع عدد من الإخوة الآخرين حتى ازدحم منزلى بهم جميعا .  
:وكان يوم الأحد 6 [[يونيو]] الساعة 9.30 صباحاً هو آخر مادة فى هذا المشوار الطويل ولم تكتمل الساعة 10.30 من صباح اليوم حتى وفد إلينا الإخوة الطلاب الذين أنهوا الإمتحان - واكتمل عددهم حوالى الخمسة عشر مع عدد من الإخوة الآخرين حتى ازدحم منزلى بهم جميعا .  


وكانت جلسة رائعة يحيط بها البشر والفرح والسرور الذى يطفح على وجوه الحاضرين.  
:وكانت جلسة رائعة يحيط بها البشر والفرح والسرور الذى يطفح على وجوه الحاضرين.  


وجاء أحد الإخوة ومعه هدية من الطعام تناولناها معا بهذه المناسبة والمباركة. وفى ختام اللقاء - طلب منى أن أتحدث إلى الإخوة حديثا مناسبا.
:وجاء أحد الأخوة ومعه هدية من الطعام تناولناها معا بهذه المناسبة والمباركة. وفى ختام اللقاء - طلب منى أن أتحدث إلى الأخوة حديثا مناسبا.


فحمدت الله تعالى وأثنيت على رسوله الكريم  
:فحمدت الله تعالى وأثنيت على رسوله الكريم ،وقلت الواقع أن الذى حدث اليوم أكبر من أن يتناوله بيان. فإن هذا الشباب المسلم الذى أنهى امتحانه فى الساعة 9.30 صباح يوم بعد جهد جهيد وعناء وعقب الاستذكار والامتحان، كان من المعروف فى مثل هذه الظروف أن ينصرف من فوره إلى أسرته، ثم إلى الراحة الطويلة بعيدا عن مشاغل هذه الحياة ومعظمهم قد تستهويه ملاعب الكرة والسينما. ولكن هذا الشباب المسلم جاء مسرعا بعد هذا العناء يحدوه الشوق والحب والحنين إلى أخ له فى الله تعالى، كى يراه ويسعد بالجلوس معه، إن هذا الشعور النبيل الكريم لا ينبغى أن يسند إلى شخص، بل إنه موقف عظيم ورائع يضاف لحساب الدعوة الإسلامية العظيمة - التى أخرجت هذا الشباب من تيار المألوفات الجاهلية إلى تيار الدعوة الإسلامية والأخلاق والمثل الإسلامية.


- وقلت الواقع أن الذى حدث اليوم أكبر من أن يتناوله بيان. فإن هذا الشباب المسلم الذى أنهى امتحانه فى الساعة 9.30 صباح يوم بعد جهد جهيد وعناء وعقب الإستذكار والإمتحان، كان من المعروف فى مثل هذه الظروف أن ينصرف من فوره إلى أسرته، ثم إلى الراحة الطويلة بعيدا عن مشاغل هذه الحياة ومعظمهم قد تستهويه ملاعب الكرة والسينما. ولكن هذا الشباب المسلم
:فكان هذا الشعور هو صدى إيمانهم وفقههم وحبهم لدعوتهم.  


- جاء مسرعا بعد هذا العناء يحدوه الشوق والحب والحنين إلى أخ له فى الله تعالى، كى يراه ويسعد بالجلوس معه، إن هذا الشعور النبيل الكريم لا ينبغى أن يسند إلى شخص، بل إنه موقف عظيم ورائع يضاف لحساب الدعوة الإسلامية العظيمة - التى أخرجت هذا الشباب من تيار المألوفات الجاهلية إلى تيار الدعوة الإسلامية والأخلاق والمثل الإسلامية.  
:ونحن اليوم إذ نعيد هذا السلوك فإنما نقول أن الدعوة الإسلامية قد صنعت نماذجا من الشباب المسلم الذى نضجت فيه تلك المعانى الرائعة.  


فكان هذا الشعور هو صدى إيمانهم وفقههم وحبهم لدعوتهم.  
:وإنى لو أردت أن أزن شعور إخوانى بهذا الحب العظيم فإنه فوق ما فى هذه الأرض وما تحتها من كنوز ونفائس وصدق الله العظيم '''{ لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم }''' لقد كانت هذه اللفتة الحلوة من الإخوة الشباب بسمة فى ضمير الإنسانية ورحمة مهداة من الله تعالى لقلوبنا التواقة المشتاقة نسجلها فى صحائف المجد والخلود " .


ونحن اليوم إذ نعيد هذا السلوك فإنما نقول أن الدعوة الإسلامية قد صنعت نماذج من الشباب المسلم الذى نضجت فيه تلك المعانى الرائعة.


وإنى لو أردت أن أزن شعور إخوانى بهذا الحب العظيم فإنه فوق ما فى هذه الأرض وما تحتها من كنوز ونفائس وصدق الله العظيم { لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } لقد كانت هذه اللفتة الحلوة من الإخوة الشباب بسمة فى ضمير الإنسانية ورحمة مهداة من الله تعالى لقلوبنا التواقة المشتاقة نسجلها فى صحائف المجد والخلود 0" .
=== بالأخوة الصادقة يرزق الأخ الراحة النفسية التامة ===


19- وبالأخوة الصادقة يرزق الأخ الراحة النفسية التامة ... برغم تعب الجسد و آلامه.. وبهذا يصبح الأخ أكثر قوة و ثباتا...  
:'''وبالأخوة الصادقة يرزق الأخ الراحة النفسية التامة ... برغم تعب الجسد و آلامه.. وبهذا يصبح الأخ أكثر قوة و ثباتا...'''


يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
:'''يقول الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]] :'''


" وكان وجودي بين عدد من الإخوة هو والإفراج سواء ، حيث شعرت بسعادة أنستني التفكير بالخروج "
:" وكان وجودي بين عدد من الإخوة هو والإفراج سواء ، حيث شعرت بسعادة أنستني التفكير بالخروج "


ويقول أيضا :
'''ويقول أيضا :'''


" .. واستطعت بدوري أن أدبر لقائي بأخي عبد الحق محروس ، عند عربة توزيع الخبز علي مندوبي أقسام السجن ، وجاء عبد الحق مع مندوبي السجن الكبير ، وشددت علي يده في صمت ، وكان قد حكم عليه بدوره بعشر سنوات سجن مع وقف التنفيذ في إحدى القضايا .. وغمرتني هذه اللحظة بسعادة دائمة لأيام طويلة"
:" .. واستطعت بدوري أن أدبر لقائي بأخي [[عبد الحق محروس]] ، عند عربة توزيع الخبز علي مندوبي أقسام السجن ، وجاء عبد الحق مع مندوبي السجن الكبير ، وشددت علي يده في صمت ، وكان قد حكم عليه بدوره بعشر سنوات سجن مع وقف التنفيذ في إحدى القضايا .. وغمرتني هذه اللحظة بسعادة دائمة لأيام طويلة"


ويحكي الأستاذ عباس السيسي هذا الموقف الشجاع و الذي يدل  على ما تعطيه أخوة الدين من قوة في مجابهة الباطل :
:'''ويحكي الأستاذ [[عباس السيسي]] هذا الموقف الشجاع و الذي يدل  على ما تعطيه أخوة الدين من قوة في مجابهة الباطل :'''


" عطس أحد الإخوة فى الطابور.  
:" عطس أحد الأخوة فى الطابور.  


فقال العسكرى الحارس اللى عطس يخرج خارج الصف فخرج ثلاثة من الإخوة فقال اللى عطس واحد فقط فإذا لم يخرج وحده أعذبه عذابا شديدا0 فخرج أكثر من عشرة الإخوة. فضربهم جميعا وهو يقول علشان متحبوش بعض يا أولاد 000 ؟"
:فقال العسكرى الحارس اللى عطس يخرج خارج الصف فخرج ثلاثة من الأخوة فقال اللى عطس واحد فقط فإذا لم يخرج وحده أعذبه عذابا شديدا فخرج أكثر من عشرة من الأخوة. فضربهم جميعا وهو يقول علشان متحبوش بعض يا أولاد....  "


زاد الثبات و الصمود عبر السنين :
==زاد الثبات و الصمود عبر السنين ==


وهكذا استمرت جماعة الإخوان المسلمين طوال ثمانين عاما صامدة أمام كل ما لاقته من مصائب عظام ، ومحن جسام ، فقد ثبتها الله تعالى بهذه الشعيرة المهمة التي لا يستكمل الإيمان إلا بها ، يقول صلى الله عليه وسلم " من أحب في الله، وأبغض في الله ، و أعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ".
وهكذا استمرت جماعة [[الإخوان المسلمين]] طوال ثمانين عاما صامدة أمام كل ما لاقته من مصائب عظام ، ومحن جسام ، فقد ثبتها الله تعالى بهذه الشعيرة المهمة التي لا يستكمل الإيمان إلا بها ، يقول صلى الله عليه وسلم " من أحب في الله، وأبغض في الله ، و أعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ".


