الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أمين هويدي مع عبد الناصر»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
===الفصل السابع:الظروف والعوامل===
'''وفي حدود ذلك  نحدد العلاقة بين القيادتين في الآتي:'''


التحالف الرهيب بين الاستعمار والرجعية [[فلسطين]] ضرورة لأمن [[مصر]] الاستعمار يحاول التطويق المجتمع المصري يقع تحت ضغطين رئيسيين الخلل في الملكية والخلل في التمثيل النيابي  علاقات غير متوازنة بين طبقات المجتمع الجيش لا يملك السلاح والعتاد الضغوط الخارجية والداخلية النكسة .
* إعلان الحرب وانتهاؤها وإيقاف القتال أو استئنافه من أعمال القيادة السياسية ومعني ذلك أن توجيه الضربة الأولي قرار سياسي لأنها تعني إعلان الحرب.


تحدثنا حتى الآن عن '''"مفاتيح شخصية [[عبد الناصر]]"''' في معرض حديثنا عن '''"[[عبد الناصر]] واتخاذ القرار"''' وبذلك نكون قد استكملنا أحد وجهي الموضوع وبقي أن نتحدث عن الظروف التي عاش فيها وقت إصداره لقراراته حتى نجلو الوجه الآخر إذ لا يمكن تقييم أى قرار إلا بوضعه داخل إطار الظروف التي اتخذ لمواجهتها أو التي عاش فيها فأثرت عليه وتأثر بها.
* للقيادة السياسية الحق في تحديد أغراض ذات أهمية إستراتيجية خاصة ومن الواجب على القيادة العسكرية وضع ذلك في الاعتبار عند وضع الخطط وتوزيع القوات المشكلة بها في العمليات إذ قد ترى القيادة السياسية في ذلك فائدة سياسية أو يمكن اعتبارها ورقة رابحة في أية مفاوضات تالية .


فالقرار لم يكن في يوم من الأيام مجرد عملية حسابية صماء ولكنه إجراء معقد أشد التعقيد وتفسير ذلك أن اتخاذ القرار إجراء يمر بمراحل كثيرة متتابعة ومتداخلة أكثرها تحدث في المحيط المعنوي للمشكلة وأقلها يجرى في المحيط المادي لها ..
* للقيادة السياسية حق التعيين والعزل للقيادة العسكرية وهذا أم طبيعي يحدث في كل وقت ومكان لأن القيادة العسكرية إذا حاولت تغيير القيادة السياسية فإن هذا يعتبر خيانة عظمي في حالة فشل المحاولة وقد يعتبر ثورة أو انقلابا في حالة نجاح المحاولة فتنشره وسائل الإعلام في صدر أخبارها تماما كما علمونا في الصحافة '''" إذ عض  كلب رجلا لا يعتبر هذا خبرا صحفيا ولكن إذ عض رجل كلبا يعتبر هذا خبر صحفيا."'''


والجانب المادي من السهل تقديره وتحديده بدقة وربما يحتاج إلى عمليات حسابية دقيقة للوصول إلى نتيجة أقرب ما يمكن للصواب ولكن الجانب المعنوي يضيف إلى مشكلة اتخاذ القرار عاملين هامين:الأول منهما يتعلق بالمخاطرة والعامل الثاني هو التكهن والاستنتاج .
* للقيادة العسكرية أن تعترض على كل المهام التي تكلف بها أو على بعضها فإذا أصرت القيادة السياسية على المهمة مع استمرار عدم اقتناع القيادة العسكرية عليها أى على القيادة العسكرية أن تترك موقفها لمن يقبل تنفيذ المهمة.ولكن إذا قبلت القيادة العسكرية القيام بالمهمة فإنها تصبح مسئولة عن نتائجها .


والمخاطرة لازمة من لوازم القار ولابد من التفريق بينهما وبين المقامرة فللمخاطرة أسسها وقواعدها التي ربما تصيب وربما تخطئ أما المقامرة فهي مجرد ضربة حظ تتعلق بالقدر ولا تبني على أساس من العقل والتدبر.
* وزير الحربية  مسئولة  مسئولية كاملة عما يجرى في القوات المسلحة وهو ممثل القيادة السياسية في قمة الجهاز العسكري وعليه أن يقود جهازه ولا يسمح بحدوث العكس . ولذلك فإن الجمع بين منصبي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة إجراء خاطئ وشاذ إذ يسقط رقابة الدولة الواجبة على وحدتها العسكرية ويجعل وزير الحربية ذا القبعتين دون رقابة على أعماله في واقع الحال أقول هذا بالرغم من أنني كنت صاحب اقتراح الجمع بين المسئوليتين وأنا على وشك تركي لمنصبي كوزير للحربية للظروف الاستثنائية التي كانت سائدة كإجراء مؤقت يتناسب مع موقف معين ولكن استمرار هذا الوضع فيه خطورة أكيدة من '''"خروج"''' المؤسسة العسكرية عن إطارها المفروض أن تعمل داخله .


أما التكهن فيحتاج غلى معرفة والعلم والمعلومات إلى جنب القدرة على الخيال والتصور فيكون بذلك قادرا على اختراق الضباب الذي يغلف المواقف نتيجة للإرادات المتصارعة التي لا يمكن تحديد اتجاهاتها تحديدا قاطعا والمعلومات المتضاربة التي تختلط فيها الحقيقة بالزيف ويمتزج فيها الوضوح بالغموض .
* القيادة العسكرية خاضعة لرقابة الدولة من خلال مناقشة سياستها في المجالس المتخصصة أو في مجلس الوزراء وفي المجالس النيابية بل وفي الصحافة كما يجب أن تخضع مصروفاتها لرقابة الأجهزة المختصة في الدولة شأنها في ذلك شأن الأجهزة الأخرى بغض النظر عن السرية حتى تتأكد الدولة من الإنفاق السليم الصحيح للموارد المتاحة . مع تفرغ القوات المسلحة لواجباتها دون أن يناط بها واجبات أخرى .


ولنضرب مثلا واحدا نقرب به ما نقول إلى الأذهان .فإذا كن الجانب المضاد مثلا لديه 4 دبابات فالجانب المادي لمواجهة ذلك يبني على أساس أن التعامل سيكون فعلا مع الدبابات الأربع ولكن الجانب المعنوي يمكن أن يجعل التعامل مع دبابتين وربما ثماني !!
* توفر القيادة السياسية المناخ السياسي الملائم لعمل قواتها المسلحة كما توفر لها الإمكانات المالية اللازمة لتوفير المعدات الملائمة وعليها ألا تتدخل في كيفية قيام القوات المسلحة بتنفيذ المهام الملقاة على عائقها ولكن لا يمنع هذا من إبداء النصح وإعطاء المشورة .


إذ سوف يدخل في العملية الحسابية عوامل أخرى غير ملموسة مثل جودة الدبابة من الناحية الفنية مدى المدفع ،القدرة على المناورة،السرعة ،درجة الرؤية المتيسرة في الضبابا أو الليل نتيجة لاستخدام الأشعة تحت الحمراء مثلا درجة تدريب الأفراد ،مهارة القيادة الروح المعنوية ،الإيمان بالغرض ،القدرة على التصرف أمام المواقف المفاجئة ... الخ ... هذه العوامل غير محسوسة ولكنها تؤثر تماما عند اتخاذ القرار .  
* تتم التعيينات في المناصب العسكرية الكبرى بتصديق وموافقة السياسية إذ يتوقف الأمن القومي للبلاد على حسن اختيار هؤلاء الأفراد ..علاقات واضحة متوازنة كما نرى ولكنه وللأسف الشديد لم تكن مرعية عند التعامل ووسط ذلك أمسكت بتلاببينا حرب [[1967]] والتي انتهت بالنكسة .


إذ لو أن صاحب القرار تناساها  فإنه سيتعامل في واقع الحال مع ظروف أخرى لم يضعها في حسبانه ويصبح قراره بذلك لا يتعامل مع واقع ويكون أقرب إلى  السهم الطائش لا يصيب هدفا ولا يحقق غرضا.وبعد هذه المقدمة السريعة يمكن أن نتحدث عن الظروف التي عاش  فيها [[عبد الناصر]] وهو يتخذ قراراته ..
'''النكسة'''


كان المناخ الذي ولدت فيه [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] تموز [[1952]] يتميز بالتحالف الرهيب بين الرجعية والاستعمار واستمر الرجل إلى آخر يوم في حياته يخوض معركة ضارية ضد ذلك الحلف الذي شكل قوة ضاغطة مستمرة أثرت إلى قراراته وأجبرته على أن يخوض معركة تلو الأخرى دون أن تترك فرصة  لالتقاط الأنفاس ...
لن يكون قصدى ولو للحظة واحدة أن أتحدث عن النكسة وما حدث فيها إذ سبق أن ذكرت تفاصيل ذلك في كتابين صدرا لى وهما:كتاب أضواء على أسباب نكسة [[1967]] وعلى حرب الاستنزاف في كتاب حروب عبد الناص ولكن كل ما نقصده ذكر بعض الحقائق المتعلقة بالموضوع الذي نحن بصدده والتي قادت إلى الليلة العصبية .


ويقول بعض '''"السذج"''' إنه كان على '''"[[عبد الناصر]]"''' تجنب المواجهة ومفاداتها ...ولا أظن أن الرجل كان يطلب غير ذلك إذ لم يكن يريد حريا ولا كان يسعي إلى قتال .. بل حاول جهده أن يتفاهم بالحسني دون جدوى وأمضي السنوات الأولي للثورة في محاولاته تلك فكان يخرج من طريق مغلق إلى طريق مسدود دون أن يجد صدى لمحاولاته تلك.
الحقيقة الأولي هي أن القرارات السياسية لم تصدر من خلف ظهر القيادة العسكرية وهنا لابد وأن نفرق بين القائد السياسي والقيادة السياسية فالقائد السياسي هو الرئيس الذي يمارس سلطاته بموجب الشرعية القائمة سواء كانت شرعية ثورية أو شرعية دستورية أما القيادة السياسية فهي المجموعة التي تعاونه في إصدار القرار وفي حالتنا كان القائد السياسي هو [[عبد الناصر]] وكانت قيادته السياسية ممثلة في مجلس  قيادة الثورة ثم في مجلس الرئاسة ثم أخيرا في اللجنة التنفيذية العليا .


كان البديل لذلك  '''"الاحتواء"''' والدخول في '''"مناطق النفوذ"''' وهذا أمر لم يقبله .وهنا اختلطت شخصيته '''"لثورية"''' بالظروف الضاغطة وتفاعلت معها ورفضتها وأصبح من المحتم عليه أن يتحرك ليكسر الطوق قبل أن يطبق عليه إذ أن أخطر ما يصيب الثورة هو حالة الجمود التي تدفع إليه أو حالة الاستسلام التي تجر إلى الوقوع في حبائلها .
وكذلك الحال مع القائد العسكري وهو '''"[[عبد الحكيم عامر]]"''' والقيادة العسكرية المتمثلة في القادة الكبار في القوات المسلحة .


تلوم [[عبد الناصر]] على محاولاته تلك وربما تجاوزت اللوم إلى حدالاتهام . ولكنها لم تحاول ولو مرة وحدة أن تتحدث عن محاولات الرجعية والاستعمار مع الثورة وقئدها من يوم أن ولدت حتى تصيدتها في [[يونيو]] حزيران [[1967]] ولم تحاول ولو مرة واحدة أن تقترح البديل الذي كان على [[عبد الناصر]] إتباعه والسير فيه .
وكان [[عبد الحكيم عامر]] القائد العسكري ممثلا دائما في القيادة السياسية بصفتيه:نائب رئيس  الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة.وكان يعتبر أقوي الأعضاء من حيث تجميع المسئوليات ومن حيث السلطات.ولا يمكن أن يخطر ببال أحد أن '''"عامر"''' كان عاجزا في أى وقت من الأوقات عن الاعتراض على ى قرار .


ثم وجد '''"[[عبد الناصر]]"''' ضمن ما وجد من '''" مخلفات"''' مشكلة [[فلسطين]] فالأنظمة العربية قبل [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] تموز [[1952]] هي المسئولة عن خلق إسرائيل '''"الدولة"''' بعد أن فشلت في مقاومة إسرائيل '''"الفكرة والحلم "''' .  
وهنا يلاحظ ملحوظة هامة ففي الوقت الذي كان '''"عامر"''' لا يجد أى عقبات في أن يتواجد في القيادة السياسية فإنه كان في نفس الوقت يمنع القيادة السياسية من ن تباشر سلطاتها داخل القيادة العسكرية ويحول بينها وبين ذلك بكل الوسائل ..


ف[[عبد الناصر]] لم يكن مسئولا عن خلق المشكلة بل كانت المشكلة إحدى الأسباب التي دفعته إلى الثورة . وعلى أى حال فلن نستطرد أكثر من ذلك إذ لسنا في موقف نحدد فيه المسؤوليات ثم لم تعد هناك فائدة من البكاء على اللبن المسكوب .
والدليل على أن القيادة العسكرية كانت على علم بكل ما يجرى منذ بداية الأزمة أن خطابا بتاريخ 16 / 5/[[1967]] وجه من الفريق محمد فوزي رئيس هيئة أركان الحرب بناء على أوامر من '''"عامر"''' إلى الجنرال '''"ريكي"''' قائد قوة الطوارئ الدولية إرسال بسحب قواته فورا من نقط المراقبة على الحدود الشرقية علما بأن هذا الموضوع ليس عسكريا بل كان المفروض أن يتولاه وزير الخارجية المصري وفعلا تولي وزير الخارجية الأمر مع يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة الذي أصدر أوامره بسحب القوات يوم 17 /5/ [[1967]]


وكن المؤمل أن يتعلم حكام العرب كم درس [[1948]] ويحاولوا ولو لمرة واحدة أن يتحدوا أمام الخطر الداهم الذي أصبح جاثما وسط الدار ولكن الكثيرين منهم رأوا ن الثورة أخطر عليهم وأكثر تهديدا لبقائهم فقاموا يحاربونها بكل ما وهبهم الله من قوة وثروة .
وهنا يجب أن نلاحظ كيفية صدور الأوامر داخل القيادة العليا للقوات المسلحة دون دراسة أو ترو لدرجة أنه بعد صدور الخطاب الأول إلى الجنرال ريكي بسحب القوات من الحدود الشرقية رأت القيادة إيقاف توجيه الخطاب إلى المرسل إليه ولكن كان الخطاب قد وصل فعلا إلى الجنرال  '''"ريكي"''' دون النجاح في الحيلولة دون وصوله.ويلاحظ أيضا تجاوز القيادة العسكرية اختصاصاتها إلى مجالات أخرى الأمر الذي كانت قد اعتادت عليه منذ زمن طويل.


ويقول '''"السذج" و"المغرضون"''' الذين يقيمون الأحداث الآن إنه كان على [[عبد الناصر]] أن يترك [[فلسطين]] في ذمة التاريخ لنتفرغ لأحوالنا ومشاكلنا وإنه كان على الرجل أن يقفل عليه حدوده وبذلك يتفادى الصدم مع إسرائيل ويجنب [[مصر]] تلك الحروب التي خاضتها .
يعني كانت القياد العسكرية تعلم وتنفيذ دون أن تعترض أو تناقش !!!والموضوع الأخطر هو موضوع غلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. كان الغلق يعتبر من وجهة نظر إسرائيل بمثابة إعلان الحرب إذ أنها كانت قد أعلنت ثلاث حالات تعني من وجهة نظرها إعلان الحرب ضدها اختراق حدودها وغلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية وتغيير نظام الحكم في [[الأردن]] .  


ولكن... هل تحرشت [[مصر]] بإسرائيل حينما قامت بغارتها الوحشية في غزة وأتبعتها بغاراتها في مناطق عديدة بعد ذلك ؟ هل تحرشت [[مصر]] بإسرائيل حينما انضمت الأخيرة إلى بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على [[مصر]]  عام [[1956]] ؟
هذا الموضوع ناقشته القيادة السياسية بطريقة سليمة داخل اللجنة التنفيذية العليا ووافق عليه جميع أعضاء اللجنة دون استثناء ولما تساءل السيد صدقي سليمان رئيس الوزراء في ذلك الوقت عن تأثير ذلك على رد فعل إسرائيل رد عامر بحدة '''"لا يمكن لقواتي التي تمركزت هناك أن ترى العلم الإسرائيلي وهو يمر أمامها"'''


لا نقول ذلك لتدبير حروب [[عبد الناصر]] فهي حروب عادلة لا تحتاج إلى تبرير إذ خاضها لكي يدفع العدوان أو هكذا كان يحاول ويتمني ذلك لأن أبسط قواعد الأمن القومي تشير إلى أن '''"[[فلسطين]]"''' هي من ضرورات '''"الأمن المصري"''' منذ عصور الفراعنة ووجود دولة معادية هناك فيه تهديد قاتل '''"لأمن [[مصر]]"'''
وصدرت أوامر القيادة العسكرية إلى قائد قوات شرم الشيخ بغلق الخليج دون ذكر تفصيلات مبنية على دراسة ... المشير قال يغلق شرم الشيخ ..والقيادة تبلغ قائد شرم الشيخ  بغلق الخليج وانتهي الأمر !! تسبب  عن هذه الطريقة '''"الببغائية"''' في إعطاء الأوامر تخبط فئد شرم الشيخ وتساؤلاته العديدة ووصلته الأوامر التفصيلية بعد ذلك بأيام !!!


إذن فسلامة [[فلسطين]] من ضروريات الأمن المصري إذا صح هذا التعبير إذ لا يوجد ما يسمي '''"بالأمن المصري"''' المنفرد عن '''"الأمن العربي"''' فلا أمن ل[[مصر]] دون العرب ولا أمن للعرب دون [[مصر]] .
الموضوع إذن نوقش في القيادة السياسية وواقفت عليه دون اعتراض أحد من الأعضاء وبحضور وموافقة القائد العسكري الذي اجتمع مع أعضاء قيادته العسكرية وأعطاهم التعليمات بعد أن كانت القوات قد تمركزت في مواقعها.ووافق الجميع وأصدروا التعليمات دون دراسة أو مناقشة لم يعترض أحد ولم يناقش أحد!!


وكان الاستعمار يربض في كل مكان من أركان العالم العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي لتنفيذ إستراتيجية '''"التطويق"''' على طريق إقامة القواعد العسكرية على الساحة كلها .. قاعدة قناة [[السويس]] عدن منطقة الخليج ،الظهران ،الحبانية ،الشعبية ،هويلس ،بنزرت ،[[الجزائر]] [[المغرب]] ... كانت القواعد كالإخطبوط الذي يخنق كل حركة وطنية.
أقول هذا لأن الجميع بعد ذلك ودون استثناء أخذوا '''"يتفلسفون"''' ويتساءلون وينتقدون ويناقشون وكانت المصيبة قد وقعت والكارثة قد حلت فحرب الكلام سهل وأيسر من حرب السلاح!!!


واعتبر [[عبد الناصر]] العربي عن حق أن معركة استقلال [[مصر]] هي جزء من معركة الاستقلال العربي فالمعركة واحدة متصلة إذ أن الأمن واحد والمستقبل واحد والعدو واحد والمصير واحد هكذا تقول لنا الخريطة وهكذا يقول لنا الواقع
الحوادث التي ذكرناها تعني أن القائد العسكري كان على علم بتفاصيل تطور الأزمة السياسية وكان بدوره يطلع أفراد  العسكرية على كل ما يجرى ولم يثبت أن أحد أعترض أو ناقش . ومعني ذلك أيضا أن القيادة العسكرية قبلت التصدي للمهمة ووافقت على تطور الأحداث .


'''وهكذا يقول لنا الدين:'''
لو أنها اعترضت على ما يجرى أو بعض ما يجرى وأصرت القيادة السياسية على السير في طريقها كان على القيادة العسكرية أو من اعترض منها أن يتنحي ويستقيل ويذهب ويخلي محله لمن يرغب في التصدي والقيام بالمهمة ولكن أما وقد وافقوا جميعا على القيام بالمسئولية فإنهم يتحملون نتائجها وتبعتها .


:"إن القدر لا يهزل وليست هناك أحداث من صنع الصدفة ولا وجود  يصنعه الهباء .. ولن نستطيع أن ننظر إلى خريطة العالم نظرة بلهاء لا ندرك بها مكاننا على هذه الخريطة ودورنا يحكم هذا المكان ... أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا أن هذه الدائرة منا ونحن منها  امتزج تاريخنا بتاريخها وارتبطت مصالحنا حقيقة وفعلا لا مجرد كلام "
'''الحقيقية الثانية:''' هي أن القيادة العسكرية حركت قواتها إلى [[سيناء]] وهي تعلم أن صداما أكيدا سيحدث مع إسرائيل. قيل كلام كثير على أن القيادة السياسية كانت تتخذ خطواتها من باب '''"التهويش"''' وأنها لم تكن تتوقع أن قتالا سينشب وأن الأزمة مفتعلة كان يراد بها مجرد الضغط السياسي ..


واستمر [[عبد الناصر]] يتحدث في '''" فلسفة الثورة"''' عن الدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية حديثا أخذا في الاعتبار مركز [[مصر]] على خريطة العالم ولست أدرى  كيف يمكن لبلد من البلدان كتب عليه أن يكون في هذا  الموقع الحيوي أن يقفل على نفسه؟
ولنأخذ هذا على أنه حقيقة مسلمة وإن كان الأمر على خلاف ذلك ونناقشه على هذا الأساس القوات المسلحة بغض النظر عن أهداف القيادة السياسية أصبحت في حالة تأهب كامل وتحركت من أماكنها في القاعدة عبر خطوط المواصلات إلى أماكن تمركزها في الخطوط الدفاعية الأمامية وأصبح بينها وبين العدو في بعض المناطق مسافات لا تتجاوز 2-3 كيلو مترات .


كيف يمكن ل[[مصر]] أن تقفل عيونها حى لا ترى ما حولها ؟ أو تجمد أحاسيسها حتى لا تحس الأخطار  التي تحدق بها ؟ بل لو  أننا سلمنا جدلا أن [[مصر]] أقفلت عيونها وسدت آذانها وجمدت أحاسيسها فهل هذا يحول بين المتربصين وبين أن يقرعوا الأبواب ويقتحموا النوافذ؟
ما هي الترتيبات التي اتخذتها القيادة العسكرية لتأمين قواتها ضد أى إجراء مفاجئ يقوم به العدو خاصة بعد أن أصبحت قاب قوسين و أدني منه؟ ما هي الخطط التي أعدتها لمواجهة أى ظروف عير متوقعة ؟


ولو سلمنا جدلا أنه بإمكاننا أن ننتقص من قدرنا ومكاننا فكيف نضمن أن غيرنا سيشاركنا هذا التقييم في سبيل سعيه لتحقيق أمنه ومصالحه ؟ أننا جزء من منطقة نعيش فيها .. والمنطقة جزء من عالم متسع  تدور فيه  الأحداث وتتصارع فيه الإرادات والسياسية أخذ وعطاء ولذلك نجد ن الرجل أعطي ف سخاء لثورة  [[الجزائر]] وللمغرب ولليمن الشمالي والجنوبي العربي؛
جائز  للقيادة السياسية أن تستخدم قواتها المسلحة كعامل ضغط للحصول على مكاسب سياسية ولكن غير جائز أن تقترب القوات المسلحة من مكمن الخطر وهي غير مستعدة أو غير متأهبة خاصة أمام عدو غادر تصل لأخبار المتوالية عن استعداداته وتجهيزاته .


فأزليت القواعد وتحررت الإرادات ولذلك ضرب [[عبد الناصر]] عام [[1956]] لأن '''"القضاء على ثورة [[الجزائر]] لن يتم إلا عن طريق [[القاهرة]]"''' وعادوا فوجهوا إليه الطعنة النجلاء عام [[1967]] لأن '''"القضاء على الثورة العربية لن يتم إلا عن طريق [[القاهرة]] أيضا"'''.
وعلينا أن نستمر في مجاراة هذا الكلام الذي قيل . ما دخل هذا الغرض السياسي في أن القوات المسلحة لم تخض قتالا بالمعني المفهوم؟ فلاهي هاجمت ولا هي  دافعت انسحبت بل كل ما فعلته  القيادة  لعسكرية أنها انهارت وتفككت وأصبحت غير قادرة عل توجيه قوتها الوجهة السليمة في مواجهة الضربة المتوقعة وليس معقولا أن تلعب القيادة السياسية بالقوات المسلحة حتى لو كان  غرضها من وراء ذلك فرضا سياسيا؛


وبالرغم من ذلك فإن البعض يوجه إليه اللوم الثقيل بعد أن مات وكأن ما لاقاه من عداوة ومقاومة قبل أن يموت لم يكن فيه الكفاية ...فمن قاومه قبل أن يموت ومن شرحه بعد أن مات كلاهما كان يطلب منه أن يريح ويستريح .  
لأن اللعب بالقوات المسلحة كان يمكنها أن تمنع قيام الحرب أصلا لأنها أتقنت استعداداتها وسدت الذغرات الموجودة في تنظيماتها وخططت التخطيط المتكامل لردود فعل ناجحة على أفعال العدو المتوقعة ... أقول لو أن القوات المسلحة قامت بواجباتها فعلا قبل بداية الأزمة فإن العدو المتيقظ كان سيشعر بذلك وما أقدم على ما أقدم عليه لأن مجرد الاستعداد الصادق يمنع العدوان .


ولكن كان هذا مستحيلا إذ لو توفرت له الرغبة فإن ما كان من الممكن أن تتوفر له القدرة لأن العدوان يدق الأبواب وينساب من النوافذ ويتسرب من الفجوات فلا هو يدع النائم في نومه ولا هو يدع المتيقظ يهنأ بتيقظه . فهو في حركة دائمة ونحن دائما أهدافه التي يسعي إلى السيطرة عليها لابتلاعها  لعلها تسد شيئا من أطماعه .
'''بعد مناقشة هذا الغرض علينا بعرض الحقائق الآتية التي تثبت أن القوات المسلحة كنت على يقين من قيام العدوان:'''


'''وكان المجتمع المصري يقع تحت ضغطين رئيسيين:'''
:'''(1)''' ففي يوم 14/5/ [[1967]] عقد المشير عامر مؤتمر في قيادة  القوات الجوية حضره قادة أفرع القوات المسلح وكبار القادة وأعطى توجيهاته بناء على ما وصله من معلومات تؤكد وجود حشود كثيفة للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية وقد تحدد موقفنا أنه إذا وقع عدوان على [[سوريا]] فلابد من تدخل القوات المصرية تنفيذا لاتفاقية الدفاع المشترك بين [[القاهرة]] ودمشق ثم أعطي توجهاته لحشد قوات في مسرح [[سيناء]] تكون قادرة على الدفاع بل على القيام بأعمال هجومية إذا لزم لأمر .


:الضغط الأول كان يتمثل في أنه مجتمع بطئ النمو والضغط الثاني كان يتمثل في أن المجتمع كان يعيش في حالة خلل مخزن وتناقص خطير في العلاقات التي كانت تنظم حركة المجتمع .
:ولم يعترض أحد  من القيادة العسكرية لأنه لو تم اعتراض لحدثت فرملة '''"لتوالي"''' الأحداث بعد ذلك.وفي يوم 15/5 أصدر المشير في مؤتمره الذي عقد في مكتب قائد القوات الجوية والدفاع الجوى برفع درجة الاستعداد لوحدات الدفاع الجوى إلى أعلي درجت الاستعداد كما أصدر توجيهاته بالسيطرة نفس اليوم بدأ مركز القيادة المتقدم في العمل وعين الفريق عبد المحسن ومرتجى قائدا للجبهة


:ومن ناحية الضغط الأول وهو بطئ نمو المجتمع فإنه طبقا للإحصائيات العلمية الدقيقة كان المجتمع قد وصل إلى حالة ركود تكاد تكون تامة خلال أربعين سنة ما بين عام 1913 إلى عام 1953 ففي تلك الفترة كان معدل النمو لا يزيد في المتوسط عن واحد ونصف بالمائة سنويا وهي نسبة نمو كانت الزيادة في عدد السكان تستوعبها .
:ولم يعترض أحد ولم يذكر أحد أعضاء القيادة العسكرية شيئا عن عدم استعداد القوات المسلحة أو عجز تدريبها كما حدث بعد وقوع المصيبة على رأسنا بل كثرت التصريحات الصحفية عن مستوى الكفاءة القتالية الهائل  للقوات .


:أما من  ناحية الضغط الثاني فكان يتمثل في التفاوت الخطير بين الطبقات فكان واحد ونصف بالمائة من السكان يحصلون على نصف الدخل القومي علاوة على أن الملكية من الأراضي الزراعية  كانت قد تركزت في يد القلة المالكة التي كانت تتحكم في الأغلبية من الإجراء ثم كانت ثروات [[مصر]] ليست ملكا لأبنائها فكل المرافق الحيوية كانت في أيدى الشركات الأجنبية مثل قناة السويس والسكك الحديدية وخطوط الترام ومرافق الكهرباء والمياه والبنوك والصناعات ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية ..
:وفي يوم 16/5/[[1967]] صدر قرار سحب قوات الطوارئ الدولية وأضاف المشير إلى قراره توجيهات بأن هذا الإجراء قد يكون مبررا لقيام إسرائيل بعمل عسكري خصوصا بعد ظهور تحركات إسرائيلية في اتجاه حدودنا ثم أضاف المشير بعض التفصيلات إلى الأعمال التعرضية التي ستقوم بها قواته عند بدء القتال.  


وكان العلاج تحت ضغط تلك الظروف ليس مجرد استرداد الثروات إلى ملاكها الحقيقيين عن طريق التمصير والتأميم وإنما كان إلى جانب ذلك إضافة وتوسيع بدأها مجلس الإنتاج بعد شهور من قيام الثورة ثم أشرف عليها بعد وزارة الصناعة التي أنشئت منذ عام [[1956]] والتي قمت تحت ظروف الحصار الاقتصادي الذي أعقب حرب [[السويس]] بوضع خطة ثلاث سنوات للصناعة مهدت لخطة التنمية الشاملة بعد ذلك؛
:بل إذا قرأنا الخطاب المرسل إلى الجنرال ريكي والموقع من رئيس الأركان لوجدنا أهي نص على أنه '''" أصدر أوامره  لقواته لتكون مستعدة لأى عمل ضد إسرائيل في نفس اللحظة التي ترتكب فيها أى عمل عدواني ضد أى دولة عربية وطبقا لهذه الأوامر فإن قواتنا تحشد الآن في [[سيناء]] وعلى حدودنا الشرقية "'''.ومن يطلع على يوميات الحرب يجد المزيد وفي هذا ما يكفي .


والتي بلغ فيها معدل النمو زيادة سنوية قدرها ستة ونصف بالمائة وأثناءها دخلت [[مصر]] مرحلة الصناعة الثقيلة رغم تعقيداتها وبطء مردوده بهدف الاقتراب من أجل الاعتماد على النفس بقدر الإمكان من جانب ولتغيير التكوين الاجتماعي من جانب آخر بنقل فائض العمالة في قطاع الزراعة إلى قطاع الصناعة للتغلب على مشكلة البطالة المقنعة الموجودة في قطاع الزراعة .
:'''(2)''' ثم تجد ن شمس بدران وزير الحربية في مقابلته يوم 26/5/[[1967]] لالكسى  كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي يصور الموقف كالآتي وكما أنقله من نقاط متفرقة من مذكراتي .


وترتب على هذا الخلل في الملكية خلل آخر في التمثيل النيابي إذ لا مندوحة أن تتكون في ظل هذا النظام المالي ديكتاتورية برلمانية تكون انعكاسا طبيعيا للسيطرة الاقتصادية فكانت هناك مجالس نيابية يجتمع فيها نفس الفئة المتحكمة في الأرض وسوق المال .  
::'''(أ)''' أود أن أبلغكم والرفاق أننا في غاية القوة وقادرون على الموقف الحالي تماما ولا تخشوا علينا شيئا .


وبذلك تكون إقطاع سياسي إلى جانب الإقطاع الاقتصادي ولم يكن عجيبا بعد ذلك أن تلك المجالس لم تتحدث إلا نادرا عن مصالح الجماهير الكادحة وعن ضرورة تذويب الفوارق بين الطبقات ..وكانت تلك المجالس غطاء زائفا للحرية إذ أنها كانت توفر حرية الطبقة المتحكمة والحاكمة في نفس الوقت أما  الحرية التي ترتبط بلقمة العيش فكان التحدث فيها محرما وممنوعا إلى أن جاء [[عبد الناصر]] ليبدأ في تساؤله الملح عن معني الحرية ؟"
::'''(ب)''' حينما وصلتنا معلومات من سفارتنا بموسكو يوم 13/5/[[1967]] وكذلك في نفس اليوم من رئيس أركان حرب الجيش السورى عن الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية اتخذنا قرارا سريعا بتحريك جزء كبير من قواتنا إلى [[سيناء]] وتم حشد هذه القوات ومركزتها في 48 ساعة من صدور الأوامر .


فما هي الحرية بالنسبة للرجل الذي لا يجد لقمة العيش لأولاده في الليل؟ إن الحرية بالنسبة له ليست إلا أن يجد لقمة العيش لأولاده .. الحرية بالنسبة للفلاح الذي يشتغل عبدا في الأرض هي أن يكون حرا ويكون سيد نفسه .. الفلاح الذي يطرده صاحب الأرض من أرضه هو ومتاعه وعائلته لأنه لا يطيع الأوامر  ولا يقبل أن يكون  رقيقا أو عبدا  و خادما مطيعا ... إن الحرية عنده أن يكون مطمئنا على حياته ومستقبله .. والحرية بالنسبة للعامل الذي يفصل في كل وقت والذي لم يكن مطمئنا على عمله ومطمئنا على مستقبله .  
::'''(ت)''' الروح المعنوية عالية جدا فالقوات المسلحة لا تنسي عدوان [[1956]] وقد زار المشير القوات ووجدنا روح الضباط والجنود عالية لدرجة أننا كمن نلجم الحصان .


كان من الواضح لنا بعد الدروس التي أخذناها في السنين الماضية أننا إذا أردنا أن نقيم الديمقراطية يتحكم فيها المستغلون وإنما كنا نعنى ديمقراطية الشعب فالحرية لا تنفصل عن الرزق والمساواة لا تنفصل عن الحرية ولا يمكن أن يكون هناك حرية بدون مساواة ويكون هناك أناس مميزون ولهم الحق في كل شئ وأناس آخرون محرومون من كل شئ .
::'''(ث)'''أن قواتنا موزعة في عدة محاور حتى أن إسرائيل اليوم لا تعرف من أين سيأتيها الهجوم ولذلك سحبت قوات كبيرة من الجبهة السورية إلى جبهة [[سيناء]] ومركزتها أمامنا وأصبحت حرية الحركة أمامها محدودة جد وواضح من توزيع قوات إسرائيل وبعثرتها أنها في حيرة .


وكان [[عبد الناصر]] كما سبق أن ذكرنا في مفاتيح شخصيته قد نشأ في أسرة فقيرة وعاش الجو الذي عاد ليتحدث عنه ويعالجه وهو في الحكم ورأى مهزلة المجالس النيابية ولمس تحكم الإقطاع في الحياة السياسية ولعله تأثر بكل ذلك حينما ألقى يثقله على الحرية الاجتماعية أحد جناحي [[الديمقراطية]] كما كان يقول فنالت منه رعاية كبيرة فاقت رعايته للجناح  الآخر من الديمقراطية وهو الحرية السياسية .
::'''(ح)''' قواتنا في شرم الشيخ قادرة على قرار منع الملاحة الإسرائيلية في الخليج وقادرة على حماية نفسها ولها قاعدة إدارية خلفية وقوات جوية قادرة على عمل ستارة جوية في جميع الأوقات وهذه القاعدة الجوية مؤمنة ضد أى هجوم عليها .


وانعكس خلل الملكية على العلاقات التي كانت تتحكم في حركة المجتمع فأوجدت تناقضا خطيرا بين الحقوق والواجبات .. فالحقوق كلها للقادرين والواجبات كلها على الكادحين ..
::'''(ح)''' [[قطاع غزة]] حولناه إلى جذر دفاعية قوية بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تحتل أى مدينة منه ولقد صممنا أنه إذا حاولت إسرائيل قطع الطريق بين غزة ورفح فإن هذا معناه الحرب ودخول قواتنا إلى داخل إسرائيل .


فالتعليم مثلا وهو حق مشروع للجميع كان قاصرا على طبقة خاصة قادرة على مواجهة تكاليفه وكان العلاج وهو حق من الحقوق قاصرا على الطبقة القادرة على دفع نفقاته وكان العمل متاحا فقط للطبقات المميزة إلا الأعمال الدنيا فتركت لطبقاتها لا عن رغبة وزهد ولكن عن تعفف وازدراء.
::'''(ز)''' إسرائيل حتى بعد أسبوع من الاستعداد لن يمكنها عمل شئ ضد قواتنا وإلا ستنال ضربة قاصمة وحتى إذا وجهت جميع قواتها إلى جبهتنا وتركت باقي الجبهات خالية فنحن مستعدون لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل فلا يهمنا أمريكا ولا خلاف أمريكا لأننا أصحاب حق صحيح نحن لسنا في قوة الولايات المتحدة ولكن إذا تدخلوا في المعركة فسوف نتصدى لهم إلى آخر قطرة من دمائنا وهذا ليس كلام حماسي ولكنه تقرر فعلا .


وكان المسكن اللائق من المناطق المحرمة التي لا يجوز  للطبقات الكادحة حتى أن تفكر فيه حتى الحذاء كان مجرد أمل بالنسبة لكثير من الفلاحين والعمال الذين كانوا يهيمون في حقولهم  ومصانعهم بجلابيبهم الزرقاء المشهورة وهم حفاة.
::والحديث يصور الحالة التي كانت تعيشها القيادة العسكرية في وقت الأحداث وأحب أن أؤكد بناء على اتصالاتي الشخصية في ذلك الوقت أن جميع من قابلتهم كانوا تحت شعور الزائدة في دحر إسرائيل ولم يكن حديث شمس بدران هذا إلا انعكاسا واقعيا لشعور القيادة دون استثناء .
   
وفي الوقت الذي حرمت فيه الغالبية من حقوقها كان عليها واجبات خطيرة من المحتم أن تقوم بها ... فالتصويت في الانتخابات واجب عليه لكي توفر الغطاء الشكلي لدفع ممثلي الطبقة المتحكمة فيهم إلى قاعات البرلمان ليكرسوا جهودهم لتعميق الوضع الظالم السائد .


وفي نفس الوقت اقتصر دفع '''"ضريبة الدم"''' للدفاع عن الوطن على الطبقة التي كانت عاجزة عن دفع '''"ثمن الخلاص"''' من الجندية وهو يتمثل في عشرين جنيها كانت تسمي '''"البدلية"''' أى النقود التي تدفع بدل التجنيد أى في مقابله !!
:'''(3)''' في المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك كان الموقف يشير إلى تصعيد خطير علاوة على تأكيد القائد السياسي بأن صداما مسلحا أصبح هو الحل الوحيد للأزمة السياسية القائمة أمام إسرائيل . ففي مؤتمر 25 / 5/ [[1967]] الذي رأسه [[عبد الناصر]] نوقش موضوع الضربة الأولي والضربة الثانية واتخذ قرار بعدم قيامنا بالضربة الأولي . وفي مؤتمر 2/6/ [[1967]] برئاسة [[عبد الناصر]] أيضا حدد الرئيس تقديراته في أن إسرائيل سوف تبدأ عملياتها يوم 5/6/ [[1967]] وأنه ستبدأ عملياتها بضربة جوية وأنها يتحاول حسم الموقف عسكريا في فترة قصيرة .


وكأن شرف الدفاع عن الوطن قد اقتصر على الطبقة التي ليس لها حق التملك فيه !!! فكان التجنيد الإجباري في الواقع لا نفذ إلا على التعساء من حثالة المجتمع الذين لا يملكون ثم الخلاص الزهيد .. وكأن الذين لا يمتلكون أى شئ هم الذين وكل إليهم أمر الدفاع عن الذين يملكون كل شئ...!!
::'''(4)''' ولم يكن هذا تقدير الرئيس وحده بل كان البعض يتفق مع هذا التقدير . ففي مقابلة لى للفريق مذكور أبو العز محافظ [[أسوان]] في ذلك الوقت وكنت أنا وزير الدولة في أوائل [[يونيو]] [[1967]] وقبل العدوان أكد لى مدكور انه يتوقع قيام العدو بضربة جوية كاسحة واتفقت معه في ذلك تماما وكان هذا إلى جانب مزايا عديدة يتمتع بها مدكور سبب في أن أرشحه قائدا للقوات الجوية بعد النكسة وقد وفق الرئيس على الترشيح واستلم فعلا عمله الجديد في 11/ 6/ [[1967]] على ما أذكر .


ثم كان على هذه الطبقة المعدمة دفع الضرائب للحزينة  الخاوية وكان الدفع يتم من '''"المنبع كما يقولون"''' وكان '''"المنبع"''' في أغلب الأحيان جافا ليس به زاد أو ماء بينما القادرون لا يجسر أحد على الاقتراب من '''"منبعهم المتضخم الزاخر الملء"'''!!
::'''(5)''' والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية ورغما عن كل ذلك لم تواجه الأمر بما  يستحقه من اهتمام ولا هي ترجمت هذه التوقعات أو القرارات إلى خطط عسكرية أو إلى تعديلات في الخطط القائمة بدليل أن '''"المشير"''' اختار يوم 5/6/[[1967]] بالذات للقيام بزيارة [[سيناء]] وتم القضاء على قواته الجوية الجوية وهو مازال في الجو ومعه قائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوى في نفس الوقت ورئيس هيئة العمليات وفي نفس الوقت كان كل أعضاء القيادة العسكرية في [[القاهرة]] في منازلهم يتناولون طعام الإفطار وكانت قيادات [[سيناء]] كلها في مطار تمادا في انتظار وصول '''"المشير "'''!!! يعني لم يكن هناك عضو واحد من أعضاء القيادة العسكرية في موقعه ليدير المعركة وقت الضربة الجوية ....!!!


ثم ووسط الضغوط الخارجية التي كانت تتعرض لها البلاد كان الجيش ألا يملك عتادا ولا سلاحا وقد حاول الرجل سد الفجوة من بريطانيا في أول الأمر فتمنعت في انتظار دفع الثمن ... وتغطية الثمن في سوق السلاح لا يكون نقدا وعدا ولكن هناك طرق أخرى لتسديد الحساب أغلبها ربما يمس السيادة وينقص من الاستقلال ..ولما رأي الباب مسدودا حاول مع الولايات المتحدة الأمريكية دون جدوى أيضا..
ولنا أن نتصور مصير قوات بلا أى قيادة !!! وبعد هذا التفريط يجد البعض الشجاعة  بعد ذلك ليتحدث عن عيوب وسلبيات خاصة بعد  أن تكدوا أن '''" المشير "''' قد انتحر وأن '''" الرئيس "''' قد مت وبعد " خراب مالطة" كما يقل . فكانوا بذلك كمن سكت دهرا ونطق كفرا .


وكانت إسرائيل ترتع على الساحة تفعل ما تريد وبريطانيا قابعة بقواتها في قاعدة قناة السويس قاطعة خطوط مواصلات القوات المصرية التي كانت موجودة في [[سيناء]] فكان العدو بذلك أمام قواتنا الموجودة في [[سيناء]] وخلفها في نفس الوقت . وقام الرجل وسط كل هذه الضغوط بمعجزة '''"كسر إحتكار السلاح"''' فكانت صفقة التسليح السوفيتي التي تبعتها صفقات .
والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية لم تحاول أن تغير من الأوضاع  القائمة مع تغير الأحداث والظروف  بالسرعة الرهيبة التي كانت تتطور بها ولا هي حاولت أن تعيد تقدير موقفها في تلك الفترة .
1- فحينما بلغها من سفيرنا بموسكو يوم 13/5/[[1967]] بالحشود الإسرائيلية ضد سوريا , وحينما بلغها ذلك أيضا من رئيس أركان حرب الجيش السوري اندفعت دون روية إلى حشد قواتها في [[سيناء]] دون أن تتحقق في ذلك من مصادر المخابرات المختلفة أو بالقيام بطلعات جوية . بل حينما بلغها نفي لهذه الحشود من سوريا نفسها بعد ذلك بواسطة رئيس الأركان ال[[مصر]]ي الذي قام بزيارة سوريا للتنسيق لم تحول  القيادة العسكرية – كل في اختصاصه – تعديل أوضاع قواتها بما يتناسب مع المعلومات الجديدة .
2- في مقابلة شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت لأليكسي كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي يوم 26/ 5/ [[1967]] استمع من الأخير المعلومات التالية والتي حصلت عليها المصادر السوفيتية وسوف أنقلها من مذكراتي الخاصة ..
أ‌- وصلت معلومات اليوم من داخل إسرائيل تفيد بنشاط كبير ويقال إنه في نهاية [[مايو]] من الممكن أن تبدأ العمليات العسكرية وأنهم يجهزون عملية لتوجيه الضربة ومن المعروف أنه عندما تنشب العمليات لا يهتم أحد بمن الذي بدأها أولا.
ب‌- بعض الدوائر في إسرائيل ترى أن كل تأجيل لحسم الموقف ليس في صالح إسرائيل وهم يحضرون أنفسهم بمساعدة الولايات المتحدة للقيام بالعدوان
ت‌- سوف يشترك في التجهيز العسكري ليس فقط رئيس الأركان الحالي بل موشى ديان وهم يحفرون خنادق في تل أبيب ويقوون الدفاع الجوى والدعاية تغذي المشاعر والناس مندفعون في حماس للدفع عن وطنهم إلى آخر قطرة .
ث - وأضاف رئيس الوزراء السوفيتي بأنهم سيلبون احتياجات [[القاهرة]] من السلاح ولكن يجب إلا يساعد هذا على قيام الحرب فقيام الحرب ليس من صالح الجمهورية العربية المتحدة ولا من صالح  القوى التقدمية ولابد من التصرف العقل وأن يكون الفكر باردا والمهم ألا نعطي الفرصة للاستفزازات أننا نفضل اللقاء على المائدة بدلا من المعركة الحربية . إن تسليح الاتحاد السوفيتي ل[[مصر]] وسوريا هو لتدعيم السلام من خلال القوة وهدف هذه المساعدة ألا يحدث اشتباك مسلح وتحريك القوات معناه زيادة التوتر  ولا يمكن أن نقول إن تحريك القوت يؤدى إلى تخفيف التوتر .
وبالرغم من هذه المعلومات  الخطيرة لم تحاول القيادة العسكرية  التأكد منها أولا ثم تعديل مواقفها مع التغييرات الجديدة إن وجدت ثانيا .
3- بل حينما قررت القيادة السياسية في مؤتمر 25 /5/ [[1967]] عدم قيامنا بتوجيه الضربة الأولي وأن علينا قبولها من العدو – وهذا من اختصاص ومسئولية وسلطة القيادة السياسية – لم تحاول القيادة العسكرية ترجمة هذا القرار إلى خطة فعلية بتكثيف دفاعاتها وسحب قواتها الجوية الموجودة في الأمام  إلى  الخلف وزيادة تيقظها واستعدادها ليل  نهار.. بل حينما أبلغت القيادة السياسية في مؤتمر 2/6/ [[1967]] القيادة العسكرية مجتمعة أن الحرب  ستحدث يوم 5/6/ [[1967]] لم يبلغ ذلك إلى القيادات الأصغر ولم يكن هناك رد فعل لإعادة النظر في التخطيط القائم فلكل ظروف ما يلائمها من إجراءات .
قد يبرر البعض هذا الجمود " ببيروقراطية  القائد العسكري " ولكن هذا كلام غير مقبول لأنه علينا أن نتساءل: هل قام المختصون مثلا – وهذا واجبهم – بترجمة التطورات السياسية إلى إجراءات عسكرية تتفق معها ؟ عرضت مثل هذه الخطط والترتيبات على القائد العسكري لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب في شأنها ؟ هل قامت الأفرع المختصة بإعادة تقديراتها للموقف حسب التطورات السريعة التي كانت تحدث ؟ هل تنبهت إلى الخطر ؟ هل أنذرت بالكارثة  التي أوشكت أن تقع ؟ أسئلة لم يحاول أحد ممن كتبوا وأرخوا أن يجيب عليها أو يتصدى لها .
القضية الثالثة : هي أن القيادة العسكرية لم تقاتل بالمعني المفهوم للقتال بل وعلاوة على ذلك فإنها تركت الجيش المفترى عليه دون قيادة أو توجيه وتخلت عن مسئولياتها أثناء القتال الفعلي .
ويظهر ذلك جليا ليس فقط من الوقع الذي يعرفه الجميع والذي أدى إلى النكسة بل من الكتب والمقالات والأحاديث التي نشرت على لسان بعض أعضاء القيادة العسكرية ليس فقط بعد النكسة ولكن بعد وفاة " المشير " و" الرئيس " على أساس قاعدة " إن الموتي لا يتكلمون ولا ينسبون ..." ونقتطف مما نشر النقاط الآتية :
:
" فقد أكد جميعهم أنهم كانوا دون مسئوليات سواء في زمن السلم أو الحرب إذ تركز كل شئ في يد " المشير " و" الوزير " وهذه حقيقة مهنية ومخزية خصوصا إذا كانت  تتعلق بالرتب الرفيعة في القوات المسلحة , ولكن السؤال الذي يبقي في حاجة إلى إجابة هو : لم قبلوا هذا الوضع الشائن؟ ألم يعلم أحدهم أن هذا القبول فيه لعب بقدر هذه الأمة وتهديد لأمنها القومي ؟ أسئلة لم يجب أحد عليها حتى الآن.
تبادل البعض منهم الاتهامات الثقيلة : الجهالة وعدم المعرفة , قيادات غير مناسبة في أماكن حساسة الصراع على الاختصاصات , الإهمال , التقدم بتقارير كاذبة إلى الرئاسات الأعلى , حجب التقارير عن القيادة السياسية .. كل واحد منهم قدم ورقة إدعاءات ضد الآخر .
تحشي الجميع التحدث عن تفاصيل الموضوعات العسكرية المتعلقة بالأزمة وإن  تعرض لها  البعض في اختصار كامل وفي الوقت نفسه أفاضوا في التحدث عن الجوانب السياسية والشخصية وهذه  طريقة غير موضوعية وظالمة لبحث موضوع " النكسة " صحيح لابد لبداية الحوار في مثل هذه الموضوعات أن يحدد الإطار السياسي والظروف المحيطة ولا ولكن وأن يلي ذلك مباشرة بحث الموضوع الرئيسي وهو الناحية العسكرية مثل الموضوعات الآتية :
الخطط الموضوعة , تنفيذها  إلى واقع على مسرح العمليات المنتظر الجداول الزمنية والتوقيتات التي حددت التنفيذ , تقارير النجاح عن مدى تقدم تنفيذ الخطة في كل فترة معقولة ترجمة القرارات  السياسية إلى خطط حربية واجب الإدارات والهيئات والقيادات أثناء الأزمة موقف العدو وإجراءاته, ما هي الإجراءات المضادة بناء على التوقعات المختلفة ؟ كيف أديرت العمليات وقت الضربة الجوية المفاجئة ومن الذي كان يدير المعركة ؟ تقدير الموقف الذي تم بعد تحديد خسائر الضربة الأولي ؟
بها العدو بعملياته الهجومية وفي المقابل ما هو تصورنا للمعركة الدفاعية وكيف كان للدفاع أن يتحرك على طول المسرح وعمقه لمواجهة ذلك ؟ البدائل الموجودة والمتغيرات المنتظرة والتطورات المتوقعة ؟ هل كنا قادرين حقا على توجيه الضربة لأولي التي كثر الحديث عنها ؟ كيف ؟ هل كانوا على علم بالعمليات التفصيلية عن الأغراض التي سيتم التعامل معها ؟ هل تدربوا عليها ؟ هل جهزوا الطيارين ودربوهم على ذلك ؟ طيب, وفي حالة نجاح الضربة الأولي كيف كان يمكن  استغلالها  بواسطة المجهود الأرضي أو البحري؟ وفي حالة فشلها ما هي الخطة البديلة ؟ ثم إلى أين يكون الانسحاب ؟ وكم ليلة سوف يستغرقها ؟ كيف نعطل العدو ؟ كيف نواجه سيطرة الجوية ؟ هل المعابر على القناة تكفي لا تدفق القوات ؟ وبأى كثافة ؟ وكيف تستخدم الطرق للانسحاب بحيث لا يحدث تزاحم ؟...
أبدا لم يحدثنا أحد بذلك ولا بجزء منه . والحقيقة أن القيادة العسكرية لم تفعل شيئا من كل ذلك.
فكل ما فعلته كان حشدها قواتها في [[سيناء]] بكثافة  غير معقولة وبسرعة بها حماقة لدرجة أن بعض وحدات الاحتياطي تحركت بالجلاليب !!! ولدرجة أن الكثيرين استدعوا للالتحاق بوحدات غير وحداتهم وأسندت إليهم واجبات غير واجباتهم تبعا لخطة تعبئة فاشلة  غير  مدروسة ولا تعبر عن الواقع , هذا ما فعلته القيادة ولا شئ غير ذلك.... فالعدو قام بهجومه صباح 5/6/ [[1967]] قاصما ظهر قواتنا الجوية ثم صدر أمر بالانسحاب في اليوم الثاني أى بعد 24 ساعة فقط من بداية العمليات ثم بعد ذلك تركت القوات إلى مصيرها المحزن ...!بالله عليكم هل حدث شئ أكثر من ذلك ؟!!!
فمئات الطائرات , وآلاف الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية ذاتية الحركة والهاونات وآلاف الجنود لم يقاتلوا معركة واحدة  لأن القيادة العسكرية عجزت وعن جهالة عن استخدام القوات المتاحة.
وتراجع الجنود وضباطهم بغير نظام والعدو يحصدهم بنيرانه الأرضية وقنابله من الجو ووصل من  حالفه الحظ إلى الشاطئ الغربي  للقناة وبعد ذلك لم يكن أمام الكثيرين من هؤلاء إلا استخدام وسائلهم الخاصة للوصول إلى قراهم التي أحضروهم منها ...!!
كلمة مختصرة عن الانسحاب ؟ دار حديث كثير عمن أعطى قرار الانسحاب ؟ والذي أ‘رفه عن يقين هو أن " عامر " هو الذي أعطاه وقد تعرضت لذلك بالتفصيل في كتبي التي تحدثت فيها عن الموضوع ولكن ليست هذه هي القضية, القضية  الأساسية – في رأيي – هي كيف تم الانسحاب ؟ ما هي الخطط التفصيلية لأداء هذه العملية ؟ ما هي الخطوط المتتالية التي سيتم إليها الانسحاب ؟ كيف تم السيطرة عليه ؟ أين كان المسئولون وقت ذلك ؟ وما الذي  فعلوه ليواجهوا الموقف العصيب الذي وضعوا قواتهم فيه ؟ هذه هي القضية وليست أبدا من الذي أصدر القرار أو صدق  عليه ؟ سواء كان [[عبد الناصر]] قد صدق عليه أم لم يصدق عليه فإن الموضوع الرئيسي يبقي هو : كيف تمت العملية ؟ فهذا هو السؤال .
وللدلالة على عدم خوض القيادة العسكرية أى قتال بالمعني المفهوم نورد الإحصائية التالية للخسائر .
ففي الوقت الذي بلغت خسائر أفراد القوات الجوية والدفاع  الجوى 4% من القوة  للطيارين كانت الخسائر في المعدات 85% وبلغت خسائر أفراد القوات البحرية صفر % وخسائرها في المعدات صفر % أيضا . وبلغت خسائر القوات البرية في الأفراد 17 % من القوة بينما كانت خسائرها في المعدات 85%
وبلغت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة 100% والقاذفات  الخفيفة 100% أيضا ومن المقاتلات القاذفة والمقاتلة 85% وقد دمرت  أغلب الطائرات وهي على الأرض ويا ألف خسارة !!
واتضح بعد المعركة أن الفرقة المدرعة التي عدد دباباتها 200 دمر منها 12 دبابة فقط واستشهد فيها 60 فردا أما لـ188 دبابة فقد تركت دون أفراد الأمر الذي يوضح أن 6 % فقط من الأفراد هم الذين التزموا بمعداتهم ...!!! ويا ألف خسارة أيضا ...!
وكما نرى كان في يد القيادة العسكرية أسلحة كثيرة جيدة ولكن هذه القيادة  لم تكن قادرة على استخدامها بكفاءة فالعبرة ليست بالسلاح أو المعدة ولكن العبرة قبل ذلك بمن هم وراء هذا السلاح وقبل ذلك بالعقل الذي يوجهه ويستخدمه أفضل استخدام لتحقيق النصر ولصيانة الأمن القومي  للبلاد . وكان من نتيجة ذلك أنه لم يكن هناك قتال بالمعني  المفهوم . كان يمكن أن نناقش المبررات التي ذكرها بعض أعضاء هذه القيادة لو أن  معركة دارت أو قتالا حدث أو لو أن القيادة العسكرية ناورت وحاورت وصدت وهجمت وانسحبت وتحملت الضربات المضادة ولكن لم يتم شئ من ذلك.
فالقيادة العسكرية خذلت بلادها وقواتها وتسببت في نكسة ثورة بكاملها ضاعت مكاسبها وسط حطام النكسة.
ظروف أخرى تمهد لليلة العصيبة
يمكن أن يقال إن الخطوة التمهيدية لهذه الليلة العصيبة  تمت يوم 11/ 6/ [[1967]] وفي مكتب " السيد سامي شرف سكرتير  الرئيس للمعلومات " دخلت عليه ظهرا في مكتبه والانكسار يثقل أكنافنا من هول ما نحن فيه . العدو على الساحل الشرقي للقناة التي تعطلت فيها الملاحة من جديد . وخسرنا [[سيناء]] والضفة الغربية وغزة والقدس والجولان والآلاف من الضباط والجنود يواجهون مصيرهم دون أن يتمكن أحد من تقديم المعونة  لهم. والجيش  أصبح دون سيطرة عليه وبعض جنوده يهيمون في الشوارع بملابسهم الرثة وعيونهم الزائغة , وحينما يتعبون يلقون بأنفسهم في الحدائق بالمئات . والبعض الآخر استقل القطارات أو وسائل النقل الأخرى إلى بلادهم التي أتوا منها والأعزاء الآخرون يقتلون ويؤسرون في [[سيناء]] لقد فقدنا كل شئ .
كان هناك كل من اللواء عماد ثابت والعميد أحمد سيد أحمد نصر وهما من خيرة ضباط القوات المسلحة بوجه وعام وضباط المدرعات بوجه خاص . حضرا ومعهما كنز ثمين . إذ أكدوا أنه في إمكانهما حشد أكثر من 150 دبابة في الضفة الغربية للقناة لصد أى محاولة يقوم بها العدو لعبور القناة في طريقة إلى [[القاهرة]] .. مائة وخمسون دبابة !!! قوة كبرى بالنسبة لما كنا فيه .
وكتب سامي المعلومات في " النوتة " ليبلغها للرئيس . وانصرف الضابطان ليؤديا واجبهما وسألني " سامي " ما رأيك في هذه القوة التي هبطت علينا من السماء ؟!
وكان ردى " قوة إيه يا سامي ؟ كان عندنا آلاف من المدرعات فأين هي ؟ لابد من التغيير ولن يحدث أى تصحيح في ظل الظروف القائمة . لابد من أن يترك المشير القوات المسلحة كخطوة أولي لابد منها أن أردنا مواجهة الهزيمة مواجهة جادة ".
وقام سامي من كرسيه ليقبلني ويؤمن على ما قلت . وانصرفت وأنا مثقل بهمومي .
ونقل " سامي " الحوار إلى [[عبد الناصر]] ربما في نفس الوقت والساعة .
ولن أحاول أن أكرر تفاصيل معروفة كتب فيها الكثير من قبل ولكنني سأحاول ذكر الجديد من الأحداث التي لمستها بنفسي . في تلك الفترة كان المشير قد تورط في عدة أحداث كبيرة .
1- الحدث الأول : وهو الهزيمة النكراء التي منى بها الجيش على يديه . والشئ الغريب حقيقة أن هذه الهزيمة لم تؤثر في المشير بل أجمع كل  من شاهدوه في منزله يوم 7,8 /6 /[[1967]] على أنه كان عاديا لا يظهر عليه أن شعور بالندم و الانزعاج وكن من ضمن من زاروه كثير من الساسة والصحفيين ورجال القوات المسلحة وقد أخبرني الأخ شعراوي جمعة – وكان أحد من زاروه في منزله – أن " المشير نزل وكان زى الورد بعد أن كان قد انتهي لتوه من الاستحمام "!!!
2- الحدث الثاني :  وهو التمادى في العدوان على الشرعية القائمة فبعد أن قبل الرجل أن يتنحى يوم 8 / 6 /[[1967]] عن قيادة القوات المسلحة إلا أنه عاد فتشبث بمناصبه حتى لا تفسر استقالته تلك  على أنها بسبب الهزيمة العسكرية فقد اتخذ المشير هذا الخط بعد النكسة – وهو خط أن السبب في الهزيمة هو سبب سياسي وليس سببا عسكريا – وتمسك به مساعدوه حتى مماته كان مستشاروه قد أقنعوه بأن بعده عن القوات المسلحة في تلك الفترة معناه فتح الأبواب كلها  لاتهامات يحسن تجنبها ولذلك فإن الرجل لم يقبل بأى حل من الأحوال أن يكتفي يتولي منصب نائب رئيس الجمهورية بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم – خاصة في تلك الفترة  - وهو منصب نائب رئيس الجمهورية بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم – خاصة  في تلك الفترة – وهو منصب القائد العام للقوات المسلحة وكسبا للظروف غير المتوقعة بدأ الرجل في تحويل منزله بالجيزة إلى قلعة حقيقية نقل إليها الكثير من الأسلحة والعتاد وكثف قوة الحراسة الموضوعة على منزله بقوات من الشرطة العسكرية بل استدعي – وكما سبق القول – 300 رجل من بلدته بالمنيا لمضاعفة الحراسة ولا شك أن هذا التصرف لم يكن حكيما ولا لائقا ولكنه حدث وكان الخطر الأكبر لهذا العصيان  على الشرعية هو الانقسامات التي بدأت تحدث في القوات المسلحة بل وتحركت بعض الوحدات بقيادة ضباطها في مظاهرات صاخبة تهتف بحياة المشير .
وبدأ ولاء الضباط يتزعزع وأصبحت القوات المسلحة حقلا خصب للشائعات بل للاستقطاب . وللدلالة على مقدار الفوضى التي خلقها  عصيان " المشير " في المحافظة على الأمن أن أحد الضباط – أثناء إلقاء  القبض  عليه بناء على تعليمات سابقة بالقرب من منزل المشير بالجيزة وكان من ضمن الضباط المعتصمين هناك – استغاث بزملائه  في المنزل فأغاثه خمسة أفراد يرتدون الجلالبيب والعمة ومعهم بنادق آلية .
وبدأوا في إطلاق النيران على القوة قاصدين القضاء  على أفرادها ثم بدأ إطلاق النيران من داخل منزل " المشير من عدة اتجاهات ثم تحركت أربع عربات جيب من حول منزل المشير لمطاردة القوة في شوارع  الجيزة وهي تطلق النيران .
ثم تحديا لكل التقاليد والقوانين أمر " المشير " يوم" 21 / 7/ [[1967]] وبعد أن استقر في منزله بالجيزة بعد تركه منزله بمعسكرات الحلمية بنقل الأسلحة التي كانت موجودة في منزل الحلمية إلى محل إقامته الجديد وللدلالة على مقدار خطورة هذا الإجراء نورد إحصائية دقيقة لما كان يراد نقله من أسلحة وعتاد:
    100      بندقية آلية 7,62 مم عديم الارتداد
        4        مدفع 82مم عديم الارتداد
4مدفع 90مم
4 رشاش متوسط 7,62
7 رشاش خفيف , 21 مسدسا 9مم
165,000 طلقة عيار 62 , 7 معبأة في 103 صناديق
4500 طلقة عيارس2 كاشفة معبأة في 103 صناديق
92300 طلقة عيار 7,62معبأة في 15 صندوق
100 قنبلة يديوية دفاعية شرقية معبأة في 5 صناديق
125 قنبلة يدوية هجومية إيطالي معبأ في 2 صندوق
وفي الوقت نفسه بدأ " المشير في توزيع  استقالته التي سبق وقدمه إلى الرئيس في أزمة [[1962]]  والخاصة بتعيينات الضباط من الرتب الكبيرة بتصديق المجلس والسابق الإشارة إليها .
وللتاريخ نثبت هذه الاستقالة ومن الملاحظ أن المشير لم يقدمها إلا بغرض الاحراج  والضغط بدليل أنه لم يطالب بما ورد فيها حينما حلت  الأزمة وأيضا أنه لم يعد للمطالبة بما فيها إلا بعد النكسة عام [[1967]].
نص الرسالة
عزيزي الرئيس [[جمال عبد الناصر]]
بعد لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرى من الواجب وأيضا الوفاة يقتضيني أن أكتب إليك معبرا عن رأى مخلص رغم لأحداث الأخيرة . فبعد عشر سنين من الثورة وبعدد أكثر من عشرين سنة من الصلة بيني وبينك لا يمكنني أن أتركك وأعتزل الحياة العامة دون أن أبوح لك بما في نفسي كعادتي دائما .
إنني أعتقد أن الانسجام والتفاهم بين المجموعة التي تشارك في الحكم  أمر ضروري وأوجب من ذلك الثقة المتبادلة بين أفراد هذه المجموعة . وقد وجدت في هذه الفترة الأخيرة أن الأسلوب الغالب هو المناورات السياسية ونوع من التكتيك الحزبي فضلا عما لا أعلمه من أساليب الدس السياسي الذي قد أكون مخطئا في تصوره ولو أن الحوادث كلها والمنطق تدل على ذلك والنتيجة التي وصلنا إليها اليوم خير دليل على هذا التصور فقد استطاع هذا الأسلوب أن يتغلب على ما كنت أعتقده مستحيلا وهو تحطيم صداقتنا وما نتج عن ذلك من أحداث لا داعي لسردها فكلها لا تتفق مع المصلحة العامة في شئ .
المهم في الموضوع أنني لا أستطيع بأى حال أن أجارى هذا الأسلوب السياسي لأنني لو فعلت ذلك لتنازلت عن أخلاقي وأنا غير مستعد لذلك بعد أن انقضي نصف عمري .
الذي أريد أن أحدثك عنه بخصوص نظام الحكم في المستقبل إنني أعتقد أن التنظيم السياسي القادم ليكون مستمرا وناجحا يجب أن يبني على الانتخابات من القاعدة إلى القمة بما في ذلك اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي  وإن أتت اللجان العليا بدون انتخابات حقيقية فستكون نقطة ضعف كبرى في التنظيم الديمقراطي للإتحاد ون ما يجب أن نسعى إليه هو تدعيم الروح الديمقراطية بعد عشر سنوات من الثورة والتي لا أتصور بعد كل هذه الفترة وبعد أن صفي الإقطاع  ورأس المال المستغل وبعد أن منحتك الجماهير ثقتها دون تحفظ أن يكون  هناك ما نخشاه من ممارسة الديمقراطية بالروح التي كتب بها الميثاق وخصوص أن الملكيات الفردية الباقية والقطاع الخاص لا يشكلان أى خطر على نظام الدولة كما أنه ليس هناك ما يمنع إطلاقا ، تنجسم هذه القطاعات مع النظام الاشتراكي كذلك الأمر بالنسبة للصحافة فيجب أن تكون هناك ضمانات تمكن الناس من كتابة آرائهم وكذلك تمكن رؤساء التحرير والمحررين من الكتابة دون حذف أو تحفظ وقد تكون هذه الضمانات عن طريق اللجنة التنفيذية العليا مثلا  أو أى نظام آخر يكفل عدم الخوف من الكتابة وتوهم الكاتب أنه سيطارد أو يقطع رزقه وخصوصا أن الآراء التي ستعالج لن تخرج عن مشاكل الناس والمسائل التنفيذية وبعض المناقشات في التطبيق الاشتراكي وفي هذا فائدة كبيرة لأنه سيعبر عن الآراء التي تدور في خلد المواطنين .
دعني وأنا أودعك أن أحدثك عن الحكومة ورأيي فيها قبل كل شئ لا يمكن أن تسير ى حكومة في طريقها الطبيعي وهو الحكم السليم إذا كان نظام الحكم في حد ذاته ممسوخا ومشوها فيجب أولا أن نستفيد من تجارب العالم وحكوماته التي عاشت مئات السنين مستقرة منتظمة دون حاجة لتغيرات شاملة كل فترة قصيرة من الزمن . ففي رأيي أن النظام الطبيعي للحكم يكون كالآتي : إما حكومة رئاسية ويرأس الوزارة فيها رئيس الجمهورية ويكون مسئولا أمام البرلمان مسئولية جماعية مع وزرائه .
وبدون الدخول في التفاصيل يمكن أن يكون هناك نائبا للرئيس ويجب أن تكون رئيس للدولة ورئيسا للحكومة أو حكومة برلمانية يرأسها رئيس الجمهورية ويكون رئيس الاتحاد الاشتراكي هو رئيس الوزراء أو ربما يكون رئيس الوزراء ليس رئيسا للإتحاد الاشتراكي ولا أريد أن أدخل أيضا في التفاصيل لكن تكون أيضا مسئولية الوزارة جماعية أمام البرلمان كما ورد في الميثاق .
على كل أى من هذه الحلول ووجودك في النظام أو على رأسه على الأصح ضرورة وطنية .
أنا لا أقول ذلك مجاملة فهناك كثيرون مستعدون للمجاملة أو الموافقة على رأيكم بمجرد إبدائه ولكن أعتقد أن تصرف غير ذلك سيكون بداية لنهاية لا يمكن معرفة مداها .
ودعني أيضا قبل أن أودعك أن أقول لك أن اختلاطك الشخصي بالناس ضروري فإنه يعطي الثقة المتبادلة ويعطي إحساسات متبادلة ويعطي أيضا أفكارا متبادلة . وهذا هو الطريق الطبيعي للارتباط  بأفراد شعبنا في المستقبل أما انعزالك التام فإنه سيجعل صور البشر عندك أسطرا على الورق أو أسماء مجردة لا معني لها . وهذا في رأيي لا يمثل الواقع فالعقل والعاطفة من مكونات الإنسان ولا نستطيع أن نفصل بينهما كلية لكن يجب الجمع بينهما في الطريق الصحيح وهذا لا يمكن إلا الاتصال  الشخصي .
وهذا أيضا هو الطريق الوحيد لإظهار شخصيات قيادية نعتز برأيها دون خوف ولكنها في الوقت نفسه تثق بقيادتها  وتحترمها  وهذا النوع من الناس أنت في أشد الحاجة إليه بل وبلدنا كلها محتاجة إليه نوع جديد لم يتمكن منه حب المنصب ليسكت على الخطأ ولم تأخذ الأضواء نور بصره فيضحي بكل القيم ليعيش فيها .
وأنا أودعك أيضا أرجو من الله ألا يحدث مني أو منك ما يجعل ضميرنا يندم على الإقدام عليه ويجعلنا صغارا في أعين أنفسنا .   
ويكفي في رأيي ما حققه أهل السوء حتى الآن فقد نجحوا فيما تمنوا وفيما كانوا يعتبرونه مستحيلا .
لا أريد أن أطيل عليك  ولكنى أبديت آرائي لك فيما اعتقده بأنه المصلحة العامة وليكن فراقنا بمعروف كما كانت عشرتنا بالمعروف . والله أسأل أن تتم حياتنا بشرف وكرامة كما بدأناها بشرف وكرامة ورغم كل شئ ورغم كل ما اعلم فإني أدعو لك من قلبي بالتوفيق وأتمني لك الخير وأدعو ربي أن يوفقك في خدمة هذه الأمة ولخيرها والسلام .
[[عبد الحكيم عامر]]
[[القاهرة]] في 1/12/[[1962]]
وثبت بعد ذلك في التحقيقات أن الذي طبعها هي " زوجته السيدة  برلتني عبد الحميد " وقد ضبطت آلة الطباعة في قريتها . وكان يتولى توزيع الاستقالة و التي كتبت في عام [[1962]] بعض ضباط القوات المسلحة داخل الوحدات وبعض أعضاء مجلس الأمة وهم ما أطلق عليهم "  مجموعة المنيا والذين فصلهم السيد أنور السادات الذي كان يرأس المجلس من عضوية المجلس وآخرين .
بل أخذ المشير يلجأ إلى وسائل ما كان يجب عليه أن يلجأ إليها مهما كانت الظروف فقد سلم السيد عباس رضوان 5000 جنيه ذهب داخل خمسة أكياس لحفظها طرفه وقد تم ضبط الذهب مدفونا في أرض زراعية " بالحوارنية " دخل حقيبة جلدية وقد تبين نقص الأكياس ولكن تم ضبط الباقي منها في " قرية نزلة السمان " ثم وبعد أن توليت رئاسة المخابرات العامة صباح 26 / 8/ [[1967]] أعترف لى مدير مكتب السيد صلاح نصر الرئيس السابق للجهاز أن السيد صلاح نصر استلم 60,000 جنيه من ال[[مصر]]وفات السرية للجهاز دن إيصال وأنه يحاول منذ أيام أن يقنعه بكتابة الإيصال حتى يدعه ملف المستندات إلا أنه رفض وأضاف المسكين " أودعني السجن لأن خزنتي ناقصة " وقد أبلغنا جهات التحقيق وكانت المخابرات الحربية قائمة به وتم العثور على حقيبتين مدفونتين " بالحورنية " أيضا وبفتحهما تبين أن بهما مبلغ 49, 360 جنيها وكذا عدد 40 رشاش قصير , 5 صناديق ذخيرة, 108 طبنجة وقد اعترف السيد عباس رضوان في التحقيق بأنه استلم المبلغ والأسلحة والذخيرة من السيد صلاح نصر لإخفائها في  " الحوارنية " ولكنه لم يتمكن من إعطاء التبريرات المقنعة لاختفاء باقي المبلغ وقدره حوالي 11000 جنيه .
كان المشير عامر يريد أن يهدم المعبد على كل من فيه فلم يكفه " النكسة " الثقيلة التي أصاب بها الأعمال العظيمة ل[[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] والتي أضاعت وغطت على حلاوة انتصاراتها الكثيرة والكبيرة ولكنه  تمادي في أعماله تلك وأخذ يتورط في أعمال  أخرى خطيرة.
3- مؤامرة قلب نظام الحكم وتخطيطه للاستيلاء على السلطة والشئ الغريب أن جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية كان على علم بما يدبر وأبلغت إدارة المخابرات الحربية ما لديها من معلومات للجهات المختصة ولكن المخابرات العامة وكان يتولي رئاستها السيد صلاح نص حتى مساء 25/8/ [[1967]] لم تبلغ ما لديها من معلومات إلى الجهات المسئولة ويعد هذا التصرف إخلالا كاملا بمسئولية وأمانة المسئولين عن ذلك واستمر هذا التكتم حتى توليت رئاسة الجهاز في 26/8/[[1967]] .
فبعد أن قدم المشير استقالته – والذي عاد وسحبها مرة أخرى – بذلت محاولات كثيرة من المحيطين به وبموافقته لإعلان العصيان فقد قاموا بجمع عدد كبير من الضباط لعمل مظاهرة للمطالبة بعودة المشير بل قام ضباط حراسة المشير بمظاهرة عسكرية مسلحة بالعربات  المدرعة واتجهوا من الحلمية إلى مبني القيادة العامة للقوات المسلحة . وفي نفس الوقت كان يتم اتصال أعوان المشير بقوات الصاعقة الموجودة في أنشاص في ذلك الوقت وكان يتم استدعاء بعض الضباط لمقابلة المشير ليلا في منزله بالجيزة .
وكان المشير يستقبل علاوة على ذلك بعض المدنيين سرا في منزله ولزيادة سرية هذه المقابلات أمر لمشير بفتح ثغرة في السور الذي يفصل بين المنزل " والمشتل المحاور " وأخذت  المقابلات تتم في هذا المشتل كل ليلة وأخذ بعض الضباط يزودون المشير بتقارير عن أوضاع وحداتهم ويتلقون منه الأوامر لنشر الشائعات وتوزيع استقالته السابق الإشارة إليها وفي نفس الوقت لوحظ نقل كميات من الأسلحة والذخيرة من معسكر الحلمية إلى منزل المشير بالجيزة  كما لوحظ عدد كبير من الأفراد المدنيين يحملون السلام ويقومون بحراسة منزل المشير ويمنعون الاقتراب منه وقام بعض الضباط المقيمين  في منزل المشير بتدريبهم على إطلاق النيران  وبذلك أصبح منزل المشير والمنطقة المحيطة به منطقة ممنوعة على سلطات الأمن  كما لوحظ تردد أعضاء مجلس الأمة من محافظة المنيا وبعض محافظات الوجه القبلي على منزل المشير وكلف البعض منهم بإثارة مناقشات سياسية بقصد  إحداث بلبلة سياسية في نفوس أعضاء مجلس الأمة والشعب ووزع على بعضهم صورة من الاستقالة مع تحريضهم على القيام بنشر أبناء مضللة عن أسباب الهزيمة العسكرية ..
لكل هذه الشواهد تم وضع المنطقة كلها تحت المراقبة بواسطة الأجهزة المختصة بل تم عمل كافة الترتيبات الدقيقة لمعرفة كل ما يجرى داخل  المنزل في كل وقت وتم تجهيز " رسم كروكي " للمنزل من الداخل والخارج ولكل المنطقة المحيطة بالمنزل تحسبا للظروف
وبدأت هذه التجهيزات والترتيبات التي يقوم بها المشير تتبلور في مؤامرة حقيقية لقلب نظام الحكم حدد لتنفيذها يوم 27 / 8/ [[1967]] وكان الغرض منها الاستيلاء  بالقوة على القيادة العامة للقوات المسلحة .
كانت الخطة سوف تتم على مرحلتين :
أ‌- المرحلة الأولي وهي الجانب التمهيدي والدعائي داخل أفراد القوات المسلحة لإحداث بلبلة في الأفكار وإثارة الفتن ببث الدعايات المسمومة والمغرضة والسعي إلى نيل تأييد أكبر عدد من ممكن من الضباط لتأييد المخطط وتهيئة الأذهان لتقبل الوضع الجديد.
ودعوة الضباط  إلى منزل  المشير وتقصي أحوال القوات المسلحة وأسرارها منهم وتوزيع استقالة المشير وإقناعهم بأن للمشير قضية عامة هي مطالبته بالديمقراطية وإطلاق الحريات .
ب‌- الشق الثاني ويتمثل في الجانب العسكرى التنفيذي ويعتمد على قوات الصاعقة الموجودة في " أنشاط " والتي كان عليها تأمين وصول المشير إلى القيادة الشرقية في منطقة القناة ثم تنصيبه قائدا عاما للقوات المسلحة ثم يقوم المشير بإعلان  مطالبه لرئيس الجمهورية من هناك فإذا لم يستجب له الرئيس تحركت قطاعات من القوات المسلحة لفرض هذه المطالب بالقوة وذلك بمعاونة القوات الجوية لضمان نجاح الخطة... وتم تحديد القوات اللازمة لتنفيذ العملية ودرست الطرق التي سوف تتحرك عليها هذه الوحدات وحددت التوقيتات اللازمة للتنفيذ كما وزعت المهام والواجبات لكل منهم فكان موكولا إلى السيد شمس بدران مثلا تأمين الشرطة العسكرية والفرقة المدرعة والسيد عثمان نصار تأمين منطقة دشهور العسكرية والسيد عباس رضوان تأمين منطقة [[القاهرة]] واعتقال بعض المسئولين في الدولة  بمعاونة أطقم المخابرات العامة بعد موافقة السيد صلاح نصر وكان على رأس المعتقلين  شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى وهؤلاء تم اعتقالهم بعد ذلك أيضا بواسطة السادات .
4- انكشاف زواجه العرفي من السيدة  برلتني عبد الحميد ولن أتعرض لتفاصيل هذا الموضوع لأنه أولا يمثل جانبا من حياة المشير الشخصية , ولأنه أمر عادي يجرى في كل الأوقات وفي كل الطبقات .... ولكن  كان المشير حريصا  كل الحرص على إخفاء هذه العلاقة بالرغم من أن السيدة برلنتي كانت لا ترضي أن يكون زواجها  سرا بل كانت تلح  في إعلانه وتوثيقه ولكن  كان الرجل يخشي تأثير ذلك على حياته الزوحية  وعلى حياته العامة . كان يعرف أنه بمجرد زوال سلطاته فإن أمور كثيرة سوف تتكشف وتظهر الأمر الذي بذل جهده في السنوات الماضية لكي يظل سرا مكتوما .
وقد حدثني الرئيس جمال أن المشير كان يحضر له دوما ليشير عليه أن يكون له " أبواب خلفي " فكيف يمكن للرئيس أن يعيش هكذا داخل أربع حيطان لا يتمتع بالدنيا ولا يروح عن نفسه وكان المشير يضرب أمثلة بالعديد من رؤساء الدول والشخصيات الكبرى وكيف أن لهم " أبوابا خلفية متعددة " فالمرء دائما  يحتاج إلى التفريج عن نفسه فساعة لقلبك وساعة لربك .


