الجمعيات الأهلية الإسلامية فى مصر
مركز البحوث العربية :القاهرة
تأليف :أمين عبد الخالق - أنيس البياع
حسنين كشك - عزة خليل
د. عماد صيام - د. هويدا عدلي
إشراف وتقدير -عبد الغفار شكر
تصدير
رغم الضجيج الواسع عن الجمعيات الأهلية أو " المنظمات غير الحكومية" فى مصر والوطن العربي، إلا أن الدراسات المعمقة حولها تظل قليلة، أما عن الدراسات التفصيلية المتخصصة عنها فتكاد تكون نادرة.
وقد كان لمركز البحوث العربية آراء مبكرة حول معالجة هذا الموضوع سواء برؤيته عن " الضجيج بلا طحن" الذى يغلق المسألة كلها ، نتيجة مئات ضمن بضعة آلاف مسجلة ( وفق القانون 32 لسنة 1964) أو بسبب رؤية المركز وأغلب أعضائه حول ضمور مفهوم " العمل الأهلي" والفاعلين الاجتماعيين ليقتصر على هذا النوع الذى يشير له القانون المذكور.
ويحاور المركز مفاهيم أوسع فى موضوع العمل الأهلي والمنظمات غير الحكومية ليتصل بمجالات أرحب سواء فى الحركات الاجتماعية أو بشمول المفهوم للعمل التعاوني.. إلى غير ذلك فى أفق العمل الشعبي الوطني.
وقد فرضت ظاهر العمل الأهلي ذي الطابع الاسلامى، نفسها على علماء الاجتماع والسياسة بل والاقتصاد لعدة عقود، بقدر كما طرحت نفسها على المجتمع نشاطها واستقواء وهيمنة فى مجالات الحياة المختلفة، فكرية كانت أم اجتماعية، وهى فى هذا الصدد تخلق أوضاعا جديدة أحيانا، أو تشارك فى أنماط العمل التقليدية أحيانا أخرى، ومن هنا كانت أقرب لنماذج الحركات الاجتماعية تارة ونموذج العمل الأهلي الاجتماعي تارة أخرى. ولفترة تشابكت بنجاح مع القوانين الاجتماعية أو الاقتصادية، بل ومع التطورات السياسية التعددية وغيرها.
إذن فنحن لسنا أمام ظاهرة عادية ، ولكننا إزاء إحدى الظواهر الشاملة التى تواجه أدوات الدولة وآليات المجتمع المدني فى آن واحد، وتتعامل مع كافة القوانين والقواعد بما يجعلها موضع النظر والتحليل بالقلق عند البعض والارتياح للفاعلية عند البعض الآخر. وفى بعض المجتمعات تكون الظاهرة المثيرة أحيانا ظاهرة محركة للتفاعل لدى القوى الأخرى، أو للتصادم فى ظروف مختلفة.
لذلك رأى مركز البحوث العربية أن يخضع هذه ا لظاهرة للدراسة العلمية المتأنية والهادئة، وأن يوفر لها من الكفاءات المخلصة للوطن ولموضوعها ، وبهذا الاقتراب الموضوع أقمنا أملنا أن نتوصل لبعض النتائج المثيرة والعمل من أجل مستقبل أفضل لهذا الوطن، فكان التكليف ببدء هذه الدراسات منذ صيف 1998 حتى الآن.
وقد أغرتنا تجربة الدراسة الموضوعية لحالة مصر بإشراف الأستاذ عبد الغفار شكر- الذى لا يحتاج جهده المعرفي والثقافي للإشارة- أغرتنا بالتعريج على بعض النماذج الأخرى من المجتمعات القريبة، فأغرينا بدورنا مجموعة من المتخصصين المخلصين للنهوض فى نفس الفترة بدراسات مقارنة فى عدد من المجتمعات العربية تجعل للعمل أهميته الكبرى، خاصة فى ظل ثقافة واحدة لها عراقتها مثل الثقافة العربية،
فكانت الدراسات التى تمت حتى الآن حول الجمعيات الأهلية الإسلامية فى كل من :
- - السودان بإشراف د. سامية النقر
- - تونس إنجاز د. رضا الغول
- - الجزائر بإشراف د. عروس الزبير
ولأن الدراسة المصرية قد انتظم عقدها مبكرا، كما أتاحت لها الظروف أن تتم فى وقت مناسب وجاءت وافية شاملة إلى حد كبير لكل تساؤلات البحث التى وضعت بين يدي الباحثين ، فقد رأينا المسارعة بنشرها، ومتفردة، تعبيرا عن تقديرنا لهذا الجهد الهام، على أن تلبيها الدراسات الأخرى تباعا سواء منفردة أو بجمع بعضها إلى الآخر لاعتبارات تتعلق بالحجم فقط وليس لاعتبار الدقة والعمق اللذين تتمتع بهما كافة الدراسات التى انتظمت تحت نفس العنوان.
يأمل مركز البحوث العربية أن يقدم لهذه الدراسات ما يوفر للمكتبة العربية إضافة هى فى حاجة إليها، قدر حاجة المركز أن يشعر أنه ابن بيئته الثقافية والاجتماعية، وأنه ما زال مخلصا لما نشأ من أجله كمؤسسة غير حكومية منذ عام 1987.
وسوف تكون لتعليقات البعض وتأملاته حول الدراسة الحالية أهمية بالغة فى إثراء الدراسات التالية لها، حيث نعد بوضعها أما الباحثين مباشرة قبل مواصلة النشر حرصا على بعض الاكتمال الذى ننشده.
تقديم عبد الغفار شكر منسق البحث
يتضمن هذا الكتاب نتائج الدراسة النظرية والميدانية عن المجتمعات الأهلية الإسلامية فى مصر التى أشرف على تنفيذها مركز البحوث العربية ضمن مشروعه البحثي الكبير عن الجمعيات الأهلية الإسلامية فى خمس دول عربية أفريقية هى مصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب.
وترجع أهمية هذه الدراسة إلى ما تشهده هذه الدول من ضغوط وأزمات اقتصادية وسياسية ناتجة عن مشاكل التخلف التقليدية وتنفيذ سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي للانتقال إلى اقتصاد السوق والاندماج فى السوق الرأسمالي العالمي وما صحب ذلك من توتر اجتماعي متزايد نتيجة لاتساع نطاق الفقر والبطالة والتهميش المتزايد لقطاعات كبيرة من السكان أدى فى كثير من الأحيان إلى تصاعد نفوذ تيار الإسلام السياسي تعبيرا عن أزمة الهوية التى تعانيها شعوب هذه الدول.
وكان من بين الظواهر الناجمة عن هذه التطورات تزايد حجم ونشاط الجمعيات الأهلية الإسلامية التى لا تزال المعرفة بها محدودة سواء فيما يتصل بمدى فاعليتها، ونوعية أنشطتها وأولوياتها، وأسلوب المساءلة فيها وعلاقتها بالقوى والأحزاب السياسية، هذا على الرغم منكم الدراسات الهائل حول الجمعيات الأهلية فى الوطن العربي بصفة عامة.
من هذا فإن هذا البحث فى الدول العربية الأفريقية الخمس يمثل واحدا من أوائل الجهود فى نوعها التى تضطلع بإجراء دراسة مقارنة لدور هذه الجمعيات، كما أنه يمثل خطوة هامة للتعرف على فعالياتها ، وعلاقتها بالجمعيات الأهلية الأخرى وبالحركات والقوى السياسية الإسلامية.
وبالنسبة لمصر فإن دراسة الجمعيات الأهلية الإسلامية تكتسب أهمية خاصة لأكثر من سبب:
فهي أولا: تمارس نشاطا فعالا يتزايد تأثيره باستمرار ، وتقدم خدمات متنوعة لملايين المواطنين فى مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى المساعدات العينية والمالية من مصارف الزكاة والصدقات والتبرعات لفئات اجتماعية عديدة وخاصة الأرامل والأيتام والمسنين والمعوقين،
وتنظيم رحلات الحج والعمرة، وتنظيم الدروس الدينية المحاضرات الثقافية والأنشطة الرياضية، وبناء المساجد والمستوصفات الطبية والمدارس ودور الحضانة، مما أدى إلى اتساع نطاق أنشطتها وانتشارها فى مختلف المحافظات فى الريف والحضر فى وقت تزداد معاناة أغلبية المواطنين من ارتفاع تكلفة العلاج والتعليم وانخفاض الدخول بالمقارنة مع ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وتزايد معدلات الفقر نتيجة للسياسات الاقتصادية للحكومية.
وقد نجحت هذه الجمعيات فى تمويل أنشطتها من خلال مصادر محلية وشعبية بالإضافة إلى ما تحصل عليه من تمويل أجنبي يأتي من مصادر عربية وإسلامية.
وقد كان من الصعب تحديد حجم التمويل الأجنبي بالنسبة لمجمل إيرادات هذه الجمعيات وهى ثانيا: يتزايد عددها باستمرار وتزيد بالتالي نسبتها إلى إجمالي الجمعيات الأهلية فى مصر، حيث كانت تشكل فى الستينات نسبة 17,3% من إجمالي الجمعيات، ثم ازدادت النسبة فى حقبة السبعينيات لتصل غلى 31,02% من هذه الجمعيات، ووصلت فى نهاية الثمانينيات إلى 34% تقريبا.
ويلاحظ أن نسبة كبيرة من هذه الجمعيات تصل إلى 67,3% من إجمالي الجمعيات تتركز فى ثماني محافظات رئيسية هى القاهرة- الجيزة- الأسكندرية- القليوبية – المنوفية- الشرقية- أسيوط المنيا.
وأن 82,4% من الجمعيات الأهلية الإسلامية بهذه المحافظات قد تأسس فى عقدي السبعينيات والثمانينيات وهى ثالثا: تقوم بدور تربوا بالنسبة لأعضائها والمستفيدين من خدماتها حيث تحرص على غرس قيم معينة فى سلوكياتهم نابعة من التوجه الاسلامى لقياداتها مثل التشجيع على ارتداء الحجاب والفصل بين الجنسين، ومن المهم أن يتسع هذا الدور التربوي ليشمل قيما أخرى تهملها حاليا وهى القيم التى تساعد على دعم التطور الديمقراطي للمجتمع وإتقان العمل وتقبل الجديد والسعي للإبداع والابتكار.
وهكذا فإن التعمق فى دراسة الجمعيات الأهلية الإسلامية سوف يساهم فى المزيد من الفهم للقطاع الأهل فى مصر بصفة عامة وسوف يلقى الضوء على آليات العمل بهذا النوع من الجمعيات وأوجه الاختلاف والاتفاق مع ا لجمعيات الأخرى، فيما يتصل بالمشاركة والكفاءة والمساءلة والاستمرارية، وما هى معايير المساءلة فى كل من النوعين من الجمعيات، وطبيعة الدور الذى يمكن أن تقوم به الجمعيات الأهلية الإسلامية طبقا لنوعية علاقتها بقوى الإسلام السياسي.
أهداف البحث: تحددت الأهداف الرئيسية للبحث للتعرف على خصوصية الجمعيات الأهلية الإسلامية من خلال :
- 1- العوامل الاجتماعية- الاقتصادية والثقافية والسياسية التى ساهمت فى ظهور وتطور الجمعيات الأهلية الإسلامية.
- 2- نشاط هذه الجمعيات وإلى أي مدى تمكنت من الاضطلاع بالتمثيل الحقيق لضعفاء المجتمع وتنظيمهم من أجل التأثير المتزايد على صنع القرار وتعبئة الموارد.
- 3- أسلوب الأداء من حيث المشاركة والفعالية والمساءلة والاستمرارية والأنشطة المطلبية، ومدى تميزها فى ذلك عن غيرها من الجمعيات الأهلية.
- 4- دور المرأة فى الجمعيات الأهلية الإسلامية وأنماط مشاركتها ومساهمتها فيها.
- 5- العلاقة بين الجمعيات الأهلية الإسلامية وقوى الإسلام السياسي من ناحية، وبينها وبين الدولة من ناحية أخرى، وما نتج عن هذه العلاقة من صراعات.
- 6- قدرة الجمعيات الأهلية الإسلامية على إثارة الحوار حول سعيها من أجل إقامة مجتمع إسلامي بديل من الناحية الواقعية، وما هى ردود أفعال القوى المختلفة الأخرى بما فيها الدولة حيال ذلك.
نتائج البحث: تعددت أدوات البحث التى تساعد على فهم الظاهرة والإحاطة بكل جوانبها من خلال منهج تحليل المشكلة وشملت هذه الأدوات:
- 1- مسح الأدبيات السابقة.
- 2- بيانات إحصائية، من مصادر أولية وثانوية.
- 3- دراسة ميدانية لنماذج متنوعة كعينة للقضايا المثارة.
- 4- المقابلة المتعمقة والملاحظة والمشاركة من خلال:
- دليل ملاحظة ودراسة متعمقة لجمعية أهلية إسلامية ويتضمن الأسئلة التى توجد إجابات لها فى الوثائق الرسمية لجمعيات العينة والمعروفة أصلا للجهة الإدارية بالإضافة غلى الملاحظات الميدانية للباحث.
- دليل مقابلة مع نشطاء الجمعيات الأهلية . ويهتم بمعرفة رأى بعض النخب النشطة فى هذه الجمعيات من خلال الحوار المباشر( نص الدليلين منشور بالكامل فى ملاحق الكتاب).
تعريف الجمعيات الأهلية الإسلامية
يدور الحديث فى هذا البحث عن الجمعيات الأهلية الإسلامية من خلال تعريف إجرائي يستند إلى معيارين أساسيين هما معيار الاسم وتصنيف النشاط وبذلك فإننا نقصد بالجمعيات الأهلية الإسلامية:
- 1- الجمعيات الإسلامية: التى يحتوى اسمها على كلمة إسلام أو أي من مشتقاتها.
- 2- الجمعيات التراثية: التى يتضمن اسمها واحدة أو أكثر من الكلمات أو الأسماء المرتبطة بالتراث الاسلامى، الثقافة الإسلامية، الفكر الاسلامى، التاريخ الاسلامى.
- 3- جمعيات المساجد: التى نشأت فى إطار أنشطة أحد المساجد وأطلق عليها اسمه وأصبح محورا لنشاطها.؟
- 4- جمعيات الحج: التى يعتبر تسهيل الحج والعمرة غرضها الاساسى، وأن كان هذا لا يمنع من وجود أغراض أخرى.
- 5- جمعيات تحفيظ القرآن الكريم: والتي يعتبر تحفيظ القرآن الكريم غرضها الاساسى، وإن كان هذا لا يمنع من وجود أغراض أخرى .
- 6- الجمعيات المركزية: التى تحقق أغراضا متعددة ولها فروع فى المحافظات مثل الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالقرآن والسنة المحمدية، جمعيات الشبان المسلمين والشابات المسلمات جماعة أنصار السنة المحمدية..الخ.
فريق البحث: تشكل فريق البحث ليضم خبرات متنوعة أكاديمية وميدانية:
- عبد الغفار شكر( منسق) وعضوية.
- الدكتور أمين عبد الخالق: مدير عام الجمعيات بوزارة الشئون الاجتماعية سابقا
- أنيس البياع: عضو مجلس إدارة نقابة الاجتماعيين- مدير عام بمديرية الشئون الاجتماعية بمحافظة دمياط سابقا
- حسنين كشك: الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
- عزة خليل : الباحثة بمركز البحوث العربية.
- الدكتور عماد صيام: الخبير بجمعية نهضة التعليم.
- الدكتورة هويدا عدلى: الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
ومن المهم أن نسجل هنا خبرة فريق البحث فى المزج بين العمل الجماعة والمسئولية الفردية فى إطار من التعاون الكامل،
وذلك بالتخطيط للبحث وتحديد أهدافه وموضوعاته وأدواته من خلال لقاءات جماعية للفريق، وكذلك متابعة الانجاز وتقييم النتائج وإبداء الملاحظات فى هذه اللقاءات، بينما تم توزيع القضايا الأساسية على أعضاء الفريق ليقوم كل منهم بدراسة إحدى هذه القضايا متمتعا بالحرية الكاملة فى إجراء هذه الدراسة،
وحقه فى الوصول إلى الاستنتاجات التى يقتنع بها من خلال نشاطه البحثي ، مستفيدا فى نفس الوقت من ملاحظات زملائه وتطوير دراسته نتيجة للملاحظات التى يتقبلها، من هنا فقد حرصنا على أن ننشر نتائج البحث على شكل دراسات منسوبة لأصحابها وليس لفريق البحث ككل. وسوف يلاحظ القارئ أنه رغم اتفاق فريق البحث حول الإطار العام إلا أنه توجد بعض الاختلافات فى جوانب تفصيلية للدراسات التى شملها البحث.
وبعد.. لقد قضينا عامين كاملين فى جهد متصل من أجل إنجاز بحث " الجمعيات الأهلية الإسلامية فى مصر" ويسعدنا أن نقدم فى هذا الكتاب حصيلة هذا الجهد راجين أن يساهم فى تعميق المعرفة بهذا القطاع الهام من مؤسسات المجتمع المدني فى مصر الذى تزداد أهميته عاما بعد الآخر ليس فقط لما يؤديه من خدمات لملايين المواطنين المصريين ، بل أيضا لما نتطلع إليه من أن يساهم بدور حقيقي فى تعزيز التطور الديمقراطي للمجتمع المصري.
ونود أن نؤكد هنا بصفة خاصة على الحقائق التالية:
أولا: أكدت الدراسة أن ظاهرة الجمعيات الأهلية الإسلامية أوسع بكثير من حركة الإسلام السياسي، وأنه إذا كانت بعض قوى الإسلام السياسي تسعى إلى توظيف هذه الجمعيات لخدمة أهدافها السياسية فإن هذا السعي كان قاصرا على دائرة محدودة من الجمعيات ولبعض الوقت، وأنه سرعان ما كانت أجهزة الدولة تتدخل لإنهاء هذا التداخل بين هذه القوى وبعض جماعات الإسلام السياسي.
أما الأغلبية العظمى من هذه الجمعيات بين هذه القوى وبعض جماعات الأهلية الإسلامية فإنه لا يوجد ما يشير إلى صلة مباشرة لها بهذه الجمعيات.
ثانيا : لا تمنع هذه الحقيقة من أن النشاط الثقافي والديني للجمعيات الأهلية الإسلامية يساعد بشكل غير مباشر على توفير الأرضية الخصبة لنمو الاتجاهات الإسلامية السياسية بما تغرسه من قيم وسلوكيات لدى أعضائها والمستفيدين من خدماتها.
ثالثا: هناك نسبة غير قليلة من الجمعيات الأهلية الإسلامية لا تملك من هذه الصفة سوى الاسم لأنها نشأت فى الحقيقة بهدف تجارى اتخذ من الإسلام غطاءا له مثل بعض جمعيات الحج وبعض الجمعيات التى نشأت مستوصفات طبية ومدارس إسلامية.
رابعا: ليس هناك اختلاف كبير بين الجمعيات الأهلية السلامية وغيرها من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المندى فيما يتصل بضعف الديمقراطية الداخلية أو فيما يتصل بوضع المرأة لأنها تعانى جميعها من ظواهر ناتجة عن غياب الديمقراطية فى المجتمع المصري مثل جمود النخبة وعدم تجديد القيادات وضعف مشاركة الأعضاء فى الجمعية العمومية وغياب المساءلة وافتقاد المجتمع للثقافة الديمقراطية...الخ.
خامسا: رغم أهمية هذا البحث وما توصل إليه من نتائج إلا أنه يمثل البداية فى دراسة ظاهرة الجمعيات الأهلية السلامية فى مصر ، وهناك حاجة حقيقية لإجراء مزيد من الدراسات حول جوانب متعددة من هذه الظاهرة، والتوسع فى إجراء الدراسات الميدانية، خاصة وأن الدراسة الميدانية التى شملها هذا البحث اقتصرت على عينة من 27 جمعية فقد، وهى عينة محدودة لا تصلح نتائجها للتعميم رغم أنها جاءت متفقة مع النتائج التى توصلت إليها دراسات ميدانية سابقة شملت عددا كبيرا من الجمعيات.
وسوف نواصل جهودنا فى هذا المجال مستندين إلى خبرة مركز البحوث العربية وحرصه على مواصلة دوره فى رصد ومتابعة التطورات الجارية فى المجتمع المصري فى مختلف المجالات.
وبهذه المناسبة فإننا نجد من واجبنا أن نقدم خالص شكرنا وتقديرنا للأستاذ حلمي شعراوي مدير مركز البحوث العربية والمنسق العام للمشروع على المستوى العربي لما قدمه لفريق البحث من إسهام فكرى ومشاركة حقيقية فى تحديد الإطار العام للدراسة وقضاياها، وما قدمه من إمكانيات مادية وفنية كان لها أكبر الأثر فى إنجاز البحث على النحو الذى نقدمه الآن للقارئ.
كما نعبر عن خال الشكر للزميلات ناهد محمد، داليا جلال، لجهودهن الفنية والإدارية فى نسخ البحث وإعداده للنشر.
ونأمل عزيزي القارئ أن تساهم معنا فى تطوير هذه الدراسة بموافاتنا بملاحظاتك عليها وسوف نعطيها الاهتمام الواجب ونستفيد منها فى أعمالنا القادمة.
الفصل الأول الجمعيات الأهلية الإسلامية فى الدراسات السابقة:عرض نقدي
أولا: مقدمة حول الجمعيات الأهلية الإسلامية.
ثانيا: معايير التصنيف.
ثالثا: طبيعة النشأة والتطور التاريخي.
رابعا: الجمعيات والاستلام السياسي.
خامسا: الدولة والجمعيات الأهلية السلامية.
سادسا: خاتمة.
مصادر الدراسة
أولا: مقدمة
تهدف هذه الورقة إلى محاولة التعرف على الدراسات السابقة فى موضوع الجمعيات الأهلية الإسلامية. وبداية نشير إلى ندرة وحداثة هذه الدراسات، والمتوفر منها- وهو ما سنأتي إلى ذكره تفصيلا- لم تكن الجمعيات الأهلية الإسلامية موضوعها الرئيسي، وإنما تم التطرق إليها فى سياق موضوعات أو مشكلات بحثية أخرى،
مثل : نشطاء الحركة الإسلامية ( صيام ، 1992) ، والجمعيات الأهلية والثقافة والتنشئة السياسي ( قنديل 1994) ،
والجمعيات الأهلية فى مصر ( قنديل وابن النفيس 1994 ب) والمجتمع المدني فى العالم العرى( قنديل 1994) ، وتقارير مصر المحروسة عن 93، 94، 95، 1996، والجمعيات الأهلية فى مصر( قنديل وبن النفيس 1995) ،
والدراسة المقارنة بين موقف الإخوان المسلمينوجماعات الجهاد من قضية العنف ( مبارك 1995) والدولة والحركات الإسلامية المعارضة ( مصطفى 1996) ، والعنف السياسي فى مصر ( بكر 1996) والعمل الأهلي والتغير الاجتماعي ( قنديل 1998) والجماعات السياسية الإسلامية والمجتمع المدني المصري ( حسانين 1999).
وتتمثل المنهجية المتبعة فى التعرف على الدراسات السابقة لموضوعنا فى استقصاء ما يمكن أن يكون قد ورد فيها حول القضايا الآتية:
- 1- معايير تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية.
- 2- طبيعة النشأة والتطور التاريخي.
- 3- العلاقة بين الجمعيات الإسلامية والإسلام السياسي.
- 4- العلاقة بين الدولة والجمعيات الإسلامية.
ثانيا: معايير تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية
لا يستخدم مفهوم الجمعيات الأهلية الإسلامية فى كل الدراسات التى ذكرت آنفا فهي كما سبقت الإشارة غير معنية ببحثها، ولكن هذا المفهوم أستخدم فى دراسات كل من قنديل وبن نفيسة ومصطفى، ومركز الدراسات السياسي والاستراتيجي،
وتم استخدامه فى سياق تخصيص قسم من هذه الدراسات لإلقاء الضوء على الجمعيات الأهلية الإسلامية، والقليل من هذا البعض هو الذى اهتم بقضية معايير تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية ، أي ماهية المؤشرات الإجرائية التى بمقتضاها تعد جمعية أهلية ما جمعية أهلية إسلامية.
وتعود مشكلة تصنيف الجمعيات الدينية ( وبينها الجمعيات الإسلامية) إلى حقيقة مفادها عدم تمييز البيانات التى توفرها وزارة الشئون الاجتماعية للجمعيات الأهلية الإسلامية عن غيرها، إذ يتم وضعها من حيث النشاط ضمن الجمعيات الثقافية والعلمية ( قنديل 1993) . كما تعود هذه المشكلة إلى اقتصار بعض الدراسات على اسم الجمعية ونوع النشاط فى تصنيف الجمعيات الدينية.
وتتباين معايير التصنيف، ومن ثم يتباين حجم الجمعيات الأهلية الإسلامية . ففي دراسة قنديل ( 1994) إشارة إلى دراسة أسبق لنفس الباحثة، أجريت عام 1991 ، وتتضمن مسحا للجمعيات الأهلية فى مصر جاء فيها أن نسبة الجمعيات الإسلامية تصل إلى حوالي 34% من مجموع الجمعيات الأهلية وهو 12832 جمعية فى عام 1991 .
ولقد ميزت تلك الدراسة الجمعيات الأهلية الإسلامية استنادا إلى معيارين هما: اسم الجمعية ونوع النشاط، وتضيف الباحثة فى دراسة لاحقة ( قنديل 1994 ، ص 74) معيارين آخرين هما حصول الجمعيات على دعم وتمويل من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والدرجة العالية من الفعالية التى تعود إلى قدرة الجمعية على مواجهة مشكلتي التمويل والمتطوعين.
وتتجلى نتائج الاستناد فى تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية على معياري الاسم ونوع النشاط فيما توصلت إليه سارة بن نفيسة فى القول بأن هذه الجمعيات قد احتلت المرتبة الأولى فى عقد السبعينيات ( 940 جمعية تمثل 30,6% من مجموع الجمعيات الأهلية ويوجد ضمن هذا العدد 36 جمعية لصناديق الادخار تقوم بتنظيم رحلات الحج)، وفى عقد الثمانينيات ( 1243 تمثل 32,8% من مجموع الجمعيات ،
ويوجد ضمن هذا العدد 73 جمعية لصناديق الادخار تقوم بتنظيم رحلات الحج) ، وتذكر الباحثة أنه يوجد ضمن هذا النوع من الجمعيات عدد لا باس به هو فى الواقع توكيلات سياحية متنكرة، تستخدم القانون الخاص التى تشجع عدد أكبر من الناس على الحج، وتذكر أيضا: وهذا نموذج صريح لاستخدام الدين فى أوجه تجارية ( قنديل وبن نفيسة، 1995، ص 100- 101).
وتستند تقارير " مصر المحروسة" على معياري الاسم ونوع النشاط فى تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية.
ويشير التقرير الأول عن عام 1993 إلى أن عدد الجمعيات الأهلية الإسلامية المشهرة قد بلغ 118 جمعية من مجموع 388 جمعية مشهرة خلال هذا العام( تقرير مصر المحروسة، 1994، ص 553) .
ويشير التقرير الثاني عن عام 1994 إلى أن هذه الجمعيات قد أتت فى المرتبة الثالثة من حيث العدد، فقد بلغ 56 جمعية من مجموع الجمعيات التى أشهرت خلال هذا العام والبالغ 327 جمعية ( مصر المحروسة ، 1995، ص 664 )،
وجاء فى التقرير الثالث عن عام 1995 إلى أنها أتت فى المرتبة الرابعة، إذ كان عندها 47 جمعية من مجموع قدره 395 جمعية أشهرت خلال هذا العام( مصر المحروسة، 1996، ص 358- 372) ،
وجاء فى التقرير الرابع عن عام 1996 أن عدد الجمعيات الأهلية الإسلامية قد بلغ 72 جمعية من مجموع 490 أشهرت خلال هذا العام، واحتلت المرتبة الثالثة فى الترتيب من ناحية النشاط( مصر المحروسة، 1997، ص 613- 614) .
ويتقدم تقرير الحالة الدينية خطوة ملموسة على طريق معايير التصنيف، فيشير التقرير الأول أن الاستناد لمعايير تقتصر على الاسم ونوع النشاط قد يعطى صورة غير حقيقية لمدلول أعداد الجمعيات الدينية ،
ويضيف إلى هذين المعيارين معيار فاعلية الجمعية وقدرتها على تنفيذ النشاط الديني، جنبا إلى جنب مع النشاط الاجتماع، بالاستناد إلى مصادر تمويل تأتى من الزكاة والصدقات والهبات، ويذكر التقرير أن ما سبق يمثل محددات رئيسية لتحديد الجمعيات الدينية (تقرير الحالة الدينية الأول، ص 337).
ويقدم التقرير الثاني صياغة أكثر تفصيلا، فيضيف غلى معياري الاسم ونوع النشاط معيارين آخرين، المعيار الأول هو تأثير المكون الديني فى تفعيل دور الجمعية ( مسألة الفعالية) ، أما المعيار الثاني فهو القدرة على تنفيذ النشاط عبر فترات تاريخية ممتدة، ويدلل التقرير على أهمية هذا المعيار بالإشارة إلى أن هناك العديد من التجارب التى تعثرت فى بعض الفترات رغم مكانتها وانتشار فروعها على مستوى الجمهورية( تقرير الحالة الدينية الثاني 311- 312).
ونتفق مع النقد الموجه من تقرير الحالة الدينية للاقتصار على الاسم ونوع النشاط كمعيارين وحيدين لتصنيف الجمعيات الإسلامية، لأن ذلك يعد أمرا منقوصا كما نتفق مع المعيار الثالث المتعلق بتأثير المكون الديني فى تفعيل دور الجمعية، إذ يشهد الواقع وجود جمعيات لا يمكن تصنيفها كجمعيات إسلامية استنادا على الاسم ونوع النشاط فقط، وهو ما يعنى أن الاقتصار على هذين المعيارين وغياب الفعالية- لا يعنى غيابا تاما أو نسبيا للحد الأدنى الضروري من " القيم الإسلامية" فى مراعاة النزاهة والاستقامة.
والصدق... الخ صفة الإسلامية غلى علاقة شكلية ( لافتة إسلامية ونص لائحي يحدد نوع النشاط باعتباره إسلاميا).
ولا نتفق مع المعيار الثاني المرتبط بالقدرة على تنفيذ النشاط عبر فترات تاريخية ممتدة، فهو معيار لا يميز بين الجمعيات الأهلية الإسلامية وغيرها من الجمعيات الأهلية، وإن كان يمكن له أن يميز بين جمعية أهلية وأخرى، إسلامية كانت أو غير إسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن مواجهة أسباب جوانب القصور المرتبطة بمعايير تصنيف الجمعيات الأهلية الإسلامية تقتضى إجراء مسح شامل يهدف إلى استقصاء واقع هذه الجمعيات وفق عدد من المؤشرات أو المعايير المترابطة، مثل اسم الجمعية ، ونوع النشاط ، والفعالية ، وحدود العلاقة بكل من الحركات السلامية والدولة. وثمة بديل آخر لمواجهة جوانب القصور تلك، وهو إجراء مسح بالعينة العشوائية ، ويتسم هذا البديل بأنه أقل تكلفة من زاويتي الوقت والمال، وبأنه يمكننا فى ذات الوقت من معرفة الوزن الحقيقي للجمعيات الأهلية الإسلامية.
ثالثا: طبيعة النشأة والتطور التاريخي
1- من الثابت تاريخيا، أسبقية نشوء الجمعيات الثقافية والعلمية بالنسبة لغيرها من الجمعيات ، وبصفة خاصة الجمعيات الدينية .
فقد تأسست أول جمعية أهلية فى مصر عام 1821، وهى الجمعية اليونانية بالأسكندرية، ثم تأسست جمعية معهد مصر للبحث فى تاريخ الحضارة المصرية، فى عام 1859، وجمعية المعارف فى عام 1875، والجمعية الجغرافية فى عام 1875، وفى عام 1878 تأسست أول جمعية أهلية إسلامية ، وهى الجمعية الخيرية الإسلامية ، ثم توالى تأسيس الجمعيات الدينية ( الإسلامية والقبطية) ، وانتشرت فروعها فى جميع أنحاء مصر ، وقدر عدد الجمعيات الإسلامية بحوالي 20 جمعية ، والقبطية بموالى 11 جمعية، وذلك قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى( قنديل ، 1994).
وفسر قنديل هذا التأخر " النسبي" فى نشأة الجمعيات الدينية ، بعدة عوامل، قد يكون من أهمها عدم الشعور بالاحتياج لمثل هذه التنظيمات الحديثة، فى ظل هيمنة نظم أو مؤسسات تقليدية، نجحت إلى درجة كبيرة فى تلبية الاحتياجات والمطالب المجتمعية، فالجامع كان يلعب دورا أساسيا فى حياة المسلمين ، ومن خلاله توزع الصدقات والزكاة على الفقراء ،
يضاف إلى ذلك الدور الذى لعبه نظام الوقف الاسلامى، باعتباره " حبس العين، والتصدق بالمنفعة" فأصل الوقف أنه لا يباع ويتم التصدق بربع العين الموقوفة، وقد يكون لانتشار الطرق الصوفية- كتنظيمات شعبية قاعدية- أثره على ذلك التأخر النسبي فى نشأة الجمعيات الأهلية الإسلامية ( قنديل 1994).
وتفسر هذه الدراسة نشأة تلك الجمعيات فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بمجموعة من المؤثرات أو التحديات الداخلية والخارجية، والتي تعكس الإطار الاجتماعي والثقافي والسياسي الذى نشأت فى جنباته ، مثل نشاط البعثات التبشيرية الدينية، الذى أدى إلى معارضة المصريين جميعا، المسلمين والأقباط ،
وتأسيس الجمعيات الدينية ، والتي استخدمت " أسلحة" مماثلة لما استخدمته البعثات التبشيرية ( تقديم الإعانات إلى الفقراء ، وإنشاء المدارس المجانية لتعليمهم، ومثل الاحتلال البريطاني عام 1882، الذى أدى من بين ما أدى إلى تسارع حركة إنشاء الجمعيات الأهلية السلامية والقبطية على نحو خاص، التى سعت إلى مقاومة الاحتلال واستبداد الحكم( قنديل 1994، وتقرير الحالة الدينية 1977، ص 233- 234).
ويذكر طارق البشرى أن الدافع لقيام الجمعيات الأهلية الإسلامية كان ما رآه منشئوها من خطر يتهدد " الإسلام" فى مواجهة عوامل المدنية والحضارة الأوربية الوافدة.. فضلا عن النمو المطرد للمدارس الحديثة ونظم التعليم الحديث، على حساب نمط التعليم الديني التقليدي، والانتشار الهائل لوسائل الإعلام وأجهزة التثقيف الحديث، مما جعل الثقافة الدينية تتراجع عن مركز الصدارة فى نظر منشى هذه الجمعيات - مصطفى 1995، ص 347).
بينما يفسر فرغلى نشأة الجمعيات الدينية عموما، والإسلامية من بينها بسعي الدولة لصيانة الدينامية الاستغلالية للتكوين الاجتماعي، كلما جنحت هذه الدينامية نحو تهديد إعادة الإنتاج الاجتماعي للعمل وذويه،
حيث يصبح العمل مهددا بالفناء الفيزيقي كلما أصبح اعتصار قوة العمل أسلوبا شبه وحيد لحفز دينامية التكوين " الكولونيالى" ففي تكوين اجتماعي تتحلل فيه علاقات الإنتاج السابقة على الرأسمالية، وتتغلغل علاقات إنتاج رأسمالية" كولونيالية" يفقد المحكومون جزءا من الدعم الذى كانت تقدمه عديد من الروابط الأبوية والطائفية والاثنية،
وهذه الروابط وإن كانت لم تندثر- آنذاك- فقد تراجعت، وما حل من ظواهر مثل الفردية والعلمانية وانتماءات الوطن والقومية ليس من طبيعته تقديم هذه الالتزامات على ذات الأسس التى كانت تؤدى بها.
ومن ناحية ثالثة، فإن القدرة التراثية للعناصر الخارجية، مدعومة بتكنولوجيا جديدة للموقع، وفى ظل بطء البنية الإنتاجية فى التوسع، كل ذلك يحول دون تطوير العمل لأدوات ضغط سياسي فعالة تسهم فى إعادة التوزيع بما يحفظ للعمل إمكانيات إعادة إنتاجه... ومن ثم يعرف الدعم كافة المجالات الاجتماعية، فى شئون الصحة والتعليم والامتداد بمستلزمات الحياة للمعوزين، ورعاية الأحداث، والنساء والمتشردين، تقوم به مؤسسات حكومية، والجمعيات الأهلية الإسلامية والقبطية والأجنبية مدفوعة بمزيد من المبادئ الدينية والوطنية والاثنية ( فرغلى 1994، ص 442- 444).
ويشير "آلوم" فى سياق بحثه عن تأشيرات الأفكار السان سيمونية فى مصر ، إلى انتشار المؤسسات الخيرية الخاصة وتنوعها إبان الربع الأخير من القرن التاسع عشر، منذ عام 1890 بدأ الاعتماد على هذه المؤسسات كأداة لمقاومة الاحتلال، وتكاثرت فى هذه الفترة الجمعيات التساعدية والتعاونية أو الخيرية، فقد تأسست عام 1892 " لجنة إعانات فقراء المسلمين الوطنيين " ،
وعندما وضعت هذه اللجنة تحت رعاية الخديوي، تغيرت إلى حد ما طبيعة هذا المشروع، كما تغير اسمه ليصبح " الجمعية الخيرية الإسلامية"، ومع ذلك ظلت مثالا للصورة الجديدة للعمل الخيري، ونموذجا للأشكال الجديدة من الجمعيات، وفى عشية الحرب العالمية الأولى، كان هذا النوع من الجمعيات قد تعدد وانتشر. وأخذت الجمعيات الإسلامية الأولى على عاتقها قيادة العمل الاجتماعي ورعايته والإصلاح الاجتماعي للطبقات الكادحة ( آلوم ، يناير 1995، 123- 160).
2- شهدت الفترة بين عانى 1923، 1952 تطورا فى حركة الجمعيات الأهلية، فقد كان عدد الجمعيات التى تأسست خلال الفترة " 1900 – 1924 " 195 جمعية، وكان خلال الفترة " 1925 – 1944" 633 جمعية،
وكان 508 جمعية خلال الفترة " 1945- 1952" لقد تميزت هذه المرحلة بإطلاق حرية تكوين الجمعيات، فلم يحظر المشروع إلا الجمعيات التى تستخدم العنف أو تعد لاستعماله، لقد استند دستور 1923 على صيغة ليبرالية وعلمانية، وشهدت تلك المرحلة تناميا للجمعيات الدينية ،
والتي انخرطت فى العمل السياسي، وكان ذلك واضحا بخصوص الجمعيات الدينية ، والتي انخرطت فى العمل السياسي، وكان ذلك واضحا بخصوص الجمعيات الإسلامية ، ومن أهمها " الشبان المسلمين " (1927) ،و"الإخوان المسلمين (1928) ،
وكانت الجمعيات الإسلامية هى إحدى أدوات التعبير عن التيار الاسلامى بتنويعاته المختلفة، واستطاعت هذه الجمعيات أن تستقطب قطاعات مختلفة من المجتمع، من الشباب والنساء والأعيان والطلاب والمثقفين وحتى من الأمراء ( قنديل 1994).
وينظر روسيون غلى الجمعيات الأهلية، ومن بينها الجمعيات الإسلامية، باعتبارها تنتسب بشكل من الأشكال إلى منطق الإصلاح الاجتماعي، وهو يبدأ دراسته عن العمل الخيري والإصلاح الاجتماعي فى مصر فى منعطف الأربعينيات بذكر العوامل الثلاثة التى يرجع إليها جون إليها جون هابورت – أحد المراقبين الأوائل الذين أبدوا اهتماما بالحركة الأهلية- توسع الجمعيات الأهلية،
وهذه العوامل هى:
- 1- إضعاف الحكم الاستعمار فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
- 2- إحساس المسلمين بضرورة صد القوى الغربية التى كانت على وشك أن تدمر العالم.