وبالأخوة و الإيثار أعاد الإخوان سير الصحابة و التابعين والصالحين من بعدهم والذين ضربوا نماذج فريدة في الأخوة الصادقة ، والإيثار التام..  
وبالأخوة و الإيثار أعاد [[الإخوان]] سير الصحابة و التابعين والصالحين من بعدهم والذين ضربوا نماذج فريدة في الأخوة الصادقة ، والإيثار التام..  


وكذلك أعطى الإخوان بهذه النماذج الرائعة الدروس و العبر للقدمين من الأجيال المسلمة .
وكذلك أعطى [[الإخوان]] بهذه النماذج الرائعة الدروس و العبر للقدمين من الأجيال المسلمة .


ولاتزال الجماعة على عهدها بنظام الأسر ...  
ولاتزال الجماعة على عهدها بنظام الأسر ...  
سطر ٤٧٤: سطر ٥٠٦:
فهم يعلمون ما للأخوة و الإيثار والحب في الله من عظيم فضل في الدنيا و الآخرة ، فحرصوا عليها .. ووفوا بحقوقها، واستزادوا منها .
فهم يعلمون ما للأخوة و الإيثار والحب في الله من عظيم فضل في الدنيا و الآخرة ، فحرصوا عليها .. ووفوا بحقوقها، واستزادوا منها .


يقول الله تبارك وتعالى :
'''يقول الله تبارك وتعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}'''.


{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }.


المصادر :
==المراجع==


رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ... الإمام حسن البنا  
*كتاب: [[رسائل الإمام الشهيد حسن البنا]] ،الإمام [[حسن البنا]].


حكايات الإخوان ... الأستاذ عباس السيسي
*كتاب: [[حكايات عن الإخوان (الجزء الثاني)|حكايات الإخوان]] ،الأستاذ [[عباس السيسي]].


عندما غابت الشمس ... الأستاذ عبد الحليم خفاجي  
*كتاب: [[عندما غابت الشمس]] ،الأستاذ [[عبد الحليم خفاجي]].


مذابح الإخوان في سجون ناصر .. الأستاذ جابر رزق  
*كتاب: [[مذابح الإخوان في سجون ناصر]] ،الأستاذ [[جابر رزق]].


أيام من حياتي ... زينب الغزالي .   
*كتاب: [[أيام من حياتي]] ،[[زينب الغزالي]] .   


الإخوان المسلمون في سجون مصر(من عام 1942م-1975م) م/ محمد الصَّرويّ
*كتاب: [[الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)]].


الإخوان المسلمين في ريف مصر أحمد البس  
*كتاب: [[الإخوان المسلمين في ريف مصر]] ،[[أحمد البس]].


أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون-- حسين محمد أحمد حمودة
*كتاب: [[أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون]] ،[[حسين حمودة]].


مقال زكريا الطباخ ... علاء ممدوح.
*ترحمة: [[زكريا الطباخ]] ،[[علاء ممدوح]].


مقال شحاته هدهد ... علاء ممدوح .
*ترحمة: [[شحاته هدهد]] ،[[علاء ممدوح]] .




[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:أحداث صنعت التاريخ]]
[[تصنيف:أحداث صنعت التاريخ]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٣:٢١، ٣١ ديسمبر ٢٠١١

الإيثار والأخوة عُدة الإخوان على طريق الدعوة


مقدمة

كان الناس كلهم في تناحر و تباغض .... و كبر من الغني على الفقبر ، ومن الشريف على الوضيع ، وتفاخر بالأنساب و القبائل .

حتى جاء الإسلام و بدد بنوره كل تلك الظلمات ، فآخى بين المسلمين و ألف بين قلوبهم و جعل الكل سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى .

يقول الله عزوجل " و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "

فأخوة الإيمان وما تأتي به من مودة و تعاون و إيثار وقوة نفسية ، هي من عند الله تبارك وتعالى يخلقها في قلوب عباده المؤمنين و لهذا لا يمكن لأي قوة بشرية أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تبدل مكانها الحقد و الكراهية و الخصومة .

ويكفي أن هذه الأخوة و المحبة توجب محبة الله تعالى لأهلها ، يقول الله عزوجل في الحديث القدسي "وجبت محبتي للمتحابين في ، و المتجالسين في ، و المتباذلين في ، و المتزاورين في" .

وتكون سببا في ظل الله تعالى لهم ،يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" .

وتجمع بين أصحابها على منابر من نور في الجنة ، يقول صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء".

وعلى هذا المبدأ الهام أسس الإمام حسن البنا بنيان هذه الجماعة الطيبة الزاكية وحرص أشد الحرص على غرس روح الحب في الله بين أفرادها ،

وكيف لا يهتم بذلك وهو يعلم أن هذه المحبة أوثق عرى الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، و المعاداة في الله ،و الحب في الله ، و البغض في الله عزوجل ".

ولا يتذوق المسلم حلاوة الإيمان الذي من أجله يبذل كل غال و ثمين إلا بها ،يقول صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان .. وذكر منها " أن يحب المرء لا يحبه إلا لله " .

من أجل هذا كان الإمام البنا دائما يشير إلى معنى الأخوة و الحب في الله في درس الثلاثاء من كل أسبوع ، ليس هذا فقط بل و أنشأ نظام الأسر التربوي و الذي يعمل على التقارب و المعايشة بين أفراد الأسرة الواحدة من خلال التعارف( الذي يرفع الحاجز النفسي بين الناس ) و التفاهم ( الذي ييسر التعامل بينهم) والتكافل (الذي يوثق الرباط بينهم.).

يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى :

" وأول القوة : قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب , وأقل الحب: سلامة الصدر , وأعلاه : مرتبة الإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر) والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ، لأنه إن لم يكن بهم ، فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره , (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض) وهكذا يجب أن نكون.
أيها الإخوان
لا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة , فخور بهذا الارتباط الرباني القوي المتين , عظيم الأمل في المستقبل , ما دمتم كذلك أخوة في الله متحابين متعاونين , فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم و عدتكم ."


حكايات الإيثار و الإخاء

قصة الحاج فرج

تتجلى أسمى معاني الأخوة الصادقة و الإيثار بالنفس بين صفوف الإخوان في قصة الحاج فرج الذي لم يذكر الأخوة مكانه برغم كل ما تعرضوا له من عذاب السجن الحربي ، وظل حرا طوال 20 عاما.
يحكي الأستاذ عباس السيسي القصة على لسان الحاج مرزوق قائلا:
" ويقول الحاج فرج أنه أن حين اشتد به المرض وتعذر عليه الذهاب إلى المستشفى أو أى عيادة خارجية مخافة أن ينكشف أمره.
وأدرك أنه ميت لا محالة . فلم يجد بداً من أن يحضر لنفسه قبرا فى المنزل الذى يختبئ فيه - وأوصى بأنه حين يقضى نحبه - يدفن فى هذا القبر! ولكن الله تعالى أنعم عليه بالشفاء ليقضى الله أمراً كان مفعولا!
ويروى الحاج فرج أنه فى خلال العشرين سنة حدثت معه حوادث ومواقف فوق الخيال - كانت تنتابه الشكوك والظنون فيمن يلقاهم. كانت حواسه شديد اليقظة والانتباه لكل ما يحيط به فهو يتوجس خيفة من كل صوت أوحركة تصدر فى سكون الليل .
عرف فى هذه المحنة قدر الرجال وقيمة القيم والأخوة فى الله. عرف معنى الحب والتضحية والإيثار عرف قيمة هذه الدعوة الخالدة فى تكوين الأمم وإنقاذ الشعوب.
ولم يكشف الحاج فرج عن نفسه ويعلن عن وجوده إلا بعد وفاة عبد الناصر وصدور قرار باعفاء المسجونين من الإخوان المسلمون من باقى العقوبة عام 1974 ."