وبالرغم من ذلك يتعرض [[عبد الناصر]] إلى اللوم الذي يصل إلى حد الاتهام لأنه أخطأ بأخذ السلاح الذي دفع به القدر إليه فكيف '''"يدنس"''' يده بسلاح سوفيتي حتى ولو كان '''"الجيش"''' يقف تحت رحمة العدو ليل نهار؟ كيف يسمح بتسرب السلاح السوفيتي حتى لو كان الجيش أعزل أمام عدو يتسلح كيف  يشاء؟
كان يخشي مثلا أن ينكشف أنه اشترى منزلا في " ايكنجي مريوط " مركز القسم الشرقي بالعامرية محافظة الصحراء الغربية بحوض  برنجي وايكنجي مريوط رقم 3 ضمن القطعة رقم 209 وهو المنزل الذي اشتراه من السيدة انطوانيت جريك واختار إسما له محمد عبد الحكيم على بن على حفيد عامر أثناء إتمام الإجراءات الرسمية . كان هذا المنزل هو الأقرب إليه قلبه للإختلاء بزوجته وبعض  الأصدقاء.
كانت هذه العلاقة سرية ماما لا يعرفها إلا القليلون جدا من دائرة المشير الشيقة ومطبخه الداخلي ولا أظن أن أحدا من المسئولين كان يعرف ذلك إلا المرحوم أنور السادات الذي كان يحضر بعض المناسبات بين وقت وآخر .
ولنقف عند هذا الحد إلا أننا نريد أن نؤكد مرة أخرى أن الرجل كان لا يريد أن تكشف هذه العلاقة وكان يرغب أن تبقي سرا .
إذن كان المشير متورطا في أكثر من اتجاه وكان بذلك مهيئا للقيام بأى إجراء غير محسوب و خطوة يائسة إذ ظل هكذا مطلق الحرية يفعل ما يريد ولذلك فإنه كان من الواجب إيقاف الأمور عند حدها حتى لا تتطور وتتضخم وأن تعود الشرعية مرة أخرى لتمارس سلطاتها لمواجهة الموقف الصعب الذي وجدت فيه البلاد ولو أن هذا كان ينبغي أن يتم منذ وقت طويل قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد ولكن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب .
خطة جونسون
صدرت تعليمات الرئيس [[عبد الناصر]] إلى كل من شعراوى جمعة – سامي شرف – أمين هويدى بوضع خطة لمواجهة الموقف وتحديد إقامة المشير عامر وكان اقتناع الرئيس باتخاذ هذه الخطورة في حد ذاته عملا إيجابيا حقيقة إذ لم ينجح في إقناعه أحد من زملائه رغما عن تكرار المحاولة وكان هذا يرجع أولا إلى أن  الأمور وصلت إلى منتهاها وأن الصراعات  على القمة التي كانت موجودة داخل " الحرس القديم " لم يكن لها أثر في  " الجماعة المختارة " فكانت حسابات الرئيس هنا أسهل وأيسر .
وكانت المأمورية دقيقة وصعبة ولكنها كانت واجبة وكانت المناصب التي يتولونها في ذلك الوقت كالآتي :
شعراوي جمعة              وزيرا للداخلية
أمين هويدي                وزيرا للحربية
سامي شرف                مدير مكتب الرئيس للمعلومات
كانت المأمورية دقيقة لأنها كانت تتعلق " بالمشير " والرجل لم يقدم لأحد منا من الناحية الشخصية سوءا أو ضررا ثم كان الرجل بسلطاته التي ما زالت تترك بصماتها على كل أجهزة الدولة يمثل قوة حقيقية لابد  وأن نعمل لها حسابا ثم كان لابد من التصرف بحكمة تامة حتى لا نجعل من التصفية صداما حقيقيا يمكن أن يتسع فيشعل الحرائق في كل شئ .
وكانت المأمورية صعبة لأن الأجهزة الحساسة كلها كانت متعاطفة مع المشير عامر فالمخابرات العامة وعلى رأسها السيد صلاح نصر كانت قد حددت موقفها إلى جواره القوات المسلحة متعاطفة وإن كان البعض  قد أظهر جانب الحياد إلا أنه لم يكن ليتردد في اتخاذ  موقفه إلى جوار المشير عند أول بادرة نجاح لجهوده في سبيل الاستيلاء على السلطة أما أجهزة وزارة الداخلية فلها حساباتها المعقدة في مثل هذه الأحوال ولا داعي للخوض في تلك الحسابات حتى لا نخرج عن الموضوع .
وكانت المأمورية واجبة فالعدو في شرق القناة والبلاد تمر في أخطر مراحلها وكان لابد من ترتيب البيت الداخلي حتى يمكن البدء في مواجهة العدوان .
ولذلك فقد قررنا أن نلتزم بالسري المطلقة في اتخاذ إجراءاتنا وكذلك بالسرعة المعقولة لأننا كنا في سباق خطير مع الزمن فلم يكن الجانب الآخر عند بداية وضع الخطة بواسطتنا قد حدد موعد تحركه بعد وكنا بذلك نتحرك في المجهول من ناحي السرية لم يخطر أحد غير ثلاثتنا في المراحل الأولي بهذا الأمر وأى قول  غير هذا عار تماما عن الصحة وادعاء باطل تورط فيه البعض حتى يظهر ا،ه كان على علم ببواطن الأمور .
واتفقنا أن نطلق الاسم الكودى " جونسون" على العملية كلها خوفا من التورط أثناء حديث أو مكاملة تليفونية كما اتفقنا على أن تكون اجتماعاتنا في " نادى الشمس " ب[[مصر]] الجديدة وكانت الاجتماعات تتم في وقت متأخر من الليل بعد أن يكون النادى قد أغلق أبوابه حول حمام السباحة وأمامنا لفائف من سندويتشات الفول والطعمية التي كان يحضرها من يكلف بذلك وكنا نصل دائما إلى مكان الاجتماع في مواعيد متقاربة وبطريقة فردية .
كان تقديرنا لأول  وهلة أنه إذا استدرج " المشير " بحيث يكون منفردا أو معه أقل عدد ممكن من الحراس فإنه في هذه الحالة يمكن وبسهولة تدبير طريقة نتحفظ بها عليه في أى مكان أمين حتى يتم تصفية الجيوب الباقية في منزل الجيزة مثلا..
ولذلك وبعد بحث عدة بدائل استقر الرأي على الآتي :
1- أن أصلح مكان لذلك هو طريق " صلاح سالم " حيث كان المشير يستخدمه ذهابا وإيابا للقيام ببعض الزيارات الخاصة ويمكن تحديد الوقت بالتقريب بمراقبة تحركاته على الطريق عدة مرات .
2- أن أنسب وقت لإتمام العملية هو في طريق عودته إلى الجيزة فالوقت يكون متأخرا في ذلك الحين وتقل حركة المرور  ثم يكون المشير في حالة يقظة غير كاملة .
3- أن يتم سد الطريق عند إحدى فتحاته بحيث تضطر عربة المشير إلى التهدئة والانحراف إلى الجانب لآخر من الطريق .
4- في هذه اللحظة يمكن السيطرة على العربة بمن فيها مع التأكد من أن تتم الأمور بسرعة لتفادى أى اشتباك ثم يوضع المشير في مكان أمين مجهز من قبل .
كانت هذه هي الخطة العامة  التي وضعنا لها كثيرا من التفاصيل الدقيقة وعرض الموضوع على الرئيس بواسطة سامي شرف ووافق الرئيس على ذلك.
وعقب ذلك بفترة قصيرة استدعانا السيد زكريا محيي الدين استدعاء فرديا لمقابلته في منزله بالدقي وكان يؤكد على كل فرد ألا يخطر أحدا بالمقابلة على  أن يترك  كل فرد عربته بعيدا عن المنزل وتبادلنا هذه المعلومات رغما عن التنبيه علينا مرارا بعدم إخطار أى فرد باللقاء وصممنا أن نذهب إلى السيد زكريا مجتمعين وفي وقت واحد وبعربة واحدة . وفوجئ الرجل بذلك إلا أنه قابل الموقف بضحكته المعهودة التي قد تعني شيئا أو قد تعني أشياء عديدة أو قد لا تعني شيئا إلا أنه استقبلنا في بشاشته الكريمة ويكرمه المعتاد .
وتناقشنا في الخطة وكان على علم بها كان الرئيس قد أطلعه عليها وأشركه في التنفيذ أو على الأقل في مراجعة تفاصيل ما سوف يتم وخرجنا ونحن جميعا على اتفاق كامل على التنفيذ لم يكن أحد يعلم بالموضوع إلا نحن فقط بعكس ما ورد في روايات عديدة قرأتها وتعجبت منها ولها .
ولكن حينما تكررت اللقاءات بدأت عيوب كثيرة تظهرة أمامنا لهذه الخطة .
1- فقد أكتشفنا أنها معقدة غاية التعقيد والخطة  يجب أن تكون بسيطة .
2- ثم إنها خطة جامدة أى أنها تتبع توقيتا ومقتل أى خط هو في جمودها وعدم ترك  فسحات من الوقت للظروف غير المتوقعة أو الطارئة .
3- ثم إن احتمال عدم الاشتباك ضئيل للغاية ويعتمد على الحظ والاعتماد  أكثر من الدقة ليس صحيحا في أى أمر من الأمور .
4- ثم من يضمن عدم كثافة المرور في هذه الساعة التي ستتم فيها العملية وليس لائقا أن تتم عملية مثل هذه مع نائب رئيس جمهورية سابق حتى تصبح حديثا تلوكة الألسن في العاصمة .
5-   ثم من يضمن ألا يكون المشير في وعيه الكامل استثناء من الظروف العادية ؟ و
وهنا قررنا إلغاء الخطة من أساسها واستبدالها بأخرى تتلافي عيوب الخطة السابقة .
وتوالت الاجتماعات وأغلبها  في نفس مكاننا في نادى الشمس ب[[مصر]] الجديدة وكنا في سباق مع الزمن لعدة أسباب :
1- فمؤتمر القمة العربي سوف يعقد في الخرطوم في 29/8/[[1967]] ولابد أن يحسم الوضع قبل سفر الرئيس إلى الخرطوم وإلا لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإن تأجيل سفر الرئيس سوف يصبح أمرا حتميا , وكان البديل لهذا الموقف – في حالة عدم إمكانية الحسم – أن يصطحب الرئيس " المشير عامر "
2- كان الجانب الآخر قد ضاعف نشاطه وأصبح ظاهرا أن عملية ما قد أصبحت جاهزة للتنفيذ لموالاة الضغط على السلطة الشرعية وكان لابد  لجانب الشرعية أن يضرب ضربته أولا .
3- وكان الموقف في القوات المسلحة يزداد سوءا فحالة القلقلة والتميع كانت سائدة ولا أنسي في هذه المرحلة زيارتي إلى القاعدة الجوية في أنشاص وبرفقتي الفريق عبد المنعم رياض رئيس ركان حرب القوات المسلحة والفريق مدكور أبو العز قائد القوات الجوية كانت الزيارة لن تستغرق أكثر من ساعة  نفتش فيها على إنشاء الدشم والدفاعات الأرضية والجوية على القاعدة وحالة المواصلات والخطط الموضوعية  وطريقة إصلاح الممرات في حالة ضربها بواسطة العدو وخطط التمويه والخداع واستكمال النقص في الأفراد والأسلحة والمعدات . إلا أن موقف البلبلة السائد بين ضباط القاعدة جعلني ألغي زيارتي للقواعد الجوية الأخرى وصممت على عدم ترك أنشاص إلا والاقتناع سائد بين كل الأفراد وقد كان .
4- كان العدو يركز على انهيار الجبهة الداخلية كوسيلة لإسقاط النظام وكان لابد من رأب التصدع الذي حدث بأسرع ما يمكن حتى تعود الجبهة الداخلية إلى تماسكها وتعود القوات المسلحة إلى وحداتها وانتظامها ويتفرغ الجميع للمسئولية الثقيلة التي توجههم .
إذن كان لابد للخطة أن تكون بسيطة وشاملة وتشمل كل الجيوب التي تشارك في حالة العصيان القائمة : المشير بشخصه على رأس القائمة قلعة منزل المشير بالجيزة جهاز المخابرات العامة بعد أ، أصبح من المؤكد أن رئاسته تلعب دورا خفيا في تغذية  وتأييد العصيان .
وكانت الخطة في إطارها العام كالآتي :
1- يستدعي المشير إلى منزل الرئيس في منشية البكرى ليلا لأى سبب يراه الرئيس صالحا لهذا الاستدعاء حيث يبلغ بتحديد إقامته  .
2- في نفس الوقت تتجه قوة من القوات المسلحة إلى منزل المشير بالجيزة لحصاره والقبض على من فيه على أن يتم ذلك قبل أو ضوء .
3- في اليوم التالي مباشرة يعاد النظام إلى جهاز المخابرات العامة .
ووافق الرئيس على الخطة ورأى أن يحضر معه في لقائه بالمشير في منزله كل من السادة زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات ولم يكن أحد من الثلاثة يعلم بما سوف يتم إلا السيد زكريا محي الدين فقط ويظهر هذا واضحا من رواية السيد أنور السادات في كتابه البحث عن الذات في الصفحة 248 . فالبرغم من أنه على عادته المعروفة يميل إلى أن يجعل نفسه دائما مركز الأحداث أيام [[عبد الناصر]] وهذا غير حقيقي بالمرة إلا أنه قال " بعد ذلك في [[أغسطس]] أثناء زيارة تيتو لنا استدعاني [[عبد الناصر]] في قصر رأس التين فذهبت إليه ووجدت  علامات الحيرة على وجهة وقال : والله أنا عايز أقول لك على موضوع يا أنور أنا مشغول قوى بحكاية عبد الحكيم وأنا تكلمت مع تيتو وحكيت له الحكاية كلها  تيتو قال لى ضروري تأخذ إجراء في العملية دى وإلا البلد مجروحة وبعدين أى صراع داخلي وخصوصا إذا كانت فيه القوات المسلحة حيتوسع وينقلب إلى صراع كبير قلت له : يا جمال إنت سمعت منا كنا رأينا في الموضوع ده وفعلا ضروري إنت بالذات تواجه عبد الحكيم باللي بيعمله وتحسم الموضوع نهائيا فقال : فعلا أنا لازم آخذ إجراء كان ذلك في 13 [[أغسطس]] ولم يفصح [[عبد الناصر]] عن نوع الإجراء الذي سيتخذه كل ما حدث أن الإجراء تأخر إلى يوم 25 [[أغسطس]] لماذا تردد رغم خطورة  الموقف ؟ هنا مرة أخرى تظهر علامة الاستفهام الكبيرة في كل ما يختص بالعلاقة بين [[عبد الناصر]] وعامر ." ثم قال " في هذه الأثناء كان عامر قد جعل من بيته المطل على النيل في الجيزة قلعة بكل معني الكلمة مما جعل [[عبد الناصر]] يقرر أخيرا إقامة عامر في بيته بعد أن تسحب منه جميع الأسلحة وبناء عليه أرسل إليه يطلب حضوره للقائه في منزله مساء الجمعة 25 [[أغسطس]] وقال لنا : اسمعوا يا جماعة أنا عاوزها جلسة مواجهة وأنتم تكونوا موجودين وأنا وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي كنا موجودين في هذه الجلسة " وبعد ذلك أخذ يسرد القصة ويركز على أنه هو الوحيد الذي كان يتكلم في  الجلسة وهو الوحيد الذي اصطحب المشير إلى دوره المياه وهو الوحيد الذي بقي معه . وكل هذا لم يحدث لأنني كنت موجودا هناك أرى كل شئ وأسمع كل شئ .
ربما خانته ذاكرته فكثيرا هذه الذاكرة وهو يقص أو يكتب التاريخ والذي كان يؤيده دائما بأشخاص انتقلو إلى رحمة الله !
وصف السادات ل[[عبد الناصر]] بالتردد هنا ومحاولته إثارة علامات استفهام فيه مبالغة كبيرة لأنه لم يكن يدرى ان الترتيبات كانت تعد قبل 13 [[أغسطس]] الذي تحدث عنه بوقت طويل ثم واضح من حديثه أنه كان يجهل كل  شئ حتى استدعاء الرئيس يوم 25 [[أغسطس]] إلى منزله في المساء .
ويلاحظ في قصة السادات أنه أغفل ذكر  أسماء الثلاثة الذين قاموا بالعملية لسبب هام جدا سيظهر من سرد الأحداث لأنه يتعلق تماما بأحداث [[مايو]] [[1971]] فكان إسقاط الأسماء الثلاثة عن قصد وعمد ولا نريد أن نسبق الأحداث .
وعذرا لهذا الاستطراد قرر الرئيس ايضا أن أتولي رئاسة المخابرات العامة بعد حسم موقف المشير وجماعته علاوة على منصبي كوزير للحربية وقلت للرئيس في ذلك الوقت إنه ليس في مقدور بشر ن يقوم بالمسئوليتين في وقت واحد خاصة في هذا الوقت العصيب فأكد لى الرئيس أن هذا الجمع بين المسئوليتين بصفة مؤقتة حتى ينجلي الموقف .
وأصبح كل شئ معدا للتنفيذ
الليلة العصيبة
اتصل الرئيس تليفونياا وبنفسه بالمشير يوم 24 /8/[[1967]] ودعاه للإجتماع به في المنزل في منشية البكرى الساعة السابعة مساء يوم 25 / 8/ [[1967]] ووافق المشير على الفور مرحبا وكان سبب الموافقة المعرفة العميقة التي اكتسبها من تعامله مع [[عبد الناصر]] طوال تلك المدة . فهو يعلم أنه في الأزمات السابقة فإن الرئيس كان يعمل دائما على إصلاح الأوضاع وسد الثغرات ألم يسافر له إلى [[اليمن]] لمصالحته وقت أن غادر المشير البلاد عقب إحدى الأزمات ليبقي ويبتعد هناك؟ ألم يتصل به في مرسي مطروح عقب أزمة مجلس الرئاسة وتعيينات كبار الضباط وحسم الموقف لصالحه ؟ ألم يعرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية حتى بعد أن أوصلنا إلى النكسة التي نحن فيها ؟ ظن عبد الكيم عامر أن الرئيس سوف يصلح لأمور وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي بل ربما يكون قد ظن أنه سيحدثه في مرافقته إلى مؤتمر  الخرطوم يوم 29/8/ [[1967]] ولكن في رأيي أن موافقة المشير على هذا اللقاء كانت لتخدير الرئيس حتى يكسب وقتا ثمينا لتنفيذ عملية يوم 27/8/[[1967]] باستيلائه على القيادة الشرقية في الإسماعيلية فإن صالحه الرئيس في اللقاء على أساس جمعه بين منصبي نائب رئيس الجمهورية وقيادة القوات المسلحة فهذا خير وبركة . وإن لم يصلا إلى اتفاق لا يكون قد خسر شيئا بل يكون قد اكتسب  الوقت لتنفيذ عمليته التي كان قد تم إعدادها وتجهيزها في ذلك الوقت .
إلا أن أنصار المشير حينما بلغهم نبأ اللقاء المنتظر انقسموا غلى قسمين : قسم يرى أن يذهب المشير للقاء على أساس أنه فاتحة خير قد تنهي لأزمة القائمة . وقسم آخر أوجس خيفة من اللقاء وعارضة بشدة واستمر حوارهم مدة  طويلة . ولم يكن الحوار الدائر خافيا على الرئيس إذ كان ينقل له كافة التفصيلات التي تحدث داخل منزل المشير أول بأول .
وقد فضلنا عدم عدم إلقاء الأوامر النهائية إلا في آخر لحظة ممكنة أى بعد ظهر يوم 25 / 8/ [[1967]] وفي الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم تم الاتصال بالرئيس لأخذ موافقته النهائية على البدء في التنفيذ فأمر بأن تدور العجلة .
وقد اتصلت بالفريق محمد فوزى وكان في منزله يشعر بوعكة خفيفة واتفقت معه على أن نتقابل الساعة السادسة في مكتب السيد سامي شرف وان يحضر معه كلا من اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية والعميد سعد عبد الكريم مدير الشرطة العسكرية ثم اتصلت مع شعراوى جمعة وسامي شرف واتفقنا على أن نتقابل نحن الثلاثة في مكتب الأخير الساعة الخامسة بعد الظهر .
وفي تمام الساعة الخامسة اجتمعنا حسب الاتفاق السابق لنضع اللمسات النهائية للخطة واتفقنا  على أن يقوم شعراوى وسامي بالقبض على مرافقي المشير عند وصوله إلى منل الرئيس وبعد دخوله لمقابلة الرئيس مباشرة واتفقنا أيضا أن تكون عربتي وسائقها " الأسطي عثمان " في الانتظار على باب منزل الرئيس الداخلي لنقل المشير فيها إلى منزله بعد الانتهاء من تصفية منزل الجيزة .
وفي الساعة السادسة مساء ثم عقد المؤتمر المتفق  عليه في مكتب " سامي " وكان الحاضرون " هم:
شعراوى جمعة            وزير الداخلية
أمين هويدي              وزير الحربية
سامي شرف              مدير مكتب الرئيس للمعلومات
الفريق محمد فوزى        القائد العام للقوات المسلحة
اللواء محمد صادق          مدير المخابرات الحربية
العميد سعد عبد الكريم        مدير الشرطة العسكرية .
وبدأت بصفتي وزيرا للحربية إعطاء التعليمات والأوامر لتنفيذ الجزء العسكرى الخاص  بمحاضرة منزل المشير بالجيزة وتصفية المقاومة وشددت على تجنب أى صدام أو تبادل إطلاق النيران كما أمرت باللجوء إلى الحيلة والصبر واتفقنا أن يكون القائد العام على اتصال  مستمر معي طوال تنفيذ العملية كما اتفقنا على ن يبلغني فور الانتهاء من تصفية منزل الجيزة.
وقد حضر المشير مبكرا عن الوعد بحوالي ثلث ساعة فقام كل من شعراوى وسامي بتنفيذ الجزء المخصص لهما في العملية وبقيت مع الآخرين حتى أنهيت تعليماتي على عجل وانصرف ثلاثتهم للتنفيذ لم تكن هناك مشكلة في تجهيز القوات لأن قوات الشرطة العسكرية وعربات المخابرات الحربية كانت في حالة استعداد دائم .
وعاد شعراوى وسامي بعد أكثر من ثلث ساعة بعد أن أتما المأمورية فتم القبض على سائق عربة المشير كما تم القبض على العقيد محمود طنطاوى أحد أفراد مكتب المشير وهو من خيرة ضباط القوات المسلحة خلقا وعلما ولكن للضرورة أحكامها إذ دفعته الظروف دفعا ليجد نفسه من الصف المناهض للشرعية .. ولما سألت شعراوى وسامي عن سبب طول مدو تنفيذ العملية أخبراني بأن الأخ " محمد  أحمد " السكرتير الخاص للرئيس أثار ضجة كبرى إذ بمجرد شعوره بما يحدث استنكر أن يتم ذلك من وراء ظهره ودون إخطاره واعتبر ذلك عدم ثقة من الرئيس بسكرتيره الخاص وقد تمادى " محمد أحمد " في احتجاجاته فاضطرا إلى البقاء معه حتى يهدئا من ثورته .
ثم وضع عربة " المشير " في الجراج الخاص . وأمرت السائق " عثمان " أن يقف بعربتي على الباب الداخلي لمنزل الرئيس . والرجل لا يدرى ماذا يحدث لا في الخارج ولا في الداخل إلا أنه لابد وأن شعر أن شيئا غير عادي يجرى تنفيذه .
وفي حوالي التاسعة مساء فضلت أن أدخل منزل الرئيس وبقي " سامي " و" شعراوي" في مكتب الأول واتفقت مع " سامي " أن يحول لى المكالمة التليفونية المنتظرة  من " محمد فوزى " بمجرد اتصاله وفعلا دخلت منزل الرئيس ووجدت في " الصالة الخارجية" بعض " ضبط الياورن " وجلست بجوار حجرة الصالون حيث كان اجتماع الرئيس بالمشير  لألتقط أنفاسي كان في الداخل خلاف الرئيس والمشير كل من سادة " زكريا محيي الدين " و" حسين الشافعي " و" أنور السادات .. وكان الذي يتكلم  هو الرئيس وكان الذي يرد هو " المشير " وقد سمعت الرئيس وهو يقول للمشير " عليك يا عبد الحكيم تقدير الموقف الصعب الذي تمر فيه البلاد . وعليك أن تلزم منزلك في هذه الفترة الحرجة " وسمعت المشير وهو يرد على الرئيس قائلا " يعنى بتحدد إقامتي وبتحطني  تحت التحفظ . قطع لسانك " وكرر ذلك أكثر  من مرة . كن الحديث يدور هادئا في معظم الأحيان ولكن كانت الأصوات ترتفع في حدة في أحيان أخرى . ولكن لم يكن في مقدورى متابعة ما يجرى لأنه لم يصل إلى أذني إلا بعض الكلمات بين وقت وآخر وكنت منهكا وتعبا بحيث كنت أميل للإسترخاء قليلا قبل ما ينتظرني في اليوم التالي .
وكان المشير – وحتى منتصف الليل – [[مصر]]ا على موقفه المتعنت . ولا شك أن " تجمع أصدقائه " في الجيزة كان له دخل كبير في إصراره هذا . كان  الرجل يلعب على عامل الوقت لعل وعسي أن يلين الرئيس كما كان يحدث في المرات السابقة .
وفي هذه الأثناء كان " فوزى " قد اتصل بي مرتين : مرة حينما وصل إلى منزل الجيزة على رأس قواته ليخبرني بإتمام حصاره المنزل ومرة أخرى ليبلغني أن حرائق شوهدت في المنزل والتي ظهر بعد ذلك أنها عبارة عن عملية حرق الأوراق الهامة بواسطة بعض الضباط الموجودين في منزل الجيزة والتي قد تدينهم لو تم القبض عليهم وقد أخبرت الرئيس بذلك وأكدت له أن هذه علامة على حالة الانهيار التي أصبح فيها هؤلاء الضباط.
وفي منتصف الليل تقريبا خرج الرئيس من حجرة الصالون ولما وجدني بالخارج اصطحبني معه واضعا ذراعه في ذراعي إلى حجرة المكتب على الجانب الآخر من " الردهة الخارجية" وكان كلانا يدخن بشراهة وخيل لى أن الرئيس يكاد يقضم سيجارته ,. وفور دخوله إلى المكتب طلب عباس رضوان تليفونيا من رقم مباشر من الذاكرة وقال له " يا عباس انت المسئول عن فض الموقف في الجيزة " ولست أدرى هل تم اتفاق الرئيس مع عباس قبل هذا الاتصال أم لا لأن كلام الرئيس لعباس كان موجها لشخص يعرف ما يجرى وبعد ساعة أخرى خرج الرئيس من الصالون للمرة الثانية واتجهت معه إلى المكتب ليعاود الاتصال مع " عباس " وكان حديثه هذه المرة محتدا قاطعا وهو يقول له " إنت يا عباس مسئول عن عدم فض الموقف " وبعد انتهاء المحادثة ذكر الرئيس أن الموقف في نظره يتعقد وأن عباس يتلاعب ورددت على الرئيس " ما زال أمامنا أربع ساعات حتى الفجر وأن حل الموقف هناك في منزل الجيزة وأن المشير سيبقي على عناده طالما بقي منزل الجيزة على أوضاعه " وأمن الرئيس على ذلك وصعد إلى الدور العلوي بمفرده ليستريح بعض الوقت .. وليس صحيحا ما ذكره الرئيس السادات في كتابه " البحث عن الذات " من أن السيدين زكريا محيي  الدين وحسين الشافعي صعدا مع الرئيس إلى الدور العلوى وأنه بقي وحده مع المشير في حجرة الصالون .
ولكن هي عادة الرئيس السادات في أن ينسب كل شئ إلى ذاته ولو تم ذلك على حساب الحقيقة .
ودخلت حجرة الصالون وسلمت على الجميع . كان المشير جالسا على أريكة من الأرائك وحينما رآني قال " أهلا وسهلا بوزير حريتنا . الله ده الموقف مجهز تماما والمسألة محبوكة على الآخر كان أنور السادات هو الوحيد الذي يجلس صامتا والدموع على  خديه أما السيد حسين الشافعي فكان يبدو غير مهتم بما يجرى أما السيد زكريا فكانت ملامحه جامدة لا تدل على شئ .
وهنا خرج  المشير ذاهبا إلى دورة المياه وخرجت معه وكان الرجل ودودا معي يتحدث في ابتسامته الهادئة . كانت أعصابه هادئة ولم يكن منفعلا بالرغم من أنه كان يدرك الموقف الحرج الذي أصبح فيه وفجأة خرج المشير من دوره المياه وفي يده كأس زجاجي به بعض المياه وقال بأعلي صوته وهو يرمي الكأس على طول ذراعه " اطلعوا بلغوا الرئيس  أن عبد الحكيم خد سم لينتحر " ودخل في هدوء إلى حجرة الصالون ليجلس على الأريكة ذاتها وهو يبتسم في هدوء و:انه لم يفعل شيئا . وقد انزعجت أشد الانزعاج حينما سمعت بذلك وصعدت إلى الدور العلوى حيث يوجد الرئيس قفزا فوق الدرج واستقبلني الرئيس  من أعلي السلم وقلت له " المشير خد سم وانتحر " فقال لى الرئيس " عبد الحكيم أجبن من أن ينتحر . لو كان عاوز ينتحر كان انتحر لما ودانا في داهية " ويبدو أن درجة انزعاجي كانت شديدة لدرجة أن الرئيس كان يحلو له بعد ذلك أن يحكي عن ذلك في مناسبات عديدة وكان يضيف قائلا " تمثيلية عبد الحكيم خالت على أمين "
حدث هرج ومرج بين الموجودين أما " الثلاثة الكبار " فكانوا على حلهم لم يتحركوا و ينفعلوا ولكن خيل لى أن عبرات الرئيس السادات زادت كثافة ودخل الدكتور " الصاوى " طبيب الرئاسة مسرعا وفي يده شنطته العتيدة ولما ل يستجب المشير للعلاج الذي كان يريده الدكتور الصاوي تقدم السيد حسين الشافعي " ليعبط " المشير حتى أعطاه الدكتور " الحقن اللازمة " وهدأ كل شئ من جديد .
ورأى المشير أن يخرج إلى الحديقة ليشم بعض الهواء وخرجت معه . كان الرجل وفي حركات تمثيلية يكثر من النظر إلى السماء ثم يتنهد ثم يعود لينظر إلى السماء ,هنا دار بيني وبينه الحديث الأتي :
أمين :        كيف خالد الآن ؟
عامر :  أنا كويس والحمد لله.
أمين : سيادة المشير . هل يصح هذا الذي يحدث ؟ هل يمكن أن يطور المشير الموقف إلى هذا الحد ؟ أنا لا أكاد أصدق أن الأمور تصل إلى ما تصل إليه الآن .


