الفرق بين المراجعتين لصفحة: «قالب:إقرأ أيضا.»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''<font color="blue"><font size="5">ملفات خاصة</font></font>'''
'''<font color="blue"><font size="5">ملفات خاصة</font></font>'''
<center><font color="blue"><font size=5> ''شهر شعبان'' </font></font></center>
<center><font color="blue"><font size=5> ''[[رمضان]]'' </font></font></center>
<center>
<center>


'''بقلم الأستاذ الشيخ سيد سابق'''
'''بقلم [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] .. مؤسس [[جماعة الإخوان المسلمين]]'''


[[ملف:الإمام-حسن-البنا-01.jpg|تصغير|200بك|<center>'''[[الإمام حسن البنا]]'''</center>]]


شهر شعبان من الأشهر الفاضلة التي كان يحرص الرسول صلى الله عليه وسلم فيها على الصيام ، قالت عائشة رضي الله عنها : (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان . وما رأيته في شهر أكثر منه صياما منه في شعبان) .
ها هو السحاب ينقشع، والغيم ينجاب ويتكشف، والسماء تبسم عن غرة الهلال كأنما هو قوس النصر أو رمز النور المبين، إنه هلال رمضان، الله أكبر الله أكبر، ربى وربك الله، هلال خير ورشد إن شاء الله، إنه هلال رمضان؛ شهر الأمة، وشهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر المعانى السامية التى تفيض على قلوب من عرفوا حقيقة رمضان، واتصلوا بالملأ الأعلى فيه، وسمت أرواحهم إلى مرتبة الفهم عن الله، وما لنا لا نتحدث إلى إخواننا الكرام من بدء الإسلام عن شهر رمضان، ونطلعهم بخطرات النفس وخلجات الفكر، وهو شهر تفكره إضافة عميقة.


وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله : لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر تـُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين . فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) .
ربى وربك الله.. ربه الله لأنه واحد، ورب واحد يتصرف فى ملكوت السماوات والأرض، ويسيطر على عوالم الغيب والشهادة، ويتحكم فى الكون من أقصاه إلى أقصاه، والجميع بعد ذلك فى حق الوجود سواء '''(إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا)''' [مريم: 93].


وأما ليلة النصف من شعبان فإنه لم يصح في فضلها شيء يعتد به وهي كسائر الليالي .
إن الله هو الحاكم وحده، يحكم الأفلاك، ويحكم الأناس، ويهب لكل وجوده وهداه؛ فإن كان لأحد أن يتحكم فى الأولى فيغير مداراتهما، ويقيد حركاتها فإن له أن يتحكم فى الثانية؛ فيغل أيدى الناس، ويتحكم فى آجالهم وأرزاقهم، وليس ذلك إلا لله، فارقَ بروحك أيها الأخ المسلم، واسمُ بنفسك عن أن تكون عبدًا لغير ربك، واعلم أن هذا المعنى مما يلفتك إليه النبى صلى الله عليه وسلم حين يجعل من سنته فى تحية الهلال أن يقول: "ربى وربك الله" [المستدرك على الصحيحين].


وما ذهب إليه بعضهم من أنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، فهو خطأ مخالف لنصوص القرآن الكريم فإن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر وهي في شهر رمضان .
إنه هلال رمضان، فأما كثير من الناس فلا يفهمون من معناه إلا تجهيز المآكل والمشارب، وتحضير المطاعم والمناعم، وإعداد لوازم السحور والإفطار، وما يقوِّى شهية الطعام، ويوفر راحة المنام؛ لأن رمضان كريم، وهذا شأن الكرام!!.


وكل ما جاء في هذه الليلة أن بعض السلف كان يتعبد فيها ويختصها بمزيد من الطاعات .
أما قوم آخرون فشهر رمضان عندهم شهر الراحة من عناء الأعمال واللهو والتسلية فى لياليه الطوال، وتقسيم الأوقات على الزيارات والسهرات؛ فهم فى ليلهم بين لهو وسمر، وقتل للوقت فى مقاعد القهاوى والبارات، وتنقل بين دور الملاهى "والصالات"، وفى نهارهم يغطون فى نومهم، ويتكاسلون عن عملهم!.
هذان صنفان خسروا شهر رمضان وخسرهم، وهجروه وهجرهم، وهو حجة عليهم بين يدى ربهم، وشهيد على تقصيرهم وسوء تقديرهم.


ولا ينبغي أن يتخذ مثل هذا العمل شرعا نحرص عليه ونحتفل به ونوهم العامة أن ذلك من الإسلام ، وما يفعله بعضهم من اتخاذ أدعية مخترعة وقراءة سور معينة وصلاة ركعتين بنية طول العمر وركعتين بنية جلب الرزق وركعتين بنية دفع البلاء فهي مما لم يأت به الشرع ولم يأذن به الله .
وقوم آخرون صلوا وصاموا، وتعبدوا وقاموا، وهم لا يعلمون من ذلك إلا أنهم أمروا فامتثلوا، وتعودوا فعملوا، يرجون الله ويخافون عذابه، وأولئك لهم ثواب صيامهم، وأجر قيامهم، وجزاء أعمالهم إن شاء الله، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء.