الأخوة والإيثار بالمال خارج الأسوار ومن خلفها

تأمل صدق الأخوة و جمال الإيثار بالمال في هاتين القصتين :
الأولى خارج الأسوار ، يحكيها الأستاذ عباس السيسي :
ذلك عام 1945 وقبل عيد الفطر بأسابيع.
إذ تقدم الأخ نقيب الأسرة فقال لإخوانه - أيكم يحتاج إلى أى شىء بمناسبة العيد؟ فقال له الأخ أنا أحتاج إلى بدلة وأريد أن ترشدنى إلى ترزى يفصل لى بدلة بالتقسيط.
فقال له الأخ نقيب الأسرة غدا أرشدك عنه. ثم ذهب الأخ نقيب الأسرة إلى ترزى له صلة بالإخوان وقال له إن الأخ سوف يأتيك كى تقوم بتفصيل بدلة له - فلا تأخذ منه أى شىء وسوف أقوم أنا بتسديد قيمة البدلة لكم.
ولبس الأخ البدلة فى العيد ويسأله الإخوان من أين اشتريت القماش ومن الذى قام بالتفصيل - فيقول من عند الترزى فلان
فيذهب الإخوان لهذا الترزى ويطلبون مثل ما طلب الأخ . ولكنهم يكتشفون أن هذا الترزى لا يفصل بالتقسيط وأن الأخ نقيب الأسرة قام بدفع القيمة كاملة ثم أخذ من الأخ المبلغ على دفعات دون أن يعرف حقيقة الأمر. وكانت هذه القصة دليل صارخ على أسمى معانى الحب والإيثار."
و الثانية من وراء الأسوار ، يتضح فيها صدق مسارعة الأخ إلى بذل ماله حتى و إن أعطى كل ما يملكه من أجل مصلحة أخيه، يرويها الأستاذ عبد الحليم خفاجي فيقول :
" معنا عدد من الإخوة ليس معهم نقود ، ومن المصلحة ترك مبلغ في أمانات كل واحد ، تحسبًا لجميع الاحتمالات ، فقد لا نستطيع أن نتقابل بسهولة بعد ذلك ، فعلي القادر أن يتبرع ، وعلي الخالي أن يسجل اسمه ..
فخجلت من نفسي أن أتبرع بجزء من مبلغ جاءني كله من عند الله ، فأسرعت بالتبرع بالخمسة والسبعين قرشًا كاملة ، وسجلت اسمي ، في سجل الخالين ، علي أمل أن أتساوي مع أصحاب الحدود الدنيا ، فتكون أماناتي ثلاثين قرشًا مثلاً ..
فكانت المفاجأة أن كان نصيبي بعد التوزيع جنيهًا كاملاً ، بزيادة قدرها ربع جنيه جديد .. هذه الواقعة البسيطة التي ابتدأت بمشاطرة أخي محيي علم الدين لما معه بالمباحث العامة ، ثم تكرار العملية مع عفيفي بالسجن الحربي ، ومع عبد المنعم بالليمان أعطتني درسًا جديداً في معاني الإيثار وثمراته المباركة ."


الأخوة و الإيثار حتى الممات

محمد عواد .. آثر إخوانه على نفسه .. فكان عذاب السجن الحربي أهون عليه من أن يعترف على أحد من إخوانه ولو كلفه ذلك روحه .
يقول الأستاذ عباس السيسي
" أعظم من ذلك ما يحكي عن محمد عواد من زملائه :
ظهر منه الثبات و المصابرة و قوة الإرادة، و ما كان البطل يزيد على قوله و هو يُعذب: يا مقلب القلوب ثبت قلبي .. أعنِّي .. لا تفتني.
و ما أن سمعه كبير الجلادين حتى ركله بقدمه، و أخذ سوطاً و أهوى به عليه، و انهال عليه ضرباً، و بعد أن أعياه التعذيب أمره الجلاد أن ينهض، فحاول و لكن لم يَقْوَ ... خانته قواه، و حاول مراراً فلم يستطع.
و نادى الجلاد زبانيته و أمرهم أن يوثقوه بالحبال، ثم سأله: تكلم. اعترف.
قال: بم أتكلم؟ و على أي شيء أعترف؟ أنا لا أعرف شيئاً ..) وظل هكذاإلى أن تأكد الذئاب أنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا منه كلمة واحدة فصدرت أوامر صفوت الروبي بإغراقه فى الفسقية التى كانت موجودة فى صحن السجن الحربى..
وأنزل عواد إلى الفسقية ونزل وراءه جندى يقال له : ((خرشوف)) فركب على أكتافه وأمسك برأسه وراح يغطسه فى الماء حتى إذا ما رأى أنه قد أشرف على الهلاك أخرج رأسه وانهال عليه باللكمات والصفعات وهكذا دواليك! فلما أعيتهم الحيل معه نزل صفوت الروبي بنفسه إلى الفسقية وأمسك براس عواد ورواح يضرب به جدار الفسقية حتى هشمه تماماً، عندئذ أمر ((الجلاد بإخراجه)) من الفسقية فاكتشف الجميع أنه قد مات، وفاضت روحه".


قطب و هواش رمز الإخاء الصادق حتى نالا الشهادة سويا

يقول الأستاذ جابر رزق :
" قصة حب في الله تربط بين الشهيدين سيد قطب , ومحمد يوسف هواش . . حتى أن الشهيد سيد قطب كان يعتبر الشهيد هواش شريكه في كل ما وصل إليه من فكر . . حتى قيل إن الشهيد سيد قطب وهو يكتب في ظلال القرءان حول سورة يوسف رأى الشهيد هواش في رؤية سيدنا يوسف عليه السلام يقول له : قل لسيد قطب إن ما تبحث عنه موجود في سورة يوسف . . أو ما معناه . . وكانت رؤيا حق . . فقضية "
الحكم لله " واضحة كل الوضوح في سورة يوسف . . وكانت رفقة الشهيد محمد يوسف هواش للشهيد سيد قطب رفقة طويلة استغرقت فترة سجنه كلها ."
حتى في صبيحة يوم المحاكمة كان قطب و هواش معا يجمعهما كلبش واحد .
و يقول الأستاذ جابر رزق :
" عندما صدر الحكم بالإعدام على الشهيد محمد يوسف هواش قال بعض إخوان السجون الذين عايشوا هواش وسيد قطب :
" جاءت لك الشهادة ... يا هواش . . كان الله رحيما بك لأنهم كانوا لا يتصورون أن يعيش هواش بعد إعدام سيد قطب . . "


فاروق المنشاوي .. آثر سلامة الجماعة على سلامته

الأستاذ فاروق المنشاوي بين جنود عبد الناصر
المنشاوي . آثر سلامة الجماعة على سلامته .. فلم يفصح عن معلومة ، و لم يسب و يشتم إخوانه ، وتحمل العذاب إيثارا و إخاءً ، كي لا يتحمله أخوه حتى قتل رحمه الله . تقول زينب الغزالي رحمها الله تعالى :
" وبعد فترة دخل ثلاثة جنود كأنهم خارجون لتوهم من جهنم . طول أجسامهم مرعب وعرض أجسامهم كذلك . وجوههم تعكس غلظة قلوبهم .
وبعدهم بقليل دخل رجل فسألهم عما إذا كانوا قد عرفوني ورأوني ، وأجابوا بنفس واحد بالإيجاب ، وقالوا بأن موعد موتى قد حل . ثم خرجوا ليعودوا بالأخ فاروق المنشاوي فيجلدوه بعد أن قيدوه وصلبوه على عود من الخشب . وبين الجلدة والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها .
ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه جلدا، وأنا أتمزق مما أرى وأسمع حتى طرحوه أرضا واعتقدت أنه يحتضر .
ولكن إرادة الله شاءت له أن يعيش وبحاكم ليحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة . يدعو في السجن ل الإسلام وللحق الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من عبد الناصر لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز بالشهادة . ولم يكتف الآثمون بجلد الأخ فاروق ،
بل أتوا بأخ آخر علقوه على أعوادهم وأعادوا عليه ما سألوا فاروق عنه ورفض الأخ كما رفض أخوه من قبل . واشتد العذاب وتعب الشاب وظنوا أنه يموت . فأنزلوه أرضا ورفعوه على نقالة وانصرفوا به لا يدرى أحد إلى أين . . ".


قصة المهندس أحمد نجيب الفوال مع المرحوم الحاج حامد الطحان

يقول الأستاذ عباس السيسي:
"... كان المرحوم المهندس أحمد نجيب الفوال وهو من مواليد مدينة (فوه) وكان قد سافر إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه فهو من خريجى كلية الزراعة بالإسكندرية وكانت بينه وبين الوالد المجاهد الحاج حامد الطحان من أعيان كفر بولين مركز كوم حمادة
صلة روحية وحب فى الله تعالى .. ومات الحاج حامد ودفن فى قريته وبعد مدة مات أحمد نجيب الفوال عام 1965 .. وكتب فى وصيته أن يدفن بجوار الحاج حامد الطحان .. وجئ بالجثة من أمريكا وعلم الأهالى بالقصة وعلم البوليس السياسى بها وعارض موضوع الدفن - ولكن الأهالى أصروا على تنفيذ الوصية . ودفن أحمد نجيب الفوال بجوار أخيه فى الله فى مظاهرة إسلامية رائعة هزت وجدان الناس جميعاً ."