لماذا لم يرفض السلاح '''"المحرم"''' حتى لو رفض الجميع إمداده به  حتى مع استعداده لدفع الثمن فور نقدا وعدا؟ولماذا ارتكب الرجل تلك الخطيئة ولماذا أقدم على هذا المحظور؟ لقد ارتكب الرجل هكذا يقولون شيئا إذا وقطف '''"الفاكهة المحرمة"'''
عامر : يا أمين إنت لا تعرف شيئا .
أمين :  كيف لا أعرف ؟ الوقت يمر ولابد من حسم الموقف .
عامر : لحساب من يا أمين يحسم الموقف ظ اسكت إنت لا تعرف أى شئ .
وساد الصمت بيننا وأخذ يتمشي جيئة وذهابا ودخلنا إلى حجرة الصالون . لم أجد هناك السيد حسين الشافعي وحينما خرجت إلى الصالة الخارجية وجدته جالسا وأمامه طبق من الفاكهة وهو مقبل عليه في إطمئنان ودعاني إلى تناول بعض الفاكهة ولكن لم يكن لى شهية لأى شئ وأنا  أري ما أري .
وأخيرا قال : أنا رأيي إن المشير يعود إلى منزله والموضوع " مش نافع " الفجر قارب الظهور فماذا سيقول الناس عندما يرون ما يحدث في منزل الجيزة ؟!...
وبقينا ندور في حركة مفرغة كان الجميع يلعبون على عامل الوقت وفي حوالي الساعة الخامسة صباحا استدعاني أحد ضباط الياوران إلى التليفون ذاكرا إن " الفريق محمد فوزي على الخط " وأخذت التليفون وكان فوزي على الجانب الآخر من الخط يقول " المأمورية انتهت يا فندم دون أى صدام والمنزل  خالي الآن " فقلت له " الحمد لله ومتشكر " ولم أدخل  حجرة الصالون ولم أشاهد أحدا بعد ذلك بل غادرت منزل الرئيس وعبرت الشارع إلى مكتب " سامي " حيث وجدته جالسا هو وشعراوي ..
ومن خلال النافذة رأينا إحدى العربات تتحرك بعد فترة من الوقت وفيها ثلاثة : المشير [[عبد الحكيم عامر]] والسيد زكريا محيي الدين والسيد حسين الشافعي . ولا أدرى  ماذا كان يعتمل في صدر المشير ولكنه أصبح الآن شخصا غير الذي وصل أول الليل إلى منزل الرئيس . كان شخصا نزع عنه سلطانه وعاد إلى الشرعية بعد ليلة عصيبة ورغم أنفه .
وأترك للفريق فوزي الحديث عن تفاصيل ما قامت به قوته وهي تحاصر منزل الجيزة نقلا من كتابه " حرب الثلاث سنوات [[1967]] -[[1970]] ".... " بعد أن صدر الأمر توجهت إلى منزل الرئيس بمنشية البكرى وعلمت أن المشير قد حدد له موعد لمقابلة الرئيس [[عبد الناصر]] في الساعة 7  مساء نفس اليوم بمنزل الرئيس وأن المشير سيبقي هناك حتى انتهاء مهمتي في تطهير  المنزل ...وعندما وصلنا إلى باب المنزل الرئيسي لمنزل المشير  وجدته مقفلا بسلسلة حديدية وقفل خلف الباب كان يقف شمس بدران وعثمان نصار وعبد الحليم عبد العال وجلال هريدى وآخرون وجميعهم مسلحون بالرشاشات القصيرة  وفي أيديهم وجيوبهم قنابل يدوية وأخطرت شمس بدران فلم يذعن للأمر وفي تلك اللحظة وصل عباس رضوان وهو يقيم بمنزل قريب من منزل المشير ليسأل عليه وعندما علم بعدم وجوده بالمنزل طلب مني الانتظار فترة لحين معرف الموقف  داخل منزل المشير واصطحب معه شمس بدران بينما بقي الباقون خلف باب الحديقة الخارجي خلال النقاش صدرت بعض طلقات الرصاص من فوق سطح المنزل للإزعاج ولم يرد عليها أحد من القوة حسب أوامرى كما وصلني بلاغ عن مشاهدة دخان حريق علمت فيما بعد  أن مجموعة شمس بدران قامت بحرق وثئق وخرائط سرية تجرمها لو وقعت في يدى . ثم خرج عباش رضوان وشمس من داخل المنزل وفتحا باب الحديقة الخارجي وطلبا مني الدخول مع قائد القوة قائلين : احنا  مستعدين لتنفيذ ما تطلبه . وشاهدت ضباط شمس بدران يلقون أسلحتهم والقنابل اليدوية على الأرض . وأصدرت الأمر رقم  ( 1) من الميكروفون اليدوي طالبا  نزول جنود سريتي الشرطة العسكرية بدون أسلحة وذخيرة أولا حيث كانت لوارئ حمولة 3 طن جاهزة لركوبهم بعد تفتيشهم حيث أخذوا إلى السجن الحربي تلا ذلك صدور الأمر رقم ( 2) وهو يخص نزول الأفراد المدنيين بدون أسلحة أو ذخيرة وانتظرت تنفيذه مثل الأمر الأول ثم أصدرت بقية الأوامر على التوالي  كل أمر يأخذ وقته في التنفيذ قبل صدور الأمر الذي يليه وهكذا رحلت الضباط المتقاعدين إلى السجن الحربي وكان آخرهم شمس بدران  الذي رحل إلى سجن القلعة . ثم بدأنا في جمع الأسلحة من البدروم والدور الأول والسطوح والجرج ورحلت إلى معسكر عابدين في حملة 13 لورى سعة 3 طن واستغرقت هذه العملية طوال الليل . ثم عينت الحراسة  على منزل وعينت اثنين من العمداء للحراسة 24 ساعة على المنزل وتم تركيب تليفون خارج المنزل للإتصال . عند وصول المشير إلى  منزله تم تحديد إقامته بين أهله وأولاده تحت الحراسة الشرعية للدولة ".
هذه رواية الفريق فوزي عن مأموريته التي كلف بها في إطار العملية وقد يكون في سرد بعض المعلومات الأخرى والتي تعيها الذاكرة فيه استكمال للصورة فقد أعلن الضباط عند وصول القوة أنهم سوف يقاومون بالقوة واحتلوا أماكن داخل المنزل سبق إعددها لذلك بالاشتراك مع المدنيين المسلحين الموجودين  داخل المنزل وقام كل من شمس بدران هريدى بتوجيه  الحديث إلى أفراد القوة التي تحاصرهم بغرض استمالتهم إلى جانبهم وعدم تنفيذ الأمر الصادر باعتقالهم .
وفي أثناء التفتيش عثر على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية كما عثر على أ‘داد كثيرة من استقالة المشير عام [[1962]] وكانت معدة في مظاريف لتوزيعها كم عثر أيضا على بعض ماكينات الكتابة وآلات الطبع .
وفي حوالي الساعة السادسة صباحا يوم 26/ 8/ [[1967]] وبعد انتهاء الليلة العصيبة اتصل الرئيس تليفونيا بسامي شرف ليطمئن على الأحوال وأخبره بأنه يريد أن يحدثني وفعلا بدأت الحديث مع الرئيس . كان يسأل ليطمئن . وقال " شكرا على ما بذلته . والله كانت ليلة عصيبة . هل أفطرت ؟ " فقلت له " نعم والحمد والحمد لله " ولم نكن قد ذقنا  للأكل أو النوم طعما . ثم سأل عن المأمورية الأخرى وهل كل شئ جهز فطمأنته أن كل شئ معد..
كان يقصد ذهابي إلى جهاز المخابرات العامة واستلامي السلطات هناك.
جلسنا نعيد ترتيباتنا لهذه المأمورية الثقيلة وكان على أن أبدأ الساعة العاشرة في الذهاب إلى هناك .
تولي رئاسة المخابرات العامة
أثناء إعدادنا لعملية " جونسون " وقرارنا بأن يدخل جهاز المخابرات ضمن العملية كلفني الرئيس بأن أتولي رئاسة الجهاز بعد تصفية منزل الجيزة وكما سبق ن ذكرت فإنني طلبت من الرئيس أن يكون جمعي للمنصبين – منصب وزير الحربية ورئيس المخابرات العامة – بصفة مؤقتة بالرغم من أنه ظهر من حديث الرئيس أن ذلك لن يتم إلا بعد فترة ليست بالقصيرة .
وسبق أن ذكرت أنه في يوم 24 / 8/ [[1967]] اتفق الرئيس مع المشير لمقابلته في منزله بمنشية البكرى مساء يوم 25 / 8/ [[1967]] .
وفي اليوم نفسه أى يوم 24/8/[[1967]] اتصلت بالسيد محمود عبد السلام وهو من الضباط السابقين في القوات المسلحة نقلته إلى العمل بجهاز المخابرات العامة منذ واخر الخمسينات حينما نقلت بالجهاز نقلا ن القوات المسلحة والرجل زميل وصديق ويتمتع بمزايا كثيرة جعلتني أتصل به في ذلك اليوم لمقابلتي بالمنزل.
وقد حدثته في هذه المقابلة عن أن تغييرات هامة سوف تجرى خلال الساعات القادمة في بعض أجهزة الدولة . وأنني سأتول رئاسة جهاز المخابرات خلال الساعات القليلة القادمة وسوف أكون في الجهاز الساعة العاشرة يوم 26/8/ [[1967]] وعليه أن يكون في انتظارى لأنه سيعمل معي كمدير لمكتبي منذ لحظة وصولي .
ووافق الرجل دون أية تساؤلات أو تردد . فالثقة كاملة بيننا ... واتفقت معه قبل أن ينصرف على عدم تبادل الاتصال في السعات القادمة وحتى وصولي إلى الجهاز في الموعد المتفق عليه وأن حدث تغيير في الموعد  لظروف طارئة فإن الاتصال سوف يكون من جانبي .
وفي صباح يوم 26/8/[[1967]] وبعد الانتهاء من عملية " جونسون  - المرحلة الأولي " تأهبت للذهاب إلى المخابرات العامة وكان من رأي شعراوى وسامي أن تسبقني إلى هناك  فصيلة شرطة عسكرية تحسبا لأى مواقف مفاجئة إلا أنني استبعدت هذا الحل في الحال استبعادا كاملا إذ كيف أتولي رئاسة جهاز خدمت فيه من قبل خمس سنوات كاملة وأعرف جميع من فيه تقريبا في ظل حماية من الشرطة العسكرية ؟ هذا غير معقول وغير جائز . واخترت أن أذهب إلى الجهاز وحدى وبعربتي  الخاص ودون سائق أو مرافق .
وحين مغادرتي مكتب " سامي " اتفقت معه على الاتصال مع " السيد وجيه عبد الله " مدير مكتب السيد صلاح نصر لأخطاره بصدور أوامر الرئيس بتعييني رئيسا للجهاز وبأنني في الطريق إليه .
وفعلا كنت على الباب الخارجي الرئيسي للمبني في تمام العاشرة صباحا ولما سألني رئيس مكتب الأمن عن شخصيتي أخبرته بأنني رئيس الجهاز الجديد . وكان " وجيه " قد أعطاهم خبرا بذلك ..
فأدوا التحية الواجبة وأخذت المصعد إلى الدور الأول في طريقي إلى مكتب  رئيس  الجهاز وحدى وكنت أعرف طريقي تماما حيث كنت من مؤسسى هذا الجهاز منذ الخمسينات .
كنت أكره هذا المكتب ولا أستريح إليه . فالطريق إليه خافت الضوء . والمكتب نفسه متسع مترامي الأطراف أثاثه قائم ملحق به حجرتان أخريان . كان أشبه بالشقة الخاصة المقبضة ويزيد من كآبة المكتب  ضوؤه الخافت حتى بالنهار بحيث كان من الضروري إضاءة الأنوار ليل نهار وعلاوة على ذلك فقد شاهدت فيه بعض الأحداث والتصادمات في فترة خدمتي السابقة كنائب لرئيس الجهاز في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات تركت ترسبات في نفسي والشئ الغريب أن شعورى بالانقباض من هذا المكتب  لأزمني طوال فترة رئاستي لهذا الجهاز من 26/8/[[1967]] حتى 25/4/ [[1970]] وما زلت أذكر كيف شعرت بالراحة العميقة وأنا أخرج من الباب الرئيسي بعد أن سلمت قيادة الجهاز الخلفي بعد ثلاث سنوات بدأتها بدخولي من نفس  الباب بتلك الطريقة الغريبة .. وشعرت حينئذ أن حجرا ثقيلا أزيح عن كاهلي ونمت تلك الليلة بطولها لأول مرة منذ زمن بعيد دون أن توقظني أجراس التليفونات العديد بأخبار كلها سيئة مثيرة للأعصاب ومشاكل ثقيلة كان لابد من مواجهتها بقرارات عاجلة وفي الحال .
وتأخر محمود  عبد السلام ساعة كاملة عن الموعد ... ولكني بدأت في الحال . اتصلت بمنزل السيد صلاح نصر لأسأل عنه إذ كان مريضا أو معتكفا في منزله منذ أيام ولأبلغه أيضا بأنني توليت رئاسة الجهاز , ثم للتحدث إليه بالحديث المعتاد ف يمثل هذه المناسبات الشاذة والثقيلة إلا أن  المتحدث عن الخط الآخر وبعد ان غاب فترة من الوقت أعتذر لى بأنه نائم . فرجوته أن يخبره باتصالي  وبأن يخبره أيض أن يتصل بي في مكتب رئيس المخابرات العامة إذ صدرت التعليمات برئاستي للجهاز  وشددت عليه في ذلك وبعد أن يستيقظ مباشرة . ولكن " صلاح " لم يتصل وهي نفس عادته – رحمه الله – في عدم قدرته على المواجهة ولذلك فإنه كان نادرا ما يرد على الاتصالات التليفونية إلا إذا كانت من أفراد معينين وتبعا لحالة العلاقة بينه وبين المتحدث وليس صحيحا ما كتبه " الأخ صلاح بعد ذلك على صفحات المجلات بأنني اقتحمت جهازه . فليس في قدرة " فرد " وبمفرده أن يقتحم جهازا خطيرا كهذا الجهاز عليه الحراسات المتعددة وإلا كان في هذا التعبير – إن كان يعنيه حقيقة – تقليل من قدرة الجهاز وشأنه ثم ما حيلتي وقد قمت من جانبي بالاتصال مع الرجل لأخطره واستأذنه في مباشرة عملي الجديد إلا أن الرجل فضل ألا يتصل ويرد؟!
على أية حال لن أخوض في شئ يخصه إلا بقدر المحفظة على ارتباط الأحداث . فالرجل انتقل إلى رحمه مولاه . وللموتي قدسية يجب احترامها كما أمرنا وتعلمنا .
كانت أهم الواجبات التي لابد من تنفيذها في الساعات القادمة هي :
1- التحفظ على بعض المسئولين من تجمعت عنهم معلومات بالإساءة في التصرف للتحقيق معهم ..
2- إعطاء بعض المسئولين إجازات إجبارية حتى يسهل تصحيح المسار .
3- إجراء حركة تعيينات جديدة في الأجهزة الحساسة .
4- استمرار الجهاز في تحمل مسئولياته في الداخل والخارج في الوقت العصيب الذي تمر به البلاد ولملاقاة حالة التقصير الشديد التي كانت تنتابه .
5- عقد اجتماع عاجل مع " كبار " رجال الجهاز  للتقليل من حالة القلق الحتمية التي ستسود الجميع نتيجة للإجراءات السابقة وتوضيح الخطوط العامة الرئيسية بالاتجاهات الجديدة  لسير الجهاز وعلاقاته بالأجهزة الأخرى .
وحوالي الظهر كان محمود عبد السلام يتولي عمله الجديد كمدير لمكتب رئيس المخابرات العامة وبقي " وجيه عبد الأخرى " كمساعد له وبدأت العجلة تدور وقد كافة العمليات الثقيلة المؤسفة التي كانت الظروف تحتم اتخاذها بالرغم من المشاعر الحزينة التي كانت تسيطر على النفس فتم التحفظ على 11 من الأفراد وأعطي 7 آخرون إجازات إجبارية وأصدرت حركة التعيينات الجديدة والتي شملت تغيير عشر قيادات حساسة وقد تم ذلك كله في ساعة قليلة . وقد أطلق الرئيس على  هذه العملية بعد ذلك تعبير  " سقوط دولة المخابرات "
وبدأت الأعمال تسير ببطء وحذر. وكان هذا وضعا طبيعيا تحت الظروف الضاغطة السائدة وكانت  أهم الأحداث التي واجهتنا في الأسابيع القليلة التالية حادثتين أو واقعتين : الواقعة الأولي وهي الخاصة باستلام السيدين صلاح نصر وعباس رضوان مبلغ الستين ألف جنيه وقد سبق الحديث عنها وأحلنا الواقعة إلى مدير المخابرات الحربية الذي كان يتولي التحقيق في قضية " مؤامرة المشير للاستيلاء على القيادة الشرقية " أما الواقعة الثانية فكانت تتعلق " بالسم " الذي أعطاه صلاح نصر من قسم السموم بالمخابرات العامة إلى " المشير " والذي استخدمه في الانتحار وهذا ما سوف نتحدث عنه في الصفحات التالية .
ووسط كل هذه التعقيدات قفزت أمامنا قضيتان كبيرتان : القضية الأولي بخصوص تجمع بعض معلومات ابتدائية مذهلة عن انحرافات خطيرة كانت تتم على مدى سنوات طويلة وهي التي عرفت بعد ذلك بقضية " انحراف المخابرات " والقضية الأخرى هي التي عرفت بعد ذلك بقضية " تعذيب المخابرات والتي كان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي المجني عليه الوحيد  فيها ".
بخصوص قضية" انحراف المخابرات " نجد أن القضية أثارت موضوعا حساسا من أعمال  المخابرات وهو موضوع " استخدام وسائل السيطرة" في الجهاز وهو أحد الموضوعات التي تعتب من " الأعمال القذرة " للمخابرات في العالم , وهو عمل مشروع إذا استخدم لصالح الدولة أو لتحقيق غرض يخدم أهداف المخابرات أما إذا استخدمت " السيطرة" لتحقيق مصالح فردية فهنا يصبح هذا الاستخدام غير شرعي . وقد أشرت على الرئيس في ذلك الوقت ألا أقوم بنفسي بالتحقيق في هذا الموضوع كما كان يرى . فالمسئوليات الكبيرة في القوات المسلحة وإعدادها , والمخابرات العامة وإدارتها تحول بيني وبين هذا الواجب الإضافي . ثم العلاقات المتوترة بيني وبين " السيد صلاح نصر " من زمن طويل والتي اضطرتني  إلى تقديم استقالتي في أوائل الستينات وفشلي في إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد ذلك كل ذلك تجعل قيامي بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع الرئيس بهذه المبرراات وظل السؤال قائما ومن يقوم بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع  الرئيس بهذه المبررات وظل السؤال قائما: ومن يقوم بالتحقيق إذن ؟ ولقد وافقني الرئيس أيضا على ما اقترحته عليه من استبعاد قيم أحد كبار رجال الجهاز بهذا التحقيق ففي هذا حرج ما بعده حرج. وقد اقترحت بعد ذلك على الرئيس أن  القائم بالتحقيق الابتدائي شخص يتوفر له حسن العلاقة مع السيد صلاح نصر . واخترت السيد حلمي السعيد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للقيام بهذه المأمورية لصداقته الشديدة مع " صلاح" من جانب ولأنه ليس طرف في الموضوع  من جانب آخر .. ووافق الرئيس على ذلك وبدأ السيد حلمي السعيد في التحقيقات المذهلة والتي عرضت بعد ذلك على محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي والتي حكمت على السيد صلاح نصر بالسجن 40  سنة مع الأشغال الشاقة وهو أطول حكم سجن في تاريخ [[مصر]] وجاء في نص الحكم " ثبت للمحكمة أن المسئول الأول  عن هذا الانحراف هو  المتهم صلاح نصر رئيس المخابرات السابق الذي كان يعد – بحكم وضعه وسلطاته – المسئول الأول عن كل عمل تدخل في جهاز المخابرات بوسائل غير مشروعة كما أنه مسئول عن استغلال وظيفته وسلطاته في أغراض شخصية غير مشروعة مما نعكس أثره على سمعة الجهاز  وأضر بالأمن القومي للدولة وهو ما يعتبر خروجا على المبادئ التي قامت عليها الثورة فقد تخلي رئيس المخابرات العامة السابق عن أداء واجبة في الحفاظ على الأمن القومي للدولة وانصرف  إلى العمل على تحقيق أطماعه وشهواته الخاصة واستغل في ذلك إمكانيات جهاز المخابرات وطبيعة عمله السري لفرض سيطرته على أشخاص معينين لمآرب خاصة لا تمت للصالح العام بصلة . ثم أراد تدعيم مركزه فسعى لى إنشاء هذا الارتباط واضحا من العلاقات الشخصية التي كانت قائمة  بينهما  مما ممكن المتهم من الاستناد  إلى مركز القوة الذي كان يمثله المشير ويعتمد عليه وإخفاء الحقائق عن المسئولين. ومن المؤسف أن تصرفات صلاح نصر الشخصية وانحرافه في سلوكه قد أدت إلى  إساءة جهاز المخابرات العامة في نظر الشعب بينما الواقع أن جهاز المخابرات وجد ليحمي الشعب من أعدائه في الداخل والخارج .
أما القضية الأخرى وهي عمليت التعذيب فقد فوجئنا بأن جريدة الأهرام تثيرها فيتركيز شديد وبعناوين ضخمة وقد كان االاهتمام بها شديدا لدرجة أن رئيس التحرير نفسه السيد محمد حسنين هيكل علق عليه تعليقا مثيرا . وكان وقت إثارة القضية مقلقا بالنسبة لأى إذ كنت أعاني في تلك الفترة من دفع أفراد الجهاز إلى التفرغ إلى أعمالهم الكبيرة معيدا إليهم الثقة بأنفسهم فالمطلوب منا تحقيقه كان شاقا ومصيريا وكان الجهد مركزا على خلق الصالح  للإنتاج السليم .
وقد بدأت ألمس نتيجة هذه [[السياسة]] بنفسي وتلمسها الأجهزة التي تستفيد من عمل الجهاز إلا أن إثارة هذه القضية فجأة عادت بنا إلى أول الطريق من جديد !! وكنت أعلم تمام العلم أن القضية لا أساس لها من الصحة وإلا كنت أثرتها بنفسي ولا أتستر عليها, وحدثني الرئيس في ضرورة إحالة الموضوع إلى التحقيق بواسطة النيابة العامة  وصارحته بما يجول في خطرى وبالظروف المستحيلة التي أشق وسطها طريقي في وزارة الحربية وجهاز المخابرات إلا أن الرئيس أصر على إحال القضية كلها إلى التحقيق .
وفعلا حققت النيابة العامة مع المسئولين وأحالت أربعة منهم إلى محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي إلا أن المحكمة أصدرت حكمها ببراءة الجميع مما أسند إليهم وقررت في أسباب الحكم أن الدكتور الشرقاوي لم يتعرض إلى أى نوع من أنواع التعذيب . ولكن كان علينا – لكي يتفرغ الجميع إلى عملهم – بذل جهود مضاعفة إذ من المستحيل على مثل هذه الأجهزة الدقيقة الحساسة أن تعمل في ظل عدم الثقة أو في ظل القلقلة المستمرة .
وفي الأيام القليلة التالية لبداية عملي بهذا الجهاز تم الآتي :
1- في اجتماع مع رئيس نيابة أمن الدولة في ذلك الوقت اتفقت معه على ترحيل كافة المتهمين الموضوعين تحت التحفظ في المخابرات العامة على ذمة قضايا خاصة بها وذكرت له أن الجهاز لا يريد هؤلاء فإن كانت النيابة ما زالت تطلبهم لسبب أو آخر فعليها ترحيل هؤلاء إلى أى مكان تره وقد تم ذلك فعلا ولم يتحفظ في الجهاز بعد ذلك ولمدة ثلاث سنوات قضيتها رئيسا له على أى فرد إلا السيد عثمان أحمد عثمان حينما رأت النيابة التحفظ عليه على ذمة إحدى قضايا الجاسوسية ولكن أفرج عنه بعد 24 ساعة من القبض عليه وحينما ظهر  للنيابة براءته مما كان منسوبا إليه .
2- أعدنا النظر في كل الموضوعين على قوائم الممنوعين من السفر أو الدخول بواسطة المخابرات العامة ورفعناهم جميعا من القوائم وقد حرصت على مقابلة الجميع أو من يتيسر وجوده منهم بنفس وأفهمتهم الأسباب التي وضعوا في  القوائم من أجلها منبها عليهم بتلافي ذلك ولم يوضع فرد واحد بعد  ذلك على القوائم بواسطة المخابرات العامة طوال فترة رئاستي لها .
3- أصدرنا التعليمات التفصيلية والسرية لوضع الحدود التي تتم في إطارها " الأعمال القذرة " للمخابرات العامة مثل عمليات " السيطرة وتزوير الجوازات أو الوثائق أو الصور أو تزييف العمل أو السموم والتي قررت إقفال القسم الخاص بها واتبعت هذه التعليمات بمنتهي الدقة .
4- أصدرت التعليمات بعدم قيام الجهاز بأية تحقيقات من أى نوع وأن تحال كافة هذه التحقيقات إلى النيابة لإجرائها ولم يتم تحقيق بواسطة الجهاز إلا في قضية واحدة عرفت بعد ذلك " بقضة كسيماتس "  كانت  خاصة بالتلاعب في إحدي شركات القطاع العام وعرضت توصيات الجهاز بخصوصها على اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي والتي وافقت على التوصيات والسبب في هذا الإجراء أن اثنين ممن ثبتت مسئوليتهما في القضية كانا شقيقين لعضوين في اللجنة التنفيذية العليا .
5- تم تركيز سلطة الضبطية القضائية في يد رئيس الجهاز ولم تستخدم هذه السلطة إطلاقا طول رئاستي لا بواسطتي ولا بواسطة أى فرد من الأفراد رغم أن هذه السلطة كانت مخولة لنا بواسطة قانون المخابرات العامة والقوانين المعدلة له .
6- وضع نظام دقيق للمصاريف السرية وطريقة المحاسبة لإنفاقها بواسطة الجهات المختلفة دخل الجهاز ولنا هنا وقفة :
أ‌- طلب [[عبد الناصر]] – بعد النكسة  - من كافة الأجهزة التي تحت يدها مصاريف خاصة أو سرية تقديم حسابات شهرية عن إنفاقها.
ب‌- حينما اعترض حد رؤساء الهيئات داخل جهاز المخابرات العامة على نظام المحاسبة استبدلته بغيره في الحال حتى يكون مثلا لغيره .
ت‌- شكلت لجنة فنية لمراجعة حسابات الجهاز في الظروف المؤسفة لأحداث " 15  [[مايو]] [[1971]] " وكتبت اللجنة في تقريرها عن المراجعة " إن النظم المعمول به في جهاز المخابرات العامة مثل يجب أن يحتذى في كل الأجهزة التي يوجد تحت يدها مثل هذه ال[[مصر]]وفات فهو نظام يتميز بالدقة  والوضوح " وتظهر أهمية هذا التقرير من ظروف كتابته إذ كنت أتنقل في ذلك الوقت من سجن إلى  آخر من سجون الرئيس السادات وكان المطلوب طبعا من اللجنة أن تكيل الاتهامات لمن أصبح وراء القضبان .
ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يتفرغ الجهاز للقيام بأعماله الخطيرة في ظل عودة الثقة إلى أعضائه وفي ظل التعليمات الواضحة التي حددت الاطار السليم لتحركاته مما بدأ ينعكس على أعماله الداخلية والخارجية على حد سواء .
ماذا حدث في الأسابيع التالية لليلة العصيبة ؟
وحتى نكمل الصورة لما دث بعد تلك الليلة وما تلاها من تطوران خطيرة وجدتني في حيرة حقيقية عن الطريقة الموضوعية لاتمام ذلك ... فقد شركت بنفسي في بعض هذه الأحداث كما شارك غيري فيها بمقدار جهده وبمقدار مسئوليته عن حدوثها ويمكن ن يكون ذلك المنبع الرئيسي الذي أخذ منه معلوماتي ولكن قد يكون هذا الإجراء غير محيد في نظر البعض .
ثم أمامي عشرات المراجع التي كتبها البعض ليعرض الحقيقة واعترف أن هؤلاء قلة وهناك أيضا عشرات المراجع التي كتبها البعض بحثا عن الحقيقة واعترف أن هؤلاء نادرون وبالرغم من ذلك فقد تعد مثل هذه المراجع رافدا آخر يضاف إلى المنبع الأصلي  للمشاركين في الأحداث ولكن قد لا يبعث ذلك الطمأنينة الكاملة في نفوس البعض .
ثم أمامي بعد ذلك مئات من المراجع والمقالات التي استبعدتها من فورى إذا إنها كتبت لا ذكراا للحقيقة ولا بحثا عنها ولكن كانت الكتابة بقصد تشويهها وإضاعة معالمها لدوافع متباينة .
فبعض الكتاب جرى وراء المال ومصادره كثيرة مغرية خاصة وأن هذه المصادر لا تدقق في صحة ما ينشر فكل همها الإثارة كحافز للبيع وجمع الريح في سوق النشر الغريب , والبعض لبس ثوب المؤرخ ولكنه بدلا من أن ينقل من صفحات الواقع أخذ يكتب من الخيال فيخلق قصصا لم تحدث وبدون أوهاما ويحاول أن يقنع القارئ على أنها حقيقة والبعض الآخر – بدافع الحقد والكراهية وتصفية الحساب – حول قلمه إلى فأس وشمر عن ساعده وخذ يضرب ويحطم في جبال الحقيقة الشامخة ولكنه اكتشف بعد فترة أنه لم يخدش إلا السطح وفأسه قد تكسرت في يده والناس يمرون عليه وهم ينظرون إليه في أسف وازدراء ...!
أما هذه البدائل الصعبة اخترت مصدرا واحدا يقص علينا الحقيقة . هذا المصدر هو كتيب  صغير أسود الغلاف كتبه " المستشار محمد عبد السلام " اسمه " سنوت عصيبة – ذكريات نائب  عم " والسبب في هذا الاختيار يرجع إلى عوامل كثيرة موضوعية :
1- فهو صادر أولا عن دار الشروق . وهي دار وهبت نفسها لدوافع معروفة لتشويه صورة [[عبد الناصر]] وعهده ولذلك فهي لا يمكن ن تكون دارا تروج لشئ إلا هدم [[عبد الناصر]] وأعماله والتشكيك  فيه .
2- ثم صدر الكتاب عام 1975 وهي السنة التي شاهدت تصاعد الهجمات على [[عبد الناصر]] من قمة الإدارة الحاكمة إلى صحافتها إلى مؤسساتها ومعني ذلك أن ما ينشر وسط هذا المناخ لابد وأن يكون مسايرا له . 
3- ثم مؤلف الكتاب مستشار من رجال العدالة . ثم هو نائب عام في فترة الأحداث التي صمنها كتابه ثم ان هو المحققق في تلك الأحداث التي تلت " الليلة العصيبة " ثم يبدو من كتاباته نه لم يكن مقتنعا بالعهد الذي خدم فيه العدالة في أخطر مناصبها فرسم الغلاف نفسه يدل على ذلك إذ يصور  " خنجرا " مصوبا إلى كتاب ضخم ربما يرمز إلى الدستور والدماء تسيل بغزارة .. يعني يريد أن يقول أن " العدالة كانت تذبح" ثم وللتدليل أمث على ما نقول نجده يكتب في مقدمة كتابه ويوقع علي ما كتب النص الآتي وهو يوضح للقارئ كيف كان معتذرا عن قبول منصب النائب العام حينما عرض عليه في [[أغسطس]] 1963 " كنت أدرك  وأفهم المصاعب  والمخاطر التي تصادف النائب العام في الظروف العادية فما بالك بالظروف الاستثنائية التي كانت بلادنا تم بها  في سنة 1963 وكنت أدرك كذلم أن هذه المصاعب قد تتصاعد إلى درجة الخطر عند التعامل مع حكام لميكن بعضهم قد ني  بعد صفته العسكرية وكان من العسير  عليهم فهم معني العدالة وقداسها أو إدراك المبدأ , البسيط والصحيح دائما وفي كل الظروف  والذي يحصل  في العبارة الخالدة  : العدل أساس الملك..." إزاء عقيدته تلك فإن قوله في سرد الأحداث لا يمكن أن يتهم  بالتحيز لنظام هذه شهادته عنه .
4-   ثم نجد أن الرجل تقديرا منه لخطورة  الأحداث التي سيتولي تحقيقها بعد الليلة العصيبة يتخذ من الإجراءات التي تجعل " التحقيق مجردا من أى رأى مسبق رغما عن أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أن المشير عامر مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة " الأكونتين " فحرص النائب العام أن يتولي " بنفسه التحقيق " بل وينبه على معاونيه من أعضاء النيابة أن يلتزموا في تحقيقاتهم أقصي ما يطالب به المحقق النزيه من الحيدة وعدم التأثر بفكرة معينة وإفساح المجال لإثبات أى أقوال تبدى مهما تكن خطورتها لتكون بعد ذلك محلا للفحص والاستنباط واستخلاص النتائج الصحيحة منها " ويستطرد قائلا  " رايت أن أسأل – انطلاقا من هذه الاعتبارات – الفريق أول محمد فوزي والمرحوم الفريق عبد المنعم رياض وغيرهما من الضباط والأطباء ومن الناحية المضادة سؤال أسرة المشير الذين اتهموا السلطات الحاكمة بقتله وقد رأيت أن أسأل أفراد الأسرة في منزلهم حتى يكون التحقيق بعيدا عن أى مظهر من مظاهر السلطان أو أى مظنة من مظان الإرهاب وطلبت لنفس الاعتبارات من ضباط المباحث العامة وغيرهم من رجال الشرطة الذين صاحبوني في الطريق أن يبقوا بعيدا عن المنزل مسافة تزيد عن المائة متر "... ثم يقول " ولما كان كل من أسرة المشير يبدى استعداده للتوقيع على أقواله بعد تسجيلها فكنت أصر على ألا يوقع إلا بعد أن يطالع ما أ ثبت على لسنه " إذن فالرجل  اتخذ كل حيطة يمكن لمحقق أن يتخذها  لكي يكون تحقيقه عادلا لا شبهة  عليه .
فاعتمادن على هذا المصدر إذن لابد وأن يهدئ من الشكوك التي كان يمكن أن تثار لو أننا لجأنا إلى البدائل الأخرى التي سبق ان ذكرها أو هكذا اعتقد . فماذا قال الرجل ف يكتابه من حقائق ؟
الحقيقة الأولي
أستدعي المشير في منزله يوم 25/6/[[1967]] إلى منزل رئيس الجمهورية حيث أفهم أن النية اتجهت إلى تحديد محل إقامته فحاول الانتحار بمادة سامة وأسعف بالعلاج وأعيد إلى منزله وقد أيقن أن حريته قد تتعرض في وقت ما لمزيد من القيود فظلت فكرة الانتحر مسيطرة عليه وهيأ نفسه لتنفيذها إذا ما وصل الأمر إلى تقييد حريته بدرجة تفوق قوة تحمله .
الحقيقة الثانية :
في يوم الأربعاء 13 / 9 / [[1967]] أصدر رئيس الجمهورية أمرا بنقل المشير عامر من منزله إلى استراحة أعدت بالمريوطية في منطقة الهرم ليقيم فيها منفردا تحت الحراسة تمهيدا للتحقيق معه في شأن ما أسند إليه وقد نقل وزي الحربية هذا الأمر إلى الفريق أول محمد فوزي لتنفيذه فقام ومعه الفريق عبد المنعم رياض والعميد  سعد عبد الكريم وعدد من الضباط والجنود ووصلوا إلى منزل المشير الساعة الثانية والنصف بعد ظهر اليوم وانضم إليهم قائد الحرس المحل العميد  محمد سعيد الماحي . وقابل العميدان سعد والماحي المشير في غرفة الاستقبال وأخطراه بأمر رئيس الجمهورية فأبي تنفيذه . ودخل الفريق رياض ليحاول بنفسه إقناعه ولكنه أصر على الرفض وغافل الحاضرين وتناول بقصد الانتحار مادة  الأكونتين السامة ممزوجة بقطعة من لأفيون وورقة من السلوفن للتخفيف من آلام التسمم وعندئذ شوهد بلوك في فمه مادة أدرك الفريق رياض والسيدة نجيبة كريمة المشير على الفور أنها مادة سامة وأنه تناولها بقصد الانتحار ونقل المشير إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادى وكان يلوك أثناء الطريق تلك المادة وقبل بعد  إلحاح شددي من الفريق رياض إخراجها ولفظ ما في فمه في الرائد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية والذي كان يرافقه في الربة وكانت عبارة عن ثلاث ورقات سلمها الرائد عصمت إلى المستشفي عند وصوله وقد أجريت له الإسعافات اللازمة هناك واصر الفريق أول فوزى إلى نقله إلى استراحة المريوطية بعد هذه الإسعافات .
االحقيقة الثالثة
وصل المشير إلى المريوطية الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 13/9/[[1967]] وترك هناك تحت رعاية النقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين الذي ظل يتردد عليه طول الليل ولاحظ أنه يشكو من سعال وقئ فأعطاع عقاقير مهدئة وبعض الإسعافات وفي الساعة العاشرة صباح يوم 14 / 9/ [[1967]] تسلم الرائد طبيب إبراهيم البطاطا نوبته في الرعاية الطبية ولاحظ توالي القئ وأصيب المشير بحالة هبوط لم يتمكن بسببها من تناول طعام الغذاء فاضطر الطبيب إلى تغذيته عن طريق الحقن في الوريد بمحلول الجلوكوز وفي السادسة مساء دخل المشير إلى دورة المياه وكان يتقيأ ثم عاد إلى فراشه ولكنه  مات في حضور الطبيب الساعة 6,35 مساء .
الحقيقة الرابعة
ولت النيابة التحقيق قبيل منتصف الليل بواسطة النائب العام وفحص الجثة ظاهريا بحضور وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل عام المصلحة ..ووجد أسفل جدار البطن من الناحية اليسرى قطعة مستطيلة من روق لاصق يخفي شريطا معدنيا يحتوى  على ثلاث فجوات بكل منها مسحوق من مادة ثبت من التقرير الطبي الشرعي والتحليل أنها مادة الأكونتين السامة وأن المشير توفي بسبب تناول هذه المادة ممزوجة بالأفيون منذ محاولة نقله من منزله في الساعة 2و30 بعد ظهر الأربعاء 13 / 9/ [[1967]] .
وتحدث عن تقرير الطب الشرعي الذي أورد أن سم الأكونتين مخبأ وهو ممتزج بالأفيون على جسد المشير وأن ما تناوله مغافلا الحراس في منزله كان  من هذه المادة وأن الشريط اللاصق الذي يخفي مادة الأكونتين السامة والمخبأ في وضع دقيق من جسم  المشير وقد تكرر نزعه وتثبيته بما يصلح تفسيرا لمحاولة الانتحار كثر من مرة , وأن استمرار أعراض القئ يومي 13 , 14 يحتمل معه أن تكون وفاة المشير قد حدثت نتيجة تسمم من مادة الأكونتين التي تناولها في منزله بالأفيون يوم 13 وهي مدة يمكن أن يكون أثرها فوريا أو يتراخي إلى أكثر من 18 ساعة وأن هناك احتمال أن يكون المشير قد استبطأ مفعول السم فتعجل النهاية وأخذ قدرا آخر منه عندما دخل دورة المياه يوم 14 قبيل وفاته . ثم ربط التقرير بعض ما أثبته فحص أوراق السلوفان التي لفظها المشير في السيارة من احتوائها على أجزاء مفضضة لامعة بها آثار مضغ وبين ما هو ثابت من وجود مسحوق الأوكنتين معبأ في جزء من شريط معدني مفضض لامع ومخبأ على جسم المشير بورق لاصق مستخلصا من ذلك أن المشير تناول في منزله قدر من مادة الأكونتين الموضوعة في الشريط المعدني المفضض مع احتمال أن يكون هذا القدر وحده هو الذي تسبب في حدوث الوفاة واحتمال أن ما عجل بها هو القدر الآخر الذي أخذه في الاستراحة .
الحقيقة الخامسة
أما عن مصدر المادة السامة فقد ثبت أن المشير حصل عليها من إدارة المخابرات إذ أن السيد صلاح نصر استلم في 10 / 4/ [[1967]] ستمائة ملليجرام من مادة الأكونتين السامة معبأة بمقادير متساوية في ست فجوات من المعدة أصلا لوضع حبات الريالتين في الأوراق المعدنية الخاصة واعترف السيد صلاح نصر باستلامه مادة سامة وضعها في مكتبه وظلت فيه  بحالتها إلى أن مرض يوم 13 / 7 وانتقل من مكتبه يوم 23/ 7  إلى إحدى لاستراحات حتى أعفي من منصبه يوم 26 / 8/ [[1967]] دون أن يدرى شيئا عن مصير المادة التي تركها في مكتبه وقد ضبط بإدارة المخابرات العامة باقي المادة ومعها ورقات معدنية من المعدة لوضع حبات الريالتين وثبت من التقرير الشرعي والصور الشمسية أن إحدى هذه الورقات تكمل الورقة المضبوطة على جثمان المشير وبها مادة الأكونتين وبذا تحقق أن المشير حصل على المادة السامة التي انتحر بها من إدارة المخابرات .
الحقيقة السادسة
نفت أسرة المشير في أقوالها انتحاره إلا أن النائب العام يرد على ذلك بأن هذه الشبهات فوق أنها مردودة بما سبقت الإشارة إليه من أدلة قاطعة بوقوع الحادث انتحارا فإنه لا تعدو أن تكون ظنونا ليس من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تصورتها ابنتا المشير إذ الواضح أن أقوالهما صدرت عن عاطفة الأبوة من جهة وبفعل الصدمة التي تعرضتا لها بوفاة والدهما في ظروف أليمة من جهة أخرى . ولا جدال في أن المشير مات منتحرا ولا جدال في أن ابنتيه كانتا على غير حق في تصوير الحادث على أنه فعل عمد.
الحقيقة السابعة
وأخيرا يقرر النائب العام أن المشير هو اذلي تناول بنفسه وبمحض إرادته المادة السامة التي أدت إلى موته ولا جدال في أن المشير مات منتحرا .
وفي موضع من الكتاب يقول قولا يختتم به هذه الأحداث . من وقت أن بدأ التحقيق إلى ما بعد انتهائه بزمن طويل وحتى كتابة هذه الذكريات والتساؤل يلاحفني في كل مجلس يضمني مع آخرين ويأتي فيه ذكر الحادث – هل انتحر المشير حقا ؟ وكثيرا ما كان التساؤل يرد في لهجة استنكارية مفعمة بالشك بل كان البعض يؤكد أنه قتل رميا بالرصاص على الرغم من الماديات التي قطعت بأن جسده كان خاليا من أية آثار للمقاومة أو العنف أو الإصابات الظاهرة أو الباطنة وعلى الرغم من أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أنه مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة الأكونتين .
الليلة العصيبة في الميزان
لا شك أن يومي 25 ,26 [[أغسطس]] [[1967]] من الأيام الخطيرة التي مرت بها [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] 1952 فما تم فيهما وما تلاها من أحداث كانت منحنيا حقيقيا في مسار الثورة خاصة وهي تمر بأقسي الاختبارات والتحديات التي واجهتها بعد النكسة إذ أصبحت من جديد في مواجهة أقسي أنواع الاحتلال والضغوط الاستعمارية الكبيرة .
فقد تم فيها حسم استمرار خروج القيادة العسكرية على الشرعية وإصرارها على ذلك بحيث أصبحت بروزا لابد من إزالته . ولقد بذلت محاولات كثيرة قبل هذه الأحداث لتقويم ما أعوج من أمور ولكن فشلت كل هذه المحاولات رغما عن أن الذي قام بها هم " رجال الحرس القديم" من رجال مجلس الثورة ولا شك في أن هؤلاء يتحملون مسئولية ليست بالقليلة في عدم حسم الأمور قبل أن تتفاقم بالصورة التي وصلت إليها ومن الشعور بالرهبة الذي حس به البعض منهم – مثل كمال حسين والبغدادي -  في رفضهما أن يحلا حل المشي في قيادة القوات المسلحة حينما عرض عليهما الرئيس ذلك.
ويبدو أن الأمر لم يكن ينظر إليه إطلاقا في ضوء إنعكاسه على الأمن القومي للبلاد بدليل أن استقالات بعض أعضاء مجلس الثورة كانت لأسباب أخرى غير هذا السبب . ثم الصراع الذي كان يحتم بين هؤلاء – سواء كان صراعا أفقيا أو رأسيا – كان يجعل القائد السياسي دائما في موقف  حرج يعيد فيه حساباته  دائما وربما لا يصل إلى قرار حاسم وسط الانقسامات الموجودة طول الوقت وقد أخبرني السيد أنور السادات مرارا وفي مناسبات عديدة " الله  يساعد المعلم معانا . إحنا وحشين أوى يا أمين " لو أن الجهود ركزت منذ وقت مبكر على حسم موضوع القيادة السياسية مع القيادة العسكرية لما تطورت الأمور إلى الحالة التي وصلت إليها والدليل على ذلك أنه لم يكن من الصعب إقناع  " القيادة السياسية " بعد النكسة بضرورة الحسم رغما عن أن الظروف كانت شائكة وخطيرة فحينما كانت الأمور ميسرة سهلة في ظل اختفاء الصراعات في ذلك الوقت كان القرار بالتالي واضحا وقاطعا رغم خطورة الأقدام على حسم الوضع في مثل الظروف التي سبق شرحها وفي وسط الانقسام الذي كان يهدد وحدة القوات المسلحة.
2-  ولقد أراد الرئيس [[عبد الناصر]] استغلال النجاح الذي  تحقق في ليلة 25 و 26 [[أغسطس]] وفي يوم 26 [[أغسطس]] [[1967]] بأن يكون وزير الحربية وهو ممثل السلطة السياسية مشرفا حقيقيا على المؤسسة العسكرية لأن في تحقيق ذلك تأكيد لمبدأ خضوع القيادة العسكرية للقيادة السياسية الأمر الذي لا تستقيم الأمور إلا بحدوثه . هذا الموقف جعلني بعد محاولات كثيرة سابقة أتقدم باقتراحي في هذا المجال أحدد فيه الإطار السليم الذي  يحقق ذلك.
فكان االاقتراح المقدم مني للرئيس في مذكرة كتابية في أوائل [[أكتوبر]] [[1967]] يحدد الهدف من تنظيم العمل في الأجهزة العليا لوزارة الحربية ليكون الآتي .
أ‌- تكوين جهاز  متناسق يعمل في يسر وسهولة لرفع كفاءة وتجهيز القوات المسلحة في زمن السلم ونجاح قيادتها في وقت الحرب .
ب‌- إيجاد الضمان الكافي للرقابة الفعلية تبعا لما يحدده الدستور على القوات المسلحة ليضمن الشعب دائما أن قواته قادرة على الدفاع عن أمانيه مع أتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان السرية .
ت‌- إمكانية تنسيق المجهود المدني اللازم لمواجهة احتياجات  المجهود الحربي .
ث‌- إدارة القوات العسكرية المتيسرة  واللازمة لمساندة سياستنا الخارجية بأقل التكاليف الممكنة .
ج‌- واستمرت المذكرة تقول " وفي رأيي فإنه لم يكن لدينا وزارة للحربية طوال السنوات الماضية  بالمعني الحقيقي التي توجد عليه في سائر الدول مم انعكست آثاره على المراحل الأولية الحالية لإنشاء هذه الوزارة ولابد من الحزم الكامل لإدخال كافة الأجهزة التابعة للوزارة ضمن إطارها لتعمل جميعا تحت رئاسة واحدة مع تحديد الاختصاصات والمسئوليات واسلوب العمل " ووزير الحربية " شأنه شأن أى وزير آخر في أى وزارة أخرى مسئول عن سياسة وزارته مسئولية كاملة حددها الدستور وبقدر هذه المسئولية يجب أن يعطي السلطة الكاملة لتنفيذ سياسة الدولة في هذا القطاع وإلا فإن لأجهزة تصبح مسيرة له حسب ما هو قائم لا أن يكون هو الذي يوجه هذه الأجهزة كما ينبغي أن يكون ولذلك فإن وزير الحربية يعتبر المستشار  الأول  لرئيس الجمهورية في شئون الدفاع عن البلاد والمتحدث الرسمي باسم الحكومة عن كل ما يتعلق بسياسة البلاد الدفاعية يساعده في ذلك نخبة ممتازة من الأفراد القادرين وبوجه عام فإن مسئولية وزير الدفاع يجب ان تنحصر في التأكد – بصفة مستمرة – كفاءة القوات المسلحة للدفاع  عن البلاد وتبعا لسياسة تعبر عن سياسة الدولة كذا فإن من واجباته تعبئة كافة الجهود المتيسرة في الجمهورية لتحقيق ذلك . ولتنفيذ الواجب الأول فإن [[السياسة]] العامة للدفاع عن البلاد يجب أن تناقش  وترسم داخل " مجلس الدفاع الوطني " ولتحقيق الواجب الثاني فإن الأمر يقتضي إنشاء " مجلس احتياجات الدفاع الوطني " أما القائد لعام للقوت المسلحة فمتروك له قيادة  قواته وإعدادها للقتال وأن  يكون مسئولا مسئولية مباشرة أمام وزير الدفاع .. ومن الطبيعي فإن تشكيل جهاز قادر لوزير الحربية يقوم بأداء هذه الواجبات أمر يرحض الأفكار التي تناد بتوحيد أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة مع أجهزة الوزارة لأن طبيعة الأعمال في كليهما مختلفة إلى حد كبير في مستواها ونوعها علاوة على أن استمرار الوضع على ما هو عليه سوف ينتهي بالأمور لكي تصبح أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة  هي الموجهة للوزير وليس العكس لفقداته مقومات التوجيه بانعدام  أجهزة تدرس وتخطط وتقيم "
ولكن الرئيس – لأسباب رآها – لم يحسم الموقف لفترة  طويلة الأمر الذي جعلني أكف عن العمل في وزارة الحربية ثلاثة أشهر كاملة حتى يبت في هذه الأمور الخطيرة عارضا في نفس الوقت تركي العمل بالوزارة إذا رأي الرئيس خلاف ذلك – وحسما للموقف المتأزم عرضت توحيد منصبي وزير الحربية والقائد العام بصفة مؤقتة وتم تركي وزارة الحربية على هذا الأساس .
ويعتبر هذا الحل استغلالا محدودا للنجاح الذي تحقق في ليلة 25 /26 [[أغسطس]] [[1967]] إذ كان  الضامن الوحيد لنجاح هذا الوضع في تلافي العيوب السابقة أن الرئيس أشرف بنفسه على كل تفاصيل القوات المسلحة. ولكن الحل الأمثل هو وجود وزير حربية ممثلا للقيادة السياسية على قمة  المؤسسة العسكرية يقع على كتفيه كل من المسئولية البرلمانية والوزارية في توجيه قدرات البلاد المتاحة لخلق قدرة عسكرية رادعة للعدوان أو قادرة على الانتصار في معركة أجبرت على خوضها إن فصل منصب الوزير  عن القائد العام أمر تحتمه الدروس القاسية الماضية حتى تتوفر الرقابة السياسية بصفة مستمرة على القوات المسلحة ...
ولذلك فإن استغلال النجاح كن محدودا حتى بعد حسم موضوع خروج القوات المسلحة على الشرعية القائمة في ذلك الوقت وفي تقديرى فإن هذا الموضوع حتى في أيامنا هذه يحتاج إلى معالجة واعية لأن وزير الدفع إذا تولي أيضا القيادة العامة للقوات المسلح يصبح مسئولا أمام نفسه فلا رقابة على تصرفاته أمام أى جهة من الجهات الأمر  الذي يصبح فيه أمن البلاد موكولا لتقدير شخصي وهو أمر يبعث على القلق وسط أجواء مشحونة بالعدون تفتت فيه سلطات المنظمات الدولية واصبح اختراق الحدود وضم الأراضي سمة من سمات الصراع الإقليمي
4- ثم كانت تلك الليلة فاصلا – وبحق- بين ما كان يتم قبله وبين ما تم بعدها . وإذ سدت الشرعية بعد القضاء  على الوضع الشاذ الذي اكتسبته القيادة العسكرية والذي تعقد بمرور الزمن حتى أمكن القضاء  عليه بهذا الجهد والذي كانت المخابرات العامة  - بعد أن تورطت في أعمل ليست من مسئوليتها ولا هي داخل  العلاقات الطبيعية لعملها – تؤيدها فيه تأييدا مطلقا . وانصرفت الجهود بعد ذلك لتنفيذ سياسة مغايرة في ظل بقاء المبادئ الثابتة للثورة .
أ‌- فانصرفت الجهود إلى إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لتحرير الأرض .
ب‌-   وركزت المخابرات العامة جهودها – بعد إعادة تنظيمها – على تحقيق واجباتها سواء من ناحية الحصول على المعلومات عن العدو أو منع العدو من الحصول  على معلومات عنا أو القيام بأعمال إيجابية عديدة مما جعل الرئيس يقول دائم " إن المخابرات تخترق  إسرائيل في كل مكان ط
ت‌- صدور بيان 30 مارس .
ث‌- الانتخابات تتم من القاعدة إلى القمة في وحدات الاتحاد الاشتراكي أو الجماعات النقابية و مجلس الأمة .
ج‌- وضع مبادئ جديدة لتصفية الحراسات وهي المبادئ التي جمعت في قانون رفع الحراسات والذي صدر عام [[1971]] بنصها وقطعنا شوطا طويلا في ذلك بحيث لم يكن هناك إلا 128 حالة موضوعة تحت الحراسة عند وفاة الرئيس .
ح‌- العمل على زيادة الإنتاج في مجالاته المختلفة .
إذن فكانت هذه الليلة بمثابة مولد أسلوب جديد يحاول تصحيح الأخطاء التي حدثت في  التطبيق من قبل ولكن في ظل نفس المبادئ التي حددها الميثاق .
وكان [[عبد الناصر]] في تلك الفترة يحاول دفع بعض الوجوه الجديد إلى مراكز الصدارة والتي أطلق عليها  البعض – عن جهالة – لفظ " مركز القوى " بعد حركة [[مايو]] [[1971]] وأنا شخصيا أرحب بإطلاق هذا اللفظ على هؤلاء الأفراد الذين كنت أحدهم ولكن على أساس التفسير الحقيقي لهذا اللفظ  والذي كتب عنه في جريدة الأهالي قائلا  الرئيس في النظام الديمقراطي يتخذ قراره بعد حوار يجرى بين " مراكز قوي " مؤيد وأخر معارضة كل منها يريد أن يفرض رأيه باستخدام  الوسائل المتاحة : المؤسسات الموجودة, لجان تقصي  الحقائق استفتاءات الرأي  العام , الانتخابات , وسائل الإعلام المختلفةو وبذلك يصبح صاحب القرار هو احد مراكز القوى وليس مركز القوة الوحيد وهناك فارق ضخم  بين الوضعين  فالدولة  دولة الجميع والبلد بلد الجميع وهذه الملكية الجماعية تحتم  أن يكون أمنها من مسئولية جميع ساكنيها لن هذا المجموع هو الذي سيتحمل أوزار القرار الخاطئ ونتائجه و وهو الذي سيجني ثمار القرار الصائب وعوائده وسوف تظل الديمقراطية رافعة أعلامها طالما ظل الحوار مستمرا بين مراكز القوى التي  يشكل  صاحب القرار إحداها أما إذا أما إذا نجح  صاحبالقرار فيأنيصبح هومركز القوة الوحيدفإنالحوار سوف يتغير إلى صراع "
كان عبدالناصر بعد الليلة العصيبة يريد خلق حوار بين مراكزقوى متعددة هوإحداهاعلى طريقة  الديالوج" أما السادات بعد أحداث 15 [[مايو]] فكان يريد للحوار أن يتم بواسطة مركز قوة  واحد  على طريقة "المونولوج" ولا نريد أن ندخل في الأسباب التى دعت إلى تغير شكل وأسلوب الحوار لأن هذا سوف ينقلنا إلى الحديث عن أحداث 15[[مايو]] [[1971]]وهوحديث يجعل الإنسان يسير على الشوك إذ أنه حديث عن " الرفاق" يدمي القلب, ويلجم اللسان ....
5- ثم كانت تلكالليلةهي البداية الحقيقية لحركة [[مايو]] [[1971]] والتي قام بها الرئيس السادات .. ولعل في هذا القول جدة ولكنه حقيقة لاشك فيها . فمن تصرفات القدر أن " عامر" سقط من كشف المنافسين ولم يكن السادات أو غيره من المنتظرين يحلم بالرئاسة إطلاقا في حالة بقائه . إنني لا أقصد ولو للحظة  واحدة أن السادات خطط لذلك أو عمل له فأنا أتحدث عن القدر  وتصرفاته ... ثم استمر القدر في لعبته  وإذا بالسيد زكريا محي الدين يتنحى ولم يبق في حلبة السباق إلا السيدان حسين الشافعي وأنور السادات .وسرعان ما وجه القدر ضربته الثالثة والحاسمة حينما قام الرئيس [[عبد الناصر]] بتعيين السادات نائب اللرئيس. فأصبح بذلك قاب قوسين أو  أدني من " كرسي السلطان "!!! وبهذه المناسبة فإن الأخبار التي كتبها البعض عن نية [[عبد الناصر]] في التغيير هي أقرب إلى الأحلام منها إلى  الحقيقة فبقدر علمي فإن [[عبد الناصر]] وإلى  يوم وفاته لم يشر إلى احتمال تغييره للسيد أنور السادات .
كان هذا استطردا ضروريا حتى يمكن تفسير ما نقصده فالسيد أنور السادات- بعد وفاة الرئيس –وفي اجتماع فيقصر القبة فجريوم30/9/ [[1970]] حضره معه كل من شعراوي جمعة  وسامي شرف وأمين هويدى ولميكنالرئيسالراحل قد ووري التراب بعد – عرض عليه الاقتراحات الآتية بخصوص نقل السلطة:
أ‌- يرشح سيادته لمنصب رئيس الجمهورية .
ب‌-   يعرض الترشيح على اللجنة التنفيذية العليا يوم السبت 3/10/[[1970]] المركزية يوم الاثنين5/10/[[1970]]
ت‌- دعوة مجلس الأمة لإجتماع غير عادى صباح الأربعاء 7/10/[[1970]]
ث‌- يجرى الاستفتاء يوم الخميس 15/10/[[1970]]
ج‌- إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم يجتمع مجلس الأمة  يوم السبت 17/10/[[1970]]ليؤدي الرئيس اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 104 من الدستور.
ولم يكنالرئيس السادات مصدقا ما يقال وكان ذلك ظاهرا على ملامح وجهه إلا أنه تظاهر بالرفض وهويقول " يا جماعة هذا مش وقته.لنيتم شغل منصب رئيس الجمهوريةإلا  بعدإزالة آثارالعدوان ,وسأتولى بالنيابة إلى حينذلك" ولكنه إزاء إعادة العرض عليه مرارا  سأل كل واحد منا عن رأيه في  حضور الآخرين .فوافق الجميع على حتمية شغل المنصب وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق  من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا " وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق  من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا"على بركةالله " وأخذ يتمتم  بشفتيه كما كان يفعل دائما متظاهرا بأنه يردد ما تيسر من كتاب الله .
ولقد ذكرت ذلك بالتفصيل في فصل" الوداع الأخير " من هذا الكتاب والذي نشر ووزع هنا في [[القاهرة]] عام [[1980]] في حياة السادات وقبل مقتله في حادث المنصة إذ قلت بالنص " ووسطالاستقالات العديدة  وسحبها والرجوع عنها – وكنت أقصد إستقالةالسيد محمد حسنين هيكل والدكتور  فوزى – والبيانات  الحماسية  والخطابات التي ترد عليها  -وكنت أقصد كما وضحت في الكتاب بيان عزيزصدقي  ورد البغدادي عليه – والمذكرات الكتابية  وتجاهلها لم تعدم البلاد بعضمن عملوا  في صمت والتزام حتى تسير الأمورفي  مجراها الطبيعي  الدستورى ولا يقلل من ذلك الجهد الذي  بذله في تلكالفترة ما قيل عنهم بعد ذلك وهم في السجون أثناء محاكمتهم بتهمة غليظة هي الخيانة العظمي أو الاشتراك  فيها " وفي مكان  آخر قلت"  وفيفجر هذا  اليوم كنا مع السيد أنور السادات في قصر القبة  حيث كان يمضي الليلة هناك... ثم أكملنا حديثنا بخصوص نقل السلطة وإعمالالدستور وتحديد تواريخ الخطوات  اللازمة لذلك "
هذا حقيقة ما حدث بالضبط .وليس صحيحا ما قاله الرئيس السادات من  أن الرئيسمحمد جعفر النميري كان له دخل في الموضوع لأنه – كما يتضح فيجزء آخر من الكتاب – لم يرد أن يتدخل في هذه الموضوعات وما كان له أنيتدخل والتزم الرجل بهذا الموقف حتى استقل طائرته عائدا إلىالخرطوم.
ولم ينس الرئيس السادات أبدأ هذه الليلة خاصةبعد أن "تولي " بلأسقطها من كل كتاباته بأقواله عن ذاته وهي كثيرة تملأ مجلدات ضخمة.
ولكنه لمينس في نفس الوقت "الليلة العصيبة" فإن الذي قام بها هم الثلاثة " شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى"  تحت قيادة [[عبد الناصر]] .وخشي الرجل أن تتكرر. وما كان له  أن يخاف أويخشي فإن  ماتم في تلك الليلة كان في إطار الشرعية ولتثبيت دعائمها .وحينما لم ينس أتخذ جانب الحذر أولا ثم اتخذ طريق الإزاحة بعد أن ثبتت أقدامه وتوطدت .والدليل على أنه  لم ينس أبدا هذه الليلة أنه أسقط ذكرأسماء هؤلاء الثلاثة  في كتاباته وأحاديثه عن ذاته وهي كثيرة تملأ المجلدات  ضخمة كما سبق القول.
وهذا لا ينفي أن الرئيس السادات لعب  لعبته بمهارة وذكاء في غفلة من الآخرين الذين ألهتهمالشكليات الزائلة . وانغمسوا في منافسات لا معني لها .وأظنهم لا يفيقوا إلا بعد فترةكما علمت وسمعت ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان.وكان الرجل حذرا طول الوقت – وهذا حقه – ولكن لم يكن حذره هذا على أساس ,ولم يكن شكه على حق لأن الجميع كانوا خاضعين مطيعين ولم يكونوا يضمرون شرا.\ لكن الرجل – كما قال – كان قد قرأ كتاب "الأمير لنقولا ميكيا فيلي "واستوعبه وطبق ما جاء فيه وهو يمارس لعبة السلطة التي لا ترحم .
فكان لابد – من وجهة نظره -  أن يتخلص ممن ساعدوه وكانت هذه عادته  ... حتى من ساعدوه في حركة [[مايو]] [[1971]] تخلص منهم أيضا وبسرعة:الزيات بعد أن رفعه إلى درجة نائب رئيس وزراء ,محمد حسنين هيكل مهندس حركة [[مايو]] ومصممها الفريق محمد صادق وزير حربيته الذي قال عنه إنه سيبقي في منصبه مدى الحياة, محمد الليثي ناصف الذي سقط من شرفة عالية في لندن وهو يعالج من مرض عضال , ممدوح سالم بوضعه في منصب لا يقبله الكثيرون له ولا يحبه له عارفوه .
فكما سبق وأزاح "جماعة [[مايو]]... بفرع جميز – على رأى محمد حسنين هيكل – فإنه أزاح " جماعة التصحيح  " بنفسالفرع أو ربما بغيره ولكن بفارق واضح : إذ يبدو أن جماعة [[مايو]] كانت تقلقه للدرجة التي كان لابد من محاكمتها فنالت بذلك أوسمة لا تستحقها , أما الآخرون فيبدو أنهم لم يكونواعلى نفس  الدرجة من الأهمية فكان من حظهم  إجراءات أقل شأنا : ليس هذا رأيي ولكن قد يكون هذا تصوره.
أكررأن الرجل كان يسير على قاعدة التخلص ممن ساعدوه فما ثلاثة  ساعدوا ثم  اشتركوا في الليلة العصيبة ؟
6- ثم كانت الليلة العصيبة حركة تصحيح جادةلمسارالثورة كانت  ضد نائب رئيس الجمهورية  وقائد عام القوات المسلحة رفع راية العصيان ضدالشرعية القائمة,ورفض  تركه للقوات المسلحة بعد أن دمرها ودمرالبلاد معها ثم  نجده وقد اعتصم في منزله تحت حراسة مدنيةوعسكرية وجمع حوله زملاؤه وأعوانه في صورة  خارجة عن القانون وكانت  هناك قضية . القضية هي  أن السلطة الشرعية فقدت قدرتها على فرض  قراراتها  ولميكن في  استطاعتها تنفيذ  أوامرها بعد أن  وصلتالأوضاع إلى ما وصلت إليه واستشري الوضع إلى أجهزة أخرى مثل المخابرات العامة  الأمر الذي كان يمكن معه أن تمتد الفتنة  إلى أجهزةأخرى .
ولذلك فإن الليلة العصيبة كانت معركةحقيقية  بين الشرعية والعصيان..والأمر يزداد خطورة حينما يحدث هذا العصيان والعدو  يحتل الأرض فهو  بذلك يحول دون المواجهة الحتمية مع العدو الإسرائيلي  والطريق لإتمام ذلك طويل بالصعاب ,ولا يمكن مواجهة هذا الموقف مواجهة ناجحة في ظل جبهة داخلية مفتتة منقسمة تعجز الشرعية فيها عن  مواجهة الخطر الخارجي .
وكان الأمر بذلك  يختلف كلية عما حدث بعد ذل  بأربع سنوات فيما  سمى بحركة [[مايو]] ...ثم بثورة [[مايو]] ...!!! كان هناك خلاف في الرأي وليس حالة عصيان , ثم كان الجميع في منازلهم يعدون استقالاتهم وترك الأدوات التي كان يمكن أن يستخدموها في إحداث الانقلاب المزعوم لأن من يريد أن يحدث  انقلابا لا ينزع أسلحته أولا ثم يقوم بمعركته ثانيا.وعلاوة على ذلك  فإن أحدا لم يعتصم معترضا على قرار صدر من السلطة القائمة. فقد ظل الجميع  في منازلهم بعد أن تركوا  كل شئ حتى تم القبض عليهم ...وما لثبت حركة القبض والتصفية أن اتسعت لتشمل كل من عمل مع [[عبد الناصر]]  تقريبا وكان من ضمن هؤلاء أشخاص –مثلي –تركوا السلطة وبما فيها  بمحض اختيارهم من شهور ولا يدرون  عما  يحدث أى شئ .وعقب القبض  قدم الجميع إلى محكمة خاصة حيث  حوكموا محاكمة تمت في الظلام علما بأن محاكمة من قبض عليهم عام[[1967]] تمت علانية.
كان عبد  الناصر  نفسه هوالذي  وضع في قفص الاتهام لتلطخ  صورته  وتهتز مبادؤه حتى يمكن تنفيذ الخطوات التالية :
ولنا أننتساءل بالأسئلة الآتية عن أحداث أو حركة أو ثورة [[مايو]]هذه : ضد من قامت هذه الثورة؟ولصالح من ؟ وبمن ؟ كانت الأحداث مهزلة حقيقية لعب فيها أبطالها والكومبارس معهم أدوراهم بمهارة . انظر مثلا إلى اثنين من أعضاء مجلس الأمة هما مصطفي كامل  مراد  ومحمد شاهين وهما يرددان في فخر بأنهما عادا إلى منزليهما  في تلك الليلة ليتسلحا بمسدساتهما ظ!! حتى لو كانوا يضمرونشيئا فأني لهذا المسدسات أن تقف  وتقاوم وحدات كاملة  قيل وأشيع أنها أداة للإنقلاب المزعوم ؟!! تمثيلية كبرى لم تكن لتتم إلا في تلك الظروف المؤسفة .
ونقطة أخرى لا بأس من ذكرها . فقد تمت الليلةالعصيبة في ظل المبادئ التيكانت سائدة  قبلها والتي ظلت سائدة بعدها وحتى وفاة [[عبد الناصر]]  كانت الليلة وما تم فيها تقصد وبحق إعادة الشرعية مع ثبات المبادئ التي سجلت في الدستور والميثاق وطبقت فعلا في كافة المجالات ...ولميحدث انحراف عنهما.أما حركة [[مايو]] [[1971]] فإنها كانت تهدف – قبل كل شئ – إلى تغيير المبادئ القائمة بأخرى لم تكن تدور بخلد أحد تحتتغيير بعض الأشخاص بغيرهم ... أشخاص كانوا قد تخلوا  عن مقاعدهم  فعلا ولكن  لم يكونوا هم المستهدفون بقدر ما كانت المبادئ  التي خلفها [[عبد الناصر]] .يعني وبوضوح كان الغرض الحقيقي  من 15 [[مايو]][[1971]] هو الانقضاض على مبادئ [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] 1952 نفسها وكان الغرض الظاهرى " فرم " بعض أشخاص تخلوا فعلا عن السلطة  والدليل على ذلك – إن كان الأمر ما زال يحتاج إلى دليل – الهجوم الضاري المباشر على [[عبد الناصر]] على لسان  رئيس الدولة وفي مؤسساته وعلى صفحات صحفه الرسمية وعلى شاشات التليفزيون ومن ميكروفونات الإذاعة ثم تحريم ذكر "الميثاق " بل التهكم على ما ورد فيه من مبادئ عظيمة ثم بعد ذلك تم الانعطاف الخطير والتحول المثير في [[السياسة]] الخارجية والداخلية وفي نفس الوقت ظل النظام الجديد أو الثورة المضادة  الجديد تردد أناشيد [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] وتلعنها ,وتعزف ألحانها المجيدة  وتطعنها ,وتتمسح في ذيلها وتنفض عليها كانت الليلة العصيبة هي " ليلة التصحيح " الحقيقية ولكن ما حدث  في [[مايو]] [[1971]] كان وبحق انقلابا مضادا على [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] بكل المقاييس والمعاني .
ثم لم يكن هناك – بعد  انتهاء الليلة العصيبة – ضجة إعلامية ولا صخب مفتعل انتهت الليلة دون توزيع المكاسب والأنفال وانصرف كل إلى حال سبيله .ولم يؤرخ لها ولم  تصبح علامة  شهيرة يقف الجميع عندها أو حتى يذكرها كان يكتفي في ذلك الوقت باحتفال ذكرى الثورة الوحيدة الثورة الأم  التي صححت نفسها بنفسها وسارت بعد ذلك في طريقها لا تلوىعلى شئ ذلك لأن إعمالا كثيرة خالدة قامت بها الثورة تلك الليلة كانت أعمالا عظيمة وخطيرة تنتظر الرجال بعدها . ولا يمكن أن يتم العمل الناجح  والتطبيل الصاخب في وقت واحد. كانت الثورة الأم غنية بما حققت من انتصارات ولكنها وفي نفس الوقت تئن تحت وطأة ما حدث لها من هزيمة في نفس الوقت .
أما حركة [[مايو]] فقد صحبها طبل وزمر,واحتاروا في تسميتها سميت أول الأمر "حركة "!!! ثم بعد ذلك  وفي خجل واضح اطلق عليها  البعض  " ثورة "!!! ولكن ما لبثالجميع أن رفع برقع الحياء تنكرللثورة الأم ويريد أن يحقق انتصارا حتى ولو كان ذلك في معارك وهمية .
وبهذه المناسبة تحضرني قصة سمعتها وأنا سفير لبلادى في  العراق في أوائل ا الستينات .
كان عبد الكريم قاسم الذي انفرد بحكم العراق عقب ثورة  يوليو[[1958]] يكره [[عبد الناصر]] من أعماقه للدرجة  التي لم يكن يطيق معها ذكر اسمه  على لسانه , كان من ضمن ما يقض مضجعه من أعمال [[عبد الناصر]] تأميم قناة  السويس وكان لا يشفي غليل الرجل إلا أن يقوم بعمل عظيم ينافس به [[عبد الناصر]] ولكن العراق لم يكن به قناة  كقناة السويس . فماذا  يفعل قاسم ؟ لم يتردد  طويلا أمام  حل نزل عليه من السماء .وأمر بحفر قناة على المحيط الخارجي لبغداد أسماها " قناة الجيش " وكان يذهب كل يوم ليرى قناته التي حفرها .وكان  شعب العراق كله يتندر على الرئيس الحقود بقوله "إنه حفر القناة وسوف يعلن عن تأميمها في إحدى خطبه كما أمم [[عبد الناصر]] قناة السويس "...!!
ولكن لم ترك [[عبد الناصر]] الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه ؟
وهو سؤال واجب وصعب. فلابد أنه فرض نفسه علينا جميعا ونحن نستعيد هذه الأحداث وأحب أن أبدأ أولا بنص ما قاله [[عبد الناصر]] أمام مجلس الأمة فينوفمبر 1968... قال" حصل أنه اكتشفت انحرافات في جهاز المخابرات وحينما اكتشفت ما سبتهاش .. اللي اشتركوا في هذه الانحرافات اعتقلوا وتعرضوا للتحقيق وقدموا للمحاكمة أمام محكمة  الثورة.فيه  ناس  بيلقوا لوم هذه الانحرافات على النظام  أنا بدى أقول أن الانحرافات بتحصل في كثير من  أجزاء العالم المهم إننا نلحق نفسنا ونبتر هذه الانحرافات . الانحرافات التي حصلت في هذا الجهاز تعرفوها  أو يمكن سمعتم عنها ... أكثرها انحرافات رخيصة ومش ده المجال الحقيقة أني أنا أتكلم فيه .حصلت في كثير من أجزاء العالم أمثلة مشابهة .برضه جات لى جوابات إزاى إنت ما كنتش تعرف وإزاى الريس ما كانش يعرف باللي جارى  وبهذه الانحرافات . أنا بأقول النهارده  فرصة أني أنا أرد على هذه التساؤلات ويمكن إنتم بينكم وبين بعض أنه تم هذه التساؤلات ... إذا كانت الانحرافات حصلت في المخابرات ...إذا كانت المخابرات هي على المفروض إنها تقول لى على الانحرافات اللي بتحصل في البلد.. ما كنشي ناقص إلا أني أنا أعمل مخابرات  على المخابرات وأعمل  مخابرات على رقابة جهاز المخابرات وهكذا ..ولا تنتهي  .يمكن أنا أقول اللي حصل  برضه  كان نتيجة الاتجاه  نحومراكز القوة  والاتجاه نحو  خلق مجموعة تستطيع أنها في المستقبل تحكم ونسيت نفسها فانحرفت وما وصلتش قبل ما توصل إلى هدفها اللي هو الحكم وجدت أ،ه سهل الانحراف فانرحفت .. أنا بأقول بصراحة أني أنا كنت أري بعض مظاهر الانحراف قبل 5 [[يونيو]] ولكن لم أكن أتصور مداه .. حاولت بكل ما أستطيع,نجحت أحيانا ولم أر الحقيقة كلها في أحيان أخرى ... وأنا فعلا كنت أشفق على البلد من  تكتلات القوى ومراكز القوى وكان  حديثي دائما أما انتخابات الرئاسة وبعد كدةوعندكم هنا مرة جيت قلت لكم ..هل نعمل حزب  أوحزبين أو لا  ؟ ووضعت لكم مجموعة من الأسئلة وكان حديثس عن الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية الآن ده  كان السبيل الوحيد إن احنا نغطي على الانحرافات .هو أنا من تجربتي الماضية الناس بتخاف من إثارة أى شئ إما في مجلس الأمة أو في الصحف  ولكن بعد كده  مابيهمهاش إن الشخص منحرف والناس تتهامس مبيهمش طالما الموضوع لم ينشر .. لم يفتح في مجلس الأمة أوفي الجرايد خلاص . ولهذا أنا أيضا مرة أتكلمت معاكم هنا على أساس إن إحنا في حاجة إلى مجتمع مفتوح لكن طبعا بتوع المخابرات كانت وسائل الإخفاء كانت مباحة بالنسبة لدولة المخابرات اللي وجدت واللي انحرفت .أنا باعتبار إن هذه الدولة سقطت وإن هذا السقوط مسألة في منتهي الأهمية وأنا أعتبرها من أهم الجوانب السلبية اللي تخلصنا منها في سبيل تطهير الحياة العام في [[مصر]]."
وذكر أيضا في إحدى جلسات مباحثاته مع الملك حسين ملك الأردن وهو يعدد أسباب النكسة بعض الأسباب تقتطف منها ما يخص الإجابة على السؤال الذي طرحناه قال " القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية شعرت بثقة في نفسها وفي قدراتها بأكثر من الواقع وصلت أحيانا إلى حد التبجح  كما انها اعتمدت في اختياراتها للمراكز الرئيسية على عامل الولاء أكثر من الكفاءة والخبرة العسكرية فمثلا كان واضحا من معارك وممارسات عسكرية سابقة أن قائد الطيران ليس على مستوى الكفاءة المطلوبة لتلك القيادة ورغم ذلك تمسكت به"
تم ذكر في احدى جلسات مجلس الوزراء بعد النكسة مباشرة ردا على ما أثاره السيد حسين الشافعي من أن [[السياسة]] قبل النكسة اهتمت بموضوع "الأمن " أكثر من اللازم من أنه "لولا ذلك ما استمرت هذه  الثورة حتى الآن وسط الظروف الصعبة التي أحاطتها منذ قيامها وحتى الآن "
وهي مضمون هذه اللقطات يمكن أن نلخص الآتي كإجابة للسؤال الحساس على لسان الرئيس [[عبد الناصر]] إذ يرجع لأسباب إلى الآتي :
1- غيابالديمقراطية والدعوة إلى المجتمع المفتوح .
2- القيود على حرية الصحافة
3- الاختيار تبعا للولاء أكثر  من الكفاءة والخبرة العسكرية في تعيينات القوات المسلحة.
4- انحراف أهم جهاز منأجهزة الرقابة وهو الرقابة العامة .
5- الأمن .
كل هذه الأسباب يمكن أن تكون كلها أو بعضها سببا في وصول الأمورإلى ما وصلت  إليه ولكن بصراحة فإنها لا تجيب  إجابة شافية على الموضوع المثار وفي رأيي أن الوضع كله يمكن أن يتم  بحق في إطارالتوازن  بين  الأمن القومي والتأمين الذاتي وقد سبق أن تعرضت إلى هذا الموضوع الحساس في العديد من كتبيومقالاتي إذ أنه من أكثر المواضيع خطورة بالنسبة لأى من نظم الحكم في دول العالم الثالث .
ولابد أولا من تحديد المفاهيم حتى يكون  هناك وحدة فكرية ونحن نعالج هذا الموضوع ,فالأمن القومي هو الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية وهذا التعريف يتضمن الآتي :-
1- تشمل الإجراءات كافة المجالات في الدولة فمسائل الاقتصاد والدبلوماسية والدفاع والأمن كل لا يتجزأ .
2- أن تكون هذه الإجراءات في طاقة الدولة إذ أن الآمال الطموحة التي تتجاوز الإمكانيات المتاحة تؤدى إلى التهلكة .
3- التخطيط  للحاضر والمستقبل القريب والبعيد
4- مراعاة المتغيرات الدولية التي  تحتاج إلى إعادة التقييم بين وقت وآخر ومطابقة الإجراءات مع المتغيرات الحاضرة والمنتظرة . أما التأمين فهو الإجراءات التي يتخذها أى نظام من الأنظمة لتركيز وضعه وتثبيته ضد أية محاولات داخلية أو خارجية.
ومن الطبيعي فإن أى نظام من أنظمة الحكم يهتم بالموضوعين :الأمن والتامين بالمفهوم الذي شرحناه .ولعل التأمين يكون ذا أسبقية خاصة فيبداية التغيير . إذ أن أى ثورة لابد وأن تمر بما  يسمي" بفترة الاختبار" أو" فترةعجم العود" سواء من أعدائها في  الداخل أو الخارج فالجهود تركز إما على إسقاطها لصالح الأنظمةالمضادة  أو على احتوائها بمحاولة تطويقها ووضع العراقيل في طريقها أو  ربما باختراقها حتى في حلقاتها الداخلية .ومن هنا كان اهتمام الثورة بالتأمين عند قيامها ولفترة  طويلة تالية.
ولعلنا جميعا نذكرالشهورالأولي بعد قيام الثورة. فالبريطانيون يحتلون قناة السويس  وعلى بعدلا يتعدى مائة كيلو متر  من العاصمة والولايات المتحدة تعمل جاهدة لإحتواء الثورة  قبل أن تتعمق جذورها  وتنطلق رياح التغيير الحقيقية مهددة الأنظمة المجاورة التي تسيطر عن طريقها على المنطقة وإسرائيل  لم يمض على قيامها سوى أربع سنوات ولكنها تتربص بالنظام الجديد الذي تعلم قطعا قرب تصادمها معه . وفي الداخل وقفت الأحزاب القديمة التي أسقطتها الثورة  في صف واحد مع الرجعية وراس المال المستغل والاقطاع تتحرش بالثورة وتتحداها .والطليعة الثورية  نفسها خرجت من بين صفوف الجيش  لتلتحم من أول دقيقة مع القاعدة الشعبية لتقوض النظام القائم هذه الطليعة التي تتكاثر عليها القوى الضاغطة من أكثرمن اتجاه لا يمكنها أن تقدم شيئا من المكاسب للجماهير التي طال انتظارها  فالإمكانيات محدودة والرؤية غير واضحة وتنفيذ الإصلاحات
يستغرق وقتا ربما يطول للإفتقار  إلى الخبرة .. فمن يدرى  - مع كل هذه العوامل  المتضافرة – أن ضربة ستوجه في الظلام لتقضي على الثورة وهي ما زالت وليدة تتعثر في سيرها؟ ومن يدرى أن وسيلة هؤلاء المتربصين سوف تكون من الجيش الذي خرجت منه الطلائع الثورية صباح يوم 23 يوليو 1952 ؟ ويزداد الأمر خطورة أمام السلطة القائمة لأنها تعرف أكثر من غيرها وربما لأنها هي المستهدفة وربما لأن الأطراف المضادة تضغط على أعصابها  بأخبار ملونة حتى تتعثر الجهود وتتشتت .
وسط هذه الظروف لمتكن الثورة مخطئة حين نظرت إلى تأمين نفسها ولم يكن لها من سند إلا الجيش والتأييد الشعبي . ولكن بينما كان الجيش منظما فإن الجماهير تحتاج إلى تنظيم ولذلك فإنها وضعت عبد الحكيم  عامر على رأس الجيش بقصد تأمينه بهدفين :ضمان تأييد الجيش  للثورة ومنه اختراقه  بواسطة العناصر المضادة ثم تحت ضغط الظروف غير المنظورة يمكن استخدام التصدي لأى خطر داخلي أو خارجي يهدد بقاء الثورة  أو استمرارها .
ولكن لماذا [[عبد الحكيم عامر]]بالذات ؟ كان"عامر"من ضباط الجيش المعروفينتتلمذ عليه كثيرون من الضباط خصوصا هؤلاء الذين يحاولونالالتحاق بكلية أركان الحرب عن طريق إجتياز اختبارات صعبة تحتاج إلى مساعدة .وكان"عامر "على  اتصال بالكثيرين الذين كانوا يلجأون إليه لتحقيق ذلك. ثم كان الرجل ولا شك خدوما له علاقاته الإنسانية , متواضعا ,محبوبا  ليس فيه تزمت الضباط من ذوى الرتب الرفيعة.ثم كان " عامر " عضوا في مجلس الثورة . ثم – وهذا هو الأهم – كان الرجل صديقا ل[[عبد الناصر]] وقريبا إلى قلبه وموضع ثقته ثم كان في نفس الوقت على علاقة بالرئيس [[محمد نجيب]] الذي تصدر الثورة  وقت قيامها ولحين حدوث الانشقاق في صفوفها في حركة مارس [[1954]] . كانت فيه كل المزايا التي  ترشحه للقيام  بالواجب المنوط به لتأمين الثورة.
ومما يذكر عن اهتمام [[عبد الناصر]] بالتأمين في ذلك الوقت أنه كان يتولي رئاسة أركان الحرب أحد الضباط وهو الفريق محمد إبراهيم. وكان الرجل سريع الغضب , كثير الانفعال,ينفر منه الضباط  الصغار بتهجماته التي لا تنقطع  وقد أزعجت كراهية الضباط لرئيس أركان الحرب أحد  الضباط القريبيين من [[عبد الناصر]] فذهب إليه منزعجا  وأخبر [[عبد الناصر]] بما  يقلقه .ولدهشة الزميل نظر إليه [[عبد الناصر]] وهو يبتسم ابتسامته الواثقة وقال  له في اختصار " طيب وإحنا عاوزينهم يحبوه ليه ؟" والمعني واضح  تماما لما ذهب  إليه [[عبد الناصر]] .


ووسط هذه المواقف الصعبة كانت البلاد تتعرض لمؤامرات خارجية وداخلية وبصفة مستمرة كل هدفها إسقاط النظام وكان هناك أكثر من عشر محطات إذاعة سرية توجه إليه ليل نهار وكانت الضغوط الاقتصادية التي ارتفعت إلى حد الحصار الاقتصادي تلتف حول عنقه في كل وقت . ثم كانت  الحروب التي تفرض عليه حينما تفشل الوسائل الأخرى في إسقاطه تتابع بين وقت وآخر .
ومما زاد من أهمية التأمين أن بعض التيارات المعاكسة كانت تظهر بين الوقت والآخر في صفوف الضباط وبالرغم من أن هذه التيارات طبيعية لابد من حدوثها في فترات الانتقال إلا أنها كانت تترك آثارها العميقة من الشك والقلق مما كان ينعكس بدوره على زيادة الاهتمام بالتأمين....


وكان المفروض على [[عبد الناصر]] كما يقول اللوامون أن يقابل السيئة بالحسنة حتى يمحوها وهم لا يدرون أن الأنبياء العزل لا مكان لهم في غابة [[السياسة]] . ثم كان [[عبد الناصر]] كما قلنا ونحن نتحدث عن مفاتيح شخصيته إنسانا وليس نبيا أو ملاكا ....  
ثمزاد من هذه المشاعر القلقة ما تعرضت له  الثورة من ضغوط خارجية وصلت إلى قمتها بالعدوان المسلح فاشتبكت الثورة في معارك التحرير في القناة قبل تحقيق اتفاقية الجلاء ثم لم يمر عامان إلا وكانت جيوش ثلاث دول تهاجمها فيما سمي بالعدوان  الثلاثي وكان القصد إسقاط النظام  الذي أصبح بسبب المتاعب السياسية الاستعمارية  في المنطقة ويثير الخوف في إسرائيل . كانت كلاب الصيد تلاحق الثورة وتطلب رأسها.
بعد العدوان الثلاثي كان لابد من وقفة .إذكانت خمسة أعوام كاملةقد مرت على قيام الثورةفهي فترة كافية لتحديد المفاهيم  وهذا درس هام إذ أن الاستمرار على نفس الأسلوب دون تغييرلابد وأن يسبب التآكل والانحدار .لأن الظروف تغيرت ف[[مصر]] كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها وعادت إليها قناتها.الثورة بدورها ف[[مصر]] كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها,وعادت إليها قناتها ,والثورة بدورها عرفت طريقها وازدادت خبرتها ,والتفت جماهير الشعب حولها عن قناعة .ثم إذا كانت الأحوال  قد وصلت إلى ما وصلت إليه من  تغيير فإن المخاطر الخارجية لابد وأن تتزايد وتتعاظم كل هذه المتغيرات كانت تحتاج إلى وقفة عاقلة كما سبق القول ... وأهم ما يمكن التفكير فيه  في تلك الوقفة هو بناء الجيش على أسس سليمة وتحديد موقع الجيش من الثورة ..أى تحديد مركز القيادة العسكرية وعلاقتها بالقيادة السياسية حتى لا تستفحل الأمور وتتعقد وتصبح عسيرة الحل.
1- فكان لابدمنتحديدمفهوم التأمين على أسس متغيرة تماما عما عليه المفهوم من قبل فالتأمين لا يتم عن طريق التساهل في تطبيق المفاهيم المتعارف عليها. فليس معنى التأمين التمادى في تلبية احتياجات الأفراد ومتطلباتهم وليس هو  كسب الحب والولاء على حساب الضبط والربط وليس هو  تعيين الأفراد مع التغاضي عن خبرتهم وكفاءتهم أبدا ليس هذا هو المفهوم الحقيقي للتأمين ,وأعود فأكرر أنه إن كانت الأمور قد اقتضت في الأيام الأولي  للثورة تفسير التأمين بهذه التفسيرات الخاطئة المدمرة فإن استمرار ذلك إلى ما بعد العدوان الثلاثي كان إجراء بعيدا عن الحكمة ..|
مفهوم التأمين كما حاولت أن أطبقه وأنا وزير الحربية  بعد  النكسة كان يحمل اتجاهات أخرى مغايرة..وضع الرجل المناسب في المكان المناسب إبعاد الجيش عن التيارات السياسية المتناقضة, التفرغ للتدريب ورفع مستوى كفاءة الوحدات ,التسليح الجيد , تفرغ  الأفراد تفرغا كاملا لواجباتهم الأساسية تلبية مطالب الجيش واحتياجات الأفراد التربية المعنوية,تفهم الظروف السياسية الداخلية  والخارجية  بعمق كامل ووعي عميق حتى يؤمن الأفراد بقضية يدافعون عنها .
2- ثم كان لابد أن تنقل الثورة إلى مرحلة "الأمن القومي " بعد تطوير مفاهيم " التأمين الذاتي " ومجرد الانتقال إلى بناء عناصر الأمن القوميفيه بالتالي تحقيق للتأمين الذاتي وليس  الأمن القومي مرتبطا فقط بتوفير المعدات والأسلحة الجيدة ولكنه – وكما سبق أن شرحنا – أوسع وأشمل من ذلك بكثير. فعلاوة على الاهتمام بنواحي الأمن المتعددة فإن الاهتمام بالرجال الذين يمسكون السلاح والذين يقفون خلف المعدات هو الشئ الحيوى الهام . فالنكسة لم تحدث أبدا  كما يقال نتيجة لقلة العتاد والأسلحة , أولعدم وفرة القوات أو لتخفيض الميزانية ,أو لخطئ ارتكبته القيادة السياسية.إنسبب النكسة الرئيسي كان فيعدم صلاحية وأهلية القيادات الموجودة بأفرادها الذين كانوا قد تخلفوا عن التطورات التي تحدث من حولهم والذين  تركزت اهتماماتهم فيالنواحي الشخصية وإن كان ذلك علي حساب واجبهم الأساسي إن مجرد التحديد  الواضح لمفهوم الأمن  القومي كان سيحدد المفاهيم الأخري للجزئيات تحديدا سليما واضحا . إذ  أن  تحديد مفاهيم الأساسيات هو الأصل في تحديد الفرعيات .
3- كان لابد  من تغيير القيادات التي استمرت  فترة معقولة  في أماكنها فكان هذا التغيير يعني أيضا  تغيير المفاهيم السائدة والتي استمرت كما هي رغما عن المتغيرات الكثيرة والخطيرة التي كانت تحدث  وإن كان التغيير شيئا  أساسيا ومطلوبا باستمرار فإنه أكثر أهمية في  القوات المسلحة خاصة في القيادات العليا .فإسرائيل مثلا تحتم  تغيير قياداتها كل ثلاث سنوات يمكن أن تمتد  إلى أربع . لأن هذا التغيير يجعل الدماء الجديدة تتدفق في قنوات القوات المسلحة .أما أن يمكث [[عبد الحكيم عامر]]15 عاما في مكانه ومعه ضباطه الكبار من قادة الأسلحة فأمر لا تعرفه المؤسسات العسكرية .إن هذا يغرس فينفس القائد العسكرى الشعور بأن قيادته  أصبحت وقفا عليه ثم تتضخم الأمور أما نظره لكي يصبح مجرد التفكير في التغيير معناه عدوان على شخصه ومساس بحقوقه والأخطر من ذلك فإن هذا الشعور ينتقل  بالتالي إلى أفراد قيادته وتصبح القيادة تعيش في ظل هذا التفكير الخاطئ اهتمامها بالبقاء أكثر من اهتمامها بالعطاء .. إن هذه الرغبة في البقاء في حد ذاتها تخل الموازين عند الاختيار .فتخبوموازين الكفاءة والصلاحية أمام اعتبارات الولاء .ومن عادة الكفاءة أن  تتوارى أمام الجهالة لأن الغث من الشئ  هو الذي يطفو دائما  على السطح وكما يقال فإنه " لا يبقي على المداود إلا شر البقر"
إن تحديد مدة التغيير وفتراته يجعل القائد يهتم أولا وآخرا بعمل شئ  جديد يكون بمثابة  بصمات يتركها لمن يخلفوه وهذا في حد  ذاته يجعله أكثر اهتماما باختيار القادرين على الإبداع من ذوي الكفاءة والخبرة فالمدة محدودة بزمن  معين ,والواجب واضح لابد من تنفيذه وإلا فسيف التغيير موجود جاهز للبتر ,والمنافسة قائمة  بين  قيادات صالحة دؤوبة كل يريد أن يتميز على غيره ولا يرضي التخلف في السباق الدائر.
4- ثم كان لابد من تحديد العلاقة الواضحة  بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وبين القائد السياسي والقائد العسكرى حتى لا يطوف خاطر "الازدواجية "  في بعض النفوس .وأقصد بذلك"ازدواجية " الرئاسة" ونحن نعرف أن المركب تغرق لو تولي قيادتها ربانان. هنا ربان واحد للسفينة وكل من يخرج عن طاعته فهو خارج عن الشرعية وهذا أمر خطير لا يجوز السماح به كما كان من الواجب أن تخضع تلك  القيادة العسكرية إلى الرقابة والمساءلة بتحديد العلاقة بين الوزير والقائد  العام  وبين هؤلاء  وبين الاطار العامل لدولة فالكل أفراد في الفرقة الموسيقية وهناك" مايسترو " واحد ينظم الإيقاع حتى تكون هناك  أنغام متناسقة وقد سبق لنا تحديد العلاقة بين القيادتين ولا داعي للتكرار .
5- وكان لابد  من إيقاف عملية استنزاف القيادات الصالحة خارج  القوات المسلحة وأحب هنا أن  أقرر حقيقة واقعة أن تطعيم القطاع المدني بتلك القيادات كان في أغلب الأحيان تدعيم للقطاع المدني ورفع مستواه في مواقع كثيرة حساسة وهو أمر  معمول به في كافة دول العالم. ولكن أن يتم ذلك لدواعي التأمين أو أن  يتم ذلك على حساب القدرة القتالية للقوات المسلحة فهذا أمر خطير .وكم من قيادات مرموقة وكفاءات نادرة تركت مواقعها في القوات المسلحة بينما كانت الآمال معلقة عليها والأنظار متجهة لها ....وللتاريخ فإن هؤلاء أدوا خدمات جليلة في مواقعهم الجديدة ما كان يمكن لغيرهم أن يؤديها بعكس ما قيل ويقال.
لوأن هذا تم في عام [[1956]] لكانت الأمور غير الأمور .وهناك سؤال ملح :هل كان من الممكن أن يتم ذلك في سهولة ويسر ؟ والإجابة – دون تردد- بالإيجاب فكان النقاء الثورى ما زال موجودا ,والطاعة ما زالت مقدسة ,والتطلعات كامنة , الحدود معروفة , الخروج على الشرعية مستحيل ,والعلاقات الشخصية سائدة وباقية , ويبقي السؤال قائما : إذا كان كل ذلك متوفرا فلم تحدث الوقفة ؟ ولم لم يحدث التغيير ؟ولم لم يحدث التحديد ؟
أعود فأكرر أن السبب كان يرجع إلى تغليب عامل " التأمين الذاتي" على عامل "الأمن القومي" ثم إلى المفهوم الخاطئ  للتأمين .
وإن كانت الوقفة لم تحدث بعد عام[[1956]] وإن كان هناك تبريرات في صالح ذلك فإن هذه التبريرات لا تستقيم أبدا بعد حدوث الانفصال بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة فقد ظهر للجميع عجز المشير عامر عن مواجهة أحداث الانفصال وظهر للجميع أيضا أن تصرفات  عامر ورجاله في ممارسة شئون الوحدة هيأت المناخ الصالح  للقوي الرجعية والاستعمارية أن تحقق الانفصال وتقضي على أعز أحلام الأمة العربية والتي تجسدت في وحدة الإقليمين .
وكلنا نذكر أن[[عبد الناصر]] أراد التغيير في ذلك الوقت وبعد عشر سنوات كاملة من بداية الثورة كان التغيير طفيفا وذلك بإعطاء مجلس الرئاسة حق التصديق على التعيينات في المناصب الكبرى في القوات المسلحة ولكن المشير رفض الرئيس تراجع أمام الرفض .


وإلا بالله عليكم ما هي الطريقة التي كان يواجه بها [[عبد الناصر]] تلك المؤامرات الخارجية؟ وما هي الطريقة التي كان يمكن أن يواجه بها [[عبد الناصر]] المؤامرات الداخلية وتعرضه المتكرر للاغتيال ؟ علما بأننا نكرر أن الرجل كان إنسانا يحب ويكره يعدل ويظلم يخطئ ويصيب .
وكان سبب ذلك تغليب "التأمين الذاتي"  على عامل " الأمن القومي"
 
أذكر في تلك الفترة أن المشير حينما اختفي في مرسي مطروح بعيدا عن الأنظار بدأت تجمعات خطيرة في القوات المسلحة تتكتل لمواجهة إحتمال إقدام الرئيس على تغيير المشير وحضر عندى في منزلي أحد الزملاء الأعزاء من كبار رجال القوات المسلحة وطلب منى بحق الزمالة أن أحدد موقفي إلى جانب المشير كباقي زملائه حتى لا يقدم الرئيس على تغييره وكنت في ذلك الوقت نائبا لرئيس المخابراتالعامة. إلا أن نصحته  بأن هذا الاستقطاب ضار بالصالح القومي وخارج عن الشرعية وأن من في  مقدوره رأب الصدع فليفعل ومن في غير مقدوره أن يفعل ذلك فعليه ألا يزيد من اشتعال الموقف .وقد أطاعني الرجل وطلب مني أن يبقي ذلك سرا بيننا وقد حدث رغما من حساسية الموقع الذي كنت أشغله في ذلك الوقت .
كان [[عبد الناصر]] يعيش في بحر هائج تختلط فيه التماسيح المتصارعة مع الأنواء العاتية والعواصف المدمرة وهو نفس الجو الذي تعيش فيها دائما الثورات الأصيلة.ووجد [[عبد الناصر]] نفسه بعد الانفصال في موقف صعب مع المؤسسة العسكرية بقيادة المشير [[عبد الحكيم عامر]].
وقد أخذ [[عبد الحكيم عامر]] من هذه الأزمة درسا لم ينسه . فلقد أقدم صديقه على الحد من سلطات أصبحت حقا له بحكم التقادم وبالرغم من أن الرئيس تراجع بناء على حساباته الخاصة إلا أنه من يضمن عدم تكرار ذلك في المستقبل ؟ ومن هنا تحول " التأمين الذاتي للثورة" إلى " التأمين الذاتي  لشخصه " وأصبحت القوات المسلحة منطقة ممنوعة بالنسبة ل[[عبد الناصر]] وحدث في القوات المسلحة ما حدث حتى وقعت النكسة.
   
في الفترة من [[1962]] حتى [[1967]] لم يكن [[عبد الناصر]] بقادر على التغيير حتى لو أراد فقد" شرد الحصان الجامح " ولم يكن أحد بقادر على كبح جماحه ... حتى بعد أن هزم هزيمة ما حقه ,  وحتى بعد أن دمر جيشه ودمر البلاد علاوة على ذلك ظل في  موقعه يريد البقاء بل أقدم على خطوة أخطر وذلك بالتفكير في إزاحة القيادة الشرعية  لو عصت أوامره أو وقفت أمام أطماعه.
كان أهم ما شغل الثورة منذ قيامها تنظيم العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية فكانت العلاقة واضحة ومحددة أيام حرب التحرير عامي 1953 [[1954]] ضد القوات البريطانية في قناة [[السويس]] وكانت العلاقة واضحة ومحددة في حرب [[السويس]] وحتى حدوث الانفصال فلم يكن كل شئ هادئا في كواليس قيادة [[يوليو]] عندما صدر الميثاق الوطني عام [[1962]] ولا عندما صدر بعده في [[سبتمبر]] أيلول إعلان دستوري بنقل السلطة إلى مجلس الرئاسة كمحاولة لإيجاد قيادة جماعية بعد نجاح الانفصال .  
فكانت الليلة العصيبة التي لولاها ما تمكنت قوة في البلاد من زحزحة [[عبد الحكيم عامر]] ورجاله وصلاح نصر وجهازه  من مواقعهم الخطيرة التي ظلوا يحتلونها أكثر من عشرة أعوام كاملة وظنوا أنها أصبحت وقفا عليهم لا خدمة للوطن ولكن خدمة لأغراضهم الذاتية وأطماعهم  الخاصة .
 
ويبقي سؤال أخير . هل حاول [[عبد الناصر]] تلافي السلبيات السابقة بعد الليلة العصيبة ؟ وهل كان راغبا في التغيير ؟ وهذا سؤال آخر حساس سوف نجازف بالرد عليه .
وحاول المجلس أن يدخل التوازن بين سلطات المشير عامر وبين السلطة الرئاسية المتمثلة في القيادة السياسية بعد فشل المشير أيام العدوان الثلاثي وأيام الوحدة وقد أعد قرار تحديد اختصاصات المشير بما يجعل سلطة تعيين قادة الوحدات في القوات المسلحة من مسؤولية مجلس الرئاسة وليس من مسئولية المشير؛
لا شك أن [[عبد الناصر]] بعد الليلة العصيبة أصبح قادرا وبلا حدود على إحداث التغييرات المرموقة وأصبح ولأول مرة  قادرا على ممارسة اختصاصاته كقائد  أعلى للقوات المسلحة اسما وفعلا  وفتحت الطرق أمامه للتغييرات الكبيرة لتحديد العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكانت الأمور أمامه  واضحة تمام الوضوح إذ حينما  أخبرني بتعيني وزيرا للحربية سألته سؤالا مباشرا عن الغرض الذي يحدده من تعيين وزير للحربية بغض النظر عن الشخص الذي يشغل المنصب الخطير .... وكانت إجابته واضحة أسعدتني إذ قال بالنص " أريد إدخال القوات المسلحة في الإطار العام للدولة بعد أن كانت بروزا ناتئا فيها "  وكان هذا طريقا سليما.ومنذ اللحظة الأولي لعملي بالوزارة وضعت هذا الغرض السليم أمام ناظرى ورأيت من الحكمة تأجيل تحديد الاختصاصات في القيادةالعليا  فترة من الزمن حتىتتضح الأمورعند الممارسة الفعلية وحينما حل الوقت لتحديد كل شئ تردد [[عبد الناصر]] في تحديد الاختصاصات لفترةطويلة  من الزمن وكانت حساباته قد بدأت بخصوص " التأمين " خاصة بعد القضاء على المؤامرة التي كان يقودها المشير .
 
حتى وهو يكلفني بمنصب رئاسة الوزراة في أواخر شهر [[سبتمبر]] سألته عما إذا كان الوقت قد حان لتحديد الاختصاصات في القيادة العليا للقوات المسلحة إلا أنه أجل البتفي ذلك لحين عودتي  من زيارة موسكو التي سافرت إليها لحضور احتفالات [[أكتوبر]] هناكوللتفاوض من أجل اتفاقيات التسليح ثم – وعلى حد قوله –
ولم يحضر [[عبد الناصر]] جلسة مجلس الرئاسة التي نوقش فيها هذا الموضوع فطلب المشير تجيل بحثه وانضم إليه كمال حسين الذي كان قد بدأ يقترب من دائرة الظل ويبتعد عن المناصب التسعة التي كان يستحوذ عليها ولكن الغالبية وافقت على القرار وأصدرته ولم يتمثل عامر إلى ذلك وخرج غاضبا وقدم قادة القوات البرية والجوية والبحرية وبعض كبار القادة استقالاتهم وحدثت حالة هياج بين قادة القوات المسلحة المقربين من المشير واجتمعوا في القيادة وأصروا على عودته إلى موقعة .
ليعرفني رجال المكتب السياسي هناك.وحينما رجعتمن رحلتي وجدتأنالأمر يدعوإلى كتابة رغما عن خطورة الأوضاع وحساسيتها وحينئذ امتنعت عن ممارسة عملي كوزير للحربية ولم أدخل الوزارة بعد ذلك – أى من أول نوفمبر [[1967]] على ما أذكر – وحتى تركي المنصب لأتفرغ لرئاستي لجهاز المخابرات في24 /1/ 1968.
 
أقدم [[عبد الناصر]] في أول الأمر وبحماس ولكنهتردد بعد ذلك .
وأدرك عامر أن يستمد سلطته من القوات المسلحة فوثق صلته بقادتها وظل يواصل العطاء والمنح لكل من يطلب وأصبح للمشير أظافر وأنياب . وكان من الواجب حسم مثل هذه الأمور عند بدايتها ولأكن إهمال ذلك أدي بالقيادة العسكرية لكي تشكل بروز وورما خطيرا أصبح من الصعب استئصاله وأصبحت القيادة السياسية ينقصها القدرة؛
  وبالرغم من محاولات كثيرة كريمة من الرئيس فيالعودة عن قراري إلا أنني تمسكت بموقفي فكفي مالا قيناه من غموض العلاقات بين الأجهزة في السابق ولم أرغب في المشاركة بما لا أعتقد في صوابه .
 
وبالرغم من كل ذلك فالرئيس لم يرسلني وراء الشمس ولم يؤذني بل استمع  إلى  رأيي وكل ما خسرته كان منصبا وكان غيره في الانتظار . ياليت القيادة العسكرية فعلت ذلك في مواقف مشابهة قبل النكسة ,وياليت أعضاءها كانوا قادرين على المناقشة والحوارقبل صدور القرار ...!! أقول ياليت لأن الإنسان ليس في إمكانه الآن إلا أن يتمني .
ولا أقول الرغبة لإزالة هذا الورم وهنا اهتزت كل الأمور فتغيرت طبيعة العلاقات بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية ثم اهتزت طبيعة العلاقات داخل القيادة العسكرية فهبط ميزان الكفاءة ليحل محله ميزان الولاء وأصبح التأمين الذاتي وليس الأمن القومي هو محل الرعاية والاهتمام .
وإزاء هذا الإصرار من جانبي بدأ الرئيس يبحث عن بديل فعرض على السيد زكريا محيي الدين أن يخلفني في منصب وزير الحربية إلا  أنه رفض وقد أخبرني  بذلك الرئيس نفسه.ولما سألت السيد زكريا عن السبب الذي من أجله رفض المنصب ذكر ضاحكا " أنا سألت الرئيس ماذا تريد منى في هذه الوزارة ؟ أمين موجود فلماذا  تولي المنصب  ولماذا يريد تركه الآن ؟ّ" وأصر الرجل على اعتذاره.ولم يكن أمام الرئيس إلا الأخذ بمشورتي بالجمع بين منصبي القائد العام ووزير الحربية على أن يتولاهما قائد واحد ولو بصفة مؤقتة حتى لا تظل المناصب الحساسةشاغرة في الموقف الخطير الذي تمر به البلاد..
 
  ثمكان الرئيس يرغب في التغيير حتى أوائل عام [[1970]] حينما استدعي السيد حافظ إسماعيل من باريس حيث كان يعمل سفيرا لنا هناك ليخلفني في رئاسة المخابرات .ولقد دهشت حقيقة حينما كلفني الرئيس بالاستمرار في الإشراف على جهاز المخابرات العامة حتى في وجود الرئاسة الجديدة إلا أنني اعتذرت فرئيس الجهاز لابد وأنيتبع الجمهورية مباشرة دون مزيد من الحلقات . إلا أن الرئيس استمرفي تحويل كل موضوعات المخابرات لى حتى وفاته بل في هذا اليوم – أى يوم وفاة الرئيس بل في ساعة الوفاة – كنت في اجتماع مع الشيخ سعد الصباح وزير الداخلية في ذلك الوقت والمسئول  عن أعمال المخابرات في الكويت في منزله بالزمالك ومعنا السفير حمد الرجيب سفير الكويت ب[[القاهرة]] في ذلك الوقت .
وهنا يتساءل الكثيرون وأنا معهم لماذا لم تعالج القيادة السياسية الموقف ربما يكون ذلك لعجز في القدرة بعد اختلاف موازين القوى بين القيادتين وربما تكون القيادة السياسية قدرت أنه لتصحيح الأوضاع لابد من صدام ولكنها لم تكن مستعدة لهذا الصدام إلا على الأرض الملائمة وفي الوقت المناسب .
وقد علمت بعد ذلك أن السيد حافظ إسماعيل كان قد استدعي ليتولي منصب رئيس أركان حرب الجيش حينما يقترب موعد عبور القناة لتحرير الأرض وكان عليه أن يمضي فترة انتقالية في [[القاهرة]] في لتولي منصب وزارة الحربية وقيادةالجيش وقد يكون حافظ أصدق مني في روايته .
 
  وكما نرى فإن الرئيس لم يستغل التغيير الذي حدث بعد الليلة العصيبة استغلالا كاملا وتردد كثيرا في الأقدام على خطوات جذرية في هذا الاتجاه . كان المطلوب ضمان بقاء القوات المسلحة ضمن اطار الدولة وشرعيتها وكان المطلوب أيضا حسم العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية  وقد تحقق ذلك بوجود شخص [[عبد الناصر]] كضامن وحيد يضمن عدم تطور العلاقة إلى وضعها الشاذ الذي تسبب في النكسة.
ولكن يبقي سؤال قائم !! ولماذا لم تعالج القيادة السياسية الموقف قبل أن يستفحل؟ والإجابة على السؤال صعبة ربما يرجعها البعض إلى عامل الصداقة وربما يرجعها البعض الآخر إلى تغلب عامل التوازن بين اتجاهات أعضاء مجلس الثورة القديم. والله أعلم .
  إن السؤال يبقي حتى كتابة هذه السطور :ما هو الفاصل بين الجانب السياسي والجانب العسكرى في قمة العسكرية ؟ ثم من يراقب هذا الجهاز الحساس في ظل توحيد المسئولية السياسية والعسكرية فييد واحدة ؟ ويزداد الأمر خطورة في غياب جهات قادرة على أن تبحث وتنقب عما يحدث داخل هذه المؤسسة المعقدة الخطيرة ويزداد الأمر خطورة أيضا في انعدام رغبة هذه المؤسسة في عرض موضوعاتها للمناقشة وإصرارها على التستر وراء حجاب كثيف في الغموض  والسرية في حين أن موضوعات الدفاع  في الدول المتحضرة معروضة للنقاش والجدل .
 