- 3- تدهور مستوى المعيشة وعدم إحساس الطبقات السائدة باحتياجات الفقراء (روسيون 1995، ص 9- 60).
وبإنشاء وزارة الشئون الاجتماعية فى عام 1939، اكتمل للدعم الموجه للمحكومين وجهه المتمايز نسبيا عن دوافع البر المشبعة بمسحات دينية ، إذ بدأت معاينته كحق لمستحقيه وكتقصير من الحاكم إذا لم يؤده،
ومنذ إنشاء هذه الوزارة صدرت عديد من القوانين التى تحيل إلى تبعيتها التنظيمية عددا من الأجهزة التى كانت تابعة لوزارة أخرى فيما سبق، مثل " مصلحة التعاون" ، و" مصلحة الفلاح" ، و" المجلس الأعلى لشئون العمال والفلاحين" وغير ذلك..، وكان دعم الطبقة أو الطبقات الحاكمة للمحكومين يمثل كما سبقت الإشارة ضرورة للتكوين الاجتماع الطبقي، يهدف غلى التخفيف من الدينامية الاستغلالية لهذا التكوين( فرغلى 1994، ص 444- 449).
وكان المؤيدون والمعارضون للوزارة الجديدة يتفقون على ضآلة ميزانيتها وعلى اعتبار أن إنشاءها على زيادة حقيقية للأموال العامة المخصصة لـ " إصلاح المجتمع" حيث نتجت عن إعادة توزيع حسابية محضة لموارد مالية كانت مخصصة لوزارات أخرى لأهداف متماثلة ،
وعلى أية حال ، تحددت المسئولية الخاصة لهذه الوزارة فى تنظيم وساطة مزدوجة بين المستوى الكلى والمستوى المحلى للإصلاح، أي بين تحديد الأهداف والغايات للعمل الاجتماعي والتطبيق التنفيذي للوسائل المتاحة، من جانب، وبين الأغنياء والفقراء، من جانب آخر،أي بين ما يمكن تسميته الوظيفة السياسية والتنظيمية للدولة.
ولقد قدم المصلحون الاجتماعيون نمط الجمعية الأهلية باعتباره الوسيلة الفعالة للقيام بهذه الوساطة المزدوجة ، فالجمعيات تمثل فى آن واحد نمطا لتحقيق التضامن بين الطبقات وآلية لمعالجة " المشاكل الاجتماعية" وكذلك ميدانا سانحا لتطبيق قدراتهم المهنية ( روسيون ، 1995).
وبعد إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية بسبع سنوات، يصدر أول قانون منظم للجمعيات ، وهو القانون رقم 489 لعام 1945، الذى لم ينص إلا على الهدف الخيري للجمعيات، وهو يركز على مفهوم " البر" من خلال تقديم المساعدات المادية والمعنوية... ولا شك أن مفهوم الجمعيات الأهلية يتجاوز هذا المفهوم التقليدي للبر والخير،
ولكن الارتباط المبكر بينهما ، سواء بحكم العوامل الثقافية أو القانون، قد كرس هذه السمة الخيرية والتي تعتبر لصيقة بالجمعيات ذات البعد الديني، ولعل نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر قد أضاف بعدا تاريخيا على نشاط الجمعيات ذات الطابع الديني ( مصطفى 339- 340).
3- تطلق بعض الدراسات على المرحلة منذ ثورة 1952 وحتى التسعينات، فيما يتعلق بالجمعيات الأهلية، مرحلة الانكسار. فتميل دراسات قنديل إلى تناول هذه المرحلة فى إطار زمني واحد، وذلك لعدم تغيير القواعد القانونية الحاكمة لعمل الجمعيات الأهلية خلال هذه المرحلة، ولأن مجمل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وممارسات الدولة والتنظيم السياسي الواحد، قد أدت جميعها إلى انعكاسات سلبية على الثقافة السياسية،
رغم تبنى النظام السياسي للتعددية السياسية فى عام 1976، ومن قبل لسياسة " الانفتاح الاقتصادي" عام 1974، لم تحدث تحولات عميقة فى الثقافة السياسية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بقيمة المشاركة فى الحياة العامة. فقد ألغت ثورة يوليو التعددية الحزبية، وعرف النظام السياسي التنظيم السياسي الواحد، وهيمنت " بيروقراطية الدولة" على الاقتصاد وكافة القطاعات الاجتماعية،
وقامت الدولة بإصدار القرار الجمهوري رقم 384 لعام 1956، الذى ينص على إلغاء المواد من 54 إلى 80 التى تضمنها القانون المندى بشأن الجمعيات الأهلية، فتم حل هذه التنظيمات جميعا وتعديل نصوصها، وحظر اشتراك الأشخاص المحرومين من مباشرة حقوقهم السياسية فى تأسيس أو عضوية أي جمعية، ،
واعتبر القرار أية مخالفة لنصوصه جريمة تخضع لقانون العقوبات، ويعد ذلك أول سابقة من نوعها لإخضاع نوع من الأنشطة المدنية أو الأشخاص الاعتبارية التى نص عليها القانون المدني، لقاعدة التجريم العقابي. لقد أخضع هذا القرار كافة الجمعيات للرقابة والإشراف من قبل الدولة ،
وأحكم قبضة البيروقراطية على المشاركة فى الحياة العامة. ثم جاء القانون رقم 32 لعام 1964، الذى لا زال ساريا حتى هذه اللحظة ، لكي يحكم من قبضة الدولة على " المجتمع المدني" ، لقد قامت الثورة أيضا بحل بعض مجالس النقابات المهنية، وإلغاء الوقف الأهلي عام 1952 ،
وإصدار القانون رقم 152 لعام 1957 الذى فرض بيع الاراضى الزراعية الموقوفة على جهات البر العام- بعد أن كان جانب كبير من موارد الوقف يتجه إلى دعم الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية- فانخفض بسبب كل ذلك متوسط نمو الجمعيات الأهلية، وحدث نوع من " الانكسار" كمحصلة لجملة ممارسات الدولة وتوجيهاتها السياسية منذ الثورة،
وفيما يتعلق بالقانون 32 لعام 1996، تركت ثلاثة أبعاد هامة بصماتها على دور الجمعيات ومشاركة المواطن من خلالها، وهذه الأبعاد هى: رقابة الدولة على تكوين الجمعيات، والرقابة على نشاطها، وسلطة حلها أو دمجها ( قنديل 1994، 1994).
وفى هذا السياق، يذكر روسيون أن إقرار الدولة، منذ عام 1954، لسلسلة من القوانين واللوائح أتاح لها أكثر فأكثر سلطة التدخل فى شتى أمور هذه الجمعيات كبيرها وصغيرها على السواء(وسيون 1995).
وتعود دراسة لاحقة من دراسات قنديل إلى القول بأن التحولات الاقتصادية والسياسية التى حدثت فى عهد مبارك( التحرير الاقتصادي، وتزايد عدد الأحزاب السياسية إلى 14 حزبا) ، وإن كانت لم ترتبط بتغيرات أساسية فى قانون 32 لعام 1964، إلا أنها بلا شك فى أدوار وأوزان الجمعيات من ناحية، وصاغت خطابا سياسيا أكثر إيجابية تجاه الجمعيات من ناحية أخرى ، وهو الأمر الذى بدا واضحا خلال التسعينيات ( قنديل 1998، 47- 48).
بينما يصف تقرير الحالة الدينية سياسة الدولة إزاء الجمعيات الأهلية بأنها " ممارسة محفوفة بالتردد" ، فهي تتراوح بين " الرغبة فى تفعيل الدور الأهلي وإحكام القبضة على بعض جوانبه" ، وأنصار الاتجاه الأول يسعون للبعد عن القيود السياسية والرادارية للقانون 32 لعام 1964، أما أنصار الاتجاه الثاني فينتهون إلى محدودية المراهنة على دور أكثر فعالية للجمعيات فى الأجل القريب أو المتوسط( تقرير الحالة الدينية ، 1997 ، 223- 224).
وبالرغم من اتفاق عدد كبير من الدراسات حول طبيعة موقف الدولة من الجمعيات بصفة عامة ، فقد ارتفع عددها من 7593 جمعية فى عام 1976 إلى 11776 جمعية عام 1986، ثم إلى 13239 جمعية عام 1991 ( قنديل 1994).
كما استمر وزن المكون الديني فى أنشطة الجمعيات الأهلية ، ومنذ نشأة الجمعيات الدينية وهى لا تتحرك فى مجال الدعوى الدينية فقط، ولكن أيضا فى مجالات الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية والتعليمية ، والأكثر من ذلك هو تحويل قطاع كبير من المساجد إلى مراكز تقديم خدمات صحية واجتماعية، وأغلب هذه المساجد قد أسسها الأهالي، ومسجلة بوزارة الشئون الاجتماعية كمقار لجمعيات أهلية،
وتتمثل مصادر تمويلها الأساسية فى أموال الزكاة والصدقات، والأكثر من ذلك أن هناك حوالي 4500لجنة للزكاة منتشرة فى المساجد المصرية فى عام 1990 ، هذا وقد وصلت نسبة الجمعيات الأهلية الإسلامية إلى حوالي 34% من مجموع الجمعيات فى عام 1991 ( قنديل 1994، 1994ب ).
وتضيف دراسة مصطفى ملامح أخرى هامة فيما يتعلق بالجمعيات الإسلامية، حيث منحت الدولة بعض الجمعيات مزايا واختصاصات للسلطة العامة، تشجيعا لعا على مباشرة أنشطة معينة تحتاجها الدولة، أو مكملة للخدمات الحكومية ومعاونة لها، فوفق القرار الجمهوري رقم 750 لعام 1968، تم اعتبار 120 جمعية ذات صفة عامة،
أي تتمتع بخصائص السلطة الآتية:
- 1- عدم جواز الحجز على أموالها.
- 2- عدم جواز تملك أموالها بمضي المدة.
- 3- جواز قيام وزارة الشئون بنزع الملكية للمنفعة العامة التى تقوم بها. ثم صدر القرار الجمهوري رقم 1165 لعام 1969 باعتبار بعض الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات صفة عامة، وعددها 50 جمعية ،
وأخيرا صدر قرار مجلس الوزراء رقم 859 لعام 1985 باعتبار 17 جمعية ذات صفة عامة، هذا وقد بلغ عدد الجمعيات العامة 195 جمعية منها 66 جمعية إسلامية ( مصطفى ، 335 – 344).
تعليقا على ما سبق ، فيما يتعلق بما جاء فى الدراسات التى تناولت طبيعة نشأة الجمعيات الأهلية الإسلامية، وتطورها التاريخ، يمكن القول إن دراسة فرغلى هى الأكثر اقترابا من تحليل تلك النشأة ، إذ استدعتها الضرورة الموضوعية فى سياق تحلل علاقات الإنتاج السابقة على الرأسمالية،
والتغلغل التدريجي والبطيء لعلاقات الإنتاج الرأسمالي " المتخلفة" ، وفى سياق تعرض المنتجين المباشرين من الفلاحين الفقراء والصغار والعمال الأجراء فى الزراعة والصناعة وفى قطاع التناول إلى تشديد الاستغلال الذى تمارسه طبقة كبار ملاك الأراضي الإقطاعيين، الآخذة فى التحلل والتحول التدريج- لأقسام منها- إلى الرأسمالية، والاستغلال الذى تمارسه الفئات الرأسمالية الأجنبية ... الخ،
فضلا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن النهب المالي والتجاري الامبريالي . لقد بدأت الجمعيات الإسلامية فى النشوء فى فترة شهدت تحلل الأشكال القديمة " للتكافل" و" التضامن" ، الأشكال الأبوية والقبلية والجهوية، أو على الأقل عجز هذه الأشكال القديمة عن الاستمرار بصورتها التقليدية ، حتى الأشكال الدينية منها، فى صورتها الفردية والمباشرة ( الصدقة، والبر، والإحسان) ، ومن ثم أتت الجمعيات الإسلامية ( والدينية بل والجمعيات الأهلية بصفة عامة) كمؤسسات جديدة وحديثة للقيام بالوظيفة القديمة للأشكال التقليدية .
وهى وظيفة تخفيف أو تلطيف حدة الصراع الاجتماعي، سواء كان الباعث إلى ذلك دينيا ، أو إنسانيا أو حتى سياسيا ، وهى وظيفة تهدف فى النهاية إلى صون النظام القائم، وإعادة إنتاجه، طالما لم تتجاوز تلك الحدود، وطالما ظلت تؤدى وظائفها الإصلاحية فى حدود النظام القائم.
ولا تعنى هذه الملاحظة استبعاد العوامل الأخرى التى تشير إليها الدراسات السابقة ( مواجهة نشاط البعثات التبشيرية ، والاحتلال ، ومختلف مظاهر التغريب) فهي عوامل ذات أثر مباشر فى نشأة الجمعيات الأهلية، ومن بينها الجمعيات الدينية بنفس المنطق الصلاحى.
وتتعلق ملاحظتنا على الدراسات السابقة التى تناولت الفترة منذ ثورة 1923 وحتى التسعينيات ، بأن هذه الدراسة وإن اتفقت على الطبيعة المعادية للديمقراطية التى اتسمت بها الثورة ، وعلى نقد القانون 32 لعام 1964 الخاص بالجمعيات، إلا أنها أغفلت لطبيعة الإصلاحية التى اتسمت بها إجراءاتها فيما يتعلق بالمجالات الاجتماعية المختلفة، كالتعليم والصحة والإسكان والمواصلات والتأمينات والثقافة، فضلا غن إجراءاتها الإصلاحية فى ميادين الانتهاج الزراعي والصناعي، وعلى وجه التحديد فى فترة صعود البرجوازية البيروقراطية ، وهذه الطبيعة الإصلاحية وإن كانت تدور فى فلك برج وازى بيروقراطي إلا أنها قد أثرت بالسلب فى نفوذ ودور الجمعيات الأهلية بصفة عامة، والإسلامية على نحو خاص،
وذلك حتى نهاية الستينيات على الأقل، وبالرغم من ذلك تمنح الدولة 66 جمعية إسلامية صفة الجمعيات العامة، كما سلفت الإشارة إلى ذلك، وهو رقم يقترب من ثلث الجمعيات الأهلية العامة عام 1985 ،
وتبدأ الدولة خلال السبعينيات فى دعم الحركة الإسلامية والجمعيات الإسلامية فى مقابل قيامها بمواجهة وتصفية النفوذ اليساري فى الجامعات والنقابات العمالية والمهنية وفى الحركة الثقافية، وهو ما يعنى قيام الدولة بتهيئة شروط مواتية لحركة الجمعيات الإسلامية، طالما تدور فى فلكها، وبتوجيه الضربات لها عندما تتجاوز الحدود المسموح بها.
رابعا: العلاقة بين الجمعيات الإسلامية والحركة الإسلامية السياسية
تعد دراسة صيام واحدة من أولى الدراسات التى اهتمت بآليات بناء النفوذ السياسي، والتغيير من أسفل التى تنتهجها الحركة الإسلامية، والدراسة تتناول منظمات الإسلام السياسي مجتمعة، كحركة للتغيير الاجتماع، وهى لا تفرق فيما بين تلك المنظمات ، فمع وحدة الإطار الأيديولوجي المرجعي يصبح الخلاف فى ا لدرجة وليس فى النوع، فاستخدام القنوات الشرعية والرسمية المتاحة للتغيير التدريجي، أو اللجوء للعنف بفرض التغيير بالقوة، لا ينفى فى النهاية قضية التغيير ذاتها كهدف...الخ،
وثمة نوع من التكامل والتساند الوظيفة بين أنشطة وجهود هذه المنظمات، ويمتد هذا التكامل إلى درجة توظيف الدور الذى تقوم به المؤسسات الدينية الرسمية لصالح الحركة الإسلامية، وتعدد الدراسة أسس تطبيق فلسفة بناء القوة والتغيير من أسفل، حتى يمكن نقل أفكار الحركة وشعاراتها إلى مجال الفعل السياسة،
وهذه الأسس هى:
- 1- تكرار المفردات والرموز الدينية ، فى مئات المطبوعات والملصقات الدينية ، وشرائط الكاسيت والشعارات المكتوبة على الجدران، وإطلاق الأسماء ذات المضمون الديني على المنشآت والمؤسسات والتمايز وإطلاق اللحية وطرق التخاطب والتحية.
- 2- التركيز على القضايا الصغرى والجزئية تأكيدا لارتباط النشطاء بالواقع.
- 3- التدرج فى مستويات الحركة والنشاط ، من الوعظ حتى المواجهة السياسية.
- 4- خلق الدوافع الحماسية المحفزة والضامنة للاستمرار.
- 5- تواصل الأجيال.
- 6- إعطاء الطابع الديني لكل أنشطة وفعاليات الحركة نحو المزيد من الشرعية والشعبية.
- 7- اختراق مؤسسات الدولة، وبصفة خاصة مؤسسات الضبط الرسمية ( الجيش والشرطة).
- 8- تعدد مراكز وبؤر النشاط بهدف الانتشار بين الشرائح والفئات الاجتماعية المختلفة، ومن هذه المراكز الاتحادات والنقابات والجمعيات الأهلية والأحزاب، إلا أن المسجد يظل أكثر قواعد نشطاء الحركة السلامية انتشارا.
- 9- الانتقال من الدعاية للأوضاع المؤسسية، بخلق مؤسسات لها طابع الاستمرار والاستقرار.
- 10- تعدد مصادر التمويل، والتي يبرز من بينها إقامة المشروعات الصغيرة ذات الطابع الخدمي فى الأحياء والقرى، فهي مصدر للدعاية والدعم المادي.
وتختبر الدراسة هذه الأسس ميدانيا فى إحدى قرى محافظة الدقهلية ، حيث التزم بها النشطاء فى سعيهم لبناء القوة والتغيير من أسفل، والتي كان من بينها محاولتهم " اختراق" جمعية تنمية المجتمع فى القرية ( صيام، 1992، ص 1- 41).
وبغض النظر عن تعاطف الدراسة واحتفائها بتجربة نشطاء الحركة الإسلامية فى قرية "إخطاب" ، وعن البعض من التعميم والمبالغة فى تقييد الدور التاريخي للإخوان المسلمين، تظل هذه الدراسة من الدراسات العامة التى هدفت إلى بحث آليات تغلغل جماعات الإسلام السياسي فى المجتمع ، ولقد رصدت الدراسة من بين هذه الآليات العمل داخل الجمعيات الأهلية، وإن كانت لم تذكر فى هذا الصدد على مستوى الدراسة الميدانية – سوى جملة واحدة فقط، هى محاولة النشطاء " اختراق" جمعية نامية المجتمع بالقرية.
وتشير دراسة بن نفيسة إلى أن هناك جمعيات ترتبط بما يسمى " بتيار الإسلام السياسي" بينما يرتبط البعض الآخر من الجمعيات " بالإخوان المسلمين" وهم الأكثر اعتدالا وتسامحا ، والبعض الآخر " بالمتطرفين" وتستخدم كستار لأنشطة أخرى كما تشير إلى أن شبكة الجمعيات التى يهيمن عليها التيار السياسي الاسلامى إنما تشمل أكثر من مائة جمعية، طالما أنه فى اللقاء " التاريخي" بين الرئيس السادات وممثلي حركة الإسلاميين قبيل اغتياله، وجهت الدعوة غلى حوالي مائة من رؤساء الجمعيات السياسية المؤثرة ( قنديل وبن نفيسة، 1994 ب، ص 28).
ولا نعرف الأسباب التى تدعو بن نفيسة غلى استبعاد [[الإخوان المسلمين]]، والمتطرفين من بين ما يسمى بالتيار السياسي الاسلامى، كما لا نعرف المنطق الذى استندت إليه للتوصل إلى عدد الجمعيات الأهلية التى يسيطر عليها الإسلام السياسي.
وإن كانت ثمة فائدة لما تطرحه من أفكار، ستكون مفيدة فى دفعنا إلى التساؤل عن الكم والكيف المرتبطين بنفوذ جماعات الإسلام السياسي على الجمعيات الأهلية، والإسلامية منها على نحو خاص، وفى البحث العلمي عن إجابة لهذا التساؤل.
تتميز دراسة مصطفى بالاقتراب من بحث العلاقة بين الحركة الإسلامية والجمعيات الأهلية الإسلامية، وهى تذكر تحت عنوان " الدور السياسي للجمعيات الإسلامية" ما يأتي:
- (أ) لعبت هذه الجمعيات دورا هاما فى الحركة الإسلامية، فكثير من عناصر هذه الحركة على اختلاف التيارات التى تنتمي إليها، كان لها وجود فى هذه الجمعيات، والتي ربما تأتى فى مقدماتها الجمعية الشرعية، وجمعية الشبان المسلمين، وجمعية أنصار السنة.
- (ب) كما يرتبط بالجمعيات الأهلية الإسلامية الدور الذى تلعبه المساجد الأهلية التابعة لها ( التنشئة الدينية والتعبئة) ، وتملك هذه الجمعيات عددا هائلا من المساجد يفوق ما تملكه وزارة الأوقاف، ويزيد من هذا الدور تمركز العديد من عناصر الحركة الإسلامية فى عدد من المساجد.
- (ج) يمارس معظم الدعاة البارزين فى الحركة الإسلامية نشاطهم ( الخطابة والدروس الدينية ) من خلال مساجد الجمعيات الأهلية، وقد انجذبت وراءهم عناصر التيارات الإسلامية لتعطى لهذه الجمعيات ثقلا سياسيا ( الجهاد، والجماعة الإسلامية والسلفيين والإخوان).
- (د) انتشار المساجد التابعة للجمعيات الأهلية الإسلامية جعلها تقترب من " القاعدة" الجماهيرية ، ومن تزيد من دورها فى التعبئة السياسية (مصطفى ، 1995، ص 345- 346).
وتقدم الدراسة أيضا نماذج الدور السياسي للجمعيات الإسلامية عبر الزمن، وتبدأ بالجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، والتي تأسست عام 1912 ، وكان غرضها الاساسى هو الوعظ والإرشاد، واهتمت مبكرا ببناء المساجد، وبمجالات العمل الاجتماعي الخيري،
وأصبح لها الحق منذ عام 1964 فى إنشاء فروع فى القسم الادارى الخاص بها، وبلغ عدد أفرعها فى بداية التسعينيات 350 فرعا مشهرا مما يؤثر على ما تتمتع به من ثقل، وبلغ حجم عضويتها- وفق ما ذكره أحد أعضاء مجلس إداراتها- ثمانية ملايين عضو ( منهم ثلاثة ملايين عضو عامل، والباقي أعضاء بالمساهمة أو المشاركة بالتبرع المادي أو العيني، وتتحفظ الباحثة على هذه الأرقام، فهي مبالغ فيها وتخلط بين العضوية وإظهار الدعم والتأييد للأنشطة المختلفة) ،
كما يصعب حصر مصادر التمويل أو تحديد الحجم الإجمالي له، فهو يمتد لمصادر غير مباشرة كالدعم العيني فى صورة بناء مساجد تابعة للجمعية، أو إهداء مصاحف...الخ.
ويبلغ عدد المساجد التى بنتها الجمعية ستة آلاف مسجد، توفر لها الدعاة والأئمة، كما أنشأت الجمعية معهد " الإمامة للدراسات الإسلامية" فى عام 1967،
وهو لإعداد الدعاة، وتركز الجمعية أنشطتها فى مناطق التركز السكاني والأحياء الشعبية فى العاصمة، كما أنشأت الجمعية العديد من المستوصفات العلاجية والمدارس ودور الحضانة، ومراكز التدريب المهني والحرفي(مشاغل للفتيات، وورش تجارة) ، وفى مجال الرعاية تتبنى الجمعية مشروعات مثل : "الفتاة المسلمة" و " الطفل المعوق" ورعاية الأسرة المسلمة، و " الطفل اليتيم" وهذا الأخير من أهم المشروعات ، فهو يغطى 17 محافظة،
وتبلغ عدد فروعه ومكاتبه 358 فرعا، تكفل 78698 طفلا وطفلة، ويبلغ عدد الأطباء المشرفين على المشروع 3, 737 طبيبا، وفق بيانات عام 1991 ( مصطفى 1995، 348 – 350).
وعن الدور السياسي للجمعية تذكر الباحثة أن الأساس الفكري لمثل هذا النوع من الجمعيات يجعلها بقصد أو بغير قصد – تدخل فى مجال العمل السياسي، كما تخلق الأيديولوجية التى تقوم عليها الجمعية مساحة أخرى للتداخل بينها وبين أي حركة سياسية ذات طابع ديني، وذلك لصعوبة وضع حدود فاصلة بين هذه الأيديولوجية وبين تلك التى تقوم عليها الحركات السياسية الدينية .
ولقد حدث التزاوج فى حالة هذه الجمعية من ناحيتين:
1- لغة الخطاب الذى تستخدمه.
والنشاط التربوي لها، وفيما يتعلق بلغة الخطاب وفى الستينيات، تضمن خطاب الشيخ أمين محمد خطاب ( خليفة الشيخ السبكى مؤسس الجمعية ) الذى كان عنوانه " الإصلاح الديني" تضمن تأكيد ضرورة أن تكون قوانين الدولة كلها مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، وتنظيم المرحلة الأولى من التعليم بحيث تشمل مناهج لحفظ القرآن الكريم،
وإلزام كل من يباشر عملا فى الدولة بتأدية ما فرضه الله عليه خاصة الصلاة والصيام، ووضع نظام لجباية الزكاة ممن وجبت عليه وصرفها للمستحقين، والقضاء على الدعارة السرية، ومصادرة الخمور والمكيفات والمخدرات وغيرها.. وتدخل هذه المبادئ الواردة فى " الإصلاح الديني" مباشرة فى تنظيم شئون الدولة القانونية والسياسية والاجتماعية، ولمختلف مظاهر السلوك الاجتماعي والفردي. ويتأكد هذا المعنى أيضا من خلال ما أورده عبد اللطيف مشتهرى، أحد الأعضاء البارزين فى الجمعية، بكتابه " هذه دعوتنا" بأن " الإسلام دين ودولة ، قضاء وسياسة، مصحف وسلاح، معاش ومعاد" وتلاحظ الباحثة تشابه هذه العبارة مع العبارة الشهيرة للشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة [[الإخوان المسلمين]].
أما فيما يتعلق بالنشاط الاجتماعي والتربوي للجمعية فهي تقريبا نفس الأنشطة التى يتبناها الإخوان المسلمون ، بل ويوجد تداخل فعلى بينهما من خلال المشروعات الاجتماعية، ويعتبر مشروع " الطفل اليتيم" نموذجا لذلك، كما تغلغلت [[جماعة الإخوان]]من خلال علاقتها المباشرة مع بعض قيادات الجمعية.
وحدثت سيطرة شبه كاملة " للجماعة الإسلامية" على فرع هذه الجمعية فى أسيوط موطن تركز هذه الجماعة .
ولقد أدت هذه العوامل إلى صدام مع الدولة عام 1990 ( مصطفى 1995 ، ص 351 – 353 ، والحالة الدينية ، 1996 ، ص 237- 242 ، وحسانين 1999 ، ص 194 – 195).
وتستعرض نفس الدراسة نموذجين آخرين، يرتبط أحدهما بجمعية الشبان المسلمين، وثانيهما بجمعية السنة المحمدية، وتعد الجمعية الأولى من أهم الجمعيات الإسلامية، وتدلل الباحثة على علاقتها بالحركة السياسية الإسلامية بمواقفها السياسية المباشرة ( تجاه أحداث حائط المبكى فى فلسطين 1929 ، والسياسة الفرنسية تجاه البربر فى مراكش ، والجزائر ، والسياسة الاستعمارية الايطالية فى ليبيا، والنشاط التبشيري فى مصر فى تلك الفترة، واعتداءات اليهود المتكررة فى فلسطين، إلغاء الخلافة السلامية فى تركيا ... الخ).
وجميعها مواقف سياسية، كما طالبت الجمعية فى المؤتمر الذى عقدته فى أوائل الثلاثينيات بضرورة العمل على استعادة الخلافة الإسلامية ، وطرح مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، وهما مطلبان يتجاوزان مفهوم العمل الخيري أو التربوي.
وفيما يتعلق بعلاقة جمعية " الشبان المسلمين" مع " الإخوان المسلمين" فقد ساهم الشيخ حسن البنا- وفق ما جاء فى مذكراته- هو وعدد من زملائه فى إنشاء هذه الجمعية، ويستخلص طار البشرى من هذه المذكرات أن الشيخ حسن البنا يعتبر نفسه الموجه الأول لإنشاء الجمعية،
وأنه وصحبه هم المحركون لها، من خلال الجيل الأقدم الذى تولى الصدارة فيها، وكان مقر الجمعية فى القاهرة هو مكان عقد اجتماعات ومحاضرات الشيخ حسن البنا ، وكان ينشر فى مجلة " الفتح" ، ويستخلص البشرى أن هذه الجمعية ، رغم استمرار بقائها، كانت مقدمة وتمهيدا لجماعة الإخوان( مصطفى ، 1995، ص 345- 356 وتقرير الحالة ا لدينية 1997، ص 312 – 319 ، وحسانين 1999 ، ص 194 – ص 195).
وتضمن تقرير الحالة الدينية إشارة إلى أن معظم الجمعيات التطوعية لا ترتبط بالجماعات الإسلامية الراديكالية على الرغم مما يظهره نمو الجمعيات الإسلامية من جذور سياسية فى مجال التكافل الاجتماعي،
وأنه ربما يمكن فهم أسباب اتساع الجدل حول الجمعيات الأهلية السلامية، من خلال ملاحظة ما تتسم به من تعقيد وتداخل خطاباتها الأيديولوجية ، كتعبير عن حالة التباين داخل التيار الاسلامى، ما بين جمعيات ذات إسناد حكومي، وجمعيات إسلامية ذات نشاط اجتماعي، وإن كانت المحصلة تتمثل فى صعوبة الفصل بين هذه الجمعيات التى تتبنى أيديولوجية مشابهة، فإن ما يزيدها صعوبة هو ظهور أكثر من خطاب داخل الجمعية الواحدة.
ويتجلى ذلك فى المسجد الذى شكل دورا بارزا عن وجود بعض عناصر التنشئة الدينية والتعبئة، إلى جانب دوره الاجتماع، فضلا عن وجود بعض عناصر الحركة الإسلامية فى هذه الجمعيات، من أمثال الجمعية الشرعية، وجمعية أنصار السنة، وجمعية الشبان المسلمين، ومن المعروف أن بعض هذه الجمعيات قد تم حلها ضمن قرارات سبتمبر 1981 ، لقيامها بأنشطة سياسية " تتناقض مع الدور الذى قامت لأجله، مثل جمعية الهداية الإسلامية التى يرأسها الشيخ حافظ سلامه (الحالة الدينية 1996 ، ص 23).
وتستخلص من الدراسات السابقة التى تناولت العلاقة فيما بين حركة الإسلام السياسي والجمعيات الأهلية الإسلامية، أن هذه العلاقة لا تقوم إلا فى عدد من الجمعيات الإسلامية، حتى أنه يمكن القول إن معظم الجمعيات الأهلية الإسلامية بعيدة عن النفوذ السياسي أو حتى التأثير السياسي لحركة الإسلام السياسي. كما أن هذه العلاقة قد تنشأ بشكل تاريخي بسبب وجود واحد أو أكثر من القيادات التاريخية للإخوان المسلمين فى قيادة الجمعية ، أو وجود علاقات قوية بين الإخوان المسلمينومؤسسيها، وقد تنشأ بسبب تغلغل نشطاء حركة الإسلام السياسي داخل الجمعية والسيطرة عليها، أو فى حالة التقاء المصالح بين الدولة وبين جماعات الإسلام السياسي فى فترة محددة ولأهداف محددة وتسمح لهم بالنفاذ إلى جمعيات بعينها، مثلما حدث فى منتصف السبعينيات.
خامسا : العلاقة بين الدولة والجمعيات الأهلية الإسلامية
بالإضافة غلى ما سبقت الإشارة إليه فى الصفحات السابقة، فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والجمعيات الإسلامية، نبدأ باستبعاد معظم الجمعيات الأهلية الإسلامية التى لا تؤدى أدوارا سياسية، أو تلك التى تدور فى الفلك السياسي للنظام القائم، من الخضوع للقوانين التى تحكم العلاقة بين الدولة والجمعيات الأهلية الإسلامية التى تلعب أدوارا سياسية مناوئة لسياسات الدولة وتوجهاتها، اللهم ما يحكم جميع المنظمات الأهلية من قوانين وأحكام، وعلى رأسها قانون 32 لعام 1964 .
وإن كانت مواد هذا القانون لا تمارس فى معظم الأحوال إلا فى مواجهة الجمعيات الأهلية المناوئة لسياسة الدولة، سواء كانت هذه الجمعيات دينية أو غير ذلك.
فقد قامت الدولة بحل مجلس إدارة الجمعية الشرعية فى عام 1968 وتعيين مجلس آخر برئاسة الفريق عبد الرحمن أمين، وكان سبب ذلك الصدام ظهور شبه ازدواج العضوية والخطاب داخل الجمعية،
كما شهدت السبعينيات نوعا من المواجهة مع الدولة، وفى عام 1981 شهد فرع الجمعية فى أسيوط أزمة أخرى تمثلت فى تزايد فصائل " الجماعة الإسلامية" بداخله حيث استفادت هذه لجماعة من الأنشطة التى تقوم بها الجمعية للسيطرة على فرعها بأسيوط، وبدأ ذلك من خلال بيوت الطلبة التى كانت تقوم بتأجيرها للطلاب، فضلا عن استخدامها للمجلس التابع للجمعية فى أسيوط لعقد لقاءاتها وندواتها،
حتى انتهى الأمر بالسيطرة شبه الكاملة للجماعة الإسلامية على فرع الجمعية الشرعية بها لتشكل أكبر مواجهة حدثت بين الدولة والجمعية، إذ لم تقتصر الدولة على تعيين مجلس إدارة جديد من موظفي الشئون الاجتماعية، بل امتد الأمر إلى ضم مسجد الجمعية إلى الأوقاف، كما حدثت مواجهة أخرى عام 1990 حيث كان نجاح بعض أعضاء الجمعية من ذوى الاتجاه الداعي لتسييس دور الجمعية، وهم من الإخوان المسلمينالعمومية،
وتعيين مجلس إدارة جديد من أبناء الجمعية، ولما لم تستطع الدولة إيجاد آلية قانونية تمكنها من تثبيت الوضع الجديد، واستطاع المجلس المنحل للحصول على حكم قضائي بالعودة لتدخل الجمعية فى دوامة عدم الاستقرار ( الحالة الدينية ، 1996، ص 242 مصفى 1995، ص 353- 354).
وثمة أسئلة أخرى تدل على تدخل الدولة فى حالة قيام الجمعيات الأهلية الإسلامية بأنشطة سياسية مع سياسات الدولة، مثلما حدث عندما تعرضت " جمعية أنصار السنة المحمدية" للاندماج القسرى مع الجمعية الشرعية، فى الحقبة الناصرية، بسبب علاقاتها بالسعودية، وأعيدت بقرار فى عهد السادات( مصطفى 1995، 359- 360) ، ومثلما تم التحفظ على بعض هذه الجمعيات، بقرارات سبتمبر 1981، ومنها " جمعية الهداية الإسلامية " التى يرأسها الشيخ حافظ سلامة، أحد الدعاة البارزين، والذي أقصى عنها، ثم عاد بحكم قضائي ( نفس المرجع، ص 346).
ويسجل تقرير الحالة الدينية أن ثلث الجمعيات الأهلية التى تم حلها عام 1996 فى جمعيات أهلية إسلامية ( 42 جمعية إسلامية من مجموع 126 جمعية) ،
وكانت مبررات الحل التى شهدتها 126 جمعية قد استندت لعدم انعقاد الجمعيات العمومية، وعد تحقيق الأغراض، ومخالفة مواد القانون 32 لعام 1964 ، وتوقف النشاط. وتحتل محافظة المنيا المرتبة الأولى فى عدد من الجمعيات الإسلامية التى حلت ( 9 حالات) ثم المنوفية ( 9 حالات) ، ثم الجيزة ( 5 حالات) ثم الأسكندرية (4 حالات) ،كما يسجل التقرير أن عدد حالات رفض الإشهار بلغ 9 حالات.
وكانت المبررات الأمنية قد شكلت الدافع وراء رفض الإشهار ( 3 حالات) تركزت فى محافظة كفر الشيخ، وتجاه جمعيات إسلامية ( الحالة الدينية ، 1997، ص 310).
سادسا: الخاتمة
نستخلص من العرض الذى قدمناه لما هو متاح من الدراسات السابقة حول موضوع الجمعيات الأهلية الإسلامية:
أولا: ندرة هذه الدراسات
ثانيا : كان اهتمامها بموضوع الجمعيات الأهلية الإسلامية اهتماما ثانويا وجزئيا بين اهتماماتها الأخرى.
ثالثا: اقتصار معظم هذه الدراسات على اسم الجمعية ونوع النشاط كمعيارين لتصنيف جمعيات إسلامية، بينما يضيف عدد محدود منها معيار تفعيل النشاط الديني إلى هذين المعيارين، ونوصى بإجراء مسح شامل يهدف إلى استقصاء واقع الجمعيات الأهلية الإسلامية وفق المعايير الثلاثة، كما يمكن إضافة معيار رابع يفيد فى التمييز فيما بين الجمعيات السلامية ذاتها، وهو حدود علاقاتها بكل من حركة الاسلامى السياسي والدولة.
رابعا: تناولت معظم الدراسات السابقة نشأة الجمعيات الأهلية الإسلامية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ، كرد فعل لعوامل التحديث الذى يسعى غلى محاكاة الغرب، ولمواجهة البعثات التبشيرية الدينية ، والاحتلال الانجليزي ( 1882) بينما يفسر عدد أقل من الدراسات تلك النشأة بضرورة موضوعية تتمثل فى تفسخ وتحلل الأشكال السابقة والتقليدية للروابط الأبوية والطائفية والاثنية، وحلول ظواهر أخرى مثل الفردية والعلمانية وانتماءات الوطن والقومية والطبقة الاجتماعية، وبروز منطق الإصلاح الاجتماع الذى يعيد إنتاج النظام بالتخفيف من تناقضاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتتفق معظم الدراسات على نقد القانون 32 لعام 1964 الخاص بالجمعيات الأهلية أو الذى أصدرته الدولة لتقييد حركة العمل الأهلي، بإخضاعه لأحد أجهزتها البيروقراطية ( وزارة الشئون الاجتماعية).
كما تفسر معظم الدراسات زيادة الوزن النسبي للجمعيات الأهلية الإسلامية من زوايتى بمعدلات غير مسبوقة بهدف السيطرة والهيمنة السياسية على الصراع الاجتماعي والسياسي الذى كان آخذا فى التبلور، وكان الاتفاق مع الإخوان المسلمينمن قبل الدولة وعودتهم إلى النشاط لحظة من لحظات الخطاب ( مبارك، 1995، 111- 122، وعوض وتوفيق 1996 ، مواضع متفرقة وبكر، 1996 ، ص 90 – 105) . وأدى ذلك إلى تغلغل حركة الإسلام السياسي داخل عدد كبير من الجمعيات الأهلية الإسلامية.
خامسا : اتفاق معظم الدراسات السابقة على سعى حركة الاسلامى السياسي إلى النفاذ داخل المؤسسات القائمة ومن بينها الجمعيات الأهلية الإسلامية سواء فى النصف الأول أو الربع الأخير من القرن العشرين، كما رصد بعض هذه الدراسات آليات تغلغل الإسلام السياسة فى تلك المؤسسات.