وفي العيد .. تتجلى الأخوة و معاني الإيثار

يحكي الأستاذ عبد الحليم خفاجي عن جمال يوم العيد بمعاني الإخاء الصادقة في صبيحته فيقول :
" دوت أركان السجن بنشيد الانتصار الرباني في صبيحة يوم العيد .. وقد تركت الأبواب مفتوحة من بعد الفجر ، دون السماح بالخروج منها إلي ما بعد الانتهاء من وقت الصلاة والفراغ من التكبير .. التكبير الذي لا يستطيع أحد منا أن يلفظ بكلماته في غير اليوم .. حيث يشتبه مع شعار الإخوان الذي تعمل له الحكومة ألف حساب ..
ولكننا اليوم في أمان من أي شر ، فكان لوقعه الجميل أثر كبير في نفوسنا ، أعاد إليها يقينها في الله القاهر فوق عباده . من كل مكان في السجن تلتقط أرواحنا قبل آذاننا - الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. ولله الحمد .
وتهيأنا بلبس حللنا كاملة ، حتى الذين كانت تمنعهم الجروح والأربطة جاهدوا للظهور في أحسن زينة .. ويا لها من لحظة ملائكية عندما انطلقنا خارج الزنازين يعانق بعضنا بعضًا ، أو عندما نري من أثقلتهم الأربطة أو أثخنتهم الجراح ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعمي عقبي الدار .. لم تشهد عيناي مثل هذه المشاهد الربانية من قبل ..
كأنما شفت الأجساد ، فلم يعد موجود سوي الأرواح المشرقة النقية ، ترفرف في ملكوت السماء .. ولم تلبث هذه الأرواح الطاهرة أن انتظمت في صفين متقابلين للتهنئة بالعيد ، ولكن الصفوف تضطرب وتهتز أمام العناق الطويل ، والأشواق الحارة ، والحب الصادق ، والدموع الفياضة ..
عالم جديد غريب من صفاء أهل الجنة ، وتراحمهم ، وتوادهم .. وتمت سعادتي بلقاء رفعت وعبد السلام وعفيفي وغيرهم من طلائع النور .. لقد رأيت الشيطان يهرب من نفوس زبانية التعذيب فتطأطئ رؤوسها خجلاً أمام زحف النور ، ويسارعون بدورهم إلي عناق الإخوان ، والاعتذار لهم بالأوامر العسكرية ..
رأيت أحد السجانة ينتحي جانبًا ، وينتحب في صمت ، يا الله إن لهم قلوبًا كقلوبنا ، ولكن الشيطان سلكهم في سقر مثل فرعون من قبل ، وهو يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار فبئس الورد المورود ، ولقد تحرك قلب أحد هؤلاء العتلات فنطق لسانه باللغة التي يفهمها قائلاً :
إن فيكم يا أولاد الكلب فضيلة قذرة وهي أنكم تحبون بعضكم البعض."
وهذه عشرون كرباجا ثمن الإيثار يحكي قصتها الأستاذ عباس السيسي فيقول:
" كان عيد الفطر أول عيد جاء علينا ونحن فى السجن الحربى، وأعطت إدارة السجن أجازات للجنود (الحراس) وانتدبت بعض الجنود الذين لا خبرة لهم بالتعذيب.
وفى صباح أول يوم العيد فتح علينا الزنزانة عسكرى من هؤلاء ومعه صندوق من الخشب به ثلاث تفاحات وحوالى نصف كيلو من الجوز واللوز والبندق، وأغلق علينا الباب ونظرنا إلى هذه المفاجأة ولسان حالنا يقول :
(اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا) وقمنا فوزعنا لكل واحد منا تفاحة وجزءاً من المكسرات، واتفقنا على أننا نستبقى بجزءاً من المكسرات فى جيوبنا حتى إذا خرجنا إلى دورة المياه أعطيناه لإخواننا ظناً منا ألا يكون قد وصلهم شىء من ذلك.
وكلما ذهبنا إلى الدورة فى المواعيد المقررة لم نستطع أبداً أن نعطى إخواننا أى شىء حيث الحراسة شديدة متحفزة فنعود على أمل أن نستطيع فى المرة القادمة حتى كان صباح آخر أيام العيد، فتح علينا الزنزانة العسكرى الشرس (على الأسود) وهو مشهور بإجرامه.
فوقفنا له تحية تعظيم سلام وهو تقليد معروف فى السجن الحربى وقال لى : (ولد يا سيسى فين صندوق الخشب اللى كان فيه التفاح) فقلت له : (يا فندم ما عرفش أى شىء عن هذا الصندوق) قال : يا أولاد .. لازم تجيبوا هذا الصندوق.
وأخيراً قال أحدنا : إحنا رمينا هذا الصندوق فى الزبالة تحت السلم، فذهب يبحث عنه، فقلت لإخوانى: هيا كل واحد يسرع ويبتلع ما معه من جوز ولوز قبل أن يأتى العسكرى (على الأسود)، فكل واحد منا وضع كل ما معه فى فيه وأخذ يشغل أسنانه وإذا بالعسكرى يأتى غاضباً حيث لم يجد الصندوق.

... وقال : يا ولد يا سيسى يا ابن.. فين الصندوق؟

كان فمى مملوءاً فلم أستطع أن أنطق وأقول له أى شىء.. فيلطمنى لطمة شديدة على وجهى، فتنطلق المكسرات فى وجهه كالقنبلة واكتشف الأمر وحكم على كل واحد بـ (عشرين كرباجاً) ."


الإخاء خدمة و تعاون

إن الأخوة الصادقة تجعل الأخ يعمل في خدمة إخوانه مهما كان مستواه رفيعا ، ومهما كانت الخدمة ... يقول المهندس محمد الصروي :
المهندس محمد الصروي
" كان على كل واحد من الشباب أن يقوم بالعمل في خدمة إخوانه.. فالعمل عبادة وخدمة الإخوان عبادة، ولقد عملت في المهن التالية:
صبي سباك تحت رئاسة الأخ أحمد عبد المجيد، لإصلاح حنفيات دورة المياه باستخدام أنبوبة معجون الأسنان الفارغة.. (صيانة بإمكانات وعقلية السجون).
صبي سباك محترف هو الأخ عبد السميع عفيفي، حيث قمنا بمد شبكة مياه إلى جميع حجرات العنبر.. بدلاً من ملء الجرادل.
حافظت على عملي الأصلي في سجن قنا وهو إصلاح شباشب وأحذية الإخوان لمدة دامت خمس سنوات ونصف السنة.
وبالمناسبة عملت من قبل في سجن قنا مشرفاً على الصيدلية الخاصة بالإخوان وإعطاء حقن العضل والوريد وتحت الجلد وتطعيم الإخوان، تحت إشراف د. محمود عزت إبراهيم.. لكن لما حضرنا إلى سجن مزرعة طره كان هناك من هم أقدر مني على هذه الوظيفة وعددهم كثير."
وعن هذا المعنى أيضا يقول الأستاذ عباس السيسي:
" ... والأخ منصور موسى منصور الجواهرجى بالصاغة فى الموسكى كان يقوم بالإشراف على دورة المياه فى السجن مستعينا ببعض الإخوة فى مقدمتهم وكيله المرحوم الأخ أحمد إسماعيل الشهير (بحسنى كاوتش) وهو من إخوان الإسكندرية وكان يساعد الأخ حسنى فى النظافة الأخ المرحوم أحمد محمود حيدر …".
والأخوة الصادقة أيضا تجعل الأخ يجود بعلمه لإخوانه ، يقول المهندس محمد الصروي :
" ( تجمع المهندسون الكيماويون وأعدوا برنامجاً دراسياً، يقوم كل واحد منا بتدريس أحد كتب الماجستير في علوم الهندسة الكيماوية علاوة على دراستنا للهندسة الكهربائية والكيمياء والهندسة المدنية (الخرسانة المسلحة)، كما قام الكيميائي النابه الأخ منصور عبد الظاهر (الخانكة - القليوبية) بتدريس علم هندسة الراديو، وكانت له حلقة لدراسة الراديو يحضرها الكثيرون.. لذلك لما خرجنا من السجن كان مستوانا العلمي مرتفعاً جداً بالنسبة لأقراننا الذين لم يدخلوا السجون."