وأخيرا..!!
ثم جاءت النكسة عام [[1967]] ليعيش [[عبد الناصر]] في ظل الهزيمة بعد انتصاراته الكبرى في معاركه السابقة وانعكس ذلك على قراراته ولا شك . أصبح الرجل أكثر حذرا وأقل اندفاعا عما قبل كان يحسب ويعيد الحساب بأسلوب تميز بالمرونة والواقعية .
كانت الليلة العصيبة من أخطر الليالي التي مرت بها [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] المجيدة ..الغالبية العظمي لا تذكرها ولا تعرف عنها شيئا لأن البعض تجاهلها والبعض الآخر تعرض لها بمعلومات ناقصة مبتورة بني عليها فرضيات كثيرة واستنتاجات أكثر  تركت على الساحة تساؤلات أكثر مما تركت من إجابات.
 
  ولقد التزمت  الصدق والصراحة في معالجة الموضوع من البداية حتى النهاية . أما عن الصدق فهو عادة ملازمة لا يمكنني التحرر منها حتى ولو تعلق ما أقوله بشخصي أما عن الصراحة فكان مبعثها عدة عوامل :
فبعد أن اجتاز قمة اليأس وخيبة الأمل التي دفعته إلى اتخاذ قرار التنحي في 9 [[يونيو]] حزيران [[1967]] ابتدأ يستعيد نفسه يوم 10 [[يونيو]] حزيران [[1967]] حينما استجاب للرغبة الملحة في بقائه .
1- خطورة العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية وتأثير عدم وضوحهما على الأمن القومي للبلاد.
 
2- تقديرنا الشديد ل[[عبد الناصر]]  لا يمنعنا من ذكر سلبيات وقع فيها لأن مبادئ [[عبد الناصر]] تدعو دائما إلى النقد والنقد الذاتي .
ووسط الحطام الذي تناثر من حوله بدأ في محاولاته لإزالة آثار العدوان تحت ضغط ظروف قاسية وشبح الهزيمة لا يفارقه لحظة واحدة وكان كل ما يتمناه أن يظل حيا حتى إزالة آثار العدوان ولكن انهيار حالته الصحية لم يتح له ذلك فلقي ربه قبل أن تتحقق الآمال .
3- أن الرجل كان يحاول دائما في ظل ظروف صعبة ضاغطة أن يصحح ويغير ولكن ربما كانت حساباته التي  أجراها وقت الأزمة تختلف كثيرا عن الحسابات التي يجريها بعد انتهائها.
 
ولا شك بعد كل هذا الذي قلناه فإن [[عبد الناصر]] واجه تحديات كبرى في الداخل والخارج على حد سواء ولم يكن يؤمن بالمبدأ الإصلاحي في معالجة الأمور ولكنه كان قائد ثورة ثم أصبح زعيم أمة أعطته ثقتها في الانتصارات والهزائم على حد سواء .
 
ولا شك بعد كل هذا الذي قلناه فإن [[عبد الناصر]] كان شجاعا إلى أقصي حدود الشجاعة وهو يواجه كل الضغوط التي وجهت إليه فلم يتردد في خوض معركة تلو الأخرى حقق في معظمها انتصارات كبيرة تركت بصماتها في الداخل والخارج على حد سواء .
 
وبحكم طبيعته واجه التحديات بإجراءات حاسمة وبطريقة مباشرة لا تعرف الالتواء.. الأسود أسود والأبيض أبيض  بينما يغلب على الألوان في ميدان [[السياسة]] أن تكون بين بين .
 
كانت المشاكل الموروثة هائلة وكان يسابق الزمن كان يريد أن يقفز في خطوات واسعة كقفزات النمر بينما يرى ناقدوه أنه كان عليه أن يسير في تؤده كالسلحفاة...والنمر يصل والسلحفاة تصل فلم يكن هناك داع إذن للسرعة أو التسرع .
 
وكلمة أخيرة عما قيل  من أن قرارات [[عبد الناصر]] كانت قرارات غلب عليه '''"رد الفعل"''' ويقصدون بذلك أن قراراته كانت مجرد عاطفية وانفعالات شخصية .. وهذا قول بعيد عن الواقع .
 
إذ ما اتضحت سياسة [[مصر]] طوال تاريخها في كافة الميادين مثلما اتضحت أيا [[عبد الناصر]] ولعل السرعة الخاطفة التي اتسمت بها ضربته ترجع إلى وضوح الرؤية والتحضير المسبق وقد اعترف الأعداء قبل الأصدقاء ل[[عبد الناصر]] بهذه الميزة .
 
وحتى لو ذهبنا مع هؤلاء في أن [[عبد الناصر]] كان يتخذ قراراته في نطاق '''"ردود الأفعال"''' فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن [[مصر]] لم تكن تبدأ أحدا بالعداوة كما يرددون ويعني أن [[مصر]] أصبح لها إرادة وربما يكمن الفرق بين سياسة الدول المستقلة وسياسة الدول المغلوب على أمرها في القدوة و العجز عن رد الفعل بلا
 
فلا يجوز أن ننسي أن أهم قاعدة من قواعد اللعبة السياسية في عالمنا المعاصر هي التوازن بين القدرة على توجيه الضربة الأولي والقدرة على توجيه الضربة الثانية .. أى التوازن بين القدرة على الفعل والقدرة على رد الفعل . بل نجد ن القدرة على رد الفعل هي التي تتحكم يحسب في القدرة على الفعل وليس العكس .
 
إذن فليس عيبا ما يقولونه عن أن قرارات [[عبد الناصر]] كانت قرارات يغلب عليها رد الفعل ولكن..
 
* هل قيامه بالثورة في نطاق الفعل أو رد الفعل ؟
 
* هل إسقاط أسرة محمد على يدخل في نطاق الفعل أو رد الفعل ؟
 
* هل قانون الإصلاح الزراعي وقوانين التمصير والقوانين [[الإشتراكية]] تدخل في نطاق الفعل أو رد الفعل ؟
 
* هل إقامته دولة الوحدة وسياسته العربية والأفريقية وعدم الانحياز تدخل في نطاق الفعل أو رد الفعل ؟
 
* هل مقاومته للاستعمار والعمل على إزالة القواعد العسكرية تدخل في نطاق الفعل أو رد الفعل ؟
 
* هل بناء السد العالي ومئات المصانع والمدارس والمستشفيات تدخل في نطق الفعل و رد الفعل ؟
 
كل ذلك أسقطوه من حسابهم وهم يقيمون قرارات [[عبد الناصر]] وللأسف فقد سمعت لهم بعض الأذان وأطاعتهم بعض الأقلام لأن من سوء حظ الأمة العربية ومن سوء حظ [[عبد الناصر]] أن القدر لم يمهله حتى إزالة آثار النكسة فمات .
 
==الباب الثالث:إستراتيجية [[عبد الناصر]] لإزالة آثار العدوان==
 
===الفصل الثامن:إستراتيجية [[عبد الناصر]] لإزالة آثار العدوان===
 
خسرنا معركة ولم نخسر حربا ما خذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة 100% من أوراق اللعبة تعتمد على إرادتنا الذاتية لا نلعب بالاتحاد السوفيتي ولا يلعب بنا قنوات مفتوحة مع واشنطن الخط الحرج خط الأمر الواقع السباق بين الاختراق والاعتراض وبين القدرة على رد الفعل والقدرة على الفعل خطة جرانيت كلام كلام ... قتال قتال مخلفات [[عبد الناصر]] .
 
حلق في الخيال وأنا أفكر فيما وصل إليه الحال فوجدتني أمام خاطر غريب وسؤال عجيب !! ماذا لو لم يمت [[عبد الناصر]]؟ وفكرت كثيرا في السؤال الغريب وعقدت العزم على ن يكون السؤال هو عنوان هذا الفصل..!! ولكن سرعان ما تبين لى أن السؤال بصورته تلك سوف يحرك كثيرا من المشاعر المتباينة والحسابات الثقيلة ...
 
فالكثيرون من سيقرؤون العنوان المثير ربما يغمضون عيونهم لفترة من الوقت ويرفعون أكفهم نحو السماء ويدعون الله لو أن الخيال أصبح حقيقة!! هؤلاء هم الغالبية العظمي من الواعين والكادحين من العمال والفلاحين والوطنيين وكل المنتسبين إلى الحركات الثورية في كل مكان.
 
بينما يصيب الخاطر الغريب البعض بالذعر والانزعاج وربما يلقي بعضهم بالكتاب بعيدا في غضب وهم يستعيذون  بالله من الشيطان الرجيم وربما لا يخفي البعض الآخر سخطه على الكاتب وأفكاره السقيمة هؤلاء هم الإقطاعيون والانتهازيون والمنحرفون وآخرون ممن داسوا على الوفاء وتنكروا للزمالة والصداقة وغيرهم ممن لا يجدون لهم مجالا إلا في كنف الاستعمار .
 
وقد يرزح البعض أياما تحت ثقل الخاطر المستحيل بل وقد يبدأ البعض وهم وطأة هذا '''"الكابوس "''' بمراجعة حساباتهم وموازنة أمورهم فمن يدرى؟ خاصة وأننا في زمن أصبحت فيه  المستحيلات ممكنة وجائزة .. ويذكرني هؤلاء بقصة '''" نابليون بونابرت "''' مع الصحافة الفرنسية بعد أن فر من منفاه في جزيرة '''"ألبا"'''
 
فبمجرد أن انتشر خبر فرار '''"الإمبراطور السابق"''' كانت عناوين  الصحف تدور كلها حول '''"هروب السفاح بونابرت" أو "فرار المجرم بونابرت"''' !! ولكن حينما تأكد خبر نزوله على الساحل الفرنسي بدأت نفس الصحف بنفس محرريها تتحدث عن '''"نابليون بونابرت"''' دون أوصاف أو ألقاب !!
 
وحينما وقف على أبواب '''"باريس"''' ومعه نقر قليل من أفراد '''"الحرس الإمبراطوري"''' ممن عاصروا هزائمه وانتصاراته بدأت نفس الصحف بنفس المحررين تتحدث في حماس عن '''"الإمبراطور الذي عاد"'''! فالبشر هم البشر في كل زمان ومكان !!!
 
وحتى نتفادى تلك المشاعر المتباينة وخوفا من أن تجنح إلى الخيل استبدلنا السؤال الغريب بالعنوان الجديد ..وأعرف سلفا أن ما سأقوله سيشير مشاعر متباينة أيضا وهذه أحدي الصعوبات التي تقفز أمام من يكتب عن '''"العمالقة "'''..
 
إذ يعتبرهم البعض '''"ملائكة"''' بينما يعتبرهم آخرون مجرد '''"شياطين"''' ولو إنني اعتقد أن الفجوة بين الآراء لن تكون واسعة إلى هذا الحد خاصة بعد أن حصرنا حديثنا في قضية واحدة هي '''"قضية التحرير"''' والتي مازلنا نعالجها حتى الآن وبعد مرور سنوات عشر على وفاته .
 
فبعد النكسة مباشرة كانت '''"[[مصر]]"''' والبلاد العربية قد خسرت كل شئ ...وكان '''"[[عبد الناصر]]"''' كالتاجر الذي خسر كل رأسماله في السوق ... وفي مثل هذه المواقف قد ينسحب بعض التجار من السوق بصفة نهائية وهم يؤثرون السلامة بينما يصر آخرون على البدء من جديد ليعودوا كما كانوا وربما أحسن وأفضل .
 
وقد أصر '''"[[عبد الناصر]]"''' على أن يستعوض الخسارة الفادحة على الساحة العربية ولذلك فإنه نادى من أول وهلة '''"أننا خسرنا معركة ولكننا لن نخسر الحرب"''' وأن الغرض هو '''"إزالة آثار العدوان وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني "''' وأن '''" ما أخذ بالقوة  لا يسترد إلا بالقوة "'''
 
وبذلك حدد الغرض ... كما حدد وسيلة الحصول على الغرض وأخذ يعمل دون هوادة لتحقيق ذلك ضمن إستراتيجية فيها ذكاء ودهاء تحتاج  منا إلى مراجعة وشرح وربما يساعدني في توضيحها أنني كنت بعد '''"النكسة"''' قريبا من دائرة اتخاذ القرار أعلم الكثير مما كان يجرى ويحدث .
 
100% من أوراق اللعبة تعتمد على إرادتنا الذاتية .منذ اللحظة الأولي للهزيمة أوضح '''"[[عبد الناصر]]"''' إن الإرادة الذاتية هي العامل الفاصل لتحديد نتيجة المعركة.. فالمعركة معركتنا واللعبة لعبتنا والأوراق أوراقنا أن 100% من أوراق اللعبة في يدنا ونحن لا يجوز أن نتركها في يد الغير .
 
فليس معقولا أن تكون 99% من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة مثلا أو في جيب الاتحاد السوفيتي !! وإلا فأين الإرادة الذاتية للقيادة الواعية وللشعوب المكافحة ؟!
 
وانطلاقا من هذا المبدأ السليم أخذ يعيد بناء القوات المسلحة صحيح كان الاتحاد السوفيتي قد أصيب بخيبة أمل كبرى في أصدقائه بعد الهزيمة الكبيرة التي منوا بها وظن الشعب السوفيتي لفترة ليست بالقصيرة أن '''"السلاح السوفيتي"''' هزم أمام '''"السلاح الأمريكي"''' إلا أن '''"[[عبد الناصر]]"''' كان يعتقد عن حق أنه كلما استوعبنا السلاح الذي بيدنا أكثر وأسرع كلما كان الإمداد بالأسلحة متناسبا مع رجة الاستيعاب .
 
'''وإلى جانب ذلك اتخذت عدة إجراءات لتقوية الإرادة الذاتية منها:'''
 
:#تهيئة مسرح العمليات الذي يتسع ليشمل كل أنحاء الجمهورية في حرب لم تعد تعرف واجهات بالمعني بالمفهوم بعد أن كثف العدو غاراته في العمق وأنشئت الطرق والمطارات والمواني المتبادلة .
:#بناء مخزون إستراتجية من المواد الإستراتيجية مثل المواد البترولية والغذائية ومواد تصنيع الأسلحة والذخائر .
:#إنشاء الجيش الشعبي لحراسة المنشآت في منطقة خطوط المواصلات وزيادة كفاءة الدفاع المدني  لمواجهة المعادية .
:#حشد الجهود العربية عن طريق المساعدات الاقتصادية العديدة واستغلال  العمق العربي في إعادة التوزيع الاستراتيجي لقواتنا فقد أصبحت ميناء بور سودان مثلا في خدمة وحدت الأسطول ومطارات واد سينا مكانا لتمركز قاذفاتنا الثقيلة ومنطقة جبل الأولياء لوجود بعض الوحدات البرية الأخرى علاوة على الوحدات العربية التي كانت تقاتل جنبا إلى جنب مع الوحدات المصرية على القناة والوحدات السورية في الجولان .
:#إشعال جبهة القتال على قناة السويس وفي داخل إسرائيل وبصفة تكاد تكون مستمرة .
:#الاستمرار في خطط التنمية  بأقصى معدل ممكن .
 
'''لا نلعب بالاتحاد السوفيتي ولا يلعب بنا:'''
 
:حددت علاقاتنا مع الاتحاد السوفيتي على أساس أهمية وجوده داخل اللعبة لأن انفراد احدي القوتين الأعظم بالمسرح فيه الطاقة الكبرى '''"فلص"''' واحد ينفرد بالغنيمة ولكن اثنين يتنازعان عليها  ولا يجدان الوقت للإنفراد بها وقد حددت علاقاتنا مع '''"موسكو"''' على أسس واضحة...فهي قوة عظمى لا يمكننا أن '''"نلعب بها"''' ونحن دولة مستقبل لا نسمح لهم أن '''"يلعبوا بنا"'''
 
:وعلى ذلك فلا بد أن '''"نلعب معا"''' كفريق تلاقت مصالحه واضعين في الاعتبار ألا تتعارض '''"مصالحنا المحلية مع مصالحه العالمية"''' فلا يكن التواجد السوفيتي في بعض المناطق أو الأوقات  احتلالا بأى صورة من الصور بل كان يتم وفق مخطط استراتيجي واع يدل على ذكاء وعمق فعلاوة على القلق البالغ الذي يسببه هذا التواجد لدى الطرف لآخر مما يجعله في خوف من زيادته واستمراره مما يهيئ حافزا على  البحث عن حل فإنه يخدم أغراضا  إستراتيجية محلية .
 
:وعلى سبيل المثال كان  تواجد بعض قطع الأسطول السوفيتي في ميناء [[الإسكندرية]]  و[[بور سعيد]] حائلا دون ن تقوم القوة الجوية الإسرائيلية بضربهما فتتعطل بذلك منافذنا الوحيدة التي تصلنا بالعالم الخارجي وتقطع خطوط إمداداتنا التي نستورد عن طريقها احتياجاتنا الضرورية .
 
:وكان لوجود بعض الطيارين السوفيت فائدة كبرى في توفير طيارتنا بعملياتهم الهجومية على العدو ولا نقل بالحرف الواحد من كتاب هنرى كيسنجر '''"سنوات البيت الأبيض"''' صفحة 572
 
:"أخبرني إسحاق رابين سفير إسرائيل في واشنطن يوم 24 [[أبريل]] نسيان [[1970]] أن الطيارين السوفيت يقومون بمهمات دفاعية في دخل [[مصر]] وبذلك فقد تحرر الطيران المصري من واجباته الدفاعية ليركز على الهجوم على المدافع الإسرائيلية على طول القناة وأصبح السلاح الجوى المصري أكثر قدرة على الهجوم علاوة على أن اشتباك الطيارين السوفيت مع الطيارين الإسرائيليين أصبح لا يمكن تفاديه" وكان ما يقوله '''"رابين"''' يتمشى مع قواعد اللعبة  الجارية كما سنرى فيم بعد.
 
'''قنوات مفتوحة مع واشنطن '''
 
:ليس معني ن الولايات المتحدة وهي إحدى الدولتين الأعظم قد اختارت الوقوف إلى جانب إسرائيل ضد الأماني العربية عدم فتح الحوار معها .. بل كانت هناك قنوات مباشرة رسمية وقنوات غير مباشرة سرية على أسس وثيقة من التعامل ومعرفة واعية بإجراء الحوار على مستوى الدولتين الأعظم .
 
:كان تقدير [[عبد الناصر]] عن حق أيضا كما نلمس الآن ونقرأ في كل صفحة من كتاب هنرى كيسنجر المشار إليه أن '''" الإدارة الأمريكية كانت تنقسم إلى رأيين "'''
 
:'''الرأي الأول:''' يرى الإسراع في حل النزاع العربي الإسرائيلي من دخول الاتحاد السوفيتي إلى المنطقة برجاله ومن هؤلاء رجال البنتاجون وعلى رأسهم '''"ملفين ليرد"''' وزير الدفاع ورجال الخارجية الأمريكية وعلى رأسهم '''"وليم روجرز"'''.
:'''الرأي الثاني:''' وينفرد به '''"هنرى كيسنجر"''' مستشار '''"الرئيس نيكسون"''' لشؤون الأمن القومي وكان يرى أن عدم حل النزاع سيجعل العرب ينصرفون عن الاتحاد السوفيتي ويتجهون إلى واشنطن بعد أن يتأكدوا إنه إذا كان في مقدور الاتحاد السوفيتي إعطاء السلام فإن الولايات المتحدة هي القادرة الوحيدة على إعطاء الأرض .
 
وكان [[عبد الناصر]] سيلعب على زيادة التواجد السوفيتي لتعزيز '''"الرأي الأول"''' ونسف '''"الرأي الثاني"''' لأنه إذا ما انفردت الولايات  بالمنطقة وهي المعروفة بصداقتها الأبدية لإسرائيل فإنها '''"ستبيع وتشترى"''' في المنطقة كما تريد ... لابد أن يكون هناك '''"منشط"''' أو حافز؟ أو  '''"منافس"''' هكذا كان يرى [[عبد الناصر]] في إدارته الماهرة للصراع في الفترة الحرجة التي عاشها .
 
'''الخط الحرج الذي لا ينبغي تجاوزه:'''
 
:هناك '''"خط فاصل"''' متفق عليه بين '''"الدولتين الأعظم"''' في ممارستهما اللعبة السياسية عليهما عدم تجاوزه خوفا من تصادم ذري بينهما نتيجة لاختلال التوازن أو العدوان الثقيل على المصالح فضلنا أن نسميه '''"بالخط الحرج"''' وقد شرحت هذه النظرية بالتفصيل في كتابي '''" الأمن العربي في مواجهة الأمن الإسرائيلي "'''.
 
:ويتحقق أنسب وضع  للصدام المحلي حينما تتفق نتيجة الحسابات المحلية مع نتيجة حسابات الدولة الأعظم والمسافة التي تقف عندها الدولة الأعظم من '''"الخط الحرج"''' في الصراع العالمي تتناسب تناسبا عكسيا مع '''"الأماني القومية"''' فكلما قل البعد عن '''"الخط الحرج"''' كلما زادت الأماني القومية سلامة وأمنا والعكس بالعكس .
 
:والدولتان الأعظم موجودتان شئنا أم أبينا في كل منطقة من مناطق العالم وقربهما أو بعدهما من '''"الخط الحرج"''' يتفق تماما مع مصالحهما في المنطقة. وكان [[عبد الناصر]] يحاول دفع الاتحاد السوفيتي قريبا من '''"الخط الحرج"''' لأن الولايات المتحدة  كانت قريبة بالفعل منه لاعتبارها أن مصالحه متطابقة مع الوجود الإسرائيلي .
 
كنت وسيلته إلى ذلك تتلخص في العمل على زيادة ثقل الوجود السوفيتي في المنطقة حتى يكون ذلك حافزا للطرف لآخر على إيجاد حل للنزاع العربي الإسرائيلي  فكان تواجد بعض أطقم الصواريخ من الروس يتمشى مع هذا الاتجاه.
 
وكن تواجد بعض قطع الأسطول الروسي في نفس المياه التي كان ينفرد بها الأسطول السادس الأميركي يتمشى مع هذا الاتجاه.وكان تلاقي [[القاهرة]] وموسكو في محاربة الامبريالية ليتمشى مع هذا الاتجاه .
وسأنقل أيضا من  كتاب هنرى كيسنجر '''"سنوات البيت الأبيض "''' فيقول
 
:" في 31 / 1/[[1970]] سلم دوبرين رسالة من الكيس كوسيجين إلى الرئيس وفي الوقت سلمت رسالة مماثلة إلى كل من ويلسون وبومبيدو تحذر من استمرار إسرائيل في هجماتها في عمق [[مصر]] لأن هذا سيجبر الاتحاد السوفيتي على النظر في إمكان إمداد الدول العربية بوسائل تحول دون ذلك ..وناشد الدول الأربع إجبار إسرائيل على إيقاف هجماتها بأسرع ما يمكن من الأراضي العربية المحتلة "
 
'''ويستمر كيسنجر قائلا:'''
 
:" بمجرد التأكد من وصول الجنود السوفيت إلى [[مصر]] هذه أول مرة تتمركز فيها قوات سوفيتية على أرض غير شيوعية وجهت سفيرنا في موسكو جاكوب بيم لمقابلة جروميكو للوصول إلى حل لإيقاف النيران إلا أن موسكو رفضت ذلك ورفضت الحد من التسلح إلا بعد  انسحاب  إسرائيل إلى حدود [[1967]]
 
:ثم قابلت دوبرنين سفيرهم في واشنطن في 10/2/[[1970]] وأخبرته بأن التواجد السوفيتي في الشرق الأوسط تنظر إليه الولايات المتحدة نظرة خطيرة وأنني اخترت هذه الطريقة للحوار حتى نتجنب المواجهة وأننا على استعداد للتفاوض من أجل إيجاد حل للمشكلة"
 
'''ثم يستطرد "كيسنجر" فيقول: '''
 
:" بعد وصول الأفراد السوفيت ألقي البنتاجون اللوم على إسرائيل فهي التي تسببت بعنادها في ذلك واقترح الوصول إلى حل سلمي ومعنى ذلك أن رجال البنتاجون يريدون لجهة أخرى أن تحل المشكلة كما حدث في فيتنام وعلاوة على ذلك فقد أيدت وزارة الخارجية اتجاهات البنتاجون بل علق نلسون على ذلك بأن [[السياسة]] الإسرائيلية هي أساس المشاكل الحالية وان الهزيمة العسكرية للعرب [[1967]] هي نصر سياسي  للسوفيت فأصبحوا هم أصدقاء العرب ونحن أعداؤهم "
 
'''ثم يعود فيقول: '''
 
:" في يوم 10 / 6/ [[1970]] قابلت دوبرونين وسألته:هل يمكن ربط انسحاب السوفيت من المنطقة مع خطة سلام شامل ؟"
 
وهذه هي سياسة الترابط المعمول بها في الصراع الدولي ... خلق مشاكل عديدة تجعل الطرف الآخر يعيد حساباته على أساس '''"الأخذ والعطاء"''' ولأن [[السياسة]] لا هي أخذ فقط ولا هي عطاء فقط هي مزيج بين هذا وذاك
إذن حققت هذه [[السياسة]] حتى الآن
 
'''ومن واقع كتاب " سنوات البيت الأبيض " لهنرى كيسنجر: '''
 
:انقساما في الإدارة الأمريكية الكل عدا هنرى كيسنجر يلقي اللوم على إسرائيل فرض القيود على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل لدرجة أن وليم روجوز صرح بأنه في تقدير واشنطن فإن القدرة  الجوية الإسرائيلية كافية لمتطلباتها في الوقت الحالي .
 
'''خط الأمر الواقع:'''
 
:وكان '''"[[عبد الناصر]]"''' يركز اهتمامه على خط آخر هو '''"خط الأمر الواقع"''' وإن كان  الخط الحرج يتأثر '''"بالحرارة"''' فلابد من إشعاله وبصفة مستمرة حتى يقتنع '''"العدو"''' أن فرض الأمر الواقع خارج قدراته  وحتى يجبر الدولتين الأعظم على التدخل لإطفاء النيران المشتعلة حتى لا تمتد وتنتشر فتهدر مصالحهما وهنا تصبح المواجهة بينهما أمرا أكثر احتمالا .
 
'''"الردع"''' هو الذي فرض الأمر الواقع ... لأن '''"الردع"''' هو القوة التي تردع الجانب الآخر عن القيام بأى عمل يغير من الأمر الواقع . الردع يعتمد على '''"القوة الحقيقية المتاحة"''' وبذلك فإن الجانب الذي  يمتلك '''" القدرة على الردع"''' في إمكانه تحقيق أغراضه بالتهديد باستخدام القوة دون الحاجة لاستخدامها بطريقة فعلية وبذلك يمكنه استغلال وجود الأسلحة والتلويح بها دون استخدامها أى '''"بتعجيز"''' الطرف الآخر عن طريق القمع والقسر .
 
وفرض الأمر الواقع يحتاج إلى وقت لإقراره .'''"والردع"''' هو الذي يوفر هذا الوقت ..وبذلك فإن '''"الردع "''' هو درع الأمر الواقع وأدالته وخطورة الردع في '''"تأثيره النفسي"'''
 
'''ويتضح ذلك من المعادلات الآتية:'''
 
:#الردع = التأثير النفسي  + التأثير المادي  = رفض الأمر الواقع .
:#الردع -  التأثير المادي + صدام مباشر = رفض الأمر الواقع
:#الردع  - التأثير النفسي = صدام مباشر = رفض الأمر الواقع .
 
وكان لدى إسرائيل كل وسائل الردع  خاصة '''"الذراع الطويلة"''' المتمثلة '''"في قوتها الجوية"''' خاصة بعد احتلالها لمطاراتنا في [[سيناء]]  وإصرار الولايات المتحدة على إمدادها بكافة أنواع الطائرات الحديثة .
 
وبالرغم من ذلك رفض '''"[[عبد الناصر]]"''' الاستسلام رغما عن الغارات في العمق التي كانت توجه إلى أغراضنا المدنية وبذلك فقد كسر أخطر مبدأ في مبادئ الردع وهو التأثير النفسي وأخذ يشن '''"حرب الاستنزاف"''' ومعها تضرب الوحدات الفدائية داخل إسرائيل
 
'''وأعود فأنقل من صفحة 349 من كتاب "سنوات البيت الأبيض " لهنرى كيسنجر إذ يقول:'''
 
:" في [[فبراير]] شباط [[1969]] أبلغتنا المصادر الإسرائيلية أن 1288 حادث تخريب وإرهاب تمت منذ  حرب الأيام الستة منها 920 حادثة من الحدود الأردنية 166 من الحدود المصرية 37 حادثة من خط إيقاف النيران مع [[سوريا]] 35 حادثة من الحدود اللبنانية 130 من [[قطاع غزة]] .
 
:وكانت خسائر الإسرائيليين هي 234 قتيلا ،265 جريحا من العسكريين ،37 قتلي ،330 جرحي من المدنيين وهذه نسبة مخيفة لدولة تعدادها 5و2 مليون وهي لا تساوي 20,000 قتيل ،100,000 جريح لدولة في حجم الولايات المتحدة "
 
'''بل نجد أن هاعولام هازيه نشرت في العدد 1640 بتاريخ 26/3/ [[1969]] خطابا أرسلته إحدى القارئات إلى رئيس  التحرير تقول فيه:'''
 
:'''" نحن نريد مزيدا من الأرض "''' وقد نشرت المجلة ردها على الرسالة بلسان أحد الجنود الإسرائيليين ليقول: لو كنت تجلسين في المناطق المحتلة  وتفقدين أصدقاءك القربيين الذين يموتون كل يوم بواسطة لغم أو بواسطة الطلقات أو بغير ذلك ما طالبت باحتلال المزيد من الأرض '''"ونجد أن رئيس قسم ضحايا الحرب "''' بوزارة الدفاع الإسرائيلية وهو يهودا نيرون يعلن عن حجم الخسائر  للجيش الإسرائيلي حتى [[مايو]] أيار [[1969]] فيؤكد أنها 713 قتيلا  في حين أن إسرائيل خسرت في الحرب 780 قتيلا.
 
'''السباق بين الاختراق والاعتراض وبين القدرة على رد الفعل والقدرة على الفعل:'''
 
:وبعد أن كسر '''"[[عبد الناصر]]"''' إحدى دعائم '''"الردع"''' المتمثلة في '''"التأثير النفسي"''' برفضه '''"الاستسلام"''' وإصراره على مواجهة القتال اتجه ثقله إلى كسر '''"الجانب المادي ولم يكن الأمر سهلا "'''
 
كانت محاولاته تتركز في إيجاد حالة من التوازن بين '''"قدوة العدو على الاختراق " و" قدرتنا على الاعتراض "''' وكذلك بين '''" قدرة العدو على الفعل " و" قدرتنا على رد الفعل "'''
 
وتفسير ذلك أن الصراع المسلح هو عبارة عن مبارزة لا تنتهي بين الأسلحة التي '''"تخترق"''' والأسلحة التي '''"تعترض"''' فمثلا إذا كانت وسيلة العدو في الاختراق كما يحدث في ذلك الوقت هي التفوق في القوة الجوية فلابد أن يكون التركيز على تقوية '''"دفاعنا الجوى"''' إلى أن يتيسر لنا الحصول  على '''"القوة الجوية القادرة على الاختراق"'''
 
وفعلا في زيارته الشهيرة إلى موسكو حصل [[عبد الناصر]] على صواريخ سام 3 وصواريخ سم 6 بل وأطقم هذه الصواريخ من السوفيت حتى تيسير تدريب الأطقم المصرية ثم بعد ذلك استغل [[عبد الناصر]]  الفترة غير المستقرة بعد قبوله '''"مبادرة روجرز"''' عام [[1970]] لنقل حوائط الصواريخ قريبا من القناة بحيث تحمى قواتنا على الضفة الغربية وفي الوقت نفسه تستر وتغطى أى عملية عبور في المستقبل إلى الضفة الشرقية .
 
وقد تم عبور [[1973]] تحت ستار حائط صواريخ [[عبد الناصر]] الذي أنشأه عام [[1970]] ولم تتمكن  قواتنا من التقدم خطوة واحدة أبعد من مدى حماية  هذه الصواريخ بالرغم من أنه كان من الممكن استخدام وسائل أخرى.
 
'''ولنرجع مرة أخرى إلى هنري كيسنجر في كتابه "سنوات البيت الأبيض" لتجده يقول:'''
 
:"في 15 [[أغسطس]] أب [[1970]] قابلني إسحاق رابين أكد  أن 14 موقع صواريخ سام '''"2"''' معززة بثلاثة مواضع صواريخ سام 3 حركت في المنطقة العازلة ون إسرائيل فقدت 5  طائرات فانتوم  في يوم وحد"
 
'''ثم يقول:'''
 
:"استخدم [[عبد الناصر]] مبادرة روجرز لتحريك صواريخه للأمام وأصبحت هذه الصواريخ لا توفر الحماية للقوات المصرية في القناة فحسب بل أصبحت قادرة على حماية أى عملية إنزال مصرية على الجانب الآخر وقد انتهز [[عبد الناصر]] فترة إيقاف النيران لأن الصواريخ ستكون مؤمنة ضد الضرب "
 
'''ثم عاد ليكتب:'''
 
:" في 22 [[يوليو]] تموز [[1970]] بدأ الروس والمصريون في إنشاء خط دفاعي بمحاولة القناة وعلى مسافة 20 -3- ميلا وهذا الخط يشمل 3 مواقع سام 3, 11 موقع سام 2 وسوف تقوى وتعزز هذه المواقع في المستقبل وأصبحت قادرة على حماية موقع المدفعية المصرية التي تقذف الإسرائيليين في الشرق بل وتعتبر في الوقت نفسه قاعدة للهجوم المصري المنتظر .
 
:وأصبح على الأمريكيين مواجهة النظرية الروسية التي تستخدم الوجود السوفيتي لتعزيز نفوذها الجيويوليتيكي فما بدا على أنه وجود لمنع الاختراق الإسرائيلي انتهي إلى كونه وسيلة ضغط الانسحاب إسرائيل".
 
هذا من ناحية السباق بين '''"القدرة على الاختراق " و" القدرة على الاعتراض "''' فماذا كان عليه الموقف في السباق بين '''" القدرة على الفعل " و" القدرة على  رد الفعل "؟'''
 
كان لدى إسرائيل  السلاح الرادع متمثلا في الطائرات بعيدة المدى من الفانتوم والسكاى هوك فلو أمكن ل[[مصر]] الحصول على الطائرة بعيدة المدى أيضا لبطل مفعول السلاح الرادع الإسرائيلي ..
 
وهذه نتيجة حتمية في إدارة الصراع الذي يعتمد على الردع فامتلاك القوتين الأعظم الأسلحة الذري في مخازنهما  أبطل استخدام القوة الذرية في الصراع وامتلاك الغازات السامة للأطراف المتعددة يمنع استخدامها .
 
ولم تكن الطائرة بعيدة المدى متيسرة لدى [[مصر]] في ذلك الوقت رغما عن محاولاتنا المتعددة مع الاتحاد السوفيتي فلم تكن حساباته قد تطابقت مع حساباتنا في هذا المجال بعد كان يخشي بدوره دفع الأمور بأكثر  مما تحتمل فينجم عن ذلك المواجهة التي يريد تجنبها .
 
ولكن تدخل الحظ فجأة وحدثت ثورة "الفاتح" من [[سبتمبر]] – أيلول [[1969]] بقيادة الأخ " معمر القذافي " وسعي الرجل في إستماتة حتى تيسر له في أوائل عام [[1970]] الحصول على صفقة فرنسية وافق عليها الرئيس الفرنسي بومبيدو وتتعلق بشراء ليبيا مائة طائرة ميراج يتم توريدها على أربع سنوات وتم الحصول على عدد من هذه الطائرات وضعت تحت تصرف القيادة المصرية ... وأصبح لدى [[مصر]] سلاح رادع في مقدروه ضرب إسرائيل في العمق , وكن هذا من أخطر التطورات الإستراتيجية في الصراع الدائر .
وأصبحت [[مصر]] قادرة على " رد الفعل " وبذلك كسرت [[القاهرة]] بفضل سياستها العربية الجناح الآخر من معادلة " الردع " ويرجع الفضل في ذلك إلى " معمر القذافي " وأقول هذا للتاريخ .
وقد تحدث هنرى كيسنجر في كتابه " سنوات البيض لأبيض " عن ذلك أثناء حديثه عن زيارة بومبيدو للولايات المتحدة في نهاية [[فبراير]] – شباط [[1970]] وكيف استقبل الرجل هو وزوجته استقبالا سيئا من العناصر اليهودية  لموافقته على عقد تلك الصفقة ويقول بالنص " ولم يكن لدى ليبيا الطيارين الذين يقودون هذه الطائرات وأصبح من الواضح إنها اشتريت لدولة أخرى من المحتمل أن يكون [[مصر]] " ولم يغفر بومبيدو أبدا للولايات المتحدة استقبالها السئ له مم أثر على العلاقات بين البلدين .
وبذلك أصبح لدنا القدرة على الاعتراض وتساقطت الطائرات الإسرائيلية  على ضفتي القناة .. كما أصبح لدينا القدرة على رد الفعل الذي يمكن أن يتضاعف في الأسابيع التالية .
وحينما تم ل[[عبد الناصر]] ذلك أقدم على أعظم خطوة في إدارة الصراع وهي قبوله لمبادرة روجرز .
خطة جرانيت
وفي أثناء ذلك كانت خطط العبور تجهز في سرية وتكتم ويجرى عليها التعديلات بين وقت وآخر على حسب تطور التقدم في التسليح والتدريب وتجهيز مسارح العمليات كان الغرض هو العبور ثم الوصول في مرحلة واحدة إلى مناطق الممرات وكان الاسم الكودي للخطة هو " جرانيت " وكتجارب ابتدائية للتنفيذ أخذت قواتنا تعبر إلى البر الشرقي في وحدات صغيرة في أول الأمر ثم زاد حجمها إلى " سرايا بأسلحة  معاونة " لتدمير العدو والحصول على معلومات عن دفاعاته والقبض على الأسري .
وقد قامت المخابرات العامة بتصوير خط " بارليف " بحيث اتضحت معالمه تماما وقامت في الوقت نفسه بإتمام دراسة مستفيضة عن الأعياد الإسرائيلية لاختيار إحداها لبدء الهجوم إذا رؤى ذلك, كما قامت بإجراء دراسات مستفيضة عن كافة الأهداف الإستراتيجية داخل إسرائيل وكيفية التعامل معها ووضعت كل ذلك على الخرائط وتخت الرمل بل علمت " ماكينات " من الخشب والورق المقوى للأغراض ذات الأهمية الخاصة , وفي الوقت نفسه قامت المخابرات بدفع دوريتها بعيدة المدى خلف خطوط العدو  في [[سيناء]] لتبقي  هناك إياما قصيرة أو طويلة حسب الواجبات المنوطة بها..
كن [[عبد الناصر]] في لعبته الكبيرة يستعد " للمعركة الكبرى " إذا فشلت وسائله الأخرى في تحقيق الجلاء عن أراضينا . وتعمدت ألا أقول " القتال " لأنه لم يتوقف يوما واحدا إلا بعد قبولنا لمبادرة " روجرز".
كلام  كلام .. قتال قتال
الحوار في الصراع الدولي ديالوج.. نقاش وتبادل أفكار وصراع إرادات .
ووسيلة تنفيذ ذلك هي الألفاظ والكلمات والمذكرات جنبا إلى جنب مع القنابل والمدافع والطائرات.. هذه لهجة وهذه لهجة أخرى تكون في مجموعها لغة الحوار في الصراع المحلي أو العالمي على حد سواء .
والحوار يسير في بحر  هائج ملئ بالأخطار والأمواج المتلاطمة . الخط الحرج أحد شواطئه والأمر الواقع هو الشاطئ الآخر . ويتأثر الشاطئ الأول بمصلحة الدولتين الأعظم بينما يتأثر الشاطئ الآخر بمقدار إصرار القوى المحلية سواء تلك التي تصر على " رفض " الأمر الواقع أو تلك التي تصر على " فرض "  الأمر الواقع .
والريان الماهر هو الذي يقود سفينته وسط هذا الخضم بمهارة وشجاعة وصدق وإلا غرق مع سفينته إلى القاع وأصبح طعاما شهيا  للحيتان . وعلى الربان وهو يقود سفينته أن يتذكر أنه خير له أن يكون موضع رهبة وخوف في دنيا [[السياسة]] من أن يكون موضع عطف ومديح وعليه أن يكون ثعلبا ليعرف مكان الفخاخ وفي الوقت نفسه يكون ليثا ليخيف الذئاب . وعليه قبل كل ذلك أن يكون عالما بلغة الحور .. كلام وقتال .. فالكلام وحدة لهجة أحيانا يصعب عليها التأثير .. والقتال لهجة قد تؤثر وتلين وتجبر الطرف الآخر على إعادة حساباته .
وكان [[عبد الناصر]] يستخدم طول الوقت اللهجات المختلفة للحوار .. قتال لا يتوقف ومحادثات مستمرة في نفس الوقت حتى عندما  قبل إيقاف النيران بعد مبادرة " روجرز " قبل ذلك لفترة 90 يوما واستغلها في نقل حائط الصواريخ قريبا من القناة .
فتح قلبه " لجونار يارنج " وظل الرجل ينتقل في المنطقة " المكوك " حتى تقطعت أنفاسه " وشجع المباحثات الثنائية بين موسكو وواشنطن إلا أن " هنرى كيسنجر " كان ينسفها من وراء ستار وشجع المباحثات الرباعية بين موسكو وواشنطن وباريس ولندن إلا أن " هنرى كيسنجر " كان لها بالمرصاد أيضا ...
  ولكنه كان يعلم تماما أن الحل أولا في  مسرح العمليات : فلا يمكن أن يتحقق السلام العادل إلا بعد تعديل موازين القوى على الطبيعة : كان لابد له أن يكسب معركة الاعتراض , وكان لابد له أن يكسب معركة الفعل والقدرة عليه وكان لابد له أن يغير مواقع الدولتين الأعظم من الخط الحرج وكان لابد له أن " يقلقل " الواضع على خط  الأمر الواقع .
وحينئذ يمكن أن يتحرك إلى " الحل "  قاعدة وطيدة أساسها الاعتماد على النفس . وقبل " مبادرة روجرز"...وانتقل من صفحة 327 من كتاب سنوات البيت الأبيض لهنرى كيسنجر عن الاتجاه الرسمي الأمريكي لهذه المبادرة " لقد كنت أعترض على قيام الولايات المتحدة بأى مبادرة في ظل التواجد السوفيتي وفي ظل تطرف [[عبد الناصر]] , وفي أعمال الفدائيين . وبالرغم من ذلك تقدمت وزارة الخارجية بورقة مبادئ عامة تقر أن المفاوضات القادمة تعتبر مجرد اتفاق وليس بالضرورة معاهدة سلام , وإن المباحثات المباشرة ليست ضرورية في المرحل الأولي وإن كان من المحتمل أن تتم في مرحلة لاحقة وإنه على إسرائيل الانسحاب من [[مصر]] والأردن إلى حدود ما قبل الحرب مع تعديلات طفيفة فقط في الحدود مع الأردن وفي 10 [[مارس]] – آذار  وافق نيكسون على مقترحات الخارجية على أن تقدم ورقة المبادئ إلى إيبان عند زيارته ثم تناقش نقطة نقطة بعد ذلك مع دوبرينين ثم تعتبر أساسا للمفاوضات الرباعية .
وحينما مات [[عبد الناصر]] في 28 أيلول  [[1970]] كان ضمن مخلفاته أشياء كثيرة أهمها : جيش أعيد بناؤه خطة جرانيت والتمرين عليها حائط صواريخ يستر القوات على القناة ويستر أى عملية عبور الظروف الصعبة قناة السويس معطلة الملاحة كوسيلة ضغط موقف عربي مساند , باب المندب مسيطر عليه نتيجة لمساعدته لثورتي [[اليمن]] الشمالي والجنوبي وتنسيق كامل مع الاتحاد السوفيتي كإحدى الدولتيني الأعظم يوازن به الموقف الأمريكي المعادى , انقسام في الرأي داخل الإدارة الأمريكية مبادرة روجرز , موقف أوروبي متعاطف .
ولعل البعض يتساءل : لماذا كان الاعتماد على هنرى كيسنجر " كمصدر أساسي لتقييم رد فعل إجراءات [[عبد الناصر]] والإجابة بسيطة , ظاهرة , ففيه إرضاء لكل من أصدقاء الرجل وأعدائه على  فالأصدقاء – وهم يثقون فيه – لا يمكنهم أن يتنكروا لشهادة صديق والأعداء – وهم يشكون فيه – يرحبون بشهادته على أساس أن أصدق شهادة هي الاعتراف بالحق من جانب الأعداء . ولعل الكثيرين – وأنا واحد منهم – " يتطلعون في شوق إلى الجزء الثاني من كتاب هنرى كيسنجر " " سنوات البيت الأبيض " وفيه سيتحدث عن فترة ما بعد [[عبد الناصر]] !!
الباب الرابع
ومات [[عبد الناصر]]
الفصل التاسع : اليوم الطويل .
الفصل العاشر : وقائع تحتاج إلى وقفة
الفصل الحادي عشر : الوداع الأخير
الفصل التاسع
اليوم الطويل
أيلول الأسود – في السادسة والربع مات [[عبد الناصر]] – ترتيبات الجنازة الحزينة – بدأت الأسافين وجثة الرئيس لم تخرج من منزله بعد – الجثمان في قصر القبة – الجلسة المشتركة بين اللجنة التنفيذي ومجلس الوزراء – التقرير الطبي عن وفاة الرئيس – أعمال المادة 110 من الدستور – نائب الرئيس ينعي [[عبد الناصر]] إلى الشعب .
في صيف عام [[1970]] كان الوضع في الأردن قد أصبح في غاية التعقيد وقد أصبح واضحا أن صداما دمويا بين الملك حسين والمنظمات الفدائية الموجودة في الأردن أمر لا يمكن تفاديه إذ وجد الملك  حسين نفسه  بمرور الوقت بين شقي الرحي : المنظمات ال[[فلسطين]]ية تزيد من سلطاتها داخل دولته مما اعتبره إقتداء على سلطته الشرعية ولم يكن من السهل عليه قبول ذلك.
وإسرائيل تهدد " بذراعه الطويلة " وتتوعد بالانتقام إن لم يعمل على إيقاف العمليات الفدائية التي تم من أراضيه
  وكان خوف الملك الحقيقي من المنظمات الفدائية إذ كان يعتبرها بمثابة التهديد الخطير لعرشه ولم يكن يخشي في واقع الحال – في ذلك الوقت – من أى تهديد إسرائيلي إذ كان تأمين العرش الأردني أحد أهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في ذلك الوقت وكانت إسرائيل تعلن أنها سوف تتدخل عسكريا في حالة أى تهديد يوجه إلى الوضع القائم في الأردن.
وفي يوم 12 [[سبتمبر]] – أيلول أعلن الملك حسين الأحكام العرفية في الأردن واستبدل حكومته المدنية بحكومة عسكرية برئاسة اللواء محمد داود إذ كان الملك قد عقد العزم على سحق المنظمات  الفدائية في بلاده . وما لبث الموقف أن تفجر بين قوات الملك من جانب والقوات ال[[فلسطين]]ية من جانب آخر وخاض الطرفان معارك وحشية استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة المتاحة.
وبدأت سوريا في حشد قواتها على الحدود الأردنية استعدادا للتدخل في الوقت المناسب :
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها قد تضطر للتدخل في الأردن إذا هددت سوريا والعراق النظام الملكي في الأردن.
وبدأت واشنطن تستعد لكافة الاحتمالات فأعلنت حالة التأهب بين بعض القوات الأميركية وتم استنفار الفرقة 82 المحمولة جوا ثم أمرت سفن الأسطول السادس بالقيام بعملية " استعرض العلم " بالتحرك في اتجاه سواحل لبنان وإسرائيل ثم وجه ريتشارد نيسكون إنذار شديدا إلفى الاتحاد السوفيتي يحثهم فيه على ردع السوريين كما تصل بالملك حسين ليطمئنه على أنه لا يقف وحده.
وقام الاتحاد السوفيتي بدوره بشجب الاستفزازات العسكرية الأمريكية ولفت نظر واشنطن إلى أن تتبع الحذر في خطواتها التي تقوم بها بصدد الموقف المعقد في الشرق  الأوسط وأن أى تدخل سيزيد الموقف تعقيدا.
إلا أن تطورا غريبا حدث في الموقف إذ رأت واشنطن أن تستعين بإسرائيل للتدخل لحسم الموقف في حالة توغل القوات السورية في الأراضي الأردنية وكانت " جولدا مائير  رئيسة وزراء إسرائيل قد وصلت إلى نيويورك في زيارة رسمية وقرر نيكسون مفاتحتها في قراره  هذا عند لقائه لها في اليوم التالي وكتمهيد لهذا اللقاء وافق على طلب  إسرائيلي بمساعدة قدرها 500 مليون دولار وإرسال 18 طائرة فانتوم في موعد مبكر عن البرنامج الزمنى المحدد له وكان هذا الطلب يتسكع في إدراج الرئيس لفترة طويلة قبل بداية الأزمة .
وفي نفس اليوم 18 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] تقدمت القوات المدرعة السورية في اتجاه "  أربد" من الشمال الغربي من الأردن وزادت كثافة الدبابات السورية التي عبرت الحدود الأردنية في اليوم التالي وأرسل الملك حسين رسالة يقول فيها " سقطت أربد في أيدي السوريين " وطالب بمساعدة الأمريكيين والبريطانيين له .
وبدأ التعاون الأمريكي – الإسرائيلي في رسم الخطط  للتدخل وكان يمثل الجانب الأمريكي هنرى كيسنجر والجانب الإسرائيلي إسحاق رابين سفيرهم في واشنطن في ذلك الوقت وكان هيكل الخطة الإسرائيلية شن  هجوم على القوات السورية في منطقة اربد تقوم به القوات المدرعة الإسرائيلية المتمركزة في الجولان باتجاهها شرقا وجنوبا على أن تتقدم المدرعات الأردنية من الجنوب  في اتجاه اربد على أن تقوم المدفعية الإسرائيلية بتقديم المساعدة بالنيران من الضفة الغربية ويقوم الطيران الإسرائيلي بضرب اربد من الجو واتفق على أن يقوم الجانب الأمريكي بالتنسيق مع الأردن مع التأكيد للملك حسين بأن القوات الإسرائيلية سوف تنسحب من الأردن بعد انتهاء العملية .
وبدأت الاستعدادات الإسرائيلية المحمومة بطريقة علنية في الضفة الغربية للأردن وفي مرتفعات الجولان.
وفي يوم 23 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] عقد مؤتمر القمة العربي ب[[القاهرة]] ومنذ بدايته كان هناك اتجاهان في الرأي  : كان هناك القذافي وجعفر النميرى وغيرهما يرون اتخاذ موقف حاسم من الملك حسين وكان آخرون من بينهم [[عبد الناصر]] يرون أن الغرض من المؤتمر هو وقف المذبحة الحالية وعلى ذلك فإن اتخذ موقف التشدد من الملك حسين فإن المؤتمر بذلك يكون قد أعطاه المبرر لقطع اتصالاته بالحكومات العربية والمضى في مذبحته ضد المقاومة . وفي 24 [[سبتمبر]] – أيلول سافر  إلى عمان وفد برئاسة جعفر النميري للوقوف على ما يجرى ومحاولة تهدئة الموقف وعاد الوفد دون  نتيجة وأخذ الوفد يعرض نتائج مباحثاته على المؤتمر .
ويحسن أن أنقل من كتاب " الطريق إلى رمضان " لمحمد حسنين هيكل جانبا من النقاش الذي  تم في هذه الجلسة حتى نوضح الجو الذي ساد المؤتمر ...
الملك فيصل :  إني متفق مع فخامة  [[جمال عبد الناصر]] أن ذلك كله يبدو كنه خطة لتصفية المقاومة .
القذافي : أني غير متفق معكم في الجهود التي تبذلونها وأعتقد أنه لابد من إرسال قوات مسلحة إلى عمان ... قوات مسلحة من العراق وسوريا .
الملك فيصل : تريد أن ترسل قواتنا المسلحة للقتال في الأردن ؟ هذا ليس عمليا ..
[[عبد الناصر]] : أظن أن علينا أن نتحلى بالصبر .
 
فيصل : أظن أنه إذا كان لنا أن نرسل جيوشنا إلى ى مكان فلابد أن نرسلها لتقاتل اليهود.
القذافي :أن ما يفعله حسين أبشع مما يفعله اليهود ...والمسألة كلها في الأسماء .
[[عبد الناصر]] : الصعوبة هي أننا إذا أرسلنا جنودا إلى الأردن فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تصفية بقية ال[[فلسطين]]يين وأريد منكم أن تستمعوا إلى رسالة تلقيتها هذا الصباح من الاتحاد السوفيتي إنهم يطلبون منا التمسك بأقصى قدر ن ضبط النفس لأن الموقف الدولي أصبح دقيقا للغاية وأى خطأ في التقدير يمكن أن يؤدي إلى أن نفقد نحن العرب كل السمعة التي اكتسبناها خلال السنوات الثلاث الماضية .
القذافي : ما زلت معترضا فإننا إذا كنا نواجه مجنونا كالملك حسين يريد أن يقتل شعبه فلابد أن نرسل من يقبض عليه ويضع الأغلال في يديه ويمنعه من أن يفعل ما يفعله ويحمله إلى مستشفي المجانين .
فيصل : لا أظن أن من اللائق أن تصف ملكا عربيا بأنه مجنون .
القذافي : لكن أسرته كلها مجانين .
فيصل: حسنا . ربما كنا كلانا مجانين .
[[عبد الناصر]] : في بعض الأحيان حينما ترون حلالتكم ما يجرى في العالم العربي أن  ذلك ربما يصبح صحيحا وأقترح أن نعين طبيبا يكسف علينا بصورة منتظمة ليتبين من هم المجانين بيننا ..
فيصل " أريد أن يبدأ طبيبك بي لأني أشك بالنسبة لما أراه في أني أستطيع الاحتفاظ بتعقلي .
[[عبد الناصر]] : على أية حال  , دعونا نعود إلى موضوعنا الأصلي , إني أقترح أن يصدر على الفور بيان باسم الرئيس النميري يقول إن الملك حسين قطع  للوفد عهدا بإنهاء القتال .
القذافي : الملك حسين  لن يتراجع ما لم يحس بخنجر فوق عنقه ,.
ووسط كل هذا الذي يجرى كان اللواء محمد داوود رئيس الحكومة الأردنية الذي عينه الملك حسين خلفا لعبد المنعم الرفاعي لمواجهة الموقف في [[القاهرة]] وإذا به يعلن استقالته لأن " الحكومة العسكرية التي شكلت برئاستي في الأردن حملت بما لا ذنب لها فيها ولم يكن بيدها من أمر توجيه الأمور شيئا  وأنه يريد الآن أن يفسح المجال لتشكيل حكومة وطنية تستطيع أن عيد السلام إلى الأردن "
وانتهى الموضوع  كله حينما شن الملك حسين هجوما شاملا ضد القوات السورية محدثا بها خسائر فادحة وأخذت قاذفاته من طراز هوكر هنتر تقذف  المدرعات السورية وهي منسحبة من الشمال وحينما تأكد الملك حسين من سيطرته التامة على الموقف قبل الدعوة في 27 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] لحضور مؤتمر القمة في [[القاهرة]] ووقع على اتفاق مع ياسر عرفات على وقف فوري لإطلاق النيران وانسحاب كل قوات الجيش وقوة المقاومة من كل مدينة من الأردن مساء ذلك اليوم .
كان [[عبد الناصر]] طوال هذه الأزمة يعيش في الطابق الحادي عشر في فندق " النيل هيلتون " وبعد أن وقع الاتفاق بين الملك وأبي عمار يوم 27 قرر العودة إلى منزله في منشية البكرى لينام مبكرا إذ كان عليه في اليوم التالي توديع المسافرين من الملوك والرؤساء .
وفي اليوم التالي  28 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] ذهب إلى مطار [[القاهرة]] الدولي لتوديع الملوك والرؤساء وفي أثناء توديعه لأمير الكويت شعر بأنه غير قادر على الوقوف وطلب سيارته لتقله من حيث يقف لأنه أصبح عاجزا عن السير إليها وركب السيارة وهو يجر رجليه وطلب أن يحضر الأطباء .
وفي الثالثة والنصف كان قد وصل إلى منزله ليجد قرينته وأولاده في انتظاره على مائدة الغذاء ولكنه اتجه مباشرة إلى حجرة نومه في الطابق الثاني .
وبدأت محاولات الأطباء اليائسة دون جدوى  كانت الأزمة القلبية أثقل مما ينفع معها أى دواء وفي السادسة والربع مات [[عبد الناصر]] .
بزغت شمس 28  [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] وكنت في ذلك الوقت  وزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء كان على ن أحضر بعض الاجتماعات العجلة في الصباح أما بعد الظهر فكان على ن أمر على مستشفي المعادى حوالي الخامسة بعد الظهر للاطمئنان على حرم المرحوم فاروق حمد الله عضو مجلس الثورة [[السودان]]ي والذي أعدمه النميري بعد ذلك في صيف عام [[1971]] كما كان على  أن أزور الأخ سعد الصباح وزير الدفاع الكويتي  زيارة عمل في منزله بالزمالك الساعة الخامسة والنصف وفعلا ذهبت إلى الزيارتين ولذلك لم أكن حاضرا وقت وقوع  الحدث الجلل . وأثناء مروري على منزل العائلة وكانت الساعة حوالي السابعة أخبروني أن رئاسة الجمهورية طلبتني عدة مرات  ويرجو المتحدث أن أتصل به في رقم هاتف تركه بمجرد وصولي . وطلبت الرقم ولما عرف المتحدث اسمي صرخ وهو يبكي وينتحب " انت فين ؟ تعال فورا ... الريس مات , الريس مات !"
وكان الرجل يكرر العبارة بعد أن ألقيت سماعة الهاتف من يدى وكأنها  أفعي لدغتني .. وجريت لا ألوى على شئ . لم أكن أصدق ما سمعت .
وحينما وصلت منزل " الريس " دخلت من فوري حجرة الصالون التي اعتاد أن يستقبلنا فيها ووجدت هناك السادة أنور السادات , [[حسين الشافعي]] , وعلى صبري , محمد فوزي , شعراوى جمعة , محمد أحمد . سامي شرف , والليثي ناصف , محمد حسنين هيكل .. وبعض أفراد الحرس الخاص .
كان الحزب يخيم على الجميع ..حزن صامت من البعض ..وبكاء من أغلب الحاضرين ولم يكن من السهل فتح أى موضوع للتحدث فيه .
وبدأ البعض منا يثير أسئلة من تلك التي تثار في هذه المناسبات ..
واتفق الرأي في هذه الجلسة على الآتي ..
• أن تشيع الجنازة أول [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] .
• أن يذيع السيد أنور السادات بيانا على الشعب العربي بالحدث الأليم .
• أن يتم اجتماع عاجل لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء في قصر القبة الساعة العاشرة مساء .
• تتكون لجنة برئاسة الأخ محمد أحمد لتنظيم مراسم وإجراءات الدفن .
• تبدأ الجنازة من [[الأزهر]] الشريف حيث نادي [[عبد الناصر]] أيام العدوان الثلاثية عام [[1956]] من فوق منبره " سنقاتل , سنقاتل , سنقاتل ".
• نقل الجثمان فورا من منشية البكري إلى قصر القبة .
وقمت بصفتي وزيرا للدولة لشؤون مجلس الوزراء بأخطار مكتبي للدعوة إلى الاجتماع المتفق عليه وبعد ان فرغت من ذلك مباشرة ارتفع صوت حرم الرئيس وهي متعلقة بجثمانه الذي حمله البعض من الدور العلوي إلى الدور الأسفل لنقله بواسطة عربة الإسعاف المنتظرة على الباب الداخلي .
واستغرقت هذه العملية بعض الوقت وكنت أنا مع شعراوي جمعة وسامي شرف في الحديقة وإلى جوارنا محمد حسنين هيكل يروح جيئة وذهابا وهو يردد " مش معقول , مش معقول "
ويقول حسن التهامي في مذكرات نشرت في صحيفة الأهرام – على ما أظن – أنه حينما رآنا هكذا وقوفا في الحديقة أيقن إننا نتآمر ضد السادات ثم يستطرد . ليقول " دخلت من فوري لأخبر السادات بأن شعراوي جمعة وسامي شرف وأمين هويدى يتآمرون في الخارج  وعليك أن تضرب ضربتك قبل فوات الأوان " ويستطرد قائلا أن الرئيس السادات قال له " ليس هذا وقت هذا الكلام "!!!
لقد حدث هذا باعتراف الزميل  حسن التهامي قبل أن تخرج جثة الرجل العظيم من المنزل ولما يمض على موته إلا ثلاث ساعات !! ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولست أدرى حتى الآن كيف وصل الزميل إلى هذا الذي وصل إليه ؟ كيف يعرف الرجل ما كنا نتحدث فيه بمجرد مروره هكذا في الحديقة علما بأنني أؤكد للزميل أن هذا لم يحدث على الإطلاق . كانت مجرد الكلمات العادية لا تقوى على الخروج من فم الإنسان كان التفكير مشلولا لا يقول على مثل هذه الظنون . وإنني أحسده تماما على قوة أعصابه التي مكنته من هذا التصور في مثل هذا الموقف العسير !!!
ثم هناك سؤال آخر : إذا كان الزميل المحترم قد أوقع على هؤلاء هذا الاتهام الغليظ فكيف يطاوعه ضميره – وهو رجل دين وتقوى – إلا يتأكد قبل ن يقطع بالظن وهو يعلم أن الله يقول " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة "؟ ثم كيف يطاوعه ضميره – وهو الرجل الذي انصرف إلى التقرب إلى الله – بأن يقبل أن يكون عضوا أيسر في المحكمة التي حاكمت هؤلاء ضمن آخرين فيما سمي بأحدث 15 [[مايو]] – أيار [[1971]] خاصة وأنه اتهم فعلا دون أن يتحقق وصبح طرف في الموضوع ؟!!
وهذا يجعلني أشك كثيرا في أنه أخبر الرئيس السادات بهذا الاتهام  وإلا ما كان الرجل قد عينه عضوا في محكمة تحاكم أفرادا قطع مسبقا بأن بعضا منهم مذنبون !!
وعلى أية حال فلا فائدة من الإطالة ولكنني أعود فأكرر  أن هذا الظن باطل وأنه لم يحدث لأن كل همنا كان منحصرا في المصيبة التي وقعت على رأسنا فجأة ودون إنذار !!
سامحه الله وسامح غيره وكلنا يعلم أن الله شديد العقاب
وفتح الباب الخارجي على مصراعيه ووضع الجثمان الطاهر في عربة الإسعاف وتبع عربة الإسعاف عربتان أو ثلاث كنت في إحداها مع الزميلين شعراوي جمعة وسامي شرف وأخذ الموكب الحزين طريقه إلى قصر القبة....
وكانت هذه آخر مرة تطأ فيها قدماي منزل [[عبد الناصر]] في منشية البكري .
كانت الشوارع هادئة فلم يكن الخبر قد أذيع بعد... ولم يكن هؤلاء الذين يسيرون في الشوارع الموصلة إلى المقصر يعلمون أن الموكب يحمل أغلي من في [[مصر]]  كلها ولم يكن هؤلاء يعلمون بالكارثة التي حلت وبالحادث الجلل الذي وقع .
وحمل جثمان وسط نحيب الضباط والجنود الذين تجمعوا وهم لا يصدقون ما يحدث أمامهم إلى غرفة " العيادة " بالقصر حيث وضع جثمانه على السرير الوحيد بالغرفة وقد غطي بملاءة بيضاء ووقف على الباب حراس بأسلحتهم.
وجهزت الثلاجة الخاصة بالقصر وحينما تم ذلك نقل الجثمان إليها ليبقي هناك حتى يوم تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير في جامع [[عبد الناصر]] بكوبري القبة حيث كانت قيادة الجيش التي سقطت في يد قوات الثورة يوم 23 يوليو – تموز 1952 .
ويقول الأخ الدكتور صلاح هدايت وزير البحث العلمي السابق إنه أخذ صورة وجه [[عبد الناصر]] على نوع خاص من " الجبس " حتى يحتفظ بملامحه الحقيقية عنده ولست أدرى هل ما زال يحتفظ بها حتى الآن .
ولم يبق أمامنا إلا انتظار عقد اجتماع المجلس المشترك الذي سيحضره كل من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء .
وكانت الإذاعة والتليفزيون قد قطعا برامجهما العادية واقتصرا على إذاعة القرآن الكريم ... وبدأ الشعب يحدس ويخمن عما وقع ولكن لم يخطر ببال أحد أن آيات الله تتلى على روح [[عبد الناصر]] بعد أن فارق الحياة !!!
وتم عقد اجتماع مشترك لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء قاعة الاجتماعات الموجودة بقصر القبة القاعة التي كان يعقد فيها [[عبد الناصر]] اجتماعات المجلس بصفة دائمة .
وكان كثير من الوزراء في ملابس الميدان إذ كانوا قد رجعوا من فورهم من الجبهة على قناة السويس فقد كان الوزراء – كل فيما يخصه – يذهب لزيارة الجبهة بين وقت وآخر لحل المشاكل على الطبيعة ولم يكن بعض هؤلاء قد علم بالحادث الجلل بعد. وانفجر أغلب الوزراء في البكاء وكانت علامات الحزب والآسي وربما الضياع قد ظهرت على وجوهنا جميعا .
وجلس الوزراء كل في مكانه وترك مكان الرئيس الراحل شاغرا لم يجلس فيه أحد.
  كان جسد الرئيس موضوعا في غرفة " العيادة " بقصر القبة على خطوات معدودة من اجتماع المجلس بعد أن تم نقله من منزله " بمنشية البكري " ولم  يكن قد تم نقله إلى ثلاجة القصر في انتظار تشييع الجنازة بعد.
وتولي السيد أنور السادات " نائب رئيس الجمهورية " رئاسة الجلسة .
وبدأ في تبليغ الأعضاء تفصيلات ما حدث والذهول مخيم على الجميع .
وبدأ حسن التهامي وزير الدولة التعليق باتهام صريح للهيئة الطبية المشرفة على علاج الرئيس متهما إياها بالتقصير والإهمال واستدعي الدكتور " منصور فايز" على الفور ليدلي ببيان تفصيلي عما حدث واستغرق بيان " الدكتور فايز" حوالي ربع ساعة انهاه بقوله " لقد نفذت إرادة الله ولم تكن هناك قوة تحول دون ذلك. إن المستحيل عمل من أجل الرئيس ولكن علينا أن نؤمن بأنه لا راد لقضائه ".
وانصرف الرجل النبيل والحزن يعتصره وهو لا يقوى على السير .
ثم عاد أنور السادات ليتحدث عن الهيكل العام لتشييع الجنازة .
وحينما أراد الانصراف على عجل ليذهب إلى مبني الإذاعة والتليفزيون بشارع " ما سبيرو"  ليلقي بيانه على الشعب أثار لبيب شقير بحكم رئاسته لمجلس الأمة في ذلك الوقت موضوع السلطة بعد وفاة الرئيس الراحل وقال الرجل بالحرف الواحد " إن المادة 110 من الدستور تنص على أنه في حالة استقالة الرئيس أو عجزه الدائم عن العمل أو وفاته يتولي الرئاسة مؤقتا النائب الأول لرئيس الجمهورية ثم يقرر مجلس الأمة بأغلبية ثلثي أعضائه خلو منصب الرئيس ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة  لا تتجاوز 60  يوما من تاريخ خلو منصب الرياسة ... وتطبيقا لهذا النص الدستوري اقترح أن يتولى الرياسة المؤقتة السيد أنور السادات ".
والتفت إليه أنور  السادات وهم يهم بمغادرة قاعة الاجتماع قائلا " ليس هذا هو الوقت المناسب لمثل هذه الأحاديث وعلى  أى حال اعملوا دراسة دستورية عن هذا الموضوع " إذ كان من رأي سيادته الذي كان يصر على خلال الأيام التالية لا يتولى  الرياسة إلا بعد إتمام إزالة آثار العدوان .
وليس صحيحا ما قاله البعض أنه كان هناك مناورات أو تردد في أعمال نص الدستور في تلك الليلة وما تلاها من أيام إذ كان الجميع قد أصروا على أن تنقل السلطة بسرعة وبالطريق الدستوري الذي اعتادوا  أن يحترموه من قبل إذ أن الجميع كانوا يشعرون أن العالم كله ينظر إليهم ويحسب عليهم تصرفاتهم وخطواتهم بعد رحيل الزعيم .
ولذلك بادر رئيس مجلس الأمة بعد انتهاء الاجتماع مباشرة إلى إعلان النص الدستوري إلى مندوبي الصحف والإذاعة والتليفزيون  مضيفا أن السيد " نائب رئيس الجمهورية سيحضر في اليوم التالي اجتماعا مشتركا للجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء في الساعة 12 ظهر بالقصر الجمهوري بالقبة ".
وفعلا نشرت كل الصحف نص التصريح في اليوم التالي وإذاعته والتلفيزيون وتناقلته كافة وكالات الأنباء .
وفي الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق من ليلة 28 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] وجه أنور السادات بيانا نعي للأمة العربية إبنها وبطلها وقائدها ... قال :
" فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية , وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلي الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال , هو الرئيس [[جمال عبد الناصر]] الذي جاد بأنفاسه الأخيرة في الساعة السادسة والربع من مساء اليوم 27 رجب 1390 الموافق 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بينما هو وقف في ساحة النضال يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها .
" لقد تعرض البطل الذي سيبقي ذكره خالدا إلى الأبد في وجدان الأمة والإنسانية لنوبة قلبية حادة بدت أعراضها عليه في الساعة الثالثة والربع بعد الظهر وكان قد  عاد إلى بيته بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب الذي انتهي بالأمس في [[القاهرة]] والذي كرس  له القائد والبطل كل جهده وأعصابه ليحول دون مأساة مروعة دهمت الأمة العربية .
" إن اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الوزراء وقد عقدا جلسة مشتركة طارئة على أثر نفاذ قضاء الله قدره لا يجدان الكلمات التي يمكن بها تصوير الحزن العميق الذي ألم بالجمهورية العربية المتحدة وبالوطن العربي والإنساني إزاء ما أراد الله امتحانها به في وقت من أخطر الأوقات ..
" إن [[جمال عبد الناصر]] كان أكبر من الكلمات هو أبقي من كل الكلمات ولا يستطيع أن يقول عنه غير سجله في خدمة شعبه وأمته  والإنسانية مجاهدا عن الحرية مناضلا من أجل الحق والعدل مقاتلا من أجل الشرف إلى آخر لحظة من عمره .
" ليس هناك كلمات تكفي عزاء في [[جمال عبد الناصر]] .
" إن الشئ الوحيد الذي يمكن ن يفي بحقه وبقدره هو أن تقف الأمة العربية الآن كلها وقفة صابرة صامدة شجاعة قادرة حتى تحقق النصر الذي عاش واستشهد من أجله ابن [[مصر]] العظيم وبطل هذه الأمة ورجلها وقائدها .
" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي "
" والسلام عليكم ورحمة الله "
وكان هذا اليوم الطويل الحزين يوم 28 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] يوافق ليلة " الإسراء والمعراج " كما كان يوافق  يوم انفصال الإقليم الشمالي عن الإقليم الجنوبي في الجمهورية العربية المتحدة .
وبالمصادفة العجيبة !!!
الفصل العاشر
وقائع تحتاج إلى وقفة
رفض تشييع الجنازة من [[الأزهر]] – استقر الرأي على أن تشيع الجنازة من الجزيرة – بدأت وفود المعزين في الوصول – اجتماع للبت في موضوع إيقاف إطلاق النيران وحقيقة ما تم فيه – حقيقة ما تم في اجتماع مدينة نصر – بعض الجهود تهز الصورة والجثمان لم يشيع بعد .
ما زلنا نتحدث عن اليوم الطويل الحزين , وكنا قد توقفنا عند إلقاء بيان السيد أنور السادات الذي وجهه إلى الأمة العربية وذلك بعد انتهاء الاجتماع المشترك لأعضاء اللجنة التنفيذية  العليا ومجلس الوزراء .
وانصرف كل إلى حال سبيله .
ولعلنا نذكر أنه كان قد تم الاتفاق على تشييع الجنازة من [[الأزهر]] الشريف وتوجهنا إلى هناك حوالي الساعة الواحدة من صباح يوم 29 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] . كان الموجودون هناك شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى ومحمد أحمد وحسن طلعت مدير المباحث العامة وآخرون .
وقطعنا الميدان جيئة وذهابا نحاول أن نتصور سير الجنازة وكيف يكون .
وهنا ألقى رجال الأمن برأيهم القاطع في عدم صلاحية المكان لتشييع الجنازة ولم تفلح الآراء المضادة لإثنائهم عن القرار الذي وصلوا إليه ...
فالميدان مفتوح تصب فيه شوارع وطرق كثيرة ولذلك فإنه من المستحيل السيطرة على سيل المعزين المنتظر ثم الشوارع هناك ضيقة لن تتسع لكثافة عربات الملوك والرؤساء ووفود المعزين والمنازل  قديمة لن تتحمل ضغوط الحشود المنتظرة علاوة على أن كارثة ستحدث إذ من عاد السكان أن يتجمعوا في المنازل المطلة على الموكب ولن تتحمل المنازل القديمة من سيتجمعون فيها .
وأما هذه الآراء المعقولة أخذ المجتمعون يقلبون الأمر من جديد وأخيرا اتفق الجميع على أن يبدأ في تشييع الجنازة من مبني " مجلس الثورة " بالجزيرة فأهمية المكان التاريخية لا تحتاج إلى تعليق علاوة على أنه مكان مقفول نسبيا إذ يمكن التحكم في الكباري والجسور  التي توصله بشاطئ النيل إذ يصبح من السهل إقامة الأسلاك الشائكة وحشد القوات وإذا اضطر الأمر يمكن فتح الكباري فيتعذر على تجمعات البشر أن تقتحم المكان المخصص لتشييع الجنازة .
ووافق الجميع على المكان المختار وترك للأخ محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس الراحل عمل باقي الإجراءات ووضعنا ما يمكن أن نبذله جميعا من هد تحت تصرفه . وكانت الشمس قد ظهرت في الأفق من جديد حينما انصرفنا إلى منازلنا لتغيير ملابسنا واستئناف العمل لمواجهة ما أمامنا من مسئوليات .
وفي هذا اليوم بدأ الرؤساء وأعضاء الوفود في الوصول للاشتراك في تشييع الجنازة وبدأت عدة اتصالات مع أعضاء الوفود ورؤسائها في الفنادق التي ينزلون بها.
وقد تم اجتماع مساء يوم 30 [[سبتمبر]] – أيلول [[1970]] في مكتب وزير الحربية الفريق محمد فوزي بكوبرى القبة حضره كل من محمود رياض وزير الخارجية وشعراوي جمعة وزير الداخلية وحافظ  إسماعيل رئيس المخابرات العامة وسامي شرف  وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية ومحمد حسنين هيكل وزير الإرشاد وأمين هويدى وزير الدولة .
كان الغرض من الاجتماع هو الوصول إلى قرار بشأن تجديد قرار وقف إطلاق النيران الذي كان ينتهي في 9  نوفمبر – تشرين ثاني [[1980]] والذي كانت [[مصر]] قد قبلته بعد موافقتها على مبادرة روجرز.
ويقول هيكل في كتابه " الطريق إلى رمضان " بهذا الخصوص " لم يكن التوصل إلى قرار في هذا الأمر سهلا وكان شعوري أن علينا أن نمد وقف إطلاق النار لأسباب سياسية بحتة . صحيح أن الاستعداد لعملية جرانيت 1 كانت تمضى في طريقها ولكن من الذي كان يستطيع في ذلك الوقت أن يتحمل  مسؤولية إصدار الأمر بتنفيذها ؟ كن اليوم آنذاك أخر [[سبتمبر]] – أيلول وكان لابد لمن سيختار رئيسا جديدا ـأن يثبت منصبه باستفتاء عام يستغرق الإعداد له معظم شهر [[أكتوبر]] – تشرين أول وليس من الإنصاف أن نتوقع منه إصدار الأمر ببدء  الحرب ولما تمض عليه في منصبه إلا بضعة أيام ثم هل من الإنصاف أن نزج بالبلاد على الفور في معركة وهي لا تزال ممزقة بالحزن ؟ وهكذا أعلنت  أنني في جانب مد وقف إطلاق النار , وتحدث البعض مؤيدين الإجراء العاجل وخطر لى أن خير وسيلة لحسم الموضوع هي سماع رأي الرجل  المحترف . وتحدث الفريق فوزي وقال ما يفهم منه أن [[مصر]] العليا أى العسكرية المحضة لاستئناف القتال ؟ قال : أنا جندي وإذا صدر أمر مكتوب إلى فإني سأنفذ ما تطلبه مني القيادة السياسية . وكان ذلك غريبا إذ لم يحدث طوال حياة [[عبد الناصر]] أن طلب الفريق فوزي أية أوامر مكتوبة وقلت : ليس ذلك بالضبط هو الجواب على سؤال . السؤال هو : هل يناسبك من الناحية العسكرية أن تبدأ القتال على الفور أم أنك تفضل أن يتاح لك مزيد منا الوقت للاستعداد ؟ ورد على الفور : إذا منحت فرصة شهرين آخرين فإني أظن أن موقفي سيكون حسن . ستكون بطاريات الصواريخ في [[مصر]] العليا قد استقرت في مواقعها وسأشعر عندئذ بمزيد من الأمن . وقلت : أظن أن في هذا ما يجيب على تساؤلنا وإذا كان الجيش يري أن من الأفضل أن تتاح له فرصة شهرين آخرين فخير وبركة  والفرق ليس كبيرا بين شهرين وثلاثة وأظن أن علينا أن نضي بمد وقف إطلاق النيران فترة ثلاثة شهور أخرى وقد احتج بعض الحاضرين بأن هذه طريقة مفاجئة بلا داع لإنهاء النيران فترة ثلاثة شهور أخرى وقد احتج بعض الحاضرين بأن هذه طريقة مفاجئة بلا داع لإنهاء المناقشة لكن الحقيقة أنه لم يكن بينهم من  كان مستعدا للمضي في المناقشة في الاتجاه المعارض "
وانتهى كلام محمد حسنين هيكل , ولكن لنا وقفة طويلة أمام ما كتبه صراحة وما تركه يسقط بين السطور لإعطاء إيحاء معين ربما تطلبه الموقف حينما كتب ما كتب , ولست أعلق على ما قال تلبية لما ذكره في مقدمة كتابه من أنه سوف يكون من " أسعد الناس لو أن أحد قال لى أنك كتبت كذا وكذا ... ولكن الحقيقة كانت كذا وكذا ... ولو أنني اقتنعت لسجلت اقتناعي ولتراجعت عما كتبت شاكرا ومقدار لشعاع من الحقيقة أنار أمامي ما كان شاحبا و معتما " ولكن تعليقي نابع من عقيدة تأصلت في النفس تؤمن بأن الإنسان إما أن ينطق بالحق إلا فالصمت أفضل.
وقبل التعليق أطرح النقاط التالية .
فلا أظن أن تصحيح واقعة أو وقائع " بصراحة " يمكن أن يغير من علاقة قامت بين هيكل وبيني ساسها الاحترام المتبادل رغما عن ندرة اللقاء .
ولا أظن في الوقت نفسه أن أحدا يمكن أن يصنفني على حساب مجموعة أو شخص فلست واحدا ممن أسماهم " هيكل " بمجموعة 15 [[مايو]] – أيار وهيكل نفسه يعرف ذلك إلا أنني  بالرغم من اعتذاري عن الاشتراك في الوزارة منذ نوفمبر – تشرين ثاني [[1970]], وبالرغم من اعتزالي العمل السياسي وتفرغي لكتابة كتابين عن " كنت سفيرا في العراق " و" كيف يفكر زعماء الصهيونية " في وقت واحد إلا أنني وجدت نفسي وقد اعتقلت مع الآخرين وتنقلت في سجون عديدة مع الآخرين  وحقق معي على أشياء لا أعرف كنهها حتى الآن مع الآخرين ثم حكم على إمام نفس المحكمة التي حاكمتهم .. ولا أقول هذا تنصلا فليس هذا من عادتي ولا تباعدا هذا من شيمتي ولكنها الحقيقة التي لم يطاوعني قلبي أن أقولها أمام المحقق حتى لا يفسر تفسيرا خاطئا أو تترجم  ترجمة بعيدة عن المقصود.
وليس معنى هذا أنه تربطني بالكثيرين منهم صداقات عزيزة.
معني كلامي هذا أن حديثي حديث رجل محايد يقدم شهادته للتاريخ وهناك فارق كبير بين الشهادة الخاصة لوجه الله وبين الادعاء  على العير أو الدفاع  عن لنفس .؟
 