ونستخلص أخيرا، اتفاق عدد كبير من الدراسات السابقة على توصيف العلاقة بين الدولة والجمعيات ألأهلية الإسلامية، فهي تتراوح بين توظيف الدولة لأنشطة هذه الجمعيات فى إطار خطابها الديني السياسي، بهدف السيطرة والهيمنة على الصراع الاجتماع والسياسة، وبين توجيه الضربات إلى بعض تلك الجمعيات التى تتجاوز الحدود التى منحتها لها سلطة الدولة، وحتى رفض إشهار بعض الجمعيات الأهلية الإسلامية فى أحيان أخرى.
الفصل الثاني حركة الإسلام السياسي أسباب النشأة ومحددات الازدهار وآليات العمل والانتشار
لم تحظ ظاهرة مثل الظاهرة الإسلامية بهذا الاهتمام غير المسبوق والذي تجلى فى كم هائل من الدراسات العربية والأجنبية خاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة.
ويعود ذلك بلا شك إلى عدة اعتبارات : منها أن الحركة الإسلامية خاصة الجناح الراديكالي فيها، تمثل أكبر التحديات التى تواجه الأنظمة العربية بحكم أنها فى طليعة القوى المطالبة بالتغيير الجذر وكذلك بحكم ما تسطير عليه من ترسانة هائلة من الأسلحة لتحقيق أهدافها.
ناهيك عن أنها من أكثر القوى التى تتمتع بشعبية كبيرة وسط المواطنين الفقراء والمهمشين لما تقدمه من مساعدات اجتماعية لهؤلاء خاصة فى المناطق التى لا توليها الدولة أدنى اهتمام.
وأخيرا ما تتمتع به الظاهرة الإسلامية من ديمومة واستمرارية كبيرة رغم ما تعرضت له على مر تاريخها من قمع.
فعمر الظاهرة الإسلامية فى شكلها التنظيمي الحديث يعود إلى عام 1928- وهو عام نشأة جماعة الإخوان المسلمين.
وعلى مر السبعين عاما هذه مرت الحركة الإسلامية بمراحل عديدة وخضعت لموجات مد وجزر وعلاقة متغيرة بالدولة والمجتمع.
كما طرأت عديد من التغييرات على أطرها الفكرية وبناها التنظيمية والآليات التى تستخدمها.
تساؤلات الدراسة: تسعى الدراسة للإجابة عن عدد من التساؤلات:
- 1- ما أثر التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى شهدها المجتمع المصري منذ منتصف السبعينيات، وعلى وجه الخصوص فى أعقاب تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادي على حركة الاسلامى السياسي.
- 2- هل أدى التزام الدولة بتطبيق حزمة سياسات التكيف الهيكلي 87- 1998 إلى تزايد تأثير حركة الإسلام السياسي، وما مؤشرات ذلك؟
- 3- ما هى سمات التركيب الديمغرافى لقوام حركات الإسلام السياسي؟
- 4- ما هى الآليات التى تستخدمها هذه الحركات للعمل وبناء النفوذ؟
وعلى هذا فإن الدراسة ستتناول النقاط الآتية:
- 1- التطور التاريخي للظاهرة الإسلامية- خلفية تاريخية موجزة.
- 2- التطور الديمغرافى فى الحركة الإسلامية الراديكالية .
- 3- العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية التى أدت لظهور حركات الإسلام السياسي الراديكالي وزيادة تأثيرها.
- 4- آليات عمل الحركات الإسلامية الراديكالية.
- 5- الخلاصة.
أولا: التطور التاريخي للظاهرة السلامية فى مصر – خلفية تاريخية موجزة
يعود نشوء الظاهرة الإسلامية فى صورتها التنظيمية والحركية إلى أواخر العشرينيات من هذا القرن عندما تأسست جماعة الإخوان المسلمينعام 1928 .
أما قبل ذلك فقد اقتصر التعبير عن الظاهرة الإسلامية على مجرد التعبير الفكري خاصة منذ أوائل القرن الماضي. وتمثل ذلك فى الإسهامات الفكرية لرفاعة الطهطاوي 1801- 1873 وجمال الدين الأفغاني 1938- 1897 ومحمد عبده 1849 – 1905 ورشيد رضا 1865- 1935 والتي تركز اهتمامها بالأساس حول كيفية إحياء الأمة الإسلامية والنهوض بها.
أما بدايات ظهور حركات الإسلام السياسي فى صورتها الراديكالية فإنها تعود غلى عقد الستينيات من هذا القرن. وقد كانت جماعة الإخوان المسلمين الجماعة الأم التى خرجت من عباءتها تلك الجماعات الراديكالية بعد أن قضوا سنوات طويلة فى السجون بسبب انتمائهم للإخوان المسلمين.
وعموما فإن متابعة التطور التاريخي للظاهرة الإسلامية سواء فى صورتها الفكرية أو الحركية منذ نهايات القرن الماضي حتى ألآن يلاحظ أن هناك دوما علاقة ارتباطيه قوية بين صعود المد الاسلامى وسيادة حالة من الاغتراب والقلق فى المجتمع إما نتيجة هزيمة خارجية أو أزمات اجتماعية داخلية. وانطلاقا من هذا الفرض يحدد بعض الباحثين عدة موجات مرت بها الظاهرة الإسلامية فى صورتها الفكرية والحركية. تمتد الموجة الأولى من 1880- 1910 وهى الموجة التى تلت انكسار ثورة عرابي والاحتلال البريطاني 1882 .
أما الموجة الثانية فتمتد من 28- 1954 وقد تواكبت مع حربين عالميتين وكساد اقتصادي وهزيمة عربية وحالة من التوتر والتناقض الاجتماعي الحاد.
أما الموجة الثالثة فتمتد من 71- 1998 وقد شهدت الحروب العربية الإسرائيلية 67- 73 كما شهدت تغيرا دراماتيكيا لحق كافة مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
فيما يتعلق بالموجة الثالثة- وهى محل التركيز فى هذه الدراسة- يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل فرعية، كل مرحلة بإيقاع متدرج ثم انتهت بذروة وضعت حركة الاسلامى السياسة على قائمة الأجندة الوطنية.
تمثلت المرحلة الأولى فى اختطاف الشيخ الذهبي وزير الأوقاف الأسبق واغتياله من قبل جماعة التكفير والهجرة فى عام 1977.
بينما كان اغتيال الرئيس السادات هو ذروة المرحلة الفرعية الثانية 1981 .
أما المرحلة الثالثة فقد بلغت ذروتها بمحاولة اغتيال الرئيس مبارك بأديس أبابا فى عام 1995.
ثانيا : التركيبة الديمغرافية لحركات الإسلام السياسي الراديكالي
إن التعرف على التركيبة الديمغرافية لقوام حركات الإسلام السياسي الراديكالي من حيث العمر ومكان المنشأ والإقامة ومستوى التعليم أمر فى غاية الأهمية وذلك لأن الحركات الاجتماعية بصفة عامة والحركة الإسلامية باعتبارها إحدى هذه الحركات بصفة خاصة ما هى إلا نتاح وضع سوسيو اقتصادي بالأساس وتجميد أكيد لما يسود المجتمع من تناقضات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية.
وسنعتمد فى دراسة هذه السمات الديمغرافية على عدد من الدراسات الميدانية التى اهتمت بمعرفة الأصول الاجتماعية لعينات من شباب الحركات الإسلامية الراديكالية التى تم القبض عليهم.
فمن واقع دراسة قام بها نوير على عينة من شباب التنظيمات الإسلامية الراديكالية عقب أحداث 1981 وبالتحديد تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية، وجد أن 50, 2 % من المقبوض عليهم من إجمالي عينة بلغ حجمها 441 مفردة- تتراوح أعمارهم من 20 إلى 25 عاما، و27,7% تتراوح أعمارهم بين 35-35 سنة (5) .
وبالنسبة لتصنيفهم المهني، بلغت نسبة الطلاب فى هذه العينة 47,9% تلاهم فى الترتيب موظفو العام والحكومي بنسبة 18,1% (6).
ومن حيث الإقامة والتوزيع الجغرافي، بلغت نسبة من يقيمون بالقاهرة الكبرى ( القاهرة والجيزة والقليوبية) 51% من حجم العينة، بينما جاءت محافظات الصعيد فى المرتبة الثانية إذ بلغت نسبة من ينتمون إليها 38% من حجم العينة ( سوهاج 11,3% - أسيوط 10,3% - المنيا 7%) .
وكانت أدنى النسب من نصيب محافظات الدلتا 6,7% من حجم العينة) (7).
ومن واقع دراسة أخرى سعت للتعرف على الأصول الاجتماعية والاقتصادية لقوام حركات الإسلام السياسي- قامت بها نعمة حسنين وسعد الدين إبراهيم- فى عقد التسعينيات ظهرت نفس النتائج تقريبا.
فمن واقع عينة بلغ عددها 818 مفردة، برز انخفاض المستوى العمري ، 48% من العينة تتراوح أعمارهم من 20 إلى 25 عاما، بينما تتراوح أعمارهم من 25 إلى 30 عاما.
وبالنسبة لتصنيفهم المهني ، فقد بلغت نسبة طلبة الجامعة فى هذه العينة 43% تلاهم فى الترتيب طلبة المرحلة الثانوية إذ بلغت نسبتهم فى العينة 29% ، ثم جاء فى المقام الثالث طلبة الدراسات العليا والخريجون إذ بلغت نسبتهم 20 % وعن محل الإقامة، فقد تركز فى المناطق العشوائية 36% من حجم العينة، وفى المدن 31% وفى الريف 18% من حجم العينة(8).
واستنادا لنتائج دراسة أخرى قام بها هشام مبارك على عينة من المعتقلين من تيار الجهاد عام 1993، وجد أن 39,6% من حجم العينة البالغ عددها 1292 مفردة تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 24 عاما. وإن 25,3% يقفون فى الفئة العمرية من 25 إلى 29 عاما.
وإن 24% يبلغون من 30 عاما فأكثر. وبالنسبة لتصنيفهم المهني فقد وجدت الدراسة أن الطلبة يبلغون 30,2% من حجم العينة، يليهم أصحاب المهن إذ تبلغ نسبتهم 22،9% ، يليهم العاطلون إذ ظهروا بنسبة 12,6% ثم الحرفيون والعمال بنسبة 12,2% وعن محل الإقامة، احتلت محافظات الوجه القبلي موقع الصدارة، إذ بلغت نسبة من ينتمون إليها من إجمالي العينة 55,1% قنا- أسيوط- الفيوم ( 257 مفردة- 29 مفردة- 125 مفردة على التوالي من إجمالي 712 مفردة تخص محافظات الوجه القبلي) .
ثم جاءت بقية محافظات الوجه القبلي فى مرتبة تالية: المنيا- بنى سويف- سوهاج .
أما نصيب القاهرة الكبرى فقد وصل إلى 31,7% من حجم العينة، بينما نصيب محافظات الوجه البحري فلم يتجاوز 11,8% (9).
خلاصة ما سبق ثلاث نتائج أساسية:
- 1- يقع قوام الحركات الإسلامية الراديكالية فى الفئة العمرية من 20 إلى 30 عاما.
- 2- تمثل شرائح الطلبة والخريجين والعاطلين وموظفي الحكومة والقطاع العام النسبة الغالبة منهم.
- 3- تتركز إقامتهم فى المناطق التى تعيش على هامش التنمية أو المناطق التى لا تتمتع بأدنى اهتمام من قبل الدولة وتعانى من كافة مظاهر الفقر والتهميش الاجتماعي وعشوائيات القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه القبلي).
ثالثا: العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التى أدت إلى ظهور حركات الإسلام السياسي الراديكالي وزيادة تأثيرها سعيا نحو التفسير
• هزيمة 1967: كانت هزيمة 1967 صدمة عنيفة، فقد كان هناك تصور واحد هو النصر والقضاء على إسرائيل ككيان سياسي.
ولم تحسب القيادة المصرية بدائل للاحتمالات الأخرى ، فشحنت الجماهير حماسا للقتال وثقة فى النصر، ثم كانت النكسة التى أحبطت مشاعر الإنسان العربي وهزت قيادته وزلزلت الإحساس القومي بالانتماء إلى أمة ذات تاريخ مجيد، فكان البحث عن هوية أخرى غير الهوية القومية.
كما تولد لدى ا لناس شعور عميق بأن ابتعاد حكم الرئيس عبد الناصر عن تغليب العامل الديني فى اتخاذ القرار السياسي هو المسئول عما حاق بالعرب عموما والمصريين خصوصا من يأس يقترب من حافة الانهيار.
بل لقد استيقظ لدى ا لمصريين إحساس بأن العودة إلى الله قد يكون هو السبيل لاستعادة التوازن المفقود والخروج من الهزيمة (10) فضلا على أنه هناك قوى متجذرة وعضوية فى المجتمع اعتقد البعض واهما إمكانية نفيها عن الساحة المصرية مما دفع لطرح مشروع بديل وهو المشروع الاسلامى(11) وعلى هذا فقد انتشرت مظاهر التدين بشكل حاد فى الفترة التالية للهزيمة والتي تزامنت أيضا مع تصاعد موجات الإحباط والسخط الاجتماعي لدى قطاعات واسعة من المواطنين.
• أزمة الشرعية: برحيل الرئيس عبد الناصر فى سبتمبر 1970 اتجه السادات لإحداث تغييرات فى سياسات مصر الداخلية والخارجية فى محاولة لتجاوز ما يعانيه من أزمة شرعية سياسية، لذا كان سعى السادات للبحث عن مصادر جديدة للشرعية غير الكاريزما التى كان يتمتع بها جمال عبد الناصر .
• وقد ازدادت هذه الحاجة إلحاحا مع تأجيل السادات لقرار الحرب عدة مرات.
وقد كان البديل- من وجهة نظر السادات- لدعم شرعيته الاستعانة بالتيارات الإسلامية لمواجهة القوى المناوئة له فى الجامعات والنقابات المهنية، لذا سمح للعناصر الإسلامية بالتدريب العسكري والارتباط الإسلامية كان يحقق مصلحة للطرفين، فمن ناحية منحت هذه الفصائل شعاراتها الدينية نوعا من الشرعية كان يفتقدها السادات،
كما كانت هذه العلاقة امتدادا موضوعيا لمشروع السادات الداعي للتعاون مع دول الخليج. ومن ناحية أخرى فقد مكن هذا التحالف الجماعات الإسلامية من العمل بهدوء ودون ضغط من الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن تيارات الإخوان المهاجرة لدول النفط لعبت دورا واضحا فى ظهور هذا التحالف، ولأن دول الخليج أصبحت قبلة طرفي التحالف لأسباب مختلفة ، فلم يكن غريبا أن تتم عودة الإخوان عبر بوابة السعودية.
• فورة النفط وصعود دوله: أدت حرب 1973 إلى زيادة العائدات النفطية لعديد من دول الخليج أو ما يطلق عليه حدوث فورة نفطية.
وقد أثرت هذه الفورة فى زيادة قوى الظاهرة الإسلامية. فالسعودية التى ازداد وزنها السياسي والاقتصادي فى العالم الاسلامى اتجهت لتقديم الدعم والمساندة المادية لبعض الجماعات والتنظيمات الإسلامية. كما لعبت دورا أكثر فاعلية من أجل تدعيم التضامن بين الدول الإسلامية فى منظمة المؤتمر الاسلامى.
كما كان حرص السادات على تحسين علاقته بهذه الدول النفطية مقترنا بتبني بعض الشعارات الإسلامية مثل دولة العلم والإيمان والتأكيد على الطابع الاسلامى لنظام الحكم.(15)
• زيارة السادات للقدس واتفاقيات " كامب ديفيد".
كانت زيارة السادات للقدس بداية تدهور علاقته بالجماعات الإسلامية.
فقد لعبت سياسة الصلح مع إسرائيل دورا رئيسيا فى إعطاء حركة الإسلام السياسي مبررا قويا لمواجهة النظام بدعوى تفريطه فى واجب ديني وهو تحرير القدس.
وقد كان لتراجع الأزهر ودار الإفتاء عن الموقف السابق المنادى بالجهاد لتحرير فلسطين أثره فى دعم اتجاه الرفض السياسي الاسلامى لما مثله هذا التراجع من اهتزاز مصداقية المؤسسة الدينية الرسمية لصالح الاتجاهات الإسلامية الراديكالية.
فقد تم اعتبار سياسة الصلح تجاوزا خطيرا وإمعانا فى الخروج على الإسلام بالتصالح مع أعداء الله ورسوله والتفريط فى القدس (16).
وقد دعم هذا الاتجاه سياسات السادات الساعية للتقرب من الغرب وإيوائه شاء إيران.
• سياسة الدولة تجاه جماعات الإسلام الراديكالي:تبنت الدولة سياسة تجاه جماعات الإسلام السياسي الراديكالي يمكن أن يطلق عليها، وفقا لأحد الباحثين " بسياسة التسامح القمعي" (17) ويمكن اعتبارها أيضا بأنها نوع من تواطؤ الدولة مع هذه الجماعات وأبرز مثال ما كان يحدث فى أسيوط منذ 1977 حتى اغتيال السادات ثم فى الفترة الواقعة من أوائل الثمانينيات حتى منتصفها.
كانت أسيوط وجامعتها نقطة البداية فى مسار الجماعات الإسلامية فى السبعينيات، فعلى الرغم من أن زيارة السادات للقدس كانت بداية الصدام بين الجماعات الإسلامية والنظام الحاكم، فإن المحافظ الإخوانى السابق وصديق السادات محمد عثمان إسماعيل 73- 1982 ظل يحتضن الجماعات الإسلامية.
كما تواطأت إدارة جامعة أسيوط بالصمت والمهادنة على طريق " دعه يعمل دعه يمر" مع الجماعات الإسلامية، مما سمح بالانتشار الكبير لهذه الجماعات إلى الحد الذى جاورت فيه حجرة أمير الجماعة الإسلامية لهذه الجامعات، وهو فى نفس الوقت رئيس اتحاد طلبة جامعة أسيوط- حجرة رئيس الجامعة والذي كان هو الآخر الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي فى عام فقد جرى السكوت عن عديد من ممارسات الجماعات الإسلامية فى جامعة أسيوط فقد تم الفصل بين الذكور والإناث داخل وخارج الجامعة وإيقاف جميع أشكال الأنشطة الطلابية وإيقاف المحاضرات للصلاة وضرب الخارجين على الشرع الاسلامى، ومهاجمة محلات الذهب والفيديو واحتجاز الطلاب المسيحيين داخل الحرم الجامعي وأخذهم رهائن نكاية فى النظام وإظهارا لضعفه.
ولمتحرك الحكومة ممثلة فى محافظ أسيوط ولا رئي الجامعة ساكنا، بل جرت مفاوضات بينها وبين الجماعات الإسلامية عضدت من مواقع الأخيرة وقوت شوكتهم، بل أبرزت قوتهم المسيطرة على جميع مواقع السلطة فى أسيوط دون منازع.
لم يقتصر الدعم على الدعم الأمني والسياسة بل امتد للدعم العالي من خلال ما قدمه عثمان أحمد عثمان من دعم لهذه الجماعات.(18)
ولم ينته هذا الوضع مع إقالة محمد عثمان إسماعيل عام 1982 .
فقد تولت قيادات أخرى- موالية للنظام الجديد- ولكنها أقل اقتدارا، كما تم الاحتفاظ برئيس الجامعة.
ومع عام 1986 بدأ ينمو نشاط الجماعة السلامية مرة أخرى، فخروج محمد عثمان إسماعيل لم يؤد إلى تغير فى سياسة الدولة فى التعامل مع هذه الجامعات تغيرا هيكليا فبعد الإفراج عن كوادر الجيل الثاني من الجامعة الإسلامية 84- 1985 وعودتهم لكلياتهم فى جامعتي المنيا وأسيوط بدأت هذه الجماعة عملها بطريقة تقليدية حيث اتبعت نفس الأساليب التى استخدمتها قيادات الرعيل الأول فى السبعينيات ، فأعدت نشرة صغيرة مع بداية العام الدراسي بعنوان: من نحن وماذا نريد؟
جرى توزيعها على نطاق واسع وتضمنت تعريفا للجماعة السلامية، ثم بدأت مرحلة تقديم الخدمات للطلبة ثم الانتقال لمرحلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأعلنت الجماعة مسئوليتها عن أعمال العنف الواسعة فى أسيوط، ورغم ذلك لم تتعرض لها جهات الأمن، ولم تتدخل الشرطة إلا فى بعض الفترات التى تعرضت فيها المؤسسة الأمنية لإحراج شديد .
وقد أظهرت أعمال العنف التى قامت بها الجماعة مدى تواطؤ وضعف جهاز الشرطة. فمنذ عام 84- 1988 كانت الجماعة نشطة للغاية ولم تتعرض لها الشرطة إلا فى عام 1988 وهو عام تصاعد عنف الجماعة ضد الطلبة إلى حد لا يطاق مما دفع الشرطة للتدخل بإطلاق الرصاص وتعكس هذه الوقائع أن الدولة ظلت تتعامل مع الجماعة الإسلامية بسياسة التسامح القمعي، فالدولة تترك الجماعة وتتسامح معها لتعمل فى هدوء وتمارس عنفها ضد المواطنين وعندما يصل العنف إلى حد لا يمكن إخفاؤه أو يؤدى إلى إحراج المؤسسة الأمنية يكون القمع المخالف للقانون أيضا.
وفى الواقع فإن سياسة التسامح القمعي ظلت هى السمة الأساسية الأمنية المتبعة حيال الجماعة الإسلامية باستثناء فترتين فترة اغتيال السادات 1981 وأحداث ضرب السياحة 1992 (19).
رغم ما يتمتع به المجتمع المدني فى مصر من تجذر تاريخي طويل المدى يعود إلى أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن ورغم ما يتوفر له من ثراء من حيث الكم،بمعنى وجود عديد من المنظمات الوسيطة بين الفرد والدولة ( 14 حزبا سياسيا- 23 نقابة مهنية – 23 نقابة عمالية – 14,700 جمعية أهلية – 8 منظمات رجال أ‘مال – 35 شركة مدنية – 15600 تعاونية) (21) فإنه فى التحليل الأخير يعانى من عديد من جوانب الخلل والضعف، مما يجعله ظاهرة كمية تفتقر للكيف.
ومن أبرز جوانب الضعف والخلل:
• سيادة الطابع النخبوي للمجتمع المدني مما يجعله غير قادر على التغلغل فى نسيج المجتمع المصري وتمثيل قواها الاجتماعية تمثيلا حقيقيا وفعالا والنتيجة وجود فراغ سياسي هائل لا يجد من يملأه سوى التطرف بكل صوره.
فعلى سبيل المثال الأحزاب السياسية تعد أقرب للنوادي السياسية منها للأحزاب الجماهيرية، مما دفع عديد من المحللين السياسيين لوصفها بأنها أحزاب صحف ومقار أكثر منها أحزابا جماهيرية.
فعضوية الأحزاب السياسية آخذة فى التقلص ، مما يؤكد عدم قدرتها على استيعاب الأجيال الجديدة التى تتجه قطاعات منها للعنف والتطرف( 22).
• وجود أزمة ديمقراطية متأصلة تعانى منها كافة مؤسسات المجتمع المدني وتتمثل مظاهرها فى ضعف أو انعدام دور النخبة وتحجر القيادات فى مواقعها لسنوات بل عقود عديدة والصراع على السلطة وإيقاف الانتخابات والانشقاقات الداخلية.
• إصرار الدولة المصرية على تكبيل حركة المجتمع المدني بكافة منظماته بشتى السبل سواء كانت قانونية أو سياسية ( تعديل قانون الأحزاب السياسية رقم 36 لسنة 1979 قانون النقابات المهنية 100 لسنة 1993 التدخل فى الانتخابات المهنية والنقابية أو تعطيلها- حل بعض منظمات المجتمع المدني مثل بعض الجمعيات الأهلية..) ( 23).
وهكذا يقع المجتمع المدني فى مصر بين سندان ضعفه الداخلي ومطرقة الدولة والنتيجة فراغ سياسي منقطع النظير وبنية حاضنه للتطرف بكافة أشكاله.
1-العوامل الاقتصادية والاجتماعية
يعد تغير توجه الدولة الاقتصادي هو العامل الاقتصادي المحوري فى هذا السياق. فبدءا من عام 1974 والذي تم فيه تبنى سياسة الانفتاح الاقتصاد مرورا بكل ما حدث حتى تم الالتزام منذ عام 1987 بتطبيق حزمة سياسات المؤسسات المالية الدولية الخاصة ببرامج التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي، يمكن القول إن الخط العام للسياسة الاقتصادية – منذ عام 1974 حتى الآن هو السعي المستمر نحو الاندماج فى السوق الرأسمالي العالمي.
وقد ترتب على هذه السياسة عديد من الآثار الاجتماعية الخطيرة.
فتبنى النظام السياسي لهذه الحزمة من السياسات يؤدى إلى إحجامه أو عجزه عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين ، وبالتالي تفشى الفقر وارتفاع معدلات التهميش الاجتماع. والمشكلة الجغرافية .
ويتضح هذا الربط جيدا عندما نحلل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لقوام حركات الإسلام السياسي فى مصر والتي ذكرنا ملامحها فى محور التركيب الديمغرافى.
فالنسبة الغالبة من قوام هذه الحركات من صغار السن والذين لم يعانوا من قمع النظام الناصري ولم يتعرضوا لآثار هزيمة 1967، مما يؤدى للإقرار بمسئولية التحولات الاقتصادية عن انتشار الحركات الإسلامية الراديكالية.
وما يؤكد هذا الطرح أن قوام هؤلاء الشباب طلبة وخريجون فى الغالب بلا عمل- يقطنون مناطق تعانى من إهمال وحرمان شديدين كما سيتضح توا.
مع تبنى سياسات الانفتاح الاقتصاد بدأ إحجام الدولة أو عجزها عن توفير فرص العمل الكافية لعدد كبير من الخريجين ، وحتى من تم تكليفهم بالعمل سواء كانوا مدرسين أو أطباء فإن ما هو مقرر لهم من دخول لا يكفل مستوى لائقا من الحياة الإنسانية.
ومع مرور السنوات تعمقت الفجوة بين مخرجات النظام التعليمي وفرص العمل المتاحة ، مما دفع معدلات البطالة للارتفاع حتى وصلت إلى 14,7 % وفقا لإحصاء عام 1987، ومما زاد الأمر تعقيدا أن المشروعات الاستثمارية التى نشأت فى ظل سياسات الاندماج فى السوق الرأسمال العالمي التى كانت تعتمد على عنصر التكنولوجيا أكثر من عنصر العمل(24).
النقطة الثانية أن هؤلاء الشباب يتركزون فى أضعف حلقات المجتمع السكانية والجغرافية- بعض محافظات الصعيد وعشوائيات القاهرة- حيث تعانى هذه المناطق إهمالا بل ونسيانا من قبل الدولة، فليس لها موقع فى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وليس لها موضع أيضا فى المشروعات الاستثمارية فهي مناطق تعانى من ارتفاع معدلات الفقر وتدنى الخدمات وانعدام المرافق الأساسية أي تعد نموذجا مثاليا لانحراف كافة معايير التنمية.
وسنركز فى هذا الشأن على تحليل نموذجين عما بعض محافظات الصعيد وبالتحديد أسيوط وبعض عشوائيات القاهرة وبالتحديد المنيرة الغربية باعتبارها من البؤر الأساسية للجماعات الراديكالية ومن النماذج المثالية للتهميش الاجتماعي والفقر.
إن تحليل طبيعة هذه المناطق من كافة النواح الجغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية يكشف عن صورة خطيرة تتجسد فيها ظاهرة تكاتف كل العوامل المؤدية والمغذية للتطرف.
الصعيد – أسيوط: يعد العامل الجغرافي من أهم العوامل المؤثرة فى وضع الإقليم ككل. فجغرافيا الصعيد تأخذ شكل الوادي الضيق المحصور بين جبلين، الجبل الشرقي والجبل الغربي(25) مما يجعل فرص الحراك الجغرافي محدودة للغاية، وبالتالي البحث عن فرص عمل أخرى غير العمل فى الزراعة يكاد يكون منعدما وتزداد المسألة تعقيدا فى ضوء ضيق المساحة المزروعة بالفعل، أما أسيوط فإنها تقع فى قلب الصعيد وتبعد حوالي 375 كم عن القاهرة.
تعد من المحافظات الطاردة للسكان لما تعانيه من أوضاع جغرافية واقتصادية وذلك لعدة أسباب ، أبرزها العلاقة غير المتوازنة بين النمو السكاني والذي يصل إلى 3% سنويا ولأراضى الزراعية المحدودة بقيود الماء والصحراء.
ومن ناحية الصناعة فليس حالها أفضل من حال الزراعة، إذ تحتل المركز قبل الأخير فى محافظات مصر إسهاما فى الناتج الصناعي القومي ولا يأتي بعدها فى الترتيب سوى مرسى مطروح.
فهي نموذج لما يطلق عليه تطرف التنمية أو انحراف التنمية بعيدا عن المعايير والمؤشرات القومية مما يجعلها بنية مواتية تماما لتنمية التطرف.
ومن أهم مؤشرات تطرف التنمية فى هذه الحالة:
- 1- انخفاض نصيب الفرد فى محافظة أسيوط من الاستثمارات الإجمالية بنسبة 47% عن المتوسط القومي العام للفرد فى مصر.
- 2- عدم تناسب حصة المحافظة من الاستثمارات مع حجم سكانها، فسكانها يمثلون 4,7% من إجمالي سكان مصر ، بينما نصيبها من الاستثمار القومي لا يتجاوز 3%.
- 3- وعلى المستوى القطاعي، ينخفض نصيب الفرد من الاستثمارات الزراعية إلى نصف المتوسط العام تقريبا أما فى قطاع الصناعة فلم تجاوز نسبة الناتج الصناعي فى محافظة أسيوط 4% من الناتج الصناع القومي.
- 4- ارتفاع معدلات الأمية فى أسيوط عن المعدل القومي، فأكثر من نصف الذكور أميون وأكثر من ثلاثة أرباع الإناث أميات(26).
وهكذا تحالفت العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية على خلق بنية مواتية لحركات الإسلام السياسي الراديكالي، تمكنت من خلالها فى التغلغل فى نسيج المجتمع الصعيدي وإقامة سلطة موازية لسلطة الدولة من خلال تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء وضبط الصراعات داخل التقليم بدرجة أو بأخرى .
وتجدر الإشارة إلى أن من أهم أسباب تخلى الدولة عن سلطتها داخل الصعيد للجماعات السلامية، إدراكها أنها لم تكن فى يوم من الأيام قادرة على ضبط الصراعات داخل الصعيد ولا النفاذ لنسيج هذا المجتمع الذى ما زالت تسيطر عليه التحالفات القبلية والعصبية(27)، فالموروث الثقافي التقليدي ما زال مسيطرا وهو فى نفس الوقت يمثل بيئة حاضنة للتطرف والعنف وليست مستنكرة له.
وهكذا تكاتفت العوامل الجغرافية للتطرف والثقافية على جعل الصعيد بيئة حاضنة ومغذية للتطرف.
العشوائيات: تعود مشكلة العشوائيات إلى بدايات القرن الحالي بسبب الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر بحثا عن العمل. فقد سعى هؤلاء النازحون للحصول على مسكن يتلاءم مع موارده المالية الضئيلة ولم يجدوا أمامهم سوى أطراف المدينة حيث الأراضي الزراعية فأقيمت المساكن بتكاليف أقل وبلا أي خدمات (27) .
وللأسف لم تتمكن أعداد كبيرة من هؤلاء المهاجرين المتدفقين عبر الزمن من إيجاد فرص عمل، فحوالي 40% من سكان العشوائيات لا يعملون ، بينما 57% من هؤلاء يعملون فى مهن لا تدر عليهم دخلا مناسبا( 28) .
وقد تزايدت أعداد المناطق العشوائية زيادة كبيرة حتى وصلت إلى 1034 منطقة عشوائية تنتشر فى كل محافظات مصر وذلك وفقا للبيانات التى تصدر عن مراكز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بالمحافظات المختلفة كما بلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون و 561 ألف نسمة أي حوالي 20% من سكان مصر (29) .
وتعد الجيزة من أكثر المحافظات نصيبا فى النمو العشوائي حيث تضم 32 منطقة عشوائية ، أغلب سكانهم ينتمون لمحافظات الصعيد ( 30).
يعيش سكان العشوائيات فى ظل ظروف اجتماعية واقتصادية بالغة السوء ، فالكثافة السكانية مرتفعة، وكذلك مستوى الأمن.
ناهيك عما يعانون من ظروف صحية متدنية. فهم فى النهاية بروليتاريا تعيش على هامش عملية الإنتاج تشعر بالسخط والحرمان الاجتماعي وتسودها الرغبة فى التمرد على هذه الظروف غير الآدمية التى تعيش فى ظلها، بينما تغرق القاهرة فى أضوائها المبهرة على مرمى أبعادها(31) ولذلك فإن معرفة ديناميات التفاعل داخل هذه المناطق المهمشة والدور السياسي لهؤلاء المهمشين هام للغاية لكل من يسعى لاكتشاف لماذا انتشرت الجماعات الإسلامية الراديكالية فى هذه المناطق.
وفى هذا الشأن يرصد نور فرحات نقطة أو ملاحظة هامة خاصة بالدور السياسة لهؤلاء المهمشين، إذ لا يرى أن سكان هذه الأحياء العشوائية من الهامشيين قد جاءوا وأقاموا وهم مأزومون اجتماعيا وأداروا حياتهم بأسلوب الإدارة الأهلية للأزمات. فقد سادت فى هذه الأحياء قوانينها المتميزة تماما عن قوانين الدولة.
ويخطئ من يظن أن سكان هذه الأحياء العشوائية يعيشون بلا قانون، ولكن الصحيح أن القانون الذى يسود فى هذه الأحياء بحكم علاقات سكانها هو قانون مختلف، وفى أحيان كثيرة مخالف للقانون الذى تسنه الدولة.
ويضيف فرحات أن ظاهرة تجاوز القانون الشعبي للقانون الرسمي تسود فى المجتمعات التى تتخلى فيها الدولة ولو جزئيا عن واجبها فى تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها ( 32) وغنى عن البيان أن هذه الوضعية لا تختلف كثيرا، إلى حد كبير لما يسود فى الصعيد من ظروف مكنت الجماعات الإسلامية الراديكالية من إقامة سلطة موازية لسلطة الدولة فى كل من المنطقتين.
إن العلاقة بين المناطق العشوائية وحركات الإسلام السياسي الراديكالي ليست علاقة حديثة العهد، فقبل أن تتحول عديد من المناطق العشوائية إلى بؤر تركز للجماعات الإسلامية الراديكالية منذ منتصف الثمانينيات ، كانت هذه المناطق أماكن الهرب والاختباء المناسبة للمطاردين من جماعات الإسلام السياسي نظرا لوعورة طرقها وصعوبة وصول قوات ألأمن بسهولة. ومن أبرز البراهين على ذلك أن كثيرا من هذه المناطق شهدت مصادمات بين الشرطة والجماعات الراديكالية، ففي عام 1977 كانت بولاق الدكرور وعين شمس ساحة لمطاردة الشرطة المتهمين فى قضية جماعة التكفير والهجرة.
وعلى نفس المنوال مطاردة المتهمين فى تنظيم " الناجون من النار" 1986 فى بولاق الدكرور والقناطر الخيرية، وفى إمبابة عام 1992 أعقاب ضرب السياحة.
وهكذا أصبح من ضمن آليات أجهزة الأمن فى العمل أنه عندما يقع حادث – مثلا – فى الصعيد يتم تمشيط الأماكن العشوائية فى القاهرة والجيزة ( 33).
منذ منتصف الثمانينيات بدأت الجماعات الراديكالية تسعى لخلق بؤر تنظيمية لها داخل المناطق العشوائية باعتبارها من اضعف حلقات العاصمة، ولعل أبرز تجربتين هما عين شمس وإمبابة.
تكمن أهمية تجربة عين شمس فى أنها التجربة الأولى التى تمكنت الجماعة الإسلامية من خلالها أن تمد جسرا للقاهرة الكبرى بعد عقد كامل من تركزها فى الصعيد.
أما فى إمبابة فقد تنامي نفوذ الجماعة إلى ا لحد الذى وصفته وكالة رويتر الإخبارية " جمهورية إمبابة المستقلة" ( 34) ويعود الفضل فى نجاح اختراق الجماعة الإسلامية للمناطق العشوائية المحيطة بالقاهرة الكبرى إلى قيادات الجيل الثاني من الجماعة الذين أفرج عنهم فى نهاية عام 1984.
كانت الجماعة قد قررت أن ترحل هؤلاء القيادات إلى القاهرة خوفا من اعتقالهم بعد النجاح الكبير الذى حققوه فى استعادة نفوذ الجماعة فى محافظات السعيد وللهروب من المطاردة الأمنية التى باتت تعوق الاستفادة من طاقاتهم( 35).
ولم تمر فترة طويلة على وصول قيادات الجماعة إلى القاهرة حتى تمكنت سريعا من خلق بؤر ومرتكزات لنشاطها بدأت بعين شمس وانتهت بإمبابة.
وقد كان وراء هذا الانتشار والتغلغل السريع خصائص اقتصادية واجتماعية غارقة فيها هذه الهوامش ولا تختلف كثيرا عن خصائص الصعيد، وإن كان القرب من العاصمة وكل ما فيها من مظاهر للثراء والإبهار وما يتيحه ذلك من مقارنات بين ما يراه هؤلاء المهمشون وما يعانونه من أوضاع حرمان وفقر يؤجج مشاعر السخط والإحباط.
إمبابة: حي تم بناؤه فى غفلة من الزمن بسبب أزمة الماسكان دون أن تمتد إليه أي خدمات أساسية. تنتشر داخل هذا الحي الحوار والأزقة الضيقة، تتلاصق المنازل، تنعدم المدارس والوحدات الصحية ومراكز الشباب ووسائل المواصلات العامة. يقترب تعداد السكان الحي من حوالي 600 ألف نسمة .
يعانى من ارتفاع معدلات الأمية عن المعدلات القومية، ففي دراسة على عينة من الحي بلغت نسبة الرجال الأميين 42% والإناث 57% والأمر الأكثر خطورة أن نسبة الأبناء الأميين فوق سن العشر سنوات كانت 49% .
وإن نسبة من لديهم أولاد ولم يلحقوا بالتعليم أو يتمو أدنى المراحل التعليمية بلغت 71% من حجم العينة. وكانت المبررات المقدمة لتفسير ذلك الوضع ارتفاع تكلفة التعليم والاحتياج لعمل الأولاد للمساعدة فى دخل الأسرة وبعد المدارس عن المكان.
فضلا عن ذلك لا توجد داخل حي المنيرة أي مستشفيات أو وحدات رعاية صحية لذلك ترتفع نسبة وفيات الأطفال، فقد تعرض 75% من حجم العينة لوفاة طفل أو طفلين من أبنائهم. وأخيرا فالحي يفتقر لأي بنية أساسية سواء كانت صرفا صحيا أو مياها نقية (36).
يشكل المهاجرون من وجه قبلي تواجدا ملموسا بين سكان حي إمبابة، ولهم أماكن تكاد تكون مغلق عليهم مثل عزبة الصعايدة والتي تحظى الجماعة الإسلامية بوجود مؤثر داخلها.
وقد اصطحب أبناء الوجه القبلي كل قيمهم وأعرافهم مثل الصراعات القبلية وعوائد الثأر والتطاحن بين العائلات من أجل فرض السيطرة.
كما تنتشر التشكيلات الإجرامية وتكثر الصراعات ويتم فرض قوانين لا علاقة لها بالقانون الرسمي وتستند إلى أعراف وتقاليد العائلات الكبيرة وعناصر الإجرام.
ويقع الناس البسطاء الذين لا ينتمون إلى عائلة كبيرة أو تشكيل إجراما بين المطرقة والسندان ، وما يزيد الأمر خطورة غياب الشرطة شبه المطلق، فأقرب قسم شرطة لحى المنيرة الغربية يبد حوالي كيلو متر ، كما أن ضيق ووعورة الطريق تجعل انتقال مسئولي القسم لمواقع الأحداث مسألة صعبة للغاية.