أخوة الدين أقوى من عرى النسب

ولا أدل على ذلك من هذه الواقعة التي يرويها الأستاذ عباس السيسي بقوله :
" ... حدثت هذه القصة فى مدينة رشيد - حين قام أحد الإخوة من الشباب - بقيادة سيارة خاصة فى الطريق العام فاصطدم بفتاة رآها تسقط تحت عجلات السيارة.
فخرج من السيارة فزعا نحو نزل الأخ عباس السيسي الذى يبعد حوالى كيلو متر. مع العلم أن منزله هو يقع فى مسافة قريبة من الحادث - وحين وصل إلى المنزل لحقه إخوانه الذين طمأنوه على سلامة الفتاة وأنها لم تصب بسوء - فاستعاد راحته النفسية :
وهذه القصة إن دلت على شىء فإنما تدل دلالة عميقة على قوة الصلة الروحية بين أبناء الدعوة الإسلامية وما تربطهم من عقيدة راسخة. جعلت أخوة الإيمان والعقيدة فوق أخوة النسب. ولقد كانت إرادة القلب أقوى من إرادة العقل فقد قطع تلك المسافة بهواتف روحية يحدوها الحب فى الله تعالى."


الأخوة الصادقة تربي الأخ السهل اللين المتواضع مع إخوانه ،مهما كان مركزه

يحكي الأستاذ عباس السيسي هذه القصة الجميلة فيقول :
" كنت مسافراً مع الأستاذ عمر التلمساني من الإسكندرية إلى القاهرة ونحن فى الطريق - قلت للأستاذ عمر - من الواجب على جماعة الإخوان تكوين شركات اقتصادية بسيطة لتعين الإخوان على ظروف الحياة الصعبة؛ كما سبق أن كونوا مثل هذه الشركات فى عصرهم القديم مع الإمام حسن البنا .
فقال : يجب على الإخوة أن يفكروا فى مثل ذلك ونحن نساعدهم .
فقلت له : أنا عندى فكرة إنشاء شركة مياه غازية .
فقال رحمه الله : وهل فكرت لها فى اسم تجارى؟
قلت : نعم .. فكرت أن يكون اسمها ( سيسي كولا )
فقال الرجل : والله اسم (جميل ) !!"


الأخوة والإيثار في الإيواء برغم المخاطر الجسام

الأخوة والإيثار في الإيواء برغم المخاطر الجسام و الأهوال التي من الممكن أن يتعرض لها الأخ المضيف و أسرته:
وهذا يتضح جليا في قصة الأخ رزق إسماعيل التي يرويها الأستاذ أحمد البس :
" ولما اتجهت إلى عدم تسليم نفسى اتصلت بالشهيد الأخ " رزق حسن إسماعيل" رحمه الله فرحب بقدومى عليه وإيوائى رغم أن الموقف شديد وخطر ولكن رحمه الله تعالى كان يتصرف بصدق ووفاء وليس بداخله وخارجه أدنى خوف.
ودخلت إلى بلدته ودخلت منزله القديم بالدور الثانى وأغلق على الباب الحجرة" المقعد" ولا يدخل علىّ أحد إلا هو أو ابنته حين يدق الباب دقا أعرفه فأفتح لها فتناولنى الطعام والشراب وتسألنى عن أى شئ أكون محتاجا إليه, وفى الغالب ليس لى طلبات مطلقا."


جمال ربيع ... له من اسمه نصيب

جمال ربيع ... له من اسمه نصيب فقد سطر التاريخ جمال أخوته وكمال إيثاره النابع من ربيع قلبه المؤمن:
فقد آثر على صحته أمن إخوانه و خلاصهم حين أجرى عملية الزائدة وما به من بأس عند طبيب مبتدئ من أجل جمع معلومات لإخوانه.. الله أكبر، نعم الأخوة و نعم الإيثار ... يحكي لنا القصة الأستاذ حسين حمودة فيقول:
" جمال ربيع في وضع خطة لهروب الإخوان من سجن الواحات الخارجة وعرضها على وتناقشنا في تفاصيلها مع الإخوة الضباط المسجونين معنا ومع الأستاذ محمود عبدة قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين 1948 والذي كان مسجونا معنا في سجن الواحات الخارجة ومع مجموعة من شباب الإخوان الموجودين معنا في السجن.
وتتخلص خطة الهرب هذه فيما يلي :
1- يقوم الإخوان بالاستيلاء على أسلحة وذخائر حراس السجن مستخدمين في ذلك الحيلة والخداع والإخفاء والتمويه وكان ذلك أمرا ميسورا لطبيعة السجن المفتوح ولقلة حراس ولكون الأسوار من الأسلاك الشائكة التي يمكن تقطيعها بسهولة بواسطة قصافة يمكن الحصول عليها بغير كبير عناء (القصافة مقص لقطع الأسلاك).
2- في نفس توقيت الاستيلاء على أسلحة الحراس تقوم مجموعة من الإخوان بقطع وسيلة الاتصال السلكية واللاسلكية بين السجن ومديرية الأمن لمحافظة الوادي الجديد والموجودة بمدينة الخارجة.
3- التحرك إلى مدينة الخارجة للاستيلاء على مقر مديرية الأمن بمحافظة الوادي الجديد وتعطيل وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بين محافظة الوادي الجديد والحكومة المركزية بمدينة القاهرة وأخذ المحافظ ومدير الأمن ومن معهم من الضباط كرهائن بعد الاستيلاء على الأسلحة والذخائر ووسائل النقل وكميات البنزين الموجودة بمدينة الخارجة.
4- التحرك ومعنا الرهائن إلى السودان الشقيق عن طريق درب الأربعين.
5- بمجرد الوصول إلى السودان يطلب الإخوان حق اللجوء السياسي من حكومة السودان.
6- يطلق الإخوان سراح الرهائن بعد الوصول إلى السودان ومن أهم الأسباب التي دفعت الإخوان إلى اختيار السودان الشقيق أن العلاقات بين حكومة عبد الناصر وحكومة إسماعيل الأزهري في السودان في ذلك الوقت كانت سيئة بسبب موقف حكومة مصر من اللواء محمد نجيب وكان لمحمد نجيب شعبية ضخمة في السودان كما كان للإخوان المسلمين رصيد شعبي ضخم في السودان.
وقد جازف جمال ربيع بحياته فادعى المرض ونقل إلى مستشفى الخارجة حيث أجريت له جراحة استئصال الزائدة الدودية (المصران الأعور) في مستشفى الخارجة حيث أجرى له الجراحة طبيب مبتدئ.
وكان الغرض من ذلك التواجد بمستشفى مدينة الخارجة أطول مدة ممكنة لجمع المعلومات عن محافظة الوادي الجديد ومديرية الأمن بها ووسائل النقل وكميات الوقود ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.
حيث إن المسافة التي كان الإخوان سيقطعونها من الواحات الخارجة إلى السودان تبلغ حوالي 400 كيلو متر.
وقد مكث جمال ربيع في مستشفى الخارجة حوالي شهر ولما عاد كانت لديه معلومات وتفصيلات كافية لابد منها قبل الإقدام على مثل هذه العملية الخطيرة.
وكانت خطة الهرب من سجن الواحات الخارجة تشغل تفكير الإخوان في النصف الأخير من عام 1955. ولو قدر لهذه الخطة التنفيذ والنجاح لهزت نظام عبد الناصر هزا عنيفا في الداخل وفي الخارج.
ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك :
فقد حدث في مطلع عام 1956 أن زارنا بسجن الواحات الخارجة ضابط من الجيش يعمل في المخابرات اسمه بهجت وطلب مقابلتي وأخبرني أنه مكلف من الرئيس عبد الناصر بالاتصال بي شخصيا وإخطاري بأن عبد الناصر يود من كل قلبه أن ينسى الإخوان ما حدث لهم وأن يفتحوا معه صفحة جديدة وأن الإفراج عنا وشيك الوقوع.
وهنا تغير الموقف وبخاصة بعد تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس في يوليو سنة 1956 واقتنعت مع جمال ربيع وباقي الإخوان بالعدول عن تنفيذ خطة الهرب وقام حوالي سبعين من الإخوان بإرسال برقيات تأييد لجمال عبد الناصر بعد تأميم القنال وأبدوا استعدادهم للقتال ضد الدول المعتدية على مصر.
وكان المؤيدون هم الضباط والدكتور خميس حميدة وكيل جماعة الإخوان والأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين سنة 1948 ومجموعة أخرى من الإخوان بلغ عدد الجميع سبعين شخصا تقريبا."