إن كل ما كتب حتى الآن عن تلك الفترة كتب من وجهه نظر واحدة بالرغم من اختلاف وربما تناقض من كتبوا عنها ولكن الظروف التي كتبوا فيها وحدا بين الاتجاهات والأهداف وهذا ليس شأني ولكن ما أهتم به هو أن كل ما كتب لم يحاول أن يفرق في عدالة بين الأشخاص والمواقف ولا بين الحقيقة وبين ما حتمته الظروف .
أؤكد أنه حينما تم عقد هذا الاجتماع  كان قد قرر  وبصفه قاطعة الخطوات الدستورية لنقل السلطة ووافق عليها السيد أنور السادات .وكان قد تم تحديد تواريخ عقد اجتماعات اللجنة التنفيذية العليا واللجنة المركزية ومجلس الأمة وموعد إجراء الاستفتاء على رئاسة الجمهورية بدقة كاملة لقطع خط الرجعة على أية محاولات  تحاول الصيد في الماء العكر . ولعل هذا يلقي شعاعا من الحقيقة على الظلال الكثيفة التي تركتها كلمات الأخ هيكل هنا وهناك.
وبعد نقاط النظام هذه نوضح الآتي بخصوص الناحية الموضوعية ...
• فلم يكن الأخ هيكل هو الشخص الوحيد الذي سيطر على هذا الاجتماع كما يبدو واضحا من حديثه : فهو الوحيد الذي تكلم وهو الوحيد الذي وجه المؤتمر وجهة خاصة , وهو الذي افتتح المؤتمر ثم هو الذي أنهاه , ثم هو الذي استجوب وزير الحربية وهو الذي قدم التوصية وهو الذي حسم المناقشة بعد ذلك !!! وتصوير الموقف بهذه الصورة أمر غير مقبول وغير مطابق للواقع , فالموضوع متشعب النواحي متعددة الأجناب فكانت له جوانبه السياسية علاوة على جوانبه العسكرية خاصة تلك التي تتعلق بتجهيز مسرح العمليات وكل من الحاضرين كانت له أرؤاه  ونصائحه ..
• لم يكن هناك خلاف على الإطلاق بين أعضاء المؤتمر  على ضرورة مد إيقاف النيران  لنفس الأسباب التي أوضحها هيكل في كتابه والتي لم يذكرها أبدأ في المؤتمر إذ لم يكن هناك م يدعو إلى ذلك الاتفاق وجهات النظر اتفاقا كاملا .
• ودفاعه الحماسي فيما كتب ليقي ظلالا كثيفة على نوايا من حضروا المؤتمر أو على بعضهم على أقل تقدير إذ يوحى بأن هناك من كان يهدف من طرح  " الإجراء العاجل" لإحراج القيادة السياسية للتورط في قتال قبل أوانه الأمر الذي لا أظن أنه كان في خاطر أحد من الحاضرين .
• كانت نقطة الخلاف  الوحيدة والتي دار النقاش حولها هي المدة التي تقبل فيها إيقاف إطلاق النيران  وربما كنت أنا الوحيد الذي أثار هذه النقطة وقد أوضحت أهمية ذلك حتى ترتبط القيادة العسكرية أمام القيادة السياسية بموعد تكون جاهزة فيه لاستئناف القتال وهذا يعطى للقيادة السياسية في تحركها المقبل مرونة كاملة إذ ستكون قادرة على التحرك من قاعدة وطيدة صلبة وحاول الجميع بما فيهم هيكل إقناعي بغير ذلك,.
• وبالرغم من ذلك فقد كانت توصية المؤتمر هي " مد إيقاف إطلاق النيران" وليس كما ذكره هيكل في كتابه " مد وقف إطلاق النيران فترة ثلاثة شهور أخرى والدليل على ذلك أن القتال لم يستأنف منذ ذلك الوقت إلا حينما تفجر الموقف كله في 6 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1973]] أى بعد عامين كاملين .
• لم يكن هناك ما يستدعي دهشة هيكل حينما قال الفريق محمد فوزي وزير الحربية " أنا جندي . وإذا صدر لى أمر مكتوب فإني سأنفذ ما تطلبه القيادة السياسية " فهذا أمر طبيعي معمول به دائما وهو ما يعبر عنه " بأمر القتال " الذي يحدد فيه الغرض من استئناف القتال كذا المهمة المطلوب تحقيقها . تلك الدهشة التي قيلت  عرضا في حديث هيكل تلقي ظلالا وشكوكا على مؤتمر كان يبحث مسألة قومية بطريقة مجردة وكان الجميع لا يقلون وطنية ولا غيرة عن الأخ هيكل في نظرتهم تلك . أما أن هذا الوضع لم يكن معمولا به من قبل فإن معركة [[يونيو]] [[1967]] لم تتوقف يوما واحدا حتى قبول إيقاف النيران عام [[1970]] بل دخلت [[مصر]] في معارك الصمود ثم حرب الاستنزاف دون أن توقف العمليات يوما واحدا .
• لم يكن هناك احتجاج من بعض من حضروا المؤتمر على قيام هيكل بإنهاء المناقشة بطريقة مفاجئة كما يقول فلم يكن من حق الزميل أبدا – مع احترامي وتقديري لشخصه – أن ينهي أعمال المؤتمر  أو يجعله يستمر أو يوجهه كيفما يشاء خاصة في حضور الشخصيات التي ذكرها .
• لم يكن هناك احتجاج من بعض من حضروا المؤتمر على قيام هيكل بإنهاء المناقشة بطريقة مفاجئة كما يقول فلم يكن من حق الزميل أبدا – مع احترامي وتقديري لشخصه – أن ينهي أعمال المؤتمر أو يجعله يستمر أو يوجهه كيفما يشاء خاصة في حضور الشخصيات التي ذكرها .
ومناورته التي ذكر أنه قام بها  للرد على من كانوا يؤيدون " الإجراء العاجل " بأنه وجد أن غير وسيلة  لحسم الموضوع هي سماع رأى الرجل المحترف مناورة لم يتحدث على الإطلاق فكما  قلت فأن الموضوع كله لم يكن يستدعي مناورت لأنه كان من البديهي ونحن نبحث موضوعا يتعلق بإيقاف إطلاق النيران وفي مكتب وزير الحربية أن نسمع لرأى الرجل ولم يكن هذا يحتاج إلى حسم أو مناورة !!!
كان الموضوع خطيرا شأن الموضوعات الكثيرة التي كنا نناقشها وتمت المناقشة في حدود الارتفاع إلى مستوى المسؤولية من جميع الزملاء الحاضرين . ولم تكن هناك أية اتجاهات تحتاج إلى إستغراب و دهشة ولا إلى رموز وتشكك !! كانت المناقشة تجرى في سهولة ويسر بين زملاء يقدرون الكارثة التي يواجهونها تسيطر عليهم روح الفريق وفي مخيلة كل منهم أن القائد مات في أحرج الأوقات والعدو يدق الأبواب والعالم كله ينظر إلى ما يجرى في [[القاهرة]] وكل يجرى حساباته ويعيد تقديرها من جديد في ظل المتغيرات التي حدثت أو التي ينتظر حدوثها .
واجتماع آخر أجدني رغم أنفي أتعرض له لأروي حقيقة ما تم فيه ... وأجدني – للأسف الشديد – ولثاني مرة أخالف الأخ محمد حسنين هيكل فيما رواه عنه ... وأيضا سأنقل رواية هذا الاجتماع عما قاله الأخ الفضل في كتابه " الطريق إلى رمضان "....  " وفي أثناء خروجنا من الاجتماع – يقصد الاجتماع السابق الذي كنا نبحث فيه موضوع إيقاف النار – اقترب مني شعراوى جمعة وقال : أظن إننا يجب أن نذهب إلى مكن نجلس فيه ونتحدث  إنت وأنا وسمي وأمين هويدى . فقلت لا بأس . وركبنا نحن الأربعة سيارة الرسمية لوزارة الداخلية المخصصة له . وجلس هو في المقعد الأمامي بينما جلسنا نحن في المقعد الخلفي , تبعتني سيارتي. كان شعراوى وسامي وأمين هويدى اتفقوا على أن يقضوا الليل في مبنى هيئة قناة السويس في جاردن سيتي ومن هناك يستطيعون بسهولة أن يصلوا إلى مبني مجلس الثورة في الجزيرة حيث يبدأ في تشييع الجنازة أما أنا فكنت سأقضي الليل في منزلي على النيل مباشرة , وهكذا  فإننا كلنا متجهين الوجهة نفسها . لكن عندما وصلنا إلى العباسية على بعد 4 أميال من وسط المدينة كان الميدان أصبح مغلقا تماما وعندما اقتربنا من أمام كلية البوليس أوقف السيارة والتفت ناحيتنا وقال : أولئك الثلاثة أنور السادات و[[حسين الشافعي]] وعلى صبري ينزلون في قصر القبة ويتصرفون كأنهم حكومة ثلاثية مثلهم في ذلك كوسيجين  وبودجورني ويريجنيف  بينما نحن الناصريين الحقيقيين وأقرب الناس إلى [[عبد الناصر]] لم نفعل شيئا للتنسيق في ما بيننا أو الاتفاق على أسلوب مشترك في العمل . وهذا ما يجعلني أرى ضرورة البحث في الموقف بعضنا مع بعض فقلت له : لنكن واضحين بشأن موقف كل منا هناك نقطة نظم أضعها . ونصيحة صغيرة أقدمها أما نقطة النظام فهي أنكم إذا كنتم تريدون التنسيق فيما بينكم بصفتكم  وزراء فلا تفعلوا ذلك بحضورى لأني قد أستقر رأيي على الخروج وترك الوزارة وقد أثار قولي غضبا شديدا لدى سامي شرف وقال : لا ... أما أن تخرج كلنا  أو نبقي كلنا .. فقلت أن يلم أكن أبدا جزء من السلطة كما هو الحال بالنسبة إليكم . كنت دائما صحفيا ولم أقبل منصب وزير الإرشاد إلا تحت ضغط شديد من جانب [[عبد الناصر]] وتعهدت بقبوله لمدة سنة فقط وقد انقضت الآن ستة أشهر ونتقل [[عبد الناصر]] إلى رحاب الله هكذا فقد قررت أن أتحلل من وعدى وأعترض سامة  بأني إذا فعلت ذلك فسأبدوا كأني غير مستعد للعمل فقد تحت رئاسة أى شخصي آخر غبر [[عبد الناصر]] في حين أنهم سيظهرون في مظهر المستعد لخدمة أى شخص وقلت لسامي أنه يبالغ وأن النهاية إلى صراع على السلطة وإذا حدث تصادم في الآراء فأني سأؤدى دوري فيه كصحفي أما إذا نشب صراع على السلطة قائم على الأشخاص فلن يكون لى شأن به وستعاني البلاد كلها منه وازداد سامي انفعالا وراح  يصيح : [[عبد الناصر]] لم يمت فقلت له : اسمع لابد أن تواجه حقائق الطبيعة إن الرجل مات  وسيحكم على كل منكم فقط من الآن فصاعدا بما يمكن أن يقدمع من أجل مصلحة البلد إنها صفحة جديدة فتحت أمامكم جميعا . وبدأ سامي يبكي ويصرخ بأننا إما أن نبقي كلنا أو نخرج كلنا . وعندئذ فقدت أعصابي ونزلت من السيارة واتجهت إلى سيارتي وكانت تثق وراء سيارة شعراوي مباشرة وعدت إلى [[القاهرة]] "
هذه رواية " هيكل " عن هذا اللقاء وقبل أن أبدأ في التعليق أوضح الآتي :-
لم يمسني هيكل في حديثه من قريب و بعيد ولم يمسني الرجل في أحاديثه التليفزيونية التي أجراها عقب أحداث [[مايو]]  - أيار [[1971]]  ولا في مقالاته التي نشرها في الأهرام " وهو رئيس تحرير له ... فهكذا أخبرت بعد فترة من وقوع كل ذلك إذ كنت في ذلك الوقت في " زنزانتي " أعاني مع أحد ... أما توفر قلم وورق للكتاب فكان ترفا لم أحلم به أو أفكر في حدوثه في تلك الفترة الصعبة .
وكان من الحكمة – والحالة هكذا – أن أقفز فوق ما قبل وأعبره كما يفعل الكثيرون ولكني بذلك أكون كاتما للشهادة الأمر الذي نهانا عنه الله تعالي في كتابه العزيز . ثم لا أظنني أضير أحدا – حتى هيكل – بقول ما حدث دون تحريف وإلا كان من الأفضل أن أقلد " القرد الجالس " الذي سد أذنه حتى لا يسمع وأغمض عينيه حتى لا يرى وقفل فمه حتى لا يتكلم . وأنا في كثير من الأحيان أرغب في ذلك ولكني تحت وقع أحداث معينة لا أقدر على الامتثال للرغبة الجامحة في السكوت ... تماما كما حدث في مساجلاتنا  معا  أيام ما كتبه عن " زوار الفجر " وإصراري على الإيضاح كما أفعل الآن مع فارق الزمان والظروف .. فقد مرت على تلك المساجلات عشر سنوات كاملة حدثت فيها أحداث وأحداث.
ثم أصبح كلانا من ناحية الظروف مهاجرا بقلمه وفكره بحكم الأحداث والأحوال .
ثم – وهنا أضع خطين تحت ما أقول – فإنني لا أدافع عن أحد ممن ذكرهم هيكل في  حديثه فكل واحد منهم يفوقني قدرة في الدفاع إن كان الأمر يتطلب ذلك فكما سبق ون قلت فإنني لا أنتسب إلى " جماعة " أو " شلة " حتى من أيام [[عبد الناصر]]  من كان يريد أن يتقرب فأهلا به ولكني  ما سعيت إلى  الاقتراب من أحد . وإذا كان هذا قد تم في الماضي أيام وجودي في " حفرة ومأزق السلطة فالأجدر به أن يتم بعد " التخفف " من أثقال السلطة ومحاذيرها .
• لا يعني قيادي بالتصحيح أنني اتخذت موقفا من أحد فالحوار لا يعني من وجهة نظري إلا وسيلة لزيادة التقارب وتيسير اللقاء لأنه يساعد على وحدة الفكرة الخاصة في مواضيع أصبحت في ذمة التاريخ والحوار في الوقت نفسه عامل مساعد للتاريخ للأحداث فإنه بدلا من أن يحصر الأمر في مصدر واحد فإنه يساعد على خلق مصادر متعددة تساعد على الدقة .
• وبعد ذكرنا من نقاط النظام هذه  نبدأ في التعليق ..
• فلم يتم اللقاء – كم قل هيكل – أمام كلية الشرطة وبعد انتهاء الاجتماع الذي تم في مكتب وزير الحربية في كوبري القبة ولكن بداية اللقاءات تمت في قصر القبة . فقد ذهبت أنا وشعراوي وسامي إلى القصر لنرى سير الأمور في زيارة خاطفة وتركنا سامي في الشرفة الخارجية لفترة طويلة عاد بعدها فجأة ومعه هيكل ولم أكن أعلم بوجود في القصر ولم أكن أعلم أن اتفاقا تم  بين ثلاثتهم على اللقاء وبذلك كنت الوحيد الذي يجهل أن لقاء سوف يتم ..
• لم يتم الاجتماع بطريقة مفاجئة كما يقول هيكل ولكن باتفاق مسبق فإنه من الجائز أن يكون قد اندفع بغريزته الصحفية لمثل  هذا اللقاء حتى يتحسس لأوضاع بنفسه ... ربما لنفسه وربما لغيره , وربما للغرضين معا ...وليس في هذا عيب فمن الحكمة أن يعرف كل فرد ين يضع قدمه , وعلى ما أذكر فإن الاجتماع تم في مدخل مدينة نصر وليس أمام كلية الشرطة بالرغم من أن هذا لا يغير قليلا و كثيرا في الموضوع .
• لم يلق هيكل أبدا بكل هذه النصيحة عن الناصرية والسلطة والصراع .
ولم يتحدث شعراوى جمعة أبد عن السادة : السادات والشافعي وعلى صبري كما لم يتحدث عن " الترويكا " الروسية :
ولم يصرخ سامي أو يبكي ولا  هو أنكر وفاة [[عبد الناصر]] ...
أبدأ لم يحدث  شئ من هذا كما صوره هيكل في أسلوب غلبت عليه الإثارة الصحفية التي تبعث على التشويق ..
ولكن كل ما ذكره شعراوى لهيكل هو أننا قررنا التخلي عقب تشييع الجنازة وبعد انتقال السلطة بالطريقة الدستورية وسأله عن رأيه في ذلك!!
رحب " هيكل " إيما " ترحيب بالفكرة وذكر أيضا أنه سيترك المنصب الوزاري ليتفرغ لرئاسة تحرير الأهرام حيث كان الرجل يجمع بين المنصبين مضيفا أنه لكل زمن رجاله وعلى الجميع أن يعيدوا النظر في أفكارهم وسوف تتعدد اللقاءات في الأيام القادمة . وسلم الرجل واتجه إلى عربته دون ن يفقد أعصابه ودون أن يغضب واتجه إلى منزله واتجهنا نحن إلى مكتب سامي شرف وهناك انفجرت في الرجلين لتوريطي في اجتماع لم أخطر به وتساءلت عن سبب أخذ رأى هيكل في موضوع يتعلق برغبة كل واحد منا وبإرادته ثم لم يكن الموضوع في حاجة إلى مناقشة في مدينة نصر وكان الأفضل مناقشته في قصر القبة حيث كنا أو في مكتب أى فرد فينا .
كنا قد اجتمعنا مرارا وهذا أمر عادى وقررنا أن نتخلى عقب  نقل السلطة بالطريقة الدستورية لنفسح المجال للسيد أنور السادات ليختار معاونيه ولو أنني كنت مزمعا على أن أتخلي في أقرب وقت ممكن ورأى شعراوي أن يستشير هيكل في الأمر لأن من عادته أنه كان يستشير هيكل وسامي في كل أمر يقدم عليه .
وكما نرى فإن الموضوع الذي تم بسيط للغاية ولكنه حسم بطريقة تلقي الظلال على النوايا ولا شك أن هذه الظلال كانت بالضرورة تترك آثارا في النفوس تتعمق بمرور الأيام ..
وحتى لا ننسي .. كانت جثة [[عبد الناصر]] ما زالت موجودة في قصر القبة لم يتم تشييعها بعد إلى مثواها الأخير
الفصل الحادي عشر
الوداع الأخير
ثلاث استقالات – ترتيب نقل السلطة – الكل عازم على أن تنقل السلطة بأسرع ما يمكن وبطريقة دستورية  - وساطة إلى جعفر النميرى – عزيز صدقي يصدر بيانا – سرادق كبير في عابدين – الوداع يا جمال يا حبيب الملايين – واختلط لحابل بالنابل – وقفل باب المقبرة – ماذا قيل في وفاة [[عبد الناصر]] – دموع على جمل ودموع على وفاء الرجال .
انتهينا في الفصل السابق إلى بعض ما كان يحدث بعد وفاة الرئيس وقبل مواراة جثمانه ولا بأس من سرد تفصيلات أخرى ...
ففي خلال أيام قليلة من وفاته قدمت ثلاث استقالات :
الاستقالة الأولي من الدكتور محمود فوزي وكان ذلك في أول اجتماع للجنة التنفيذية العليا بعد وفاة الرئيس ويبدو أنه كان متأثرا من عدم حضوره ول اجتماع مع الوفد السوفيتي برئاسة كوسيجين وأراد أن يجس النبض بالنسبة لوضعه في النظام الجديد ولذلك فاته  سحب استقالته بالسرعة التي قدمها بها بمجرد أن أبدى أعضاء اللجنة تمسكهم به !!
• الاستقالة الثانية قدمها محمد حسنين هيكل من منصبه الوزاري كوزير  للإرشاد إلا أن السيد أنور السادات رأى ألا يبت فيها إلا بعد الاستفتاء على منصب رئاسة الجمهورية الذي قد تحدد في ذلك الوقت !!
الاستقالة الثالثة قدمها السيد [[حسين الشافعي]] وامتنع فعلا عن الذهاب إلى اجتماع اللجنة  المركزية الذي كان سيتم فيه مناقشة  قرار اللجنة التنفيذية العليا لترشيح السيد أنور السادات لمنصب رئيس الجمهورية وكان سبب تقديمه للاستقالة و تمسكه بمنصب رئاسة الوزراء طالما أن السيد أنور السادات رشح لرئاسة الجمهورية ويبدو أن أحد لم يتصل بسيادته بخصوص هذه الاستقالة وبالرغم من ذلك فإنه سحبها في اليوم التالي كما علمنا !!
وكان سيادته هو العضو الوحيد في اللجنة التنفيذية العليا الذي اعترض على ترشيح السيد أنور السادات للرئاسة وذكر أنه متأكد  أن سيادته ربما لا يحصل على الأصوات الكافية للترشيح وهنا تصبح الثورة نفسها وقد سحب الشعب الثقة منها إلا أن السيد أنور السادات تقبل هذا الاعتراض بروح ديمقراطية  سمحة .
وفي الوقت الذي كانت تقدم فيه تلك الاستقالات كان العمل الجاد لإكمال لترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية يتم على قدم وساق فاستقر الرأي على الآتي ..
* يعرض الترشيح على اللجنة التنفيذية العليا يوم السبت 3 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] .
يعرض الترشيح على اللجنة المركزية يوم الاثنين 5 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] .
دعوة مجلس الأمة لاجتماع غير عادى صباح يوم الأربعاء 7 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] .
يتم الاستفتاء يوم الخميس 15 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] .
إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم يجتمع  مجلس الأمة يوم السبت 17 [[أكتوبر]] – تشرين أول [[1970]] . ليؤدي رئيس الجمهورية أمام المجلس اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 104 من الدستور .
وانصرف كل فيما يخصه لبذل كافة جهده حتى يتم نقل السلطة بالطريقة الدستورية في صورة رائعة وقد تمت كل هذه الخطوات في دقة أذهلت العالم وكانت محل تعليقات من كافة الجهات الرسمية والصحافة وأجهزة الإعلام العالمية وقد التزم الجميع بالدستور القائم التزاما لا شك فيه ولذا فإن أية محاولات وتقولات تذكر هنا وهناك عن التشكيك من قيمة الجهد الذي بذل في ذلك الوقت أو في النوايا منها تشويه ضار للصورة الجميلة الرائعة الصادقة التي تمت بها الأمور في ذلك الوقت.
وإلى جانب هذه الاستقالات حدثت بعض المحاولات لتآلف الجهود والوحدة الوطنية في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ولقد قيل الكثير في نوايا القائمين بها وقيل أكثر في الأسباب التي تختفي وراء الظواهر ولا شأن لى بالنوايا فعلمها عند الله وما أحاوله هو مجرد تدوين ما حدث بصدق وأمانة.
ففي أحد الاجتماعات التي تمت مع جعفر النميري في فندق هيلتون وقبل أن تشيع الجنازة تحدث الرجل عن إحدى هذه المحاولات . كان موجودا مع الأخ فاروق  أبو عيسي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في الخرطوم وكان موجودا من الجانب المصري شعراوى جمعه وسامي شرف وأمين هويدى .
وقد تحدث الرجل بأن أمين شاكر – وزير السياحة السابق – اتصل بوزير المواصلات [[السودان]]ي محمود حسيب وأخبره أن بعض أعضاء مجلس الثورة القدامى يريدون مقابلة الرئيس النميري ليكون واسطة خير مع السيد أنور السادات حتى يتم تآلف الجميع في تلك الفترة العصيبة .وتساءل النميري عن مدى ترحيب السادات بهذه الخطوة ...وهنا تدخل فاروق أبو عيسي ذاكرا أنه يرى ألا يتدخل الرئيس النميري في مثل هذه الموضوعات وقد أتفق معه على ذلك وهم يخبرونا بالمحاولة لمجرد العلم .
وفي فجر هذا اليوم كنا مع السيد أنور السادات في قصر القبة حيث كان يمضى ليلته وقص سامي شرف ما سمعه على سيادته وفوجئنا بأن سامي يقترح اعتقال " أمين شاكر " إلا أن سيادته رد في الحال " لا اعتقال أنا لا أريد أن نبدأ إجراءاتنا بعدة وفاة [[عبد الناصر]] باعتقالات " أما عن المحاولة نفسها فقد رفضها سيادته وأخذ يتحدث بمرارة عن الصراعات التي كانت موجودة في مجلس الثورة القديم .. ثم تركنا كل هذا وأكملنا حديثنا بخصوص نقل السلطة وإعمال الدستور وتحديد تواريخ الخطوات اللازمة لذلك .
وفي اليوم التالي مباشرة أرسل أعضاء مجلس الثورة القدامى إلى السيد أنور السادات مذكرة مكتوبة يعرضون فيها إعادة تكوين مجلس الثورة على أساس ديمقراطي ويتولي سيادته الرئاسة وقد وقع على المذكرة كل من السادة عبد اللطيف البغدادي , زكريا محيي الدين و حسن إبراهيم و كمال حسين ورفض السيد أنور السادات مقابلتهم كطلبهم في المذكرة وذكر أنه سيكتفي بمقابلة بغدادي لأنه يرتاح إليه دون الآخرين وقد تمت المقابلة ولا أدرى شيئا عما تم فيها .
وأصدر الدكتور عزيز صديقي بيانا إلى العمال قال فيه:" لقد ناضل [[جمال عبد الناصر]] طوال حياته في سبيل تدعيم [[الإشتراكية]] في بلدنا ليحقق لكل مواطن الكفاية والعدل وعندما  كان يطبق هذه  المبادئ فإنما كان في ذلك منفذا لإرادة  هذا الشعب ومعبر عن آماله وأحلامه ولقد سار خلف [[جمال عبد الناصر]] أعوان له ساهم كل منهم بنصيبه فيما رأي [[جمال عبد الناصر]] أنه قادر عليه وهناك من تخلف  بعد جزء من الطريق وهناك من أكمل الشوط حتى نهايته وكان الشوط الذي لا يرضي الرئيس الراحل عنه بديلا لمن يبقيه معه في مسيرته إيمانه بالمبادئ التي نادى بها الشعب ... إيمانه ب[[الإشتراكية]] وفي وقت الشدائد يجب أن نتصارح بالحقيقة فهي التي تقينا من الوقوع في أوهام باطلة .. لن يقود المسيرة مسيرة [[الإشتراكية]] – إلا الذين يؤمنون بمبادئه [[الإشتراكية]] ... وإني أطمئنكم إننا لن نسمح لمن ارتد أو تخلف أو ظن أن [[الإشتراكية]] تنتهي بموت [[عبد الناصر]] أن يرفع رأسه أو أن يكون له مكان في مسيرتنا أن [[عبد الناصر]] في أثناء حياته أصدر حكمه وعبر عن رأيه في كل من عملوا معه لم يبق معه إلى نهاية الشوط إلا الذين أمن لهم واطمأن إلى أنهم يعتنقون المبادئ الأساسية التي عمل من أجلها وأنهم سيكونون قادرين على الحفاظ عليها "
وواضح أن عزيز صدقي في بيانه هذا يغمز ويلمز أعضاء الثورة القدامي الذين تركوا السلطة أو تركتهم السلطة أيام [[عبد الناصر]] . وقد أثار هذا لأمر عبد اللطيف البغدادي فكتب كتابا شديدا وجهه إلى عزيز صدقي وأرسله مع سائق إلى منزله يسبه فيه ويوجه إليه الاتهامات الثقيلة التي وصلت إلى حد السب والقذف إذ تحدث الرجل عن الكذب والانتهازية والرجولة .... بلهجة قاسية وصمم عزيز على الرد إلا أن بعض النصائح المخلصة أقنعته بالتمسك بالصمت . وقد أقتنع .
ووسط الاستقالات العديدة وسحبها والرجوع عنها والبيانات الحماسية والخطابات التي ترد عليه والمذكرات الكتابية وتجاهلها .. لم تعدم البلاد بعض من أخذوا يعملون بصمت وبالتزام وبصدق حتى تسير الأمور في مجراه الدستوري ولا يقلل من ذلك الجهد الذي بذل في تلك الفترة ما قيل عنهم بعد ذلك وهم في السجون أثناء محاكمتهم بتهمة غليظة هي " الخيانة العظمي " أو
الاشتراك فيها ".
وبعد الوفاة مبشرة أقيم سرادق كبير في ساحة عابدين في نفس المكان الذي كان يلقي فيه " الريس " خطاباته العديدة لتقبل العزاء . ووسط قراءة آيات القرآن الكريم كانت وفود الشعب تتوافد واختلط المعزون بمن يتقبلون العزاء وتوافدت النساء مع الرجال متخطين عادة وعرفا وتقليدا يقضي بالا تذهب النساء إلى سرادقات العزاء وكانت النساء حتى الفقيرات منهم يولولن ويصحن ويصرخن عن " الأسد " الذي تركهن وعن " السبع " الذي غادرهن إلى غير رجعة . وكان الشبان يبكون في حزن والشيوخ تسيل دموعهم على الأذقان وهم يترحمون ويطلبون من الله أن يعينهم على بلواهم .
وفي الليلة السابقة على تشييع الجنازة اتفق بعض الأصدقاء على أن نمضي الليلة في مبني هيئة قناة السويس بجاردن سيتي على النيل حتى نتفادى أمواج البشر التي كانت قد ملأت الشوارع فقد خرجت الملايين لتشييع زعيمها في موكب وزحام لم يتكرر من قبل ولا أظنه سيتكرر من بعد
وسهرنا الليلة بطولها فلم يكن أحد راغبا في النوم.
وكان الشعور ما زال يسيطر على البعض من أن " الريس " كان ما زال معنا لمجرد أن " جثته " لم تدفن بعد.. لم يكن هناك إحساس حقيقي بحدوث الموت عند الكثيرين ولم يكن هناك إدراك بمدى الفراغ الهائل الذي سوف يحدث ... كان [[عبد الناصر]] مازال موجودا في" قصة القبة " وكان الكل يعملون حسابا لذلك حتى وهو جثة هامدة لا تقوى على شئ ... كان ما زال يشد " الإسراع" قبل أن تقطع وترتخي .
كنا نتحدث عما سنفعله في اليوم التالي وكأنه أحد الواجبات التي كان يكلفنا بأدائها في حياته وكانت العاطفة هي التي تتحكم في العقل وتسيطر عليه لم يفكر أحد فيما بعد وفاة [[عبد الناصر]] إلا تفكيرا عاطفيا سطحيا أقرب إلى أبناء فقدوا الأب الذي كان  يرعاهم .
وكان هذا تقصيرا ما بعده تقصير .
بل كان مجرد محاولة الانتقال  إلى التفكير العقلاني يثير ثائرة بعض الموجودين فحينما كنا نتحدث مثلا عن عائلة الرئيس بعد رحيله فكرنا أن نتقدم باقتراح بتخصيص مزله الذي عاش فيه لزوجته طوال حياتها لأن الرجل نسي في غمرة مسؤولياته أن يترك  لعائلته منزلا ينتقلون إليه بعد الوفاة وتخصيص معاش لها هو نفس  مرتب " الريس "  الذي كان يتقاضاه لأنه نسي وسط مشاغله ن يترك لعائلته مصدر رزق آخر !! هنا اقترح البعض وسط الانفعال السائد أن يطلق على الرئيس الراحل لقب الزعيم وعلى زوجته حرم الزعيم ولما اعترض البعض على ذلك لما يترتب عنه من حساسيات يجب تجنبها ترك هؤلاء المبني بمن فيه غاضبين من هؤلاء الذين خانوا الزعيم الذي لم يدفن بعد..!
وتحدث البعض عما يمكن أن يفعل لتخليد ذكرى الراحل العظيم ...وكانت الصحف قد بدأت تتحدث عن عشرات المشروعات لتخليد ذكراه وتكونت لجنة إشراف جريدة الأهرام .. وبدأ البعض يطرح بعض الاقتراحات العاطفية  وحينما بذلت محاولات لنقل الجميع إلى أرض الواقع ثارت المناقشات الحادة التي تبادلت فيها الاتهامات وسط الأعصاب المشدودة والنفوس الثائرة والقلوب الحائرة .
وانطلق طوفان البشر طول الليل ينشد بصوت واحد مهيب كلمات أغنية حزينة وما لبثنا أن وجدنا أنفسنا ننشد مع الناشدين والدموع تسيل بغزارة مياه النيل الذي يمر أمامنا كانت الأغنية
الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ... الوداع .
ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين ... الوداع.
إنت عايش في قلوبنا يا جمال الملايين ... الوداع .
إنت  ثورة إنت جمرة نذكرك طول السنين.. الوداع ,
إنت نوارة بلدنا واحنا عذبنا الحنين .. الوداع
إنت ريحانة زكي لأجل كل الشقيانين ... الوداع .
الوداع يا جمال يا حبيب الملايين .. الوداع .
وحتى الآن لا يعرف أحد على وجه التحديد كيف انطلق هذا النشيد من كل هذه الألسنة ولا يعرف أحد على وجه التحديد كيف انتشر بين  ملايين البشر ولا كيف حفظوا كلماته وألحانه !!
قيل أنه في اليوم السابق للجنازة طافت شوارع [[القاهرة]] فرقة فنية من أبناء بور سعيد المهاجرين يرددون الشعارات ووسط هتافاتهم الحزينة ولدت هذه الأغنية .. من ألف كلماتها ؟ لا أحد لديه  الجواب . كانت بدايتها بيتا من الشعر كتبه " عبد الرحمن عرنوس " مدرب  فرقة " شباب البحر "
كان البيت يقول " الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ... الوداع " وانطلق أفراد الفرقة يرددونه في
نغمات حزينة وانضم إليهم ملايين البشر فولدت الكلمات  تباعا وسط البكاء والولولة ... أما اللحن فقد وضعته الجماهير من خلال نواح النساء وعويلهن..
وطبعت منه ملايين الأسطوانات والأشرطة ليسمعها كل بيت في طول البلاد وعرضها .
ومر الليل الثقيل ولم ينم أحد ... كانت الأمة كلها سهرة تحضر " للموكب الجنائزى  " الذي  ستشارك فيه في اليوم التالي ... وامتلأت الشوارع والحدائق والمنازل ... كانت الجمهورية كلها خرجت في العاصمة وفي الأقاليم لتودع القائد والزعيم ..
وحينما خرجنا في الصباح الباكر لنعبر " كوبري قصر النيل " إلى أرض الجزيرة حيث سيوجد " مجلس الثورة " ظهر لنا أن كل ما خططن له يصعب علينا تنفيذه فلم يكن من الممكن أن نسير عشرات الخطوات التي تفصلنا عن " الجسر "ولم يكن أمامنا إلا أن نعبر النيل في الزوارق إلى الشاطئ الآخر وخوفا من أن يفعل آخرون مثل ما فعلناه وما ينجم عن ذلك من خسائر محتمة صدرت التعليمات إلى كل الزوارق بأن تترك الشاطئ الغربي  للنيل إلى الشاطئ الشرقي أو إلى وسط النهر الخالد.
وكان النظام خارج " بناء مجلس الثورة " سائدا وقفنا نستقبل المعزين من رؤساء الدول  ومندوبيهم البعض كان يبكي والبعض الآخر كان حزينا في صمت والقليل منهم كان يؤدى الواجب الرسمي ووصل الجثمان في طائرة هليكوبتر نقلته  بعد ان صلي عليه في قصر القبة وكان النعش قد صنع بطريقة خاصة لأنه كان متوقعا أن تخطفه الجماهير وقوى الهيكل الخشبي بصفائح من الحديد تلتف حوله وبأقفل يصعب فتحها ثم ثبت على عربة المدفع التي تجرها الجياد ويحرسها مئات الضباط والجنود .
وكانت الدقائق تمر وكأنها  الساعات والكتل البشرية تمكنت من التسرب رغما عن نطاقات الأسلاك الشائكة المضروبة في كل مكان .. كان التسرب قليلا في بادئ الأمر ثم ما لبث أن أصبح عاما بمرور الوقت أخذت الكتل البشرية الباكية  الناحبة تطغي على المكان الذي ستمر فيه " الجنازة "
وبعد دقائق من سير الجنازة لم يعد هناك نظام أو سيطرة فقد اختلط الجنود المكلفون بحفظ النظام بباقي طوائف الشعب ولم يعد في إمكان أحر أن يسيطر على النظام .
وكان من الصعب على الرؤساء الذين يشيعون الجنازة أن يستمروا في تأدية الواجب الثقيل حتى نهايته  ولم يكن من المناسب أن تتكبد الوفود لأخرى كذلك المشقة الهائلة التي أخذت تتصاعد عند وصول الجنازة إلى كوبري قصر النيل فأشير على هؤلاء بأن يعودوا مرة أخرى إلى السرادق وقد فعل البعض منهم ذلك وأصر الكثيرون على مواصلة السير .
وحينما وصل الموكب إلى قرب " الهيلتون " ضاق الطريق وزادت صعوبة السير وسقط البعض تحت الأقدام وقد ساهمت مع آخرين في عمل حلقة دائرية حول هؤلاء لنمنع كارثة محققة وحملنا بعض من سقطوا إلى أسطح بعض العربات التي كانت واقفة هناك وتم نقل هؤلاء بعد ذلك بواسطة آخرين إلى داخل الفندق ...وظهر خطر جديد بطريقة فجائية إذا أصر البعض على نزع " النعش " من على عربة المدفع التي تجرها الخيول وهن استمات الجنود الموجودون حول " النعش " ليحولوا دون ذلك وأعطي أحد الضباط التعليمات لتعدوا الخيول بعربة المدفع حتى تتفادى الكارثة ثم نقل النعش بعد ذلك إلى إحدى العربات ليصل إلى جامع " [[عبد الناصر]] " في كوبري القبة حيث سيتم الدفن .
وتركنا موكب الجنازة بصعوبة وأخذنا بعض العربات من الطرق الجانبية ولحقنا " بالنعش " في الجامع وحضرنا الصلاة على الجثمان .
وكانت هناك جماعة الدفن جاهزة خارج المسجد لموارة الجثمان الطاهرة في مثواه الأخيرة وكان يشرف على الجماعة التي ستسد المقبرة المهندس  على  السيد رئيس إحدى شركات المقاولات في ذلك الوقت ووزير الإسكان بعد حركة 15 [[مايو]] – آيار [[1971]] .
ورأيت الجثمان محمولا إلى داخل المقبرة ووضع بجوار الحائط الغربي . ورأيت [[عبد الناصر]] الذي ظل واقفا طوال حياته يناضل ويكافح وقد استراح أخيرا في مثواه الأخير ..وأصبح العملاق شأنه شأن  أى فرد  مجرد جثمان وضع إلى جوار حائط ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا عظمة إلا لله , ولا بقاء إلا لله .
واندفع بعض الضباط ومعهم محمد أحمد وبعض أولاج " الريس " ليودعوه الوداع الأخير ونظروا من خلال الحائط الذي كان يبني وتضيق فتحاته شيئا فشيئا وصفوف " الطوب أو الطابوق " ترتفع شيئا فشيئا ثم انسحب الجميع إلى الخارج وقد ارتفعت أصواتهم بالبكاء والعويل .
وكنت ما زلت واقفا أراقب وأتأمل وقد هانت أمامي الدنيا وما فيها . هل حقيقة هذه هي الدنيا ؟
هل حقيقة أن الرجل الذي ملأ العالم أجمع بصورته وصوته وعمله قد انتهي  به الأمر هكذا إلى جوار حائط وهو ممدد على الأرض ؟!!
ووسط هذه التأملات تقدم منى أحد الضباط من حرس " الريس " قميصه مفتوح وقد ضاع غطاء رأسه والدموع تسيل من عينيه وهو ينتحب وادى التحية العسكرية وهو مشدود الأعصاب وسألني " هل صحيح أن [[عبد الناصر]] مات ؟ فقلت له " نعم " فقال " طيب " واشتد نحيبه " وبحركة عسكرية دار إلى الخلف . وذهب.
وانصرفت بعده وقد جفت دموعي .
كتب " رجاء النقاش " مقالا في العدد الخاص لمجلة الهلال الذي أصدرته في نوفمبر – تشرين ثاني – [[1970]] عن [[جمال عبد الناصر]] تحت عنوان " أدباؤنا ومواقف لا تنسي ل[[عبد الناصر]] " ... جاء في المقال عن موقف [[عبد الناصر]] من توفيق الحكيم أن إسماعيل القباني الذي عين وزيرا للمعارف في بداية الثورة تقدم إلى مجلس الوزراء بطلب فصل توفيق الحكيم من دار الكتب لأنه لا يؤدي عمله كموظف على الوجه الأكمل ودهش [[عبد الناصر]] من اقتراح القباني وأعترض عليه أشد الاعتراض واعتبر وجود  " الحكيم" في دار الكتب تشريفا لها . ومرة أخرى وقف [[عبد الناصر]] موقفا رائعا من توفيق الحكيم ففي  أواخر الخمسينات شن الناقد الكبير أحمد رشدي صالح حملة عنيفة ضد توفيق الحكيم محورها أن كثيرا من أعمال الحكيم المسرحية والروائية مقتبس من أصول  أجنبية  وكان  يعني بذلك – على حد قول النقاش – أن توفيق الحكيم لم يكن أديبا ولا فنانا بل مترجما ولصا أدبيا وتأثر الحكيم أيما تأثر بهذه الحملة الظالمة وخلال هذه الحملة اتخذ الرئيس [[جمال عبد الناصر]] قرارا رائعا حيث منح توفيق الحكيم أعلى وسام في الدولة .
ويقول رجاء النقاش عن موقف [[عبد الناصر]] من يوسف إدريس حينما رفض قدرها ألفي جنيه خصصتها مجلة  " حوار " التي كانت تصدر  في بيروت عن " منظمة حرية  الثقافة العالمية " له كأحسن أديب في العام وقد رفض " إدريس " الجائزة لأنه علم وتأكد أن المجلة خاضعة للتوجيه الأمريكي وحينما علم [[عبد الناصر]] بموقف " يوسف إدريس " أمر بصرف قيمة الجائزة كاملة له كما منحه وسام الأدب والفنون .
ثم تحدث رجاء النقاش عن موقف [[عبد الناصر]]  من نزار قباني بعد 5 [[يونيو]] [[1967]] حينما كتب قصيدته المشهور " هوامش على دفتر  النكسة " فهاجمته بعض الصحف المصرية وطالبت بمنع دخوله إلى الجمهورية العربية المتحدة كما طالبت بمنع إذاعة أغانيه وهنا أرسل " نزار " قصيدته بخطاب إلى [[عبد الناصر]] الذي قرأ القصيدة والرسالة وكتب بخط يده على رسالة نزار بالسماح للقصيدة بالدخول إلى [[مصر]] وإيقاف أية إجراء ضد الشاعر وشعره .
ولذلك لم يكن غريبا أن يكتب نزار قباني بعد موت [[عبد الناصر]] قصيدته المشهورة :
قتلناك يا جبل الكبرياء
وآخر قنديل زيت
يضئ لنا في ليالي الشتاء
وآخر سيف من القادسية
قتلناك نحن بكلتا يدينا
وقلنا المنية
لماذا قبلت المجئ إلينا؟
فمثلك كان كثيرا علينا .
  وكتب الدكتور [[عبد العزيز كامل]] في نفس العدد من مجلة الهلال تحت عنوان " الإسلام عند جمل [[عبد الناصر]] " ليقول " هذا الإيثار والحب  كان المحور الرئيسي في حياة الرئيس , آثر وطنه الكبير ...آثر العطاء على الأخذ ..والتعب على الراحة ...والنضال على المهادنة ..وحل قضايا الحياة اليومية للملايين ..سعادته من أن تشيع السعادة وراحته في أن يستريح الناس ". ثم واصل حديثه بوصية أوصاه بها [[عبد الناصر]] في إحدى مقابلاته له إذ قال [[عبد الناصر]] :" من اليسير أن نكتب ومن العسير أن نطبق ذلك على الناس فإنك قد تجد السوء ممن تنتظر منه التعاون والخير فلا تجعل ذلك يصرفك عن هدفك " ثم يقول " لقد كان [[عبد الناصر]] يعيش الإسلام في نفسه . في زهده وتواضعه , في إعادة الدين إلى بساطته وإلى تطبيقه في حياته اليومية على نفسه وعلى الناس ... كان متخففا في طعامه طاهرا في بيته وشرابه وأهله ... كان الإسلام عنده إسعاد الناس "
ثم كتب الشيخ أحمد حسن الباقورى في نفس العدد " إن  في [[عبد الناصر]]  جوانب كثيرة كبيرة موصولة بعقل ذكي ونظر بعيد فهو أهل لكل صفة كريمة تسبغ عليه ولكل كلمة خير تقال فيه فالذين يرونه شجاعا ومصلحا لا يعدمون لكل صفة من هذه الصفات أصولا تستند إليها  وشواهد تدل عليها "
وكتبت السيدة شهير القلماوى تحت عنوان " الثورة الناصرية في الثقافة " في نفس العدد ولعل أهم ما قدمته الثورة الناصرية للشعب في ميدان الثقافة والفن هي الكرامة .. كرامة الفنان فقلدته أرفع الأوسمة وأسمى الجوائز وكرامته في كل ميدان وبكل وسيلة . أما المناخ الذي تتنافس فيه الفنون ومن أخطرها الكلمة فقد هبت عليه ريح اقتلعت كل المقاييس القديمة وإذا الكلمة تعبير حر لا يلقي  في سبيلها الكاتب عنتا ولا اضطهاد كم ذا ملئت السجون بأصحاب الكلمة الشريفة !! كم ذا هدد الكتاب والشعراء في أرزاقهم في عهد الملكية !! أما الكلمة في الثورة الناصرية فهي التعبير الحر عن الفكر الملتزم بقضية الشعب ولم تقف الثورة ضد أى فكر إلا الفكر المقوض لمكاسبها أو المخرب لخطواتها المنتصرة في سبيل كرامة الكلمة المعبرة عن الشعب . يمكن أن يوقف القلم إذا رؤى ضرره ولكن صاحبه لا يضار بسبب الكلمة والكلمة الشريفة مهما تكن الزاوية التي تري منها صالح الشعب فإن لها المجال لأن تعبر ولأن تبني قضايا الشعب بأى وسيلة تراها "
وقال " صالح جودت " في قصيدة بعنوان " بعد الوداع ":
هوى الذي كان ارتفع السها      وانهار من كان كشم القلاع
إرادة الله ... وما جهدنا              إزاءها إلا رضا وانصياع
إرادة الله قضت أمرها              فينا فقلنا يا جمال الوداع
جمال قد أرسي لكم نهجه            ونهجه أولي بكل إتباع
يا زورق الأحلام قم وانطلق        وانشر على مد الحياة الشراع
وسر على درب جمال ولا            تهن وضاعف من خطاك السراع
مسيرة الثورة    لا تنتهي          أما نعي الملاح في الغيب ناع
فكلنا ملاحها .... كلنا من            غرس هذا العبقري الشجاع
وكتب " أحمد زين" يوم 29 -9- [[1970]] في الأخبار يقول :" لقد أعطى [[عبد الناصر]] الأرض للفلاح وللعامل المصنع ,للجيل الجديد العلم والنور مجانا . ولأول مرة تساوت الفرص وقلت الفواق وأحس كل فرد بالحرية الحقيقية .... ماذا يستطيع القلم أن يكتب ؟ أن المجلدات الضخمة تعجز عن التعبير فما بالك بالكلمات ؟... هل تستطيع أن تتحدث عن البسمات التي أدخلها على تصنف فرص العيش التي توفرت والحياة التي تحققت ؟"
وكتب " أنيس منصور" في نفس العدد من الأخبار " أما ذلك اليوم الأسود يوم تنحي [[عبد الناصر]] عن الحكم  فكان أتعس أيام الأمة العربية فقد أحسسنا جميعا بأنني يتامى .. أما اليوم فإن [[عبد الناصر]] لم يتنح عنا بل وضعنا أمام إرادة الله , فلا شئ يعوضنا عن خسارته المروعة ". ثم عاد ليكتب يوم 1/ 10/[[1970]] " إننا في عصر ما بعد [[عبد الناصر]] نتكلم أكثر ونصرخ أكثر وهو لا يتكلم .
ونخاف أكثر كان هو الأمان وصمام الأمان . فاللهم أرحم [[عبد الناصر]] وارحمنا من بعده ... ومن أنفسنا "
وكتب " عبد الرحمن الشرقاوي " في نفس العدد " فالرجل الذي تلخصت فيه أحلام أمة بأسرها ... الإنسان الذي شكلت نبضات ملايين القلوب خطاه ... الزعيم الذي ارتبط اسم الوطن باسمه كما لم يرتبط اسم وطن بزعيم من قبل ... المعلم الذي عمر الوجدان بالثقافة والقيم الفاضلة ...
الأب الذي ملأ القلوب الخائفة بالأمن ... الرائد الذي فجر من الجوانج عزة الكبرياء .. رجل الدولة الذي فرض على عالمنا هيبة العرب ... الأب الذي شعر أبناء الوطن في ظلاله بالطمأنينة والثقة في المستقبل ... الأخ  جعل حياته كلها آثارا نبيلة من نضال جبار لا يهدأ حتى ينتصر الحق ويسود العدل ."
وكتب سيد مرعي في الأهرام 4/ 10/[[1970]] يقول تحت عنوان " كلمة وفاء " إلى روحك الطاهرة يا من حررت ملايين الفلاحين المصريين يا من أدركتهم بعد شقاء آلاف السنين فجئتهم في موعدك  وكسرت عن أيديهم الأغلال والقيود وأطلقت فساروا وراءك على أشرف طريق ..  لازالت ماثلة أمامي صورتك بين  الفلاحين في منطقة دميرة توزع عليهم وثيقة تحررهم وتملكهم الأرض التي عاشوا عليها عبيدا لها فأصبحوا بفضلك أسيادها .... ثم في منطقة الزعفران وأنت تواصل نفس الرسالة وكانت البلاد  تحتفل بالعيد الأول لثورتها التي قامت بقيادتك . إنك لم تتخلف عن رد حقوق الفلاحين إليهم فبعد ستة أسابيع من قيام ثورتك أعلنت قانون الإصلاح الزراعي وفي عيدها الأول قمت بتوزيع الأرض على الفلاحين ...وسيظل دائما [[عبد الناصر]] هو أسلوبنا في الفكر وهو مصدر الأمل ومفجر طاقات العمل "
وكتب نجيب محفوظ في أهرام  2/ 10/ [[1970]] حوارا تحت عنوان " كلمات من السماء ".....
- حياك الله يا أكرم ذاهب
- حياكم الله وهداكم
- إني أحنى رأسي حبا وإجلالا
- تحية متقبلة ولكن لا ننسي ما سبق من قولي " ارفع صوتك يا أخي "
- نحن من الحزن في ذهول شامل
- لا يحق الذهول لمن تحدق به الأخطار وتنتظره عظائم الأمور
- يعزينا بعض الشئ أنك إلى جنة الخلد تمضي .
- وسيسعدني أكثر أن تجعلوا من دنياكم جنة
- إن عشرات التماثيل لن تجعلك في خلود الذكرى
- لا تنسوا تمثالين أقمتهما بيدي وهما " الميثاق " و" بيان 30 [[مارس]] "
- وراءك فراغ لن يملأه فرد
- ولكن يملأه الشعب الذي حررته
- سيبقي ذووك في صميم الأفئدة
- أبنائي هم الفلاحون والعمال والفقراء
ونشر  لأهرام في 2/ 10 / [[1970]] أن مجلس إدارة الأهرام قرر أن يتعهد الفكرة التي دعا إليها توفيق الحكيم بإقامة تمثال [[عبد الناصر]] وقد نشر توفيق الحكيم بيانا قال فيه " لقد جسد الشعب فيك صورة حريته لقد جعل منك تمثال الحرية لنا فاسمح لنا وقد فارقتنا أن نقيم لك تمثالا عاليا في  ميدان التحرير ليشرق على الأجيال ويكون دائما رمزا للآمال وما ينبغي أن تقيم هذا التمثال سلطة أو دولة لكنه الشعب نفسه من ماله القليل يقيمه " وكانت السيدة أم كلثوم قد اقترحت أن يطلق على " السد العالي " اسم " سد ناصر " كما كان يطلق على بحيرة تخليدا لذكرى الرجل الذي بني السد وصنع [[البحيرة]] .
ونشرت " روتير " تعليقا لمناحم بيجن زعيم كتلة جحل في إسرائيل قال فيه " إن الرئيس [[عبد الناصر]] كان أخطر أعداء إسرائيل إن وفاة [[عبد الناصر]] تعني وفاة عدو مر . أنه كان أخطر عدو لإسرائيل ولهذا السبب لا تستطيع أن تشارك في حديث النفاق الذي يملأ العالم كله عن ناصر وقدوته وحكمته وزعامته !! ولعل بيجن  كان من القليلين الذين صدقوا مع أنفسهم فلم يغير لون جلده بمرور الوقت كما تفعل الحرباء
وبعد  هذا الذي قرأت لم يعد في استطاعتي أن أقرأ أكثر ولا أكن أكتب أكثر !!
وتوقفت عن القراءة والكتابة وجمعت ما أمامي من أوراق وأعدتها إلى المكان الذي كانت فيه .
وأخذت أقارن بين هذا الذي  قيل بالأمس , وما يقال اليوم .. وهالني ما وجدت !!!
وذرفت بعض الدموع ... بعضها على جمال ...وأكثرها على وفاء الرجال !!  وشعرت في نفس الوقت بالقلق عما ستكتبه الأقلام المارقة الآن وفي كل أوان عن الحكام وأصحاب الصولجان لو تغير اتجاه الريح في يوم من الأيام . أو إذا وافاهم الأجل بعد عمر طويل ... فالموت حق على الجميع بل هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة !!!
وفي الوقت نفسه نظرت إلى صفحات التاريخ التي نتداو لها بين وقت وآخر بين الشك والارتياب .... فربما تكون أقلام الأمس التي كتبت ودونت شبيهة بأقلام اليوم التي تغيرت وتبدلت !!
وأقول ربما ... لأنني لم أصل بعد إلى حد اليقين .!!!
الباب الخامس
قضايا تحتاج إلى إيضاح
الفصل الثاني عشر : الليلة العصيبة
الفصل  الثالث عشر : القنوات الخلفية ل[[عبد الناصر]]
الفصل الرابع عشر : إستراتيجية [[عبد الناصر]] في البحر الأحمر
الفصل التاسع – الليلة العصيبة
وحان وقت الإيضاح – علاقة المؤسسة العسكرية بالقيادة السياسية – المؤسسة العسكرية أصبحت وما داخل الدولة – النكسة – العدوان على الشرعية – تورطات – تجاوزات – القرار الحاسم – محاكمة  عامر في منشية البكري – تصفية منزل الطحاولا – تحديد إقامة عامر – ومات المشير  - سقوط دولة المخابرات
لم الحديث والإيضاح الآن ؟
مر على الليلة العصيبة التي سوف نتحدث عنها أكثر من ستة عشر عاما بالتمام والكمال كانت الليلة  ليلة 25/ 26 [[أغسطس]] [[1967]] وفيها تم نزع سلطات المشير [[عبد الحكيم عامر]] وزالت عنه كل صفاته الرسمية . ولم يكن تنفيذ ذلك بالأمر السهل عن طريق إجراءات عادية خاصة بعد النكسة الخطيرة التي حلت بالبلاد والتي تسبب فيها " القيادة العسكرية " وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة الذي هو المشير عامر . كانت الهزيمة وحدها كافية أن تسهل أمر إبعاده وتنحيته ولكن لم يقبل المشير عامر – حتى والآلاف من أفراد القوات المسلحة يذبحون ويؤسرون في [[سيناء]]  أو يموتون عطشا – أن يتخلي عن منصب قيادة القوات المسلحة بل لم يقنع بمنصب نائب رئيس الجمهورية الذي عرضه عليه [[عبد الناصر]] في ذلك الوقت . بل أصر رغما عن كل شئ أن يظل  محتفظا بكافة مناصبه وسلطانه معتمدا في ذلك على أفراد قيادته العسكرية التي ساندته دوما في اعتداءاته المتكررة على السلطة الشرعية قبل النكسة والتي أصبحت معه في سفينة واحدة بعد النكسة إن تركها قائدها غرقت بمن فيها وحينئذ يصبح وضعهم في قفص الاتهام سهلا ميسرا فالخوف من المصير جعلهم يتكتلون وراءه مما جعله يتصلب في موقفه ويعلن العصيان وبالرغم من أن القوات المسلحة فقدت كل شئ في [[سيناء]] إلا أنه جمع أعوانه من الضباط في منزله بمحافظة [[الجيزة]] لا يغادرونه ليل نهار بل شدد وكثف الحراسة على هذا المنزل " بحرس خاص " تكون من وحدات الشرطة العسكرية والعربات المصفحة كما أحضر من بلدته " أسطال " بمحفظة [[المنيا]] أكثر كم 3—فرد مدني معظمهم من الفلاحين لتعزيز الحراسة على منزله  . وبدأ هؤلاء في تحصين المنزل بشكاير الرمل وإقامة المزاغل وسدت الطرق الموصلة إلى المنزل وأصبح المكان بمن فيه " ورما" خارجا على " الشرعية القائمة" والأخطر من ذلك أن الغالبية العظمي من وحدات وأفراد القوات المسلحة كانت متعاطفة معه وأذكر أنه بعد تعييني  وزيرا للحربية بعد النكسة كيف كانت صور المشير عامر معلقة في الوحدات رغم زوال سلطاته الرسمية عنه ولم تكن أى سلطة في البلاد بقادرة  حينئذ على أن تعطي الأوامر بإزاحة صورة الرجل الذي لم يعد له صفة رسمية توجب استمرارها في أماكنها . كما أذكر أنه في أول مؤتمر للقادة الكبار عقدته في مكتبي بحضور الفريق محمد فوزي القائد العام  للقوات المسلحة والفريق عبد المنعم رياض  رئيس هيئة أركان حرب أن كنت أعطى تعليماتي بخصوص موضوعات على جانب كبير من الخطورة : الموقف الراهن , إجراءاتنا في المدى القريب , التسليح , إعادة تنظيم القوات وأوضاعنا في [[اليمن]] , علاقاتنا العربية ,.... أقول وسط كل هذه الموضوعات  الخطيرة تساءل أحد القادة الكبار عما إذا كان " من الممكن تلقي توجيهات بخصوص استمرار وضع صورة المشير في الوحدات "؟ كان الرجل وهو يوجه سؤاله يعلم تماما حساسية ما يطلب لإجابة عنه , ولما لم يكن من السهل في ذلك الوقت معرفة " الموطئ الصحيح للقدم " تظاهرت بالغضب وأجبت " بأنه يا أخي نحن نتكلم عن هذه الموضوعات الخطيرة ثم يأتي سؤالك عن هذا الموضوع الفرعي ؟! وكتب لى " عبد المنعم رياض " على ورقة صغيرة دفعها لى " الحمد لله لقد تخطينا أول حفرة "
إذن لم يكن الأمر سهلا ولا عاديا وخشية أن نستطرد في الموضوع دون التمسك بالتسلسل المعقول الذي لابد وأن يعرض به نتوقف هنا عند هذا الحد .
ونعود إلى شاغلنا الأصلي : لم الإيضاح الآن ؟ لم التحدث بعد فترة ستة عشر عاما في هذا الموضوع الحساس علما بأنني كنت أعتذر دائما عن الخوض في مثل هذه الموضوعات من قبل ؟
وهناك دوافع كثيرة حتمت ذلك :-
فقد مرت تلك الفترة التي خيل لى أن الغالبية العظمي أصيبت بظاهرة " كتابة المذكرات " أو " التذكر " أو " الذكريات " وكانت الجهود المحمومة قد ركزت على [[عبد الناصر]]    وفكره وعقيدته لتصيبها في  مقتل . كانت الثورة المضادة قد خاضت حربا غير مقدسة ضد كل ما فعله  [[عبد الناصر]] طوال ثمانية عشر عاما حافلة بالأحداث وفضلت في ذاك  الجو المشحون الذي غاب منه جانب العقل أن أركز  على موضوعات أكثر أهمية مثل أضواء على النكسة وحرب الاستنزاف , حروب [[عبد الناصر]] , مع [[عبد الناصر]] , الأمن العربي في مواجهة الأمن الإسرائيلي ... الخ كلها كتب صدرت لى في تلك الفترة الحزينة من تاريخ [[مصر]] ,حتى لا أشارك في موضوعات فرعية من السهل أن تكشف عن زيفها الأيام .
ونشر في هذا الموضوع بالذات كتب عديدة ومقالات كثيرة وتطوع من يعرف ومن لا يعرف بذكر ما حدث مؤكدا على أن ما يقوله هو الحقيقة الكاملة علما بأنه لم يكن شاهدا على ما حدث .
ولا طرفا في الحوادث ولا صانعا لها وكنت أدهش حقيقة من قدرة البعض على صياغة الأحداث وتلوينها بصورة أبعد ما تكون عن الحقيقة .
ثم رأيت أن بعض الذين كانوا على قرب من مركز الأحداث اهتموا بالتاريخ لأدوراهم وصوروا على أنهم كانوا هم " كل شئ " حتى [[عبد الناصر]] نفسه ظهر إلى جانبهم وكأنه لا حول ولا قوة . فهم المخططون وهم المستشارون بل هم المنفذون . وظهر من خلال ما كتبوه أن [[عبد الناصر]] لم يكن لا صاحب قرار أو نفوذ أو سلطن . فهم الذين حركوا كل شئ . الشئ الغريب أنه بالرغم من بعد هذا عن الحقيقة إلا أن الأكثرية صدقت وسلمت بما قيل وأخذته على أنه حقيقة لا رجعة فيها وقد شرك في هذا وللأسف الشديد بعض الرجال والقادة الذين لم يتورع البعض منهم عن الاعتداء على الحقيقة وللانتقاص منها أحيانا أو الإضافة إليها أحيانا أخرى.
ثم رأيت بعض المؤرخين يتقدمون الصفوف ليكتبوا ويحللوا عن وقائع معينة  صانعوها ما زالوا على قيد الحياة .. وهؤلاء قد شاهدوا الحدث وعاينوه وشاركوا فيه إلا أن هؤلاء المؤرخين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن المصدر والمنبع للأخذ منه , ثم محاولة التثبت من ذلك من آخرين . أبدا  لم يحدث شئ من هذا . فمن قال إن " المشير " قتل ثم لم يكتف بذلك بل استنتج طريقة القتل ووسيلته . وبني على ذلك قصصا وقدم هذا كله على أنه " تاريخ !! ومن صور ما حدث بين " [[عبد الناصر]] " و" عامر " على أنه صراع على السلطة علما بأن ما حدث كان عدوانا  على الشرعية التي حاولت – ولديها كل الحق  أن تعيد الأمور إلى أصلها " وتصحح " الأخطاء الكبيرة التي سببت النتائج  الوبيلة ومن أطلق الصفات الرذيلة على الجميع بعد أن خلع ثياب  النفاق وتهيأ وتجهز ليوزع أكبر قدر من المال ولو كان ذلك على حساب الحقيقة والصالح العام .
ثم الأخطر من كل هؤلاء " أعداء تظاهروا في ثوب الأصدقاء وهؤلاء وهم يدافعون عن مسئوليات لم يحسنوا أداءها , وإبعاد الاتهامات صريحة تحيط بهم , وتوجيها لسير الأحداث  إلى وجهة تطمس الحقيقة ... أقول إن هؤلاء جسموا صغائر الأعمال التي قاموا بها حتى يتستروا على حجم الخطايا التي ارتكبوها وكتبوا عن إيجابيات فرعية تكتيكية ليخفوا بها هزائم رئيسية إستراتيجية !!
إزاء كل هذا الذي حدث اهتزت ثقة الرأي العام فيما يقال , وزهد الناس في سماع المزيد من الأكاذيب والافتراءات خاصة بعد ن رأوا الكبار ينزلون إلى مستوى الصغار وهنا تريثت الأقلام الحاقدة والجهود المحمومة مما أوجد مجالا لكلمة الحق أن تقال وربما تسمع في نفس الوقت .
وأحب أن أحدد موقفي من البداية فإنني أعترف أنني لست ملما بتفاصيل العلاقة المعقدة التي كانت بين الرئيس [[عبد الناصر]] والمشير عامر ولذلك فلن أخوض فيها إلا بالقدر الذي أعلمه تمام العلم ,لكن يمكنني – وبكل ثقة – أن أتحدث عن تلك الليلة العصيبة بتفاصيلها لأنني كنت مع آخرين شهودا على أحداثها  بل مشاركين في صنعها فلم يكن ما حدث في تلك الليلة جهدا قام به فرد واحد – كما جاء في بعض الروايات – ولكن الحدث تم بجهود مشتركة بذلت قبل حدوثه بوقت ليس بالقصير وظلت هذه الترتيبات – حفاظا على السرية – محصورة في نفر قليل ممن شاركوا في إعدادها .
هؤلاء المشاركون لم يكونوا " جماعة واحدة أو شلة متضامنة " ولكنهم كانوا جميعا ممن يعملون مع [[عبد الناصر]] والذين كانت تربطهم به علاقة العمل أو الحب والولاء أو الإيمان بمبادئه أقول هذا بالرغم من أن كثرة المشاركين حوكموا بعد ذلك فيما سمي " بأحداث [[مايو]] [[1971]] " والذين أطلق عليهم " مركز القوى "  وبالرغم من أن هذا حدث لهؤلاء فإنهم لم تضمهم " جمعة أو شلة واحدة " بل كانوا على الأصح متناقضين ولعل هذا التناقض هو الذي جعل هذه الجماعة تصبح فريسة سهلة للجانب المتربص الذي كان يعرف تماما حقيقة العلاقات القائمة بين هؤلاء فاستغل ذلك بذكاء في القيام بالثورة المضادة على مبادئ [[عبد الناصر]] بل بلغ تناقض هؤلاء المشاركين قمته حينما كان البعض منهم في قفص الاتهام والبعض الآخر كان خارج القفص لا يدخر جهدا في إثبات الاتهام الظالم بل شارك في الحملة المسعورة على [[عبد الناصر]] نفسه بطريقة أو أخرى موجه سهامه إلى " جماعة [[مايو]] " وإن كان يعني ويقصد توجيهها إلى " [[عبد الناصر]] " وربما كان الدافع لهذا الالتواء إبعاد الحروجة أو ربما بقية من حياء.
وبالرغم من ذلك كان هناك دافع مشترك بينهم للمشاركة في أحداث تلك الليلة وإن لم يكن بينهم اتفاق مشترك على هذه المشاركة إذ دخل هؤلاء المشاركون في العمل في أوقات متفاوتة متتالية كان الدافع المشترك بينهم أنهم ما لهم الموقف الذي أصبحت فيه البلاد بعد النكسة مما كان يحتم " تصحيح المسار " ولم يكن هذا ممكنا إلا " بتنحي عامر " عن السلطة أو على أقل تقدير بإبعاده عن القوات المسلحة ولم يكن هناك لتنفيذ ذلك إلا طريقان : طريق " الشرعية " بأن ينفذ " عامر " قرار القيادة السياسية  ولكنه أبي ورفض وإزاء ذلك لم يكن هناك إلا الطريق الآخر وهو استخدام القوة لإعادة " الشرعية " بالدولة كما كانت قبل النكسة بل كان من الواجب إعادتها مرة أخرى لتعمل في إطار " الدولة " لتنفذ أهدافها  وتحقق استعادة الأراضي المغتصبة فما أخذ بالقوة لا يمكن أن يسترد إلا بالقوة .
العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية
والعلاقة بوجه عام بين القيادتين علاقة معقدة وبالغة الأهمية خاصة في البلاد النامية التي تحدث فيها التغييرات الداخلية عادة باستخدام القوات المسلحة والتي لا يتحدد فيها أسلوب نقل السلطة بطريقة تمنع الهزات والرجات . وإن إخلال التوازن في العلاقة بين القيادتين يتسبب في مخاطر كثيرة تؤثر على الأمن القومي للبلاد مما يحتم معالجة الموضوع معالجة حاسمة وحكيمة وواضحة .
وإيجاد التوازن أمر صعب إذ تتعدد مؤسسات الدولة التي لا تقل إحداها أهمية عن الأخرى ولكن على هذه المؤسسات أن تسر داخل إطار واحد في خطوات متزنة ثابتة وإلا تعثرت الدولة كلها وترنحت وهي تتصارع في غابة [[السياسة]] الدولي المليئة بالذئاب والثعالب. فتحقيق التوازن بين مؤسسات الدولة تجعل منها " أوركسترا " واحدا متناسقة الأنغام بالرغم من أنه يتكون من آلات موسيقية متعددة لكل منه نغمة الخاص .
وبالرغم من أن هذا مرغوب فيه إلا انه أمر صعب كما سبق القول ويزداد الأمر صعوبة حينما تقوم القوات المسلحة بالتغيير وحينما يكون لقائدها العام دور بارز في إحداث هذا التغيير فما لم يتدارك الموقف من أول الأمر تتفاقم المشكلة مما يؤدى إلى ازدواجية خطيرة ينهار من جرائها الإطار الصحيح الذي ينظم السلطات داخل الدولة مما يهز " الشرعية " من أساسها .
فحينما تولي المشير عامر قيادة القوات المسلحة عقب قيام الثورة كان هذا الإجراء يتفق وطبيعة الأشياء فالثورة أى ثورة – لها الحق في تأمين نفسها خاصة في القوات المسلحة التي يمكن أن تتجه إليها جهود الثورة المضادة إن هي فكرت في استعادة السلطة والمشير عامر كان أهلا للقيام بهذا الواجب  فشخصيته تتميز بالتسامح والدقة والإنسانية إلا أن علاقاته الخاصة كانت ترجح انضباطه الذي من المحتم أن يكون صفة مميزة لمن يتولي قيادة رفيعة كتلك التي كان يتولاها ... ثم فوق كل ذلك كن عامر هو الشخص الأقرب إلى قلب [[عبد الناصر]] قائد الثورة وزعيمها .. ولقد قام المشير عامر بتحقيق هذا الواجب في يسر وكفاءة حببت فيه القوات المسلحة وفي الوقت نفسه زادته قربا من الرئيس مما أثار حفيظة بعض الزملاء وغيره بعض الأصدقاء فتسبب عن ذلك صارعات وخلافات كانت تحسم دائما لصالح المشير  ولكن أن يستمر " عامر " بعد أن حقق هذا الواجب في تولي القيادة الفعلية للقوات المسلحة فهو أمر ما كن يجب ن يحدث خاصة وأن سياسة [[القاهرة]] الوطنية في ذلك الوقت أثارت عليها الاستعمار وأصبح الأعداء يتكاثرون وهم يواصلون الليل بالنهار للكيد والتدبير بل اقتضت مصالح الجمهورية في ذلك الوقت نشر بعض الوحدات المسلحة خارج الحدود مرات متعددة وفوق كل ذلك كانت هناك إسرائيل تتحين الفرصة لتنقض . ومعني هذا أن القوات المسلحة لابد وأن تكون على أعلى مستوى من ناحية الكفاءة القتالية وهذا يحتاج إلى نوع خاص من القيادة يتصف إلى جانب الكياسة والليونة بالمعرفة العلمية العميقة بأصول الحرب وما لحقه من تطور الأمر الذي لم يكن متوفرا لدى المشير فإذا أضفنا إلى ذلك إفراطه في تغليب العامل الإنساني في المعاملة وتودده الذي يتميز بالطبع السياسي لعلمنا مقدار ما أصاب معايير الانضباط من سلبيات إهتز معها الضبط والربط وانعدم الاحترام الواجب بين الرئيس والمرؤوس وتحطمت سلسلة القيادة وهي بمثابة العمود الفقري للقوات المسلحة وقد لمس الجميع ذلك وتحدثوا فه بل كانت كل قيادات القوات المسلحة راضية عنه تسايره وتشجعه دون أن يرتفع صوت واحد يحذر و ينذر .
ولقد كان من الواجب تنحية " عامر " عن قيادة القوات المسلحة عقب العدوان الثلاثي عام [[1956]] وقد كان هذا ممكنا حتى ذلك الوقت في يسر وسهولة لأن إدارة المعركة كانت في مستوى مقلق ولولا المهارة السياسية التي أديرت بها دفة الأمور ما كان نصر عام [[1956]] . وإذا كان التغيير لم يتم بعد العدوان الثلاثي ربما للشعور العام السائد في ذلك الوقت من الأمور قد فاجأتنا وداهمتنا فإنه كان من اللازم إحداث هذا التغيير بعد جريمة الانفصال بين سوريا و[[مصر]] عام [[1962]] خاصة وأن المشير عامر كان هو المسئول عن إدارة الأمور المتعلقة بالوحدة بل كانت كل الأمور تدار بواسطته في الإقليم الشمالي حيث أعطيت له اختصاصات رئيس الجمهورية .
وربما  منذ ذلك الوقت بدأ الصراع بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] . كان صراعا خفيا يدور بينهما ولا يلمسه إلا رجال المطبخ الداخلي للرجلين مع حرصهما على التظاهر أمام الرأي العام بمظاهر الود والإخاء وقد دفع هذا المشير عامر إلي أن يتخذ من الترتيبات التي تجعل من الصعب التخلص منه في المستقبل  كما تم التخلص من الزملاء لآخرين. وهنا لم يتقيد في اختيار معاونيه فأسقط من حسابه قواعد الاختيار المتعارف عليها مما كان له أثره في نكسة [[1967]] دون ما شك . لم يعد مهما العلم أو المعرفة بل لم يعد مهما توفر الخلق أو السمعة الطيبة أو القدوة الحسنة .ولكن كان الأهم من كل ذلك له أن يتم الاختيار على أساس الولاء لشخصه ولأعوانه كانت المجموعة المحيطة بالمشير كافية للإساءة إليه بالإفراط في اللهو وأسباب المتعة فكانت الألسن تتحدث عن إفراط بعض كبار رجال القيادة العامة للقوات المسلحة في علاقاتهم الجامحة وسهراتهم الحمراء مما كان محل تحقيق السلطات المعنية في بعض الأحيان وكان المفروض في هؤلاء أن يكونوا قدوة لغيرهم من الضباط ومن الملفت للنظر أنه جاء وقت كان ثلاثة من القيادة العامة متزوجين من فنانات : المشير عامر وقد تزوج من السيدة " برلتني عبد الحميد " زواجا عرفيا وعلى شفيق وقد تزوج من السيدة " مها صبري " عبد المنعم أبو زيد وقد تزوج من السيدة " سهير فخري " والتي كانت متزوجة من قبل من الأستاذ محمد كامل حسن المحامي وهي صديقة لبرلتني عبد الحميد وكانت أول من عرف بزواجها من المشير ..
وأغدق " عامر " على ضباطه دون حساب وفتح لهم أبوابه وآذانه لاستقطابهم وقد نجح المشير في تحقيق ذلك إلى حد كبير وفي وقت قصير بحيث أن [[عبد الناصر]] أصبح بمرور الوقت غير قادر على تغيير المشي حتى لو رغب هذا التغيير .
وليس معني هذا أن محاولات لم تبذل لتطويق هذا الموضوع فعند تشكيل مجلس الرئاسة كمحاولة للقيادة الجماعية بعد الانفصال بدأ المجلس يبحث في الحد من سلطات المشير عامر بعد فشله في إدارة الأمور والذي أدى إلى وقوع الانفصال وبأفراد من مكتبه أثناء وجوده هناك وقد ظهر مقدار عجزه عن التصرف إزاء الأحداث المؤسفة كان مجلس الرئاسة قد فكر في أن تكون سلطة تعيين ونقل قادة الكتائب والألوية في القوات المسلحة من اختصاصه ,قد أعد [[عبد الناصر]] القرار بنفسه في نوفمبر [[1962]] ولكنه لم يحضر الجلسة التي ناقشته بحضور [[عبد الحكيم عامر]] الذي طالب بتأجيل مناقشته وأيده في ذلك [[كمال الدين حسين]]  . إلا أن باقي أعضاء مجلس الرئاسة أصروا على مناقشته ووافقوا على القرار وخرج عامر غضبا من الاجتماع وكتب استقالته وسافر إلى مطروح دون أن يبلغ أحدا من زملائه كانت الاستقالة تتحدث عن الديمقراطية وضرورة العودة إلى نظام الأحزاب ومن الواضح أن عامر لم يكن مقتنعا بذلك تتحدث  عن الديمقراطية وضرورة العودة إلى  نظام الأحزاب ومن الواضح أن عامر لم يكن مقتنعا بذلك واكنه كان يقصد أن تكون استقالته تحت ستار قضية عامة وبسببها إذ انه بعد أن سويت المسائل لم يعد إلى  طلباته تلك إلا بعد نكسة [[1967]] حيث أعاد طباعة الاستقالة بواسطة زوجته برلنتي عبد الحميد وتم توزيعها على نطاق واسع ..
إلا أن  [[عبد الناصر]] بما حرصا على تماسك القوات المسلحة , وربما عزوفا عن الدخول في معركة لا يضمن فيها الفوز رفض الاستقالة واحتفظ بعامر بالرغم من رد فعل ذلك على باقي أعضاء مجلس الرئاسة وقد أخبرني كل من السيدين عبد اللطيف البغدادي وكمال حسين بأن الرئيس عرض عليهما تولي أمر القوات المسلحة إلا أنهما اشترطا أن يقوم [[عبد الناصر]] أولا بإزاحة أعوان المشير من المراكز التي كانوا يتولونها .
[[عبد الناصر]] قادرا على التدخل في القوات المسلحة بأى صورة من الصور .
وقد بلغ هذا الوضع إلى درجة إصدار " عامر " لقرار نائب القائد الأعلى  للقوت المسلحة رقم 168 لسنة [[1966]] بشأن إعادة تنظيم القيادة العليا للقوات المسلحة تقرر بموجبه .
1- دمج مكتب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ومكتب رئيس هيئة أركان حرب القوت المسلحة في إدارة واحدة بالقيادة العليا للقوات المسلحة .
2- تنشأ إدارة جديدة تتولي أعمال الأركان حرب بالقيادة العليا برئاسة ضابط يسمي مدير  الأركان بالقيادة العليا .
3- يستمر مكتب نائب القائد للشئون العامة في مباشرة اختصاصاته الحالية ويسمى مكتب نائب القائد الأعلى ويتبع مباشرة لنائب القائد الأعلى للقوات المسلحة .
4- تشمل القيادة العليا : نائب القائد الأعلى ومكتبه, مساعد نائب القائد الأعلى , رئيس هيئة أركان حرب إدارة الأركان بالقيادة العليا .
وتصدر جميع مكاتباتهم معنونة برسم القيادة العليا للقوات المسلحة .
5- باقي أجهزة القوات المسلحة يعنون مكاتباتها برسم القيادة العليا للقوات المسلحة .
6- يتبع مدير الأركان وإدارته إلى رئيس هيئة الأركان ويعمل بتوجيهات منه .
7- يتخذ رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الإجراءات التنفيذية ويصدر تعليمته بتنظيم واختصاصات إدارة الأركان بالقيادة العليا وأسلوب عملها .
وواضح من القرار تقليص اختصاصات رئيس هيئة أركان حرب ودمجه بمكتبه في مكتب نائب القائد الأعلى وعلاوة على ذلك إخراج مكتب نائب القائد للشئون العامة الذي يتولاه " المقدم شمس بدران " من سلسلة القيادة ليتبع مباشرة نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي  هو [[عبد الحكيم عامر]] .
والشئ الغريب أن الجميع وافقوا ونفذوا عن طيب خاطر !! 
ثم عاد المشير ليصدر أغرب قرار غير دستوري يمكن أن يصدر عن وجه مسئولة وهو قرار نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم 367 عام [[1966]] في شأن تحديد اختصاصات ومسئوليات السيد شمس الدين بدران وزير الحربية في نطاق القوات المسلحة :
مادة أو لي : يتبع وزير الحربية أجهزة القوت المسلحة لآتية :
إدارة كاتم أسرار حربية
إدارة القضاء العسكري
إدارة المخابرات الحربية
إدارة الشئون العامة
إدارة التوجيه المعنوي.
ويصدر بتحديد الاختصاصات والسلطات في كل منها قرار بالتفويض من نائب القائد الأعلى .
مادة ثانية : يختص وزير الحربة بكافة الشئون المالية والإدارية وشئون الخدمات الطبية والعلاجية وتتبعه الأجهزة الحالية التي تعمل من هذا المجال ويصدر بتنظيمها وتحديد مهامها وأسلوب عملها في نطاق القوات المسلحة قرار من وزير الحربية .
مادة ثالثة : تنقل تبعية لأجهزة المنقولة من وزارة الحربية إلى القوات المسلحة بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 / 1964 إلى وزير الحربية عدا الهيئة المصرية العامة للطيران ( هذه الأجهزة  هي : مصلحة السواحل والمصايد وحرس الجمارك , المؤسسة الاقتصادية للقوات المسلحة , المؤسسة العامة للمحاربين القدماء المؤسسة العامة للطيران عدا شركة الطيران العربية المتحدة مكتب المستشار الصناعي بكلولون ومكتب المستشار الصناعي بموسكو ومكتب التظلمات العسكرية )
مادة رابعة : وزير الحربية والأجهزة التابعة له بالقوات المسلحة هي الجهة المسئولة عن اتصالات القوات المسلحة بالوزارات  والأجهزة المركزية للدولة وتتم عن طريقها .
مادة خامسة : يلغي مكتب نائب القائد الأعلى للقوت المسلحة وتؤول كافة اختصاصاته ومهامه إلى مكتب وزير الحربية
ويلاحظ على هذا القرار الخطير الآتي :
1- أنه صادر من القائد العام للقوات المسلحة لتحديد اختصاصات وزير من الوزراء وهذا من واجب القيادة السياسية ثم صدر القرار لشمس بصفته الشخصية يعني لا تسري هذه الاختصاصات على أى وزير حربية يأتي بعده.
2- أن الأجهزة الخطيرة المتعددة والتي تم فصلها عن سلسلة القوات المسلحة القيادية أصبحت لا تؤدي دورها بطريقة سليمة لخدمة هذه القوات مثل إدارة كاتم أسرار والمخابرات الحربية والتوجيه المعنوي .
3- أن القرار ألغي مكتب نائب القائد الأعلى الذي سبق وتكون بموجب القرار السابق – من دمج مكتبي نائب القائد الأعلى ورئيس هيئة أركان حرب وتحولت اختصاصات هذا المكتب الملغي إلى  مكتب وزير الحربية .
4- أن وزير الحربية أصبحت في يده كل وسئل السيطرة على ضباط القوات المسلحة دون رقيب فأصبح في يده وحده : تنقلاتهم وترقياتهم وإنهاء خدماتهم الموضوعات الخاصة بالتأمين , الترفيه , النواحي المالية , العلاج , المكاتب الخارجية ... الخ.
وصدر القرار دون تدخل من جهة من الجهات لتعديله بما يتفق والنظام المتعارف عليه في الدولة أما قادة القوت المسلحة فقد وافقوا ونفذوا ولم يعترضوا !!!
وكم عانيت من هذه القرارات بعد تعييني وزيرا للحربية بعد النكسة إذ كانت وجهات النظر كلها ما زالت متأثرة بالأوضاع السابقة ولما لم يكن في استطاعتي تصحيح الأوضاع فضلت ترك منصبي رغما عن المحاولات الكثيرة التي بذلت للضغط على بقائي ... وهذه قصة أخرى ..
وسأحكي  قصتين شاهدت وقائعهما  بنفسي إحداها تجسم طبيعة المشير والأخرى تصور طبيعة العلاقات بين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] والمشير [[عبد الحكيم عامر]] .
في أوائل [[1965]] وكنت سفيرا للجمهورية العربية المتحدة في بغداد حضر المشير عامر على رأس  وفد إلى بغداد للزيارة وذلك ردا على زيارات متعددة قام بها الرئيس عبد السلام عارف رئيس الجمهورية العراقية وقتئذ إلى [[القاهرة]] . وقبل إتمام الزيارة حضرت إلى [[القاهرة]] للترتيب لها وأرسلت في الوقت  نفسه إلى " المشير " مذكرة مختصرة عن الأوضاع في العراق والموضوعات الهامة التي يمكن أن تثار ومعلومات عن الشخصيات التي سيقابلها عند وصوله إلى بغداد وذهبت لمقابلة المشير فاستقبلني ببشاشته ولطفه ورقته التي يعرفها عنه كل من احتك به . وسألته عما إذا كان قد قرأ المذكرة التي أرسلتها له ؟! فقال : مذكرة إيه ؟ لم تصلني مذكرات ,  واستدعي " على شفيق " وسأله عن المذكرة فقال له " آه دى وصلت من زمان " فرد عليه " طيب يا ... لم لم تعرضها علي  ؟!" وانتهي  الأمر عند ذلك . وكان  من ضمن البرنامج إقامة حفل استقبال كبير على شرف الزائر الكبير وهنا استدعي " عامر " على شفيق " مرة أخرى وقال له " هات ألف إسترليني لأمين لأنه حيصرف على الحفلة منين ؟" وأحضر  على شفيق المبلغ في لمحة عين وأنا في غاية الدهشة مما يم , واعتذرت عن قبول المبلغ شاكرا وقلت " سيادة المشير لا تحمل هم أى شئ . الماهية كفاية للصرف على مثل هذه المناسبات " فقال لى " والنبي إنت ساذج وأول واحد يرفض . إنت حر ".
وعند حضوره إلى بغداد نزل ضيفا على الحكومة  العراقية التي أحاطت الزيارة بكل مظاهر التكريم والحفاوة وأقام المشير في قصر بغداد هو ومرافقوه . وفي الصباح الباكر لليوم الثاني من الزيارة اتصل بي تليفونيا في منزلي عضو السفارة الذي خصصته للإقامة مع الوفد في قصر بغداد وطلب مني الحضور فورا إلى القصر . ورفض الزميل أن يزيد حرفا واحدا على ذلك وحينما وصلت إلى هناك كان أحد ضباط القصر في انتظاري على الباب ومعه عضو السفارة وسلمني مظروفا ذكر أن به أوراقا وجدوها متناثرة بالأمس على سرير المشير  أثناء وجوده بالقصر الجمهوري ورأوا من الأمانة أن يعيدوها داخل  مظروف مغلق وفتحت المظروف وكدت أصعق !!! كان بدخله عدة تقارير اصطحبها  المشير معه من [[القاهرة]] ليقرأها وهو في بغداد تمس وتسئ إلى العلاقة بين [[عبد الناصر]] وعارف وتتحدث عن  عارف حديث شائنا مشككا كانت التقارير سرية للغاية ومع ذلك تركت هكذا دون اهتمام ليطلع  عليها من يشاء !! كان من المؤكد ن الرئيس عارف اطلع عليها وقد يكون المختصون – وهذا مؤكد – قد احتفظوا بصورة منها وأعادوا لنا الأصل !!!
وذهبت إلى المشير لأقص عليه ما حدث . لم ينزعج الرجل بل قابل الموضوع بمنتهي السخرية والاستهزاء !!! ولم يكن في يدى أكثر من أن أ‘نف المسئول عن جمع أوراق المشير ولما ذهبنا للاجتماع مع الرئيس عارف كان الرجل بادى التأثر وأخذ في حديثه يرد على ما أثير في التقارير – مما يؤكد إطلاعه عليها – وأخذ يحذر بين وقت وآخر ممن يحاولون الوقيعة بين بغداد و[[القاهرة]] .
وتذكرت هذه القصة بعد حدوث النكسة وإجراء التحقيقات بخصوص " قضية تآمر المشير وانحراف المخابرات " حينما تأكد للمحققين أن " عامر " كان يترك ملفاته " سري للغاية" والتي بها الخطط والتقارير والميزانية ... الخاصة بالقوات المسلحة في الفيلا التي كان ينفرد فيها مع زوجته " السيدة برلنتي عبد الحميد " في منطقة الهرم لكي  يطلع عليها من يشاء !!
لم تكن هذه نهاية  مفاجآت تلك الزيارة إذ حدثت المفاجأة ليلة إقامتي حفل استقبال " المشير " كان الحفل كبيرا فخما قيم في " دار السفير " بالوزيرية حضره أكثر من ألف مدعو من رجالات العراق وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي ولأجنبي .ودعوت الرئيس عارف للحضور فوعد بذلك تكريما " للمشير " الذي يمثل " [[عبد الناصر]] " وعندما وصل ركب الرئيس عارف إلى دار السفير دعوت المشير – وكان بالداخل – لنخرج سويا لاستقبال الضيف الكبرى وفوجئت بأنه يرفض ذلك رفضا باتا [[مصر]]ا على الاكتفاء باستقباله في إحدى القاعات الداخلية في الدار . وهرولنا لاستقبال " عارف "  الذي دخل معنا إلى الدار ليحي المشير عامر حيث شاء أن يبقي . وبعد فترة من الوقت دعوت  الجميع للخروج لتحية الضيوف في حديقة الدار إلا أنني فوجئت برفض المشير أن يغادر محله . ولم يجد الرئيس عارف بدا من أن يخرج وحده إلى الضيوف ونحن معه تاركين المشير حيث هو بالداخل مما أحدث استياء عميقا لدى المدعوين الذين حضروا خصيصا لتحية مندوب [[عبد الناصر]]
وكنا في موقف لا نحسد عليه وعجزنا أن نجد تبريرا لما حدث !!
قصة تدل على أحد جوانب شخصيته رحمه الله .
والقصة الثانية حدثت يوم وفاة عبد السلام عارف في حادث الطائرة المعروف في [[أبريل]] [[1966]].
كنت يومئذ وزيرا للإرشاد القومي واتصل بي الرئيس [[عبد الناصر]] تليفونيا في الصباح الباكر . كان الرجل شديد التأثر على وفاة عارف وأخبرني بأني سأسافر إلى بغداد كعضو في بعثة يرأسها المشير لتقديم التعزية الواجبة وذكر لى  الرئيس ن المشير سيحضر لمقابلته الساعة الحادية عشرة من هذا اليوم قبل السفر إلى بغداد وكان على بناء على حديثه أن أمر عليه في منزله بمنشية البكرى قبل ذلك بنصف ساعة للتحدث في أمر علاقتنا مع بغداد على ضوء التطورات المحتملة بعد وقوع الحادث . وذهبت في الموعد المحدد وكان لدى الرئيس كثير من المعلومات والتعليمات كان مما ذكره " إننا لا نريد من بغداد شيئا إلا العلاقة الأخوية والكلمة الأخيرة ستكون لك عند حدوث  أى تطورات هناك وأرسل لى بشفرتي الخاصة عن أى أشياء تريد إبلاغها أو أخذ الرأي فيها " وحان وقت حضور المشير واستأذنت من الرئيس لكي أذهب إلى المطار حتى أترك الرجلين وحدهم . إلا أن الرئيس استمهلني ومرت الدقائق ولم يحضر المشير في الوقت المحدد و[[عبد الناصر]] ينظر في ساعته وقد قطب جبينه وبدت الحيرة في عينيه ولما تجاوز وقت التأخير الحد المعقول وقف الرئيس وهو يقول " أعمل إيه في المشير بتاعكم ... حتى الموعد  الذي  أحدده أصبح لا يحترم " وخرجت لأنتظر المشير في المطار لكي أسافر في صحبته إلى بغداد
وفي بغداد حدثت قصة لابد وأن تحكي
كان الوفد الذي يصحب المشير يتكون من الأخوين فتحي الديب وعبد المجيد فريد علاوة على شخصي. وفي الطائرة فوجئنا " بعبد الحميد السراج" نائب  رئيس الجمهورية أيام الوحدة إلى جوار [[عبد الحكيم عامر]] وتعمد عبد الحميد أن ينفرد بالمشير طوال الرحلة ويبدو أنهما كان يتحدثان في موضوع هام وعند الوصول إلى بغداد وجدنا أن محاولات تبذل ليخلف الدكتور عبد الرحمن البزاز المرحوم الرئيس عارف إلا أن الأمور تطورت بعد ذلك ليخلف اللواء عبد الرحمن عارف أخاه في رئاسة الجمهورية وكان عبد الرحمن ( أبو قيس ) في زيارة لموسكو ولما يعد بعد إلى بغداد "
ولكن قبل أن تستقر الأمور إلى هذا الاتجاه كنا في حركة دائبة مع أصدقاء في بغداد وكنت ألح على " المشير في أن يستقبل الأخوة وكان يوفق على مضض وكأنه كان يضمر شيئا !! رجعت إلى قصر بغداد في الليلة التالية لوصولنا حوالي منتصف الليل وهناك أخبرني القائم بالأعمال أنه أرسل برقية من المشير إلى الرئيس بحضور الأخ عارف عبد الرازق إلى بغداد في طائرة تصل فجر  نفس اليوم لتولي السلطة إذ أن كل شئ جاهز ومرتب لذلك.. وعرفت أن هذا تدبير عبد الحميد السراج وربما استقروا  على ذلك قبل تركهم [[القاهرة]] .
كانت الأخبار التي وصلتني تعتبر كارثة فإن حضور عارف عبد الرزاق من [[القاهرة]] هكذا دون  ترتيب ... رغما عما قيل لن يمكنه من النجاح على الإطلاق علاوة على أن " أبا رافع " لم يكن محل رضاء إخوانه الذين كانوا في السلطة فضلا عن رد الفعل المضاد له من الرأي العام بعد فشله في القيام  بانتداب – وهو رئيس وزراء العراق وفي غيبة الرئيس عبد السلام عارف في أحد المؤتمرات في الخارج.
وذهبت مع القائم بالأعمال " إلى مبني السفارة " وكانت في " كرادة مريم " وهناك اطلعت على البرقية التي أمر المشير بإرسالها ولم أتردد أن رسل برقية أخرى إلى " الرئيس " مقترحا إلغاء كافة الترتيبات لحضور " عارف " موضحا أن الأمور ستسير سيرها الطبيعي وأن  غالبية الآراء قد اتفقت على تعيين عبد الرحمن عارف خلفا لأخيه وكنت أدعو  الله ألا تحول الظروف غير العادية دون وصول البرقية قبل قيام الطائرة فجرا فكنا بذلك في سباق مع الزمن . إذ كان لابد من " تشفير " البرقية في بغداد بشفرة مكتب الرئيس الخاصة التي كنت في جيبي والتي استلمتها يوم سفري  إلى بغداد . هذا وحده يستغرق وقتا طويلا .. ثم عند وصول البرقية إلى [[القاهرة]] كن لابد من فك شفرتها ولن يتم ذلك إلا بعد وقت طويل أيضا . كان تقديرى أن الأمور لو سرت في طبيعتها فإن وصول برقيتي إلى الرئيس سوف يستغرق ثلاث ساعات وهذا ما حدث فعلا . وحينما قرأ " السيد سامي  شرف سكرتير  الرئيس  للمعلومات " البرقية أصبته الدهشة الشديدة وكانت المشكلة التي واجهته هي : هل يوقظ الرئيس من نومه في مثل هذه الساعة المبكرة وهو يعرف انه يذهب إلى فراشه في ساعة متأخرة من الليل ؟ ولم يتردد  وأيقظ الرئيس إذ كان " عارف " قد تهيأ للسفر والطائرة جاهزة في مطار الماظة ولم يبق على الفجر إلا ساعتان وكان لابد من قرار .
وحينما قرأ " سامي " البرقية على الرئيس أمر بإلغاء سفر " عارف عبد الرزاق " أخذا بوجهة نظرى . علق الرئيس بعد ذلك على ما حدث  أمامي بأنه كان يستبعد أن المشير يتخذ مثل هذا القرار ويرسل برقيته قبل  أخذ  رأيي في الموضوع كما نبه عليه ولذلك فإنه وافق على البرقية الأولي وحمد موقفي على أنني أرسلت برقيتي الثانية .
وفي الصباح استدعاني " [[عبد الحكيم عامر]] " لأتناول طعام الإفطار في حجرته بقصر الضيفة ولم أكن  قد ذقت للنوم طعما طويل الليل .. وأثناء تناول الطعام كان الرجل يركز نظراته على وجهي في شك قاتل وسألني " إنت تعبان جدا ويظهر إنك لم تنم  طوال الليل . كنت مشغولا وألا إيه ؟! ورددت بكلمات غامضة إذ كنت أستعد للسؤال الحاسم , وجاء السؤال سريعا " يا أخي أنا أرسلت أمس للرئيس آخذ رأيه في موضوع هام كان المفروض أن يتم الآن ولكن [[القاهرة]] لم ترد على بالنفي أو الإيجاب . أنا شامم إن واحد " ابن ...." عمل ملعوبا ألغي ما دبرناه" .
ورددت عليه أيضا بجمل غامضة محاولا توجيه الحدث وجهة أخرى . وانتهي تناول الطعام وبدأنا نعد نفسنا لمهام الويم الجديد ولم يعلم أحد بما دار ولا أظن أنهم يعلمون حتى الآن .
هكذا كان المشير مغامرا في كل شئ , متدخلا في كل شئ مهتما بكل شئ عدا شئ واحد لم يلق اهتماما منه وهو الاطمئنان على كفاءة قواته المسلحة وقدرتها القتالية حتى يؤمن الأمن القومي للبلاد.
وبعد أن صورتا طبيعة العلاقات بين القيادتين السياسية والعسكرية وأعطين فكرة عامة عن شخصية " المشير " رحمه الله لابد ون نحدد العلاقة الواجب تواجدها بين القيادتين والمتعارف عليها في الدول المستقرة :
الأمن القومي . وهو عبارة من الإجراءات الشاملة التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية من مسئولية القيادة السياسية ومجاله الإستراتيجية العليا أو العظمي ويصبح الأمن العسكري جزءا من الأمن القومي وهو من مسئولية القيادة العسكرية وبتوجيه  وتحت إشراف القيادة السياسية ومجاله الاستراتيجي وهو فن إدارة المعارك لتحقيق الغرض من الحرب أو هي فن القيادة العسكرية أو باختصار فالقيادة العسكرية هي إحدي الوسائل المتيسرة لدى القيادة السياسية لتحقيق أهداف الدولة تأتمر بأوامرها وتنفذ المهام التي تكلف بالقيام بها .