باختصار كان الوضع فى إمبابة ملائما لبروز قوة سياسية تملأ هذا الفراغ السياسي والاجتماعي والأمني.
وقد تمكنت الجماعة الإسلامية من ذلك، إذ نجحت فى توفير الأمن عبر المجموعات المعروفة بمجموعات التأمين وهى عناصر تمنع أي أنشطة مختلفة لتصورهم الاسلامى عن المجتمع المنشود.
كما لم تتوان الجماعة الإسلامية عن التدخل لصالح الفقراء ومعدومي الحيلة والعزوة فى مواجهة الإجرام أو أصحاب النفوذ.
فضلا عن ذلك فقد استطاعت تخفيف عبء الأزمة الاقتصادية الطاحنة عن هؤلاء المهمشين من خلال تقديم عديد من الخدمات مثل توزيع الملابس والأغطية والعلاج المخفض للمرضى وغيرها من الخدمات ( 38) أما الفراغ السياسي والفكري فقد ملأته الجماعة ببراعة خطابها المتحدى للدولة. فالتف حولها الشباب الذى يشعر بأنه لم ير من هذه الدولة خيرا أو عونا فى يوم من الأيام ( 39).
وهكذا تشير كل المشاهدات إلى أن التناقضات الاجتماعية والاقتصادية التى يعانى منها المجتمع المصري نتيجة سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية مثل بيئة صالحة ومواتية ومغذية للتطرف الديني، بل أن هذه التناقضات بقدر ما كانت سببا فى نشأة حركات الإسلام السياسي الراديكالي، بقدر ما تم استخدامها من قبل هذه الجماعات للتغلغل فى المجتمع وتعزيز أو بناء نفوذها.
ومن المتوقع أن تزداد هذه التناقضات حدة وتأثيرا بسبب سياسات التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي وما يصاحبها من عديد من الآثار الاجتماعية.
فقد شهدت البلاد منذ منتصف الثمانينيات حتى أوائل التسعينيات وفقا لما هو متاح من بيانات تزايد معدلات الفقر والتهميش نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور الحقيقية وخفض الإنفاق العام.
فوفقا لفرجانى وصلت أسعار التسعينيات إلى حوالي اثني عشر مثلا لمستواها فى منتصف السبعينيات أن غالبية سكان الحضر من الفقراء 73% والغالبية الساحقة من سكان الريف 90% يعدون فقراء وذلك باستخدام حد الفقر الخاص بقمة التنمية الاجتماعية وهو دولار أمريكي واحد للفرد فى اليوم ( 40) .
فضلا عن ذلك فقد تناقض الإنفاق العام فى مصر أي خفض الدعم الموجه للخدمات الاجتماعية من 63,5% من الناتج المحلى الجمالى 81- 1982 إلى 43,7% من الناتج المحلى الإجمالي 89- 1990 ، كما تناقض نصيب الأجور فى الناتج المحلى الإجمالي من نحو 44,6% عام 70- 1971 إلى 27,3% عام 91/92 وفى المقابل ازداد نصيب عوائد حقوق التملك فى الناتج المحلى الإجمالي من 55,4% 70- 1971 إلى 72,7% 91/92 أي أن العقدين 70- 90 شهدا تحولا متسارعا فى توزيع الناتج المحلى الإجمالي لصالح ملاك الأصول ووسائل الإنتاج على حساب عوائد العمل ( 41).
2- العوامل الثقافية
يعيش المجتمع المصري أزمة ثقافية مزمنة، يقع فى حبائلها كافة فئات المجتمع بل وتسهم هذه الفئات فى مزيد من تعميقها وتصعديها سواء كانت نخبة أو جماهير .
فضلا عن دور الدولة فى ذلك أيضا بأجهزتها المعنية بالثقافة والإعلام.
فعلى مستوى النخبة، اعتادت النخبة المثقفة فى المجتمع المصري أن تعيش أسيرة إشكاليات صراعية منذ أوائل القرن حتى يومنا هذا دون أن تستطيع حسمها.
وأبرز هذه الإشكاليات إشكالية الأصالة والمعاصرة والصراع بين الإسلام والحداثة الغربية ومن يتتبع الخطاب الخاص بالنخبة حول القضايا الخلافية فى المجتمع المصري سواء التى تمس الدين أو المرأة أو التركيبة الدينية للمجتمع المصري أو العلاقة بالآخر الخارجي- منذ أوائل القرن نجد أن هذا الخطاب لم يتغير جوهره ولم تتبدل سماته الشكلية أيضا، فهو خطاب استقطابي، يميل للاستجابات المتطرفة إما مع أو ضد، ينظر للأمور نظرة سطحية وغير متعمقة، يحوى كما هائلا من التشهير والتخوين والتكفير للآخر المختلف، يشعر بالاستهداف من الخارج يحكمه منطق المؤامرة( 42) .
وقد اتفق عديد من الباحثين والمنكرين من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية أن المجتمع المصري يمر بأزمة ثقافية تتجلى مظاهرها فى سيادة مناخ ينفى الآخر المختلف، والإحجام عن إجراء حوار حقيقي بل وغياب المناخ القابل للحوار والنتيجة وجود استقطاب حاد فى المجتمع بين تيار ديني وآخر علماني بحيث أصبح المرء مطالبا بأن يكون " مع أو ضد ( 43).
أما فيما يتعلق بالدولة فقد تسابقت الدولة مع الحركات الإسلامية على تشجيع المناخ الديني بصورة لم تحدث فى تاريخ مصر الحديث مثلما حدث بدءا من عهد السادات حتى الآن لإثبات أنها أكثر إسلاما من الحركات الراديكالية.
ففي إحصاء للإذاعة والتلفزيون عام 1977 وصل عدد ساعات إرسال البرامج الدينية إلى 23 ساعة يوميا وذلك فى محاولة من الدولة لدفع اتهامات الكفر عن نفسها والظهور فى مظاهر الدولة الإسلامية التى تعنى بالدعوة الإسلامية.
بذلك المسلك حققت الدولة أكثر مما كانت تأمله الجماعات الإسلامية وهو تهيئة التربة والمناخ لهذه الجماعات من خلال صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية ( 44).
وقد تضافر هذا العامل بل وكان البديل فى كثير من الأحيان لشعور عديد من شرائح الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا بالاغتراب وفقدان الهوية وعدم الإحساس بالأمان نتيجة سيادة القيمة المرتبطة بالنمو الرأسمالي التابع وغير المنتج مثل الفردية واللامبالاة والفساد والنهم الاستهلاكي. فضلا عن الانبهار بالثقافة الغربية.
مما دفع هذه الطبقات إلى البحث عن ذاتها بالعودة إلى الدين بل والإسراف فى مظاهر التدين مثل أداء الفرائض وارتداء الزى الاسلامى.
أما الشرائح الأكثر شعورا بالسخط والإجحاف نظرا لصغر سنها وانهيار أحلامها فى عمل مرض وسكن ملائم فقد اتجهت للحركات الراديكالية.
وهكذا تحالفت الدولة بمؤسساتها قاطبة وسياساتها المختلفة مع النخبة فى خلق مناخ ثقافي موات للتطرف والإرهاب وازدهار الحركات الراديكالية.
ولذا لم يكن عجبا أن ينتشر التيار الاسلامى سواء معتدلا أو متطرفا وسط كافة قطاعات وشرائح المجتمع خاصة وسط الطبقتين الوسطى والدتي كبديل يقدم الخدمة المادية والأمان المعنوي والروحي.
رابعا: آليات عمل الحركات الراديكالية:
إن الأساس الحاكم لآليات عمل ا لحركات الإسلامية بدءا من جماعة الإخوان المسلمين حتى الجماعات الإسلامية الراديكالية هى التغيير من أسفل. فقد آمن حسن البنا بأن التغيير من أسفل هو السبيل الأكثر فعالية للتغيير، هذا التغيير الذى يأتي عن طريق العمل الجماهيري .
وهذا ما يفسر اهتمام البنا بابتكار أساليب متعددة للارتباط بالجماهير عبر اللجان الاجتماعية والهيئات التى يشكلها الإخوان. ولم يشذ فكر سيد قطب عن فكر البنا، فالمرتكزات الأساسية التى بنى عليها قطب فكره هى نفسها التى استند إليها حسن البنا .
فقد آمن مثله بأولوية العمل الحركي عن أي عمل آخر لإحداث تغيير جذري فى المجتمع، فمنهج سيد قطب فى التغيير ليس أن يبدأ التنظيم بالمطالبة بتطبيق الحكم الاسلامى وتحكيم الشريعة، لكن نقطة البدء هى التربية وتكوين القاعدة المؤثرة فى المجتمع، أي بناء المجتمع الاسلامى من أسفل وبهدوء وعلى مدى طويل للوصول إلى قمة الدولة.. (45).
ولهذا تسير عمليات بناء النفوذ لدى الحركة الإسلامية بأجنحتها المختلفة سواء جماعة الإخوان المسلمين أو الحركات الإسلامية الراديكالية على ثلاثة مستويات:
1:1- المجتمع المدني.
- 2- الاقتصاد.
- 3- العنف.
إن الحركة الإسلامية تستهدف تجميع مصادر القوة وبناء النفوذ على نطاق واسع يشمل المجتمع بأسره بحيث تأتى عملية امتلاكهم للسلطة السياسية مجرد تقرير لأمر واقع وخطو منطقية تعكس بناء اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا مستقرا(46).
وقد رصد عماد صيام عدة أسس تحكم تطبيق فلسفة القوة والتغيير من أسفل وهى:
- 1- تكرار المفردات والرموز الدينية والتمايز عن الواقع الاجتماعي والسياسي مما يؤدى غلى نجاح النشطاء فى تكثيف وتركيز المفاهيم الدينية فى مجموعة من الشعارات والرموز المحددة،ويخلق نوعا من السطوة والقدرة على جذب الجماهير، ويتحقق هذا الهدف فى مئات المطبوعات والملصقات الدينية وشرائط الكاسيت التى تحوى خطب ورموز الحركة وقادتها والشعارات المكتوبة على الجدران وإطلاق الأسماء ذات المضمون الدين والتراثي على المنشآت والمؤسسات والتمايز بالزى وإطلاق اللحية وطرق التخاطب والتحية.
- 2- التركيز على القضايا الصغرى والجزئية وهذا يؤدى لتأكيد ارتباط النشطاء بالواقع. كما أن تكرار نجاحهم فى حل العديد من المشاكل والقضايا الصغرى يؤدى لتزايد قدرتهم على التأثير فى الموضع الذى ينشطون به، هذا التأثير الذى وإن كان محددا إلا أنه يقدم لقطاع عريض من الجمهور نموذجا واضحا وعيانيا لنجاحهم المستقبلي، والمحتمل عند تصديهم لقضايا لتغيير الكبرى وهذا مما يجذب القطاعات المهمشة والمحرومة التى يصبح التغيير المخرج الوحيد أمامها من بؤس الواقع، وهو ما يسهم فى زيادة التفاف هذه الفئات الاجتماعية حول الحركة.
- 3- التدرج فى مستويات الحركة والنشاط، هذا التدرج يبدأ فى العادة من مستوى الوعظ الديني حتى يصل للمواجهة السياسية مع المجتمع.
- 4- تواصل الأجيال وهو قاعدة فى مجتمع ما زالت تسود القيم التقليدية خاصة فى الريف، حيث نجحت الحركة الإسلامية فى الربط بين خبرة الشيوخ وتجاربهم ونفوذهم الأبوي وبين الشباب بحيويته وقدرته على التطوير والإبداع، ويكفى أن نستعيد أسماء العديد من شباب الحركة الإسلامية فى الجامعة فى فترة الثمانينيات لنعرف كيف أصبح أمراء الجماعة الإسلامية نوابا فى المجالس التشريعية أو احتلوا مواقع متقدمة فى قمة المنظمات المهنية والسياسية بجانب الشيوخ.
- 5- إعطاء الطابع الديني لكل أنشطة وفعاليات الحركة وذلك لكي تكتسب الحركة مزيدا من الشعبية والشرعية وهو ما يلاءم المجمل العام للتدين من جهة وحالة الإحباط السياسي الناتجة عن فشل النماذج العلمانية للتحديث والتنمية من جهة أخرى. هذا الفشل الذى يجعل استدعاء الدين أكثر البدائل جاذبية وتأثيرا، لقدرته على استقطاب الفئات المهمشة اجتماعيا.
- 6- اختراق مؤسسات الدولة ويعبر صالح سرية ، مؤسس جماعة الكلية الفنية العسكرية، عن أهمية تطبيق هذه القاعدة قائلا: إن الفرد المسلم، إذا كان يعمل لصالح إقامة الدولة الإسلامية، يجوز له أن يدخل مختلف اختصاصات الدولة بأمر الجماعة الإسلامية ، ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة.
- وقد حكم هذا الفهم شديد العملية والذكاء علاقة كافة منظمات الإسلام السياسي بجهاز الدولة خاصة مؤسسات الضبط الرسمية (الجيش والشرطة) وأفرز اختراق تلك المؤسسات بما تتميز به من سمات خاصة- أكثر نشطاء الحركة الإسلامية فاعلية وقدرة على لعب الأدوار، خاصة التى تتطلب مهارة وقدرات تنظيمية وحركية عالية.
- 7- تعدد مراكز وبؤر النشاط وذلك لتحقيق انتشار بين الشرائح والفئات الاجتماعية المختلفة، ولخلق مجال للحركة والتأثير يشمل كافة التجمعات الجماهيرية، التى يمكن أن تشكل قواعد للعمل السياسي والتنظيمي مثل الاتحادات الطلابية ونوادي هيئات التدريس والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية.
- إلا أن المسجد يظل فى مقدمة تلك المراكز، حيث يعتبر أكثر قواعد نشاط الحركة الإسلامية انتشارا على امتداد القرى والمدن المصرية. ففي عام 1980 بلغ عدد المساجد 28000 مسجد، كان يخضع منها لوزارة الأوقاف حوالي 7000 مسجد، أنى أنه كان هناك أكثر من 20000 مسجد مجردة من النفوذ الحكومي وتخضع لفصائل الإسلام السياسي بتياراتها المختلفة.
- 8- الانتقال من الدعاية للأوضاع المؤسسية وذلك حتى يمكن تجسيد أفكار الحركة والحفاظ على استمرارية وجودها ووقايتها من خطر الذوبان فى المجتمع.
- وتحول النشطة الحركة لمؤسسات لها طابع الاستقرار والاستمرارية يلعب دورا هاما فى زيادة قدرة النشطاء على مراكمة الخبرات والنفوذ، ويمكنهم من تقدير قوتهم الفعلية على التأثير والحشد فى اللحظات التى يحتاجون فيها لمساندة جماهيرية واسعة.
- بجانب هذا فإن مؤسسات الحركة الإسلامية أو تلك التى تسيطر عليها، تسهم فى خلق مجال لتدريب واختبار قدرات نشطاء الحركة ودفع كفاءتهم وفاعليتهم وهى فى النهاية قنوات اتصال دائم مع الجمهور وتقوم بدور اجتماعي لقطاعات محددة ومتنوعة منه، مما يجعلها بمثابة أنوية للسلطة الجديدة التى تستمر عملية تطويرها باستمرار تفاعلها مع المجتمع.
- 9- تعدد مصادر التمويل وهو ما يمثل خلاصة خبرة الحركة الإسلامية المستفادة من تجربة جماعة الإخوان المسلمين، التى عانت من تجربة الحصار القاسي فى الفترة الناصرية، لهذا حرصت الحركة الإسلامية منذ بداية السبعينيات على تعدد مصادر تمويل أنشطتها.
- فركزت على إقامة المئات من المشروعات الصغيرة ذات الطابع الخدمي أساسا، فى كل أحياء وقرى مصر.
- وهذا ما خلق لها مصدرا هائلا للدعم المادي والدعاية ، بجانب الدور الاجتماعي والدعائي الذى تقوم به هذه المشروعات والذي يحول فى المستقبل دون تصفيتها فى إطار الإجراءات الأمنية.
- وحرص نشطاء الحركة كذلك على تنظيم حملات أسبوعية من خلال المساجد لجمع التبرعات لتمويل المئات من المشروعات الخدمية الخاصة لهم والملحقة بالمساجد والجمعيات الرمزية التى يسيطرون عليها.
- كما أنهم نظموا مئات الأسواق التجارية التى تأخذ شكل سرادق ضخم يقام فى أحد الميادين العامة أو مقر إحدى النقابات أو بداخل الحرم الجامعي، لتسويق سلع ومنتجات وكتب، هى فى ا لغالب الأعم من إنتاج مشروعات مملوكة لأنصار الحركة.
- ويسهم عدم خضوع مبيعات تلك الأسواق للضرائب فى انخفاض أثمانها وارتفاع أرباحها التى يذهب جزء منها لصالح الحركة.. كذلك قام أنصار الحركة السلامية من المتواجدين بالدول العربية الغنية بالنفط- بتنظيم عمليات جمع التبرعات فى الخارج لدعم جهود إخوانهم فى الداخل.
- هذا بجانب قيام بعض الهيئات والمؤسسات فى تلك الدول بتقديم دعم مباشر أو غير مباشر للحركة.
- وقد حرصت الحركة الإسلامية للمزيد من تأمين استمرار مصادر تمويلها، على استثمار جزء من أموالها خار البلاد وقد ابتدعت بعض جماعات التيار الجهادي وسيلة جديدة للتمويل تقوم على السطو المسلح على محلات الذهب كما حدث فى أحياء عين شمس والزيتون وشبرا (47).
- 10- وفى إطار هذه الورقة ستركز الباحثة على آلية التغلغل من خلال المجتمع المدني بمزيد من التفصيل مع الإشارة العابرة لكل من آلية العنف والتغلغل الاقتصادي.
العنف: كانت نشأة الجهاز الخاص لجماعة الإخوان المسلمينعام 1945 هى نقطة البدء فى الإقرار بأن العنف إحدى وسائل الجماعة لتحقيق أهدافها.
وبذلك أصبح هناك آليتان للعمل الاسلامى السياسي وهما العمل من خلال اللجان الاجتماعية أي العمل الجماهيري واستخدام القوة المسلحة وقد كانت هناك علاقة بين تفاقم حدة التناقضات الاجتماعية والاقتصادية وبين اللجوء إلى بديل العنف بصورة أكبر وهذا ما يفسر قيام الجهاز الخاص بأعمال عنف واسعة فى الأربعينيات من هذا القرن وذلك عندما اشتدت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية اشتدادا كبيرا فى المجتمع المصري (48).
وتؤكد هالة مصطفى أن استعراض تاريخ نشأة وتطور النظام الخاص فى جماعة الإخوان المسلمينما هو إلا دلالة قاطعة على محورية مبدأ الجهاد الاسلامى لدى أي حركة إسلامية بغض النظر عن توجهاتها العامة سواء كانت معتدلة أو راديكالية ( 49).
التغلغل الاقتصادي: برز التأثير المتنامي للحركة الإسلامية اقتصاديا فى الثمانينيات فى صورة شركات توظيف الأموال.
هذه الشركات التى أعلنت أنها تستثمر أموال المودعين استثمارا إسلاميا شرعيا، أي لا تقدم فائدة ولكن تشرك العميل فى المكسب والخسارة.
وبذلك استطاعت أن تقدم لعديد أو كثير من المصريين فائدة مزدوجة، فهي تضمن لهم استثمار أموالهم استثمارا إسلاميا.
كما أنها تقدم لهم سعر فائدة أعلى من الأسعار السائدة فى ا لسوق.
وقد أدى ذلك لتزايد عدد المودعين فى هذه الشركات حتى وصل طبقا لبعض التقديرات إلى 400 ألف مودع، وعلى صعيد آخر كان كثير من أصحاب هذه الشركات أعضاء سابقين فى الإخوان المسلمين مثل الشريف.
كما كانت الأنشطة الاقتصادية الأكثر تفضيلا لهذه الشركات صناعة المواد الغذائية وصناعة النشر وذلك لأن الصناعة الأولى كثيفة العمالة وعالية الاستهلاك وبالتالي فهي صناعة قادرة على خلق قواعد مؤيدة للحركات الإسلامية سواء من العمال أو المستهلكين.
أما صناعة النشر فهي تلعب وظيفة أخرى، فهدفها إعادة صياغة العقل المصري وأسلمته من خلال نشر أمهات الكتب الدينية والتراثية وأفكار الحركة الإسلامية وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن الكتب الدينية من أكثر الكتب مبيعا فى مصر والعالم العربي (50).
ولابد من التنويه إلى أن شركات توظيف الأموال ليست الآلية الأولى التى تم استخدامها لتحقيق التغلغل الاقتصادي، بل سبقتها بحوالي عقد من الزمان البنوك الإسلامية.
وقد أدركت الدولة خطورة ذلك الأمر اقتصاديا وسياسيا ، فأصدرت بعد ثماني سنوات تقريبا من بدء نشاط شركات توظيف الأموال القانون رقم 146 لسنة 1988 والذي اشترط خضوع هذه الشركات لرقابة البنك المركزي المصري.
كما تحفظت على أصول شركتين من الشركات الكبرى وهما السعد والريان (51).
التغلغل فى المجتمع: يعد المسجد هو الخطوة الأولى فى بناء النفوذ داخل ا لمجتمع.
يبدأ العمل بمجموعة صغيرة تقوم بإلقاء دروس دينية على عدد واسع نسبيا، ثم تتوسع المجموعة بعد ذلك ليبدأ العمل خارج المسجد داخل القرية أو الحي وفق سياسة واحدة تعتمد على ثلاثة محاور أساسية، الأولى التربية والعمل الدعائي من خلال المسجد فى مرحلة التأسيس أو عبر الدعاية الواسعة بالبيانات والمجلات والمنشورات التى توزع على المواطنين فى القرية أو الحي، الثاني تأسيس برنامج للمساعدة الاجتماعية من خلاله تقديم الجماعة مساعدات مالية وعينية للمواطنين الفقراء.
والثالث وهو عادة يأتي بعد إنجاز المرحلتين الأولى والثانية ويتمثل فى المنع القهري لبعض سلوكيات المواطنين بغرض فرض تصورات الجماعة الإسلامية الاعتقادية على القرية أو الحي وهو ما يعرف بتغيير المنكر ( 52).
وقد أدركت الحركات الإسلامية مدى أهمية المحور الثاني وهو الخاص بتقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء- فى بناء النفوذ وتأسيس الشرعية، إذ يتم من خلاله حشد أكبر تأييد ممكن لهذه الجماعات من القطاعات الجماهيرية.
فضلا على أنه يؤكد أن المشروع الاسلامى المطروح يهتم بقيم العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي.
ولذلك السبب نشأت فكرة لجان العمل الاجتماعي فى المساجد التى تسيطر عليها هذه الحركات.
وقد لعبت هذه اللجان دورا حيويا فى دفع نشاط الجماعة وتطورها وساهمت فى خلق رأى عام شبه مؤيد لممارستها نظرا لما كانت تقدم من خدمات متنوعة للسكان المحيطين بمساجد الجماعة.
فكانت هذه اللجان تقيم فصولا لمحو الأمية والتقوية وتحفيظ القرآن الكريم.
كما كانت تقدم بعض الخدمات مثل توزيع السلع الغذائية والملابس على المواطنين الفقراء فى المناسبات المختلفة وتدفع المصروفات المدرسية للتلاميذ الفقراء أيضا .
فضلا عن ذلك اهتمت هذه الجماعات بدراسة المشكلات التى يعانى منها المواطنون مثل الصحة وغيرها وقدمت حلولا لهذه المشكلات فعلى سبيل المثال فى مجال الصحة قامت بإنشاء المستوصفات الإسلامية بالمساجد التابعة لها، يقوم بالعمل فيها أطباء من أعضاء الجماعة.
وقد تدرجت هذه الجماعات حتى وصلت إلى حد إقامة مشروعات اقتصادية صغيرة مدرة للدخل مثل مناحل العسل ومزارع الدواجن ومشروعات إنتاج الألبان والجبن مما ساهم فى إيجاد رص عمل لعدد كبير من العاطلين ، ومن ناحية أخرى اهتمت هذه اللجان بالقيام بأعمال الصلح بين الأهالي والتدخل لحل المشكلات الأسرية (53).
تتضح أهمية آلية المسجد فى التغلغل فى المجتمع لدى حركات الإسلام السياسي بكافة تنويعاتها إذا عرفنا أنها تسيطر على حوالي 30 ألف مسجد غير تابع للحكومة (54) وأبلغ دليل على قوة التغلغل من خلال هذه الآلية وجود 150 مسجدا تسيطر عليها الجماعة الإسلامية فى مركز ديروط فقط ( 55).
لم يكن المسجد هو الآلية الوحيدة للتغلغل فى المجتمع، بل كان البداية وما زال الأساس. كانت الخطوة الثانية مؤسسات المجتمع المدني المصري.
الجمعيات الأهلية :تشير مراجعة التطور الزمني للجمعيات الأهلية الإسلامية إلى تزايد نسبتها، ففي الستينيات بلغت حوالي 17و33% من إجمالي عدد الجمعيات على مستوى الجمهورية،
وقد تزايدت هذه النسبة أثناء حكم السادات لتصل إلى 31,02% واستمرت هذه الزيادة فى حقبة الثمانينيات لتصل إلى 33,39% وقد كانت سياسة السادات الرامية لاستخدام الجماعات الإسلامية فى مواجهة اليسار والناصريين فى السبعينيات أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى ارتفاع عدد الجمعيات الإسلامية (56) أما فى الثمانينيات فقد كان وراء الارتفاع بل والأهم زيادة الفاعلية وتوسع النشاط تراجع دور الدولة الاجتماعي نتيجة التزامها بحزم سياسات التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي التى تفرض الحد من الإنفاق الاجتماعي،
ففي مقابل تراجع دور الدولة، اتسع دور الجمعيات الأهلية الإسلامية، فهي تقدم خدمات أفضل مما تقدم الدولة وأقل تكلفة مما يقدم القطاع الخاص.
وقد اتسع مجال نشاط هذه الجمعيات ليشمل مجالات شتى فى التعليم والصحة والرفاهية الاجتماعية .
فقد نجحت الجمعيات الإسلامية فى ملء الفراغ الذى تركته الدولة إلى حد كبير. وفى البداية كان هذا الدور مقبولا بل يكاد يكون مفيدا من وجهة نظر الدولة ما دام يقلل من أعبائها ويخفف من حدة التوتر الاجتماعي إلا أنه مع زلزال 1992 تغير الموقف تغيرا جذريا.
فقد نجحت المنظمات الأهلية الإسلامية فى محاولات الإغاثة وكانت أكثر فاعلية من الحكومة، فخلال ساعتين من حدوث الزلزال، كانت قوافل الأطباء والطعام والأغطية والأدوية منتشرة فى المناطق المنكوبة، فى الوقت الذى كانت الدولة ما زالت عاجزة عن التصرف. وقد نقلت شبكة (سى إن إن) المشهد مما دفع الدولة لإصدار أوامر عسكرية تحظر تقديم أي خدمات مباشرة لضحايا الزلزال إلا من خلال وزارة الشئون الاجتماعية أو الهلال الأحمر (57).
إن أهم ما يميز الجمعيات الأهلية الإسلامية قدرتها بالمقارن بالجمعيات الأهلية الأخرى- على تحقيق قدر من الاستقلال عن الدولة ولا سيما فيما يتعلق بالدعم الحكومة، فهي تمتلك قدرات عالية على تعبئة المتطوعين والتمويل المطلوب حيث تعتمد مصادر تمويلها بالأساس على أموال الصدقات والزكاة والتبرعات (58) وتشير دراسة أخرى غلى أن حصيلة أموال الزكاة التى تشكل بعض موارد الجمعيات الإسلامية وصلت إلى حوالي 5 ملايين دولار فى عام 1988. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ موجه فقط من خلال ثلاثة آلاف مسجد (59).
وخلاصة القول إن الجمعيات الأهلية الإسلامية نجحت فى التعامل مع تحديين أساسيين تواجههما الجمعيات الأهلية فى مصر بصفة عامة وهما التطوع والتمويل مما مكنها من تحقيق درجة من الاستقلال النسبي عن الدولة رغم القيود القانونية ( قانون 32 لعام 1964 ) القائم.
ومن ناحية أخرى فإن اتساع نطاق الدور الذى تقوم به الجمعيات الإسلامية من حيث تنوع أنشطتها والتي تتجاوز مجالات الدعوة الدينية إلى مجالات الرعاية الاجتماعية الواسعة تشير إلى حقيقة مفادها أن الدور السياسي للجمعيات يذهب إلى إطار أكثر اتساعا من مجرد الإعلان عن دور سياسي أو ممارسة بشكل مباشر وذلك من خلال تربية النشء وإعداد الكوادر (60).
والملاحظة الأخيرة فى هذا الشأن أن خطاب الجمعيات الأهلية الإسلامية خطاب يتسم بالتعقيد والتداخل وتعدد التوجيهات مما يجعل من الصعب الفصل بينها وبين حركات الإسلام السياسي المختلفة والتي تنجح فى الغالب من الاستفادة من هذه الجمعيات أو العمل من خلالها فى بعض الأوقات وبعض المناطق، خاصة وأن الحركة الإسلامية بكافة تشكيلاتها المعتدلة والراديكالية تنطلق عن أرضية فكرية واحدة. وهى ضرورة بناء المجتمع الإسلامي من أسفل .
النقابات المهنية : لم يكتف الإسلاميون سواء كانوا ينتمون للإخوان المسلمين أو كانوا ينتمون لإحدى الجماعات الراديكالية ببناء النفوذ فى المناطق الفقيرة والمهمشة ووسط الطبقات الدنيا والفقراء، بل وجدوا أيضا أنه من الضروري أن يتوحدوا وسط الطبقة الوسطى والتي تمثل عماد أو عامود المجتمع، وأن يستغلوا ما تتعرض له هذه الطبقة من عملية حراك هابط.
وبالفعل كانت بعض النقابات المهنية مهيأة لأن يحتل التيار الاسلامى مواقعه فيها، فقد كانت تسود بعضها عديد من مظاهر الفساد فضلا عن عجزها عن خدمة مصالح أعضائها. والتخفيف من ضغوط الحياة. كما كانت النقابات المهنية ساحة هامة لعمل التيار الاسلامى المحجوب عن الشرعية باعتبارها قنوات شرعية تسمح بمخاطبة قاعدة عريضة فى المجتمع.
وقد استند هذا التيار للقدرات التنظيمية العالية التى يتميز بها وأيضا إلى الدين لاكتساب أرضية أكبر من المؤيدين . وقد كانت أحد بل وأهم أسباب نجاح هذا التيار قدرته على التوجه مباشرة لمخاطبة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للأعضاء خاصة الشباب منهم من خلال إقامة شبكة من الخدمات تبدأ من القروض ومشروعات توليد الدخل وإيجاد فرص العمل وتمتد لإقامة المساكن والرعاية الصحية, وبالفعل احتل التيار الاسلامى أغلبية مجالس أربع نقابات مهنية ، نقابة الأطباء 20 مقعدا من إجمالي 25 مقعدا ونقابة المهندسين 45 مقعدا من إجمالي 61 مقعدا ونقابة الصيادلة 17 مقعدا من 25 مقعدا ونقابة المحامين 18 مقعدا من 25 مقعدا وذلك وفقا لبيانات التسعينيات (61).
خامسا : الحركات السلامية الراديكالية بين التغير والاستمرارية
رغم التشابه الكبير فى سمات الحركات الإسلامية الراديكالية وكذلك آلياتها بين الفترتين 74- 81 و 83- 1988 ، إ أن هناك بعض ملامح التغير الفارقة.
فقد تشابهت الفترتان تشابها كبيرا فيما يتعلق بالتركيبة الديمغرافية والأوضاع السويسو اقتصادية لقوام حركات الإسلام السياسي.
التغير الوحيد الذى طرأ بروز العشوائيات كمفرخة للتطرف وتربة صالحة ومواتية للحركات الإسلامية كي تبنى نفوذها وتقاوم الملاحقات الأمنية فى نفس الوقت.
أما على صعيد الآليات ، فإن المتتبع للحركات الراديكالية منذ منتصف السبعينيات حتى الآن يلحظ ثلاثة تغيرات فارقة ميزت عقد التسعينيات وهى الانتشار الكبير للحركات الإسلامية وتوسع مجال أهدافها وعولمة الحركة أي عبورها للحدود الوطنية والقدرة الأوسع على التغلغل فى المجتمع المدني ومنظماته.
فقد شهدت التسعينيات انتشار الحركات الإسلامية وتعددها إما نتيجة الانشقاقات أو الاقتناع بأن تحقيق الهدف النهائي وهو إقامة الدولة الإسلامية ليس أمرا يسيرا أو ظهور أجيال جدية أكثر شبابا.
وبالفعل فبجانب الجماعات الأساسية وهى الجهاد والجماعة الإسلامية ظهرت جماعات أخرى مثل العائدون من أفغانستان والعائدون من السودان والأفغان العرب والتبليغ والتوقف والتبيين فضلا عن ذلك فقد توسعت أهداف هذه الجماعات فلم تعد قاصرة على الدولة ورموزها فحسب بل امتدت لتشمل المجتمع والسائحين فى مصر (62).
أما عولمة الحركة والذي يقصد بها عبورها للحدود الوطنية فقد بدأت مع غزو السوفييت لأفغانستان أواخر السبعينيات واستمرت طيلة ما يزيد عن عشر سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أن الهروب للخارج ( الهجرة) تراث إسلامي قديم وهو ميكانزم للبقاء وحماية النفس ( 63) إلا أنه فى صورته الحديثة كان بمثابة ملمح أساسي أعطى للجماعات الراديكالية قوة وفاعلية غير مسبوقة إذ وفر الخروج إلى أفغانستان عديدا من المكاسب الضخمة للحركات الإسلامية، أولها تأمين قيادات التنظيمات المختلفة خشية اغتيالهم أو تصفيتهم ،
ثانيها اكتساب خبرات عسكرية كبيرة من خلال التدريب فى المعسكرات فى أفغانستان والقيام بأعمال عسكرية واسعة النطاق هناك، فضلا عن التمرس على خبرات أكثر تنوعا مثل أعمال المخابرات وجمع المعلومات، ثالثها تسهيل طلب اللجوء السياسي لدول أوربا حيث تتوفر إمكانات للرعاية وتعبئة الرأي العام العالمي وأخيرا التمويل الضخم من جهات عديدة( 64).
وقد وضحت هذه النقلة الكيفية فى آليات عمل الجماعات الراديكالية المختلفة عند عودة الكثير منهم إلى مصر وتنفيذهم لأعمال عنف دقيقة التخطيط وواسعة النطاق.
أما الملمح الأخير فى التغير فكان القدرة على النفاذ لمنظمات المجتمع المدني خاصة النقابات المهنية، فلم يعد كافيا بناء النفوذ فى المناطق الشعبية والريفية والعشوائية، بل لا بد أيضا من بناء النفوذ فى المجتمع المدني وبالتالي التوازن فى العمل على مستوى الجماهير وكذلك النخبة.
كلمة أخيرة
رغم تبنى هذه الورقة للتفسيرات السوسيو اقتصادية والسياسية وذلك استنادا لنتائج الدراسات الميدانية التى تناولت الجماعات الإسلامية الراديكالية، إذ تشير الغالبية العظمى من هذه الدراسات إلى أن قوام حركات الإسلام السياسة الراديكالي ينتمون إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى،
وهى شريحة بطبيعتها تتسم بقدر عال من التذبذب السياسي والقلق بسبب وضعها غير المستقر فى السلم الاجتماعي، إذ أنها ما زالت فى عملية حراك اجتماعي.
كما أن الأصول الاجتماعية لهذه الشرائح تعود إلى مهاجرى الريف إلى المدينة والذين وفدوا حديثا ويعانون من التناقضات بين القيم الريفية والقيم المدنية الحديثة (65) فضلا عن توزيعهم الجغرافي والذي يشير غلى تركزهم فى المناطق الأكثر تخلفا وحرمانا من التنمية وسيادة للثقافة التقليدية مثل الصعيد.
وكذلك العشوائيات والتي استقبلت المهاجرين من الريف إلى المدينة والذي صعب عليهم أن يندمجوا فى العملية الإنتاجية والتحقوا بأعمال هامشية غير منتجة ومن ثم تحول معظمهم إلى قوى عاطلة سافرة أو مقنعة.
ومع ذلك فإن هناك تفسيرات أخرى لا يجب تجاهلها خاصة وأن الحركة الإسلامية الراديكالية ظاهرة اجتماعية كأية ظاهرة متعددة الأبعاد،
وبالتالي تحتاج لتعدد التفسيرات. والتفسير الذى يستند للمرجعية الدينية المقدسة، فالعامل الفكري والأيديولوجي هام، فالجماعات إسلامية الراديكالية لديها مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي ذو طبيعة إسلامية، وقد تختلف الجماعات فى طبيعة فهمها لتفاصيل علاقة ذلك المشروع بقواعد الإسلام وأصوله، كما قد تختلف تفسيراتها لبعض هذه القواعد والأصول إلا أنها مع ذلك تعتقد فى صحة انتساب مشروعها للإسلام (66).
النقطة الأخيرة تتعلق بدور الدولة، فالدولة تظل مسئولة إلى حد كبير بحزمة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والأمنية عن الأوضاع التى أفرزت الحركات الإسلامية الراديكالية وأدت لازدهارها ونجاحها فى بناء نفوذها، وذلك إما بتخليها عن أداء دورها فى مناح شتى، خاصة فى المجالات الاجتماعية أو تخبطها فى تخطيط سياساتها وإدارتها مثلما حدث فى مجالات الإعلام والتعليم والسياسة الأمنية .
وهكذا على حد تعبير بورجا فى كتاب " الإسلام السياسي صوت الجنوب" وهكذا بدأ مناضلو الإسلام السياسي فى نسيج خيوط مجتمع مضاد فعلى يحاول أن يستجيب لكل وجه من أوجه قصور النظام أو لكل مجال تتعثر فيه عملية التحديث الفوقية.
وعندما يتظاهر هذا الأسلوب فى العمل بأنه يتجاهل الدولة، وعندما يعطى المجتمع الوسائل التى تسمح له بالاستغناء عن الدولة، فإن مثل هذا المنهج يساهم فى إعطاء عملية التشكيك فى مصداقية نظام الحكم ( إن لم يكن سحب الثقة من الدولة) فاعلية أكبر من مجرد المواجهة مع هذه النظم(76).
الفصل الثالث الحركة الإسلامية والجمعيات الأهلية فى مصر
إعداد :د. عماد صيام
المجتمع المدني والمنظمات الأهلية
تصف بعض التعريفات المجتمع المدني بأنه " الساحة التى تدور فيها التفاعلات الاجتماعية العامة التى لا تتعلق مباشرة بالربح، ولا بالصراع المباشر على السلطة السياسية أو السيطرة على السلطة التنفيذية ، وهو ما يعنى أن المجتمع المدني ينشط ويتطور طبقا لمنطق وديناميكية تختلف جذريا عن تلك التى تتحكم فى السوق أو تلك التى تتعلق بالممارسة المباشرة للسلطة السياسية وهذا التحديد لساحة المجتمع المدني التى تجد تجلياتها فى قيم ثقافية،
وأبنية مؤسسية وفعاليات اجتماعية ذات طابع مميز، لا يجعلها بعيدة أو منفصلة عن ساحات الصراع الاجتماعي التى تحشد فيها مختلف الفئات الاجتماعية سواء تلك السائدة أو الساعية لإعادة اقتسام الثروة والسلطة، هو ما دفع جرامشى لتطوير مفهوم المجتمع المدني باعتباره " الساحة التى تفرز فيها الطبقات الحاكمة وسائل هيمنتها الأيديولوجية" بمعنى كونها السبيل الذى تلجأ له الفئات الاجتماعية المسيطرة لتأكيد هذه السيطرة دون اللجوء لأساليب القمع المباشرة ،
وهو ما يعنى أن مؤسسات المجتمع المدني من الناحية الإجرائية هى بمثابة البنية التحتية التى تمارس من خلالها أشكال أخرى من الصراع الاجتماعي أقل عنفا وقمعا بين الفئات الاجتماعية المتصارعة التى تحاول توظيف هذه المؤسسات لبناء نفوذها الفكري، عبر اللجوء لممارسات وأولويات بديلة لتلك التى تتبناها الدولة، كجزء من معركة الصراع ذات الطابع التراكمي، وهى العلاقة التى يبدو أن تيار الإسلام السياسي قد أدركها منذ وقت مبكر وبدأ فى توظيفها.