وللإنسان أن يتخذ من الأدعية ما شاء مما هو في حاجة إليه ويستحسن أن يدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة وفي غيرها من الأوقات الفاضلة مثل (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) .
وبقى بعد كل أولئك جماعة آخرون، أدوا ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلى الخيرات وإحسان وصدقات، ولكنهم لم يقفوا عند ظواهر الأعمال؛ بل فهموا عن الله فيها، وعرفوا ما يراد بهم منها، وتغذت بصائرهم إلى لباب أسرارها، فعرفوا لرمضان معنى لم يعرفه غيرهم، وفازوا بربح لم يفز به سواهم، واكتسبوا منه تزكية النفوس وتصفية الأرواح، وأولئك ذؤابة المؤمنين وصفوة العارفين.


'''المجلة
فهموا من فريضة الصوم وآداب القيام أنهم سيتركون الطعام والشراب، ويقللون المنام، ويحرمون الجسوم هذه الثلاثة، وهى مادة حياتها، وقوام نشاطها؛ وإذن فليختفِ شبح المادة، ولينهزم جيش الشهوات، ولتتغلب الإنسانية بمعانيها السامية على هذا الجسم الذى احتلها من قديم؛ فعطل حواسها، وكتم أنفاسها، وأطفأ نورها، وكبلها بما زين لها من زخرف الشهوات وزائف اللذائذ.


ليس من العسير أن نتخذ من هذه الشهور الفاضلة : شهري شعبان ، ورمضان ، شهور تبتل وإحسان ، فنخلص لله في العبادة ، ونطعم الطعام ، ونصل الأرحام ، وندع الخصام ، ونحسن الكلام ، وننتهزها فرصة للأعمال الصالحة ، ومحاسبة النفس على السيئات ، وأن نجتهد في الدعاء ، فمكانة الدعاء من العبادة يحددها قوله صلى الله عليه وسلم :
استغنِ عن الطعام، فإذا استغنيت عنه فقد خلعت عن نفسك نير عبوديته، وصرت حرًا من مطالبه خالصًا من قيوده، واستغن عن الشراب، فإذا استغنيت عنه؛ فقد خلعت عن نفسك نير عبوديته ،وصرت حرًا من مطالبه، خالصًا من قيوده، واستغن عن المنام وعن الشهوة، فإذا استغنيت فقد تحررت، وقديمًا قيل: "استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".


(الدعاء هو العبادة) ، ولنلتزم في أدعيتنا بآداب الدعاء ، بخفض الصوت بين المخافتة والجهر ، وليكن دعاؤنا بالمأثور مما جاء في القرآن الكريم ، أو السُّـنَّـة النبوية ، أو بما نشعر بحاجتنا إليه من غفران الذنوب ، ورحمة الله ، وسعة الرزق ، وصلاح الأعمال ، وتيسير الأحوال ، ولنكثر من قراءة القرآن ، ومن شغله القرآن عن سؤال الله ودعائه أعطاه أفضل ما يعطي السائلين ، كما جاء في الحديث النبوي .
إنك إذا استغنيت عن كل ذلك صرت حرًا طليقًا؛ وإذن فرمضان شهر الحرية، وإذا استغنيت عن ذلك تقلص ظل المادة، وأشرق نور الروح؛ وإذن فرمضان شهر الروحانية، وإذا استغنيت عن ذلك صفا فكرك، وتجلى سلطان نفسك؛ فكنت إنسانًا بكل معنى الكلمة؛ وإذن فرمضان شهر الإنسانية، وإذا استغنيت عن ذلك لم يجد الشيطان سبيلا إليك، ولم تلق نوازع الشر مطمعًا فيك؛ وإذن فرمضان شهر الخير الواضح المستنير.


'''وأما الدعاء المشهور الذي يدعو به الناس بصورة جماعية ، وهو:'''
مرحبًا بك يا شهر الخير، مرحبًا بك يا شهر الإنسانية الكاملة، مرحبًا بك يا شهر الروحانية الفاضلة، مرحبًا بك يا شهر الحرية الصحيحة، مرحبًا بك يا شهر رمضان.


(اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والاكرام ، يا ذا الطول والإنعام...) إلى آخره - فهو دعاء - كما قال العلماء - مبتور السند ، متهافت المعنى ، فيه تحريف لكلم الله عن مواضعه ، حيث أرادوا بقول الله عز وجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (من آية 39 من سورة الرعد) محو الشقاوة ، والحرمان ، والطرد .. الخ والآية إنما سيقت لتقرير أن الله ينسخ من أحكام الشرائع السابقة ما لا يتفق واستعداد الأمم اللاحقة ، وأن الأصول التي تحتاج إليها الإنسانية العامة ، كالتوحيد والبعث والرسالة ، وتحريم الفواحش - دائمة ، وثابتة لا تمحى ولا تنسخ ، وهي (أم الكتاب) الإلهي الذي لا تـغـيـير فيه ولا تبديل ، وإذن لا علاقة لآية المحو والإثبات بالأحداث الكونية ، حتى تحشر في الدعاء ، وتذكر حيثية للرجاء .
أقبل أقبل، وأقم طويلا فى هذه الأمة الطيبة المسكينة، وألق عليها درسًا من هذه الدروس البليغة، ولا تفارقها حتى تزكى أرواحها، وتصفى نفوسها، وتصلح أخلاقها، وتجدد حياتها، وتقيم موازين التقدير فيها؛ فتعلم أن المطامع أساس الاستعباد، وأن الشهوات قيود الأسر، وأن أساس الحرية الاستغناء، وأن الاستغناء يستتبع المشقة، ولكنها مشقة عذبة لذيذة؛ لأنها ستنتج الحرية، والحرية أحلى من الحياة.


وكذلك يفهم من الدعاء: أن الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة النصف من شعبان ، والصحيح أن هذه الليلة المباركة - كما جاء في حديث الأستاذ الفاضل - إنما هي ليلة القدر لتتسق الآيات الثلاث التي جاءت تتحدث عن إنزال القرآن الكريم ، وعن الزمن الذي أنزل فيه ، وهي قوله سبحانه : (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يُفرق كل أمر حكيم أمرًا من عندنا إنا كنا مرسلين) (آيات 3 و4 و 5 من سورة الدخان) .
'''المصدر : [[مجلة الإخوان المسلمون]] – السنة الأولى – العدد 23 – صـ1 : 3 – 4رمضان 1352هـ / 21[[ديسمبر]] [[1933]]م'''
 
(إنا أنزلناه في ليلة القدر) [آية 1 من سورة القدر] ، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) [من آية 185 من سورة البقرة] ، فالقرآن الكريم بدأ نزوله في ليلة وصفت مرة بأنها ذات قدر ، ووصفت مرة أخرى بأنها مباركة ، فهما صفتان لليلة واحدة من شهر رمضان .
 
'''أيها المؤمنون:'''
 
اسألوا الله العلي القدير من فضله - أن ينصرنا على أعدائنا ، وأن يكشف عنا ما نزل بنا ، وأن يجمع قلوبنا على الوحدة والمحبة ، فهو وحده خير مسئول ، وأكرم مأمول .

مراجعة ٠٣:٢٢، ٢ أبريل ٢٠٢٢

ملفات خاصة

رمضان

بقلم الإمام الشهيد حسن البنا .. مؤسس جماعة الإخوان المسلمين

ها هو السحاب ينقشع، والغيم ينجاب ويتكشف، والسماء تبسم عن غرة الهلال كأنما هو قوس النصر أو رمز النور المبين، إنه هلال رمضان، الله أكبر الله أكبر، ربى وربك الله، هلال خير ورشد إن شاء الله، إنه هلال رمضان؛ شهر الأمة، وشهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر المعانى السامية التى تفيض على قلوب من عرفوا حقيقة رمضان، واتصلوا بالملأ الأعلى فيه، وسمت أرواحهم إلى مرتبة الفهم عن الله، وما لنا لا نتحدث إلى إخواننا الكرام من بدء الإسلام عن شهر رمضان، ونطلعهم بخطرات النفس وخلجات الفكر، وهو شهر تفكره إضافة عميقة.

ربى وربك الله.. ربه الله لأنه واحد، ورب واحد يتصرف فى ملكوت السماوات والأرض، ويسيطر على عوالم الغيب والشهادة، ويتحكم فى الكون من أقصاه إلى أقصاه، والجميع بعد ذلك فى حق الوجود سواء (إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 93].

إن الله هو الحاكم وحده، يحكم الأفلاك، ويحكم الأناس، ويهب لكل وجوده وهداه؛ فإن كان لأحد أن يتحكم فى الأولى فيغير مداراتهما، ويقيد حركاتها فإن له أن يتحكم فى الثانية؛ فيغل أيدى الناس، ويتحكم فى آجالهم وأرزاقهم، وليس ذلك إلا لله، فارقَ بروحك أيها الأخ المسلم، واسمُ بنفسك عن أن تكون عبدًا لغير ربك، واعلم أن هذا المعنى مما يلفتك إليه النبى صلى الله عليه وسلم حين يجعل من سنته فى تحية الهلال أن يقول: "ربى وربك الله" [المستدرك على الصحيحين].