مراجعة ١٢:٠٤، ١٠ مارس ٢٠١٣

وفي حدود ذلك نحدد العلاقة بين القيادتين في الآتي:

  • إعلان الحرب وانتهاؤها وإيقاف القتال أو استئنافه من أعمال القيادة السياسية ومعني ذلك أن توجيه الضربة الأولي قرار سياسي لأنها تعني إعلان الحرب.
  • للقيادة السياسية الحق في تحديد أغراض ذات أهمية إستراتيجية خاصة ومن الواجب على القيادة العسكرية وضع ذلك في الاعتبار عند وضع الخطط وتوزيع القوات المشكلة بها في العمليات إذ قد ترى القيادة السياسية في ذلك فائدة سياسية أو يمكن اعتبارها ورقة رابحة في أية مفاوضات تالية .
  • للقيادة السياسية حق التعيين والعزل للقيادة العسكرية وهذا أم طبيعي يحدث في كل وقت ومكان لأن القيادة العسكرية إذا حاولت تغيير القيادة السياسية فإن هذا يعتبر خيانة عظمي في حالة فشل المحاولة وقد يعتبر ثورة أو انقلابا في حالة نجاح المحاولة فتنشره وسائل الإعلام في صدر أخبارها تماما كما علمونا في الصحافة " إذ عض كلب رجلا لا يعتبر هذا خبرا صحفيا ولكن إذ عض رجل كلبا يعتبر هذا خبر صحفيا."
  • للقيادة العسكرية أن تعترض على كل المهام التي تكلف بها أو على بعضها فإذا أصرت القيادة السياسية على المهمة مع استمرار عدم اقتناع القيادة العسكرية عليها أى على القيادة العسكرية أن تترك موقفها لمن يقبل تنفيذ المهمة.ولكن إذا قبلت القيادة العسكرية القيام بالمهمة فإنها تصبح مسئولة عن نتائجها .
  • وزير الحربية مسئولة مسئولية كاملة عما يجرى في القوات المسلحة وهو ممثل القيادة السياسية في قمة الجهاز العسكري وعليه أن يقود جهازه ولا يسمح بحدوث العكس . ولذلك فإن الجمع بين منصبي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة إجراء خاطئ وشاذ إذ يسقط رقابة الدولة الواجبة على وحدتها العسكرية ويجعل وزير الحربية ذا القبعتين دون رقابة على أعماله في واقع الحال أقول هذا بالرغم من أنني كنت صاحب اقتراح الجمع بين المسئوليتين وأنا على وشك تركي لمنصبي كوزير للحربية للظروف الاستثنائية التي كانت سائدة كإجراء مؤقت يتناسب مع موقف معين ولكن استمرار هذا الوضع فيه خطورة أكيدة من "خروج" المؤسسة العسكرية عن إطارها المفروض أن تعمل داخله .
  • القيادة العسكرية خاضعة لرقابة الدولة من خلال مناقشة سياستها في المجالس المتخصصة أو في مجلس الوزراء وفي المجالس النيابية بل وفي الصحافة كما يجب أن تخضع مصروفاتها لرقابة الأجهزة المختصة في الدولة شأنها في ذلك شأن الأجهزة الأخرى بغض النظر عن السرية حتى تتأكد الدولة من الإنفاق السليم الصحيح للموارد المتاحة . مع تفرغ القوات المسلحة لواجباتها دون أن يناط بها واجبات أخرى .
  • توفر القيادة السياسية المناخ السياسي الملائم لعمل قواتها المسلحة كما توفر لها الإمكانات المالية اللازمة لتوفير المعدات الملائمة وعليها ألا تتدخل في كيفية قيام القوات المسلحة بتنفيذ المهام الملقاة على عائقها ولكن لا يمنع هذا من إبداء النصح وإعطاء المشورة .
  • تتم التعيينات في المناصب العسكرية الكبرى بتصديق وموافقة السياسية إذ يتوقف الأمن القومي للبلاد على حسن اختيار هؤلاء الأفراد ..علاقات واضحة متوازنة كما نرى ولكنه وللأسف الشديد لم تكن مرعية عند التعامل ووسط ذلك أمسكت بتلاببينا حرب 1967 والتي انتهت بالنكسة .

النكسة

لن يكون قصدى ولو للحظة واحدة أن أتحدث عن النكسة وما حدث فيها إذ سبق أن ذكرت تفاصيل ذلك في كتابين صدرا لى وهما:كتاب أضواء على أسباب نكسة 1967 وعلى حرب الاستنزاف في كتاب حروب عبد الناص ولكن كل ما نقصده ذكر بعض الحقائق المتعلقة بالموضوع الذي نحن بصدده والتي قادت إلى الليلة العصبية .

الحقيقة الأولي هي أن القرارات السياسية لم تصدر من خلف ظهر القيادة العسكرية وهنا لابد وأن نفرق بين القائد السياسي والقيادة السياسية فالقائد السياسي هو الرئيس الذي يمارس سلطاته بموجب الشرعية القائمة سواء كانت شرعية ثورية أو شرعية دستورية أما القيادة السياسية فهي المجموعة التي تعاونه في إصدار القرار وفي حالتنا كان القائد السياسي هو عبد الناصر وكانت قيادته السياسية ممثلة في مجلس قيادة الثورة ثم في مجلس الرئاسة ثم أخيرا في اللجنة التنفيذية العليا .

وكذلك الحال مع القائد العسكري وهو "عبد الحكيم عامر" والقيادة العسكرية المتمثلة في القادة الكبار في القوات المسلحة .

وكان عبد الحكيم عامر القائد العسكري ممثلا دائما في القيادة السياسية بصفتيه:نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة.وكان يعتبر أقوي الأعضاء من حيث تجميع المسئوليات ومن حيث السلطات.ولا يمكن أن يخطر ببال أحد أن "عامر" كان عاجزا في أى وقت من الأوقات عن الاعتراض على ى قرار .

وهنا يلاحظ ملحوظة هامة ففي الوقت الذي كان "عامر" لا يجد أى عقبات في أن يتواجد في القيادة السياسية فإنه كان في نفس الوقت يمنع القيادة السياسية من ن تباشر سلطاتها داخل القيادة العسكرية ويحول بينها وبين ذلك بكل الوسائل ..

والدليل على أن القيادة العسكرية كانت على علم بكل ما يجرى منذ بداية الأزمة أن خطابا بتاريخ 16 / 5/1967 وجه من الفريق محمد فوزي رئيس هيئة أركان الحرب بناء على أوامر من "عامر" إلى الجنرال "ريكي" قائد قوة الطوارئ الدولية إرسال بسحب قواته فورا من نقط المراقبة على الحدود الشرقية علما بأن هذا الموضوع ليس عسكريا بل كان المفروض أن يتولاه وزير الخارجية المصري وفعلا تولي وزير الخارجية الأمر مع يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة الذي أصدر أوامره بسحب القوات يوم 17 /5/ 1967

وهنا يجب أن نلاحظ كيفية صدور الأوامر داخل القيادة العليا للقوات المسلحة دون دراسة أو ترو لدرجة أنه بعد صدور الخطاب الأول إلى الجنرال ريكي بسحب القوات من الحدود الشرقية رأت القيادة إيقاف توجيه الخطاب إلى المرسل إليه ولكن كان الخطاب قد وصل فعلا إلى الجنرال "ريكي" دون النجاح في الحيلولة دون وصوله.ويلاحظ أيضا تجاوز القيادة العسكرية اختصاصاتها إلى مجالات أخرى الأمر الذي كانت قد اعتادت عليه منذ زمن طويل.

يعني كانت القياد العسكرية تعلم وتنفيذ دون أن تعترض أو تناقش !!!والموضوع الأخطر هو موضوع غلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. كان الغلق يعتبر من وجهة نظر إسرائيل بمثابة إعلان الحرب إذ أنها كانت قد أعلنت ثلاث حالات تعني من وجهة نظرها إعلان الحرب ضدها اختراق حدودها وغلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية وتغيير نظام الحكم في الأردن .

هذا الموضوع ناقشته القيادة السياسية بطريقة سليمة داخل اللجنة التنفيذية العليا ووافق عليه جميع أعضاء اللجنة دون استثناء ولما تساءل السيد صدقي سليمان رئيس الوزراء في ذلك الوقت عن تأثير ذلك على رد فعل إسرائيل رد عامر بحدة "لا يمكن لقواتي التي تمركزت هناك أن ترى العلم الإسرائيلي وهو يمر أمامها"

وصدرت أوامر القيادة العسكرية إلى قائد قوات شرم الشيخ بغلق الخليج دون ذكر تفصيلات مبنية على دراسة ... المشير قال يغلق شرم الشيخ ..والقيادة تبلغ قائد شرم الشيخ بغلق الخليج وانتهي الأمر !! تسبب عن هذه الطريقة "الببغائية" في إعطاء الأوامر تخبط فئد شرم الشيخ وتساؤلاته العديدة ووصلته الأوامر التفصيلية بعد ذلك بأيام !!!

الموضوع إذن نوقش في القيادة السياسية وواقفت عليه دون اعتراض أحد من الأعضاء وبحضور وموافقة القائد العسكري الذي اجتمع مع أعضاء قيادته العسكرية وأعطاهم التعليمات بعد أن كانت القوات قد تمركزت في مواقعها.ووافق الجميع وأصدروا التعليمات دون دراسة أو مناقشة لم يعترض أحد ولم يناقش أحد!!

أقول هذا لأن الجميع بعد ذلك ودون استثناء أخذوا "يتفلسفون" ويتساءلون وينتقدون ويناقشون وكانت المصيبة قد وقعت والكارثة قد حلت فحرب الكلام سهل وأيسر من حرب السلاح!!!

الحوادث التي ذكرناها تعني أن القائد العسكري كان على علم بتفاصيل تطور الأزمة السياسية وكان بدوره يطلع أفراد العسكرية على كل ما يجرى ولم يثبت أن أحد أعترض أو ناقش . ومعني ذلك أيضا أن القيادة العسكرية قبلت التصدي للمهمة ووافقت على تطور الأحداث .

لو أنها اعترضت على ما يجرى أو بعض ما يجرى وأصرت القيادة السياسية على السير في طريقها كان على القيادة العسكرية أو من اعترض منها أن يتنحي ويستقيل ويذهب ويخلي محله لمن يرغب في التصدي والقيام بالمهمة ولكن أما وقد وافقوا جميعا على القيام بالمسئولية فإنهم يتحملون نتائجها وتبعتها .

الحقيقية الثانية: هي أن القيادة العسكرية حركت قواتها إلى سيناء وهي تعلم أن صداما أكيدا سيحدث مع إسرائيل. قيل كلام كثير على أن القيادة السياسية كانت تتخذ خطواتها من باب "التهويش" وأنها لم تكن تتوقع أن قتالا سينشب وأن الأزمة مفتعلة كان يراد بها مجرد الضغط السياسي ..

ولنأخذ هذا على أنه حقيقة مسلمة وإن كان الأمر على خلاف ذلك ونناقشه على هذا الأساس القوات المسلحة بغض النظر عن أهداف القيادة السياسية أصبحت في حالة تأهب كامل وتحركت من أماكنها في القاعدة عبر خطوط المواصلات إلى أماكن تمركزها في الخطوط الدفاعية الأمامية وأصبح بينها وبين العدو في بعض المناطق مسافات لا تتجاوز 2-3 كيلو مترات .

ما هي الترتيبات التي اتخذتها القيادة العسكرية لتأمين قواتها ضد أى إجراء مفاجئ يقوم به العدو خاصة بعد أن أصبحت قاب قوسين و أدني منه؟ ما هي الخطط التي أعدتها لمواجهة أى ظروف عير متوقعة ؟

جائز للقيادة السياسية أن تستخدم قواتها المسلحة كعامل ضغط للحصول على مكاسب سياسية ولكن غير جائز أن تقترب القوات المسلحة من مكمن الخطر وهي غير مستعدة أو غير متأهبة خاصة أمام عدو غادر تصل لأخبار المتوالية عن استعداداته وتجهيزاته .

وعلينا أن نستمر في مجاراة هذا الكلام الذي قيل . ما دخل هذا الغرض السياسي في أن القوات المسلحة لم تخض قتالا بالمعني المفهوم؟ فلاهي هاجمت ولا هي دافعت انسحبت بل كل ما فعلته القيادة لعسكرية أنها انهارت وتفككت وأصبحت غير قادرة عل توجيه قوتها الوجهة السليمة في مواجهة الضربة المتوقعة وليس معقولا أن تلعب القيادة السياسية بالقوات المسلحة حتى لو كان غرضها من وراء ذلك فرضا سياسيا؛

لأن اللعب بالقوات المسلحة كان يمكنها أن تمنع قيام الحرب أصلا لأنها أتقنت استعداداتها وسدت الذغرات الموجودة في تنظيماتها وخططت التخطيط المتكامل لردود فعل ناجحة على أفعال العدو المتوقعة ... أقول لو أن القوات المسلحة قامت بواجباتها فعلا قبل بداية الأزمة فإن العدو المتيقظ كان سيشعر بذلك وما أقدم على ما أقدم عليه لأن مجرد الاستعداد الصادق يمنع العدوان .

بعد مناقشة هذا الغرض علينا بعرض الحقائق الآتية التي تثبت أن القوات المسلحة كنت على يقين من قيام العدوان:

(1) ففي يوم 14/5/ 1967 عقد المشير عامر مؤتمر في قيادة القوات الجوية حضره قادة أفرع القوات المسلح وكبار القادة وأعطى توجيهاته بناء على ما وصله من معلومات تؤكد وجود حشود كثيفة للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية وقد تحدد موقفنا أنه إذا وقع عدوان على سوريا فلابد من تدخل القوات المصرية تنفيذا لاتفاقية الدفاع المشترك بين القاهرة ودمشق ثم أعطي توجهاته لحشد قوات في مسرح سيناء تكون قادرة على الدفاع بل على القيام بأعمال هجومية إذا لزم لأمر .
ولم يعترض أحد من القيادة العسكرية لأنه لو تم اعتراض لحدثت فرملة "لتوالي" الأحداث بعد ذلك.وفي يوم 15/5 أصدر المشير في مؤتمره الذي عقد في مكتب قائد القوات الجوية والدفاع الجوى برفع درجة الاستعداد لوحدات الدفاع الجوى إلى أعلي درجت الاستعداد كما أصدر توجيهاته بالسيطرة نفس اليوم بدأ مركز القيادة المتقدم في العمل وعين الفريق عبد المحسن ومرتجى قائدا للجبهة
ولم يعترض أحد ولم يذكر أحد أعضاء القيادة العسكرية شيئا عن عدم استعداد القوات المسلحة أو عجز تدريبها كما حدث بعد وقوع المصيبة على رأسنا بل كثرت التصريحات الصحفية عن مستوى الكفاءة القتالية الهائل للقوات .
وفي يوم 16/5/1967 صدر قرار سحب قوات الطوارئ الدولية وأضاف المشير إلى قراره توجيهات بأن هذا الإجراء قد يكون مبررا لقيام إسرائيل بعمل عسكري خصوصا بعد ظهور تحركات إسرائيلية في اتجاه حدودنا ثم أضاف المشير بعض التفصيلات إلى الأعمال التعرضية التي ستقوم بها قواته عند بدء القتال.
بل إذا قرأنا الخطاب المرسل إلى الجنرال ريكي والموقع من رئيس الأركان لوجدنا أهي نص على أنه " أصدر أوامره لقواته لتكون مستعدة لأى عمل ضد إسرائيل في نفس اللحظة التي ترتكب فيها أى عمل عدواني ضد أى دولة عربية وطبقا لهذه الأوامر فإن قواتنا تحشد الآن في سيناء وعلى حدودنا الشرقية ".ومن يطلع على يوميات الحرب يجد المزيد وفي هذا ما يكفي .
(2) ثم تجد ن شمس بدران وزير الحربية في مقابلته يوم 26/5/1967 لالكسى كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي يصور الموقف كالآتي وكما أنقله من نقاط متفرقة من مذكراتي .
(أ) أود أن أبلغكم والرفاق أننا في غاية القوة وقادرون على الموقف الحالي تماما ولا تخشوا علينا شيئا .
(ب) حينما وصلتنا معلومات من سفارتنا بموسكو يوم 13/5/1967 وكذلك في نفس اليوم من رئيس أركان حرب الجيش السورى عن الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية اتخذنا قرارا سريعا بتحريك جزء كبير من قواتنا إلى سيناء وتم حشد هذه القوات ومركزتها في 48 ساعة من صدور الأوامر .
(ت) الروح المعنوية عالية جدا فالقوات المسلحة لا تنسي عدوان 1956 وقد زار المشير القوات ووجدنا روح الضباط والجنود عالية لدرجة أننا كمن نلجم الحصان .
(ث)أن قواتنا موزعة في عدة محاور حتى أن إسرائيل اليوم لا تعرف من أين سيأتيها الهجوم ولذلك سحبت قوات كبيرة من الجبهة السورية إلى جبهة سيناء ومركزتها أمامنا وأصبحت حرية الحركة أمامها محدودة جد وواضح من توزيع قوات إسرائيل وبعثرتها أنها في حيرة .
(ح) قواتنا في شرم الشيخ قادرة على قرار منع الملاحة الإسرائيلية في الخليج وقادرة على حماية نفسها ولها قاعدة إدارية خلفية وقوات جوية قادرة على عمل ستارة جوية في جميع الأوقات وهذه القاعدة الجوية مؤمنة ضد أى هجوم عليها .
(ح) قطاع غزة حولناه إلى جذر دفاعية قوية بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تحتل أى مدينة منه ولقد صممنا أنه إذا حاولت إسرائيل قطع الطريق بين غزة ورفح فإن هذا معناه الحرب ودخول قواتنا إلى داخل إسرائيل .
(ز) إسرائيل حتى بعد أسبوع من الاستعداد لن يمكنها عمل شئ ضد قواتنا وإلا ستنال ضربة قاصمة وحتى إذا وجهت جميع قواتها إلى جبهتنا وتركت باقي الجبهات خالية فنحن مستعدون لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل فلا يهمنا أمريكا ولا خلاف أمريكا لأننا أصحاب حق صحيح نحن لسنا في قوة الولايات المتحدة ولكن إذا تدخلوا في المعركة فسوف نتصدى لهم إلى آخر قطرة من دمائنا وهذا ليس كلام حماسي ولكنه تقرر فعلا .
والحديث يصور الحالة التي كانت تعيشها القيادة العسكرية في وقت الأحداث وأحب أن أؤكد بناء على اتصالاتي الشخصية في ذلك الوقت أن جميع من قابلتهم كانوا تحت شعور الزائدة في دحر إسرائيل ولم يكن حديث شمس بدران هذا إلا انعكاسا واقعيا لشعور القيادة دون استثناء .
(3) في المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك كان الموقف يشير إلى تصعيد خطير علاوة على تأكيد القائد السياسي بأن صداما مسلحا أصبح هو الحل الوحيد للأزمة السياسية القائمة أمام إسرائيل . ففي مؤتمر 25 / 5/ 1967 الذي رأسه عبد الناصر نوقش موضوع الضربة الأولي والضربة الثانية واتخذ قرار بعدم قيامنا بالضربة الأولي . وفي مؤتمر 2/6/ 1967 برئاسة عبد الناصر أيضا حدد الرئيس تقديراته في أن إسرائيل سوف تبدأ عملياتها يوم 5/6/ 1967 وأنه ستبدأ عملياتها بضربة جوية وأنها يتحاول حسم الموقف عسكريا في فترة قصيرة .
(4) ولم يكن هذا تقدير الرئيس وحده بل كان البعض يتفق مع هذا التقدير . ففي مقابلة لى للفريق مذكور أبو العز محافظ أسوان في ذلك الوقت وكنت أنا وزير الدولة في أوائل يونيو 1967 وقبل العدوان أكد لى مدكور انه يتوقع قيام العدو بضربة جوية كاسحة واتفقت معه في ذلك تماما وكان هذا إلى جانب مزايا عديدة يتمتع بها مدكور سبب في أن أرشحه قائدا للقوات الجوية بعد النكسة وقد وفق الرئيس على الترشيح واستلم فعلا عمله الجديد في 11/ 6/ 1967 على ما أذكر .
(5) والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية ورغما عن كل ذلك لم تواجه الأمر بما يستحقه من اهتمام ولا هي ترجمت هذه التوقعات أو القرارات إلى خطط عسكرية أو إلى تعديلات في الخطط القائمة بدليل أن "المشير" اختار يوم 5/6/1967 بالذات للقيام بزيارة سيناء وتم القضاء على قواته الجوية الجوية وهو مازال في الجو ومعه قائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوى في نفس الوقت ورئيس هيئة العمليات وفي نفس الوقت كان كل أعضاء القيادة العسكرية في القاهرة في منازلهم يتناولون طعام الإفطار وكانت قيادات سيناء كلها في مطار تمادا في انتظار وصول "المشير "!!! يعني لم يكن هناك عضو واحد من أعضاء القيادة العسكرية في موقعه ليدير المعركة وقت الضربة الجوية ....!!!

ولنا أن نتصور مصير قوات بلا أى قيادة !!! وبعد هذا التفريط يجد البعض الشجاعة بعد ذلك ليتحدث عن عيوب وسلبيات خاصة بعد أن تكدوا أن " المشير " قد انتحر وأن " الرئيس " قد مت وبعد " خراب مالطة" كما يقل . فكانوا بذلك كمن سكت دهرا ونطق كفرا .

والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية لم تحاول أن تغير من الأوضاع القائمة مع تغير الأحداث والظروف بالسرعة الرهيبة التي كانت تتطور بها ولا هي حاولت أن تعيد تقدير موقفها في تلك الفترة . 1- فحينما بلغها من سفيرنا بموسكو يوم 13/5/1967 بالحشود الإسرائيلية ضد سوريا , وحينما بلغها ذلك أيضا من رئيس أركان حرب الجيش السوري اندفعت دون روية إلى حشد قواتها في سيناء دون أن تتحقق في ذلك من مصادر المخابرات المختلفة أو بالقيام بطلعات جوية . بل حينما بلغها نفي لهذه الحشود من سوريا نفسها بعد ذلك بواسطة رئيس الأركان المصري الذي قام بزيارة سوريا للتنسيق لم تحول القيادة العسكرية – كل في اختصاصه – تعديل أوضاع قواتها بما يتناسب مع المعلومات الجديدة . 2- في مقابلة شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت لأليكسي كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي يوم 26/ 5/ 1967 استمع من الأخير المعلومات التالية والتي حصلت عليها المصادر السوفيتية وسوف أنقلها من مذكراتي الخاصة .. أ‌- وصلت معلومات اليوم من داخل إسرائيل تفيد بنشاط كبير ويقال إنه في نهاية مايو من الممكن أن تبدأ العمليات العسكرية وأنهم يجهزون عملية لتوجيه الضربة ومن المعروف أنه عندما تنشب العمليات لا يهتم أحد بمن الذي بدأها أولا. ب‌- بعض الدوائر في إسرائيل ترى أن كل تأجيل لحسم الموقف ليس في صالح إسرائيل وهم يحضرون أنفسهم بمساعدة الولايات المتحدة للقيام بالعدوان ت‌- سوف يشترك في التجهيز العسكري ليس فقط رئيس الأركان الحالي بل موشى ديان وهم يحفرون خنادق في تل أبيب ويقوون الدفاع الجوى والدعاية تغذي المشاعر والناس مندفعون في حماس للدفع عن وطنهم إلى آخر قطرة . ث - وأضاف رئيس الوزراء السوفيتي بأنهم سيلبون احتياجات القاهرة من السلاح ولكن يجب إلا يساعد هذا على قيام الحرب فقيام الحرب ليس من صالح الجمهورية العربية المتحدة ولا من صالح القوى التقدمية ولابد من التصرف العقل وأن يكون الفكر باردا والمهم ألا نعطي الفرصة للاستفزازات أننا نفضل اللقاء على المائدة بدلا من المعركة الحربية . إن تسليح الاتحاد السوفيتي لمصر وسوريا هو لتدعيم السلام من خلال القوة وهدف هذه المساعدة ألا يحدث اشتباك مسلح وتحريك القوات معناه زيادة التوتر ولا يمكن أن نقول إن تحريك القوت يؤدى إلى تخفيف التوتر . وبالرغم من هذه المعلومات الخطيرة لم تحاول القيادة العسكرية التأكد منها أولا ثم تعديل مواقفها مع التغييرات الجديدة إن وجدت ثانيا . 3- بل حينما قررت القيادة السياسية في مؤتمر 25 /5/ 1967 عدم قيامنا بتوجيه الضربة الأولي وأن علينا قبولها من العدو – وهذا من اختصاص ومسئولية وسلطة القيادة السياسية – لم تحاول القيادة العسكرية ترجمة هذا القرار إلى خطة فعلية بتكثيف دفاعاتها وسحب قواتها الجوية الموجودة في الأمام إلى الخلف وزيادة تيقظها واستعدادها ليل نهار.. بل حينما أبلغت القيادة السياسية في مؤتمر 2/6/ 1967 القيادة العسكرية مجتمعة أن الحرب ستحدث يوم 5/6/ 1967 لم يبلغ ذلك إلى القيادات الأصغر ولم يكن هناك رد فعل لإعادة النظر في التخطيط القائم فلكل ظروف ما يلائمها من إجراءات .

قد يبرر البعض هذا الجمود " ببيروقراطية  القائد العسكري " ولكن هذا كلام غير مقبول لأنه علينا أن نتساءل: هل قام المختصون مثلا – وهذا واجبهم – بترجمة التطورات السياسية إلى إجراءات عسكرية تتفق معها ؟ عرضت مثل هذه الخطط والترتيبات على القائد العسكري لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب في شأنها ؟ هل قامت الأفرع المختصة بإعادة تقديراتها للموقف حسب التطورات السريعة التي كانت تحدث ؟ هل تنبهت إلى الخطر ؟ هل أنذرت بالكارثة  التي أوشكت أن تقع ؟ أسئلة لم يحاول أحد ممن كتبوا وأرخوا أن يجيب عليها أو يتصدى لها .
القضية الثالثة : هي أن القيادة العسكرية لم تقاتل بالمعني المفهوم للقتال بل وعلاوة على ذلك فإنها تركت الجيش المفترى عليه دون قيادة أو توجيه وتخلت عن مسئولياتها أثناء القتال الفعلي .
ويظهر ذلك جليا ليس فقط من الوقع الذي يعرفه الجميع والذي أدى إلى النكسة بل من الكتب والمقالات والأحاديث التي نشرت على لسان بعض أعضاء القيادة العسكرية ليس فقط بعد النكسة ولكن بعد وفاة " المشير " و" الرئيس " على أساس قاعدة " إن الموتي لا يتكلمون ولا ينسبون ..." ونقتطف مما نشر النقاط الآتية :
:
" فقد أكد جميعهم أنهم كانوا دون مسئوليات سواء في زمن السلم أو الحرب إذ تركز كل شئ في يد " المشير " و" الوزير " وهذه حقيقة مهنية ومخزية خصوصا إذا كانت   تتعلق بالرتب الرفيعة في القوات المسلحة , ولكن السؤال الذي يبقي في حاجة إلى إجابة هو : لم قبلوا هذا الوضع الشائن؟ ألم يعلم أحدهم أن هذا القبول فيه لعب بقدر هذه الأمة وتهديد لأمنها القومي ؟ أسئلة لم يجب أحد عليها حتى الآن.
تبادل البعض منهم الاتهامات الثقيلة : الجهالة وعدم المعرفة , قيادات غير مناسبة في أماكن حساسة الصراع على الاختصاصات , الإهمال , التقدم بتقارير كاذبة إلى الرئاسات الأعلى , حجب التقارير عن القيادة السياسية .. كل واحد منهم قدم ورقة إدعاءات ضد الآخر .
تحشي الجميع التحدث عن تفاصيل الموضوعات العسكرية المتعلقة بالأزمة وإن  تعرض لها  البعض في اختصار كامل وفي الوقت نفسه أفاضوا في التحدث عن الجوانب السياسية والشخصية وهذه  طريقة غير موضوعية وظالمة لبحث موضوع " النكسة " صحيح لابد لبداية الحوار في مثل هذه الموضوعات أن يحدد الإطار السياسي والظروف المحيطة ولا ولكن وأن يلي ذلك مباشرة بحث الموضوع الرئيسي وهو الناحية العسكرية مثل الموضوعات الآتية :
الخطط الموضوعة , تنفيذها  إلى واقع على مسرح العمليات المنتظر الجداول الزمنية والتوقيتات التي حددت التنفيذ , تقارير النجاح عن مدى تقدم تنفيذ الخطة في كل فترة معقولة ترجمة القرارات  السياسية إلى خطط حربية واجب الإدارات والهيئات والقيادات أثناء الأزمة موقف العدو وإجراءاته, ما هي الإجراءات المضادة بناء على التوقعات المختلفة ؟ كيف أديرت العمليات وقت الضربة الجوية المفاجئة ومن الذي كان يدير المعركة ؟ تقدير الموقف الذي تم بعد تحديد خسائر الضربة الأولي ؟
بها العدو بعملياته الهجومية وفي المقابل ما هو تصورنا للمعركة الدفاعية وكيف كان للدفاع أن يتحرك على طول المسرح وعمقه لمواجهة ذلك ؟ البدائل الموجودة والمتغيرات المنتظرة والتطورات المتوقعة ؟ هل كنا قادرين حقا على توجيه الضربة لأولي التي كثر الحديث عنها ؟ كيف ؟ هل كانوا على علم بالعمليات التفصيلية عن الأغراض التي سيتم التعامل معها ؟ هل تدربوا عليها ؟ هل جهزوا الطيارين ودربوهم على ذلك ؟ طيب, وفي حالة نجاح الضربة الأولي كيف كان يمكن  استغلالها  بواسطة المجهود الأرضي أو البحري؟ وفي حالة فشلها ما هي الخطة البديلة ؟ ثم إلى أين يكون الانسحاب ؟ وكم ليلة سوف يستغرقها ؟ كيف نعطل العدو ؟ كيف نواجه سيطرة الجوية ؟ هل المعابر على القناة تكفي لا تدفق القوات ؟ وبأى كثافة ؟ وكيف تستخدم الطرق للانسحاب بحيث لا يحدث تزاحم ؟...
أبدا لم يحدثنا أحد بذلك ولا بجزء منه . والحقيقة أن القيادة العسكرية لم تفعل شيئا من كل ذلك.
فكل ما فعلته كان حشدها قواتها في سيناء بكثافة  غير معقولة وبسرعة بها حماقة لدرجة أن بعض وحدات الاحتياطي تحركت بالجلاليب !!! ولدرجة أن الكثيرين استدعوا للالتحاق بوحدات غير وحداتهم وأسندت إليهم واجبات غير واجباتهم تبعا لخطة تعبئة فاشلة  غير  مدروسة ولا تعبر عن الواقع , هذا ما فعلته القيادة ولا شئ غير ذلك.... فالعدو قام بهجومه صباح 5/6/ 1967 قاصما ظهر قواتنا الجوية ثم صدر أمر بالانسحاب في اليوم الثاني أى بعد 24 ساعة فقط من بداية العمليات ثم بعد ذلك تركت القوات إلى مصيرها المحزن ...!بالله عليكم هل حدث شئ أكثر من ذلك ؟!!!
فمئات الطائرات , وآلاف الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية ذاتية الحركة والهاونات وآلاف الجنود لم يقاتلوا معركة واحدة  لأن القيادة العسكرية عجزت وعن جهالة عن استخدام القوات المتاحة.
وتراجع الجنود وضباطهم بغير نظام والعدو يحصدهم بنيرانه الأرضية وقنابله من الجو ووصل من  حالفه الحظ إلى الشاطئ الغربي  للقناة وبعد ذلك لم يكن أمام الكثيرين من هؤلاء إلا استخدام وسائلهم الخاصة للوصول إلى قراهم التي أحضروهم منها ...!!
كلمة مختصرة عن الانسحاب ؟ دار حديث كثير عمن أعطى قرار الانسحاب ؟ والذي أ‘رفه عن يقين هو أن " عامر " هو الذي أعطاه وقد تعرضت لذلك بالتفصيل في كتبي التي تحدثت فيها عن الموضوع ولكن ليست هذه هي القضية, القضية  الأساسية – في رأيي – هي كيف تم الانسحاب ؟ ما هي الخطط التفصيلية لأداء هذه العملية ؟ ما هي الخطوط المتتالية التي سيتم إليها الانسحاب ؟ كيف تم السيطرة عليه ؟ أين كان المسئولون وقت ذلك ؟ وما الذي  فعلوه ليواجهوا الموقف العصيب الذي وضعوا قواتهم فيه ؟ هذه هي القضية وليست أبدا من الذي أصدر القرار أو صدق  عليه ؟ سواء كان عبد الناصر قد صدق عليه أم لم يصدق عليه فإن الموضوع الرئيسي يبقي هو : كيف تمت العملية ؟ فهذا هو السؤال .
وللدلالة على عدم خوض القيادة العسكرية أى قتال بالمعني المفهوم نورد الإحصائية التالية للخسائر .
ففي الوقت الذي بلغت خسائر أفراد القوات الجوية والدفاع  الجوى 4% من القوة  للطيارين كانت الخسائر في المعدات 85% وبلغت خسائر أفراد القوات البحرية صفر % وخسائرها في المعدات صفر % أيضا . وبلغت خسائر القوات البرية في الأفراد 17 % من القوة بينما كانت خسائرها في المعدات 85% 
وبلغت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة 100% والقاذفات  الخفيفة 100% أيضا ومن المقاتلات القاذفة والمقاتلة 85% وقد دمرت  أغلب الطائرات وهي على الأرض ويا ألف خسارة !!
واتضح بعد المعركة أن الفرقة المدرعة التي عدد دباباتها 200 دمر منها 12 دبابة فقط واستشهد فيها 60 فردا أما لـ188 دبابة فقد تركت دون أفراد الأمر الذي يوضح أن 6 % فقط من الأفراد هم الذين التزموا بمعداتهم ...!!! ويا ألف خسارة أيضا ...!
وكما نرى كان في يد القيادة العسكرية أسلحة كثيرة جيدة ولكن هذه القيادة  لم تكن قادرة على استخدامها بكفاءة فالعبرة ليست بالسلاح أو المعدة ولكن العبرة قبل ذلك بمن هم وراء هذا السلاح وقبل ذلك بالعقل الذي يوجهه ويستخدمه أفضل استخدام لتحقيق النصر ولصيانة الأمن القومي  للبلاد . وكان من نتيجة ذلك أنه لم يكن هناك قتال بالمعني  المفهوم . كان يمكن أن نناقش المبررات التي ذكرها بعض أعضاء هذه القيادة لو أن  معركة دارت أو قتالا حدث أو لو أن القيادة العسكرية ناورت وحاورت وصدت وهجمت وانسحبت وتحملت الضربات المضادة ولكن لم يتم شئ من ذلك. 
فالقيادة العسكرية خذلت بلادها وقواتها وتسببت في نكسة ثورة بكاملها ضاعت مكاسبها وسط حطام النكسة.
ظروف أخرى تمهد لليلة العصيبة

يمكن أن يقال إن الخطوة التمهيدية لهذه الليلة العصيبة تمت يوم 11/ 6/ 1967 وفي مكتب " السيد سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات " دخلت عليه ظهرا في مكتبه والانكسار يثقل أكنافنا من هول ما نحن فيه . العدو على الساحل الشرقي للقناة التي تعطلت فيها الملاحة من جديد . وخسرنا سيناء والضفة الغربية وغزة والقدس والجولان والآلاف من الضباط والجنود يواجهون مصيرهم دون أن يتمكن أحد من تقديم المعونة لهم. والجيش أصبح دون سيطرة عليه وبعض جنوده يهيمون في الشوارع بملابسهم الرثة وعيونهم الزائغة , وحينما يتعبون يلقون بأنفسهم في الحدائق بالمئات . والبعض الآخر استقل القطارات أو وسائل النقل الأخرى إلى بلادهم التي أتوا منها والأعزاء الآخرون يقتلون ويؤسرون في سيناء لقد فقدنا كل شئ .

كان هناك كل من اللواء عماد ثابت والعميد أحمد سيد أحمد نصر وهما من خيرة ضباط القوات المسلحة بوجه وعام وضباط المدرعات بوجه خاص . حضرا ومعهما كنز ثمين . إذ أكدوا أنه في إمكانهما حشد أكثر من 150 دبابة في الضفة الغربية للقناة لصد أى محاولة يقوم بها العدو  لعبور القناة في طريقة إلى القاهرة .. مائة وخمسون دبابة !!! قوة كبرى بالنسبة لما كنا فيه .
وكتب سامي المعلومات في " النوتة " ليبلغها للرئيس . وانصرف الضابطان ليؤديا واجبهما وسألني " سامي " ما رأيك في هذه القوة التي هبطت علينا من السماء ؟!
وكان ردى " قوة إيه يا سامي ؟ كان عندنا آلاف من المدرعات فأين هي ؟ لابد من التغيير ولن يحدث أى تصحيح في ظل الظروف القائمة . لابد من أن يترك المشير القوات المسلحة كخطوة أولي لابد منها أن أردنا مواجهة الهزيمة مواجهة جادة ".

وقام سامي من كرسيه ليقبلني ويؤمن على ما قلت . وانصرفت وأنا مثقل بهمومي .

ونقل " سامي " الحوار إلى عبد الناصر ربما في نفس الوقت والساعة .
ولن أحاول أن أكرر تفاصيل معروفة كتب فيها الكثير من قبل ولكنني سأحاول ذكر الجديد من الأحداث التي لمستها بنفسي . في تلك الفترة كان المشير قد تورط في عدة أحداث كبيرة .

1- الحدث الأول : وهو الهزيمة النكراء التي منى بها الجيش على يديه . والشئ الغريب حقيقة أن هذه الهزيمة لم تؤثر في المشير بل أجمع كل من شاهدوه في منزله يوم 7,8 /6 /1967 على أنه كان عاديا لا يظهر عليه أن شعور بالندم و الانزعاج وكن من ضمن من زاروه كثير من الساسة والصحفيين ورجال القوات المسلحة وقد أخبرني الأخ شعراوي جمعة – وكان أحد من زاروه في منزله – أن " المشير نزل وكان زى الورد بعد أن كان قد انتهي لتوه من الاستحمام "!!! 2- الحدث الثاني : وهو التمادى في العدوان على الشرعية القائمة فبعد أن قبل الرجل أن يتنحى يوم 8 / 6 /1967 عن قيادة القوات المسلحة إلا أنه عاد فتشبث بمناصبه حتى لا تفسر استقالته تلك على أنها بسبب الهزيمة العسكرية فقد اتخذ المشير هذا الخط بعد النكسة – وهو خط أن السبب في الهزيمة هو سبب سياسي وليس سببا عسكريا – وتمسك به مساعدوه حتى مماته كان مستشاروه قد أقنعوه بأن بعده عن القوات المسلحة في تلك الفترة معناه فتح الأبواب كلها لاتهامات يحسن تجنبها ولذلك فإن الرجل لم يقبل بأى حل من الأحوال أن يكتفي يتولي منصب نائب رئيس الجمهورية بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم – خاصة في تلك الفترة - وهو منصب نائب رئيس الجمهورية بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم – خاصة في تلك الفترة – وهو منصب القائد العام للقوات المسلحة وكسبا للظروف غير المتوقعة بدأ الرجل في تحويل منزله بالجيزة إلى قلعة حقيقية نقل إليها الكثير من الأسلحة والعتاد وكثف قوة الحراسة الموضوعة على منزله بقوات من الشرطة العسكرية بل استدعي – وكما سبق القول – 300 رجل من بلدته بالمنيا لمضاعفة الحراسة ولا شك أن هذا التصرف لم يكن حكيما ولا لائقا ولكنه حدث وكان الخطر الأكبر لهذا العصيان على الشرعية هو الانقسامات التي بدأت تحدث في القوات المسلحة بل وتحركت بعض الوحدات بقيادة ضباطها في مظاهرات صاخبة تهتف بحياة المشير .

وبدأ ولاء الضباط يتزعزع وأصبحت القوات المسلحة حقلا خصب للشائعات بل للاستقطاب . وللدلالة على مقدار الفوضى التي خلقها  عصيان " المشير " في المحافظة على الأمن أن أحد الضباط – أثناء إلقاء  القبض  عليه بناء على تعليمات سابقة بالقرب من منزل المشير بالجيزة وكان من ضمن الضباط المعتصمين هناك – استغاث بزملائه   في المنزل فأغاثه خمسة أفراد يرتدون الجلالبيب والعمة ومعهم بنادق آلية .
وبدأوا في إطلاق النيران على القوة قاصدين القضاء   على أفرادها ثم بدأ إطلاق النيران من داخل منزل " المشير من عدة اتجاهات ثم تحركت أربع عربات جيب من حول منزل المشير لمطاردة القوة في شوارع  الجيزة وهي تطلق النيران .
ثم تحديا لكل التقاليد والقوانين أمر " المشير " يوم" 21 / 7/ 1967 وبعد أن استقر في منزله بالجيزة بعد تركه منزله بمعسكرات الحلمية بنقل الأسلحة التي كانت موجودة في منزل الحلمية إلى محل إقامته الجديد وللدلالة على مقدار خطورة هذا الإجراء نورد إحصائية دقيقة لما كان يراد نقله من أسلحة وعتاد:
   100      بندقية آلية 7,62 مم عديم الارتداد
        4        مدفع 82مم عديم الارتداد

4مدفع 90مم 4 رشاش متوسط 7,62 7 رشاش خفيف , 21 مسدسا 9مم 165,000 طلقة عيار 62 , 7 معبأة في 103 صناديق 4500 طلقة عيارس2 كاشفة معبأة في 103 صناديق 92300 طلقة عيار 7,62معبأة في 15 صندوق 100 قنبلة يديوية دفاعية شرقية معبأة في 5 صناديق

125 قنبلة يدوية هجومية إيطالي معبأ في 2 صندوق 
وفي الوقت نفسه بدأ " المشير في توزيع  استقالته التي سبق وقدمه إلى الرئيس في أزمة 1962  والخاصة بتعيينات الضباط من الرتب الكبيرة بتصديق المجلس والسابق الإشارة إليها .
وللتاريخ نثبت هذه الاستقالة ومن الملاحظ أن المشير لم يقدمها إلا بغرض الاحراج  والضغط بدليل أنه لم يطالب بما ورد فيها حينما حلت  الأزمة وأيضا أنه لم يعد للمطالبة بما فيها إلا بعد النكسة عام 1967.