فى هذا الإطار تأتى محاولة رصدنا لدور الجمعيات الأهلية وعلاقتها بحركة الإسلام السياسي خاصة وأن منشأ الجمعيات الأهلية فى مصر منذ القرن التاسع عشر ، كانت تغلب عليه السمة الدينية ،
وهو ما يمكن ملاحظته بالنظر إلى تلك الجمعيات " من حيث أسباب قيامها، ومجالات اهتمامها، ومن حيث السلوكيات التى ألزمت بها أعضاءها ، وألوان نشاطها بصفة عامة، والتي يمكن القول إنها فى مجملها كانت تسعى لأن تعد التعبير العملي عن التمسك بالهوية الإسلامية فى العقيدة،
وطريقة التفكير ونمط الحياة اليومية بصفة عامة، وذلك فى مواجهة الدعاية لتقليد الغرب، واقتفاء أثره، وكان بعضها يتمتع بدرجة أو بأخرى من التنظيم والنشاط الحركي فى المجتمع، وعلى الرغم من اهتمام هذه الجمعيات بالعديد من الأنشطة للفكر الديني ذات الطابع العلماني، إلا أنه كان هناك سعى دائم للامتداد بجذور هذه الأنشطة للفكر الديني وتأسيسها على دوافع عمل الخير،
خاصة وأن العمل فى هذه الجمعيات كان يقوم بالأساس على فكرة التطور والتبرع، وهو ما يعتبره سيد قطب أبرز مفكري التيار الاسلامى، أحد أهم الواجبات التى يجب أن تتبناها وتؤكد عليها اى حركة سياسية إسلامية تسعى لبناء المجتمع المسلم، حيث يرى أ الترف لابد أن يؤدى إلى المنكر بحكم وجوده فى الجماعة، فالطاقة الفائضة لابد لها منم تصرف، فهناك مال فائض وهو طاقة ، وهناك حيوية جسدية فائضة وهى طاقة، وهناك فضل زمن فائض بلا عمل ولا تفكير وهو طاقة،
والفتيه المترفون ، والفتيات المترفات وهم يجدون الشباب والفراغ والجدة، لابد أن يفسقوا ولابد أن يبحثوا عن مصارف أخرى لطاقة الجسد، وطاقة المال وطاقة الوقت، وغالبا ما تكون مصادرها تافهة تأخذ طابعها من الزمن والبيئة، ولكنها تلتقي عند حد التفاهة والميوعة والقذارة الحسية والمعنوية وعلى الرغم من تركيز سيد قطب فى هذا الاستشهاد الطويل على الجانب الأخلاقي للحفاظ على أخلاق الأمة باعتباره شيئا واجبا،
إلا أنه يعكس فى ذات اللحظة تنبه مفكري الإسلام السياسي لأهمية توظيف هذه الطاقات فى إطار مشروعهم السياسي هذا التوظيف الذى يأخذ غلاله دينية لا تحجب الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعوة التى يفصلها سيد قطب فى كتابات أخرى تتناول كيفية توظيف هذا الفائض فى المال/ الوقت / والجهد، عبر التطوع لتعليم الأميين ومعاونة المحتاجين والقيام بالإرشاد الاجتماعي وإنقاذ الفتيات المشردات ، ووجدت تطبيقها الفعلي من خلال أنشطة جماعة الإخوان المسلمين.
وإذا كان العمل فى الميدان الاجتماعي فى بدايات القرن من خلال الجمعيات الأهلية بشكل عام قد وجد جذوره فى الأخلاقيات أو الواجبات الدينية الداعية لفعل الخير وكسب المغفرة عبر التصدق بالمال والجهد، أو الالتزام بتقديم الزكاوات ، فقد تطور مع ظهور الجمعيات الدينية الإسلامية ذات الرؤى المتميزة فى فهم الإسلام سلوكا وعقيدة ، باعتباره أحد أساليب التربية والتميز فى مجتمع بعيد عن روح الإسلام،
ثم تطور بعد هذا على يد الإخوان، المؤسسون الفعيلون لحركة الإسلام السياسي باعتباره أحد أشكال العمل السياسي المباشر، التى يمكن من خلالها ممارسة عمليات الحشد والتعبئة السياسية ، عبر تقديم أنفسهم كبديل ، خاصة وأن الجمعيات الأهلية لما تتميز به من سمات،
تسمح بأفضل الشروط لتحقيق ذلك:
- • فهي مؤسسة شرعية ( لها صفة قانونية) لها طابع الاستمرار، وهو ما يسمح بمراكمة للنجاحات .
- • غير مرتبطة هيكليا بالدولة وإن كانت عمل فى إطار قوانينها، وبالتالي تسمح باستقطاب جهود من تحول قدراتهم وظروفهم على الانخراط فى العمل السري.
- • تدار بشكل ذاتي من خلال أعضائها ومجلس إدارتها المنتخب، وهو ما يسمح بتدريب ميداني على أعمال القيادة والإدارة.
- • تسمح بقدر من المشاركة التطوعية فى تنظيم الأنشطة وإدارتها.
- • غير حزبية ولا تعمل بالسياسة مباشرة وبالتالي فالعمل بها آمن وبعيد عن الصدام مع الدولة.
- • يمكن من خلالها تقديم خدمات عديدة لقطاعات واسعة ومتعددة من السكان بتكلفة أقل وأحيانا بمستوى أفضل من تلك التى تقدمها المؤسسات الحكومية، بل والاتصال بهؤلاء السكان بشكل مباشر، وهو ما يسمح بتكتيلهم وحشدهم.
- • فإذا أضيف لهذا كله كون الجمعية ذات طابع ديني ( كما فى العديد من الجمعيات النشطة) وأن العمل الاجتماعي ذاته عمل قائم على التصدق وفعل الخير سنجد درجة عالية من التوحد بين الغرض ومجال النشاط، له قدرة عالية على دغدغة المشاعر بدعوى التقرب إلى الله والالتزام بتعاليمه،
وهى الميزة التى تعطى جاذبية خاصة للجمعيات الدينية الإسلامية نلمحها بوضوح فى تزايد أعدادها، ونسبتها إلى إجمالي الجمعيات الأهلية الأخرى، وهو ما يبرز فى عدد من المحافظات، توجد بها الكتلة الرئيسية من هذه الجمعيات الأهلية بشكل عام، ويصب بشكل مباشر فى عملية أسلمة المجتمع من أسفل، كأحد آليات بناء الدولة الإسلامية ،
كما يشير الجدول رقم (1).
جدول نسبة الجمعيات للجمعيات الدينية الإسلامية ببعض المحافظات لإجمالي كل الجمعيات عام 90/ 91 فى نفس المحافظة
المحافظة | % للجمعيات الدينية الإسلامية |
---|---|
القاهرة | 21,3 |
الجيزة | 23 |
الأسكندرية | 31,3 |
الدقهلية | 21 |
المنيا | 51 |
بنى سويف | 22 |
سوهاج | 29,5 |
قنا | 26,6 |
كان هذا البروز لحجم الجمعيات الدينية الإسلامية ، وتصاعد الدور الذى تقوم به الجمعيات الأهلية بشكل عام فى المجال الاجتماعي، الاقتصادي ، الثقافي، بجانب تنام نفوذ تيار الإسلام السياسي منذ بداية السبعينيات هو الدافع وراء محاولة البحث عن:
- 1- هل هناك ثمة ارتباط بين الجمعيات الدينية الإسلامية وحركة الإسلام السياسي.
- 2- مدى الارتباط بين الجمعيات الدينية الإسلامية وحرة الإسلام السياسي، وأشكال هذا الارتباط.
- 3- الدور الذى تقوم به هذه الجمعيات لدعم حركة الإسلام السياسي على صعيد المجتمع.
- 4- تأثير تواجد تيار الإسلام السياسي على حركة المنظمات الأهلية فى مصر.
ولندرة الدراسات التى تحاول الاقتراب من هذه القضايا، حيث لا زالت معظم الدراسات التى تناولت حركة الإسلام السياسي تركز على ا لجانب الفكري الخاص بالخطاب الأيديولوجي والسياسي، أو الجانب التاريخي فى الوقت الذى تكاد تغيب فيها الدراسات التى تسعى لكشف حركة الإسلام السياسي فى الواقع وآليات تحويل الخطاب السياسي لفعل سياسي،
وأساليب بناء النفوذ بين الفئات الاجتماعية المتعددة، وهى المجالات التى تسعى هذا الدراسة إلى فتح الحوار وإثارة القضايا المتعلقة بها، لتمهيد الطريق أمام دراسات أخرى أكثر تفصيلا فى محاولاتها اكتشاف الآليات الفعالية التى لجأت إليها حركة الإسلام السياسي على اختلاف تياراتها لاختراق المجتمع وبناء نفوذها السياسي الذى أصبح من المستحيل اقتلاعه بحملات التصفية أو الحصار.
الحالة الإسلامية والعمل الأهلي
منذ بداية السبعينيات شهد المجتمع المصري العديد من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، التى ساهمت فى دعم الميل العام للتدين وزيادة انتشار الأفكار الدينية ، فقد تزايد لجوء النظام السياسي لتوظيف الدين فى محاولة دعم شرعيته، خلال صراعه مع القوى الناصرية واليسارية،
وهى العملية التى بدأت باعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الاساسى للترشح والبدء فى حوارات شارك فيها رئيس الجمهورية بشخصه مع قيادات الإخوان ووصلت إلى حد دعم جماعات الإسلام السياسي فى الجامعة، وانتهت باحتدام لصراع بين الدولة وجماعات الإسلام السياسي التى أصبحت منافسا له ثقله، ينفى الشرعية الدينية عن النظام ويحتكرها لنفسه،
وهو ما دفع النظام السياسي إلى حد المزايدة على شعارات الحركة السلامية ، التى وصل الصراع مع بعض فصائلها لحد الصدام المسلح، وتزامن فيها معالم نوع جديد وخاص من الإسلام هدفه الأول والأخير الحفاظ على العلاقات الاجتماعية القائمة فى تلك البلدان،
وهو إسلام يركز على أداء الشعائر والتمسك بسنة الرسول، بغض النظر عن المضمون السلوكي والأخلاقي والاجتماعي الكامن وراءها، ومما لا شك فيه أن طوفان الهجرة الذى شمل الملايين من الأسر المصرية لتلك المجتمعات، ساهم بدوره فى رواج هذا النمط من الإسلام مع رواج السلع المعمرة والفاخرة التى استوردها العاملون بتلك البلدان،
وكان غياب المشروع القومي، وتزايد تدهور الأوضاع المعيشية لقطاعات كبيرة من السكان دافعا لهذه القطاعات لرحلة البحث عن بديل يخرجهم من واقع البؤس الاجتماعي الذى يعانون وطأته وكان للشعارات العامة والغامضة التى رفعتها جماعات الإسلام السياسي، مثل " الإسلام هو الحل" أثرها فى مداعبة آمال جزء كبير من هؤلاء السكان، خاصة بعد فشل التجارب التنموية التى لا تستمد إطارها المرجعي من الدين.
ساهمت هذه العوامل وغيرها على امتداد السبعينيات وحتى التسعينيات فى خلق مناخ عام فى المجتمع وصل بالشعارات العامة التى تطرحها الحركة الإسلامية مثل " الإسلام هو الحل" "مصر بلد إسلامي"، " تطبيق الشريعة" ..الخ، إلى حالة من الجاذبية والانتشار، وهو ما ساهم فى وجود فئات واسعة من الناصريين للحركة والداعين لأفكارها، بصرف النظر عن ارتباطهم التنظيمي بإحدى منظمات الإسلام السياسي من عدمه،
وهو حالة يمكن أن نطلق عليها " اختراق الحركة السلامية للمجتمع" وهو ما يتجاوز مفهوم اختراق جماعات الإسلام السياسة عبر بعض نشطائها لمؤسسات الدولة أو المجتمع المدني، فنحن هنا أمام حالة أصبحت فيها الحركة الإسلامية – مع تصاعد نفوذها وفى ظل عوامل بنائية محددة قادرة على أن تولد تلقائيا وبدون جهد تنظيمي موجات عديدة من الأنصار والنشطاء وهو ما يطلق عليه الإسلاميون توصيف " الحالة الإسلامية " أو " الفكرة الإسلامية" أو " الصحوة الإسلامية " حيث تتشابه فلسفة بناء القوة والنفوذ لدى مختلف جماعات الإسلام السياسي، عبر استخدامهم لمجموعات متشابهة من الأساليب فى بناء جماعات الإسلام السياسي، عبر استخدامهم لمجموعات متشابهة من لأساليب فى بناء نفوذها الفكري والجماهيري والسياسي، الشيء الذى يؤدى مع توحد مرجعيتها الأيديولوجية ، وعدم قدرة المواطن العادي على التمييز الواضح للخلافات الفكرية أو الفقهية الموجودة بينها، إلى خلق نوع من التكامل والتساند بين أنشطة وجهود تلك الجماعات رغم اختلافها،
وبصرف النظر عن رغبة قادتها فى التعاون أو الصراع، أو تصنيفها لتيارات متطرفة وأخرى معتدلة ، فالحركة الإسلامية بمجمل تياراتها وفصائلها تسعى لتغيير التكوين الاجتماعي والحضاري للمجتمع، بل يمتد تكامل الأدوار هذا إلى درجة توظيف الدور الذى تقوم به للمؤسسات الدينية الرسمية لصالح حركة الإسلام السياسي،
فتكثيف الدور الاعلامى الذى تقوم به هذه الهيئات لمواجهة جماعات الإسلام السياسي يساعد بشكل مباشر على دعم الأفكار والميول الدينية التى تخلق البيئة الملائمة لعمل وحركة نشطاء هذه الجماعات، بل قد يصل الأمر للتعاون المباشر،
خاصة وأن المؤسسة الدينية الرسمية فى النهاية لا تعكس ولاء كاملا للنظام السياسي من جانب بعض قادتها، مثال ذلك الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق الذى رفض إدانة آراء جماعة التكفير والهجرة،
وموقف الشيخ جاد الحق عندما كان مفتيا من عدم إدانته لكتاب الفريضة الغائبة، الذى شكل منيفستو جماعة الجهاد التى اغتالت رئيس الجمهورية، بجانب عدم تخلى المؤسسة الدينية عن بعض القضايا التى شكلت محور خلاف مع النظام، وتلتقي فيها مع الجماعات الإسلامية مثل قضية تطبيق الشريعة وقوانين الأحوال الشخصية.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن نهج التكامل/ التعاون / التنسيق بين كل العاملين فى الحقل الاسلامى ليس مجرد استنتاج تشير إليه مؤشرات الواقع بل شكل نهجا ثابتا تداولته أدبيات قيادات التيار الاسلامى منذ حسن البنا الذى دعي الإخوان من خلال قرارات المؤتمر الثالث للإخوان والذي عقد فى أوائل عام 1945 إلى تأييد أي جماعة " تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الإخوان المسلمين" ، إلى مصطفى مشهور المرشد العام الحالي الذى يصنف هذه الجماعات إلى " جماعات تركز على أمور العقيدة ونقائها من الشوائب" ،
وجماعات تهتم " بالعلم وتحقيق الأحاديث النبوية وتوثيقها" وجماعات " تهتم ببناء المساجد واتباع السنة والتفقه فى الدين" وجماعات " تهتم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والبعد بالمسلمين عن التعرض للسياسة" وجماعات " تركز على الجهاد ومواجهة الأعداء بالقوة" وجماعات" يفاصلون غيرهم لتشككهم فى عقيدتهم ،
وقد يحكمون على غيرهم بالكفر والفسق" وأخيرا جماعات" تعمل لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة وتطبيق شرع الله مع الاهتمام بالعقيدة والعبادة والعلم والدعوة إلى الله والتفقه فى الدين والجهاد فى سبيل الله " ،
ثم يطرح بعد ذلك موقف الإخوان الرسمي منها ويحدده فى :
- 1- الحب والمودة والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، وتفادى الخلاف والتنازع والعمل على وحدة العمل.
- 2- تقريب وجهات النظر والتوفيق بين مختلف الفكر توفيقا ينتصر للحق فى ظل التعاون والحب.
ويأمل فى النهاية أن " يأتي اليوم الذى تزول فيه الأسماء والألقاب والفوارق الشكلية والحواجز النظرية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية ، حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون للدين، عاملون فى سبيل الله مجاهدون".
نفش الشيء يؤكد عليه أحد قيادات الجماعة الإسلامية فى أسيوط قائلا " إن التنظيمات الإسلامية كثيرة، ولا يوجد بينها خلافات جذرية، خلافاتنا بسيطة وعادية ونتمنى لأي تيار أن ينجح" ويكثف منتصر الزيات ( محتمى التيارات الجهادية) هذه الرؤية قائلا " إن الفكرة الإسلامية والطرح الاسلامى هما أمل الشعب المصري وأنا أفصل بين مسألتين ، بين الجماعات الإسلامية وبين الفكرة الإسلامية نفسها، الجماعات الإسلامية تعمل فى نطاق الفكرة الإسلامية وكلها تحاول أن تصل إلى هذه الغاية ، من وصل إليها أولا أخذ بيد الباقين".
كان هذا البروز للحالة أو الفكرة الإسلامية ، الذى ساعد عليه لجوء نشطاء فصائل التيار الاسلامى إلى تكرار المفردات والرموز الدينية،
ونجاحهم فى تكثيف وتركيز المفاهيم الدينية فى مجموعة من الشعارات والرموز المحددة التى يؤدى تكرار تقديمها وتميزها إلى خلق نوع من السطوة والقدرة على جذب الجماهير والإيحاء بتعاظم القوة والانتشار والنفوذ، بجانب القدرة الذاتية على توليد جحافل من المتعاطفين مع الأيديولوجية الإسلامية وشعاراتها، للدرجة التى دفعت واحدا من أبرز قادتها،
والمرشد العام الحالي لجماعة الإخوان، إلى التأكيد على أن " الإخوان المسلمون فى مصر هم الطلائع الأولى للتيار الاسلامى ولكن التيار الاسلامى ليس قاصرا على الإخوان،
ولكن يتسع لكل مسلم ذكرا كان أو أنثى، عرف معنى انتمائه للإسلام وتعرف على ما يطلبه منه إسلامه من واجبات، وهو ما دفعه إلى الحركة والعمل مع الصادقين لتحقيق مبادئ الإسلام أيا كان موقع هذا الفرد" ،
ويضيف " إن التيار الاسلامى ليس قاصرا على جماعة بذاتها أو أفراد بذواتهم بل إنه يضم فى كل لحظة كل مسلم يصحو من غفوته ويعرف حقيقة رسالته فى هذه الحياة " ثم إن بوابة التيار الاسلامى متسعة ومفتوحة لكل راغب فى العمل لتحقيق أهداف الإسلام ومبادئه وتحكيم شريعته وإقامة دولته".
وعلى امتداد الفترة من السبعينيات نجح نشطاء الحركة الإسلامية فى ظل هذه العوامل والظروف فى تسييد مناخ وثقافة التدين والتي يمكن رصد بعض مظاهرها فى :
- 1- انتشار ما يعرف بالزى الاسلامى خاصة الحجاب لدى الفتيات والنساء ثم تطور للنقاب للدرجة التى دفعت وزير التعليم للتدخل للحد من انتشار الظاهرة فى المؤسسات التعليمية .
- 2- ارتفاع مبيعات شرائط الكاسيت والفيديو ذات الموضوعات الدينية ، أو التى تتناول خطب رموز الإسلام السياسي فى المساجد التابعة لهم، نهاية بمحاكمات الجماعات الإسلامية والدفوع التى قدمت فيها.
- 3- ارتفاع أعداد لجان الزكاة والتي أسس معظمها فى المساجد لتحصيل أموال الزكاة والتي تعتبر أحد الواجبات الملزمة لكل مسلم، والتي لا يكتمل إسلامه إلا بها.
- 4- اتساع نطاق ظاهرة المساجد الأهلية غير الخاضعة لوزارة الأوقاف، والتي تحولت فى معظمها لبؤر لنشاط تيارات الإسلام السياسي والمتعاطفين معها.
- 5- تزايد أعداد الجمعيات الأهلية ذات الطابع الديني والتي تنشط فى إطار الفكرة أو الحالة الإسلامية ، بمعنى أنها ليست مجرد جمعيات ذات طابع خيري أو إغاثى ، بل توظيف الدور الخيري أو الاغاثى من على أرضية الفكرة الدينية ، فى دعم الجهود الراسية لتعظيم نفوذ تيار الإسلام السياسي وهو ما يتم من خلال:
- 6- الارتباط المباشر، عبر سيطرة نشطاء الحركة الإسلامية والمرتبطين تنظيميا بفصائل الإسلام السياسي على عدد من الجمعيات الأهلية، باختراق العضوية واحتلال مقاعد مجلس الإدارة أو تأسيس جمعيات خاضعة لهم مباشرة( فى الغالب يكون المسجد الأهلي نقطة انطلاقها الأولى) أو التواجد النشط داخل عدد من الجمعيات الأهلية دون الوصول لدرجة السيطرة التامة،
- ومثل هذا النوع من الجمعيات الأهلية المرتبطة سياسيا أو تنظيميا بجماعات الإسلام السياسي توجد صعوبة شديدة فى تمييزها وحصرها، نظرا لوجود هذه الفصائل السياسية خارج نطاق الشرعية القانونية ، وبالتالي لا يمكن اكتشاف هذه الجمعيات إلا فى الحالات التى يصل فيها الأمر للصدام مع الجهة الإدارية أو جهات الأمن.
- 7- الارتباط غير المباشر بحركة الإسلام السياسي عبر تمحور أنشطة عدد من الجمعيات الأهلية حول الفكرة الدينية والشعارات الإسلامية التى تتبناها حركة الإسلام السياسي دون وجود أي رابط تنظيمي وهنا تدخل أعداد أكبر من الجمعيات الأهلية يصعب أيضا حصرها.
والشيء الجدير بالتأكيد هنا أن كلا النوعين من الجمعيات الأهلية ليس بالضرورة جمعيات دينية من حيث أغراض التأسيس، بل هناك العديد من جمعيات تنمية المجتمع على سبيل المثال تندرج تحت هذه النوعية من الجمعيات الأهلية، التى أصبح نشاطها ( بشكل مباشر/ غير مباشر) يدور فى فلك ظاهرة الإسلام السياسي،
وهو ما يزيد من صعوبة بل استحالة التحديد الكمي( عدد الجمعيات الأهلية التى تدور فى فلك الظاهرة) أو النوعي ( حجم الفاعلية والقدرة والنفوذ الحقيقي) للجمعيات التى تشكل أحد الروافد الرئيسية لتزايد نفوذ قوى الإسلام السياسي، خاصة وأنه حتى التحديدات العامة باعتبار الجمعية دينية انطلاقا من أغراض التأسيس تقدم أرقام إحصائية مختلفة، من المفيد إدراج بعضها،
والتي يعكس حجم التضاد بينها حجم الصعوبة فى تحديد حجم الجمعيات الأهلية التى تدور فى فلك الظاهرة الإسلامية: حيث تشير د. أمانا قنديل فى دراسة مسحية تمت عام 90 إلى أن الجمعيات الأهلية ذات الخلفية الدينية الإسلامية تمثل 34% من إجمالي الجمعيات وفى نفس المرجع تشير إلى أن مسوح عام 91 تشير إلى أن نسبتها 27% على الرغم من أن تزايد أعداد الجمعيات المشهرة خلال عام لا يسمح بهذا الانخفاض الكبير خاصة أن الجمعيات المشهرة خلال تلك الفترة كان من ضمنها أيضا جمعيات إسلامية،
وفى تقدير لفهمي هويدى أحد رموز الإسلام السياسي الصحفية ، يشير إلى أن حجم الجمعيات الخيرية الإسلامية فى عام 97 وصل إلى 35% من إجمالي الجمعيات.
إلا أن هذا لا يحول بالتأكيد دون محاولة استنباط بعض المؤشرات الدالة، على حجم هذا التواجد الذى لا يمكن نفيه، والمرتبط بتصاعد النفوذ ( نفوذ تيارات الإسلام السياسي) كسبب ونتيجة وفى محاولة لاستنباط هذه المؤشرات سعينا إلى تحديد الحد الأدنى لحجم الجمعيات الأهلية التى تدور فى فلك الظاهرة السلامية والتي يشكل بعضها قواعد للتواجد الفكري أو السياسي أو التنظيمي لتيارات الإسلام السياسي وسط الجمعيات الأهلية فى مصر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالتركيز على الجمعيات الدينية الإسلامية والتي تتميز بالدعوة للفكرة الإسلامية ( كدين وعقيدة ، وسلوك) فى مقدمة الغرض من تأسيسها ، كما أن عضويتها تقتصر على المسلمين فقط، وقد حاولنا تحديد حجم هذه الجمعيات من خلال ربط الغرض من التأسيس ، بطبيعة اسم الجمعية التى يدخل فيه مكون اسلامى،
وقد اعتمدنا فى هذا الحصر على البيانات الواردة فى دليل الجمعيات المنشور فى كتاب د. أماني قنديل / سارة بن نفيسة والذي يتوقف عند عام 1991 وكانت نتائج تحليل
الجدول مستخرج بمعرفة الباحث من البيانات الواردة فى دليل الجمعيات المنشور فى الجمعيات الأهلية فى مصر – د. أماني قنديل / د. سارة بن نفيسة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام ص 299 – ص 924 ( 1994).
تعريف بالجمعيات الدينية الإسلامية التى تشكل الحد الأدنى للجمعيات الأهلية التى تدور فى فلك الظاهرة الإسلامية .
الجمعيات ( الإسلامية) الخاضعة للبحث والدراسة والتي تشكل الحد الأدنى من تواجد الظاهرة أو الحالة الإسلامية فى المنظمات غير الحكومية والواردة بالجدول هى :
- 1- الجمعيات الإسلامية : وهى الجمعيات التى يحتوى اسمها عل كلمة إسلام أو أي من مشتقاتها مثل مسلم، مسلمة، إسلامية ن إسلامي ، إسلام.
- 2- الجمعيات التراثية: وهى الجمعيات التى يتضمن اسمها واحدة أو أكثر من الكلمات أو الأسماء المرتبطة بالتراث ، الثقافة ، الفكر ،
التاريخ الاسلامى ويمكن تقسيمها إلى :
- • اسم الجمعية التى يتضمن أحد المزارات المقدسة أو الإسلامية مثل المدينة المنورة ، غار حراء، الكعبة المشرفة، أم القرى، مسجد الصحابة، الصفا والمروة، مسجد الرسول، الحرمين الشريفين ، الأزهر.
- • اسم الجمعية منسوب للرسول مثل الصفاء المحمدي ، الرضا المحمدي، الأسرة المحمدية، الخيرية المحمدية ، أصحاب السنة المحمدية، الهدى المحمدي، البركة المحمدية، إحياء سنة المصطفى، أحباب المصطفى.
- • اسم الجمعية يتضمن أحد أسماء الرسول أو ألقابه مثل خاتم المرسلين، الهادي البشير ، الحبيب النبي، رسول الله.
- • اسم الجمعية يتضمن كلمة القرآن مثل القرآن الكريم، أهل القرآن ، تلاوة القرآن ، الذكر الحكيم، نصرة القرآن ، دار القرآن ، الإعجاز العلمي للقرآن، القرآنية.
- • اسم الجمعية يتضمن أحد أسماء الله الحسنى مثل ضيوف الرحمن، عباد الرحمن، نداء الحق، دعوة الحق، الرضوان، الدعوة إلى الله، الإمام الحسين ، خديجة بنت خويلد، العصبة الهاشمية ، آل البيت.
- • اسم الجمعية يتضمن اسم أحد الصحابة أو الخلفاء الراشدين مثل أبو بكر الصديق، عمر بن ا لخطاب، عثمان بن معاذ، بلال بن رباح، مصعب بن عمير، عمار بن ياسر، معاذ بن جبل، عمر بن عبد العزيز، خالد بن الوليد.
- • اسم الجمعية قد يتضمن أحد الواجبات أو الأوامر الدينية مثل الأمر بالمعروف ، البر والتقوى.
- • اسم الجمعية يتضمن اسم أحد فقهاء الإسلام أو أبطال التاريخ الاسلامى أو أقطاب الصوفية مثل الإمام الشافعي، عقبة بن نافع، إبراهيم الدسوقي ، الشيخ محمد أبو زهرة.
1- جمعيات الحج وهى الجمعيات التى يعتبر تسهيل الحج والعمرة غرضها الاساسى وإن كان هذا لا يمنع من وجود أغراض أخرى.
2- الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالقرآن والسنة المحمدية وهى جمعية مركزية.
3- جمعيات المساجد وهى الجمعيات التى نشأت فى إطار أنشطة أحد المساجد وأطلق اسمه عليها ، ويعتبر هو محور نشاطها.
4- جمعيات الشبان المسلمين ، الشابات المسلمات وهى جمعيات مركزية.
5- العشيرة المحمدية وهى جمعية مركزية.
6- جماعة أنصار السنة المحمدية وهى جمعية مركزية.
7- جمعيات تحفيظ القرآن وهى غير مركزية إلا أن نشاطها الرئيسي هو تحفيظ القرآن وإن كان هذا لا يمنع من وجود أنشطة أخرى.
8- جمعية المحافظة على القرآن الكريم وهى جمعية مركزية.
وكما يبدو من توصيف هذه الجمعيات سنجد أنها جمعيات تقتصر عضويتها على المسلمين ، ويرتكز نشاطها على التوجه الديني الاسلامى.
• يشير جدول رقم 2 إلى أن إجمالي الجمعيات الخاضعة للتعريف السابق والتي أمكن حصرها يصل إلى 2738 جمعية أهلية من إجمالي 11312 جمعية وهو ما يشكل 24% تقريبا من إجمالي الجمعيات الأهلية المسجلة حتى 1991.
• ويشير الجدول أيضا إلى أن جزءا لا باس به من هذه الجمعيات هو فى الحقيقة فرع لجمعية عامة ( نموذج الشرعية، أنصار السنة، العشيرة المحمدية، المحافظة على ا لقرآن الكريم، الشبان المسلمين) بإجمالي 732 جمعية بنسبة 26,7% من الجمعيات السلامية، وهو ما يسهل إمكانيات التوجيه والسيطرة على أعداد أكبر من الجمعيات فى حالات الاختراق والسيطرة على الجمعية العامة، والنموذج الواضح لهذه الجمعية الشرعية ( انظر الملف التوثيقى الخاص بالملامح التاريخية والنشاط الحالي لأبرز الجمعيات الدينية).
• فى هذا المجال سنجد أنه حتى عام 1985 كانت هناك 128 جمعية عامة كان منها 66 جمعية دينية إسلامية بنسبة 33,9% من إجمالي الجمعيات العامة.
ومن جدول (2) يمكن ملاحظة أن ثماني محافظات بنسبة 30% من إجمالي المحافظات المصرية والتي يقطنها 54,5% من إجمالي السكان فى آخر تعداد سكاني يوجد بها 67,3% تقريبا من إجمالي الجمعيات الدينية الإسلامية التى تم رصدها بإجمالي 1845 وكان توزيعها كالتالي:
المحافظات الرئيسية التى تحظى بتواجد قوى للجمعيات الإسلامية وسط منظمات غير الحكومية حتى عام 1991
م | المحافظة | عدد الجمعيات | النسبة لإجمالي الجمعيات الإسلامية فى مصر |
---|---|---|---|
1 | القاهرة | 383 | 14 |
2 | الشرقية | 251 | 9,2 |
3 | المنوفية | 249 | 9,1 |
4 | الأسكندرية | 241 | 8.8 |
5 | الجيزة | 228 | 8.3 |
6 | المنيا | 160 | 5.6 |
7 | القليوبية | 168 | 6.1 |
8 | أسيوط | 165 | 6.0 |
الإجمالي | 1845 | 67,3 تقريبا |
بيانات مستخرجة من الجدول رقم (2) من إعداد الباحث .
وبمحاولة تحليل البيانات الخاصة بتاريخ تأسيس الجمعيات الدينية الإسلامية الواردة فى جدول 2 للتعرف على مدى ارتباطها بصعود حركة الإسلام السياسي ( سببا ونتيجة) يشير (جدول 3) الخاص بالتوزيع الزمني لتاريخ تأسيس الجمعيات الدينية الإسلامية فى المحافظات الرئيسية إلى :
"مستخرج من البيانات الواردة بدليل الجمعيات- الجمعيات الأهلية فى مصر د. أماني قنديل / د. سارة بن نفيسة – مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية – بمعرفة الباحث".
1- تركز تأسيس 82,4% من الجمعيات الدينية الإسلامية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات وهى الحقبة التى شهدت تصاعد نفوذ تيارات الإسلام السياسي نتيجة سياسة السادات 42,2% طول عقد السبعينيات ، ثم سياسة التسامح فى ظل حكم مبارك 40,2% وهى ما انتهى فى الحقبة الأولى باغتيال السادات على يد تنظيم الجهاد، ودخول نظام مبارك فى صراع دموي هدد أركان الدولة طوال التسعينيات نتيجة تصاعد نفوذ هذه الجماعات.
2- أن المحافظات التى كانت تحظى بتركيز للجمعيات الدينية الإسلامية على امتداد الفترة من 65- 70، هى نفسها التى شهدت تصاعد عمليات التأسيس لمزيد من الجمعيات طوال السبعينيات والثمانينيات ، وهى أيضا المحافظات التى تشكل المراكز الجغرافية الأساسية لنشاط جماعات الإسلام السياسي،
وهو ما يشير إلى الارتباط أو الدور الذى تقوم به الجمعيات ا لدينية فى عملية الدعم السياسة للحركة السلامية ، والمؤشرات الانتخابية الخاصة بنتائج الانتخابات البرلمانية عامي 1984، 1987 والتي شارك فيها الإخوان على قائمة التحالف مع الوفد، ثم قائمة التحالف الاسلامى مع حزبي العمل والأحرار تؤكد هذا.
ففي انتخابات 84 يشير جدول رقم (5) إلى الارتباط بين انتشار وتركز الجمعيات الأهلية الدينية السلامية وتعاظم الدور السياسي للتيار الاسلامى فى حالة الإخوان المسلمين.
حيث شارك قيادات الإخوان بشكل أساسي فى إطار الحملة الانتخابية للبرلمان لعام 84 فى تسعة مؤتمرات كان منها 6 فى المحافظات التى تتركز فيها الجمعيات الدينية الإسلامية بنسبة 66,7% من إجمالي المؤتمرات التى شاركت فيها هذه القيادات.
كان إجمالي المرشحين فى محافظات التركز للجمعيات الدينية الإسلامية 8 مرشحين من إجمالي 12 مرشح إخواني بنسبة 66,7%. كان إجمالي الفائزين بمقعد البرلمان من مرشحي الإخوان فى انتخابات 84 فى محافظات تركز الجمعيات الدينية الإسلامية 5 أعضاء من إجمالي 8 أعضاء برلمانيين من الإخوان بنسبة 62,5 وكانت نسبة نجاح مرشحي الإخوان فى محافظة القاهرة 100% حيث توجد 14% من إجمالي الجمعيات الدينية فى مصر ، و66,7% فى الجيزة حيث تصل نسبة الجمعيات الدينية إلى 8,3% وفى الأسكندرية 33,3% حيث نسبة الجمعيات 8,8% ، وهو ما يشير إلى وجود تناسب طردي بين عدد ا لجمعيات الدينية الإسلامية وتزايد نسب فوز مرشحي الإخوان.
هذا الارتباط أيضا تؤكده المقارنة بين نسبة الأصوات التى حصلت عليها قائمة التحالف فى انتخابات 84 مقارنة بنسبة الأصوات التى حصلت عليها قوائم المعارضة كما يشير الجدول(6).
نسبة أصوات الوفد والإخوان فى انتخابات 1984
فى المحافظات التى تتواجد فيها الكتلة الأساسية من الجمعيات الإسلامية
ويلاحظ من الجدول أنه على مستوى المحافظات التى توجد بها الكتلة الرئيسية من الجمعيات الدينية هى المحافظات التى حصلت فيها قائمة الوفد والإخوان على الكتلة الرئيسية من أصوات المعارضة.
وإذا انتقلنا إلى انتخابات 1987 سنجد كما يشير الجدول رقم (7) إلى توزع مقاعد الإخوان كالتالي:
سنجد بروز الارتباط بشكل أوضح حيث حاز مرشحو محافظات التركز للجمعيات الدينية الإسلامية الثمانية على 22 مقعد بنسبة تصل إلى 57% من إجمالي المقاعد التى حصل عليها الإخوان فى هذه الدورة ، حيث احتلوا رؤوس القوائم فى 13 دائرة تركزت فى الجيزة والأسكندرية والشرقية والمنوفية،
وهو ما يؤكد أن قواعد التأييد الجماهيري للإخوان تتركز أساسا فى هذه المحافظات، وهو ما سوف يؤكده بشكل أفضل المقارنة بين نسبة الجمعيات الإسلامية لإجمالي الجمعيات الأهلية على مستوى كل دائرة، بالنسبة لكل الدوائر التى نجح فيها مرشحو الإخوان الـ 38.
ومؤشر آخر دال على علاقة الجمعيات الدينية بحركة الإسلام هو تركز أعمال العنف فى المحافظات التى تحظى بتركز للجمعيات الدينية الإسلامية ، حيث على مستوى ثلاث محافظات فقط من المحافظات الثماني ( المنيا / القاهرة/ أسيوط) والتي تتركز بها 25,8% من إجمالي الجمعيات الدينية ، سنجدها تقدم 272 قتيل من ضحايا العنف والصدام ( جماعات / رجل أمن / مواطن ) بين الدولة والجماعات الجهادية بنسبة تصل إلى 24,8% من إجمالي الضحايا وذلك على امتداد الفترة من أبريل 1986 وحتى يونيو 1995.
وهكذا تشير العديد من الدلائل إلى وجود ارتباط واضح بين الجمعيات الأهلية ، خاصة ذات الطابع الديني الاسلامى ( فى الحد الأدنى) وبين تصاعد النفوذ السياسي والفكري لحركة الإسلام السياسي، وهو ما يطرح التساؤلات حول كيفية توظيف تيار الحركة الإسلامية لهذه الأطر والمؤسسات فى بناء حركته السياسية .
الإخوان و(إن جى أو) علاقة تاريخية دراسة حالة
• عندما نتحدث عن تيار الإسلام السياسي فى مصر يتبادر إلى الذهن بشكل تلقائي التنظيم الأم ( جماعة الإخوان المسلمين) ، والتي وضعت على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا أولى اللبنات الفكرية والحركية لنشاط تيار الإسلام السياسي منذ 1928.
• وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعين عاما على تأسيس الجماعة الأم، والمحن وأشكال الحصار، وقرارات الحل التى عانت منها، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجذرية التى شهدها المجتمع المصري طوال تلك الفترة، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين تظل بتقاليدها وتراثها الفكري والحركي صاحبة الدور الاساسى فى تشكيل ملامح تيار الإسلام السياسي، رغم عدم انفرادها بساحة العمل الديني المسيس منذ السبعينيات ، حيث شهدت مصر ظهور تنظيمات أخرى ما بين راديكالية تتبنى الأفكار الجهادية فى التغير عبر العنف المسلح، أو غير راديكالية تسعى للتغيير من خلال العمل الدعوى.