الكومي و درس تربوي عملي في الأخوة

يروي لنا هذا الدرس الذي يهدف إلى تربية الأخ على معاني الأخوة و الإيثار في تعامله مع إخوانه الأستاذ عباس السيسي يقول:
الحاج مصطفى الكومي يقرأ القرآن داخل السجن
" يذكر الأخوة أنهم حين كانوا معتقلين فى سجن أبى زعبل كانت كل مجموعة تعيش فى عنبر صغير يسكن فيه حوالى مائة من الإخوان فى ضيق شديد - حتى بلغ الأمر أن الأخ ينام على مساحة من الأرض لا تزيد عن ثلاثين سنتيمترا يضع عليها جنبه ولا يتستطيع الأخ أن يتحرك يمينا أو يسارا .
وفى هذا الجو الكئيب يحدث أن بعض الاخوة يبلغ بهم الضيق مبلغه ولا سيما من هؤلاء الأخوة الذين لم يتشربوا روح الدعوة بعد .
وذات يوم غضب أحد هؤلاء على واحد من الإخوان فأمسك بزجاجة فارغة وقذفه بها. ولكن الله سلم فضلا عن أنه سب الإخوان وتطاول عليهم .
فما كان من الأخ المسئول عن العنبر وكان هو الأخ الفاضل الحاج مصطفى الكومي إلا أن أصدر أمره إلى الإخوان بمقاطعة هذا الأخ مقاطعة كاملة تشمل عدم التحدث معه.
وعدم الرد عليه إذا ألقى عليهم السلام. وعاش هذا الأخ أياما يحاول أن يجد واحدا منهم يقترب منه فالتجأ إلى إخوانه من بلدته، فصدوه أيضا. حتى ضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض إذا وجدت هذه الأرض. ذلك لأنه لا يستطيع أن يتعدى باب هذا العنبر المغلق من السجن العنيد .
هذا وذات صباح والأخوة جميعاً قد هجروه.
انطلق يصرخ قائلا يا حاج مصطفى أنا غلطان أنا غلطان. وقام إليه الحاج مصطفى واحتضنه وصالحه وبين له أن الإخوان لا يفعلون معك ذلك إلا لأنه علاج لك وهذا الذى فعلوه معك هو أضعف الإيمان. أمام ما فعلته أنت بهم، واعتذر هذا الأخ لإخوانه وعرف قيمة الجماعة، وعرف الإخوان بذلك قيمة السمع والطاعة" .


الأخ زكريا الطباخ

الأستاذ زكريا الطباخ
الأخ زكريا الطباخ .. الذي انضم لصفوف الجماعة لما رآه من صدق الأخوة و الإيثار حين احتواه الأخوة كلهم لصغر سنه وحداثة عهده بهذه الإبتلاءات .. يقول زكريا الطباخ :
انتقلت و الإخوان بعد ذلك إلى سجن طره بالقاهرة ، واحتضنني الإخوة وبدأت أجلس معهم ، وعلموني كيف أقرأ القرآن وأداوم على ذلك ، وكيف أصلي وأواظب على صلاتي ، وفي حلقاتهم فهمت ما هو الدين الإسلامي ، وماهو الإيمان ، وما هي السيرة ، وما هو الحديث ، ومالي من حقوق وما علي واجبات ...
وقتها علمت أن ما حدث لي هو رحمة من الله عزوجل ونعمة فحمدته و شكرته ومنذ ذلك الوقت وأنا معهم والحمد لله ".
ويحكي الأستاذ زكريا " رحل جزء من الإخوان إلى الواحات ، واستبعدت لكوني صغيرا ، فوجدت الأخ مبارك عبد العظيم و قد أتى ببلوفر من الصوف من نوع فاخر جدا و نادر ولم يكن يملك إلا هو - وكان مهربا له - وقام بلفه و أعطاه لأحد الإخوة .. فأثر في هذا الموقف كثيرا ، وما فيه من معاني الإيثار والحب في الله "


الحاج شحاتة هدهد

والأخ الحاج شحاتة هدهد ... يؤكد على تلاحم و ترابط صفوف الإخوان بصدق الأخوة والإيثار.. فيقول:
" لقد كان شعار تعامل الإخوان فيما بينهم هو الحب في الله والإيثار والتضحية.. فكثيرا ما ترى الأخ يؤثر أخاه بجلابية أو طعام أو غير ذلك ، بل لقد وصل الإخوان إلى درجة عالية من الإيثار و التضحية ، فقد تعجب جدا حين تعلم أن الأخ كان يؤثر أخاه بـ"علقة" و ويتحمل عنه الضرب ، أذكر موقفًا كان قد حدث في السجن الكبيرالذي يتكون من 4 أدوار في كل دور 100 زنزانة،
ومساحة الزنزانة من 3 إلى 4 أمتار يضعون فيها 8 أشخاص، وكانوا يجمعونا كلنا في وقت واحد ويتدافع الإخوان للنزول بأعداد كبيرة من مكان واحد وأثناء نزولنا يقوم الجلادون بضربنا بالكرابيج، فكان الأخ يغطي أخاه ويحميه من الضرب ليأخذ هو الضرب على ظهره بدلا منه ، ويمر أخوه دون أن يضرب فكان الأخ يؤثر أخاه على نفسه .
فتأمل عظيم التضحية و الإيثار.
وأذكر أنني سئلت مرة عن الأيام البيضاء والسوداء في السجن فقلت إن الأيام كلها كانت بيضاء بصحبة الإخوان."
و يقول أ. شحاته :
" في عام 1946 كنت أجلس مع الإمام البنا في جلسات خاصة بعد انتهاء محاضرته، و ذات مرة و كان البيت الذي فيه المركز العام معروضًا للبيع، قال لنا الإمام البنا: "إذا كنا إخوان مسلمين بحق فلنجمع ثمن هذا البيت في أسبوع.."، وشاء الله أن نجمع ثمن البيت في أيام معدودات قبل نهاية الأسبوع ."
في حالة وفاتي أملي أن يكون دفني في مقابر الإخوان المسلمين الذين عشت حياتي معهم "
هذه هي وصية الأستاذ شحاتة هدهد لقد عاش الرجل وحب الإخوان هواء يتنفسه ودما يجري في عروقه ، ودائما يدعو للإخوان ليلا و نهارا ويرجو من الله القبول كما يقول ذلك بنفسه ."
وبادله الإخوان حبا بحب ،ووفاء بوفاء و أهدوه ثلاث عمرات إلى بيت الله الحرام ، آخرها كانت من المرشد السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف حفظه الله .
فالحب في الله حب لا ينال بحيلة ولا يشترى بمال ، ولكنه حب يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده ."