نص الرسالة

عزيزي الرئيس جمال عبد الناصر
بعد لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرى من الواجب وأيضا الوفاة يقتضيني أن أكتب إليك معبرا عن رأى مخلص رغم لأحداث الأخيرة . فبعد عشر سنين من الثورة وبعدد أكثر من عشرين سنة من الصلة بيني وبينك لا يمكنني أن أتركك وأعتزل الحياة العامة دون أن أبوح لك بما في نفسي كعادتي دائما .
إنني أعتقد أن الانسجام والتفاهم بين المجموعة التي تشارك في الحكم  أمر ضروري وأوجب من ذلك الثقة المتبادلة بين أفراد هذه المجموعة . وقد وجدت في هذه الفترة الأخيرة أن الأسلوب الغالب هو المناورات السياسية ونوع من التكتيك الحزبي فضلا عما لا أعلمه من أساليب الدس السياسي الذي قد أكون مخطئا في تصوره ولو أن الحوادث كلها والمنطق تدل على ذلك والنتيجة التي وصلنا إليها اليوم خير دليل على هذا التصور فقد استطاع هذا الأسلوب أن يتغلب على ما كنت أعتقده مستحيلا وهو تحطيم صداقتنا وما نتج عن ذلك من أحداث لا داعي لسردها فكلها لا تتفق مع المصلحة العامة في شئ .
المهم في الموضوع أنني لا أستطيع بأى حال أن أجارى هذا الأسلوب السياسي لأنني لو فعلت ذلك لتنازلت عن أخلاقي وأنا غير مستعد لذلك بعد أن انقضي نصف عمري .
الذي أريد أن أحدثك عنه بخصوص نظام الحكم في المستقبل إنني أعتقد أن التنظيم السياسي القادم ليكون مستمرا وناجحا يجب أن يبني على الانتخابات من القاعدة إلى القمة بما في ذلك اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي  وإن أتت اللجان العليا بدون انتخابات حقيقية فستكون نقطة ضعف كبرى في التنظيم الديمقراطي للإتحاد ون ما يجب أن نسعى إليه هو تدعيم الروح الديمقراطية بعد عشر سنوات من الثورة والتي لا أتصور بعد كل هذه الفترة وبعد أن صفي الإقطاع  ورأس المال المستغل وبعد أن منحتك الجماهير ثقتها دون تحفظ أن يكون  هناك ما نخشاه من ممارسة الديمقراطية بالروح التي كتب بها الميثاق وخصوص أن الملكيات الفردية الباقية والقطاع الخاص لا يشكلان أى خطر على نظام الدولة كما أنه ليس هناك ما يمنع إطلاقا ، تنجسم هذه القطاعات مع النظام الاشتراكي كذلك الأمر بالنسبة للصحافة فيجب أن تكون هناك ضمانات تمكن الناس من كتابة آرائهم وكذلك تمكن رؤساء التحرير والمحررين من الكتابة دون حذف أو تحفظ وقد تكون هذه الضمانات عن طريق اللجنة التنفيذية العليا مثلا  أو أى نظام آخر يكفل عدم الخوف من الكتابة وتوهم الكاتب أنه سيطارد أو يقطع رزقه وخصوصا أن الآراء التي ستعالج لن تخرج عن مشاكل الناس والمسائل التنفيذية وبعض المناقشات في التطبيق الاشتراكي وفي هذا فائدة كبيرة لأنه سيعبر عن الآراء التي تدور في خلد المواطنين .
دعني وأنا أودعك أن أحدثك عن الحكومة ورأيي فيها قبل كل شئ لا يمكن أن تسير ى حكومة في طريقها الطبيعي وهو الحكم السليم إذا كان نظام الحكم في حد ذاته ممسوخا ومشوها فيجب أولا أن نستفيد من تجارب العالم وحكوماته التي عاشت مئات السنين مستقرة منتظمة دون حاجة لتغيرات شاملة كل فترة قصيرة من الزمن . ففي رأيي أن النظام الطبيعي للحكم يكون كالآتي : إما حكومة رئاسية ويرأس الوزارة فيها رئيس الجمهورية ويكون مسئولا أمام البرلمان مسئولية جماعية مع وزرائه .
وبدون الدخول في التفاصيل يمكن أن يكون هناك نائبا للرئيس ويجب أن تكون رئيس للدولة ورئيسا للحكومة أو حكومة برلمانية يرأسها رئيس الجمهورية ويكون رئيس الاتحاد الاشتراكي هو رئيس الوزراء أو ربما يكون رئيس الوزراء ليس رئيسا للإتحاد الاشتراكي ولا أريد أن أدخل أيضا في التفاصيل لكن تكون أيضا مسئولية الوزارة جماعية أمام البرلمان كما ورد في الميثاق .
على كل أى من هذه الحلول ووجودك في النظام أو على رأسه على الأصح ضرورة وطنية .
أنا لا أقول ذلك مجاملة فهناك كثيرون مستعدون للمجاملة أو الموافقة على رأيكم بمجرد إبدائه ولكن أعتقد أن تصرف غير ذلك سيكون بداية لنهاية لا يمكن معرفة مداها .
ودعني أيضا قبل أن أودعك أن أقول لك أن اختلاطك الشخصي بالناس ضروري فإنه يعطي الثقة المتبادلة ويعطي إحساسات متبادلة ويعطي أيضا أفكارا متبادلة . وهذا هو الطريق الطبيعي للارتباط  بأفراد شعبنا في المستقبل أما انعزالك التام فإنه سيجعل صور البشر عندك أسطرا على الورق أو أسماء مجردة لا معني لها . وهذا في رأيي لا يمثل الواقع فالعقل والعاطفة من مكونات الإنسان ولا نستطيع أن نفصل بينهما كلية لكن يجب الجمع بينهما في الطريق الصحيح وهذا لا يمكن إلا الاتصال  الشخصي .
وهذا أيضا هو الطريق الوحيد لإظهار شخصيات قيادية نعتز برأيها دون خوف ولكنها في الوقت نفسه تثق بقيادتها  وتحترمها  وهذا النوع من الناس أنت في أشد الحاجة إليه بل وبلدنا كلها محتاجة إليه نوع جديد لم يتمكن منه حب المنصب ليسكت على الخطأ ولم تأخذ الأضواء نور بصره فيضحي بكل القيم ليعيش فيها .
وأنا أودعك أيضا أرجو من الله ألا يحدث مني أو منك ما يجعل ضميرنا يندم على الإقدام عليه ويجعلنا صغارا في أعين أنفسنا .     

ويكفي في رأيي ما حققه أهل السوء حتى الآن فقد نجحوا فيما تمنوا وفيما كانوا يعتبرونه مستحيلا .

لا أريد أن أطيل عليك  ولكنى أبديت آرائي لك فيما اعتقده بأنه المصلحة العامة وليكن فراقنا بمعروف كما كانت عشرتنا بالمعروف . والله أسأل أن تتم حياتنا بشرف وكرامة كما بدأناها بشرف وكرامة ورغم كل شئ ورغم كل ما اعلم فإني أدعو لك من قلبي بالتوفيق وأتمني لك الخير وأدعو ربي أن يوفقك في خدمة هذه الأمة ولخيرها والسلام .
عبد الحكيم عامر
القاهرة في 1/12/1962
وثبت بعد ذلك في التحقيقات أن الذي طبعها هي " زوجته السيدة  برلتني عبد الحميد " وقد ضبطت آلة الطباعة في قريتها . وكان يتولى توزيع الاستقالة و التي كتبت في عام 1962 بعض ضباط القوات المسلحة داخل الوحدات وبعض أعضاء مجلس الأمة وهم ما أطلق عليهم "  مجموعة المنيا والذين فصلهم السيد أنور السادات الذي كان يرأس المجلس من عضوية المجلس وآخرين .
بل أخذ المشير يلجأ إلى وسائل ما كان يجب عليه أن يلجأ إليها مهما كانت الظروف فقد سلم السيد عباس رضوان 5000 جنيه ذهب داخل خمسة أكياس لحفظها طرفه وقد تم ضبط الذهب مدفونا في أرض زراعية " بالحوارنية " دخل حقيبة جلدية وقد تبين نقص الأكياس ولكن تم ضبط الباقي منها في " قرية نزلة السمان " ثم وبعد أن توليت رئاسة المخابرات العامة صباح 26 / 8/ 1967 أعترف لى مدير مكتب السيد صلاح نصر الرئيس السابق للجهاز أن السيد صلاح نصر استلم 60,000 جنيه من المصروفات السرية للجهاز دن إيصال وأنه يحاول منذ أيام أن يقنعه بكتابة الإيصال حتى يدعه ملف المستندات إلا أنه رفض وأضاف المسكين " أودعني السجن لأن خزنتي ناقصة " وقد أبلغنا جهات التحقيق وكانت المخابرات الحربية قائمة به وتم العثور على حقيبتين مدفونتين " بالحورنية " أيضا وبفتحهما تبين أن بهما مبلغ 49, 360 جنيها وكذا عدد 40 رشاش قصير , 5 صناديق ذخيرة, 108 طبنجة وقد اعترف السيد عباس رضوان في التحقيق بأنه استلم المبلغ والأسلحة والذخيرة من السيد صلاح نصر لإخفائها في  " الحوارنية " ولكنه لم يتمكن من إعطاء التبريرات المقنعة لاختفاء باقي المبلغ وقدره حوالي 11000 جنيه .
كان المشير عامر يريد أن يهدم المعبد على كل من فيه فلم يكفه " النكسة " الثقيلة التي أصاب بها الأعمال العظيمة لثورة يوليو والتي أضاعت وغطت على حلاوة انتصاراتها الكثيرة والكبيرة ولكنه  تمادي في أعماله تلك وأخذ يتورط في أعمال  أخرى خطيرة.

3- مؤامرة قلب نظام الحكم وتخطيطه للاستيلاء على السلطة والشئ الغريب أن جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية كان على علم بما يدبر وأبلغت إدارة المخابرات الحربية ما لديها من معلومات للجهات المختصة ولكن المخابرات العامة وكان يتولي رئاستها السيد صلاح نص حتى مساء 25/8/ 1967 لم تبلغ ما لديها من معلومات إلى الجهات المسئولة ويعد هذا التصرف إخلالا كاملا بمسئولية وأمانة المسئولين عن ذلك واستمر هذا التكتم حتى توليت رئاسة الجهاز في 26/8/1967 . فبعد أن قدم المشير استقالته – والذي عاد وسحبها مرة أخرى – بذلت محاولات كثيرة من المحيطين به وبموافقته لإعلان العصيان فقد قاموا بجمع عدد كبير من الضباط لعمل مظاهرة للمطالبة بعودة المشير بل قام ضباط حراسة المشير بمظاهرة عسكرية مسلحة بالعربات المدرعة واتجهوا من الحلمية إلى مبني القيادة العامة للقوات المسلحة . وفي نفس الوقت كان يتم اتصال أعوان المشير بقوات الصاعقة الموجودة في أنشاص في ذلك الوقت وكان يتم استدعاء بعض الضباط لمقابلة المشير ليلا في منزله بالجيزة .

وكان المشير يستقبل علاوة على ذلك بعض المدنيين سرا في منزله ولزيادة سرية هذه المقابلات أمر لمشير بفتح ثغرة في السور الذي يفصل بين المنزل " والمشتل المحاور " وأخذت  المقابلات تتم في هذا المشتل كل ليلة وأخذ بعض الضباط يزودون المشير بتقارير عن أوضاع وحداتهم ويتلقون منه الأوامر لنشر الشائعات وتوزيع استقالته السابق الإشارة إليها وفي نفس الوقت لوحظ نقل كميات من الأسلحة والذخيرة من معسكر الحلمية إلى منزل المشير بالجيزة  كما لوحظ عدد كبير من الأفراد المدنيين يحملون السلام ويقومون بحراسة منزل المشير ويمنعون الاقتراب منه وقام بعض الضباط المقيمين  في منزل المشير بتدريبهم على إطلاق النيران  وبذلك أصبح منزل المشير والمنطقة المحيطة به منطقة ممنوعة على سلطات الأمن  كما لوحظ تردد أعضاء مجلس الأمة من محافظة المنيا وبعض محافظات الوجه القبلي على منزل المشير وكلف البعض منهم بإثارة مناقشات سياسية بقصد  إحداث بلبلة سياسية في نفوس أعضاء مجلس الأمة والشعب ووزع على بعضهم صورة من الاستقالة مع تحريضهم على القيام بنشر أبناء مضللة عن أسباب الهزيمة العسكرية ..
لكل هذه الشواهد تم وضع المنطقة كلها تحت المراقبة بواسطة الأجهزة المختصة بل تم عمل كافة الترتيبات الدقيقة لمعرفة كل ما يجرى داخل  المنزل في كل وقت وتم تجهيز " رسم كروكي " للمنزل من الداخل والخارج ولكل المنطقة المحيطة بالمنزل تحسبا للظروف 
وبدأت هذه التجهيزات والترتيبات التي يقوم بها المشير تتبلور في مؤامرة حقيقية لقلب نظام الحكم حدد لتنفيذها يوم 27 / 8/ 1967 وكان الغرض منها الاستيلاء  بالقوة على القيادة العامة للقوات المسلحة .

كانت الخطة سوف تتم على مرحلتين : أ‌- المرحلة الأولي وهي الجانب التمهيدي والدعائي داخل أفراد القوات المسلحة لإحداث بلبلة في الأفكار وإثارة الفتن ببث الدعايات المسمومة والمغرضة والسعي إلى نيل تأييد أكبر عدد من ممكن من الضباط لتأييد المخطط وتهيئة الأذهان لتقبل الوضع الجديد. ودعوة الضباط إلى منزل المشير وتقصي أحوال القوات المسلحة وأسرارها منهم وتوزيع استقالة المشير وإقناعهم بأن للمشير قضية عامة هي مطالبته بالديمقراطية وإطلاق الحريات . ب‌- الشق الثاني ويتمثل في الجانب العسكرى التنفيذي ويعتمد على قوات الصاعقة الموجودة في " أنشاط " والتي كان عليها تأمين وصول المشير إلى القيادة الشرقية في منطقة القناة ثم تنصيبه قائدا عاما للقوات المسلحة ثم يقوم المشير بإعلان مطالبه لرئيس الجمهورية من هناك فإذا لم يستجب له الرئيس تحركت قطاعات من القوات المسلحة لفرض هذه المطالب بالقوة وذلك بمعاونة القوات الجوية لضمان نجاح الخطة... وتم تحديد القوات اللازمة لتنفيذ العملية ودرست الطرق التي سوف تتحرك عليها هذه الوحدات وحددت التوقيتات اللازمة للتنفيذ كما وزعت المهام والواجبات لكل منهم فكان موكولا إلى السيد شمس بدران مثلا تأمين الشرطة العسكرية والفرقة المدرعة والسيد عثمان نصار تأمين منطقة دشهور العسكرية والسيد عباس رضوان تأمين منطقة القاهرة واعتقال بعض المسئولين في الدولة بمعاونة أطقم المخابرات العامة بعد موافقة السيد صلاح نصر وكان على رأس المعتقلين شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى وهؤلاء تم اعتقالهم بعد ذلك أيضا بواسطة السادات . 4- انكشاف زواجه العرفي من السيدة برلتني عبد الحميد ولن أتعرض لتفاصيل هذا الموضوع لأنه أولا يمثل جانبا من حياة المشير الشخصية , ولأنه أمر عادي يجرى في كل الأوقات وفي كل الطبقات .... ولكن كان المشير حريصا كل الحرص على إخفاء هذه العلاقة بالرغم من أن السيدة برلنتي كانت لا ترضي أن يكون زواجها سرا بل كانت تلح في إعلانه وتوثيقه ولكن كان الرجل يخشي تأثير ذلك على حياته الزوحية وعلى حياته العامة . كان يعرف أنه بمجرد زوال سلطاته فإن أمور كثيرة سوف تتكشف وتظهر الأمر الذي بذل جهده في السنوات الماضية لكي يظل سرا مكتوما . وقد حدثني الرئيس جمال أن المشير كان يحضر له دوما ليشير عليه أن يكون له " أبواب خلفي " فكيف يمكن للرئيس أن يعيش هكذا داخل أربع حيطان لا يتمتع بالدنيا ولا يروح عن نفسه وكان المشير يضرب أمثلة بالعديد من رؤساء الدول والشخصيات الكبرى وكيف أن لهم " أبوابا خلفية متعددة " فالمرء دائما يحتاج إلى التفريج عن نفسه فساعة لقلبك وساعة لربك .

كان يخشي مثلا أن ينكشف أنه اشترى منزلا في " ايكنجي مريوط " مركز القسم الشرقي بالعامرية محافظة الصحراء الغربية بحوض برنجي وايكنجي مريوط رقم 3 ضمن القطعة رقم 209 وهو المنزل الذي اشتراه من السيدة انطوانيت جريك واختار إسما له محمد عبد الحكيم على بن على حفيد عامر أثناء إتمام الإجراءات الرسمية . كان هذا المنزل هو الأقرب إليه قلبه للإختلاء بزوجته وبعض الأصدقاء.

كانت هذه العلاقة سرية ماما لا يعرفها إلا القليلون جدا من دائرة المشير الشيقة ومطبخه الداخلي ولا أظن أن أحدا من المسئولين كان يعرف ذلك إلا المرحوم أنور السادات الذي كان يحضر بعض المناسبات بين وقت وآخر .
ولنقف عند هذا الحد إلا أننا نريد أن نؤكد مرة أخرى أن الرجل كان لا يريد أن تكشف هذه العلاقة وكان يرغب أن تبقي سرا .
إذن كان المشير متورطا في أكثر من اتجاه وكان بذلك مهيئا للقيام بأى إجراء غير محسوب و خطوة يائسة إذ ظل هكذا مطلق الحرية يفعل ما يريد ولذلك فإنه كان من الواجب إيقاف الأمور عند حدها حتى لا تتطور وتتضخم وأن تعود الشرعية مرة أخرى لتمارس سلطاتها لمواجهة الموقف الصعب الذي وجدت فيه البلاد ولو أن هذا كان ينبغي أن يتم منذ وقت طويل قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد ولكن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب .
خطة جونسون
صدرت تعليمات الرئيس عبد الناصر إلى كل من شعراوى جمعة – سامي شرف – أمين هويدى بوضع خطة لمواجهة الموقف وتحديد إقامة المشير عامر وكان اقتناع الرئيس باتخاذ هذه الخطورة في حد ذاته عملا إيجابيا حقيقة إذ لم ينجح في إقناعه أحد من زملائه رغما عن تكرار المحاولة وكان هذا يرجع أولا إلى أن  الأمور وصلت إلى منتهاها وأن الصراعات  على القمة التي كانت موجودة داخل " الحرس القديم " لم يكن لها أثر في  " الجماعة المختارة " فكانت حسابات الرئيس هنا أسهل وأيسر .
وكانت المأمورية دقيقة وصعبة ولكنها كانت واجبة وكانت المناصب التي يتولونها في ذلك الوقت كالآتي :
شعراوي جمعة              وزيرا للداخلية
أمين هويدي                 وزيرا للحربية 
سامي شرف                 مدير مكتب الرئيس للمعلومات

كانت المأمورية دقيقة لأنها كانت تتعلق " بالمشير " والرجل لم يقدم لأحد منا من الناحية الشخصية سوءا أو ضررا ثم كان الرجل بسلطاته التي ما زالت تترك بصماتها على كل أجهزة الدولة يمثل قوة حقيقية لابد وأن نعمل لها حسابا ثم كان لابد من التصرف بحكمة تامة حتى لا نجعل من التصفية صداما حقيقيا يمكن أن يتسع فيشعل الحرائق في كل شئ .

وكانت المأمورية صعبة لأن الأجهزة الحساسة كلها كانت متعاطفة مع المشير عامر فالمخابرات العامة وعلى رأسها السيد صلاح نصر كانت قد حددت موقفها إلى جواره القوات المسلحة متعاطفة وإن كان البعض  قد أظهر جانب الحياد إلا أنه لم يكن ليتردد في اتخاذ  موقفه إلى جوار المشير عند أول بادرة نجاح لجهوده في سبيل الاستيلاء على السلطة أما أجهزة وزارة الداخلية فلها حساباتها المعقدة في مثل هذه الأحوال ولا داعي للخوض في تلك الحسابات حتى لا نخرج عن الموضوع .
وكانت المأمورية واجبة فالعدو في شرق القناة والبلاد تمر في أخطر مراحلها وكان لابد من ترتيب البيت الداخلي حتى يمكن البدء في مواجهة العدوان .
ولذلك فقد قررنا أن نلتزم بالسري المطلقة في اتخاذ إجراءاتنا وكذلك بالسرعة المعقولة لأننا كنا في سباق خطير مع الزمن فلم يكن الجانب الآخر عند بداية وضع الخطة بواسطتنا قد حدد موعد تحركه بعد وكنا بذلك نتحرك في المجهول من ناحي السرية لم يخطر أحد غير ثلاثتنا في المراحل الأولي بهذا الأمر وأى قول  غير هذا عار تماما عن الصحة وادعاء باطل تورط فيه البعض حتى يظهر ا،ه كان على علم ببواطن الأمور .
واتفقنا أن نطلق الاسم الكودى " جونسون" على العملية كلها خوفا من التورط أثناء حديث أو مكاملة تليفونية كما اتفقنا على أن تكون اجتماعاتنا في " نادى الشمس " بمصر الجديدة وكانت الاجتماعات تتم في وقت متأخر من الليل بعد أن يكون النادى قد أغلق أبوابه حول حمام السباحة وأمامنا لفائف من سندويتشات الفول والطعمية التي كان يحضرها من يكلف بذلك وكنا نصل دائما إلى مكان الاجتماع في مواعيد متقاربة وبطريقة فردية .
كان تقديرنا لأول  وهلة أنه إذا استدرج " المشير " بحيث يكون منفردا أو معه أقل عدد ممكن من الحراس فإنه في هذه الحالة يمكن وبسهولة تدبير طريقة نتحفظ بها عليه في أى مكان أمين حتى يتم تصفية الجيوب الباقية في منزل الجيزة مثلا..
ولذلك وبعد بحث عدة بدائل استقر الرأي على الآتي : 

1- أن أصلح مكان لذلك هو طريق " صلاح سالم " حيث كان المشير يستخدمه ذهابا وإيابا للقيام ببعض الزيارات الخاصة ويمكن تحديد الوقت بالتقريب بمراقبة تحركاته على الطريق عدة مرات . 2- أن أنسب وقت لإتمام العملية هو في طريق عودته إلى الجيزة فالوقت يكون متأخرا في ذلك الحين وتقل حركة المرور ثم يكون المشير في حالة يقظة غير كاملة . 3- أن يتم سد الطريق عند إحدى فتحاته بحيث تضطر عربة المشير إلى التهدئة والانحراف إلى الجانب لآخر من الطريق . 4- في هذه اللحظة يمكن السيطرة على العربة بمن فيها مع التأكد من أن تتم الأمور بسرعة لتفادى أى اشتباك ثم يوضع المشير في مكان أمين مجهز من قبل .

كانت هذه هي الخطة العامة  التي وضعنا لها كثيرا من التفاصيل الدقيقة وعرض الموضوع على الرئيس بواسطة سامي شرف ووافق الرئيس على ذلك.

وعقب ذلك بفترة قصيرة استدعانا السيد زكريا محيي الدين استدعاء فرديا لمقابلته في منزله بالدقي وكان يؤكد على كل فرد ألا يخطر أحدا بالمقابلة على أن يترك كل فرد عربته بعيدا عن المنزل وتبادلنا هذه المعلومات رغما عن التنبيه علينا مرارا بعدم إخطار أى فرد باللقاء وصممنا أن نذهب إلى السيد زكريا مجتمعين وفي وقت واحد وبعربة واحدة . وفوجئ الرجل بذلك إلا أنه قابل الموقف بضحكته المعهودة التي قد تعني شيئا أو قد تعني أشياء عديدة أو قد لا تعني شيئا إلا أنه استقبلنا في بشاشته الكريمة ويكرمه المعتاد .

وتناقشنا في الخطة وكان على علم بها كان الرئيس قد أطلعه عليها وأشركه في التنفيذ أو على الأقل في مراجعة تفاصيل ما سوف يتم وخرجنا ونحن جميعا على اتفاق كامل على التنفيذ لم يكن أحد يعلم بالموضوع إلا نحن فقط بعكس ما ورد في روايات عديدة قرأتها وتعجبت منها ولها .
ولكن حينما تكررت اللقاءات بدأت عيوب كثيرة تظهرة أمامنا لهذه الخطة .

1- فقد أكتشفنا أنها معقدة غاية التعقيد والخطة يجب أن تكون بسيطة . 2- ثم إنها خطة جامدة أى أنها تتبع توقيتا ومقتل أى خط هو في جمودها وعدم ترك فسحات من الوقت للظروف غير المتوقعة أو الطارئة . 3- ثم إن احتمال عدم الاشتباك ضئيل للغاية ويعتمد على الحظ والاعتماد أكثر من الدقة ليس صحيحا في أى أمر من الأمور . 4- ثم من يضمن عدم كثافة المرور في هذه الساعة التي ستتم فيها العملية وليس لائقا أن تتم عملية مثل هذه مع نائب رئيس جمهورية سابق حتى تصبح حديثا تلوكة الألسن في العاصمة . 5- ثم من يضمن ألا يكون المشير في وعيه الكامل استثناء من الظروف العادية ؟ و وهنا قررنا إلغاء الخطة من أساسها واستبدالها بأخرى تتلافي عيوب الخطة السابقة .

وتوالت الاجتماعات وأغلبها  في نفس مكاننا في نادى الشمس بمصر الجديدة وكنا في سباق مع الزمن لعدة أسباب :

1- فمؤتمر القمة العربي سوف يعقد في الخرطوم في 29/8/1967 ولابد أن يحسم الوضع قبل سفر الرئيس إلى الخرطوم وإلا لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإن تأجيل سفر الرئيس سوف يصبح أمرا حتميا , وكان البديل لهذا الموقف – في حالة عدم إمكانية الحسم – أن يصطحب الرئيس " المشير عامر " 2- كان الجانب الآخر قد ضاعف نشاطه وأصبح ظاهرا أن عملية ما قد أصبحت جاهزة للتنفيذ لموالاة الضغط على السلطة الشرعية وكان لابد لجانب الشرعية أن يضرب ضربته أولا . 3- وكان الموقف في القوات المسلحة يزداد سوءا فحالة القلقلة والتميع كانت سائدة ولا أنسي في هذه المرحلة زيارتي إلى القاعدة الجوية في أنشاص وبرفقتي الفريق عبد المنعم رياض رئيس ركان حرب القوات المسلحة والفريق مدكور أبو العز قائد القوات الجوية كانت الزيارة لن تستغرق أكثر من ساعة نفتش فيها على إنشاء الدشم والدفاعات الأرضية والجوية على القاعدة وحالة المواصلات والخطط الموضوعية وطريقة إصلاح الممرات في حالة ضربها بواسطة العدو وخطط التمويه والخداع واستكمال النقص في الأفراد والأسلحة والمعدات . إلا أن موقف البلبلة السائد بين ضباط القاعدة جعلني ألغي زيارتي للقواعد الجوية الأخرى وصممت على عدم ترك أنشاص إلا والاقتناع سائد بين كل الأفراد وقد كان . 4- كان العدو يركز على انهيار الجبهة الداخلية كوسيلة لإسقاط النظام وكان لابد من رأب التصدع الذي حدث بأسرع ما يمكن حتى تعود الجبهة الداخلية إلى تماسكها وتعود القوات المسلحة إلى وحداتها وانتظامها ويتفرغ الجميع للمسئولية الثقيلة التي توجههم .

إذن كان لابد للخطة أن تكون بسيطة وشاملة وتشمل كل الجيوب التي تشارك في حالة العصيان القائمة : المشير بشخصه على رأس القائمة قلعة منزل المشير بالجيزة جهاز المخابرات العامة بعد أ، أصبح من المؤكد أن رئاسته تلعب دورا خفيا في تغذية  وتأييد العصيان .
وكانت الخطة في إطارها العام كالآتي :

1- يستدعي المشير إلى منزل الرئيس في منشية البكرى ليلا لأى سبب يراه الرئيس صالحا لهذا الاستدعاء حيث يبلغ بتحديد إقامته . 2- في نفس الوقت تتجه قوة من القوات المسلحة إلى منزل المشير بالجيزة لحصاره والقبض على من فيه على أن يتم ذلك قبل أو ضوء . 3- في اليوم التالي مباشرة يعاد النظام إلى جهاز المخابرات العامة . ووافق الرئيس على الخطة ورأى أن يحضر معه في لقائه بالمشير في منزله كل من السادة زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات ولم يكن أحد من الثلاثة يعلم بما سوف يتم إلا السيد زكريا محي الدين فقط ويظهر هذا واضحا من رواية السيد أنور السادات في كتابه البحث عن الذات في الصفحة 248 . فالبرغم من أنه على عادته المعروفة يميل إلى أن يجعل نفسه دائما مركز الأحداث أيام عبد الناصر وهذا غير حقيقي بالمرة إلا أنه قال " بعد ذلك في أغسطس أثناء زيارة تيتو لنا استدعاني عبد الناصر في قصر رأس التين فذهبت إليه ووجدت علامات الحيرة على وجهة وقال : والله أنا عايز أقول لك على موضوع يا أنور أنا مشغول قوى بحكاية عبد الحكيم وأنا تكلمت مع تيتو وحكيت له الحكاية كلها تيتو قال لى ضروري تأخذ إجراء في العملية دى وإلا البلد مجروحة وبعدين أى صراع داخلي وخصوصا إذا كانت فيه القوات المسلحة حيتوسع وينقلب إلى صراع كبير قلت له : يا جمال إنت سمعت منا كنا رأينا في الموضوع ده وفعلا ضروري إنت بالذات تواجه عبد الحكيم باللي بيعمله وتحسم الموضوع نهائيا فقال : فعلا أنا لازم آخذ إجراء كان ذلك في 13 أغسطس ولم يفصح عبد الناصر عن نوع الإجراء الذي سيتخذه كل ما حدث أن الإجراء تأخر إلى يوم 25 أغسطس لماذا تردد رغم خطورة الموقف ؟ هنا مرة أخرى تظهر علامة الاستفهام الكبيرة في كل ما يختص بالعلاقة بين عبد الناصر وعامر ." ثم قال " في هذه الأثناء كان عامر قد جعل من بيته المطل على النيل في الجيزة قلعة بكل معني الكلمة مما جعل عبد الناصر يقرر أخيرا إقامة عامر في بيته بعد أن تسحب منه جميع الأسلحة وبناء عليه أرسل إليه يطلب حضوره للقائه في منزله مساء الجمعة 25 أغسطس وقال لنا : اسمعوا يا جماعة أنا عاوزها جلسة مواجهة وأنتم تكونوا موجودين وأنا وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي كنا موجودين في هذه الجلسة " وبعد ذلك أخذ يسرد القصة ويركز على أنه هو الوحيد الذي كان يتكلم في الجلسة وهو الوحيد الذي اصطحب المشير إلى دوره المياه وهو الوحيد الذي بقي معه . وكل هذا لم يحدث لأنني كنت موجودا هناك أرى كل شئ وأسمع كل شئ .

ربما خانته ذاكرته فكثيرا هذه الذاكرة وهو يقص أو يكتب التاريخ والذي كان يؤيده دائما بأشخاص انتقلو إلى رحمة الله !
وصف السادات لعبد الناصر بالتردد هنا ومحاولته إثارة علامات استفهام فيه مبالغة كبيرة لأنه لم يكن يدرى ان الترتيبات كانت تعد قبل 13 أغسطس الذي تحدث عنه بوقت طويل ثم واضح من حديثه أنه كان يجهل كل  شئ حتى استدعاء الرئيس يوم 25 أغسطس إلى منزله في المساء .
ويلاحظ في قصة السادات أنه أغفل ذكر  أسماء الثلاثة الذين قاموا بالعملية لسبب هام جدا سيظهر من سرد الأحداث لأنه يتعلق تماما بأحداث مايو 1971 فكان إسقاط الأسماء الثلاثة عن قصد وعمد ولا نريد أن نسبق الأحداث .
وعذرا لهذا الاستطراد قرر الرئيس ايضا أن أتولي رئاسة المخابرات العامة بعد حسم موقف المشير وجماعته علاوة على منصبي كوزير للحربية وقلت للرئيس في ذلك الوقت إنه ليس في مقدور بشر ن يقوم بالمسئوليتين في وقت واحد خاصة في هذا الوقت العصيب فأكد لى الرئيس أن هذا الجمع بين المسئوليتين بصفة مؤقتة حتى ينجلي الموقف .
وأصبح كل شئ معدا للتنفيذ 

الليلة العصيبة اتصل الرئيس تليفونياا وبنفسه بالمشير يوم 24 /8/1967 ودعاه للإجتماع به في المنزل في منشية البكرى الساعة السابعة مساء يوم 25 / 8/ 1967 ووافق المشير على الفور مرحبا وكان سبب الموافقة المعرفة العميقة التي اكتسبها من تعامله مع عبد الناصر طوال تلك المدة . فهو يعلم أنه في الأزمات السابقة فإن الرئيس كان يعمل دائما على إصلاح الأوضاع وسد الثغرات ألم يسافر له إلى اليمن لمصالحته وقت أن غادر المشير البلاد عقب إحدى الأزمات ليبقي ويبتعد هناك؟ ألم يتصل به في مرسي مطروح عقب أزمة مجلس الرئاسة وتعيينات كبار الضباط وحسم الموقف لصالحه ؟ ألم يعرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية حتى بعد أن أوصلنا إلى النكسة التي نحن فيها ؟ ظن عبد الكيم عامر أن الرئيس سوف يصلح لأمور وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي بل ربما يكون قد ظن أنه سيحدثه في مرافقته إلى مؤتمر الخرطوم يوم 29/8/ 1967 ولكن في رأيي أن موافقة المشير على هذا اللقاء كانت لتخدير الرئيس حتى يكسب وقتا ثمينا لتنفيذ عملية يوم 27/8/1967 باستيلائه على القيادة الشرقية في الإسماعيلية فإن صالحه الرئيس في اللقاء على أساس جمعه بين منصبي نائب رئيس الجمهورية وقيادة القوات المسلحة فهذا خير وبركة . وإن لم يصلا إلى اتفاق لا يكون قد خسر شيئا بل يكون قد اكتسب الوقت لتنفيذ عمليته التي كان قد تم إعدادها وتجهيزها في ذلك الوقت . إلا أن أنصار المشير حينما بلغهم نبأ اللقاء المنتظر انقسموا غلى قسمين : قسم يرى أن يذهب المشير للقاء على أساس أنه فاتحة خير قد تنهي لأزمة القائمة . وقسم آخر أوجس خيفة من اللقاء وعارضة بشدة واستمر حوارهم مدة طويلة . ولم يكن الحوار الدائر خافيا على الرئيس إذ كان ينقل له كافة التفصيلات التي تحدث داخل منزل المشير أول بأول .

وقد فضلنا عدم عدم إلقاء الأوامر النهائية إلا في آخر لحظة ممكنة أى بعد ظهر يوم 25 / 8/ 1967 وفي الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم تم الاتصال بالرئيس لأخذ موافقته النهائية على البدء في التنفيذ فأمر بأن تدور العجلة .
وقد اتصلت بالفريق محمد فوزى وكان في منزله يشعر بوعكة خفيفة واتفقت معه على أن نتقابل الساعة السادسة في مكتب السيد سامي شرف وان يحضر معه كلا من اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية والعميد سعد عبد الكريم مدير الشرطة العسكرية ثم اتصلت مع شعراوى جمعة وسامي شرف واتفقنا على أن نتقابل نحن الثلاثة في مكتب الأخير الساعة الخامسة بعد الظهر .
وفي تمام الساعة الخامسة اجتمعنا حسب الاتفاق السابق لنضع اللمسات النهائية للخطة واتفقنا  على أن يقوم شعراوى وسامي بالقبض على مرافقي المشير عند وصوله إلى منل الرئيس وبعد دخوله لمقابلة الرئيس مباشرة واتفقنا أيضا أن تكون عربتي وسائقها " الأسطي عثمان " في الانتظار على باب منزل الرئيس الداخلي لنقل المشير فيها إلى منزله بعد الانتهاء من تصفية منزل الجيزة .
وفي الساعة السادسة مساء ثم عقد المؤتمر المتفق  عليه في مكتب " سامي " وكان الحاضرون " هم:
شعراوى جمعة             وزير الداخلية
أمين هويدي              وزير الحربية
سامي شرف               مدير مكتب الرئيس للمعلومات
الفريق محمد فوزى        القائد العام للقوات المسلحة 
اللواء محمد صادق          مدير المخابرات الحربية
العميد سعد عبد الكريم        مدير الشرطة العسكرية .
وبدأت بصفتي وزيرا للحربية إعطاء التعليمات والأوامر لتنفيذ الجزء العسكرى الخاص  بمحاضرة منزل المشير بالجيزة وتصفية المقاومة وشددت على تجنب أى صدام أو تبادل إطلاق النيران كما أمرت باللجوء إلى الحيلة والصبر واتفقنا أن يكون القائد العام على اتصال  مستمر معي طوال تنفيذ العملية كما اتفقنا على ن يبلغني فور الانتهاء من تصفية منزل الجيزة.
وقد حضر المشير مبكرا عن الوعد بحوالي ثلث ساعة فقام كل من شعراوى وسامي بتنفيذ الجزء المخصص لهما في العملية وبقيت مع الآخرين حتى أنهيت تعليماتي على عجل وانصرف ثلاثتهم للتنفيذ لم تكن هناك مشكلة في تجهيز القوات لأن قوات الشرطة العسكرية وعربات المخابرات الحربية كانت في حالة استعداد دائم .
وعاد شعراوى وسامي بعد أكثر من ثلث ساعة بعد أن أتما المأمورية فتم القبض على سائق عربة المشير كما تم القبض على العقيد محمود طنطاوى أحد أفراد مكتب المشير وهو من خيرة ضباط القوات المسلحة خلقا وعلما ولكن للضرورة أحكامها إذ دفعته الظروف دفعا ليجد نفسه من الصف المناهض للشرعية .. ولما سألت شعراوى وسامي عن سبب طول مدو تنفيذ العملية أخبراني بأن الأخ " محمد  أحمد " السكرتير الخاص للرئيس أثار ضجة كبرى إذ بمجرد شعوره بما يحدث استنكر أن يتم ذلك من وراء ظهره ودون إخطاره واعتبر ذلك عدم ثقة من الرئيس بسكرتيره الخاص وقد تمادى " محمد أحمد " في احتجاجاته فاضطرا إلى البقاء معه حتى يهدئا من ثورته .

ثم وضع عربة " المشير " في الجراج الخاص . وأمرت السائق " عثمان " أن يقف بعربتي على الباب الداخلي لمنزل الرئيس . والرجل لا يدرى ماذا يحدث لا في الخارج ولا في الداخل إلا أنه لابد وأن شعر أن شيئا غير عادي يجرى تنفيذه . وفي حوالي التاسعة مساء فضلت أن أدخل منزل الرئيس وبقي " سامي " و" شعراوي" في مكتب الأول واتفقت مع " سامي " أن يحول لى المكالمة التليفونية المنتظرة من " محمد فوزى " بمجرد اتصاله وفعلا دخلت منزل الرئيس ووجدت في " الصالة الخارجية" بعض " ضبط الياورن " وجلست بجوار حجرة الصالون حيث كان اجتماع الرئيس بالمشير لألتقط أنفاسي كان في الداخل خلاف الرئيس والمشير كل من سادة " زكريا محيي الدين " و" حسين الشافعي " و" أنور السادات .. وكان الذي يتكلم هو الرئيس وكان الذي يرد هو " المشير " وقد سمعت الرئيس وهو يقول للمشير " عليك يا عبد الحكيم تقدير الموقف الصعب الذي تمر فيه البلاد . وعليك أن تلزم منزلك في هذه الفترة الحرجة " وسمعت المشير وهو يرد على الرئيس قائلا " يعنى بتحدد إقامتي وبتحطني تحت التحفظ . قطع لسانك " وكرر ذلك أكثر من مرة . كن الحديث يدور هادئا في معظم الأحيان ولكن كانت الأصوات ترتفع في حدة في أحيان أخرى . ولكن لم يكن في مقدورى متابعة ما يجرى لأنه لم يصل إلى أذني إلا بعض الكلمات بين وقت وآخر وكنت منهكا وتعبا بحيث كنت أميل للإسترخاء قليلا قبل ما ينتظرني في اليوم التالي .

وكان المشير – وحتى منتصف الليل – مصرا على موقفه المتعنت . ولا شك أن " تجمع أصدقائه " في الجيزة كان له دخل كبير في إصراره هذا . كان  الرجل يلعب على عامل الوقت لعل وعسي أن يلين الرئيس كما كان يحدث في المرات السابقة .
وفي هذه الأثناء كان " فوزى " قد اتصل بي مرتين : مرة حينما وصل إلى منزل الجيزة على رأس قواته ليخبرني بإتمام حصاره المنزل ومرة أخرى ليبلغني أن حرائق شوهدت في المنزل والتي ظهر بعد ذلك أنها عبارة عن عملية حرق الأوراق الهامة بواسطة بعض الضباط الموجودين في منزل الجيزة والتي قد تدينهم لو تم القبض عليهم وقد أخبرت الرئيس بذلك وأكدت له أن هذه علامة على حالة الانهيار التي أصبح فيها هؤلاء الضباط.
وفي منتصف الليل تقريبا خرج الرئيس من حجرة الصالون ولما وجدني بالخارج اصطحبني معه واضعا ذراعه في ذراعي إلى حجرة المكتب على الجانب الآخر من " الردهة الخارجية" وكان كلانا يدخن بشراهة وخيل لى أن الرئيس يكاد يقضم سيجارته ,. وفور دخوله إلى المكتب طلب عباس رضوان تليفونيا من رقم مباشر من الذاكرة وقال له " يا عباس انت المسئول عن فض الموقف في الجيزة " ولست  أدرى هل تم اتفاق الرئيس مع عباس قبل هذا الاتصال أم لا لأن كلام الرئيس لعباس كان موجها لشخص يعرف ما يجرى وبعد ساعة أخرى خرج الرئيس من الصالون للمرة الثانية واتجهت معه إلى المكتب ليعاود الاتصال مع " عباس " وكان حديثه هذه المرة محتدا قاطعا وهو يقول له " إنت يا عباس مسئول عن عدم فض الموقف " وبعد انتهاء المحادثة ذكر الرئيس أن الموقف  في نظره يتعقد وأن عباس يتلاعب ورددت على الرئيس " ما زال أمامنا أربع ساعات حتى الفجر وأن حل الموقف هناك في منزل الجيزة وأن المشير سيبقي على عناده طالما بقي منزل الجيزة على أوضاعه " وأمن الرئيس على ذلك وصعد إلى الدور العلوي بمفرده ليستريح بعض الوقت .. وليس صحيحا ما ذكره الرئيس السادات في كتابه " البحث عن الذات " من أن السيدين زكريا محيي  الدين وحسين الشافعي صعدا مع الرئيس إلى الدور العلوى وأنه بقي وحده مع المشير في حجرة الصالون .
ولكن هي عادة الرئيس السادات في أن ينسب كل شئ إلى ذاته ولو تم ذلك على حساب الحقيقة .
ودخلت حجرة الصالون وسلمت على الجميع . كان المشير جالسا على أريكة من الأرائك وحينما رآني قال " أهلا وسهلا بوزير حريتنا . الله ده الموقف مجهز تماما والمسألة محبوكة على الآخر كان أنور السادات هو الوحيد الذي يجلس صامتا والدموع على  خديه أما السيد حسين الشافعي فكان يبدو غير مهتم بما يجرى أما السيد زكريا فكانت ملامحه جامدة لا تدل على شئ .
وهنا خرج  المشير ذاهبا إلى دورة المياه وخرجت معه وكان الرجل ودودا معي يتحدث في ابتسامته الهادئة . كانت أعصابه هادئة ولم يكن منفعلا بالرغم من أنه كان يدرك الموقف الحرج الذي أصبح فيه وفجأة خرج المشير من دوره المياه وفي يده كأس زجاجي به بعض المياه وقال بأعلي صوته وهو يرمي الكأس على طول ذراعه " اطلعوا بلغوا الرئيس  أن عبد الحكيم خد سم لينتحر " ودخل في هدوء إلى حجرة الصالون ليجلس على الأريكة ذاتها وهو يبتسم في هدوء و:انه لم يفعل شيئا . وقد انزعجت أشد الانزعاج حينما سمعت بذلك وصعدت إلى الدور العلوى حيث يوجد الرئيس قفزا فوق الدرج واستقبلني الرئيس  من أعلي السلم وقلت له " المشير خد سم وانتحر " فقال لى الرئيس " عبد الحكيم أجبن من أن ينتحر . لو كان عاوز ينتحر كان انتحر لما ودانا في داهية " ويبدو أن درجة انزعاجي كانت شديدة لدرجة أن الرئيس كان يحلو له بعد ذلك أن يحكي عن ذلك في مناسبات عديدة وكان يضيف قائلا " تمثيلية عبد الحكيم خالت على أمين "
حدث هرج ومرج بين الموجودين أما " الثلاثة الكبار " فكانوا على حلهم لم يتحركوا و ينفعلوا ولكن خيل لى أن عبرات الرئيس السادات زادت كثافة ودخل الدكتور " الصاوى " طبيب الرئاسة مسرعا وفي يده شنطته العتيدة ولما ل يستجب المشير للعلاج الذي كان يريده الدكتور الصاوي تقدم السيد حسين الشافعي " ليعبط " المشير حتى أعطاه الدكتور " الحقن اللازمة " وهدأ كل شئ من جديد .
ورأى المشير أن يخرج إلى الحديقة ليشم بعض الهواء وخرجت معه . كان الرجل وفي حركات تمثيلية يكثر من النظر إلى السماء ثم يتنهد ثم يعود لينظر إلى السماء ,هنا دار بيني وبينه الحديث الأتي :
أمين :         كيف خالد الآن ؟
عامر :  أنا كويس والحمد لله.
أمين : سيادة المشير . هل يصح هذا الذي يحدث ؟ هل يمكن أن يطور المشير الموقف إلى  هذا الحد ؟ أنا لا أكاد أصدق أن الأمور تصل إلى ما تصل إليه الآن .

عامر : يا أمين إنت لا تعرف شيئا .

أمين :  كيف لا أعرف ؟ الوقت يمر ولابد من حسم الموقف .
عامر : لحساب من يا أمين يحسم الموقف ظ اسكت إنت لا تعرف أى شئ .
وساد الصمت بيننا وأخذ يتمشي جيئة وذهابا ودخلنا إلى حجرة الصالون . لم أجد هناك السيد حسين الشافعي وحينما خرجت إلى الصالة الخارجية وجدته جالسا وأمامه طبق من الفاكهة وهو مقبل عليه في إطمئنان ودعاني إلى تناول بعض الفاكهة ولكن لم يكن لى شهية لأى شئ وأنا  أري ما أري .
وأخيرا قال : أنا رأيي إن المشير يعود إلى منزله والموضوع " مش نافع " الفجر قارب الظهور فماذا سيقول الناس عندما يرون ما يحدث في منزل الجيزة ؟!...
وبقينا ندور في حركة مفرغة كان الجميع يلعبون على عامل الوقت وفي حوالي الساعة الخامسة صباحا استدعاني أحد ضباط الياوران إلى التليفون ذاكرا إن " الفريق محمد فوزي على الخط " وأخذت التليفون وكان فوزي على الجانب الآخر من الخط يقول " المأمورية انتهت يا فندم دون أى صدام والمنزل  خالي الآن " فقلت له " الحمد لله ومتشكر " ولم أدخل   حجرة الصالون ولم أشاهد أحدا بعد ذلك بل غادرت منزل الرئيس وعبرت الشارع إلى مكتب " سامي " حيث وجدته جالسا هو وشعراوي ..
ومن خلال النافذة رأينا إحدى العربات تتحرك بعد فترة من الوقت وفيها ثلاثة : المشير عبد الحكيم عامر والسيد زكريا محيي الدين والسيد حسين الشافعي . ولا أدرى  ماذا كان يعتمل في صدر المشير ولكنه أصبح الآن شخصا غير الذي وصل أول الليل إلى منزل الرئيس . كان شخصا نزع عنه سلطانه وعاد إلى الشرعية بعد ليلة عصيبة ورغم أنفه .
وأترك للفريق فوزي الحديث عن تفاصيل ما قامت به قوته وهي تحاصر منزل الجيزة نقلا من كتابه " حرب الثلاث سنوات 1967 -1970 ".... " بعد أن صدر الأمر توجهت إلى منزل الرئيس بمنشية البكرى وعلمت أن المشير قد حدد له موعد لمقابلة الرئيس عبد الناصر في الساعة 7  مساء نفس اليوم بمنزل الرئيس وأن المشير سيبقي هناك حتى انتهاء مهمتي في تطهير  المنزل ...وعندما وصلنا إلى باب المنزل الرئيسي لمنزل المشير  وجدته مقفلا بسلسلة حديدية وقفل خلف الباب كان يقف شمس بدران وعثمان نصار وعبد الحليم عبد العال وجلال هريدى وآخرون وجميعهم مسلحون بالرشاشات القصيرة  وفي أيديهم وجيوبهم قنابل يدوية وأخطرت شمس بدران فلم يذعن للأمر وفي تلك اللحظة وصل عباس رضوان وهو يقيم بمنزل قريب من منزل المشير ليسأل عليه وعندما علم بعدم وجوده بالمنزل طلب مني الانتظار فترة لحين معرف الموقف  داخل منزل المشير واصطحب معه شمس بدران بينما بقي الباقون خلف باب الحديقة الخارجي خلال النقاش صدرت بعض طلقات الرصاص من فوق سطح المنزل للإزعاج ولم يرد عليها أحد من القوة حسب أوامرى كما وصلني بلاغ عن مشاهدة دخان حريق علمت فيما بعد  أن مجموعة شمس بدران قامت بحرق وثئق وخرائط سرية تجرمها لو وقعت في يدى . ثم خرج عباش رضوان وشمس من داخل المنزل وفتحا باب الحديقة الخارجي وطلبا مني الدخول مع قائد القوة قائلين : احنا  مستعدين لتنفيذ ما تطلبه . وشاهدت ضباط شمس بدران يلقون أسلحتهم والقنابل اليدوية على الأرض . وأصدرت الأمر رقم  ( 1) من الميكروفون اليدوي طالبا  نزول جنود سريتي الشرطة العسكرية بدون أسلحة وذخيرة أولا حيث كانت لوارئ حمولة 3 طن جاهزة لركوبهم بعد تفتيشهم حيث أخذوا إلى السجن الحربي تلا ذلك صدور الأمر رقم ( 2) وهو يخص نزول الأفراد المدنيين بدون أسلحة أو ذخيرة وانتظرت تنفيذه مثل الأمر الأول ثم أصدرت بقية الأوامر على التوالي  كل أمر يأخذ وقته في التنفيذ قبل صدور الأمر الذي يليه وهكذا رحلت الضباط المتقاعدين إلى السجن الحربي وكان آخرهم شمس بدران  الذي رحل إلى سجن القلعة . ثم بدأنا في جمع الأسلحة من البدروم والدور الأول والسطوح والجرج ورحلت إلى معسكر عابدين في حملة 13 لورى سعة 3 طن واستغرقت هذه العملية طوال الليل . ثم عينت الحراسة  على منزل وعينت اثنين من العمداء للحراسة 24 ساعة على المنزل وتم تركيب تليفون خارج المنزل للإتصال . عند وصول المشير إلى  منزله تم تحديد إقامته بين أهله وأولاده تحت الحراسة الشرعية للدولة ".

هذه رواية الفريق فوزي عن مأموريته التي كلف بها في إطار العملية وقد يكون في سرد بعض المعلومات الأخرى والتي تعيها الذاكرة فيه استكمال للصورة فقد أعلن الضباط عند وصول القوة أنهم سوف يقاومون بالقوة واحتلوا أماكن داخل المنزل سبق إعددها لذلك بالاشتراك مع المدنيين المسلحين الموجودين داخل المنزل وقام كل من شمس بدران هريدى بتوجيه الحديث إلى أفراد القوة التي تحاصرهم بغرض استمالتهم إلى جانبهم وعدم تنفيذ الأمر الصادر باعتقالهم . وفي أثناء التفتيش عثر على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية كما عثر على أ‘داد كثيرة من استقالة المشير عام 1962 وكانت معدة في مظاريف لتوزيعها كم عثر أيضا على بعض ماكينات الكتابة وآلات الطبع .

وفي حوالي الساعة السادسة صباحا يوم 26/ 8/ 1967 وبعد انتهاء الليلة العصيبة اتصل الرئيس تليفونيا بسامي شرف ليطمئن على الأحوال وأخبره بأنه يريد أن يحدثني وفعلا بدأت الحديث مع الرئيس . كان يسأل ليطمئن . وقال " شكرا على ما بذلته . والله كانت ليلة عصيبة . هل أفطرت ؟ " فقلت له " نعم والحمد والحمد لله " ولم نكن قد ذقنا  للأكل أو النوم طعما . ثم سأل عن المأمورية الأخرى وهل كل شئ جهز فطمأنته أن كل شئ معد..
كان يقصد ذهابي إلى جهاز المخابرات العامة واستلامي السلطات هناك.
جلسنا نعيد ترتيباتنا لهذه المأمورية الثقيلة وكان على أن أبدأ الساعة العاشرة في الذهاب إلى هناك .
تولي رئاسة المخابرات العامة
أثناء إعدادنا لعملية " جونسون " وقرارنا بأن يدخل جهاز المخابرات ضمن العملية كلفني الرئيس بأن أتولي رئاسة الجهاز بعد تصفية منزل الجيزة وكما سبق ن ذكرت فإنني طلبت من الرئيس أن يكون جمعي للمنصبين – منصب وزير الحربية ورئيس المخابرات العامة – بصفة مؤقتة بالرغم من أنه ظهر من حديث الرئيس أن ذلك لن يتم إلا بعد فترة ليست بالقصيرة .
وسبق أن ذكرت أنه في يوم 24 / 8/ 1967 اتفق الرئيس مع المشير لمقابلته في منزله بمنشية البكرى مساء يوم 25 / 8/ 1967 .

وفي اليوم نفسه أى يوم 24/8/1967 اتصلت بالسيد محمود عبد السلام وهو من الضباط السابقين في القوات المسلحة نقلته إلى العمل بجهاز المخابرات العامة منذ واخر الخمسينات حينما نقلت بالجهاز نقلا ن القوات المسلحة والرجل زميل وصديق ويتمتع بمزايا كثيرة جعلتني أتصل به في ذلك اليوم لمقابلتي بالمنزل. وقد حدثته في هذه المقابلة عن أن تغييرات هامة سوف تجرى خلال الساعات القادمة في بعض أجهزة الدولة . وأنني سأتول رئاسة جهاز المخابرات خلال الساعات القليلة القادمة وسوف أكون في الجهاز الساعة العاشرة يوم 26/8/ 1967 وعليه أن يكون في انتظارى لأنه سيعمل معي كمدير لمكتبي منذ لحظة وصولي .

ووافق الرجل دون أية تساؤلات أو تردد . فالثقة كاملة بيننا ... واتفقت معه قبل أن ينصرف على عدم تبادل الاتصال في السعات القادمة وحتى وصولي إلى الجهاز في الموعد المتفق عليه وأن حدث تغيير في الموعد  لظروف طارئة فإن الاتصال سوف يكون من جانبي .
وفي صباح يوم 26/8/1967 وبعد الانتهاء من عملية " جونسون  - المرحلة الأولي " تأهبت للذهاب إلى المخابرات العامة وكان من رأي شعراوى وسامي أن تسبقني إلى هناك  فصيلة شرطة عسكرية تحسبا لأى مواقف مفاجئة إلا أنني استبعدت هذا الحل في الحال استبعادا كاملا إذ كيف أتولي رئاسة جهاز خدمت فيه من قبل خمس سنوات كاملة وأعرف جميع من فيه تقريبا في ظل حماية من الشرطة العسكرية ؟ هذا غير معقول وغير جائز . واخترت أن أذهب إلى الجهاز وحدى وبعربتي  الخاص ودون سائق أو مرافق .
وحين مغادرتي مكتب " سامي " اتفقت معه على الاتصال مع " السيد وجيه عبد الله " مدير مكتب السيد صلاح نصر لأخطاره بصدور أوامر الرئيس بتعييني رئيسا للجهاز وبأنني في الطريق إليه . 
وفعلا كنت على الباب الخارجي الرئيسي للمبني في تمام العاشرة صباحا ولما سألني رئيس مكتب الأمن عن شخصيتي أخبرته بأنني رئيس الجهاز الجديد . وكان " وجيه " قد أعطاهم خبرا بذلك ..
فأدوا التحية الواجبة وأخذت المصعد إلى الدور الأول في طريقي إلى مكتب  رئيس  الجهاز وحدى وكنت أعرف طريقي تماما حيث كنت من مؤسسى هذا الجهاز منذ الخمسينات .
كنت أكره هذا المكتب ولا أستريح إليه . فالطريق إليه خافت الضوء . والمكتب نفسه متسع مترامي الأطراف أثاثه قائم ملحق به حجرتان أخريان . كان أشبه بالشقة الخاصة المقبضة ويزيد من كآبة المكتب  ضوؤه الخافت حتى بالنهار بحيث كان من الضروري إضاءة الأنوار ليل نهار وعلاوة على ذلك فقد شاهدت فيه بعض الأحداث والتصادمات في فترة خدمتي السابقة كنائب لرئيس الجهاز في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات تركت ترسبات في نفسي والشئ الغريب أن شعورى بالانقباض من هذا المكتب  لأزمني طوال  فترة رئاستي لهذا الجهاز من 26/8/1967 حتى 25/4/ 1970 وما زلت أذكر كيف شعرت بالراحة العميقة وأنا أخرج من الباب الرئيسي بعد أن سلمت قيادة الجهاز الخلفي بعد ثلاث سنوات بدأتها بدخولي من نفس  الباب بتلك الطريقة الغريبة .. وشعرت حينئذ أن حجرا ثقيلا أزيح عن كاهلي ونمت تلك الليلة بطولها لأول مرة منذ زمن بعيد دون أن توقظني أجراس التليفونات العديد بأخبار كلها سيئة مثيرة للأعصاب ومشاكل ثقيلة كان لابد من مواجهتها بقرارات عاجلة وفي الحال .
وتأخر محمود  عبد السلام ساعة كاملة عن الموعد ... ولكني بدأت في الحال . اتصلت بمنزل السيد صلاح نصر لأسأل عنه إذ كان مريضا أو معتكفا في منزله منذ أيام ولأبلغه أيضا بأنني توليت رئاسة الجهاز , ثم للتحدث إليه بالحديث المعتاد ف يمثل هذه المناسبات الشاذة والثقيلة إلا أن  المتحدث عن الخط الآخر وبعد ان غاب فترة من الوقت أعتذر لى بأنه نائم . فرجوته أن يخبره باتصالي  وبأن يخبره أيض أن يتصل بي في مكتب رئيس المخابرات العامة إذ صدرت التعليمات برئاستي للجهاز  وشددت عليه في ذلك وبعد أن يستيقظ مباشرة . ولكن " صلاح " لم يتصل وهي نفس عادته – رحمه الله – في عدم قدرته على المواجهة ولذلك فإنه كان نادرا ما يرد على الاتصالات التليفونية إلا إذا كانت من أفراد معينين وتبعا لحالة العلاقة بينه وبين المتحدث وليس صحيحا ما كتبه " الأخ صلاح بعد ذلك على صفحات المجلات بأنني اقتحمت جهازه . فليس في قدرة " فرد " وبمفرده أن يقتحم جهازا خطيرا كهذا الجهاز عليه الحراسات المتعددة وإلا كان في هذا التعبير – إن كان يعنيه حقيقة – تقليل من قدرة الجهاز وشأنه ثم ما حيلتي وقد قمت من جانبي بالاتصال مع الرجل لأخطره واستأذنه في مباشرة عملي الجديد إلا أن الرجل فضل ألا يتصل ويرد؟!
على أية حال لن أخوض في شئ يخصه إلا بقدر المحفظة على ارتباط الأحداث . فالرجل انتقل إلى رحمه مولاه . وللموتي قدسية يجب احترامها كما أمرنا وتعلمنا .
كانت أهم الواجبات التي لابد من تنفيذها في الساعات القادمة هي :

1- التحفظ على بعض المسئولين من تجمعت عنهم معلومات بالإساءة في التصرف للتحقيق معهم .. 2- إعطاء بعض المسئولين إجازات إجبارية حتى يسهل تصحيح المسار . 3- إجراء حركة تعيينات جديدة في الأجهزة الحساسة . 4- استمرار الجهاز في تحمل مسئولياته في الداخل والخارج في الوقت العصيب الذي تمر به البلاد ولملاقاة حالة التقصير الشديد التي كانت تنتابه . 5- عقد اجتماع عاجل مع " كبار " رجال الجهاز للتقليل من حالة القلق الحتمية التي ستسود الجميع نتيجة للإجراءات السابقة وتوضيح الخطوط العامة الرئيسية بالاتجاهات الجديدة لسير الجهاز وعلاقاته بالأجهزة الأخرى .

وحوالي الظهر كان محمود عبد السلام يتولي عمله الجديد كمدير لمكتب رئيس المخابرات العامة وبقي " وجيه عبد الأخرى " كمساعد له وبدأت العجلة تدور وقد كافة العمليات الثقيلة المؤسفة التي كانت الظروف تحتم اتخاذها بالرغم من المشاعر الحزينة التي كانت تسيطر على النفس فتم التحفظ على 11 من الأفراد وأعطي 7 آخرون إجازات إجبارية وأصدرت حركة التعيينات الجديدة والتي شملت تغيير عشر قيادات حساسة وقد تم ذلك كله في ساعة قليلة . وقد أطلق الرئيس على  هذه العملية بعد ذلك تعبير  " سقوط دولة المخابرات "
وبدأت الأعمال تسير ببطء وحذر. وكان هذا وضعا طبيعيا تحت الظروف الضاغطة السائدة وكانت  أهم الأحداث التي واجهتنا في الأسابيع القليلة التالية حادثتين أو واقعتين : الواقعة الأولي وهي الخاصة باستلام السيدين صلاح نصر وعباس رضوان مبلغ الستين ألف جنيه وقد سبق الحديث عنها وأحلنا الواقعة إلى مدير المخابرات الحربية الذي كان يتولي التحقيق في قضية " مؤامرة المشير للاستيلاء على القيادة الشرقية " أما الواقعة الثانية فكانت تتعلق " بالسم " الذي أعطاه صلاح نصر من قسم السموم بالمخابرات العامة إلى " المشير " والذي استخدمه في الانتحار وهذا ما سوف نتحدث عنه في الصفحات التالية .
ووسط كل هذه التعقيدات قفزت أمامنا قضيتان كبيرتان : القضية الأولي بخصوص تجمع بعض معلومات ابتدائية مذهلة عن انحرافات خطيرة كانت تتم على مدى سنوات طويلة وهي التي عرفت بعد ذلك بقضية " انحراف المخابرات " والقضية الأخرى هي التي عرفت بعد ذلك بقضية " تعذيب المخابرات والتي كان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي المجني عليه الوحيد  فيها ".
بخصوص قضية" انحراف المخابرات " نجد أن القضية أثارت موضوعا حساسا من أعمال  المخابرات وهو موضوع " استخدام وسائل السيطرة" في الجهاز وهو أحد الموضوعات التي تعتب من " الأعمال القذرة " للمخابرات في العالم , وهو عمل مشروع إذا استخدم لصالح الدولة أو لتحقيق غرض يخدم أهداف المخابرات أما إذا استخدمت " السيطرة" لتحقيق مصالح فردية فهنا يصبح هذا الاستخدام غير شرعي . وقد أشرت على الرئيس في ذلك الوقت ألا أقوم بنفسي بالتحقيق في هذا الموضوع كما كان يرى . فالمسئوليات الكبيرة في القوات المسلحة وإعدادها , والمخابرات العامة وإدارتها تحول بيني وبين هذا الواجب الإضافي . ثم العلاقات المتوترة بيني وبين " السيد صلاح نصر " من زمن طويل والتي اضطرتني  إلى تقديم استقالتي في أوائل الستينات وفشلي في إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد ذلك كل ذلك تجعل قيامي بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع الرئيس بهذه المبرراات وظل السؤال قائما ومن يقوم بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع   الرئيس بهذه المبررات وظل السؤال قائما: ومن يقوم بالتحقيق إذن ؟ ولقد وافقني الرئيس أيضا على ما اقترحته عليه من استبعاد قيم أحد كبار رجال الجهاز بهذا التحقيق ففي هذا حرج ما بعده حرج. وقد اقترحت بعد ذلك على الرئيس أن  القائم بالتحقيق الابتدائي شخص يتوفر له حسن العلاقة مع السيد صلاح نصر . واخترت السيد حلمي السعيد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للقيام بهذه المأمورية لصداقته الشديدة مع " صلاح" من جانب ولأنه ليس طرف في الموضوع  من جانب آخر .. ووافق الرئيس على ذلك وبدأ السيد حلمي السعيد في التحقيقات المذهلة والتي عرضت بعد ذلك على محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي والتي حكمت على السيد صلاح نصر بالسجن 40  سنة مع الأشغال الشاقة وهو أطول حكم سجن في تاريخ مصر وجاء في نص الحكم " ثبت للمحكمة أن المسئول الأول  عن هذا الانحراف هو  المتهم صلاح نصر رئيس المخابرات السابق الذي كان يعد – بحكم وضعه وسلطاته – المسئول الأول عن كل عمل تدخل في جهاز المخابرات بوسائل غير مشروعة كما أنه مسئول عن استغلال وظيفته وسلطاته في أغراض شخصية غير مشروعة مما نعكس أثره على سمعة الجهاز  وأضر بالأمن القومي للدولة وهو ما يعتبر خروجا على المبادئ التي قامت عليها الثورة فقد تخلي رئيس المخابرات العامة السابق عن أداء واجبة في الحفاظ على الأمن القومي للدولة وانصرف  إلى العمل على تحقيق أطماعه وشهواته الخاصة واستغل في ذلك إمكانيات جهاز المخابرات وطبيعة عمله السري لفرض سيطرته على أشخاص معينين لمآرب خاصة لا تمت للصالح العام بصلة . ثم أراد تدعيم مركزه فسعى لى إنشاء هذا الارتباط واضحا من العلاقات الشخصية التي كانت قائمة  بينهما  مما ممكن المتهم من الاستناد  إلى مركز القوة الذي كان يمثله المشير ويعتمد عليه وإخفاء الحقائق عن المسئولين. ومن المؤسف أن تصرفات صلاح نصر الشخصية وانحرافه في سلوكه قد أدت إلى   إساءة جهاز المخابرات العامة في نظر الشعب بينما الواقع أن جهاز المخابرات وجد ليحمي الشعب من أعدائه في الداخل والخارج .
أما القضية الأخرى وهي عمليت التعذيب فقد فوجئنا بأن جريدة الأهرام تثيرها فيتركيز شديد وبعناوين ضخمة وقد كان االاهتمام بها شديدا لدرجة أن رئيس التحرير نفسه السيد محمد حسنين هيكل علق عليه تعليقا مثيرا . وكان وقت إثارة القضية مقلقا بالنسبة لأى إذ كنت أعاني في تلك الفترة من دفع أفراد الجهاز إلى التفرغ إلى أعمالهم الكبيرة معيدا إليهم الثقة بأنفسهم فالمطلوب منا تحقيقه كان شاقا ومصيريا وكان الجهد مركزا على خلق الصالح  للإنتاج السليم .
وقد بدأت ألمس نتيجة هذه السياسة بنفسي وتلمسها الأجهزة التي تستفيد من عمل الجهاز إلا أن إثارة هذه القضية فجأة عادت بنا إلى أول الطريق من جديد !! وكنت أعلم تمام العلم أن القضية لا أساس لها من الصحة وإلا كنت أثرتها بنفسي ولا أتستر عليها, وحدثني الرئيس في ضرورة إحالة الموضوع إلى التحقيق بواسطة النيابة العامة  وصارحته بما يجول في خطرى وبالظروف المستحيلة التي أشق وسطها طريقي في وزارة الحربية وجهاز المخابرات إلا أن الرئيس أصر على إحال القضية كلها إلى التحقيق .
وفعلا حققت النيابة العامة مع المسئولين وأحالت أربعة منهم إلى محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي إلا أن المحكمة أصدرت حكمها ببراءة الجميع مما أسند إليهم وقررت في أسباب الحكم أن الدكتور الشرقاوي لم يتعرض إلى أى نوع من أنواع التعذيب . ولكن كان علينا – لكي يتفرغ الجميع إلى عملهم – بذل جهود مضاعفة إذ من المستحيل على مثل هذه الأجهزة الدقيقة الحساسة أن تعمل في ظل عدم الثقة أو في ظل القلقلة المستمرة .
وفي الأيام القليلة التالية لبداية عملي بهذا الجهاز تم الآتي :

1- في اجتماع مع رئيس نيابة أمن الدولة في ذلك الوقت اتفقت معه على ترحيل كافة المتهمين الموضوعين تحت التحفظ في المخابرات العامة على ذمة قضايا خاصة بها وذكرت له أن الجهاز لا يريد هؤلاء فإن كانت النيابة ما زالت تطلبهم لسبب أو آخر فعليها ترحيل هؤلاء إلى أى مكان تره وقد تم ذلك فعلا ولم يتحفظ في الجهاز بعد ذلك ولمدة ثلاث سنوات قضيتها رئيسا له على أى فرد إلا السيد عثمان أحمد عثمان حينما رأت النيابة التحفظ عليه على ذمة إحدى قضايا الجاسوسية ولكن أفرج عنه بعد 24 ساعة من القبض عليه وحينما ظهر للنيابة براءته مما كان منسوبا إليه . 2- أعدنا النظر في كل الموضوعين على قوائم الممنوعين من السفر أو الدخول بواسطة المخابرات العامة ورفعناهم جميعا من القوائم وقد حرصت على مقابلة الجميع أو من يتيسر وجوده منهم بنفس وأفهمتهم الأسباب التي وضعوا في القوائم من أجلها منبها عليهم بتلافي ذلك ولم يوضع فرد واحد بعد ذلك على القوائم بواسطة المخابرات العامة طوال فترة رئاستي لها . 3- أصدرنا التعليمات التفصيلية والسرية لوضع الحدود التي تتم في إطارها " الأعمال القذرة " للمخابرات العامة مثل عمليات " السيطرة وتزوير الجوازات أو الوثائق أو الصور أو تزييف العمل أو السموم والتي قررت إقفال القسم الخاص بها واتبعت هذه التعليمات بمنتهي الدقة . 4- أصدرت التعليمات بعدم قيام الجهاز بأية تحقيقات من أى نوع وأن تحال كافة هذه التحقيقات إلى النيابة لإجرائها ولم يتم تحقيق بواسطة الجهاز إلا في قضية واحدة عرفت بعد ذلك " بقضة كسيماتس " كانت خاصة بالتلاعب في إحدي شركات القطاع العام وعرضت توصيات الجهاز بخصوصها على اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي والتي وافقت على التوصيات والسبب في هذا الإجراء أن اثنين ممن ثبتت مسئوليتهما في القضية كانا شقيقين لعضوين في اللجنة التنفيذية العليا . 5- تم تركيز سلطة الضبطية القضائية في يد رئيس الجهاز ولم تستخدم هذه السلطة إطلاقا طول رئاستي لا بواسطتي ولا بواسطة أى فرد من الأفراد رغم أن هذه السلطة كانت مخولة لنا بواسطة قانون المخابرات العامة والقوانين المعدلة له . 6- وضع نظام دقيق للمصاريف السرية وطريقة المحاسبة لإنفاقها بواسطة الجهات المختلفة دخل الجهاز ولنا هنا وقفة : أ‌- طلب عبد الناصر – بعد النكسة - من كافة الأجهزة التي تحت يدها مصاريف خاصة أو سرية تقديم حسابات شهرية عن إنفاقها. ب‌- حينما اعترض حد رؤساء الهيئات داخل جهاز المخابرات العامة على نظام المحاسبة استبدلته بغيره في الحال حتى يكون مثلا لغيره . ت‌- شكلت لجنة فنية لمراجعة حسابات الجهاز في الظروف المؤسفة لأحداث " 15 مايو 1971 " وكتبت اللجنة في تقريرها عن المراجعة " إن النظم المعمول به في جهاز المخابرات العامة مثل يجب أن يحتذى في كل الأجهزة التي يوجد تحت يدها مثل هذه المصروفات فهو نظام يتميز بالدقة والوضوح " وتظهر أهمية هذا التقرير من ظروف كتابته إذ كنت أتنقل في ذلك الوقت من سجن إلى آخر من سجون الرئيس السادات وكان المطلوب طبعا من اللجنة أن تكيل الاتهامات لمن أصبح وراء القضبان .

ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يتفرغ الجهاز للقيام بأعماله الخطيرة في ظل عودة الثقة إلى أعضائه وفي ظل التعليمات الواضحة التي حددت الاطار السليم لتحركاته مما بدأ ينعكس على أعماله الداخلية والخارجية على حد سواء .
ماذا حدث في الأسابيع التالية لليلة العصيبة ؟
وحتى نكمل الصورة لما دث بعد تلك الليلة وما تلاها من تطوران خطيرة وجدتني في حيرة حقيقية عن الطريقة الموضوعية لاتمام ذلك ... فقد شركت بنفسي في بعض هذه الأحداث كما شارك غيري فيها بمقدار جهده وبمقدار مسئوليته عن حدوثها ويمكن ن يكون ذلك المنبع الرئيسي الذي أخذ منه معلوماتي ولكن قد يكون هذا الإجراء غير محيد في نظر البعض .
ثم أمامي عشرات المراجع التي كتبها البعض ليعرض الحقيقة واعترف أن هؤلاء قلة وهناك أيضا عشرات المراجع التي كتبها البعض بحثا عن الحقيقة واعترف أن هؤلاء نادرون وبالرغم من ذلك فقد تعد مثل هذه المراجع رافدا آخر يضاف إلى المنبع الأصلي  للمشاركين في الأحداث ولكن قد لا يبعث ذلك الطمأنينة الكاملة في نفوس البعض .
ثم أمامي بعد ذلك مئات من المراجع والمقالات التي استبعدتها من فورى إذا إنها كتبت لا ذكراا للحقيقة ولا بحثا عنها ولكن كانت الكتابة بقصد تشويهها وإضاعة معالمها لدوافع متباينة .
فبعض الكتاب جرى وراء المال ومصادره كثيرة مغرية خاصة وأن هذه المصادر لا تدقق في صحة ما ينشر فكل همها الإثارة كحافز للبيع وجمع الريح في سوق النشر الغريب , والبعض لبس ثوب المؤرخ ولكنه بدلا من أن ينقل من صفحات الواقع أخذ يكتب من الخيال فيخلق قصصا لم تحدث وبدون أوهاما ويحاول أن يقنع القارئ على أنها حقيقة والبعض الآخر – بدافع الحقد والكراهية وتصفية الحساب – حول قلمه إلى فأس وشمر عن ساعده وخذ يضرب ويحطم في جبال الحقيقة الشامخة ولكنه اكتشف بعد فترة أنه لم يخدش إلا السطح وفأسه قد تكسرت في يده والناس يمرون عليه وهم ينظرون إليه في أسف وازدراء ...!
أما هذه البدائل الصعبة اخترت مصدرا واحدا يقص علينا الحقيقة . هذا المصدر هو كتيب  صغير أسود الغلاف كتبه " المستشار محمد عبد السلام " اسمه " سنوت عصيبة – ذكريات نائب  عم " والسبب في هذا الاختيار يرجع إلى عوامل كثيرة موضوعية :

1- فهو صادر أولا عن دار الشروق . وهي دار وهبت نفسها لدوافع معروفة لتشويه صورة عبد الناصر وعهده ولذلك فهي لا يمكن ن تكون دارا تروج لشئ إلا هدم عبد الناصر وأعماله والتشكيك فيه . 2- ثم صدر الكتاب عام 1975 وهي السنة التي شاهدت تصاعد الهجمات على عبد الناصر من قمة الإدارة الحاكمة إلى صحافتها إلى مؤسساتها ومعني ذلك أن ما ينشر وسط هذا المناخ لابد وأن يكون مسايرا له . 3- ثم مؤلف الكتاب مستشار من رجال العدالة . ثم هو نائب عام في فترة الأحداث التي صمنها كتابه ثم ان هو المحققق في تلك الأحداث التي تلت " الليلة العصيبة " ثم يبدو من كتاباته نه لم يكن مقتنعا بالعهد الذي خدم فيه العدالة في أخطر مناصبها فرسم الغلاف نفسه يدل على ذلك إذ يصور " خنجرا " مصوبا إلى كتاب ضخم ربما يرمز إلى الدستور والدماء تسيل بغزارة .. يعني يريد أن يقول أن " العدالة كانت تذبح" ثم وللتدليل أمث على ما نقول نجده يكتب في مقدمة كتابه ويوقع علي ما كتب النص الآتي وهو يوضح للقارئ كيف كان معتذرا عن قبول منصب النائب العام حينما عرض عليه في أغسطس 1963 " كنت أدرك وأفهم المصاعب والمخاطر التي تصادف النائب العام في الظروف العادية فما بالك بالظروف الاستثنائية التي كانت بلادنا تم بها في سنة 1963 وكنت أدرك كذلم أن هذه المصاعب قد تتصاعد إلى درجة الخطر عند التعامل مع حكام لميكن بعضهم قد ني بعد صفته العسكرية وكان من العسير عليهم فهم معني العدالة وقداسها أو إدراك المبدأ , البسيط والصحيح دائما وفي كل الظروف والذي يحصل في العبارة الخالدة  : العدل أساس الملك..." إزاء عقيدته تلك فإن قوله في سرد الأحداث لا يمكن أن يتهم بالتحيز لنظام هذه شهادته عنه . 4- ثم نجد أن الرجل تقديرا منه لخطورة الأحداث التي سيتولي تحقيقها بعد الليلة العصيبة يتخذ من الإجراءات التي تجعل " التحقيق مجردا من أى رأى مسبق رغما عن أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أن المشير عامر مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة " الأكونتين " فحرص النائب العام أن يتولي " بنفسه التحقيق " بل وينبه على معاونيه من أعضاء النيابة أن يلتزموا في تحقيقاتهم أقصي ما يطالب به المحقق النزيه من الحيدة وعدم التأثر بفكرة معينة وإفساح المجال لإثبات أى أقوال تبدى مهما تكن خطورتها لتكون بعد ذلك محلا للفحص والاستنباط واستخلاص النتائج الصحيحة منها " ويستطرد قائلا " رايت أن أسأل – انطلاقا من هذه الاعتبارات – الفريق أول محمد فوزي والمرحوم الفريق عبد المنعم رياض وغيرهما من الضباط والأطباء ومن الناحية المضادة سؤال أسرة المشير الذين اتهموا السلطات الحاكمة بقتله وقد رأيت أن أسأل أفراد الأسرة في منزلهم حتى يكون التحقيق بعيدا عن أى مظهر من مظاهر السلطان أو أى مظنة من مظان الإرهاب وطلبت لنفس الاعتبارات من ضباط المباحث العامة وغيرهم من رجال الشرطة الذين صاحبوني في الطريق أن يبقوا بعيدا عن المنزل مسافة تزيد عن المائة متر "... ثم يقول " ولما كان كل من أسرة المشير يبدى استعداده للتوقيع على أقواله بعد تسجيلها فكنت أصر على ألا يوقع إلا بعد أن يطالع ما أ ثبت على لسنه " إذن فالرجل اتخذ كل حيطة يمكن لمحقق أن يتخذها لكي يكون تحقيقه عادلا لا شبهة عليه . فاعتمادن على هذا المصدر إذن لابد وأن يهدئ من الشكوك التي كان يمكن أن تثار لو أننا لجأنا إلى البدائل الأخرى التي سبق ان ذكرها أو هكذا اعتقد . فماذا قال الرجل ف يكتابه من حقائق ؟

الحقيقة الأولي

أستدعي المشير في منزله يوم 25/6/1967 إلى منزل رئيس الجمهورية حيث أفهم أن النية اتجهت إلى تحديد محل إقامته فحاول الانتحار بمادة سامة وأسعف بالعلاج وأعيد إلى منزله وقد أيقن أن حريته قد تتعرض في وقت ما لمزيد من القيود فظلت فكرة الانتحر مسيطرة عليه وهيأ نفسه لتنفيذها إذا ما وصل الأمر إلى تقييد حريته بدرجة تفوق قوة تحمله .