ورغم تعدد تنظيمات تيار الإسلام السياسي إلا أن بصمات التراث الفكري والحركي لجماعة الإخوان تظل هى المهيمنة ، خاصة ما يتعلق بتقاليد وخبرات النشاط الحركي المرتبط بفلسفة تحويل الخطاب الديني/ السياسي إلى فعل سياسي، وهى الخبرات والتقاليد المرتبطة بمجالات بناء النفوذ الجماهيري وما يتعلق بهذه العملية من الأنشطة المتعلقة بالتجنيد، وبناء التنظيم والتعبئة ، والتحريض السياسي أو التمويل... الخ .
حيث ما زالت الخبرات الإخوانية فى هذا المجال هى الأساس والقاعدة التى حافظت ليس فقط على بقاء جماعة الإخوان، ولكن جعلتها فى المقدمة كأقوى وأكبر التنظيمات الإسلامية ، وأكثرها جماهيرية بالقياس لباقي منظمات تيار الإسلام السياسي الأخرى.
• وهنا تبرز الخبرات المرتبطة بعلاقة الإخوان المسلمين بالجمعيات الأهلية أو تحديدا كما أشرنا سابقا إلى الجمعيات الأهلية الدينية الإسلامية .
• فالنظرة الفاحصة إلى نشأة حركة الإخوان المسلمينوتطورها وتنامي نفوذها ومعاركها التى خاضتها لا يمكن أن تتجاوز أو تتعامى عن الدور الذى لعبته الجمعيات الأهلية:
أولا : كمنبر للدعاية والتأثير الفكري.
ثانيا : كإطار التنظيم والتعبئة والحشد.
ثالثا: كمصدر للتمويل والدعم.
فالدراسات التى تناولت الفكر السياسي لحسن البنا مؤسس الجماعة ترصد بشكل واضح تأثره فى مطلع حياته بالدور الذى يمكن أن تلعبه الجمعيات الأهلية، حيث لفت انتباهه خلال دراسته بمدرسة المعلمين بدمنهور نشاط الإرساليات التنصيرية التى كانت واحدة منها قد هبطت المحمودية ، ويذكر البنا أن تلك الإرسالية الإنجيلية التبشيرية أخذت تبشر بالمسيحية فى ظل التطييب ، وإيواء الصبية وتعليم التطريز للفتيات.
فدفعه هذا إلى أن يؤسس مع عدد من زملائه جمعية إصلاحية هى جمعية الحصافية الخيرية التى انتخب سكرتيرا لها، وزاولت الجمعية عملها فى ميدانين الأول نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاسدة كالخمر والقمار،
والثاني مقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية ، وتعد، جمعية الحصافية هنا بمثابة واحدة من التجارب الأولى أو المعملية التى حاول أن يختبر فيها البنا قدرة الجمعيات الأهلية / وقدرته هو أيضا على بناء حركته فى المستقبل، وهو ما يؤكده على سبيل المثال أحد كوادر الإخوان فى بحثه عن الفكر السياسي لحسن البنا مشيرا إلى " أن الجمعيات والحركات الإسلامية التى حفل بها التاريخ الاسلامى منذ دار الأرقم بن أبى الأرقم حتى جمعيات الشبان المسلمين كانت أحد أهم المصادر التى شكلت المنابع الفكرية لرؤية البنا السياسية" ،
بل إن استعراض تاريخ مؤسس الجماعة يشير إلى تجارب معملية وأولية سابقة وتالية على جمعية الحصافية مثل:
- - تأسيس البنا لجمعية الأخلاق الأدبية وهو تلميذ فى المدرسة الإعدادية والتي انتخب رئيسا لها.
- - مشاركته فى جمعية منع المحرمات والتي أسسها أقرانه فى المحمودية والتي اعتمدت فى نشاطها على فكرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
- - مشاركته فى تأسيس جمعية الشبان المسلمين 1927، والتي جاءت نتيجة مشاركته فى المبادرة التى تبنتها مجلة الفتح الإسلامية فى عام 1926 بدعوتها لتجميع الجهود، وهى الجمعية التى لم يشارك البنا فقد فى تأسيسها، ولكن اغتيل على بابها،
حيث كانت مركز اتصالاته مع رجال الدولة والقصر، لرفع قرار الحل عن الجماعة، وبين التاريخين، مشاركته فى تأسيس جمعية الشبان المسلمين ، واغتياله على بابها ، منح البنا الجمعية اهتماما خاصا فى محاولته لجعلها رافدا هاما فى حركته السياسية،
وخطا دفاعيا يمكن التراجع عنده واللجوء إليه فى لحظات الحصار والصدام، وهو ما جعله يخصها بالعديد من المحاضرات التى حاول من خلالها أن يجعل الجمعية بنشاطها متأثرة بالأفكار التى تطرحها جماعة الإخوان المسلمينوالتي تتميز عنها بكونها مجرد جمعية أهلية لا تتحمل عبء القيام بدور سياسي مباشر ويلخص البنا هذه الرؤية فى إحدى محاضراته التى ألقاها بمقر الجمعية والتي يرى فيها دور جمعية الشبان المسلمين مركزا فى " السعي لإيقاظ الروح فى ا لشعوب الإسلامية وتشجيعها بكل وسائل الإمكان ومن هذه الوسائل:
- 1- درس نظام المنازل والأسر الإسلامية للتعرف على أوجه النقص وأسبابه وأوجه الكمال ووسائلها وذلك من خلال برنامج اللجنة الاجتماعية التى نصت عليها اللائحة الداخلية .
- 2- حمل الأعضاء أولا على ذلك وإقناعهم بأن هذا من أهم الأغراض التى ترمى إليها الجمعية أو التى تؤدى إلى تكوين نشء إسلامي فاضل ثم هم بعد ذلك يقومون بدعوة غيرهم.
- 3- الإكثار من المحاضرات فى شئون الأسرة والطفل وتوزيع النشرات لترويج هذه الدعاية.
- 4- تأليف اللجان لتصنيف الكتب الموضوعة اللازمة لخلق هذه الروح فى نفوس الأطفال.
- 5- مطالبة الوزارة بإصلاح مناهج تعليم البنات ومدارس المعلمات.
ثم يشير البنا إلى أن جمعيات الشبان المسلمين لم تحقق هذه الغاية إلى الحد المأمول منها وهو ما يرجع بتقديره إلى أنها فى بدء التكوين وإلى أن ماليتها محدودة.
كانت مساهمة البنا فى عملية تأسيس جمعية الشبان المسلمين هى بمثابة التجربة المعملية أو البروفة الأخيرة لنشأة جماعة الإخوان المسلمين والتي أسسها البنا فى العام التالي لتأسيس جماعة الشبان المسلمين ( فى عام 1928) ، والتي جاءت كحصيلة للخبرات السابقة، حيث جاءت جامعة لميزات الجمعية الأهلية الدينية ، والحزب السياسي،
فكانت من حيث التوجه ورؤى التغيير هى بالتأكيد تأسيسا لبداية حركة سياسية جديدة، ترى فى الدين إطارا مرجعيا للتغيير ومن حيث الإطار القانوني وأشكال العمل الجماهيري استفادت واستعارت من خبرات العمل الأهلي الخيري، وتجاوزت جوانب الضعف لدى الجمعيات الأهلية الدينية ذات النشاط الديني للبحث، وهو ما جعل جماعة الإخوان مصدرا لجذب العديد من نشطاء هذه الجمعيات.
وقد كانت هذه الميزة أحد أهم الأسباب التى أتاحت الفرصة لتأجيل انقضاض الخصوم السياسيين لحركة الإخوان المسلمين على الجماعة منذ تأسيسها 1928،
وحتى قرار حلها الأول فى 1949 على يد النقراشي، باعتبارها جمعية دينية لا تشكل خطرا على النظام السياسي، ولا تسعى لتغييره، وهى الميزة التى حاول مؤسس الجماعة التأكيد عليها من خلال العديد من الأدبيات ، فى إشارته لماهية الجماعة حيث يشير إلى أن الجماعة فكرة جامعة تضم كل المعاني الإصلاحية فهي دعوة سلفية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية.
كان الهدف الاساسى من هذه الصيغة كما يبدو من استعراض تاريخ الإخوان هو التعمية على الدور السياسي للجماعة وإظهارها باعتبارها جمعية دينية تهتم بشئون العقيدة، التى قد يصحبها بعض النشاط الخيري المرتكز إلى أسس دينية ، وهو ما دعمه النشاط الخيري الواسع الذى نظمته شعب الجماعة،
والذي كان أحد أدوات الدعاية والتعبئة السياسية لقطاعات كبيرة من الجمهور، حيث قدم هذا النشاط الخيري الإخوان بشكل غير مباشر كبديل سيأسى عن القوى السياسية القائمة، وهى الجهود التى نلمحها فى نشاط شعب الإخوان المنتشرة على امتداد قرى وأحياء مصر والتي كانت تحتوى فى كثير من الأحيان على مسجد، مدرسة، وناد، بل ومصنع للمنتجات المحلية،
وهى كما يشير مؤرخ الإخوان المعتمد محمود عبد الحليم إلى أنها كانت مشروعات يمكن استخدامها ركيزة لممارسة مصالح أو أنشطة تخص المجتمع المحلى وبشكل عام يمكن رصد أهم مجالات النشاط الاجتماعي والخيري لشعب جماعة الإخوان فى المجالات التالية:
1- النشاط التعليمي: حيث كان بكل شعبة مكتبة أو حجرة للمطالعة لتشجيع برامج التعليم المحلى،
وهو النشاط الذى تطور سريعا إلى تأسيس مدارس نظامية خاضعة أو مملوكة للجماعة والتي بدأت بإنشاء مدرسة أمهات المؤمنين فى أبريل 1933، ثم تبعتها سلسلة من المدارس خاصة مدارس السيدات التى أصبحت بمثابة شعب للأخوات المسلمات واللاتي لعبن دورا ضخما فى مجالات الخدمة الاجتماعية والتربية والتعليم المرتبطة بأنشطة الجماعة.
2- النشاط الطبي وهو النشاط الذى بدأ ببعض التسهيلات الطبية والعلاجية الدورية أو الدائمة خاصة فى الشعب الكبيرة ثم سرعان ما تطور بعد أن أظهرت هذه النوعية من الأنشطة قدرتها على خلق قاعدة جماهيرية واسعة للإخوان فأسست الجماعة فى عام 1944 قسما طبيا يقوم عليه أطباء من أعضاء الجماعة، استهدف إنشاء المستوصفات والعيادات والمستشفيات، ونشر رسالة الوعي الصحي، ورفع المستوى الطبي وإذا كان المستوصف الأول الخاص بالجماعة كان مقره عيادة أحد أطباء الجماعة وهو الطبيب محمد أحمد سليمان،
ثم نقل إلى المركز العام ثم خصص له مقر خاص بجوار المركز العام أضيفت له صيدلية، فقد تحول مع نموه إلى مستشفى علاجي وصل عدد المترددين عليه عام 1945 إلى 21677 حالة، ارتفعت فى عام 1946 إلى 29039 حالة، ثم غلى 51300 حاله فى عام 1947 ثم افتتحت عدة عيادات أخرى فى إطار هذا النشاط حتى إن ميزانية القسم الطبي بمفرده فى عام 1948 وصلت إلى 23000 جنيه وهو مبلغ فى منتهى الضخامة بأسعار تلك الفترة،
وعلى الرغم من مصادرة معدات وتجهيزات هذه المستوصفات فى عام 1948 مع قرار الحل الأول، إلا أنه مع معاودة نشاط الجماعة بمجيء حكومة الوفد فى عام 1951 ارتفع عدد المستوصفات التابعة للجماعة والتي أعيد تأسيسها إلى 162 عيادة طبية فى القاهرة فقط.
3- المساعدات الاجتماعية: وهى المجال الذى تم التركيز عليه من خلال جهود قسم الخدمات الاجتماعية بالجماعة، والذي وصل عدد فروعه الأساسية إلى 102 فرعا موزعة على عدد من شعب الجماعة ، ثم تطور مع نمو الإخوان إلى هيئة مستقلة سجلت فى وزارة الشئون عام 1946 تحت اسم وكالة الأعمال الخيرية،
ووصل عدد فروعها قرار الحل الأول فى عام 1948 إلى 500 فرع، وقد ركز قسم الخدمات الاجتماعية الذى تلقى دعما من وزارة الشئون على :
• مساعدة الأسر الفقيرة بالمال وما أشبه.
• الاهتمام بالمسنين والمشردين واليتامى.
1- جماعة الجوالة والرحلات وهى القسم الذى خصص للمساهمة فى الخدمة العامة وأعمال الخير، بجانب حفظ النظام داخل الجماعة والدفاع عنها ضد الأعداء الخارجيين، ونظرا للطابع شبه العسكري لجماعات الجوالة،
ولتفادى الصدام مع الدولة، تم تسجيلها ضمن الحركة الكشفية الوطنية حتى أصبحت بحلول عام 1948 أقوى فرق الحركة الكشفية المصرية، ووصلت عضويتها فى نفس العام إلى 40,000 عضو، حيث شاركت فى إطار تنظيم الإخوان فى :
2- مشروعات الجماعة لخدمة الريف المصري 1943.
3- مكافحة الملاريا فى الصعيد 1945.
4- مواجهة فيضان النيل 1945.
5- مواجهة وباء الكوليرا فى بحري 1947.
هكذا نجد أن الإخوان امتلكوا خبرة واسعة فى توظيف العمل الاجتماعي من خلال المنظمات غير الحكومية الخاضعة لنفوذهم المباشر لصالح حركتهم السياسية وهو ما ساعد على توسيع القاعدة الاجتماعية للإخوان، حتى أن البنا فى عام 1948 وقبل قرار الحل الأول قدر الأعضاء العاملين بالجماعة بنصف مليون عضو،
وأشار إلى أن الأعضاء المنتسبين والمتعاطفين أضعاف هذا العدد، كان هذا الاتساع فى العضوية يعكس بشكل واضح نجاح الجماعة فى النفاذ بنجاح لأوساط الطبقة الوسطى.
وإذا كان نجاح الإخوان فى مد نفوذهم على قطاعات اكبر من الجماهير المصرية عبر توظيف ما هو اجتماعي/ ديني لصالح ما هو سياسي طوال الثلاثينيات والأربعينيات ،
أكسبهم قدرا عاليا من الخبرة والتي انعكست على نشاطهم الحالي ، فقد كانت هناك دروس أخرى تعلمها الإخوان وخصومهم فى مقدمتها:
أولا: تنبه الدولة للدور المؤثر الذى يمكن أن تلعبه الجمعيات الأهلية عند توظيفها بشكل سياسي، خاصة الجمعيات ذات الطابع الديني، وهو ما دفع الحكومة لتقييد حركة الجمعيات الأهلية عبر سلسلة طويلة من الإجراءات نذكر منها:
• إصدار القانون رقم 17 لسنة 1938 ، والذي استهدف الحد من النشاط السياسي لبعض الجمعيات الدينية الإسلامية.
• إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية فى عام 1939.
• إصدار القانون 49 لسنة 45 لتنظيم العلاقة بين وزارة الشئون والجمعيات، والذي وضع مزيدا من القيود، للحد من الدور الذى تقوم به جماعة الإخوان المسلمين.
• صدور القانون 66 لسنة 51 فى ظل حكومة الوفد، والخاص بالجمعيات الدينية والثقافية والعلمية، والذي نقل اختصاص الرقابة والوصاية من وزارة الشئون إلى وزارة الداخلية والمحافظة، بالنص على أن المحافظ هو المختص بالاعتراض أو قبول طلب التسجيل والتنظيم لوزارة الداخلية ثم محكمة القضاء الادارى،
ثم خصص نفس القانون المادة رقم (10) للجمعيات الدينية على وجه الخصوص بمنعها من العمل لغير الأهداف التى أسست من أجلها، ثم بقيام ثورة يوليو صدر القانون 348 لسنة 195 الخاص بتنظيم الجمعيات والذي جمع النصوص القانونية الخاصة بالجمعيات فى قانون واحد فرض مزيدا من القيود،
حتى صدر أخيرا القانون 32 لسنة 1964 والذي أخضع الجمعيات بالكامل لسلطة الجهة الإدارية من حيث الموافقة على التأسيس نهاية بمراقبة وسلطة حل الجمعية والذي تم فى ظله حل كافة الجمعيات الأهلية، وأعيد تسجيلها وفق القانون الجديد.
ثانيا: أما الدرس الآخر فقد استخلصه الإخوان أنفسهم عبر تجربتهم على امتداد الفترة من الثلاثينيات حتى الخمسينيات عندما تم حلهم للمرة الأخيرة على يد عبد الناصر، بعد محاولة اغتياله فى 1945، فعلى الرغم من نجاح نشاطهم الخيري والاجتماعي فى توسيع قاعدة نفوذهم الجماهيري إلا أن ارتباط هذا النشاط بجماعة الإخوان كمؤسسة وأفراد سهل كثيرا من عملية تصفيتهم وحصارهم حصارا قاسيا،
ففي أعقاب كل حل كانت تتم مصادرة كل ممتلكاتهم ومشروعاتهم والتي من السهل تحديدها وحصرها لارتباطها بشعب الجماعة أو بالمركز العام، أو بقيادات الإخوان وعضويتهم مباشرة،
وهو ما يشير إليه المرشد الحالي مصطفى مشهور بمرارة قائلا " إن من يراجع تاريخ الحركة الإسلامية الرائدة للتيار الاسلامى فى مصر والمتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمينيرى أنهم كانوا يقدمون الإسلام عمليا فى صورة أعمال وخدمات اجتماعية ومؤسسات نافعة تعين على بناء المجتمع.
فأنشئوا المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمساجد والأندية والشركات التجارية، وعندما عاود الإخوان نشاطهم وأعادوا إنشاء بعضها تعرضوا لمحنة أخرى أكلت الأخضر واليابس، ثم لمحنة ثالثة كل منها تفوق التى قبلها، ولم يحدث أن أعيدت هذه المؤسسات لأصحابها كما لم يعرفوا أي شيء عنها " وقد دفع ذلك إلى الحذر من تكرار التجربة.
كان هذا هو الدر الأهم الذى دفع الإخوان منذ السبعينيات فى إطار الحذر من التعرض لمحنة أخرى ومطاردة أعنف غلى تغيير إستراتيجيتهم فى بناء قواعد نفوذهم فبدلا من المؤسسات التابعة لهم مباشرة وسهولة التحديد والحصار والتصفية، كانت الإستراتيجية الجديدة الرامية إلى الاحتماء بغابة المنظمات غير الحكومية، هذه الغابة التى تضم ما يزيد عن 14000 منظمة لا تحمل واحدة منها لافتة الإخوان المسلمينبشكل رسمي،
وإن كان نشاط أعداد كبيرة منها يندرج فى إطار جهود الإخوان لأسلمة المجتمع والسيطرة عليه من أسفل وهى الإستراتيجية التى تفيد فى :
1- إعادة الصلة بعضوية وكادر الإخوان القديم الذين لم تطلهم يد رجال الأمن، أو الذين نشطوا بعد نكسة 67 والارتخاء النسبي فى قبضة النظام الناصري، والذين وجدوا فى العمل الأهلي خاصة من خلال الجمعيات الدينية فرصة آمنة للتعبير عن أيديولوجية خاصة طوال المرحلة الناصرية التى حاصرت كافة أشكال العمل السياسي المستقل، وهى أعداد ليست بالقليلة ،
خاصة إذا قارنا عضوية الإخوان العاملة والتي وصل بها حسن البنا إلى نصف مليون عضو عام 1948 ، قبل قرار الحل الأول، وبين أعداد من شملتهم حملات الاعتقال على امتداد الخمسينيات والستينيات والذين لم يتجاوز بضعة آلاف معتقل.
2- الجمعيات الأهلية بما توفره من موارد، فى إطار قانون شرعي، انتشار جغرافي واسع، صلات مباشرة مع قطاعات واسعة ومتعددة من الفئات الاجتماعية من خلال الأنشطة الخدمية والخيرية هى قواعد مثلى لانطلاق عمليات تكتيل قطاعات واسعة من السكان وتعبئتهم سياسيا للنفاذ لمنظمات المشاركة الوسيطة ( المجالس المحلية للنقابات المهنية) التى تشكل المعبر الأهم لمؤسسات السلطة السياسية على المستوى القومي (البرلمان).
مستخرج بمعرفة الباحث من جريدة الشعب أعداد أكتوبر / نوفمبر 1995
قائمة بأسماء عدد من مرشحي الإخوان فى انتخابات 1995 ويبدو واضحا اختيار المرشحين من بين القيادات فى مؤسسات المشاركة الوسيطة خاصة المنظمات المهنية :
مستخرج بمعرفة الباحث من جريدة الشعب طوال شهري أكتوبر – نوفمبر 1995
والبيانات الواردة فى جدولي 8، 9 تشير بشكل واضح إلى استخدام الجمعيات كقاعدة انطلاق للمنظمات المهنية، واستخدام كل منهما للانطلاق للبرلمان.
وهو ما لا يقتصر فقط على نشطاء الحركة الإسلامية ، ففي دراسة على عينة من قيادات العمل المحلى كان منهم 51,8% ( رئيس وحدة محلية ، سكرتير عام، مدير مديريات الخدمات) وهى المواقع التنفيذية العليا، 48,25 كوادر وسطى وجد: 95,6% من أفرادها منخرطون فى العمل السياسي المحلى.
77% أعضاء بالمجالس الشعبية المحلية.
12,5 أعضاء فى جمعيات ذات طابع ديني (تحفيظ قرآن ، شبان مسلمين).
25,7 من أعضاء العينة كانوا يشغلون فى جمعية واحدة على الأقل من الجمعيات التى ينتمون إليها مواقع قيادية.
وقد أشار أفراد العينة إلى :
- • أن الجمعيات مجال لرفع الخبرة الإدارية والتنظيمية بنسبة 55,4% .
- • أن الجمعيات مجال للتأهيل للمناصب القيادية بنسبة 34,8% .
- • أن الجمعيات مجال للتعرف على المشكلات المحلية وطرق علاجها بنسبة 70,5% .
- • أن الجمعيات تعتبر قناة أمام ذوى التطلعات لتحقيق طموحهم السياسي أو توسيع قاعدتهم الشعبية وكسن مزيد من الناخبين والمؤيدين وكانت نسبة من يشغلون مواقع قيادية عليا فى العمل الشعبي وكذلك فى الجمعيات 71,4% من أفراد العينة .
3- شكلت الجمعيات الأهلية إطارا شرعيا ومأمونا لتوفير الموارد المالية لتمويل أنشطة الحركة الإسلامية على اختلافها والتي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى دعم نفوذها السياسي، وهو التمويل الذى أتى من عدة مصادر.
(أ) مصادر خارجية:
- هنا يبرز بوضوح دور الجمعيات الأهلية الدينية التى تحولت إلى قنوات لضخ الملايين من أموال المتعاطفين مع الحركة الإسلامية وأنشطتها بدول الخليج، سواء كان هؤلاء المتعاطفين أفرادا، هيئات، حكومية أو غير حكومية مثل جمعية الإصلاح الاجتماعي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية،
- جمعية النجاة الخيرية، بيت الزكاة الكويتي وغيرها العديد ويكفى أن نشير إلى نموذج واحد يوضح حجم التمويل القادم من هذا المصدر، وهو التبرعات المقدمة من جمعية إحياء التراث الاسلامى الكويتية، وهى جمعية سلفية قدمت ما يقرب من 500 مليون جنيه مصري لعدد من الجمعيات الدينية الإسلامية المرتبطة مباشرة بحركة الإسلام السياسي، والتي ساعدتهم فى بناء 12 مركزا إسلاميا، 3 وحدات صحية، 42 مكتبة دينية ، عدة مشروعات استثمارية ،
- بخلاف عدة مساجد ، وهذا فى مؤتمر وزراء الداخلية العرب بتونس إلى المطالبة بوقف تدفق هذه الأموال القادمة من الخليج للجمعيات الأهلية الإسلامية.
(ب) مصادر محلية وشملت:
- 1- التبرعات من خلال الحملات المنظمة لدعم مجاهدي أفغانستان أو ضحايا البوسنة والهرسك أو لمشروعات الجمعيات لكفالة اليتيم أو لبناء المساجد، وصناديق تبرعات المساجد، لجان الزكاة ويقدر بعض الخبراء الاقتصاديين أن نشطاء الإسلام السياسي استطاعوا خلال عام واحد فقط 1992 جمع حوالي 15 مليون جنيه تحت شعار المعاونة فى بناء المساجد والتي ذهب جزء كبير منها لتمويل أنشطتهم السياسية.
- 2- عوائد الأنشطة ذاتها التى يديرونها والتي توفر لهم موارد لا بأس بها ( المستوصفات/ الطبية/ المدارس/ مشاغل الخياطة ذات الطابع الانتاجى/ دور الحضانة... الأسواق الخيرية..).
- 3- الدعم الحكومي المحدود الذى تقدمه الدولة للعديد من أنشطة الجمعيات الأهلية
(ج) المنح الدولية:
- وقد استطاعت إحدى الدراسات تقدير حجم تمويلات الجمعيات الدينية خلال عام واحد هو 1992 فأشارت إلى توزيع 85,5% من إجمالي دخول الجمعيات الدينية الإسلامية والذي لا يتجاوز نصيب منظمات التمويل الدولية منه فى إطار المشروعات والأنشطة التى تنفذها 5% ويعد هذا المورد من أقل الموارد مصادر التمويل الجمعيات فى مصر، وهو يقدر بـ 275- 353 مليون جنيه مصري، فى الوقت الذى لا تتجاوز احتياجاتها 90- 70 مليون جنيه،
وتشير الدراسة إلى أن توزيع مصادر الموارد كالتالي:
10 % دعم حكومي.
5 % مساعدات أجنبية.
38,6 % عائدات أنشطة.
26,9 % تبرعات.
4- أصبحت الجمعيات الأهلية فى ظل الانسحاب المتلاحق للدولة منذ منتصف السبعينيات من مجال الخدمات والرعاية الاجتماعية فى ظل سياسة التحرير الاقتصادي، تلعب دورا متزايدا فى الإحلال الجزئي محل الدولة فى هذه المجالات،
وهو الدور الذى أدركت الدولة أهميته فى تخفيف حدة لتوتر الاجتماعي، هذا الإدراك الذى منح تيار الإسلام السياسي ( خاصة الإخوان) فرصة غير قابلة للتكرار فى تقديم نفسه من خلال مشروعاته الخدمية رخيصة التكلفة التى تقدم من خلال هذه الجمعيات كبديل للدولة،
حيث أنتج هذا الوضع ما يشبه الاتفاق غير المعلن بين الدولة وجماعات الإسلام السياسي ، هذا الاتفاق الذى تم تمريره خلال فترة السبعينيات والثمانينيات فى ظل مرحلة الوفاق بين الدولة والإسلام السياسي، وبراجمانية الدولة الشديدة، وغياب أي رؤية لديها للتنمية الشاملة، أو حتى رؤية فى مجال الرعاية الاجتماعية، وهو الوضع الذى أصبح بعد وصول العلاقات لمرحلة الصدام بينهما غير قابل للتصفية،
ليس فقط لانتشار المشروعات على امتداد كل قرى وأحياء مصر وصعوبة حصارها وتصفيتها، ولكن بالأساس لأن الدولة أصبحت فى حالة لم تعد معها قادرة على ملء هذا الفراغ،
وهو الوضع الذى وفر لتيار الإسلام السياسي تواجدا مباشرا بين الجماهير ، قادرا على جذبها خلف شعاراته، من على أرضية المصلحة الضيقة والمباشرة التى تجسدها الخدمات المعطاة لهم، والتي قد تخفف عنهم وطأة البؤس، ولكن لا ترفعه، وقد فرض هذا الوضع على الدولة انعدام قدرتها على التصدي الشامل،
وضيق حيز المناورة فى لحظات صدامها مع تيار الإسلام السياسي ، إلى الدرجة التى أصبحت سياسة الحكومة فى هذا الإطار لا تتجاوز حدود ضم بعض المساجد التابعة للجمعيات للأوقاف ، وإخضاعها للإشراف المباشر( نموذج لهذا مسجد الفتح بالعباسية التابع لجمعية الهداية الإسلامية) لحرمانها من أحد أهم مصادر التمويل، أو اللجوء فى حالات محدودة لحل الجمعية وتصفيتها بحجة التورط المباشر فى السياسة أو ضعف الفاعلية والتأثير أو الفساد المالي ففي عام 96 تم حل 42 جمعية دينية إسلامية من إجمالي 124 بنسبة 34% من إجمالي الجمعيات التى تم حلها وفى عام 97 تشير المعلومات إلى حل الجمعيات التالية:
المصدر : الحقيقة 1/ 11/ 94
وعلى الجانب الآخر حاول نشطاء حركة الإسلام السياسي ( وفى مقدمتهم الإخوان) فى إطار مواجهتهم للدولة تطوير نشاطهم المرتكز إلى تواجدهم فى أعداد كبيرو من الجمعيات الأهلية بتجميع جهودهم لممارسة درجة أكبر من الضغط على الدولة، وهو ما ظهر واضحا فى نهاية الثمانينيات خلال تعاملهم مع مبادرة السادات الرامية لإحكام السيطرة على تيار الإسلام السياسي بعد تصاعد الصراع بينهم،
والتي دعا فيها إلى تشكيل المجلس الاسلامى الأعلى الذى يضم ممثلي الهيئات والجماعات الإسلامية للدراسة والتخطيط والمتابعة للدعوة الإسلامية ، وهى المبادرة التى تبنتها جمعية العشيرة المحمدية ، حيث نظمت مؤتمرا تحت رعاية شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود بهدف توحيد الكلمة والتنسيق دعي إليه العديد من الجمعيات الدينية وصدرت توصياته بضرورة أن يكون للجمعيات الشعبية دور إيجابي من خلال اقتراح تشكيل المجلس على أن تمنح الجمعيات الإسلامية حق اختيار بعض الشخصيات الإسلامية المعروفة بدورها فى الدعوة لضمها للمجلس، وأيضا الذين لا يمثلون جمعيات إسلامية مشكلة تشكيلا رسميا معترف به.
وقد اتفق الذين صاغوا هذه التوصيات على أن يكون من بينهم الأستاذ عمر التلمسانى ( المرشد العام للإخوان المسلمين، محمد البهي الأستاذ إبراهيم عزت أمير جماعة الدعوة والتبليغ) وعلى أن تكون للجنة أو المجلس سلطة ملزمة للدولة وهى المناورة التى تنبه لها السادات واضطر بناء عليها إلى ترك الفكرة نهائيا،
حتى طرحت مرة أخرى فى أواخر الثمانينيات وتبناها كل من :
- • حسن عباس الرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين .
- • د. سيد رزق الطويل رئيس جمعية دعوة الحق.
- • الشيخ محمد وهبة سكرتير جمعية العشيرة المحمدية.
- • محمود عبد العزيز المشرف على مجلة التوحيد لسان حال أنصار السنة.
وهى الفكرة التى تبنتها هذه القيادات الأهلية بناء على دعوة الشيخ محمد الغزالي فى خطبة صلاة ا لعيد الكبير فى عام 1989.
5- شكلت أيضا الجمعيات الأهلية أطرا ومؤسسات وفرت فرصا ذهبية لعمليات تدريب وأعدا كادر الحركة الإسلامية على العمل الجماهير والدعائي ، وتطوير قدراته بجانب كونها وعاء ملائما لعمليات التجنيد وزيادة العضوية، ونشر الأطروحات السياسية المرتبطة بأفكار الإخوان.
شكلت التوجهات السابقة ملامح إستراتيجية تيار الإسلام السياسي ( خاصة الإخوان فى العمل من خلال المنظمات الأهلية وهى الإستراتيجية التى تركز دورها فى كونها :
- أولا: منبرا للدعاية والتأثير الفكري السياسة.
- ثانيا: إطارا ملائما للتنظيم والتعبئة والحشد السياسي.
- ثالثا: مصدرا آمنا لتوفير التمويل والدعم.
- رابعا: محطات انطلاق لاختراق مؤسسات المشاركة على المستوى الوسيط والقومي.
وهى الأدوار التى تشكل محاور إستراتيجية أسلمة المجتمع من أسفل.
والتي يبرز فيها بشكل واضح جهود نشطاء جماعة الإخوان وهو ما يبرز بشكل واضح فى تتبعنا تاريخ عدد من الجمعيات الإسلامية كما هو وارد فى الملف التوثيقى.
مستقبل العمل الأهلي للحركة الإسلامية فى مصر
• يشير اقترابنا السابق من علاقة الحركة الإسلامي بالعمل الأهلي إلى العديد من المؤشرات أهمها:
أولا: التواجد القوى والمؤثر الفكري أو السياسي أو التنظيمي ( بدرجات متفاوتة) لمجمل قوى وتيارات الحركة الإسلامية ، بأعداد كبيرة نسبيا، ومتزايدة فى العديد من الجمعيات الأهلية، خاصة تلك المتميزة بالفاعلية والنشاط، حيث تشكل الجمعيات الدينية السلامية الحد الأدنى لهذا التواجد وقد وصل عددها عام 1991 إلى 2738 جمعية أي حوالي 24% من إجمالي الجمعيات الأهلية، المشهرة طبقا للقانون 32 لسنة 64.
ثانيا : نجاح الحركة الإسلامية فى تحويل العديد من الجمعيات الدينية الإسلامية إلى قواعد جماهيرية لنفوذها الفكري والسياسي، عبر قدرتها على اجتذاب وتكتيل قطاعات واسعة من السكان،
خاصة فى المناطق الفقيرة والعشوائية، خلف شعاراتها السياسية التى تخلط السياسي بالديني، وهو ما ساعد عليه قدرتها على توظيف الموارد المتاحة من خلال الجمعيات، لتقديم العديد من الخدمات الصحية والتعليمية ، والدينية ،
وخدمات الرعاية الاجتماعية للقطاعات الأكثر فقرا وحرمانا من السكان غير القادرين على الحصول على هذه الخدمات، إما لأن الدولة لاتوفرها فى هذه المجتمعات الفقيرة، أو قد توفرها بتكلفة عالية ومستوى جودة غاية فى التدهور، أو قد يوفرها القطاع الخاص بتكلفة فوق إمكانيات هذه الفئات الاجتماعية.
وقد تنوعت مجالات ونوعيات الخدمات التى تقدمها الجمعيات الدينية الإسلامية انطلاقا من تعدد أغراض تأسيسها، كما يشير الجدول (10) إلى أغراض ذات طابع ديني واضح.
تحليل لتعداد أهداف التأسيس ذات الطابع الديني للجمعيات الدينية الإسلامية فى ثماني محافظات حتى عام 1991
مستخرج من تحليل أغراض التأسيس بدليل الجمعيات الأهلية، المنشور فى الجمعيات الأهلية فى مصر – د. أماني قنديل / د. سارة بن نفيسة .
وإذا حاولنا تحليل أغراض التأسيس ( لنفس الجمعيات فى نفس المحافظات ) غير المرتبطة بشكل مباشر بالأغراض الدينية كما يشير الجدول (11) سنجد:
تحليل أغراض تأسيس الجمعيات الدينية الإسلامية غير المرتبطة بالنشاط الديني بشكل مباشر حتى عام 1991 فى ثماني محافظات
البيانات مستخرجة بمعرفة الباحث من دليل الجمعيات المنشور فى الجمعيات الأهلية فى مصر د. أماني قنديل / د. سارة بن نفيسة .
وإذا كان تنوع أغراض التأسيس الخاصة بالجمعيات الدينية الإسلامية يعكس اتساع نطاق مجالات النشاط وخروجها من حيز الخدمات الدينية الضيق، إلى حيز الخدمات التى تحتاجها الجمعيات الفقيرة، فقد جاء تحليل مجالات النشاط الفعلي لعينة عشوائية من الجمعيات تضم 14 جمعية إسلامية بمحافظات القاهرة، أسيوط، الأسكندرية، المنيا، قنا ليؤكد هذا التوجه، وهى البيانات التى تم الحصول عليها من خلال مطبوعات هذه الهيئات أو ما نشر عن نشاطها الفعلي فى الصحف ، أو عن خبراتها الميدانية فى العديد من الورش واللقاءات العلمية.
تحليل الأنشطة ذات الطابع الديني لعدد من الجمعيات
وبمقارنة الجدول 11، والجدول 12 سنجد أن الأنشطة ذات البعد الديني، تعكس تقريبا أغراض تأسيس الجمعيات الدينية الإسلامية ، وبنفس الثقل تقريبا باستثناء وحيد هو احتلال النشاط الخاص برعاية المساجد وإدارتها وتعميرها للمرتبة الأولى من حيث النشاط، وإضافة نشاط جديد هو تأسيس لجان الزكاة وهو ما يجد تفسيره الطبيعي فى حرص نشطاء الجمعيات الإسلامية على توفير موارد دائمة للصرف على أنشطتهم.
أما فيما يخص الأنشطة ذات الطابع غير الديني أو ذات الطابع الخدمي على وجه العموم، فقد كانت نتائج تحليل أنشطة نفس الجمعيات كالتالي:
تحليل أنشطة عدد من الجمعيات الأهلية الدينية الإسلامية
كما هو واضح من تحليل الأنشطة الفعلية لعدد 14 جمعية إسلامية فى جدول 14 سنجد بروز التركيز على الأنشطة ذات الطابع الخدمي والموجهة لأكبر عدد من السكان، وهو ما يصب مباشرة فى دعم النفوذ الجماهيري للحركة الإسلامية .
ثالثا: كان لنجاح نشطاء الحركة الإسلامية فى دعم تواجدهم ونفوذهم الجماهيري من خلال قاعدة واسعة من الجمعيات الأهلية، أثره المباشر فى تصاعد نفوذهم فى منظمات المشاركة السياسية الوسيطة ( النقابات المهنية،
المجالس المحلية، نوادي هيئة التدريس) خاصة فى المجتمعات التى تنشط بها هذه الجمعيات، بحيث يمكن القول أن التواجد فى هذه الجمعيات كان أهم آليات اختراق مؤسسات المشاركة الوسيطة تمهيدا للنفاذ لمؤسسات المشاركة ذات الطابع القومي مثل البرلمان وذلك فى إطار إستراتيجية أسلمة المجتمع من الوسط باختراق مواقع تمركز لقطاعات النشطة للطبقة الوسطى كنقطة انطلاق للسيطرة عليها بهدف احتواء الدولة والانطلاق من هذه المواقع إلى هياكل الدولة الفوقية (البرلمان / قمة ا لجهاز البيروقراطي) ،
وذلك عبر سياسة التحالفات السياسية بدء من الوفد وانتهاء بحزب العمل والأحرار، والسعي للحصول على حزب سياسي منفرد.