إنه هلال رمضان، فأما كثير من الناس فلا يفهمون من معناه إلا تجهيز المآكل والمشارب، وتحضير المطاعم والمناعم، وإعداد لوازم السحور والإفطار، وما يقوِّى شهية الطعام، ويوفر راحة المنام؛ لأن رمضان كريم، وهذا شأن الكرام!!.

أما قوم آخرون فشهر رمضان عندهم شهر الراحة من عناء الأعمال واللهو والتسلية فى لياليه الطوال، وتقسيم الأوقات على الزيارات والسهرات؛ فهم فى ليلهم بين لهو وسمر، وقتل للوقت فى مقاعد القهاوى والبارات، وتنقل بين دور الملاهى "والصالات"، وفى نهارهم يغطون فى نومهم، ويتكاسلون عن عملهم!. هذان صنفان خسروا شهر رمضان وخسرهم، وهجروه وهجرهم، وهو حجة عليهم بين يدى ربهم، وشهيد على تقصيرهم وسوء تقديرهم.

وقوم آخرون صلوا وصاموا، وتعبدوا وقاموا، وهم لا يعلمون من ذلك إلا أنهم أمروا فامتثلوا، وتعودوا فعملوا، يرجون الله ويخافون عذابه، وأولئك لهم ثواب صيامهم، وأجر قيامهم، وجزاء أعمالهم إن شاء الله، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء.

وبقى بعد كل أولئك جماعة آخرون، أدوا ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلى الخيرات وإحسان وصدقات، ولكنهم لم يقفوا عند ظواهر الأعمال؛ بل فهموا عن الله فيها، وعرفوا ما يراد بهم منها، وتغذت بصائرهم إلى لباب أسرارها، فعرفوا لرمضان معنى لم يعرفه غيرهم، وفازوا بربح لم يفز به سواهم، واكتسبوا منه تزكية النفوس وتصفية الأرواح، وأولئك ذؤابة المؤمنين وصفوة العارفين.

فهموا من فريضة الصوم وآداب القيام أنهم سيتركون الطعام والشراب، ويقللون المنام، ويحرمون الجسوم هذه الثلاثة، وهى مادة حياتها، وقوام نشاطها؛ وإذن فليختفِ شبح المادة، ولينهزم جيش الشهوات، ولتتغلب الإنسانية بمعانيها السامية على هذا الجسم الذى احتلها من قديم؛ فعطل حواسها، وكتم أنفاسها، وأطفأ نورها، وكبلها بما زين لها من زخرف الشهوات وزائف اللذائذ.

استغنِ عن الطعام، فإذا استغنيت عنه فقد خلعت عن نفسك نير عبوديته، وصرت حرًا من مطالبه خالصًا من قيوده، واستغن عن الشراب، فإذا استغنيت عنه؛ فقد خلعت عن نفسك نير عبوديته ،وصرت حرًا من مطالبه، خالصًا من قيوده، واستغن عن المنام وعن الشهوة، فإذا استغنيت فقد تحررت، وقديمًا قيل: "استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

إنك إذا استغنيت عن كل ذلك صرت حرًا طليقًا؛ وإذن فرمضان شهر الحرية، وإذا استغنيت عن ذلك تقلص ظل المادة، وأشرق نور الروح؛ وإذن فرمضان شهر الروحانية، وإذا استغنيت عن ذلك صفا فكرك، وتجلى سلطان نفسك؛ فكنت إنسانًا بكل معنى الكلمة؛ وإذن فرمضان شهر الإنسانية، وإذا استغنيت عن ذلك لم يجد الشيطان سبيلا إليك، ولم تلق نوازع الشر مطمعًا فيك؛ وإذن فرمضان شهر الخير الواضح المستنير.

مرحبًا بك يا شهر الخير، مرحبًا بك يا شهر الإنسانية الكاملة، مرحبًا بك يا شهر الروحانية الفاضلة، مرحبًا بك يا شهر الحرية الصحيحة، مرحبًا بك يا شهر رمضان.

أقبل أقبل، وأقم طويلا فى هذه الأمة الطيبة المسكينة، وألق عليها درسًا من هذه الدروس البليغة، ولا تفارقها حتى تزكى أرواحها، وتصفى نفوسها، وتصلح أخلاقها، وتجدد حياتها، وتقيم موازين التقدير فيها؛ فتعلم أن المطامع أساس الاستعباد، وأن الشهوات قيود الأسر، وأن أساس الحرية الاستغناء، وأن الاستغناء يستتبع المشقة، ولكنها مشقة عذبة لذيذة؛ لأنها ستنتج الحرية، والحرية أحلى من الحياة.

المصدر : مجلة الإخوان المسلمون – السنة الأولى – العدد 23 – صـ1 : 3 – 4رمضان 1352هـ / 21ديسمبر 1933م