الحقيقة الثانية :
في يوم الأربعاء 13 / 9 / 1967 أصدر رئيس الجمهورية أمرا بنقل المشير عامر من منزله إلى استراحة أعدت بالمريوطية في منطقة الهرم ليقيم فيها منفردا تحت الحراسة تمهيدا للتحقيق معه في شأن ما أسند إليه وقد نقل وزي الحربية هذا الأمر إلى الفريق أول محمد فوزي لتنفيذه فقام ومعه الفريق عبد المنعم رياض والعميد  سعد عبد الكريم وعدد من الضباط والجنود ووصلوا إلى منزل المشير الساعة الثانية والنصف بعد ظهر اليوم وانضم إليهم قائد الحرس المحل العميد  محمد سعيد الماحي . وقابل العميدان سعد والماحي المشير في غرفة الاستقبال وأخطراه بأمر رئيس الجمهورية فأبي تنفيذه . ودخل الفريق رياض ليحاول بنفسه إقناعه ولكنه أصر على الرفض وغافل الحاضرين وتناول بقصد الانتحار مادة  الأكونتين السامة ممزوجة بقطعة من لأفيون وورقة من السلوفن للتخفيف من آلام التسمم وعندئذ شوهد بلوك في فمه مادة أدرك الفريق رياض والسيدة نجيبة كريمة المشير على الفور أنها مادة سامة وأنه تناولها بقصد الانتحار ونقل المشير إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادى وكان يلوك أثناء الطريق تلك المادة وقبل بعد  إلحاح شددي من الفريق رياض إخراجها ولفظ ما في فمه في الرائد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية والذي كان يرافقه في الربة وكانت عبارة عن ثلاث ورقات سلمها الرائد عصمت إلى المستشفي عند وصوله وقد أجريت له الإسعافات اللازمة هناك واصر الفريق أول فوزى إلى نقله إلى استراحة المريوطية بعد هذه الإسعافات .
االحقيقة الثالثة 
وصل المشير إلى المريوطية الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 13/9/1967 وترك هناك تحت رعاية النقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين الذي ظل يتردد عليه طول الليل ولاحظ أنه يشكو من سعال وقئ فأعطاع عقاقير مهدئة وبعض الإسعافات وفي الساعة العاشرة صباح يوم 14 / 9/ 1967 تسلم الرائد طبيب إبراهيم البطاطا نوبته في الرعاية الطبية ولاحظ توالي القئ وأصيب المشير بحالة هبوط لم يتمكن بسببها من تناول طعام الغذاء فاضطر الطبيب إلى تغذيته عن طريق الحقن في الوريد بمحلول الجلوكوز وفي السادسة مساء دخل المشير إلى دورة المياه وكان يتقيأ ثم عاد إلى فراشه ولكنه  مات في حضور الطبيب الساعة 6,35 مساء .

الحقيقة الرابعة

ولت النيابة التحقيق قبيل منتصف الليل بواسطة النائب العام وفحص الجثة ظاهريا بحضور وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل عام المصلحة ..ووجد أسفل جدار البطن من الناحية اليسرى قطعة مستطيلة من روق لاصق يخفي شريطا معدنيا يحتوى  على ثلاث فجوات بكل منها مسحوق من مادة ثبت من التقرير الطبي الشرعي والتحليل أنها مادة الأكونتين السامة وأن المشير توفي بسبب تناول هذه المادة ممزوجة بالأفيون منذ محاولة نقله من منزله في الساعة 2و30 بعد ظهر الأربعاء 13 / 9/ 1967 .

وتحدث عن تقرير الطب الشرعي الذي أورد أن سم الأكونتين مخبأ وهو ممتزج بالأفيون على جسد المشير وأن ما تناوله مغافلا الحراس في منزله كان من هذه المادة وأن الشريط اللاصق الذي يخفي مادة الأكونتين السامة والمخبأ في وضع دقيق من جسم المشير وقد تكرر نزعه وتثبيته بما يصلح تفسيرا لمحاولة الانتحار كثر من مرة , وأن استمرار أعراض القئ يومي 13 , 14 يحتمل معه أن تكون وفاة المشير قد حدثت نتيجة تسمم من مادة الأكونتين التي تناولها في منزله بالأفيون يوم 13 وهي مدة يمكن أن يكون أثرها فوريا أو يتراخي إلى أكثر من 18 ساعة وأن هناك احتمال أن يكون المشير قد استبطأ مفعول السم فتعجل النهاية وأخذ قدرا آخر منه عندما دخل دورة المياه يوم 14 قبيل وفاته . ثم ربط التقرير بعض ما أثبته فحص أوراق السلوفان التي لفظها المشير في السيارة من احتوائها على أجزاء مفضضة لامعة بها آثار مضغ وبين ما هو ثابت من وجود مسحوق الأوكنتين معبأ في جزء من شريط معدني مفضض لامع ومخبأ على جسم المشير بورق لاصق مستخلصا من ذلك أن المشير تناول في منزله قدر من مادة الأكونتين الموضوعة في الشريط المعدني المفضض مع احتمال أن يكون هذا القدر وحده هو الذي تسبب في حدوث الوفاة واحتمال أن ما عجل بها هو القدر الآخر الذي أخذه في الاستراحة .

الحقيقة الخامسة
أما عن مصدر المادة السامة فقد ثبت أن المشير حصل عليها من إدارة المخابرات إذ أن السيد صلاح نصر استلم في 10 / 4/ 1967 ستمائة ملليجرام من مادة الأكونتين السامة معبأة بمقادير متساوية في ست فجوات من المعدة أصلا لوضع حبات الريالتين في الأوراق المعدنية الخاصة واعترف السيد صلاح نصر باستلامه مادة سامة وضعها في مكتبه وظلت فيه  بحالتها إلى أن مرض يوم 13 / 7 وانتقل من مكتبه يوم 23/ 7   إلى إحدى لاستراحات حتى أعفي من منصبه يوم 26 / 8/ 1967 دون أن يدرى شيئا عن مصير المادة التي تركها في مكتبه وقد ضبط بإدارة المخابرات العامة باقي المادة ومعها ورقات معدنية من المعدة لوضع حبات الريالتين وثبت من التقرير الشرعي والصور الشمسية أن إحدى هذه الورقات تكمل الورقة المضبوطة على جثمان المشير وبها مادة الأكونتين وبذا تحقق أن المشير حصل على المادة السامة التي انتحر بها من إدارة المخابرات .
الحقيقة السادسة 
نفت أسرة المشير في أقوالها انتحاره إلا أن النائب العام يرد على ذلك بأن هذه الشبهات فوق أنها مردودة بما سبقت الإشارة إليه من أدلة قاطعة بوقوع الحادث انتحارا فإنه لا تعدو أن تكون ظنونا ليس من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تصورتها ابنتا المشير إذ الواضح أن أقوالهما صدرت عن عاطفة الأبوة من جهة وبفعل الصدمة التي تعرضتا لها بوفاة والدهما في ظروف أليمة من جهة أخرى . ولا جدال في أن المشير مات منتحرا ولا جدال في أن ابنتيه كانتا على غير حق في تصوير الحادث على أنه فعل عمد.
الحقيقة السابعة 

وأخيرا يقرر النائب العام أن المشير هو اذلي تناول بنفسه وبمحض إرادته المادة السامة التي أدت إلى موته ولا جدال في أن المشير مات منتحرا .

وفي موضع من الكتاب يقول قولا يختتم به هذه الأحداث . من وقت أن بدأ التحقيق إلى ما بعد انتهائه بزمن طويل وحتى كتابة هذه الذكريات والتساؤل يلاحفني في كل مجلس يضمني مع آخرين ويأتي فيه ذكر الحادث – هل انتحر المشير حقا ؟ وكثيرا ما كان التساؤل يرد في لهجة استنكارية مفعمة بالشك بل كان البعض يؤكد أنه قتل رميا بالرصاص على الرغم من الماديات التي قطعت بأن جسده كان خاليا من أية آثار للمقاومة أو العنف أو الإصابات الظاهرة أو الباطنة وعلى الرغم من أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أنه مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة الأكونتين .
الليلة العصيبة في الميزان 
لا شك أن يومي 25 ,26 أغسطس 1967 من الأيام الخطيرة التي مرت بها ثورة يوليو 1952 فما تم فيهما وما تلاها من أحداث كانت منحنيا حقيقيا في مسار الثورة خاصة وهي تمر بأقسي الاختبارات والتحديات التي واجهتها بعد النكسة إذ أصبحت من جديد في مواجهة أقسي أنواع الاحتلال والضغوط الاستعمارية الكبيرة .
فقد تم فيها حسم استمرار خروج القيادة العسكرية على الشرعية وإصرارها على ذلك بحيث أصبحت بروزا لابد من إزالته . ولقد بذلت محاولات كثيرة قبل هذه الأحداث لتقويم ما أعوج من أمور ولكن فشلت كل هذه المحاولات رغما عن أن الذي قام بها هم " رجال الحرس القديم" من رجال مجلس الثورة ولا شك في أن هؤلاء يتحملون مسئولية ليست بالقليلة في عدم حسم الأمور قبل أن تتفاقم بالصورة التي وصلت إليها ومن الشعور بالرهبة الذي حس به البعض منهم – مثل كمال حسين والبغدادي -  في رفضهما أن يحلا حل المشي في قيادة القوات المسلحة حينما عرض عليهما الرئيس ذلك.
ويبدو أن الأمر لم يكن ينظر إليه إطلاقا في ضوء إنعكاسه على الأمن القومي للبلاد بدليل أن استقالات بعض أعضاء مجلس الثورة كانت لأسباب أخرى غير هذا السبب . ثم الصراع الذي كان يحتم بين هؤلاء – سواء كان صراعا أفقيا أو رأسيا – كان يجعل القائد السياسي دائما في موقف  حرج يعيد فيه حساباته  دائما وربما لا يصل إلى قرار حاسم وسط الانقسامات الموجودة طول الوقت وقد أخبرني السيد أنور السادات مرارا وفي مناسبات عديدة " الله  يساعد المعلم معانا . إحنا وحشين أوى يا أمين " لو أن الجهود ركزت منذ وقت مبكر على حسم موضوع القيادة السياسية مع القيادة العسكرية لما تطورت الأمور إلى الحالة التي وصلت إليها والدليل على ذلك أنه لم يكن من الصعب إقناع  " القيادة السياسية " بعد النكسة بضرورة الحسم رغما عن أن الظروف كانت شائكة وخطيرة فحينما كانت الأمور ميسرة سهلة في ظل اختفاء الصراعات في ذلك الوقت كان القرار بالتالي واضحا وقاطعا رغم خطورة الأقدام على حسم الوضع في مثل الظروف التي سبق شرحها وفي وسط الانقسام الذي كان يهدد وحدة القوات المسلحة.

2- ولقد أراد الرئيس عبد الناصر استغلال النجاح الذي تحقق في ليلة 25 و 26 أغسطس وفي يوم 26 أغسطس 1967 بأن يكون وزير الحربية وهو ممثل السلطة السياسية مشرفا حقيقيا على المؤسسة العسكرية لأن في تحقيق ذلك تأكيد لمبدأ خضوع القيادة العسكرية للقيادة السياسية الأمر الذي لا تستقيم الأمور إلا بحدوثه . هذا الموقف جعلني بعد محاولات كثيرة سابقة أتقدم باقتراحي في هذا المجال أحدد فيه الإطار السليم الذي يحقق ذلك.

فكان االاقتراح المقدم مني للرئيس في مذكرة كتابية في أوائل أكتوبر 1967 يحدد الهدف من تنظيم العمل في الأجهزة العليا لوزارة الحربية ليكون الآتي .

أ‌- تكوين جهاز متناسق يعمل في يسر وسهولة لرفع كفاءة وتجهيز القوات المسلحة في زمن السلم ونجاح قيادتها في وقت الحرب . ب‌- إيجاد الضمان الكافي للرقابة الفعلية تبعا لما يحدده الدستور على القوات المسلحة ليضمن الشعب دائما أن قواته قادرة على الدفاع عن أمانيه مع أتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان السرية . ت‌- إمكانية تنسيق المجهود المدني اللازم لمواجهة احتياجات المجهود الحربي . ث‌- إدارة القوات العسكرية المتيسرة واللازمة لمساندة سياستنا الخارجية بأقل التكاليف الممكنة . ج‌- واستمرت المذكرة تقول " وفي رأيي فإنه لم يكن لدينا وزارة للحربية طوال السنوات الماضية بالمعني الحقيقي التي توجد عليه في سائر الدول مم انعكست آثاره على المراحل الأولية الحالية لإنشاء هذه الوزارة ولابد من الحزم الكامل لإدخال كافة الأجهزة التابعة للوزارة ضمن إطارها لتعمل جميعا تحت رئاسة واحدة مع تحديد الاختصاصات والمسئوليات واسلوب العمل " ووزير الحربية " شأنه شأن أى وزير آخر في أى وزارة أخرى مسئول عن سياسة وزارته مسئولية كاملة حددها الدستور وبقدر هذه المسئولية يجب أن يعطي السلطة الكاملة لتنفيذ سياسة الدولة في هذا القطاع وإلا فإن لأجهزة تصبح مسيرة له حسب ما هو قائم لا أن يكون هو الذي يوجه هذه الأجهزة كما ينبغي أن يكون ولذلك فإن وزير الحربية يعتبر المستشار الأول لرئيس الجمهورية في شئون الدفاع عن البلاد والمتحدث الرسمي باسم الحكومة عن كل ما يتعلق بسياسة البلاد الدفاعية يساعده في ذلك نخبة ممتازة من الأفراد القادرين وبوجه عام فإن مسئولية وزير الدفاع يجب ان تنحصر في التأكد – بصفة مستمرة – كفاءة القوات المسلحة للدفاع عن البلاد وتبعا لسياسة تعبر عن سياسة الدولة كذا فإن من واجباته تعبئة كافة الجهود المتيسرة في الجمهورية لتحقيق ذلك . ولتنفيذ الواجب الأول فإن السياسة العامة للدفاع عن البلاد يجب أن تناقش وترسم داخل " مجلس الدفاع الوطني " ولتحقيق الواجب الثاني فإن الأمر يقتضي إنشاء " مجلس احتياجات الدفاع الوطني " أما القائد لعام للقوت المسلحة فمتروك له قيادة قواته وإعدادها للقتال وأن يكون مسئولا مسئولية مباشرة أمام وزير الدفاع .. ومن الطبيعي فإن تشكيل جهاز قادر لوزير الحربية يقوم بأداء هذه الواجبات أمر يرحض الأفكار التي تناد بتوحيد أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة مع أجهزة الوزارة لأن طبيعة الأعمال في كليهما مختلفة إلى حد كبير في مستواها ونوعها علاوة على أن استمرار الوضع على ما هو عليه سوف ينتهي بالأمور لكي تصبح أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة هي الموجهة للوزير وليس العكس لفقداته مقومات التوجيه بانعدام أجهزة تدرس وتخطط وتقيم "

ولكن الرئيس – لأسباب رآها – لم يحسم الموقف لفترة  طويلة الأمر الذي جعلني أكف عن العمل في وزارة الحربية ثلاثة أشهر كاملة حتى يبت في هذه الأمور الخطيرة عارضا في نفس الوقت تركي العمل بالوزارة إذا رأي الرئيس خلاف ذلك – وحسما للموقف المتأزم عرضت توحيد منصبي وزير الحربية والقائد العام بصفة مؤقتة وتم تركي وزارة الحربية على هذا الأساس .
ويعتبر هذا الحل استغلالا محدودا للنجاح الذي تحقق في ليلة 25 /26 أغسطس 1967 إذ كان  الضامن الوحيد لنجاح هذا الوضع في تلافي العيوب السابقة أن الرئيس أشرف بنفسه على كل تفاصيل القوات المسلحة. ولكن الحل الأمثل هو وجود وزير حربية ممثلا للقيادة السياسية على قمة  المؤسسة العسكرية يقع على كتفيه كل من المسئولية البرلمانية والوزارية في توجيه قدرات البلاد المتاحة لخلق قدرة عسكرية رادعة للعدوان أو قادرة على الانتصار في معركة أجبرت على خوضها إن فصل منصب الوزير  عن القائد العام أمر تحتمه الدروس القاسية الماضية حتى تتوفر الرقابة السياسية بصفة مستمرة على القوات المسلحة ...

ولذلك فإن استغلال النجاح كن محدودا حتى بعد حسم موضوع خروج القوات المسلحة على الشرعية القائمة في ذلك الوقت وفي تقديرى فإن هذا الموضوع حتى في أيامنا هذه يحتاج إلى معالجة واعية لأن وزير الدفع إذا تولي أيضا القيادة العامة للقوات المسلح يصبح مسئولا أمام نفسه فلا رقابة على تصرفاته أمام أى جهة من الجهات الأمر الذي يصبح فيه أمن البلاد موكولا لتقدير شخصي وهو أمر يبعث على القلق وسط أجواء مشحونة بالعدون تفتت فيه سلطات المنظمات الدولية واصبح اختراق الحدود وضم الأراضي سمة من سمات الصراع الإقليمي 4- ثم كانت تلك الليلة فاصلا – وبحق- بين ما كان يتم قبله وبين ما تم بعدها . وإذ سدت الشرعية بعد القضاء على الوضع الشاذ الذي اكتسبته القيادة العسكرية والذي تعقد بمرور الزمن حتى أمكن القضاء عليه بهذا الجهد والذي كانت المخابرات العامة - بعد أن تورطت في أعمل ليست من مسئوليتها ولا هي داخل العلاقات الطبيعية لعملها – تؤيدها فيه تأييدا مطلقا . وانصرفت الجهود بعد ذلك لتنفيذ سياسة مغايرة في ظل بقاء المبادئ الثابتة للثورة . أ‌- فانصرفت الجهود إلى إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لتحرير الأرض . ب‌- وركزت المخابرات العامة جهودها – بعد إعادة تنظيمها – على تحقيق واجباتها سواء من ناحية الحصول على المعلومات عن العدو أو منع العدو من الحصول على معلومات عنا أو القيام بأعمال إيجابية عديدة مما جعل الرئيس يقول دائم " إن المخابرات تخترق إسرائيل في كل مكان ط ت‌- صدور بيان 30 مارس . ث‌- الانتخابات تتم من القاعدة إلى القمة في وحدات الاتحاد الاشتراكي أو الجماعات النقابية و مجلس الأمة . ج‌- وضع مبادئ جديدة لتصفية الحراسات وهي المبادئ التي جمعت في قانون رفع الحراسات والذي صدر عام 1971 بنصها وقطعنا شوطا طويلا في ذلك بحيث لم يكن هناك إلا 128 حالة موضوعة تحت الحراسة عند وفاة الرئيس . ح‌- العمل على زيادة الإنتاج في مجالاته المختلفة . إذن فكانت هذه الليلة بمثابة مولد أسلوب جديد يحاول تصحيح الأخطاء التي حدثت في التطبيق من قبل ولكن في ظل نفس المبادئ التي حددها الميثاق .

وكان عبد الناصر في تلك الفترة يحاول دفع بعض الوجوه الجديد إلى مراكز الصدارة والتي أطلق عليها  البعض – عن جهالة – لفظ " مركز القوى " بعد حركة مايو 1971 وأنا شخصيا أرحب بإطلاق هذا اللفظ على هؤلاء الأفراد الذين كنت أحدهم ولكن على أساس التفسير الحقيقي لهذا اللفظ  والذي كتب عنه في جريدة الأهالي قائلا  الرئيس في النظام الديمقراطي يتخذ قراره بعد حوار يجرى بين " مراكز قوي " مؤيد وأخر معارضة كل منها يريد أن يفرض رأيه باستخدام  الوسائل المتاحة : المؤسسات الموجودة, لجان تقصي  الحقائق استفتاءات الرأي  العام , الانتخابات , وسائل الإعلام المختلفةو وبذلك يصبح صاحب القرار هو احد مراكز القوى وليس مركز القوة الوحيد وهناك فارق ضخم  بين الوضعين  فالدولة  دولة الجميع والبلد بلد الجميع وهذه الملكية الجماعية تحتم  أن يكون أمنها من مسئولية جميع ساكنيها لن هذا المجموع هو الذي سيتحمل أوزار القرار الخاطئ ونتائجه و وهو الذي سيجني ثمار القرار الصائب وعوائده وسوف تظل الديمقراطية رافعة أعلامها طالما ظل الحوار مستمرا بين مراكز القوى التي  يشكل  صاحب القرار إحداها أما إذا أما إذا نجح  صاحبالقرار فيأنيصبح هومركز القوة الوحيدفإنالحوار سوف يتغير إلى صراع "
كان عبدالناصر بعد الليلة العصيبة يريد خلق حوار بين مراكزقوى متعددة هوإحداهاعلى طريقة  الديالوج" أما السادات بعد أحداث 15 مايو فكان يريد للحوار أن يتم بواسطة مركز قوة  واحد  على طريقة "المونولوج" ولا نريد أن ندخل في الأسباب التى دعت إلى تغير شكل وأسلوب الحوار لأن هذا سوف ينقلنا إلى الحديث عن أحداث 15مايو 1971وهوحديث يجعل الإنسان يسير على الشوك إذ أنه حديث عن " الرفاق" يدمي القلب, ويلجم اللسان ....

5- ثم كانت تلكالليلةهي البداية الحقيقية لحركة مايو 1971 والتي قام بها الرئيس السادات .. ولعل في هذا القول جدة ولكنه حقيقة لاشك فيها . فمن تصرفات القدر أن " عامر" سقط من كشف المنافسين ولم يكن السادات أو غيره من المنتظرين يحلم بالرئاسة إطلاقا في حالة بقائه . إنني لا أقصد ولو للحظة واحدة أن السادات خطط لذلك أو عمل له فأنا أتحدث عن القدر وتصرفاته ... ثم استمر القدر في لعبته وإذا بالسيد زكريا محي الدين يتنحى ولم يبق في حلبة السباق إلا السيدان حسين الشافعي وأنور السادات .وسرعان ما وجه القدر ضربته الثالثة والحاسمة حينما قام الرئيس عبد الناصر بتعيين السادات نائب اللرئيس. فأصبح بذلك قاب قوسين أو أدني من " كرسي السلطان "!!! وبهذه المناسبة فإن الأخبار التي كتبها البعض عن نية عبد الناصر في التغيير هي أقرب إلى الأحلام منها إلى الحقيقة فبقدر علمي فإن عبد الناصر وإلى يوم وفاته لم يشر إلى احتمال تغييره للسيد أنور السادات . كان هذا استطردا ضروريا حتى يمكن تفسير ما نقصده فالسيد أنور السادات- بعد وفاة الرئيس –وفي اجتماع فيقصر القبة فجريوم30/9/ 1970 حضره معه كل من شعراوي جمعة وسامي شرف وأمين هويدى ولميكنالرئيسالراحل قد ووري التراب بعد – عرض عليه الاقتراحات الآتية بخصوص نقل السلطة: أ‌- يرشح سيادته لمنصب رئيس الجمهورية . ب‌- يعرض الترشيح على اللجنة التنفيذية العليا يوم السبت 3/10/1970 المركزية يوم الاثنين5/10/1970 ت‌- دعوة مجلس الأمة لإجتماع غير عادى صباح الأربعاء 7/10/1970 ث‌- يجرى الاستفتاء يوم الخميس 15/10/1970 ج‌- إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم يجتمع مجلس الأمة يوم السبت 17/10/1970ليؤدي الرئيس اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 104 من الدستور. ولم يكنالرئيس السادات مصدقا ما يقال وكان ذلك ظاهرا على ملامح وجهه إلا أنه تظاهر بالرفض وهويقول " يا جماعة هذا مش وقته.لنيتم شغل منصب رئيس الجمهوريةإلا بعدإزالة آثارالعدوان ,وسأتولى بالنيابة إلى حينذلك" ولكنه إزاء إعادة العرض عليه مرارا سأل كل واحد منا عن رأيه في حضور الآخرين .فوافق الجميع على حتمية شغل المنصب وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا " وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا"على بركةالله " وأخذ يتمتم بشفتيه كما كان يفعل دائما متظاهرا بأنه يردد ما تيسر من كتاب الله .

ولقد ذكرت ذلك بالتفصيل في فصل" الوداع الأخير " من هذا الكتاب والذي نشر ووزع هنا في القاهرة عام 1980 في حياة السادات وقبل مقتله في حادث المنصة إذ قلت بالنص " ووسطالاستقالات العديدة  وسحبها والرجوع عنها – وكنت أقصد إستقالةالسيد محمد حسنين هيكل والدكتور  فوزى – والبيانات  الحماسية  والخطابات التي ترد عليها  -وكنت أقصد كما وضحت في الكتاب بيان عزيزصدقي  ورد البغدادي عليه – والمذكرات الكتابية  وتجاهلها لم تعدم البلاد بعضمن عملوا  في صمت والتزام حتى تسير الأمورفي  مجراها الطبيعي  الدستورى ولا يقلل من ذلك الجهد الذي  بذله في تلكالفترة ما قيل عنهم بعد ذلك وهم في السجون أثناء محاكمتهم بتهمة غليظة هي الخيانة العظمي أو الاشتراك  فيها " وفي مكان  آخر قلت"  وفيفجر هذا  اليوم كنا مع السيد أنور السادات في قصر القبة  حيث كان يمضي الليلة هناك... ثم أكملنا حديثنا بخصوص نقل السلطة وإعمالالدستور وتحديد تواريخ الخطوات  اللازمة لذلك "
هذا حقيقة ما حدث بالضبط .وليس صحيحا ما قاله الرئيس السادات من  أن الرئيسمحمد جعفر النميري كان له دخل في الموضوع لأنه – كما يتضح فيجزء آخر من الكتاب – لم يرد أن يتدخل في هذه الموضوعات وما كان له أنيتدخل والتزم الرجل بهذا الموقف حتى استقل طائرته عائدا إلىالخرطوم.

ولم ينس الرئيس السادات أبدأ هذه الليلة خاصةبعد أن "تولي " بلأسقطها من كل كتاباته بأقواله عن ذاته وهي كثيرة تملأ مجلدات ضخمة.

ولكنه لمينس في نفس الوقت "الليلة العصيبة" فإن الذي قام بها هم الثلاثة " شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى"  تحت قيادة عبد الناصر .وخشي الرجل أن تتكرر. وما كان له  أن يخاف أويخشي فإن  ماتم في تلك الليلة كان في إطار الشرعية ولتثبيت دعائمها .وحينما لم ينس أتخذ جانب الحذر أولا ثم اتخذ طريق الإزاحة بعد أن ثبتت أقدامه وتوطدت .والدليل على أنه  لم ينس أبدا هذه الليلة أنه أسقط ذكرأسماء هؤلاء الثلاثة  في كتاباته وأحاديثه عن ذاته وهي كثيرة تملأ المجلدات  ضخمة كما سبق القول.
وهذا لا ينفي أن الرئيس السادات لعب  لعبته بمهارة وذكاء في غفلة من الآخرين الذين ألهتهمالشكليات الزائلة . وانغمسوا في منافسات لا معني لها .وأظنهم لا يفيقوا إلا بعد فترةكما علمت وسمعت ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان.وكان الرجل حذرا طول الوقت – وهذا حقه – ولكن لم يكن حذره هذا على أساس ,ولم يكن شكه على حق لأن الجميع كانوا خاضعين مطيعين ولم يكونوا يضمرون شرا.\ لكن الرجل – كما قال – كان قد قرأ كتاب "الأمير لنقولا ميكيا فيلي "واستوعبه وطبق ما جاء فيه وهو يمارس لعبة السلطة التي لا ترحم .
فكان لابد – من وجهة نظره -  أن يتخلص ممن ساعدوه وكانت هذه عادته  ... حتى من ساعدوه في حركة مايو 1971 تخلص منهم أيضا وبسرعة:الزيات بعد أن رفعه إلى درجة نائب رئيس وزراء ,محمد حسنين هيكل مهندس حركة مايو ومصممها الفريق محمد صادق وزير حربيته الذي قال عنه إنه سيبقي في منصبه مدى الحياة, محمد الليثي ناصف الذي سقط من شرفة عالية في لندن وهو يعالج من مرض عضال , ممدوح سالم بوضعه في منصب لا يقبله الكثيرون له ولا يحبه له عارفوه .

فكما سبق وأزاح "جماعة مايو... بفرع جميز – على رأى محمد حسنين هيكل – فإنه أزاح " جماعة التصحيح " بنفسالفرع أو ربما بغيره ولكن بفارق واضح : إذ يبدو أن جماعة مايو كانت تقلقه للدرجة التي كان لابد من محاكمتها فنالت بذلك أوسمة لا تستحقها , أما الآخرون فيبدو أنهم لم يكونواعلى نفس الدرجة من الأهمية فكان من حظهم إجراءات أقل شأنا : ليس هذا رأيي ولكن قد يكون هذا تصوره.

أكررأن الرجل كان يسير على قاعدة التخلص ممن ساعدوه فما ثلاثة  ساعدوا ثم  اشتركوا في الليلة العصيبة ؟

6- ثم كانت الليلة العصيبة حركة تصحيح جادةلمسارالثورة كانت ضد نائب رئيس الجمهورية وقائد عام القوات المسلحة رفع راية العصيان ضدالشرعية القائمة,ورفض تركه للقوات المسلحة بعد أن دمرها ودمرالبلاد معها ثم نجده وقد اعتصم في منزله تحت حراسة مدنيةوعسكرية وجمع حوله زملاؤه وأعوانه في صورة خارجة عن القانون وكانت هناك قضية . القضية هي أن السلطة الشرعية فقدت قدرتها على فرض قراراتها ولميكن في استطاعتها تنفيذ أوامرها بعد أن وصلتالأوضاع إلى ما وصلت إليه واستشري الوضع إلى أجهزة أخرى مثل المخابرات العامة الأمر الذي كان يمكن معه أن تمتد الفتنة إلى أجهزةأخرى . ولذلك فإن الليلة العصيبة كانت معركةحقيقية بين الشرعية والعصيان..والأمر يزداد خطورة حينما يحدث هذا العصيان والعدو يحتل الأرض فهو بذلك يحول دون المواجهة الحتمية مع العدو الإسرائيلي والطريق لإتمام ذلك طويل بالصعاب ,ولا يمكن مواجهة هذا الموقف مواجهة ناجحة في ظل جبهة داخلية مفتتة منقسمة تعجز الشرعية فيها عن مواجهة الخطر الخارجي .

وكان الأمر بذلك  يختلف كلية عما حدث بعد ذل  بأربع سنوات فيما  سمى بحركة مايو ...ثم بثورة مايو ...!!! كان هناك خلاف في الرأي وليس حالة عصيان , ثم كان الجميع في منازلهم يعدون استقالاتهم وترك الأدوات التي كان يمكن أن يستخدموها في إحداث الانقلاب المزعوم لأن من يريد أن يحدث  انقلابا لا ينزع أسلحته أولا ثم يقوم بمعركته ثانيا.وعلاوة على ذلك  فإن أحدا لم يعتصم معترضا على قرار صدر من السلطة القائمة. فقد ظل الجميع  في منازلهم بعد أن تركوا  كل شئ حتى تم القبض عليهم ...وما لثبت حركة القبض والتصفية أن اتسعت لتشمل كل من عمل مع عبد الناصر  تقريبا وكان من ضمن هؤلاء أشخاص –مثلي –تركوا السلطة وبما فيها  بمحض اختيارهم من شهور ولا يدرون  عما  يحدث أى شئ .وعقب القبض  قدم الجميع إلى محكمة خاصة حيث  حوكموا محاكمة تمت في الظلام علما بأن محاكمة من قبض عليهم عام1967 تمت علانية.
كان عبد  الناصر  نفسه هوالذي  وضع في قفص الاتهام لتلطخ  صورته  وتهتز مبادؤه حتى يمكن تنفيذ الخطوات التالية :

ولنا أننتساءل بالأسئلة الآتية عن أحداث أو حركة أو ثورة مايوهذه : ضد من قامت هذه الثورة؟ولصالح من ؟ وبمن ؟ كانت الأحداث مهزلة حقيقية لعب فيها أبطالها والكومبارس معهم أدوراهم بمهارة . انظر مثلا إلى اثنين من أعضاء مجلس الأمة هما مصطفي كامل مراد ومحمد شاهين وهما يرددان في فخر بأنهما عادا إلى منزليهما في تلك الليلة ليتسلحا بمسدساتهما ظ!! حتى لو كانوا يضمرونشيئا فأني لهذا المسدسات أن تقف وتقاوم وحدات كاملة قيل وأشيع أنها أداة للإنقلاب المزعوم ؟!! تمثيلية كبرى لم تكن لتتم إلا في تلك الظروف المؤسفة .

ونقطة أخرى لا بأس من ذكرها . فقد تمت الليلةالعصيبة في ظل المبادئ التيكانت سائدة  قبلها والتي ظلت سائدة بعدها وحتى وفاة عبد الناصر  كانت الليلة وما تم فيها تقصد وبحق إعادة الشرعية مع ثبات المبادئ التي سجلت في الدستور والميثاق وطبقت فعلا في كافة المجالات ...ولميحدث انحراف عنهما.أما حركة مايو 1971 فإنها كانت تهدف – قبل كل شئ – إلى تغيير المبادئ القائمة بأخرى لم تكن تدور بخلد أحد تحتتغيير بعض الأشخاص بغيرهم ... أشخاص كانوا قد تخلوا  عن مقاعدهم  فعلا ولكن  لم يكونوا هم المستهدفون بقدر ما كانت المبادئ  التي خلفها عبد الناصر .يعني وبوضوح كان الغرض الحقيقي  من 15 مايو1971 هو الانقضاض على مبادئ ثورة يوليو 1952 نفسها وكان الغرض الظاهرى " فرم " بعض أشخاص تخلوا فعلا عن السلطة  والدليل على ذلك – إن كان الأمر ما زال يحتاج إلى دليل – الهجوم الضاري المباشر على عبد الناصر على لسان  رئيس الدولة وفي مؤسساته وعلى صفحات صحفه الرسمية وعلى شاشات التليفزيون ومن ميكروفونات الإذاعة ثم تحريم ذكر "الميثاق " بل التهكم على ما ورد فيه من مبادئ عظيمة ثم بعد ذلك تم الانعطاف الخطير والتحول المثير في السياسة الخارجية والداخلية وفي نفس الوقت ظل النظام الجديد أو الثورة المضادة  الجديد تردد أناشيد ثورة يوليو وتلعنها ,وتعزف ألحانها المجيدة  وتطعنها ,وتتمسح في ذيلها وتنفض عليها كانت الليلة العصيبة هي " ليلة التصحيح " الحقيقية ولكن ما حدث   في مايو 1971 كان وبحق انقلابا مضادا على ثورة يوليو بكل المقاييس والمعاني .
ثم لم يكن هناك – بعد  انتهاء الليلة العصيبة – ضجة إعلامية ولا صخب مفتعل انتهت الليلة دون توزيع المكاسب والأنفال وانصرف كل إلى حال سبيله .ولم يؤرخ لها ولم  تصبح علامة  شهيرة يقف الجميع عندها أو حتى يذكرها كان يكتفي في ذلك الوقت باحتفال ذكرى الثورة الوحيدة الثورة الأم  التي صححت نفسها بنفسها وسارت بعد ذلك في طريقها لا تلوىعلى شئ ذلك لأن إعمالا كثيرة خالدة قامت بها الثورة تلك الليلة كانت أعمالا عظيمة وخطيرة تنتظر الرجال بعدها . ولا يمكن أن يتم العمل الناجح  والتطبيل الصاخب في وقت واحد. كانت الثورة الأم غنية بما حققت من انتصارات ولكنها وفي نفس الوقت تئن تحت وطأة ما حدث لها من هزيمة في نفس الوقت .

أما حركة مايو فقد صحبها طبل وزمر,واحتاروا في تسميتها سميت أول الأمر "حركة "!!! ثم بعد ذلك وفي خجل واضح اطلق عليها البعض " ثورة "!!! ولكن ما لبثالجميع أن رفع برقع الحياء تنكرللثورة الأم ويريد أن يحقق انتصارا حتى ولو كان ذلك في معارك وهمية .

وبهذه المناسبة تحضرني قصة سمعتها وأنا سفير لبلادى في  العراق في أوائل ا الستينات .

كان عبد الكريم قاسم الذي انفرد بحكم العراق عقب ثورة يوليو1958 يكره عبد الناصر من أعماقه للدرجة التي لم يكن يطيق معها ذكر اسمه على لسانه , كان من ضمن ما يقض مضجعه من أعمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وكان لا يشفي غليل الرجل إلا أن يقوم بعمل عظيم ينافس به عبد الناصر ولكن العراق لم يكن به قناة كقناة السويس . فماذا يفعل قاسم ؟ لم يتردد طويلا أمام حل نزل عليه من السماء .وأمر بحفر قناة على المحيط الخارجي لبغداد أسماها " قناة الجيش " وكان يذهب كل يوم ليرى قناته التي حفرها .وكان شعب العراق كله يتندر على الرئيس الحقود بقوله "إنه حفر القناة وسوف يعلن عن تأميمها في إحدى خطبه كما أمم عبد الناصر قناة السويس "...!! ولكن لم ترك عبد الناصر الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه ؟

وهو سؤال واجب وصعب. فلابد أنه فرض نفسه علينا جميعا ونحن نستعيد هذه الأحداث وأحب أن أبدأ أولا بنص ما قاله عبد الناصر أمام مجلس الأمة فينوفمبر 1968... قال" حصل أنه اكتشفت انحرافات في جهاز المخابرات وحينما اكتشفت ما سبتهاش .. اللي اشتركوا في هذه الانحرافات اعتقلوا وتعرضوا للتحقيق وقدموا للمحاكمة أمام محكمة  الثورة.فيه  ناس  بيلقوا لوم هذه الانحرافات على النظام  أنا بدى أقول أن الانحرافات بتحصل في كثير من  أجزاء العالم المهم إننا نلحق نفسنا ونبتر هذه الانحرافات . الانحرافات التي حصلت في هذا الجهاز تعرفوها  أو يمكن سمعتم عنها ... أكثرها انحرافات رخيصة ومش ده المجال الحقيقة أني أنا أتكلم فيه .حصلت في كثير من أجزاء العالم أمثلة مشابهة .برضه جات لى جوابات إزاى إنت ما كنتش تعرف وإزاى الريس ما كانش يعرف باللي جارى  وبهذه الانحرافات . أنا بأقول النهارده  فرصة أني أنا أرد على هذه التساؤلات ويمكن إنتم بينكم وبين بعض أنه تم هذه التساؤلات ... إذا كانت الانحرافات حصلت في المخابرات ...إذا كانت المخابرات هي على المفروض إنها تقول لى على الانحرافات اللي بتحصل في البلد.. ما كنشي ناقص إلا أني أنا أعمل مخابرات  على المخابرات وأعمل  مخابرات على رقابة جهاز المخابرات وهكذا ..ولا تنتهي  .يمكن أنا أقول اللي حصل  برضه  كان نتيجة الاتجاه  نحومراكز القوة  والاتجاه نحو  خلق مجموعة تستطيع أنها في المستقبل تحكم ونسيت نفسها فانحرفت وما وصلتش قبل ما توصل إلى هدفها اللي هو الحكم وجدت أ،ه سهل الانحراف فانرحفت .. أنا بأقول بصراحة أني أنا كنت أري بعض مظاهر الانحراف قبل 5 يونيو ولكن لم أكن أتصور مداه .. حاولت بكل ما أستطيع,نجحت أحيانا ولم أر الحقيقة كلها في أحيان أخرى ... وأنا فعلا كنت أشفق على البلد من  تكتلات القوى ومراكز القوى وكان  حديثي دائما أما انتخابات الرئاسة وبعد كدةوعندكم هنا مرة جيت قلت لكم ..هل نعمل حزب  أوحزبين أو لا  ؟ ووضعت لكم مجموعة من الأسئلة وكان حديثس عن الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية الآن ده  كان السبيل الوحيد إن احنا نغطي على الانحرافات .هو أنا من تجربتي الماضية الناس بتخاف من إثارة أى شئ إما في مجلس الأمة أو في الصحف  ولكن بعد كده  مابيهمهاش إن الشخص منحرف والناس تتهامس مبيهمش طالما الموضوع لم ينشر .. لم يفتح في مجلس الأمة أوفي الجرايد خلاص . ولهذا أنا أيضا مرة أتكلمت معاكم هنا على أساس إن إحنا في حاجة إلى مجتمع مفتوح لكن طبعا بتوع المخابرات كانت وسائل الإخفاء كانت مباحة بالنسبة لدولة المخابرات اللي وجدت واللي انحرفت .أنا باعتبار إن هذه الدولة سقطت وإن هذا السقوط مسألة في منتهي الأهمية وأنا أعتبرها من أهم الجوانب السلبية اللي تخلصنا منها في سبيل تطهير الحياة العام في مصر."

وذكر أيضا في إحدى جلسات مباحثاته مع الملك حسين ملك الأردن وهو يعدد أسباب النكسة بعض الأسباب تقتطف منها ما يخص الإجابة على السؤال الذي طرحناه قال " القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية شعرت بثقة في نفسها وفي قدراتها بأكثر من الواقع وصلت أحيانا إلى حد التبجح كما انها اعتمدت في اختياراتها للمراكز الرئيسية على عامل الولاء أكثر من الكفاءة والخبرة العسكرية فمثلا كان واضحا من معارك وممارسات عسكرية سابقة أن قائد الطيران ليس على مستوى الكفاءة المطلوبة لتلك القيادة ورغم ذلك تمسكت به" تم ذكر في احدى جلسات مجلس الوزراء بعد النكسة مباشرة ردا على ما أثاره السيد حسين الشافعي من أن السياسة قبل النكسة اهتمت بموضوع "الأمن " أكثر من اللازم من أنه "لولا ذلك ما استمرت هذه الثورة حتى الآن وسط الظروف الصعبة التي أحاطتها منذ قيامها وحتى الآن " وهي مضمون هذه اللقطات يمكن أن نلخص الآتي كإجابة للسؤال الحساس على لسان الرئيس عبد الناصر إذ يرجع لأسباب إلى الآتي : 1- غيابالديمقراطية والدعوة إلى المجتمع المفتوح . 2- القيود على حرية الصحافة 3- الاختيار تبعا للولاء أكثر من الكفاءة والخبرة العسكرية في تعيينات القوات المسلحة. 4- انحراف أهم جهاز منأجهزة الرقابة وهو الرقابة العامة . 5- الأمن . كل هذه الأسباب يمكن أن تكون كلها أو بعضها سببا في وصول الأمورإلى ما وصلت إليه ولكن بصراحة فإنها لا تجيب إجابة شافية على الموضوع المثار وفي رأيي أن الوضع كله يمكن أن يتم بحق في إطارالتوازن بين الأمن القومي والتأمين الذاتي وقد سبق أن تعرضت إلى هذا الموضوع الحساس في العديد من كتبيومقالاتي إذ أنه من أكثر المواضيع خطورة بالنسبة لأى من نظم الحكم في دول العالم الثالث .

ولابد أولا من تحديد المفاهيم حتى يكون  هناك وحدة فكرية ونحن نعالج هذا الموضوع ,فالأمن القومي هو الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية وهذا التعريف يتضمن الآتي :- 

1- تشمل الإجراءات كافة المجالات في الدولة فمسائل الاقتصاد والدبلوماسية والدفاع والأمن كل لا يتجزأ . 2- أن تكون هذه الإجراءات في طاقة الدولة إذ أن الآمال الطموحة التي تتجاوز الإمكانيات المتاحة تؤدى إلى التهلكة . 3- التخطيط للحاضر والمستقبل القريب والبعيد 4- مراعاة المتغيرات الدولية التي تحتاج إلى إعادة التقييم بين وقت وآخر ومطابقة الإجراءات مع المتغيرات الحاضرة والمنتظرة . أما التأمين فهو الإجراءات التي يتخذها أى نظام من الأنظمة لتركيز وضعه وتثبيته ضد أية محاولات داخلية أو خارجية. ومن الطبيعي فإن أى نظام من أنظمة الحكم يهتم بالموضوعين :الأمن والتامين بالمفهوم الذي شرحناه .ولعل التأمين يكون ذا أسبقية خاصة فيبداية التغيير . إذ أن أى ثورة لابد وأن تمر بما يسمي" بفترة الاختبار" أو" فترةعجم العود" سواء من أعدائها في الداخل أو الخارج فالجهود تركز إما على إسقاطها لصالح الأنظمةالمضادة أو على احتوائها بمحاولة تطويقها ووضع العراقيل في طريقها أو ربما باختراقها حتى في حلقاتها الداخلية .ومن هنا كان اهتمام الثورة بالتأمين عند قيامها ولفترة طويلة تالية.

ولعلنا جميعا نذكرالشهورالأولي بعد قيام الثورة. فالبريطانيون يحتلون قناة السويس   وعلى بعدلا يتعدى مائة كيلو متر  من العاصمة والولايات المتحدة تعمل جاهدة لإحتواء الثورة  قبل أن تتعمق جذورها  وتنطلق رياح التغيير الحقيقية مهددة الأنظمة المجاورة التي تسيطر عن طريقها على المنطقة وإسرائيل  لم يمض على قيامها سوى أربع سنوات ولكنها تتربص بالنظام الجديد الذي تعلم قطعا قرب تصادمها معه . وفي الداخل وقفت الأحزاب القديمة التي أسقطتها الثورة  في صف واحد مع الرجعية وراس المال المستغل والاقطاع تتحرش بالثورة وتتحداها .والطليعة الثورية  نفسها خرجت من بين صفوف الجيش  لتلتحم من أول دقيقة مع القاعدة الشعبية لتقوض النظام القائم هذه الطليعة التي تتكاثر عليها القوى الضاغطة من أكثرمن اتجاه لا يمكنها أن تقدم شيئا من المكاسب للجماهير التي طال انتظارها  فالإمكانيات محدودة والرؤية غير واضحة وتنفيذ الإصلاحات
يستغرق وقتا ربما يطول للإفتقار  إلى الخبرة .. فمن يدرى  - مع كل هذه العوامل  المتضافرة – أن ضربة ستوجه في الظلام لتقضي على الثورة وهي ما زالت وليدة تتعثر في سيرها؟ ومن يدرى أن وسيلة هؤلاء المتربصين سوف تكون من الجيش الذي خرجت منه الطلائع الثورية صباح يوم 23 يوليو 1952 ؟ ويزداد الأمر خطورة أمام السلطة القائمة لأنها تعرف أكثر من غيرها وربما لأنها هي المستهدفة وربما لأن الأطراف المضادة تضغط على أعصابها  بأخبار ملونة حتى تتعثر الجهود وتتشتت .

وسط هذه الظروف لمتكن الثورة مخطئة حين نظرت إلى تأمين نفسها ولم يكن لها من سند إلا الجيش والتأييد الشعبي . ولكن بينما كان الجيش منظما فإن الجماهير تحتاج إلى تنظيم ولذلك فإنها وضعت عبد الحكيم عامر على رأس الجيش بقصد تأمينه بهدفين :ضمان تأييد الجيش للثورة ومنه اختراقه بواسطة العناصر المضادة ثم تحت ضغط الظروف غير المنظورة يمكن استخدام التصدي لأى خطر داخلي أو خارجي يهدد بقاء الثورة أو استمرارها .

ولكن لماذا عبد الحكيم عامربالذات ؟ كان"عامر"من ضباط الجيش المعروفينتتلمذ عليه كثيرون من الضباط خصوصا هؤلاء الذين يحاولونالالتحاق بكلية أركان الحرب عن طريق إجتياز اختبارات صعبة تحتاج إلى مساعدة .وكان"عامر "على  اتصال بالكثيرين الذين كانوا يلجأون إليه لتحقيق ذلك. ثم كان الرجل ولا شك خدوما له علاقاته الإنسانية , متواضعا ,محبوبا  ليس فيه تزمت الضباط من ذوى الرتب الرفيعة.ثم كان " عامر " عضوا في مجلس الثورة . ثم – وهذا هو الأهم – كان الرجل صديقا لعبد الناصر وقريبا إلى قلبه وموضع ثقته ثم كان في نفس الوقت على علاقة بالرئيس محمد نجيب الذي تصدر الثورة  وقت قيامها ولحين حدوث الانشقاق في صفوفها في حركة مارس 1954 . كانت فيه كل المزايا التي  ترشحه للقيام  بالواجب المنوط به لتأمين الثورة.

ومما يذكر عن اهتمام عبد الناصر بالتأمين في ذلك الوقت أنه كان يتولي رئاسة أركان الحرب أحد الضباط وهو الفريق محمد إبراهيم. وكان الرجل سريع الغضب , كثير الانفعال,ينفر منه الضباط الصغار بتهجماته التي لا تنقطع وقد أزعجت كراهية الضباط لرئيس أركان الحرب أحد الضباط القريبيين من عبد الناصر فذهب إليه منزعجا وأخبر عبد الناصر بما يقلقه .ولدهشة الزميل نظر إليه عبد الناصر وهو يبتسم ابتسامته الواثقة وقال له في اختصار " طيب وإحنا عاوزينهم يحبوه ليه ؟" والمعني واضح تماما لما ذهب إليه عبد الناصر .

ومما زاد من أهمية التأمين أن بعض التيارات المعاكسة كانت تظهر بين الوقت والآخر في صفوف الضباط وبالرغم من أن هذه التيارات طبيعية لابد من حدوثها في فترات الانتقال إلا أنها كانت تترك آثارها العميقة من الشك والقلق مما كان ينعكس بدوره على زيادة الاهتمام بالتأمين....

ثمزاد من هذه المشاعر القلقة ما تعرضت له الثورة من ضغوط خارجية وصلت إلى قمتها بالعدوان المسلح فاشتبكت الثورة في معارك التحرير في القناة قبل تحقيق اتفاقية الجلاء ثم لم يمر عامان إلا وكانت جيوش ثلاث دول تهاجمها فيما سمي بالعدوان الثلاثي وكان القصد إسقاط النظام الذي أصبح بسبب المتاعب السياسية الاستعمارية في المنطقة ويثير الخوف في إسرائيل . كانت كلاب الصيد تلاحق الثورة وتطلب رأسها. بعد العدوان الثلاثي كان لابد من وقفة .إذكانت خمسة أعوام كاملةقد مرت على قيام الثورةفهي فترة كافية لتحديد المفاهيم وهذا درس هام إذ أن الاستمرار على نفس الأسلوب دون تغييرلابد وأن يسبب التآكل والانحدار .لأن الظروف تغيرت فمصر كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها وعادت إليها قناتها.الثورة بدورها فمصر كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها,وعادت إليها قناتها ,والثورة بدورها عرفت طريقها وازدادت خبرتها ,والتفت جماهير الشعب حولها عن قناعة .ثم إذا كانت الأحوال قد وصلت إلى ما وصلت إليه من تغيير فإن المخاطر الخارجية لابد وأن تتزايد وتتعاظم كل هذه المتغيرات كانت تحتاج إلى وقفة عاقلة كما سبق القول ... وأهم ما يمكن التفكير فيه في تلك الوقفة هو بناء الجيش على أسس سليمة وتحديد موقع الجيش من الثورة ..أى تحديد مركز القيادة العسكرية وعلاقتها بالقيادة السياسية حتى لا تستفحل الأمور وتتعقد وتصبح عسيرة الحل. 1- فكان لابدمنتحديدمفهوم التأمين على أسس متغيرة تماما عما عليه المفهوم من قبل فالتأمين لا يتم عن طريق التساهل في تطبيق المفاهيم المتعارف عليها. فليس معنى التأمين التمادى في تلبية احتياجات الأفراد ومتطلباتهم وليس هو كسب الحب والولاء على حساب الضبط والربط وليس هو تعيين الأفراد مع التغاضي عن خبرتهم وكفاءتهم أبدا ليس هذا هو المفهوم الحقيقي للتأمين ,وأعود فأكرر أنه إن كانت الأمور قد اقتضت في الأيام الأولي للثورة تفسير التأمين بهذه التفسيرات الخاطئة المدمرة فإن استمرار ذلك إلى ما بعد العدوان الثلاثي كان إجراء بعيدا عن الحكمة ..| مفهوم التأمين كما حاولت أن أطبقه وأنا وزير الحربية بعد النكسة كان يحمل اتجاهات أخرى مغايرة..وضع الرجل المناسب في المكان المناسب إبعاد الجيش عن التيارات السياسية المتناقضة, التفرغ للتدريب ورفع مستوى كفاءة الوحدات ,التسليح الجيد , تفرغ الأفراد تفرغا كاملا لواجباتهم الأساسية تلبية مطالب الجيش واحتياجات الأفراد التربية المعنوية,تفهم الظروف السياسية الداخلية والخارجية بعمق كامل ووعي عميق حتى يؤمن الأفراد بقضية يدافعون عنها . 2- ثم كان لابد أن تنقل الثورة إلى مرحلة "الأمن القومي " بعد تطوير مفاهيم " التأمين الذاتي " ومجرد الانتقال إلى بناء عناصر الأمن القوميفيه بالتالي تحقيق للتأمين الذاتي وليس الأمن القومي مرتبطا فقط بتوفير المعدات والأسلحة الجيدة ولكنه – وكما سبق أن شرحنا – أوسع وأشمل من ذلك بكثير. فعلاوة على الاهتمام بنواحي الأمن المتعددة فإن الاهتمام بالرجال الذين يمسكون السلاح والذين يقفون خلف المعدات هو الشئ الحيوى الهام . فالنكسة لم تحدث أبدا كما يقال نتيجة لقلة العتاد والأسلحة , أولعدم وفرة القوات أو لتخفيض الميزانية ,أو لخطئ ارتكبته القيادة السياسية.إنسبب النكسة الرئيسي كان فيعدم صلاحية وأهلية القيادات الموجودة بأفرادها الذين كانوا قد تخلفوا عن التطورات التي تحدث من حولهم والذين تركزت اهتماماتهم فيالنواحي الشخصية وإن كان ذلك علي حساب واجبهم الأساسي إن مجرد التحديد الواضح لمفهوم الأمن القومي كان سيحدد المفاهيم الأخري للجزئيات تحديدا سليما واضحا . إذ أن تحديد مفاهيم الأساسيات هو الأصل في تحديد الفرعيات . 3- كان لابد من تغيير القيادات التي استمرت فترة معقولة في أماكنها فكان هذا التغيير يعني أيضا تغيير المفاهيم السائدة والتي استمرت كما هي رغما عن المتغيرات الكثيرة والخطيرة التي كانت تحدث وإن كان التغيير شيئا أساسيا ومطلوبا باستمرار فإنه أكثر أهمية في القوات المسلحة خاصة في القيادات العليا .فإسرائيل مثلا تحتم تغيير قياداتها كل ثلاث سنوات يمكن أن تمتد إلى أربع . لأن هذا التغيير يجعل الدماء الجديدة تتدفق في قنوات القوات المسلحة .أما أن يمكث عبد الحكيم عامر15 عاما في مكانه ومعه ضباطه الكبار من قادة الأسلحة فأمر لا تعرفه المؤسسات العسكرية .إن هذا يغرس فينفس القائد العسكرى الشعور بأن قيادته أصبحت وقفا عليه ثم تتضخم الأمور أما نظره لكي يصبح مجرد التفكير في التغيير معناه عدوان على شخصه ومساس بحقوقه والأخطر من ذلك فإن هذا الشعور ينتقل بالتالي إلى أفراد قيادته وتصبح القيادة تعيش في ظل هذا التفكير الخاطئ اهتمامها بالبقاء أكثر من اهتمامها بالعطاء .. إن هذه الرغبة في البقاء في حد ذاتها تخل الموازين عند الاختيار .فتخبوموازين الكفاءة والصلاحية أمام اعتبارات الولاء .ومن عادة الكفاءة أن تتوارى أمام الجهالة لأن الغث من الشئ هو الذي يطفو دائما على السطح وكما يقال فإنه " لا يبقي على المداود إلا شر البقر" إن تحديد مدة التغيير وفتراته يجعل القائد يهتم أولا وآخرا بعمل شئ جديد يكون بمثابة بصمات يتركها لمن يخلفوه وهذا في حد ذاته يجعله أكثر اهتماما باختيار القادرين على الإبداع من ذوي الكفاءة والخبرة فالمدة محدودة بزمن معين ,والواجب واضح لابد من تنفيذه وإلا فسيف التغيير موجود جاهز للبتر ,والمنافسة قائمة بين قيادات صالحة دؤوبة كل يريد أن يتميز على غيره ولا يرضي التخلف في السباق الدائر. 4- ثم كان لابد من تحديد العلاقة الواضحة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وبين القائد السياسي والقائد العسكرى حتى لا يطوف خاطر "الازدواجية " في بعض النفوس .وأقصد بذلك"ازدواجية " الرئاسة" ونحن نعرف أن المركب تغرق لو تولي قيادتها ربانان. هنا ربان واحد للسفينة وكل من يخرج عن طاعته فهو خارج عن الشرعية وهذا أمر خطير لا يجوز السماح به كما كان من الواجب أن تخضع تلك القيادة العسكرية إلى الرقابة والمساءلة بتحديد العلاقة بين الوزير والقائد العام وبين هؤلاء وبين الاطار العامل لدولة فالكل أفراد في الفرقة الموسيقية وهناك" مايسترو " واحد ينظم الإيقاع حتى تكون هناك أنغام متناسقة وقد سبق لنا تحديد العلاقة بين القيادتين ولا داعي للتكرار . 5- وكان لابد من إيقاف عملية استنزاف القيادات الصالحة خارج القوات المسلحة وأحب هنا أن أقرر حقيقة واقعة أن تطعيم القطاع المدني بتلك القيادات كان في أغلب الأحيان تدعيم للقطاع المدني ورفع مستواه في مواقع كثيرة حساسة وهو أمر معمول به في كافة دول العالم. ولكن أن يتم ذلك لدواعي التأمين أو أن يتم ذلك على حساب القدرة القتالية للقوات المسلحة فهذا أمر خطير .وكم من قيادات مرموقة وكفاءات نادرة تركت مواقعها في القوات المسلحة بينما كانت الآمال معلقة عليها والأنظار متجهة لها ....وللتاريخ فإن هؤلاء أدوا خدمات جليلة في مواقعهم الجديدة ما كان يمكن لغيرهم أن يؤديها بعكس ما قيل ويقال. لوأن هذا تم في عام 1956 لكانت الأمور غير الأمور .وهناك سؤال ملح :هل كان من الممكن أن يتم ذلك في سهولة ويسر ؟ والإجابة – دون تردد- بالإيجاب فكان النقاء الثورى ما زال موجودا ,والطاعة ما زالت مقدسة ,والتطلعات كامنة , الحدود معروفة , الخروج على الشرعية مستحيل ,والعلاقات الشخصية سائدة وباقية , ويبقي السؤال قائما : إذا كان كل ذلك متوفرا فلم تحدث الوقفة ؟ ولم لم يحدث التغيير ؟ولم لم يحدث التحديد ؟ أعود فأكرر أن السبب كان يرجع إلى تغليب عامل " التأمين الذاتي" على عامل "الأمن القومي" ثم إلى المفهوم الخاطئ للتأمين .

وإن كانت الوقفة لم تحدث بعد عام1956 وإن كان هناك تبريرات في صالح ذلك فإن هذه التبريرات لا تستقيم أبدا بعد حدوث الانفصال بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة فقد ظهر للجميع عجز المشير عامر عن مواجهة أحداث الانفصال وظهر للجميع أيضا أن تصرفات  عامر ورجاله في ممارسة شئون الوحدة هيأت المناخ الصالح  للقوي الرجعية والاستعمارية أن تحقق الانفصال وتقضي على أعز أحلام  الأمة العربية والتي  تجسدت في وحدة الإقليمين .
وكلنا نذكر أنعبد الناصر أراد التغيير في ذلك الوقت وبعد عشر سنوات كاملة من بداية الثورة كان التغيير طفيفا وذلك بإعطاء مجلس الرئاسة حق التصديق على التعيينات في المناصب الكبرى في القوات المسلحة ولكن المشير رفض الرئيس تراجع أمام الرفض .

وكان سبب ذلك تغليب "التأمين الذاتي" على عامل " الأمن القومي"

أذكر في تلك الفترة أن المشير حينما اختفي في مرسي مطروح بعيدا عن الأنظار بدأت تجمعات خطيرة في القوات المسلحة تتكتل لمواجهة إحتمال إقدام الرئيس على تغيير المشير وحضر عندى في منزلي أحد الزملاء الأعزاء  من كبار رجال القوات المسلحة وطلب منى بحق الزمالة أن أحدد موقفي إلى جانب المشير كباقي زملائه حتى لا يقدم الرئيس على تغييره وكنت في ذلك الوقت نائبا لرئيس المخابراتالعامة. إلا أن نصحته  بأن هذا الاستقطاب ضار بالصالح القومي وخارج عن الشرعية وأن من في  مقدوره رأب الصدع فليفعل ومن في غير مقدوره أن يفعل ذلك فعليه ألا يزيد من اشتعال الموقف .وقد أطاعني الرجل وطلب مني أن يبقي ذلك سرا بيننا وقد حدث رغما من حساسية الموقع الذي كنت أشغله في ذلك الوقت .
وقد أخذ عبد الحكيم عامر من هذه الأزمة درسا لم ينسه . فلقد أقدم صديقه على الحد من سلطات أصبحت حقا له بحكم  التقادم وبالرغم من أن الرئيس تراجع بناء على حساباته الخاصة إلا أنه من يضمن عدم تكرار ذلك في المستقبل ؟ ومن هنا تحول " التأمين الذاتي للثورة" إلى " التأمين الذاتي  لشخصه " وأصبحت القوات المسلحة منطقة ممنوعة بالنسبة لعبد الناصر وحدث في القوات المسلحة ما حدث حتى وقعت النكسة.
في الفترة من 1962 حتى 1967 لم يكن عبد الناصر بقادر على التغيير حتى لو أراد فقد" شرد الحصان الجامح " ولم يكن أحد بقادر على كبح جماحه ... حتى بعد أن هزم هزيمة ما حقه ,  وحتى بعد أن دمر جيشه ودمر البلاد علاوة على ذلك ظل في  موقعه يريد البقاء بل أقدم على خطوة أخطر وذلك بالتفكير في إزاحة القيادة الشرعية  لو عصت أوامره أو وقفت أمام أطماعه.

فكانت الليلة العصيبة التي لولاها ما تمكنت قوة في البلاد من زحزحة عبد الحكيم عامر ورجاله وصلاح نصر وجهازه من مواقعهم الخطيرة التي ظلوا يحتلونها أكثر من عشرة أعوام كاملة وظنوا أنها أصبحت وقفا عليهم لا خدمة للوطن ولكن خدمة لأغراضهم الذاتية وأطماعهم الخاصة .

ويبقي سؤال أخير . هل حاول عبد الناصر تلافي السلبيات السابقة بعد الليلة العصيبة ؟ وهل كان راغبا في التغيير ؟ وهذا سؤال آخر حساس سوف نجازف بالرد عليه .
لا شك أن عبد الناصر بعد الليلة العصيبة أصبح قادرا وبلا حدود على إحداث التغييرات المرموقة وأصبح ولأول مرة  قادرا على ممارسة اختصاصاته كقائد  أعلى للقوات المسلحة اسما وفعلا  وفتحت الطرق أمامه للتغييرات الكبيرة لتحديد العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكانت الأمور أمامه  واضحة تمام الوضوح إذ حينما  أخبرني بتعيني وزيرا للحربية سألته سؤالا مباشرا عن الغرض الذي يحدده من تعيين وزير للحربية بغض النظر عن الشخص الذي يشغل المنصب الخطير .... وكانت إجابته واضحة أسعدتني إذ قال بالنص " أريد إدخال القوات المسلحة في الإطار العام للدولة بعد أن كانت بروزا ناتئا فيها "  وكان هذا طريقا سليما.ومنذ اللحظة الأولي لعملي بالوزارة وضعت هذا الغرض السليم أمام ناظرى ورأيت من الحكمة تأجيل تحديد الاختصاصات في القيادةالعليا  فترة من الزمن حتىتتضح الأمورعند الممارسة الفعلية وحينما حل الوقت لتحديد كل شئ تردد عبد الناصر في تحديد الاختصاصات لفترةطويلة  من الزمن وكانت حساباته قد بدأت بخصوص " التأمين " خاصة بعد القضاء على المؤامرة التي كان يقودها المشير .
حتى وهو يكلفني بمنصب رئاسة الوزراة في أواخر شهر سبتمبر سألته عما إذا كان الوقت قد حان لتحديد الاختصاصات في القيادة العليا للقوات المسلحة إلا أنه أجل البتفي ذلك لحين عودتي  من زيارة موسكو التي سافرت إليها لحضور احتفالات أكتوبر هناكوللتفاوض من أجل اتفاقيات التسليح ثم – وعلى حد قوله – 

ليعرفني رجال المكتب السياسي هناك.وحينما رجعتمن رحلتي وجدتأنالأمر يدعوإلى كتابة رغما عن خطورة الأوضاع وحساسيتها وحينئذ امتنعت عن ممارسة عملي كوزير للحربية ولم أدخل الوزارة بعد ذلك – أى من أول نوفمبر 1967 على ما أذكر – وحتى تركي المنصب لأتفرغ لرئاستي لجهاز المخابرات في24 /1/ 1968.

أقدم عبد الناصر في أول الأمر وبحماس ولكنهتردد بعد ذلك .
 وبالرغم  من محاولات كثيرة كريمة من الرئيس فيالعودة عن قراري إلا أنني تمسكت بموقفي فكفي مالا قيناه من غموض العلاقات بين الأجهزة في السابق ولم أرغب في المشاركة بما لا أعتقد في صوابه .
وبالرغم من كل ذلك فالرئيس لم يرسلني وراء الشمس ولم يؤذني بل استمع  إلى  رأيي وكل ما خسرته كان منصبا وكان غيره في الانتظار . ياليت القيادة العسكرية فعلت ذلك في مواقف مشابهة قبل النكسة ,وياليت أعضاءها كانوا قادرين على المناقشة والحوارقبل صدور القرار ...!! أقول ياليت لأن الإنسان ليس في إمكانه الآن إلا أن يتمني .

وإزاء هذا الإصرار من جانبي بدأ الرئيس يبحث عن بديل فعرض على السيد زكريا محيي الدين أن يخلفني في منصب وزير الحربية إلا أنه رفض وقد أخبرني بذلك الرئيس نفسه.ولما سألت السيد زكريا عن السبب الذي من أجله رفض المنصب ذكر ضاحكا " أنا سألت الرئيس ماذا تريد منى في هذه الوزارة ؟ أمين موجود فلماذا تولي المنصب ولماذا يريد تركه الآن ؟ّ" وأصر الرجل على اعتذاره.ولم يكن أمام الرئيس إلا الأخذ بمشورتي بالجمع بين منصبي القائد العام ووزير الحربية على أن يتولاهما قائد واحد ولو بصفة مؤقتة حتى لا تظل المناصب الحساسةشاغرة في الموقف الخطير الذي تمر به البلاد..

ثمكان الرئيس يرغب في التغيير حتى أوائل عام 1970 حينما استدعي السيد حافظ إسماعيل من باريس حيث كان يعمل سفيرا لنا هناك ليخلفني في رئاسة المخابرات .ولقد دهشت حقيقة حينما كلفني الرئيس بالاستمرار في الإشراف على جهاز المخابرات العامة حتى في وجود الرئاسة الجديدة إلا أنني اعتذرت فرئيس الجهاز لابد وأنيتبع الجمهورية مباشرة دون مزيد من الحلقات . إلا أن الرئيس استمرفي تحويل كل موضوعات المخابرات لى حتى وفاته بل في هذا اليوم – أى يوم وفاة الرئيس بل في ساعة الوفاة – كنت في اجتماع مع الشيخ سعد الصباح وزير الداخلية في ذلك الوقت والمسئول  عن أعمال المخابرات في الكويت في منزله بالزمالك ومعنا السفير حمد الرجيب سفير الكويت بالقاهرة في ذلك الوقت .
وقد علمت بعد ذلك أن السيد حافظ إسماعيل كان قد استدعي ليتولي منصب رئيس أركان حرب الجيش حينما يقترب موعد عبور القناة لتحرير الأرض وكان عليه أن يمضي فترة انتقالية في القاهرة في لتولي منصب  وزارة الحربية وقيادةالجيش وقد يكون حافظ أصدق مني في روايته .
وكما نرى فإن الرئيس لم يستغل التغيير الذي حدث بعد الليلة العصيبة استغلالا كاملا وتردد كثيرا في الأقدام على خطوات جذرية في هذا الاتجاه . كان المطلوب ضمان بقاء القوات المسلحة ضمن اطار الدولة وشرعيتها وكان المطلوب أيضا حسم العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية  وقد تحقق ذلك بوجود شخص عبد الناصر كضامن وحيد يضمن عدم تطور العلاقة إلى وضعها الشاذ الذي تسبب في النكسة.
إن السؤال يبقي حتى كتابة هذه السطور :ما هو الفاصل بين الجانب السياسي والجانب العسكرى في قمة العسكرية ؟ ثم من يراقب هذا الجهاز الحساس في ظل توحيد المسئولية السياسية والعسكرية فييد واحدة ؟ ويزداد الأمر خطورة في غياب جهات قادرة على أن تبحث وتنقب عما يحدث داخل هذه المؤسسة المعقدة الخطيرة ويزداد الأمر خطورة أيضا في انعدام رغبة هذه المؤسسة في عرض موضوعاتها للمناقشة وإصرارها على التستر وراء حجاب كثيف في الغموض  والسرية في حين أن موضوعات الدفاع  في الدول المتحضرة معروضة للنقاش والجدل .

وأخيرا..!!

كانت الليلة العصيبة من أخطر الليالي التي مرت بها ثورة يوليو المجيدة ..الغالبية العظمي لا تذكرها ولا تعرف عنها شيئا لأن البعض تجاهلها والبعض الآخر تعرض لها بمعلومات ناقصة مبتورة بني عليها فرضيات كثيرة واستنتاجات أكثر   تركت على الساحة تساؤلات أكثر مما تركت  من إجابات.
ولقد التزمت  الصدق والصراحة في معالجة الموضوع من البداية حتى النهاية . أما عن الصدق فهو عادة ملازمة لا يمكنني التحرر منها حتى ولو تعلق ما أقوله بشخصي أما عن الصراحة فكان مبعثها عدة عوامل :

1- خطورة العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية وتأثير عدم وضوحهما على الأمن القومي للبلاد. 2- تقديرنا الشديد لعبد الناصر لا يمنعنا من ذكر سلبيات وقع فيها لأن مبادئ عبد الناصر تدعو دائما إلى النقد والنقد الذاتي . 3- أن الرجل كان يحاول دائما في ظل ظروف صعبة ضاغطة أن يصحح ويغير ولكن ربما كانت حساباته التي أجراها وقت الأزمة تختلف كثيرا عن الحسابات التي يجريها بعد انتهائها.