رابعا: وفرت الجمعيات مصادر تمويل دائمة ومتجددة لأنشطتهم السياسية المباشرة وغير المباشرة ، وهو ما يؤكده أحد أبرز قيادات الجماعة وابن مؤسسها سيف الإسلام حسن البنا قائلا : " نحن نعمل منذ فترة طويلة على إقامة أجهزة اجتماعية ومستشفيات ومدارس وأندية رياضية وسوف تواصل الشركات الإسلامية أنشطتها المالية والتجارية والصناعية، ليس هذا فقط بل شكل ارتباط الجزء الأعظم من هذه المؤسسات والأنشطة الاقتصادية بالجمعيات الأهلية،
وما تقدمه عن خدمات لقطاعات واسعة من السكان، كبديل عن الدور الذى يجب أن تقوم به الدولة، شكل هذا الارتباط سياجا حاميا لهذه الأنشطة ، وبالتالي لمصادر التمويل، ضد مخاطر التصفية أو المصادرة أو الحصار من قبل الدولة، التى تدرك الدور الذى تلعبه هذه الأنشطة فى دعم الحركة السياسية للتيار الاسلامى، إلا أن نجاحات الحركة الإسلامية على وجه العموم،
وجماعة الإخوان على وجه الخصوص فى توظيف الجمعيات الأهلية كقاعدة قوية لحركتهم وإستراتيجيتهم لأسلمة المجتمع والسيطرة عليه من أسفل، تمهيدا لاختراق والسيطرة على المؤسسات القومية التى تلعب الدور الاساسى فى صنع التشريع والقرار السياسي،
تظل محفوفة بالمخاطر، بل ومهددة بالانتكاس إذا لم تستطع الحركة الإسلامية مواجهة العديد من الإشكاليات والتي يرتبط بعضها بطبيعة دور الجمعيات الأهلية فى دولة عالم ثالثية مثل مصر ،
ويرتبط بعضها الآخر بالسياسات المضادة التى تنتجها الدولة فى حصار تصاعد نفوذ الحركة الإسلامية ، وسوف نحاول هنا التركيز على أهم هذه الإشكاليات،
والتي سوف يظل نجاح إستراتيجية الحركة الإسلامية فى توظيف الجمعيات الأهلية كقاعدة لسيطرتها على المجتمع مرهونا بحلها:
الإشكالية الأولى:
- • فى دولة عالم ثالثية مثل مصر ، لا يمكن التعامل مع الجمعيات الأهلية بصفتها بديلا عن الدولة فى تقديم الخدمات الأساسية ، أو حتى ذات دور رئيسي وحاسم فى مواجهة الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية لسياسات التكيف الهيكلي، وهو الدور الذى تروج له الدولة لتبرير انسحابها المتزايد من مجال تقديم الخدمات الأساسية ( عبر تقليصها المتدرج) خاصة للقطاعات الأكثر فقرا وحرمانا من السكان فى إطار سياسة خصخصة هذه الخدمات،
- وهو التبرير الذى وجده تجسيده العملي فى سماح الدولة للحركة الإسلامية بالتواجد النشط فى العديد من الجمعيات الأهلية، مقابل ما تقدمه من خدمات أساسية، يعاد فيها توزيع وتوظيف جزء من موارد الحركة نفسها،
- والقادم معظمه من دول الخليج أو مشروعاتها الاقتصادية، بجانب ما يتم تعبئته من موارد السكان أنفسهم، تحت دوافع دينية بالأساس، وهو ما يعنى بشكل واضح وجود حالة من التوظيف المتبادل لما يسمى بالدور الاجتماعي الاقتصادي ( أو التنموي تجاوزا) للجمعيات الأهلية، من قبل الدولة والحركة الاسلامية ، مكن كلا منهما من إحراز قدر من المكاسب، الدولة استطاعت السيطرة عليه وتحجيم التوترات الاجتماعية التى يمكن أن تنشأ عن الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة ببرنامج إعادة التكيف الهيكلي ،
- وبالتالي إمكانية تطبيق وتعميق هذه السياسات ، والحركة الاسلامية من جانبها تمكنت من بناء قاعدة للنفوذ الجماهيري والفكري مرتبط بما تقدمه الجمعيات الأهلية المرتبطة بالحركة الاسلامية من خدمات متعددة فى إطار سياسة الحلول الجزئي محل الدولة فى القطاعات التى تنسحب منها.
- • إلا أن استمرار السياسات الاقتصادية ، واتساع نطاق الفقر بين الأسر المصرية، وتزايد تراجع الدولة وانسحابها من مجال تقديم الخدمات الأساسية، سوف يلقى بمزيد من الأعباء على عاتق هذه الجمعيات، والتي سوف تصبح فى النهاية عاجزة عن إشباع حتى الحد الأدنى من احتياجات هذه الفئات الاجتماعية، التى تتزايد أعدادها يوميا، وهو ما سوف يفقد الحركة الاسلامية تميزها الاساسى، الذى ساهم فى بناء جماهيريتها،
- وبالتالي سوف يصبح عليها لضمان استمرار هذا التأييد والنفوذ الجماهيري، مواجهة قضية عجز ما تقدمه من خدمات فى مجالات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية عن ملاحقة اتساع نطاق تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لغالبية فئات المجتمع خاصة الطبقة الوسطى التى تشكل القاعدة الاجتماعية الأساسية التى تستهدفها بنشاطها.
الإشكالية الثانية :
- هى طبيعة الرؤية أو الفلسفة التى تحكم أنشطة وجهود نشطاء الحركة الاسلامية فى الجمعيات الأهلية، حيث ما زالت أنشطة هذه الجمعيات تنطلق من على أرضية العمل الخيري أو الاغاثى الذى يكتفي بتقديم الخدمة مقابل الولاء، الذى قد يبدأ يتبنى المظاهر السلوكية الاسلامية التى تسعى الحركة لترسيخها ( ارتداء الحجاب، إطلاق اللحى، الصلاة فى المسجد .. الخ) ،
- وتنتهي بتقديم الزكاوات والتبرعات والتصويت فى انتخابات المحليات أو البرلمان، دون أدنى تغيير فى الوعي يمكن هذه الفئات الاجتماعية من الحصول على حقوقها الأساسية المهدرة، أو حتى مواجهة واقع تدهور حياتها المعيشية اليومي، وهو ما جعل الجمعيات الأهلية التى تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لنفوذ الحركة الاسلامية فى النهاية مجرد قواعد للنخب المحلية ، والتي لا يتجاوز دورها مجرد كونها مراكز للتعبئة السياسية أو للتوظيف السياسي، واستمرار وضعية سكان المجتمعات المحلية المرتبطين بهذه الجمعيات كونهم متلقين للخدمات إن توفرت، وهى الوضعية التى سوف تزداد تأزما فى المستقبل مع اتساع نطاق الفقر،
- وعجز موارد الجمعيات عن تلبية الاحتياجات الأساسية لهؤلاء السكان، يطرح على الحركة الاسلامية إشكالية تطوير رؤى وفلسفات عملها داخل الجمعيات الأهلية بحيث تتجاوز فلسفة الإغاثة لفلسفة التمكين، وبحيث تصبح هذه الجمعيات مدارس حقيقية لتربية الجماهير الضغط والقدرة على انتزاع الحقوق الأساسية ووقف حالة التدهور الاجتماعي والاقتصادي وغرس قيم المشاركة والاعتراف بالآخر، والنقد والقدرة على ترشيد الموارد المتاحة وتعبئتها بشكل أكثر كفاءة، فى النهاية تغيير فلسفة عمل الجمعيات الأهلية بحيث تصبح قادرة كمؤسسات جماهيرية فاعلة على الاشتباك مع السياسات الاجتماعية والاقتصادية التى تعيد إنتاج أوضاع الفقر وتغييرها.
الإشكالية الثالثة:
- ترتبط بنجاح الدولة عبر الإجراءات الإدارية والقمعية فى وقف عملية صعود التيار الاسلامى لمؤسسات المشاركة الوسيطة، والقومية، وهى المؤسسات التى يصبح اختراقها والسيطرة عليها بمثابة الخطوة الأخيرة فى إستراتيجية بناء النفوذ السياسي من أسفل، تتاح بعدها استكمال عملية أسلمة الدولة والسيطرة عليها،
- وهى الإستراتيجية التى تتعرض الآن لمأزق شديد بعد نجاح الدولة فى غلق القنوات التى تمكن الحركة الاسلامية خاصة الإخوان من استكمال مراحلها الأخيرة بحيث أصبح الآن النفوذ الحقيقي للحركة الاسلامية يقتصر على نوع من السطوة الفكرية والثقافية التى يزداد عجزها عن التحول لقدرة سياسية، بإمكانها إعادة صياغة وتنظيم المجتمع، وفق أطروحات الحركة الاسلامية،
- وإذا كانت تلك الإستراتيجية لأسلمة المجتمع من أسفل تعتمد على استخدام المسجد/ الجمعية الأهلية كقاعدة للنفوذ المحلى، فجهود الدولة لإحباطها تطرح تحدى تغيير وطبيعة هذا الدور على الحركة الاسلامية لخلق استراتيجيات دفاعية بديلة فى مواجهة ضغوط الدولة الرامية لتحويل الجمعيات الأهلية ( نقطة قوة الحركة الاسلامية ) لمستنقع يستنزف قواها ويفقدها الفاعلية.
الإشكالية الأخيرة :
- هى النمطية الشديدة فى عمل الجمعيات الأهلية الخاضعة لنفوذ الحركة الاسلامية ، بحيث تكاد تتطابق مجالات ونوعية أنشطتها، بصرف النظر عن الاحتياجات الفعلية لسكان المجتمع المحلى وهو ما يعكس بالأساس غياب القدرة على التجديد والإبداع أو الرهان على مبادرة السكان المحليين ، وعدم إتاحة الفرص للأجيال الشابة لعرض أفكارها وبناء قدراتها وخبراتها،
- بحيث ما تزال العلاقات الأبوية شديدة الأوتوقراطية هى الحاكمة داخل الجمعيات الأهلية، وهى العلاقات التى يحكمها فى الغالب عامل السن، وقدم الارتباط بالحركة الاسلامية ،
- ومدى الالتزام بتنفيذ توجيهات قادتها، ويغيب عنها معايير أساسية مثل المهارة والكفاءة، حتى إنه يمكن القول أن كافة العناصر الشابة التى تنتمي لجيل الوسط، وهو الجيل الذى أفرز أبرز نشطاء الحركة الاسلامية والبناة الحقيقيون لنفوذها خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات ، هو الجيل الذى نشأ ونمى واكتسب خبراته فى الجامعة بعيدا عن النفوذ الفعلي لجيل الشيوخ،
- وهى السيطرة التى يواجهها بشكل حقيقي عند انتقال مجال نشاطه لخارج الجامعة، خاصة فى الجمعيات الأهلية وهو ما خلق فى السنوات الأخيرة أزمة أجيال حقيقية داخل تيار الحركة الاسلامية تجد امتدادها فى الجمعيات الأهلية، وهى التحدي الذى يؤدى عدم القدرة على التعامل مع متغيرات وتطورات الصراع السياسي والاجتماعي.
- تظل هذه هى الإشكاليات والتحديات الأبرز التى تواجه التواجد الفاعل للحركة الاسلامية والتي سيتوقف على مدى مرونة وقدرة الحركة الاسلامية على مواجهتها، قدرنها على تدعيم نفوذها وسط تيار العمل الأهلي، أو إصابته بقدر هائل من الخسائر.
ملف توثيقي يبرز الملامح التاريخية والنشاط الحالي لأبرز الجمعيات الدينية الاسلامية فى مصر ومدى علاقتها بتيار الإسلام السياسي
- • فى دارسة مسحية للاتحاد النوعي لهيئات الخدمات الثقافية والعلمية والدينية تمت فى عام 1974 ثم حصر كافة الجمعيات الدينية المسجلة ( مسيحية وإسلامية) وقدر عددها بـ 1090 جمعية تركز على النشاط الديني.
- • ويشير تحليل البيانات الواردة فى دليل الجمعيات المنشور بكتاب المنظمات الأهلية أن الحد الأدنى لتواجد الجمعيات ذات النشاط الديني الاسلامى الواضح طبقا للتعريف الذى حدده الباحث 2738 جمعية أي بزيادة قدرها 251% خلال الفترة بين 75- 1991 أي أن الجمعيات الاسلامية تضاعف عددها بالنسبة لإجمالي الجمعيات الدينية الاسلامية والمسيحية ، وكان أبرز هذه الجمعيات:
1- الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة
- طبقا للتحليل الاحصائى للبيانات الواردة فى دليل المنظمات الأهلية والتي تقف عند 1991 أمكن تحديد 262 فرع للجمعية الشرعية بنسبة 9,6% من إجمالي الجمعيات الدينية الاسلامية التى أمكن تحديدها.
- وتشير المعلومات التاريخية المتوفرة عن الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية إلى :
- أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912 بحي الدرب الأحمر أعيد إشهارها عام 1964 بعد صدور القانون 32 لسنة 1964.
- لعبت دورا هاما فى إحياء الكثير عن السلوكيات الاسلامية، والمحافظة على ملامح الشخصية الاسلامية، إلا أن تعاليم مؤسسها كانت تشدد على الابتعاد عن السياسة أو الاشتغال بها، وهو الأمر الذى اختلف معه حسن لبنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
- استطاعت جماعة الإخوان اجتذاب العديد من عناصر الجمعية الشرعية وكان من أبرزها الشيخ سيد سابق عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، وصاحب كتاب فقه السنة والفتوى الشهيرة بإهدار دم محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء، الذى أصدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، حيث رأى أن قرار الحل يوازى إغلاق أبواب مئات المساجد، وكان أحد المتهمين فى قضية اغتياله.
- كانت فروع ومساجد الجمعية الشرعية هى الإطار والملجأ الذى استوعب جهود ونشاط عشرات المئات من جماعة الإخوانفى ظل المحن المتتالية والحصار الذى تعرضت له طوال الفترة الناصرية، حيث شكل النشاط الخيري والديني فرصة آمنة لممارسة النشاط دون اصطدام مع الدولة، بجانب كونه غطاء مناسبا لجمع التبرعات لأسر الإخوان المعتقلين.
- وضح خلال الستينيات تأثير تواجد الإخوان فى الجمعية الشرعية على خطابها الدعائي الذى بدأ يقترب تدريجيا من رؤية الإخوان المسلمين، وهو ما يبرز بشكل واضح فى بيان مشهور صدر فى الستينيات للشيخ أمين خطاب رئيس الجمعية بعنوان " الإصلاح الديني"، أكد فيه على " ضرورة أن تكون قوانين الدولة كلها مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، وتنظيم المرحلة الأولى من التعليم بحيث تشمل مناهج لحفظ القرآن الكريم، وإلزام كل من يباشر عملا فى الدولة بتأدية ما فرضه الله عليه خاصة الصلاة والصيام،
ووضع نظام لجباية الزكاة وهو ما برز بشكل واضح ومعمق فى كتاب " هذه دعوتنا" الصادر عن الجمعية ، للشيخ عبد اللطيف مشتهرى أحد أبرز رجالها، والذي أصبح رئيسا لمجلس إدارة الجمعية،
والذي أكد فيه على أن " الإسلام دين ودولة وقضاء وسياسة ومصحف وسلاح " وهو الاتجاه الذى ظل يقترب تدريجيا من الاهتمام المباشر بالعمل والمطالب السياسية ، وهو ما يبدو فى النداء الموجه على لسان رئيس الجمعية الحالي الشيخ محمود فايد والذي طالب فيه شيخ الأزهر بـ:
1 - المجاهدة لإلغاء قانون الطوارئ لأنه يقيد الجمعيات الدينية فى مجال الدعوة.
2- مطالبة الحكومة بعدم الاستيلاء على المساجد التى تتبع الجمعية الشرعية.
3- المجاهدة مع الجمعيات الدينية لنصرة الضعفاء والمظلومين للإفراج عن المعتقلين.
• كان التحول فى توجهات الجمعية الشرعية، وتحول العشرات والمئات من المساجد التابعة لها كقاعدة لنشطاء الحركة الاسلامية يتم فى إطار خطة اختراق واضحة من قبل جماعة الإخوان، بدأت منذ 1973 من خلال الحاج عبده مصطفى أبو شمة الذى أصبح عضوا بمجلس إدارة الجمعية وذلك عبر التبرعات التى قدمها للجمعية فى ظل رئاسة الشيخ عبد اللطيف مشتهرى ، المعروف بتعاطفه مع الإخوان.
يبدو واضحا اختراق جماعة الإخوان المسلمينللجمعية الشرعية من خلال:
- 1- تحول مجلة الاعتصام لسان حال الجمعية الشرعية لأحد المنابر الإعلامية المعبرة عن الإخوان فى ظل رئاسة تحرير محمد أحمد عاشور، أحد كوادر الإخوان، ثم بعد أن أعيد إصدارها بعد إغلاقها ف ظل قرارات سبتمبر 1981 التى صاحبتها حملة اعتقالات واسعة شملت العديد من قيادات ونشطاء الجمعيات طالت عددا من كوادر الجمعية الشرعية وكان ضمنهم محمد أحمد عاشور رئيس التحرير ، وأخيه محمد عيسى عاشور، وأصبحت الاعتصام المنبر الاعلامى الرئيسي للإخوان بعد إغلاق مجلة الدعوة لسان حال الإخوان المسلمينفى 12/ 12/ 83.
- 2- معظم المحاضرين فى معاهد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية من كبار رجالات الإخوان وهى المعاهد التى تستمر الدراسة بها لمدة ثلاث سنوات ودرس بها معظم القيادات الإخوانية فى النقابات المهنية، ويوزع الخريجون بعد تخرجهم للخطابة فى المساجد التابعة للجمعية .
- ومن أبرزها معهد مجد الإسلام بشبرا، ومعهد الاستقامة بالجيزة، ويصل عدد هذه المعاهد إلى عشرة معاهد.
- 3- اعتلاء شيوخ الإخوان لمنابر مساجد الجمعية الشرعية للخطابة.
- 4- انتخاب مجلس إدارة جديد ضم أعضاء جدد من التابعين للإخوان بحيث أصبح مجلس إدارة الجمعية المركزية خاضعا تماما لنفوذ الإخوان حيث تولى الشيخ عبده مصطفى الكادر الإخوانى منصب وكيل الجمعية للشئون المالية، وهو ما أدى للصدام مع الدولة فأصدرت وزارة الشئون الاجتماعية قرارا بحل المجلس فى 7 يونيو 1990 بعد أن طالبت فى خطاب سابق بناء على تقارير الأمن بضرورة استبعاده هو والشيخ محمود فايد المحسوب أيضا على الإخوان، والذي اختير فى المجلس الذى تم حله وكيلا للجمعية للشئون العلمية بجانب د. رضا الطيب المسئول عن مشروع كفالة اليتيم والشيخ عليان على عمار.
- 5- سيطر كوادر الإخوان على عدد من مجالس إدارات أبرز فروع الجمعيات الشرعية نموذج فرع الجمعية بالجيزة تحت رئاسة عليان عمار والذي ساهم فى تسفير مئات الشباب لأفغانستان ويقدر عددهم بـ 2000 شاب، والذين شكلوا فيما بعد كوادر منظمات العنف والذين عرفوا ب، " العائدون من أفغانستان" وكانوا أكثر الكوادر دموية.
- 6- سيطر كوادر الإخوان على عدد من أبرز مشروعات الجمعية الشرعية خاصة مشروع كفالة اليتيم والذي يديره د. رضا الطيب أحد كوادر الإخوان والمشروع يبدأ من ألحياء الصغيرة فالأقسام والمراكز ثم المحافظات ولكل مستوى مسئول،
وطبقا للمعلومات المنشورة عن نشاط المشروع والمستفاد من التقارير الشهرية فالمشروع فى اتساع مستمر كما يشير الجدول التالي:
السنة | الميزانية الشهرية | عدد الأطفال المستفيدين |
---|---|---|
1990 | 382000 جنيه | 55000 |
1994 | 1000000 جنيه | 154043 |
- 7- وصل نفوذ الإخوان فى الجمعية الشرعية إلى حد تسليم عدد من المساجد التابعة للجمعية لجماعات الإسلام السياسي الأخرى فى صفقات، أو صراعات تقاسم النفوذ نموذج ذلك: تسليم مسجد الجمعية الشرعية وفرعها بأسيوط للجماعة الاسلامية مقابل تحييدهم أثناء المعركة الانتخابية لتأييد انتخاب د. محمد حبيب لعضوية البرلمان ، وهو المسجد الذى تحول لبؤرة للجماعة الاسلامية وانتهى نشاطها فيه بالصدام مع الأمن فى عام 1989، ثم تم حل مجلس الإدارة فى عام 1990 وضم المسجد للأوقاف ووضع تحت إشرافها.
- 8- استطاع الإخوان من خلال الجمعية الشرعية الحصول على ترخيص رسمي من وزارة الشئون لجمع التبرعات لصالح مجاهدي أفغانستان، وصلت فى أحد الأشهر إلى 265 ألف جنيه من 59 فرعا فقط من الأفرع التابعة للجمعية، وتشير التقارير إلى أن إجمالي ما تم جمعه من خلال أفرع الجمعية الشرعية وصل إلى 6 مليون جنيه على الأقل، وهناك ما يشير إلى أن هذه الأموال تم التصرف فيها بتوجيهات قيادات الإخوان وهو ما يشير إليه أحد الخطابات المرفوعة للمرشد العام للجماعة بهذا الخصوص.
- 9- فى حوار صحفي مع الحاج مصطفى عبده الذى يعد فى نظر تقارير الأمن المصدر الذى تعبر من خلاله أموال ونفوذ جماعة الإخوان للجمعية الشرعية، أشار لاتهامه بهذا قائلا " إن اتهامه بالتعاطف أو التعاون مع الإخوان ليس تهمه مجرمة، وإذا كانت الحكومة المصرية قد تحالفت مع أمريكا وإسرائيل وهم أعداء الإسلام والوطن فكيف تحرم علينا وتعيب فينا تعاوننا مع الإخوان وهم أهل دين وخلق، وحريصون معنا على مصلحة البلاد والعباد ونحن جميعا نسير على درب واحد هو القرآن والسنة.
- 10- لم تكن مساجد وفروع الجمعية الشرعية حكرا فقط على جماعة الإخوان بل اخترقها وسيطر عليها جماعات أخرى مثل الجماعة الاسلامية وهو ما حدث فى أحد مساجد فرع الجمعية الشرعية بالمنيا الذى تحول إلى مخزن للأسلحة والقنابل.
• تعد الجمعية الشرعية واحدة من أكبر الجمعيات العامة والتي لها الحق فى تأسيس فروع لها فى كل محافظات الجمهورية ويتبع كل فرع عدة مساجد يشرف عليها، وبتحليل البيانات الواردة فى دليل الجمعيات أمكن رصد 262 فرعا للجمعية الشرعية انظر الجدول(1) وذلك حتى عام 1991 ،
وتشير بعض التقديرات إلى أنه ارتفع من 101 فرع فى عام 1974 إلى 350 فرعا فى بداية التسعينيات إلا أن الفروع لا تكشف عن النفوذ الحقيقي للجمعية بل تعد بمثابة قمة جبل الثلج الذى يرتكز على قاعدة هائلة من المساجد التابعة للجمعية والتي تتراوح تقديراتها بين 1115 مسجدا ( كحد أدنى) ،
و6000 مسجد كحد أقصى وتصل عضوية الجماعة إلى ما يقرب من 8 مليون عضو منهم 3000 عضو مؤسس و3 مليون عضو عامل ومن أبرز الأنشطة التى تمارس فى إطارها سواء كانت ذات طابع ديني بحت أو طابع خدمي:
- 1- مشروع كفالة اليتيم.
- 2- معاهد إعداد الدعاة.
- 3- تغسيل وتكفين ونقل الموتى.
- 4- تشغيل أمهات الأيتام.
- 5- مشروع تيسير زواج الفتيات المسلمات.
- 6- مشروع مساعدة المعوقين.
- 7- مشروع إطعام مرضى المستشفيات.
- 8- حلقات تحفيظ القرآن.
- 9- العيادات الطبية.
- 10- دور المناسبات.
- 11- دور الحضانة.
- 12- فصول التقوية.
- 13- مشاغل تعليم الفتيات.
- 14- لجان الزكاة.
- 15- الندوات الدينية.
- 16- المكتبات الاسلامية.
- 17- مساجد لإقامة الشعائر الدينية.
وتمثل القائمة السابقة معظم الأنشطة التى يدور حولها نشاط أفرع الجمعية الشرعية والتي قد يقتصر نشاط بعض الأفرع على عدد محدود منها:
من المهم الإشارة إلى أن العديد من أفرع الجمعية الشرعية تحصل على دعم حكومة فى صورة إعانات، بجانب بعض المنح الدولية، وتراخيص جمع المال بجانب التبرعات وحصيلة الزكاة والصدقات وهو ما يوفر لها مصادر تمويلية ضخمة ومتنوعة.
2-جماعة أنصار السنة المحمدية
طبقا للتحليل للبيانات الواردة فى دليل المنظمات الأهلية والتي تقف عند 1991 أمكن تحديد 70 فرعا لجماعة أنصار السنة بنسبة 2,6% من إجمالي الجمعيات الدينية الاسلامية التى أمكن تحديدها.
وتشير المعلومات التاريخية المتوفرة عن جماعة أنصار السنة المحمدية إلى :
تأسست فى عام 1926 على يد الشيخ محمد حامد الفقى كانشقاق من الجمعية الشرعية حيث كانت أكثر تأثيرا بالتيار السلفي خاصة سلفية محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة الوهابية بالسعودية ، حيث تركزت جهود الجماعة منذ تأسيسها على تنقية العقيدة الاسلامية مما علق بها من شوائب وعلى مقاومة البدع وإحياء السنن.
لإحكام السيطرة على نشاط الجمعيات الدينية والتي أصبحت ملجأ لكوادر ونشطاء الإخوان غير المسجلين فى قوائم الأمن ولم تطالهم حملات الاعتقالات المتتالية، بجانب عدم رغبتهم فى ممارسة أي نشاط عام من خلال المؤسسات السياسية للسلطة الناصرية ، قامت السلطة الناصرية بدمج جماعة أنصار السنة المحمدية بأفرعها فى الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة.
مع انتعاش الحركة الاسلامية والمصالحة التاريخية التى تمت بينها وبين نظام السادات أعيد إشهار جماعة أنصار السنة فى عام 1972 تحت رقم 61 وأصدرت مجلتين باسم التوحيد والهدى النبوي.
بجانب المركز العام فى القاهرة ارتفع عدد أفرعها فى عام 98 إلى 120 فرع للجماعة يتبعها أكثر من 1500 مسجد فى مختلف محافظات الجمهورية.
الجماعة بمساجدها تشكل إطارا وقاعدة لنشطاء الإسلام السياسي بمختلف تياراته بما فيها التيارات المتبنية للعنف وأفكار الجهاد مثال ذلك مساجد التوحيد بدمياط التابع للجماعة الذى انحاز خطيبه الشيخ عبد العزيز صدقي لتيار الجهاد، وحوله بعد تطويره وانفراده بسلطة التوزيع والتصرف فى التبرعات التى تصل للجماعة، إلى منبر لنقد الحكومة خاصة سياستها الأمنية،
وهو ما أدى فى النهاية لاعتقاله، وهو نفس ما حدث بمسجد التوحيد برمسيس التابع لفرع الجماعة، والذي استطاع خطيبه ذي الميول الجهادية الشيخ فوزي السعيد تحويله لمؤسسة من سبع طوابق يحتشد فيها كل يوم جمعة أكثر من 15 ألف مصلى،
أما مسجد التوحيد التابع لفرع الجمعية فى الزيتون فقد استطاع خطيبه الشيخ أحمد مصطفى الاستقلال بالفرع والمسجد وإشهاره كجمعية مستقلة بوزارة الشئون ، بل إن أحد أفرع الجماعة بالشرقية اتخذ كستار لتحرك أعضاء الجماعة الاسلامية لتضليل أجهزة الأمن ولتنظيم اللقاءات وعقد الدروس وتداول فكر الجماعة، وهو ما تم كشفه بواسطة أجهزة الأمن التى اعتقلت 18 شخصا من الفرع بتهمة الانضمام للجماعة الاسلامية.
• تشير وثائق الجمعية إلى أن أهدافها تتركز حول:
- - الدعوة للتوحيد الخالص المطهر من جميع أرجاس الشرك.
- - الإرشاد إلى الينابيع الصافية للدين سواء فى القرآن الكريم أو صحيح السنة.
- - الدعوة لمجانية البدع ومحدثات الأمور.
وإذا كانت وثائق الجمعية تشير إلى أغراضها الدينية الصميمة، فالخطاب السائد بين قياداتها يوسع من نطاق هذه الأغراض ويقترب بها من الأهداف العامة والأساسية لحركة الإسلام السياسة ، وإن كان بلغة أكثر هدوءا ففي تصريح للرئيس الحبالى للجماعة يشير إلى أنهم يستهدفون:
- - أن يكون المسلمون أمة واحدة يقيمون دينهم ولا يتفرقون فيه.
- - الرجوع بالمسلمين إلى سابق إيمانهم وسالف سلطانهم.
- - أن تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
• كل فرع من فروع الجمعية يتبعه مساجد والتي تكل محور نشاط الجماعة الدعائي والخيري وهو النشاط الذى يمارس بالمساجد، أو يلحق بها فى أبنية مستقلة، وتمارس فى الجمعية وأفرعها الأنشطة التالية:
- - صناديق / لجان الزكاة والتي يتم صرفها فى مصارفها الشرعية والتي يوزع الجزء الأعظم منها فى صورة مساعدات للفقراء.
- - الخدمات الصحية والتي تشمل مستشفيات ، مستوصفات ، عيادات صرف أدوية مجانية.
- - مشروع كفالة اليتيم.
- - مشروع رعاية الأرامل.
- - إعداد الدعاة للخطابة فى مساجد الجماعة.
- - إقامة المساجد.
- - تعليم حرفي للأطفال.
- - مجموعات تحفيظ قرآن.
3- جماعة دعوة الحق
تأسست عام 1975 كجمعية مركزية لها 25 فرعا فى المحافظات المختلفة وتشرف على 400 مسجد.
• تصدر الجمعية مجلة تعبر عنها باسم الهدى النوى.
• يرأس الجماعة د. السيد الطويل.
- الجماعة على صلة ، ومركز لعدد كبير من الشخصيات والزعامات الدينية خاصة المرتبطين بشكل مباشر بحركة الإسلام السياسي وقد طرحت فكرة لجنة الواسطة بين الدولة وجماعات العنف ( الجماعة الاسلامية/ الجهاد) لأول مرة فى أروقة الجمعية وأثناء ندوة أقامتها لجنة الأطباء بها،
وهى اللجنة التى كانت من أعضائها الشيخ محمد الغزالي والشيخ متولي الشعراوى ، د. أحمد كمال أبو المجد، ود. عبد الصبور شاهين، وفهمي هويدي، ود. محمد عمارة وغيرهم، بجانب د. السيد الطويل رئيس مجلس إدارة الجمعية وقد بدأت اللجنة نشاطها بمقابلة وزير الداخلية اللواء عبد الحليم موسى، تلك المقابلة التى أطاحت به من مقعد الوزارة،
وكان من أبرز الشروط التى وضعتها لجنة الوساطة:
- ( أ ) الإفراج عن المعتقلين غير المتهمين فى قضايا
- (ب) تحويل القضايا للقضاء المدني.
- (ج ) وقف الاعتقال والاغتيال العشوائي.
- ( د ) العفو الشامل عن جميع مسجونى الجماعات مقابل العنف وتسليم السلاح.
- ( هـ ) احتفاظ الجماعات بمساجدها.
- ( و ) إعادة النظر فى قانون الطوارئ.
• تركز الجماعة فى نشاطها على :
- - الخدمات الصحية والتعليمية .
- - التوعية بالإسلام الصحيح والعقيدة الصحيحة.
• يبرز لدى قادة الجماعة أهمية بناء لوبي قوى من الجمعيات الدينية الاسلامية قادر على دعم الجهود الرامية لإقامة الدولة الاسلامية وهو ما يبدو واضحا فى الحوار الذى دار مع د. السيد الطويل حول مطالبه ذات الأولوية التى يتقدم بها لشيخ الأزهر الجديد الشيخ محمد سيد طنطاوي فكانت هذه المطالب:
- 1- نقل تبعية الجمعيات الاسلامية للأزهر أو وزارة الأوقاف.
- 2- دعم الجمعيات الاسلامية.
4-جمعية الاعتصام بحب الله- الأسكندرية
• يسيطر عليها الإخوان المسلمين.
• كانت مركز إدارة المعركة الانتخابية لمرشحي الإخوان فى المحليات عام 1992، وهى المعركة التى انتهت بنجاح قائمة الإخوان، وسيطرتهم على المجلس المحلى.
• صدر قرار بحل الجمعية وضم مسجدها للأوقاف .
• عند تنفيذه أشعل مجلس إدارة الجمعية وكادرها من شباب الإخوان معركة انتهت بالصدام مع الشرطة ومصرع شاب وحرق 3 عربات لمن مركزي، واعتقال 147، وحظر التجول بالحي.
الوفد 11/5/94.
الشعب 11/5/94, 13/5/94
5-جمعية الدعوة الاسلامية- بنى سويف
• تأسست فى 21/6/77 تحت رقم 176 لسنة 77.
• أسسها الحاج حسن جودة عضو مجلس الشعب السابق عن التحالف الاسلامى، عضو مكتب الإرشاد، والذي صدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات فى قضية الإخوان العسكرية رقم 8 لسنة 95.
1- من أهدافها :
- 1-نشر الوعي الاسلامى بإعلاء كلمة التوحيد الخالص لله بين المسلمين والمسلمات لتكوين الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة.
- 2-رعاية الطفولة والأمومة وذلك ببناء الحضانة الاسلامية تنشئة الأطفال على التقاليد العادات الاسلامية.
- 3-بناء المجتمع الاسلامى بتدعيم رباط العقيدة والأخوة والمحبة بين المسلمين والمسلمات مع إقامة المشروعات الاقتصادية والإسلامية.
• اقتحم الأمن اجتماع الجمعية العمومية فى الأسبوع الأخير من سبتمبر 96 لفض الاجتماع وتم اعتقال 17 من أعضاء الجمعية منهم خمسة من أعضاء مجلس الإدارة بتهمة التحريض على التظاهر وتوزيع منشورات.
• من مشروعات الجمعية:
- - مدرسة إسلامية تضم 800 طفل مسلم.
- - حضانة إسلامية تضم 400 طفل مسلم.
- - مشغل خياطة للفتيات.
6- جمعية مجد الإسلام – القليوبية
• فرع للجمعية الشرعية.
• تحظى بتواجد قوى للإخوان بلغ حجم التبرعات التى تم جمعها لإنشاء مجمع إسلامي ( يضم مستشفى / مدرسة / مشغل) حوالي 10 مليون جنيه.
• عند تنفيذ قرار السلطة المحلية بإزالة سلم خارجي للمسجد قاد نشطاء الجمعية معركة صدامية مع الأمن انتهت بإصابة 7 أشخاص عمل بعض رجال الشرطة والقبض على 4 ووقف تنفيذ القرار.
روز اليوسف 16/ 9/ 92
7- جبهة علماء الأزهر
• نشأة عام 1946، واستأنفت نشاطها عام 93.
• مجلس إدارتها من شيوخ الأزهر المتعاطفين مع تيار الإسلام السياسي على اختلاف فصائله.
• كانت تلقى دعما من شيخ الأزهر السابق على جاد الحق.
• خاضت معارك التكفير ضد المثقفين ، وضد بعض الفتاوى المجددة للشيخ سيد طنطاوي، وضد وزير التعليم بسبب تقنين موضوع الحجاب فى المدارس، وضد مؤتمر السكان ووثيقته ،
وأخيرا ضد وزير الأوقاف الذى أصدر قرارا بتفعيل القانون المنظم لعملية اعتلاء منابر المساجد غير الخاضعة لوزارة الأوقاف.
• اصطدمت بالشيخ د. محمد سيد طنطاوي عندما أصبح إماما للجامع الأزهر وانتهى الأمر إلى حل مجلس إدارتها بقرار من وزارة الشئون الاجتماعية.
8- جمعية لهداية الاسلامية ( السويس)
• تأسست عام 62 كامتداد لجمعية شباب سيدنا محمد التى تم حلها بعد هجوم قادتها على التوجه الاشتراكي للدولة الناصرية.
• رأس مجلس إدارتها الشيخ حافظ سلامة بعد خروجه من المعتقل 1967.
• الخط الفكري للجمعية يعتبر امتدادا للخط الفكري لجماعة شباب سيدنا محمد والتي تعتبر أحد الانشقاقات على تنظيم الإخوان المسلمين، فى عام 49، والذي قاده أ. حسين يوسف و أ. أحمد المغلاوى ثم حلت فى الستينيات .
• لعبت الجمعية دورا بارزا فى بناء المساجد وتنظيم حلقات الوعظ فى محافظة السويس.
• يعتبر رئيس مجلس إدارتها من أبرز رموز تيار الإسلام السياسي والداعين إلى تطبيق الشريعة الاسلامية وقد قام بتنظيم ما يعرف بالمسيرة الخضراء المطالبة بالتطبيق الفوري للشريعة وذلك للضغط على الحكومة من خلال مظاهرة ضخمة ترفع فيها المصاحف وتتوجه لمنزل رئيس الجمهورية فى يونيو 85، إلا أن الأمن أجهضتها ، ثم أقام دعوى قضائية لمنع إقامة مؤتمر السكان والتنمية أمام القضاء الادارى.
• أقامت الجمعية سلسلة من دور الحضانة / المدارس/ المستوصفات / المستشفيات / بجانب المساجد والتي يعد أبرزها مسجد النور بالعباسية والمركز الاسلامى التابع له واللذان أصبحا تحت إشراف وزارة الأوقاف.
• تحصل الجمعية على تمويلات من معظم دول الخليج السعودية / الإمارات/ الشارقة / قطر/ الكويت.
9- جمعية النهضة الاسلامية ( الفيوم)
• كانت خاضعة لعمر عبد ارحمن، ثم سيطر عليها الإخوان وهو ما يبدو فى نشرها نعيا للدكتور أحمد الملط عضو مجلس شورى الإخوان .
10-الجمعية الشرعية فرع بولاق أبو العلا (القاهرة)
• اعتقل رئيس مجلس إدارتها الحاج مصطفى إسماعيل أحد قيادات الإخوان.
11- جمعية مسجد عمر بن الخطاب ( المنيا)
• يسيطر عليها الإخوان المسلمون وكانت مركزا لنشاطهم.
• ضم مسجدها إلى وزارة الأوقاف والذي كان قاعدة نشاطهم.
12- الجمعية الطبية الاسلامية ( القاهرة)
- أسسها ورأس مجلس إدارتها د. أحمد الملط عضو مكتب الإرشاد وأحد القيادات السابقة للتنظيم السري للإخوان، وكان نائبا للمرشد العام حتى وفاته.
* من أهدافها: -
- - تقديم المساعدات والمنح الدراسية لطلبة وطالبات الطب.
- - إنشاء المستوصفات والمستشفيات.
- - تجميع قلوب الأطباء وتعريفهم خير طريق للقربى من الله فى تربية النفس على الإسلام والتزام حدوده.
- - نشر الوعي الصحي بين المسلمين.
- - إعداد البنية الطبية من ألأطباء المسلمين علما وخلقا.
- لعبت الجمعية دورا بارزا فى إدارة المعارك الانتخابية داخل نقابة الأطباء ( على مستوى النقابة العامة/ النقابات الفرعية ) لصالح نشطاء الإخوان والتي انتهت بسيطرتهم التامة على النقابة العامة ومعظم النقابات الفرعية وهو ما يبدو فى أنشطتها الموجهة للخريجين الجدد نموذج لهذا الاحتفال الذى تم لخريجي 1980 من كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والذي دعي إليه زينب الغزالي ومصطفى مشهور بجمعية الشبان المسلمين بالسكندرية وحضره 700 طبيب و500 طبيبة.
- تدير الجمعية العديد من المستوصفات فى المنيل/ السيدة زينب/ العجوزة/ المطرية / والشرابية بجانب مستشفى ضخم يضم 350 سريرا.
- دافع د. الملط عن عنف التيارات الجهادية وكان يرى أنه عنف موجه نحو الخير.
- أسس من خلال رئاسته للجمعية وعبر سيطرة الإخوان على نقابة الأطباء لجنة الإغاثة الاسلامية التى أصبحت غطاء شرعيا للإخوان فى دعم المجاهدين الأفغان ثم مسلمي البوسنة والهرسك.
روز اليوسف 16/10/95
الدعوة 1/2/78
الدعوة 1/4/81
الدعوة 1/1/81
13- جمعية الدعوة السلفية الأسكندرية
يسيطر عليا التيار السلفي
- • على رأس برنامجها الكفر بالقوانين الوضعية.
- • لعب نشطاؤها دورا فى ا لترويج للأفكار المعادية للديمقراطية/ العلمانية/ للأقباط وربط هذا بصحيح الإسلام ( انظر نموذج الأسئلة المصاحبة للمسابقة التى تنظمها الجمعية تحت اسم " المسابقة الاسلامية السلفية الكبرى".