عبد الرزاق .. ملك السجن .. الذي تغيرت حياته بسبب الإخوان

عبد الرزاق .. ملك السجن .. الذي تغيرت حياته بسبب الإخوان ، نراه في مشهد الوداع لإخوانه صادقا في حبه لهم وأخوته ، يروي لنا المشهد الأستاذ عبد الحليم خفاجي فيقول:
" إنه يعتنق كل أخ يقابله بحرارة زائدة ، والدموع تنهمر من عينيه .. زالت دهشتنا عندما عرفنا قصته .. وتعجب هو بدوره كيف لم نسمع بقصة ملك السجن حتى الآن .. فَسِرُّ سلطاني يكمن في الأحكام الكثيرة الصادرة ضدي ، والتي بلغ مجموعها مائة وعشرين عامًا حتى الآن .. ولا يعلم إلا الله كم تصير في المستقبل ..
كيف كان ذلك يا عم عبد الرازق ؟
قال صاحب الخمسين عامًا والذي تقرأ في تجاعيد وجهه كل ما مر علي الليمان من أحداث ، برغم بنيته القوية .
كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا ، حين حكم عليّ بالسجن ثلاثة سنوات في إحدى القضايا الصغيرة .
كنت أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا .. ورفض الرضوخ لأي إهانة أدخلني في عراكات كثيرة ، قدمت بسببها في قضايا من داخل السجن . ثم تطورت الأحكام والاشتباكات ، فأصبحت القضايا من داخل الليمان .
وليس بعد الليمان درجة أعلي من السجون ، وليس بعد الأشغال الشاقة عقوبة أشد .. ووصلت إلي القمة في هذا الشأن ومازال رصيدي من الأحكام في ازدياد .
واعتبرت نفسي في عداد الأموات ، واسترحت لهذه النهاية ، وانتهي معها الحرص علي الحياة أو الخوف من النتائج ، وأصبح من أسهل الأمور عندي أن أتعرض لأي حكم جديد ، إذا لزم الأمر ن لأستمتع بازدياد رصيدي .. ويحدث أحيانًا أن أتعرض لضباط الإدارة بالمخدرات ، لكي أقدم إلي المحاكمة ، فأحظى برؤية دنيا الناس في طريقي إلي المحاكمة ، فضلاً عما يتيحه الخروج من تهريب الممنوعات .. فالكل الآن يتحاشاني أو يعطف عليّ ، المهم أن أمري مطاع ، وكل صعب مذلل أمامي .. فأنا ملك السجن بجدارة .."
ويتابع الأستاذ خفاجي فيقول:
ولم أجد في جعبتي حديثًا يصلح في هذا المقام سوي قولي له :
كن مطمئنًا يا عم عبد الرازق ، فإن هذه الأوضاع الظالمة ستزول ، وإن الحياة الفاسدة التي زجت بأمثالك في هذه الظلمات ستتبدل بإذن الله ، وإن شمس الإسلام ستشرق من جديد وفي القريب .. وها هم طلائع النور أمامك يمتلئون بشراًُ وأملاً في نصر الله ، وتغير أحوال المسلمين ، وخاصة أولئك الذين طحنتهم السجون .
ويجب ألا تيأس من روح الله ، وثق أنك لن تؤدي من هذه السنين الطويلة شيئًا مذكوراً .. لبثت علي هذا الحال أتعثر في عباراتي .. أراها - بيني وبين نفسي - عبارات عاجزة وفاترة .. ويبدو أن الرجل قد أدرك بفراسته فراغ عباراتنا جميعًا من الروح ، فابتسم إلينا في إشفاق وحب وقال :
أنا أخوكم في الله ، قد عرفت الطريق إلي ربي علي يد أخي وحبيبي صلاح شادي الذي جئت - فضلاً عن التعرف عليكم وتوديعكم - لأحمّلكم تحياتي له وسلامي عليه .. وقد هان بمعرفتي لربي كل شيء ، وأنا أعفيكم من شُقة التفكير في أمري ، وقد برأني الله من حياتي القديمة ، وإن كنت أعيش في هذه الغابة علي سمعتي فيها . وتعلمت من صلاح أن كل نعيم دون الجنة حقير ، وأن كل بلاء دون النار عافية .. وأنا وأنتم ومن في الخارج نعيش مأساة واحدة ، هي مسألة الحرمان من معرفة الله .. والحمد لله الذي أراني المستقبل المنير في وجوهكم المشرقة ..
وسنتقابل عما قريب عند الله .. في الحياة الطاهرة الأبدية .. قلنا في انفعال وتأثر :
وفي الدنيا أيضًا - إن شاء الله - بعد تحقيق النصر .. فابتسم والحارس ينتزعه منا ، والدموع تظفر من عينيه ، وقال :
إن شاء الله .. اختطفه الحارس قبل أن نعانقه جميعًا ، وظلت عينيه علينا لا تتحول ولا يحس بجذب السجان له ، حتى خرج بظهره من الإيراد ."


في آتون المحنة يكون الطلب الوحيد للأخ عبد الحليم من الرقيب زكريا هو سلامة إخوانه

وفي آتون المحنة يكون الطلب الوحيد للأخ عبد الحليم من الرقيب زكريا هو سلامة إخوانه فلم يطلب لنفسه أو لأهله شيئا فلله در تلك النفوس الطيبة... يروي لنا القصة الأستاذ عبد الحليم خفاجي قائلا:
" وعدنا إلي السجن الحربي ، انتظاراً للنطق بالحكم ، وقبل أن يتم تسليمنا لإدارة السجن ظهر أمامي الرقيب زكريا مرة أخري ، بإصرار أكبر بأن أكتب لأهلي رسالة علي الأقل ، وقد أحضر معه الورقة من أجل ذلك .. فقلت له
- إن كنت مصراً فإن لي طلبًا واحداً أسألك عنه يوم أن يأذن الله بالتقاء الوجوه في ظروف أفضل .. قال بجد :
- اطلب ما شئت .
- تعاهد الله أمامي ألا تمتد يدك بسوء إلي أي أخ طائعًا مختاراً ، وأن تمنع زملاءك من ذلك ما استطعت ، لأن القضية كبيرة ، والحقائق غائبة عنكم والفرصة كلها متاحة لطرف واحد .. وهذا أفضل ما تقدمه لي في محنتي .
- أعاهد الله علي ذلك .. وستجدني عند حسن ظنك .
- إذاً فإلي اللقاء ، والله علي ما تقول شهيد .
وافترقنا لم أره من يومها حتى تاريخ كتابة هذه السطور ، وإن كنت أحتفظ له في قلبي بالحب والعرفان ، حتى يأذن القدر باللقاء فالإسلام دين الوفاء ."


يقر الأخ على نفسه بما لم يفعله ... إنقاذا لأخيه

يقر الأخ على نفسه بما لم يفعله ... إنقاذا لأخيه فهكذا تملي عليه مشاعر الإخاء والإيثار التي عليها تربى في صفوف الجماعة ... يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
" اثنان من عساكر السجن الحربي يسوقان أمامهما شخصًا محلوق الرأس ، شبه عاري ، تنزف دماءه كأنه أرنب مسلوخ .. سادت لحظة صمت رهيبة قطعها صوت المحقق الخشن :
- انظر إلي هذا الولد أتعرفه ؟
- نظرت إلي هذا الولد ، ولم أصدق عيني ، ويا هول ما رأيت ، إنه زميلي عبد السلام الخوجة .. واشتد عجبي من رؤيته في حالة من الذعر تمنعه من أي كلام وقبل أن أرد علي أي سؤال كان قد اتجه بسؤال آخر إلي عبد السلام قائلاً له :
- كم أعطاك من المال ؟
- جنيهين ونصف يا فندم .
- وماذا قال لك وهو يسلمك النقود ؟
- هذا المبلغ أرسلني به الإخوان .
يا لغرابة ما أسمع .. ماذا دهي عبد السلام ..
إن شيئًا من ذلك لم يحدث علي الإطلاق .. أي شيطان رجيم قد مسخ زميلي وصديقي ، وجعله يلقي بهذه الكذبة البلقاء بكل سهولة ويسر ، كأنها وقائع صحيحة .. لابد أنه في كرب عظيم ..
أو لعله يوحي إليَّ أن أقول ذلك درءاً لشر أكبر .. يا له من اختيار صعب أن أصدقه أو أكذبه ..
لما في أحدهما من تعذيب الجسم ، ولما في الآخر من عذاب الضمير .. وعمل ذهني بسرعة البرق فأجبت علي الفور :
- نعم أعطيته النقود وقلت له ذلك ..
وهنا بدأ الارتياح علي وجه المحقق ، فتغيرت لهجته ، ولانت ملامحه ، وهو يستزيدني من التفاصيل :
مَنْ هؤلاء الإخوان الذين زودوك بهذه المبالغ ؟ اذكرهم لنا بالاسم .. وكم كان إجمالي المبلغ قبل أن تقوم بتوزيعه علي الآخرين بما فيهم عبد السلام ؟ وكم مرة قمت بذلك ؟ و ..و .. فقطعت عليه استرساله قائلاً :
- إنما قلت له ذلك ليتقبل مني هذه المساعدة عن طيب خاطر ، بعد صدور الحكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات وفصله من عمله .
ولم أكد أتم عبارتي حتى فوجئت بضربة قاتلة علي رأسي من قبضة المحقق ، جعلت الشرر يتطاير من عيني ، وكانت هذه اللكمة إيذانا للزبانية بالانقضاض لتستحل دمي بكل ما لديها من وحشية ، فألقوني علي الأرض ومرغوني في التراب ، وداسوني بالأحذية الغليظة العمياء ، ثم جاء دور السياط لتلهب كل مكان في جسمي ، ثم عادوا الكرة بذلك كله مجتمعًا ، فلا أدري أي الآلام أدفع عن نفسي ، فكنت إذا أصابتني سهام .. تكسرت النصال علي النصال .." .


الطلبة .. ومعاني الإيثار

والإيثار لايكون في الطعام وحسب ، وإنما في راحة الأبدان أيضا.
يحكي الأستاذ عباس السيسي فيقول :
" (طلبة) نداء من زبانية الحربى لنزول مجموعة من الإخوان دون تحديد لأداء خدمات سواء إحضار الطعام من المطبخ أو كنس فناء السجن باليد ورشه بالماء .. الخ، فكان الإخوان يتزاحمون لأداء ذلك إيثاراً لراحة إخوانهم وطمعاً فى الأجر من ربهم".


بالأخوة يستحيل قبو السجن روضة من رياض الجنة

وبالأخوة يستحيل قبو السجن روضة من رياض الجنة ، فيغدو المكان دافئا بالحب في الله ، عامرا بالإيثار... يقص الأستاذ عبد الحليم خفاجي هذه القصة قائلا:
" هذا الشعور جاء من الطريقة الجهنمية التي بنيت بها الزنازين ، فجدرانها مرتفعة تشبه الأبراج ، وليس لها أي منفذ للضوء سوي كوة تعلو قرب السقف ، وباب الزنزانة كأنه باب قبر ، وهناك كوة أخري في وسط السقف ، مغطاة بطبقات من السلك ؛ لتعمل علي تجديد الهواء مع كوة الباب ، وفوق السلك غطاء خشبي مرتفع قليلاً ، بحيث يسمح للهواء أن يمر ، ولا يسمح لضوء الشمس بالتسلل في أي وقت ، والجدران مطلية بالسواد ..
فجو الزنزانة مظلم بالليل والنهار ، فضلاً عن شعور نزلائها بأنهم في قاع جب .. ويتخذ حراس الليل مواقعهم فوق ظهور هذه الزنازين .. وعندما يكلموننا من كوة السقف للسؤال عن مصير بعض أقربائهم ، يأتيهم ردنا من مكان سحيق ، أو من جوف القبور ، ولكننا سكان قبور تزعجهم نداءات الحراس طوال الليل ووقع أحذيتهم الغليظة ..
فهذه الزنازين هي بحق قبور الأحياء ، وهي أوقع من " منزل الأموات " التي أطلقها دستوفسكي علي نزلاء سجنه .
تمثيلية :
- وحيث إن للبيئة دخلاً في تشكيل ثقافة الإنسان ، فقد أوحي إلينا القبر بتمثيلية
- أرواح الشهداء
- ووزعنا الأدوار علينا جميعًا ، بحيث يعبر كل واحد عن عصر من عصور التاريخ ، وكنت أمثل عصرنا الحديث كأحد شهداء الإخوان - وجري الحوار طريفًا ، مليئاً بالمفارقات المضحكة ، بسبب المتغيرات الحضارية في المصطلحات والأساليب ، بحيث كنت أجد صعوبة في إفهام الشهداء الأربعة معني الترام والطيارة ، وفي شرح عمل الكهرباء ، وكيف عذبوا بها البعض منا ، وكيف مات البعض منا برصاص البنادق ..
وهكذا أخذنا نسمر حتى اَحَلْنَا حفرة القبر إلي روضة من رياض الجنة ، وتشاء الأقدار أن يستشهد ثلاثة من هؤلاء الإخوة في مثل هذا الشهر بعد عامين ، في مذبحة الليمان الشهيرة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله ."


الأخوة في الله هي البهجة الحقيقية في الحياة

وفي قصة الأستاذ السيسي إيضاح للمعنى حيث يقول :
" توجهت إلى الكويت فى زيارة للأخوة وكان ذلك فى يوم 27 مايو 1983 وهو موعد امتحان طلاب المرحلة النهائية فى المدارس الثانوية.. ولما كنت شديد الشوق لرؤية الإخوة الطلاب كذا حرصى الشديد على أن لا أشغلهم فى هذه الفترة الحاسمة من حياتهم التعليمية. فقد آثرت الصبر حتى ينتهى موعد الإمتحان..
وكان يوم الأحد 6 يونيو الساعة 9.30 صباحاً هو آخر مادة فى هذا المشوار الطويل ولم تكتمل الساعة 10.30 من صباح اليوم حتى وفد إلينا الإخوة الطلاب الذين أنهوا الإمتحان - واكتمل عددهم حوالى الخمسة عشر مع عدد من الإخوة الآخرين حتى ازدحم منزلى بهم جميعا .
وكانت جلسة رائعة يحيط بها البشر والفرح والسرور الذى يطفح على وجوه الحاضرين.
وجاء أحد الأخوة ومعه هدية من الطعام تناولناها معا بهذه المناسبة والمباركة. وفى ختام اللقاء - طلب منى أن أتحدث إلى الأخوة حديثا مناسبا.
فحمدت الله تعالى وأثنيت على رسوله الكريم ،وقلت الواقع أن الذى حدث اليوم أكبر من أن يتناوله بيان. فإن هذا الشباب المسلم الذى أنهى امتحانه فى الساعة 9.30 صباح يوم بعد جهد جهيد وعناء وعقب الاستذكار والامتحان، كان من المعروف فى مثل هذه الظروف أن ينصرف من فوره إلى أسرته، ثم إلى الراحة الطويلة بعيدا عن مشاغل هذه الحياة ومعظمهم قد تستهويه ملاعب الكرة والسينما. ولكن هذا الشباب المسلم جاء مسرعا بعد هذا العناء يحدوه الشوق والحب والحنين إلى أخ له فى الله تعالى، كى يراه ويسعد بالجلوس معه، إن هذا الشعور النبيل الكريم لا ينبغى أن يسند إلى شخص، بل إنه موقف عظيم ورائع يضاف لحساب الدعوة الإسلامية العظيمة - التى أخرجت هذا الشباب من تيار المألوفات الجاهلية إلى تيار الدعوة الإسلامية والأخلاق والمثل الإسلامية.
فكان هذا الشعور هو صدى إيمانهم وفقههم وحبهم لدعوتهم.
ونحن اليوم إذ نعيد هذا السلوك فإنما نقول أن الدعوة الإسلامية قد صنعت نماذجا من الشباب المسلم الذى نضجت فيه تلك المعانى الرائعة.
وإنى لو أردت أن أزن شعور إخوانى بهذا الحب العظيم فإنه فوق ما فى هذه الأرض وما تحتها من كنوز ونفائس وصدق الله العظيم { لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } لقد كانت هذه اللفتة الحلوة من الإخوة الشباب بسمة فى ضمير الإنسانية ورحمة مهداة من الله تعالى لقلوبنا التواقة المشتاقة نسجلها فى صحائف المجد والخلود " .


بالأخوة الصادقة يرزق الأخ الراحة النفسية التامة

وبالأخوة الصادقة يرزق الأخ الراحة النفسية التامة ... برغم تعب الجسد و آلامه.. وبهذا يصبح الأخ أكثر قوة و ثباتا...
يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
" وكان وجودي بين عدد من الإخوة هو والإفراج سواء ، حيث شعرت بسعادة أنستني التفكير بالخروج "

ويقول أيضا :

" .. واستطعت بدوري أن أدبر لقائي بأخي عبد الحق محروس ، عند عربة توزيع الخبز علي مندوبي أقسام السجن ، وجاء عبد الحق مع مندوبي السجن الكبير ، وشددت علي يده في صمت ، وكان قد حكم عليه بدوره بعشر سنوات سجن مع وقف التنفيذ في إحدى القضايا .. وغمرتني هذه اللحظة بسعادة دائمة لأيام طويلة"
ويحكي الأستاذ عباس السيسي هذا الموقف الشجاع و الذي يدل على ما تعطيه أخوة الدين من قوة في مجابهة الباطل :
" عطس أحد الأخوة فى الطابور.
فقال العسكرى الحارس اللى عطس يخرج خارج الصف فخرج ثلاثة من الأخوة فقال اللى عطس واحد فقط فإذا لم يخرج وحده أعذبه عذابا شديدا فخرج أكثر من عشرة من الأخوة. فضربهم جميعا وهو يقول علشان متحبوش بعض يا أولاد.... "

زاد الثبات و الصمود عبر السنين

وهكذا استمرت جماعة الإخوان المسلمين طوال ثمانين عاما صامدة أمام كل ما لاقته من مصائب عظام ، ومحن جسام ، فقد ثبتها الله تعالى بهذه الشعيرة المهمة التي لا يستكمل الإيمان إلا بها ، يقول صلى الله عليه وسلم " من أحب في الله، وأبغض في الله ، و أعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ".

وبالأخوة و الإيثار أعاد الإخوان سير الصحابة و التابعين والصالحين من بعدهم والذين ضربوا نماذج فريدة في الأخوة الصادقة ، والإيثار التام..

وكذلك أعطى الإخوان بهذه النماذج الرائعة الدروس و العبر للقدمين من الأجيال المسلمة .

ولاتزال الجماعة على عهدها بنظام الأسر ...

فهم يعلمون ما للأخوة و الإيثار والحب في الله من عظيم فضل في الدنيا و الآخرة ، فحرصوا عليها .. ووفوا بحقوقها، واستزادوا منها .

يقول الله تبارك وتعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.


المراجع