14- جمعية الفتح الاسلامية ( بور سعيد)
• كان لها نشاط بارز فى مناهضة مؤتمر السكان والتنمية ضمن مجموعة أخرى من الجمعيات الأهلية التى وزعت سلسلة من البيانات داخل المؤتمر وهى البيانات التى وقعت باسم " التكتل الاسلامى للجمعيات الأهلية المصرية لمواجهة المؤامرة ضد الإسلام".
15- جمعية الفتح بالمعادى القاهرة
مظاهرات صاخبة تخرج من مسجد الجمعية تندد بمذابح الحرم الابراهيمى، والتي قادها شباب الإخوان.
16- جمعية محمود بالمهندسين الجيزة
مظاهرات صاخبة من مسجد الجمعية تندد بمذابح الحرم الابراهيمى ، والتي قادها شباب الإخوان.
17- جماعة شباب سيدنا محمد
• نشأت فى الأصل كانشقاق من جماعة الإخوان المسلمينفى عام 39 بقيادة حسين محمد يوسف.
• وضعت تحت الحراسة فى عهد وزارة على صبري، وتم تصفية نشاطها ومصادرة أموالها لهجومها على التوجهات الاشتراكية للدولة الناصرية.
• أعيد إشهارها بمديرية وسط القاهرة فى 1976 تحت رئاسة عطية خميس، وكان ضمن عضوية مجلس إدارتها المؤسس حسن عاشور سكرتير تحرير مجلة الاعتصام لسان حال الجمعية الشرعية.
18- جمعية الشبان المسلمين
• من أبرز الجمعيات التى شارك حسن البنا فى تأسيسها فى إطار جهوده الرامية لتجميع الجهود الاسلامية فى مواجهة حركة التغريب والتبشير.
• تأسست فى عام 1927 وكان أول رئيس لمجلس إدارتها هو المرحوم عبد الحميد سعيد عضو الحزب الوطني.
• تعد من أكبر الجمعيات المركزية التى تنتشر فروعها على امتداد محافظات مصر، وقد ارتفع عدد فروعها من 80 فرعا فى عام 1974 إلى 112 فرعا فى عام 1986.
• تعتبر من الجمعيات المندمجة وظيفيا فى إطار السياسة العامة للدولة فضلا عن سيطرة نخبة الدولة على المراكز القيادية فيها، ورغم نزوع بعض أفرعها للتسييس " خاصة فرع القاهرة" إلا أن وزارة الشئون الاجتماعية تظل قادرة على السيطرة على سياسات الجمعية من خلال التهديد بحل المجلس كما تم فى عام 1968، وهو ما حدث مرة أخرى عندما عين إدارة مجلس برئاسة د. أحمد عمر هاشم.
• تتميز الجمعية بالذات بالأنشطة والمسابقات السنوية التى تتم بين مختلف الفروع خاصة فى رياضيات الكاراتيه/ كمال الأجسام/ رفع الأثقال/ الملاكمة، وهى الرياضات العنيفة التى تقدم من خلال الجمعية إطار آمنا لتدريب العديد من عناصر المنظمات الجهادية، وهو ما يعطى مؤشرا عليه تركز فلروع الجمعية فى محافظات الصعيد التى شهدت تكرارا لأحداث العنف ( بنى سويف/ أسيوط/ المنيا/ سوهاج/ قنا) حيث يوجد بها حوالي 40 فرعا من إجمالي فروع الجمعية.
• تصدر الجمعية مجلة بعنوان رسالة الإسلام.
• تتعدد أنشطة الفروع بين أنشطة رياضية / ثقافية/ مدارس/ مستوصفات/ دور استقبال للمغتربات.
الفصل الرابع النساء فى العمل الأهلي الاسلامى
إعداد :عزة خليل
مقدمة
تناول عدد كبير من الدراسات العمل الأهلي والمنظمات غير الحكومية المتنوعة فى مصر، إلا أنه لم تخصص دراسات مستقلة للجمعيات الأهلية الاسلامية.
وينسحب نفس الشيء على الاهتمام بالجمعيات الأهلية النسائية الاسلامية وموقع النساء من العمل الأهلي الاسلامى.
وفى ذات الوقت، يرتفع رصيد الدراسات حول الجمعيات الأهلية النسائية أو مشاركة النساء فى العمل الأهلي عموما. وقد يفسر ذلك أنه فى مجال دراسة النشاط الاسلامى، ينصرف التركيز إلى العناية بالجماعات الاسلامية المتشددة التى يبرز تهديدها للاستقرار الاجتماعي دون الجمعيات الأهلية التى يحدد القانون إطار عملها.
فى حين أنه بالنسبة لمجال دراسة الجمعيات النسائية فإن الانتباه ينصرف إلى الجمعيات التى يبدو عليها التوازي مع إطار النشاط الدولي فى قضايا المرأة والذي شهد طفرة فى السنوات الأخيرة.
من المنتقى تزايد الاهتمام بالجمعيات الأهلية نظرا لاتجاه أعدادها إلى التزايد فى السنوات ألأخيرة، حيث تشير الدراسات والإحصاءات والمشاهدات العينية إلى اتساع مطاق العمل الأهلي عموما، فقد بلغ عدد الجمعيات الأهلية بنهاية عام 1996 ( 14600 جمعية) ، يستفيد من نشاطها 30 مليون مواطن أي ما يقرب من نصف عدد السكان ( وزارة الشئون الاجتماعية ( 1998) ص 49) .
إلا أنه مما ينافى المنطق عدم تخصيص قدر مناسب من الاهتمام إلى الجمعيات الاسلامية منها، رغم ما تشير إليه دراسات حديثة من تزايد عددها مؤخرا واتساع نشاط القائم منها وانتشار فروعها فيما شكل ظاهرة تواصلت فى الفترة الأخيرة . هذا إلى جانب أن بعض هذه الدراسات يربط بين اتساع نطاق النشاط الأهلي الاسلامى وزيادة الطلب على الخدمات التى تقدم من خلاله فى ظل تدهور الظروف المعيشية وتقليص دور الدولة فى تقديم الخدمات، كما تشير إلى أن هذا الاتساع قد جاء متواكبا مع تصاعد تيارات الإسلام السياسي بتلويناتها المتشددة أو غير المتشددة (1998 ص 87) .
وهذا التشابك بين الظاهرة والظروف الاجتماعية الاقتصادية التى يمر بها المجتمع ، يشير غلى أهمية الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها. وهذا يؤكد بدوره أهمية دراستها.
وقد شهد العقدان الأخيران زيادة فى عدد الجمعيات النسائية.
وترجع إحدى الدراسات أسباب نمو حجم وأدوار الجمعيات الأهلية النسائية فى الخمس سنوات الأخيرة إلى عوامل أهمها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى تتعرض لها المرأة فى السنوات الأخيرة والدعم الرسمي من الدولة لهذا النوع من النشاط إلى جانب دعم المنظمات الدولية ( قنديل 1998 ص 49) . وقد صاحب ذلك ارتفاع الأصوات التى تنادى بعودة المرأة إلى أدوارها التقليدية داخل المنزل.
وأظهر كثير من الكتاب الإسلاميين حرصا على انتقاد المنظمات النسائية وخاصة المرتبطة منها بالمطالب التى تدفعها النسوية الدولية- من وجهة نظرهم. واتضح ذلك فى عدد من المناسبات نخص بالذكر منها انعقاد المؤتمر الدولي الرابع للمرأة فى بكين وما جرى أثناءه من انتقاد عنيف لوثيقة المؤتمر والتي عرفت بوثيقة بكين ( طه 1995 ص 3) .
وإذا رصدنا من ذلك عاملين أولهما تزايد النشاط الأهلي الاسلامى، وثانيهما تصاعد الجدل حول دور المرأة الاجتماعي ومن ثم مشاركتها فى العمل العام، والذي أسهمت فيه الكتابات الاسلامية بنصيب أساسي، تتضح لنا أهمية دراسة دور المرأة فى ا لعمل الأهلي الاسلامى، وخاصة مع ندرة أو عدم تناول هذا الموضوع بالبحث فيما سبق- فى حدود علمنا.
وفى هذا الصدد تهتم أولا باستجلاء الإطار العام الذى يحكم وجود النساء فى العمل الأهلي الاسلامى والذي يتمثل فى تناول الإسلاميين المعاصرين للعمل العام للمرأة ومواقفهم منه.
ويرجع اهتمامنا بهذا الإطار إلى سببين أولهما أنه يشكل الخلفية التى يمكن على أساسها فهم طبيعة دور النساء فى العمل الأهلي الاسلامى وحجمه، وثانيهما ، أن نشطاء العمل الأهلي الاسلامى جزء من الإسلاميين المعاصرين، أي أنهم كما يتأثرون بالمواقف الاسلامية السائدة فهم يساهمون فى خلق تلك المواقف.
ولى ذلك إطلالة تاريخية سريعة نستوضح منها ملامح وجود النساء فى العمل الأعلى الاسلامى فى الفترة الحالية من حيث حجم وطبيعة ومستوى مساهمتهن فيه أو استفادتهن منه. وأخيرا نركز على العمل الأهلي الاسلامى النسائي. وتشكل هذه النقاط الأربع عناصر هذه الورقة.
وسوف نحاول فيما يلي تناول هذه النقاط بالاعتماد على نوعين من المصادر، يتمثل النوع الأول فى الدراسات السابقة عن الجمعيات الأهلية والنشاط الاسلامى، فضلا عن مراجعة للأدبيات الاسلامية حول المرأة .
ويتمثل المصدر الثاني فى بيانات الدراسة الميدانية التى أجراها مركز البحوث العربية فى أوائل عام 1999 على عينة من ثمانية وعشرين جمعية أهلية إسلامية فى القاهرة ودمياط والمنيا، فضلا عن أربع جمعيات أهلية إسلامية نسائية.
وتم تحديد الجمعيات ألأهلية الاسلامية فى هذه الدراسة على أساس أنها الجمعيات التى تعلن أن مرجعيتها هى الإسلام أو يتضح الاتجاه الاسلامى من اسمها أو ترتبط بأحد الرموز الاسلامية ، أو تمارس نشاطا دينيا إسلاميا، وفى ذات الوقت تتضح الهوية النسائية فى اسم الجمعية أو عضويتها أو نوع الفئة التى تستهدفها.
أولا- الموقف من العمل العام للنساء
( قراءة فى الأدبيات الاسلامية المعاصرة)
تعددت الأدبيات الاسلامية المعاصرة التى تدور حول المرأة المسلمة ودورها فى المجتمع الاسلامى.
وفى هذا الجزء، سوف نقوم بمراجعة لعدد من هذه الأدبيات لتحرى المواقف التى تتخذها من العمل العام للنساء.
وكما سيتضح فيما يلي فإن هذه الأدبيات تتضمن إسهامات لرموز من الجمعيات الأهلية الاسلامية.
حجم الاهتمام بموضوع المرأة
يعطى أكثر الكتاب الإسلاميين وزنا خاصا لموضوع المرأة، وإن اختلفوا فى دوافعهم للاعتقاد فى هذه الخصوصية .
ويوجد بين مؤلفات عدد من أشهر الكتاب والدعاة المعاصرين وأكثرهم شعبية كتاب واحد على الأقل حول المرأة والإسلام، إلى جانب تناول هذا الموضوع بالكتابة فى الصحف والدوريات وذلك يصرف النظر عن مواقف الكتاب السياسية .
ومن الملاحظ أن هذا الاهتمام يتصاعد فترة ويخفت فى أخرى وفقا لتوفر عدد من الظروف والعوامل. وقد شهد هذا القرن موجتين عاليتين من اهتمام الكتاب الإسلاميين بقايا المرأة .
كانت الأولى فى الأربعينيات والخمسينيات ، وقد بلغت ذروتها عندما طرحت قضية مشاركة النساء فى الانتخابات البرلمانية كمرشحات وناخبات.
وثار على إثر ذلك جدل جاد ومشادات عنيفة على صفحات الجرائد.
وتصدت الجمعيات الأهلية الاسلامية والهيئات الاسلامية الأخرى لهذا الأمر بعقد مؤتمر فى مارس 1952 برئاسة الأمين العام لاتحاد الجمعيات الاسلامية فى ذلك الوقت.
وكانت مهمة المؤتمر دراسة الموضوع وإصدار الفتوى الصحيحة فيه.
وشارك فى المؤتمر ببحوث ستة من أبرز الجمعيات والهيئات الاسلامية حينذاك منها جبهة علماء الأزهر والإخوان المسلمين ( خميس 1978).
وكان السلوك العملي لجماعة الإخوان المسلمين منذ الثلاثينيات معبرا عن الاهتمام بموضوع المرأة. وقد تمثل ذلك فى تكوين فرق للأخوات المسلمات منذ السنوات الأولى لتأسيس الجماعة فى الإسماعيلية .
( غانم 1992 ص 347) . واهتم حسن البنا اهتماما كبيرا بقسم الأخوات المسلمات وظل يخصه بجهده ووقته.
وكان يتعهد مجموعة الأخوات بالدروس والمحاضرات التى كان يلقيها عليهم بشكل دوري أسبوعي تقريبا، وذلك وفق رواية محمود الجوهري سكرتير قسم الأخوات الذى رافق البنا فى رحلاته فى الوجه البحري والقبلي لتنظيم فروع قسم الأخوات.
وتمثل اهتمام الإخوان المسلمين بموضوع المرأة أيضا فى تخصيص باب ثابت فى صحيفة الإخوان بعنوان " البيت المسلم" ، تم التركيز من خلاله على موضوعات مثل حقوق المرأة فى الاسلامى وأيضا على مواجهة أفكار تحرير المرأة التى كانت منتشرة فى ذلك الحين ( يوسف 1998 ص 86).
وفى ذات الوقت اهتمت جماعة شباب محمد بتناول موضوع المرأة والأسرة المسلمة، فى محاولة لحمايتها من وجهة نظرهم .
وفى هذا السياق اختلفوا مع الإخوان المسلمين وعابوا عليهم إنشاء قسم للأخوات داخل الجماعة.
أما الموجة الثانية فكانت فى السبعينيات والثمانينيات وتواكبت مع تصاعد ما عرف " بالصحوة الاسلامية" أو تزايد نفوذ تيارات الإسلام السياسي المتنوعة وتأثيرها الثقافي ، كما تزامنت مع اتساع النشاط الدولي والمحلى فى مجال قضايا النساء.
وأسفر ذلك عن ارتفاع الأصوات الاسلامية المنددة أثناء انعقاد المؤتمر الدولي للسكان بالقاهرة والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة فى بكين.
وينعكس تواصل اهتمام الإسلاميين بموضوعات المرأة فى أشكال متعددة مثل تخصيص قسم للمرأة فى الصحف والمجلات الاسلامية، أو الحرص على متابعة الجدل الدائر حول الموضوعات المتعلقة بالنساء فى الصحف الأخرى وبقى وسائل الإعلام.
وتناولت الأقلام الاسلامية معظم الموضوعات المثارة الخاصة بالنساء.
ومن الأمثلة على ذلك موضوع عمل المرأة نصف الوقت بنصف الأجر ، وقضية تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى، ووثيقة الزواج الجديدة، وشغل النساء للوظائف العليا للدولة وموضوع فرض الحجاب على تلميذات المدارس..الخ. ومن الملحوظ أن الخطب والدروس الدينية بالمساجد تهتم بدرجة كبيرة بموضوعات المرأة .
ويتضح هذا الاهتمام من خلال المسجل منها على شرائط تسجيلية يتم تداولها بين رواد الجمعيات الاسلامية أو تباع على أبواب المساجد التابعة لها- أو غيرها من المساجد. وتفرد كثير من هذه الشرائط لموضوعات مثل الحجاب والنقاب وحقوق الزوجة وحقوق الزوج ووصايا ليلة الزفاف والزنا والخلوة والاختلاط وانهيار الأسرة..الخ.
ومن المعروف أن أول مظاهر انتشار نفوذ التيار الاسلامى داخل الجامعات فى الثمانينيات كانت فى الدعوة ضد الاختلاط بين الجنسين ( مصطفى 1992 ص 158) وإلى ارتداء الطالبات للزى الاسلامى- من وجهة نظرهم.
وصاحب هذه الدعوة فى بعض الأحيان محاولات عنيفة لفرض هذه الأوضاع بالقوة . أما عن الدوافع وراء هذا الاهتمام أو مبررات هذه الخصوصية فهي تتنوع وفق تحديد الدور الاجتماعي للمرأة وهذا ما سوف نتأمله بشيء من التفصيل فيما يلي.
( أ ) الدور الاجتماعي فى ضوء الاتفاق والتباين بين الرجل والمرأة
أجمعت الأدبيات الاسلامية – التى تمت مراجعتها سواء كانت فى الفترة الأولى أو الثانية – أن الأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة ، وأنهما يشتركان معا وبنفس القدر فى جنس الإنسان.
وأن الرجل لم يفضل بشيء من معاني الإنسانية العامة وأنهما يشتركان فى التكليف وفى الثواب والعقاب وأن الإسلام جاء ليرفع من مكانة المرأة إلى هذه المرتبة.
ومن وجهة نظر الكتاب ، لا تتناقض هذه المساواة مع تفاوت سمات كل من الرجل والمرأة الذى يساير التفاوت فى الرسالة أو الدور الاجتماعي الملقى على عاتق كل منهما.
وإذا ما حاولنا أن نحصر سمات النساء والرجال كما جاءت من مراجعتنا للأدبيات المكتوبة فى الأربعينيات والخمسينيات فسنجدها كما يلي.
يقول حسن البنا إن التكوين الجسماني والروحي للمرأة ليس كمثيله عند الرجل حيث تمتاز المرأة برقة العاطفة وجمالها والتأثر بتيار الشعور والوجدان ( البنا ، حسن د. ث ص 7، 8 و يوسف 1998 ص 14) . وفى نفس الفترة تذكر مقال فى مجلة الإخوان المسلمين أن المرأة أقرب إلى الرقة واللطف والدعة، وتغلب عليها قوة الوجدان والعاطفة.
أما الرجل فأقرب إلى القوة والخشونة والحزم وتغلب عليه قوة التفكير والإرادة. ( يوسف 1998 ص 12، 13) كما تشير رسالة لقسم الأخوات المسلمات إلى أن الضعف والوداعة والرقة هى من أسرار الجمال النفسي للمرأة ( البنا ، حسن (د.ت) ص ) .
وفى مؤتمر بشأن المشاركة السياسية للمرأة ساهمت فيه الجمعيات الأهلية عام 1952 نجد هذه الصفات للرجل والمرأة تتخلل كلمات المؤتمرين، فيقول ممثل الإخوان المسلمينأن المرأة أقل جهدا وأضعف احتمالا ، وهى رفيعة الصوت وناعمة الجسم وهشة العظام ودقيقة الحس قوية العاطفة وخصبة الخيال.
وأنها ضجرة عند الشدة وجزعة عند البأساء، باكية عند الحادث، معولة عند المصيبة ( نور الدين 1978 ص 20) .
ويقول ممثل الجمعية الشرعية أن المرأة ضعيفة البنية والقوى والجسم مرهفة الشعور والمزاج والعاطفة والرجال هم الأقوياء الأشداء المفطورون على حماية إناثهم وشريكات حياتهم بما عندهم من الغيرة الإنسانية والحمية الجبلية وحب الأثرة والأنانية وبما وهبهم الله من كمال العقل وسمو الإدراك وتقدير المسئولية( عاشور 1987 ص 50) .
ويقول الشيخ محمد الخضر حسين ( الشيخ الأسبق للأزهر) أن المرأة أقوى فى عواطفها منها فى قدرتها العقلية وهى بذلك تمتاز بعاطفتها فى حين يمتاز الرجل بقوته العقلية ( حسن 1978 ص 130- 131).
ونذكر فى كلمة لجنة الفتوى بالأزهر من خصائص المرأة شدة الانفعال وتغليب العاطفة على مقتضى العقل والحكمة والاعتدال فى الحكم ( العناني 1978 – ص 112).
وفى نماذج من الكتابات فى ا لثمانينيات وما تلاها نجد أن التأكيد ينصب على التباين فى التكوين الجسدي والعقلي لكل من الرجل والنساء دون الدخول فى إسهاب حول تلك السمات والخصائص المختلفة. ويمكن أن نفسر ذلك المنحى باختلاف المناخ الثقافي السائد.
وفى هذا الصدد يمكن أن نذكر الفتوى حول دور المرأة التى أصدرها المفتى عام 1996، والتي تضمنت أن طبيعة المرأة تتضمن العزوبة والرقة الأمر الذى يجب أن ينبني عليه تحديد الأعمال التى يمكن أن تقوم بها. وأيضا أن نذكر ما أثارته تلك الفتوى من جدل كبير وردود أفعال تهاجم آراء المفتى ( مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام 1998 ص 99).
ويشير د. يوسف القرضاوي إلى ا لفرق فى التكوين الجسدي بين الذكر والأنثى بتفريق الفطرة الذى لا ينبغي إهماله ( القرضاوى 1995 ص 8- 14).
أما د. محمد عمارة فيرجع التمييز بين الجنسين إلى الذكورة والأنوثة ويؤكد على أن لكل جنس امتيازات يجب أن يحافظ عليها العقلاء ( عمارة 1989 ) .
أما جمال البنا فيرى أن الفرق هو فى أن جسم المرأة له تكوين خاص يتوافق مع الوظيفة البيولوجية وهى أن تكون أما ( البنا ، جمال 1998 ص 21).
وهناك اتفاق على أن التباين فى التكوين وما يتوافق معه من تباين فى الدور الاجتماعي يرتبط أيضا بتباين فى الحقوق والواجبات المرتبطة بهذه الأدوار وتباين نظم الحياة المتصلة بكل منهما وأيضا فى تفسير أن يكون قرار المرأة فى البيت أكثر من الرجل ( على سبيل المثال: حسن البنا ويوسف القرضاوي) .
ويؤكد بعض آخر أن هذا التمايز يقصد به التكامل وليس التنازع أو التخاصم ( على سبيل المثال: القرضاوى والإخوان المسلمون)كما يشير الشيخ الشعراوى إلى أن وقوف كل نوع من جنس الإنسان عند حدود مهمته تمكن الآخر من أن يؤدى مهمته بدون تعارض بل بتساو وتعاطف.
( ب ) أصل مهمة المرأة داخل – خارج المنزل
يجمع الكتاب الإسلاميون الذين تم مراجعة أدبياتهم على أن المهمة الأساسية للمرأة تقع داخل المنزل وتتوافق مع تكوينها الخاص الذى أسلفنا الحديث عنه.
ويؤكد معظمهم على أن البيت والأولاد لهما الأولوية المطلقة فى جهد المرأة ووقتها، فى حين يعطى بعض منهم أولوية خاصة للواجبات تجاه الزوج.
وغالبا ما تذكر صفات المرأة فى علاقتها بمهماتها الاجتماعية على النحو التالي " زوجة وأم وربة منزل" . ووجدنا من مراجعتنا للأدبيات فى فترة الأربعينيات والخمسينيات أن بعض الكتاب يرى أن المرأة إذا ما أدت هذه المهمات بإخلاص وإتقان لن يتثنى لها المزيد من العزم لتأدية غيرها.
ومثال على ذلك موقف قسم الأخوات المسلمات الذى جاء فى وثيقة أصدرها عام 1952 عن واجبات الأخت المسلمة، وذكر فيها أن " البيت مملكتها الصغيرة. وهى له بالطبيعة (؟؟؟) ولن يتثنى لها أبدا أن تحسن تدبيره والإشراف عليه، ولن تكون جديرة به، إلا إذا أفرغت له قلبها وعقلها وآثرته على كل ما سواه، واستقرت فيه معرضة عن الخروج للأغراض الصبيانية ، والبواعث التافهة الرخيصة- ( البنا ، حسن (د. ت ( ص 32) ويقول حسن البنا إن للمرأة مهمة طبيعية هى المنزل والأطفال وعليها أن تتفرغ لذلك ( غانم 1992/ 354)
ويعبر مؤتمر الجمعيات والهيئات الاسلامية عام 1952 عن هذا الموقف فيقول د. محمد يوسف موسى عن جبهة علماء الأزهر " أما المرأة فعليها شئون المنزل والأسرة والأولاد وفى ذلك ما يشغلها كل ا لشغل، وهيهات أن تفرغ لعمل آخر خارج المنزل إن توفرت حقا على عملها الخاص داخله ( موسى 1978 ص 47).
وفى كلمة جمعية التربية الاسلامية والعشيرة المحمدية جاء " هيهات أن تفرغ المرأة من مهمتها الأساسية (البيت وتنشئة الجيل الصالح) لتتوجه إلى أعمال أخرى" .
وفى تصوير للمجتمع الاسلامى من وجهة نظرهم ذكروا أن السلف الصالح" أعدوا المرأة للبيت تدير شئونه وتربى أطفاله وتتعهد أعماله (؟؟؟؟) وأعدوا الرجال للنضال فى ميادين السياسة والجهاد فى السعي وراء الرزق وأعباء الوظائف وقتال الأعداء" (إبراهيم 1978 ص 31) .
ويؤكد أحمد عيسى عاشور عن الجمعية الشرعية " إن الرجل عمله خارجي وهو البحث عن وسائل العيش والقيام بأعباء العائلة وإصلاح الأسرة بالنفقة والكسوة والسكن والتعليم والتموين.
كما لا جدال فى أن المرأة عملها داخلي وهو راحة الأسرة وسعادة العائلة وتنظيم شئون المنزل والقيام على إصلاحه وتربيته ( عاشور 1978 ص 56) .
وفى معرض وصف محمد حلمي نور الدين عن الإخوان المسلمين للمرأة يقول: " التى احتملت قديما فى العصور الخالية عنت الزمن ، وعسف الأب، وظلم الزوج، وصلف الأخ، ووقر الحمل، وأمل المخاض، ومرارة الرضاع فى رضا واطمئنان ليست بالمخلوق الضعيف".
ورغم هذا فإنه حينما يبرر موقفه الرافض لعمل المرأة خارج المنزل إلا للضرورة القصوى فهو يعتمد فى ذلك على هشاشة عظم المرأة ونعومتها مما لا يجعلها تطيق كفاحا أو جلادا حيث أن العمل شاق ومضن والمرأة ضجرة عند الشدة ، جزعة عند البأساء ، باكية عند الحادث، معولة عند المصيبة ( نور الدين 1978 من 14و 20).
ويتفق فى فترة السبعينيات وما تلاها مع نفس الموقف كل من الإخوان المسلمين ( الإخوان المسلمين 1994) وزينب الغزالي ( الغزالي ، زينب 1996 ص 59، 60) ود. يوسف القرضاوي ( الواعي 1993 ص 210 والقرضاوى 1999) والشيخ محمد متولي الشعراوي ( الشعراوى( د.ت) ص 22 – 28). والشيخ عبد الله الخطيب ( خيال 1993 ص 255) ومحمد عبد الحليم ( حامد ( د. ت ) ص 87 و 101) .
وهذا الموقف لا يعنى أن قيام المرأة بأعمال أخرى- إذا اقتضت الضرورة- غير جائز شرعا من وجهة نظرهم.
ويتفق الأستاذ عبد الحليم أبو شقة مع هذه الآراء، إلا أنه يرى أن للمرأة إلى جوار مهمتها الأساسية فى رعاية الأسرة مهام أخرى، على أساس أن لا تتعارض مع مهماتها الأساسية .
ويختلف مع القائلين بأن التعارض بين المهمات نتيجة لانشغال المرأة بغير مهمتها الأساسية .
يرى أن ما يضمن عدم حدوث هذا التعارض هو نمو الوعي الاجتماعي والتعاون الوثيق بين الزوجين، وما توفره النظم التى تضعها الدولة أو المؤسسات الاجتماعية والأعراف التى يضعها المجتمع ( أبو شقة 1995 ص 19 و 48).
وفى هذا الصدد ينفرد الأستاذ أبو شقة بالإشارة إلى دور الزوج والمجتمع لتوسيع الدور الاجتماعي للمرأة خارج إطار المنزل، ولم يلق بتبعة ذلك على المرأة حيث أنها الراغبة فى أدوار أخرى فضلا عن الأدوار المكلفة بها.
وتوجد بعض الآراء إلى جانب أن مهمة المرأة الأساسية هى كونها زوجة عليها واجبات لا يمكن التقصير فيها تجاه الزوج. ومثال على ذلك الشيخ الشعراوى الذى يرى المهمة ألأولى هى الزوج وتليها المهمة الثانية وهى الأمومة ( الشعراوى ( د.ت) ص 22 و ص 28).
وتذكر دراسة عن الإسلاميين المتشددين فى مصر أن " جماعة المسلمون " ( أو التكفير والهجرة) وجماعة " شباب محمد " ( أو الفتية العسكرية) تتفقان فى موقفهما من دور المرأة الاجتماعي الذى يؤكدون أنه داخل المنزل وتجاه الزوج وفى التنشئة الاجتماعية للأطفال المسلمين .
ومن الملاحظ هنا أن الجميع بما فيهم المتشددين يتفقون فى تحديد أولويات الدور الاجتماعي للمرأة.
( ج ) الموقف من عمل المرأة العام- دورها خارج المنزل
تسهب الأدبيات الاسلامية فى سياق الحديث عن المرأة المسلمة فى وصف أدوارها داخل المنزل وهذا يتوافق مع إجماعها على أن المهمة الأصلية للمرأة تقع فى هذا الميدان.
كما تركز جهدها فى توضيح أهمية هذه ألأدوار حيث أنها الدعامة الأساسية التى ينبني عليها المجتمع الاسلامى.
وتتحدد هذه الأدوار فيما بلى:
- - تأسيس البيت المسلم.
- - الأمومة وتنشئة الجيل الجديد.
- - حسن التبعل للزوج.
وكما نرى فإنها أدوار متشابكة ترتبط فى النهاية بتأسيس الأسرة المسلمة الصالحة والحفاظ عليها.
أما مساحة الخلاف حول دور المرأة الاجتماعي فقد تمثلت فى جواز أن تتخذ لها مهمة أخرى خارج المنزل إلى جوار مهمتها الأصلية داخله أو عدمه وشروط هذا الجواز.
وبالطبع فإن المعارضين لانشغال المرأة بأي مهام أخرى سوى مهامها داخل المنزل يرون أن الإسلام يؤكد على قرار المرأة فى المنزل ويرون فى خروجها منه السبيل إلى المفاسد واختلال المجتمع.
وفى فترة الأربعينيات والخمسينيات يعبر أحمد عيسى عاشور عن الجمعية الشرعية أن المرأة إذا خرجت عن فطرتها وخالطت الرجال سوف يختل مهام الأسرة وتنحل رابطتها وتنعدم المودة والرحمة فيها ( عاشور 1978 ص 56) .
ويرى حسن البنا أن المرأة بخروجها تفقد الحياء والخجل وهما رأس مالها.
وتتعرض عفتها وكرامتها للانهيار ، حيث أن كرامة المرأة فى صيانتها وعزتها فى خدرها( يوسف 1998 ص 80) .
ويؤكد على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة، بأن الإسلام منع المرأة أن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها، وحبب إليها الصلاة فى بيتها وأنكر عليها أن تحمل قوسا تشبها بالرجال ( البنا (د.ت) ص 34).
ونرى أن موضوع الاختلاط بين الرجال والإناث يشكل العامل الاساسى من وجهة نظر المعارضين للعمل العام للمرأة .
ويعارض حسن البنا فى كل المناسبات اختلاط الرجال والنساء الذى يؤدى إلى أشد النكبات وأفظع المآسي إلى حد أنه يوصى بحرمان البنات من التعليم- إلا إلى سن معقولة- إذا كان التعليم لابد وأن يقترن بالاختلاط.
ويرى وجوب الفصل بين المتعلمات والمتعلمين فصلا لا يمكن كلا الصنفين من الاتصال بالآخر، حتى ولا فى حدائق المعاهد وأفنيتها " ويستنكر إذا ما كان هذا يجب فى دور العمل فما بالك بالنسبة للأماكن الأخرى( يوسف 1998 ص 58 و ص 73).
ويوضح موقف الإسلام من الاختلاط فيقول إن المجتمع الاسلامى مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك . ويفسر ذلك بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ( البنا ( د.ت) ص 14).
وربما يعود التمادي فى التشدد فى الموقف من الاختلاط إلى حرص حسن البنا على التصدي غلى دعة تحرير المرأة ومظاهر التحديث التى بدأت فى الانتشار فى هذه الفترة والتي كان يناصبها كل العداء ويرى فيها كل الشرور التى لن تنصب على النساء وحدهن ولكن ستؤدى إلى هلاك المجتمع.
كما نلاحظ أن مستوى التشدد قد يتباين وفقا للمناسبة التى يتحدث فيها الشيخ. حيث نجده فى بيان له فى مؤتمر صحفي بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس أول شعبة للإخوان المسلمين ، يصرح بأن الإسلام لا يبيح الاختلاط غير المشروط.
وهذا يعنى أنه أباح الاختلاط المقيد بشروط. ويوضح هذه الشروط فى عدم الخلة وإظهار الزينة والخضوع بالقول.
كما يشير إلى أنه إذا ما أدت ممارسة النساء لحقوقهن إلى فساد فإن الواجب هو إرجاء استخدامها إلى أنم تأتى الفرصة التى لا يؤدى الاستخدام فيها إلى النتيجة الضارة ( يوسف 1998 ص 62). ومن الواضح أن المناسبة الاحتفالية كان ينبغي فيها التخفيف من الموقف المتشدد لما لذلك من أثر طيب فى الدعاية إلى جمعيته.
أما عن موقف جماعة الإخوان المسلمينفى التسعينيات ، فهم يرون إباحة العمل العام للمرأة على ألا يكون فى ذلك دعوة للتبرج أو تسامح فى ا لاختلاط الذى لابد أن يكون مشروطا بالتزام بزيها الشرعي إذا ما خرجت لغرض عام.
ويرون أيضا أنه إذا تسببت ممارسة المرأة لأي من حقوقها فى المفاسد بسبب من الظروف الحالية فينبغي إرجاء استخدام هذا الحق إلى الظرف الملائم ( الإخوان المسلمون 1994).
وترى الجماعة الاسلامية المتشددة مثل " جماعة المسلمون" أو التكفير والهجرة وجماعة " شباب محمد" أو الفنية العسكرية جواز العمل العام للمرأة .
ويترجم هذا بشكل عملي فى وجود عضوات من النساء فى جماعة التكفير والهجرة.
إلا أن تلك الجماعات تضع شروطا لتلك الممارسة وعى الاحتشام ومنع النساء عن الفتنة والإغواء. وهى تتفق مع رأى حسن البنا الأول فى وجوب الفصل بين الجنسين فى الأماكن العامة ( إبراهيم 1987 ص 489) .
كما أكد التيار الاسلامى داخل الجامعة والمعبر عن الجماعة الاسلامية موقفه الحاسم إلى جانب منع الاختلاط، حيث كان محور اهتمامهم فى نشاطهم داخل الجامعة فى السبعينيات هو قضية الاختلاط بين الجنسين داخل الجامعة ( مصطفى 1992 ص 158- 162).
ويرد الأستاذ عبد الحليم أبو شقة على حسن البنا بقوله أن أستاذا جليلا يرى فى الاختلاط خطرا محققا يستوجب أن يباعد بين الرجل والمرأة إلا بالزواج، حيث يرى فى الاختلاط خطرا محققا يستوجب أن يباعد بين الرجل والمرأة إلا بالزواج،حيث يرى فى المجتمع الاسلامى مجتمعا انفراديا، فى حين أنه كان يطمع فى أن يوضح هذا الأستاذ أن الإسلام يشرع مشاركة المرأة فى الحياة الاجتماعية ولقاء الرجال فى حدود ضوابط تكفل استقامة المشاركة وتجعلها خيرا للمرأة وللمجتمع .
ويوضح الأستاذ أبو شقة أن المجتمع الاسلامى قائم على ا لتعاون والمشاركة. وهو يرى أن المرأة فى صدر الإسلام كان لها نشاطها الاجتماعي حيث شاركت فى عدة ميادين منها ميدان التثقيف والتعليم والبر والخدمات الاجتماعية والترويح الطاهر.
وهو فى ذلك لا يقر بجواز عمل المرأة العام فقط ولكنه يحبذه. وذلك فى إطار الضوابط التى يرى أنها تتمثل فى الآداب الرفيعة التى تصون ولا تعطل ( أبو شقة 1995 ج1 ص 35 و ص 46 و ج2 ص 15).
ومن ما سلق نلاحظ أن أهم مبررات عدم جواز مزاولة المرأة أي من الأعمال العامة يعود أولا : إلى الخوف على المجتمع من الانحلال الذى يؤدى إليه خروج المرأة من المنزل والذي يعود إلى الإهمال فى مهام المرأة داخل المنزل والتي يرونها على قدر أعلى من ألأهمية ، وارتباك نظام الأسرة التى على المرأة أن تتفرغ لرعايتها، وبناء على هذا يجزم البعض على وجوب قرار المرأة فى المنزل وعدم خروجها إلا إلى حاجة ماسة .
بينما نجد هناك من أجاز عمل المرأة خارج المنزل على ألا يتعارض مع مهمتها الأساسية داخل المنزل، ومن أوصى بأن يتعاون المجتمع والزوج مع المرأة لتمكينها من أداء مهامها خارج وداخل المنزل.
والسبب الثاني فى منع المرأة عن العمل العام فكان ما يؤدى إليه ذلك من اختلاط بين ا لرجال والنساء الأمر الذى يؤدى إلى خضوع الرجال إلى إغواء فتنة المرأة . وفى هذا الصدد منع بعضهم خروج المرأة لهذا السبب، وأجاز بعض آخر أن تخرج المرأة للعمل العام أو غيره دون أن تتعرض للاختلاط مع الرجال فى بيئة منفصلة للنساء.
وأخيرا فهناك من يرى جواز قيام المرأة بأعمال عامة خارج المنزل، فى بيئة مختلطة من الرجال والنساء على أساس أن تراعى الضوابط الشرعية التى يضعها الدين من عدم التبرج والالتزام بالزى والمظهر الشرعي .
وبالطبع فهناك من الأعمال العامة ما يتعلق بالعمل المهني وما يتعلق بالعمل الخدمي وما يتعلق بالعمل الاجتماعي وما يتعلق بالعمل السياسي.
وفى استخلاص سريع يمكن أن نقول إن الاتجاه العام لموقف الأدبيات الاسلامية من العمل العام للمرأة هو أن مهمة المرأة الأصيلة هى داخل المنزل فى بناء البيت الاسلامى وتنشئة الأجيال المقبلة على روح الإيمان والفداء وتربيتهم التربية الاسلامية الصحيحة وتوفير الأجواء الصالحة التى تؤمن للزوج انطلاقة قوية للجهاد فى سبيل الأسرة أو فى سبيل المجتمع الاسلامى.
وهذا لا ينفى أنه يجوز للمرأة أن تقوم بأدوار أخرى إلى جوار دورها الأصيل وذلك على أساس توافر عدد من الشروط:
- - يجب قبل كل شيء أن يراعى فى خروج المرأة الشروط والضوابط الإسلامية والسلوك والآداب والاحتكاك مع الآخرين والاختلاط مع الرجال وغالبا ما يطلب النساء دون الرجال توفير هذا الشرط، رغم أنه إذا كان هناك اختلاط فهو بالضرورة بين طرفين.
- - ألا يتعارض ذلك مع دورها الأصلي، أي يجب أن تتأكد أولا من أن مسئولياتها الأخرى لن تؤدى إلى تقصير فى عملها بالمنزل.
- - أن يكون هناك ضرورة لخروجها من المنزل، وهذه الضرورة إما أن تكون شخصية كأن تكون فى حاجة إلى المال للإنفاق على نفسها أو أسرتها فى حالة العمل المهني، وفى بعض الأحيان قد تكون الضرورة الشخصية نفسية.
- أو أن تكون الضرورة اجتماعية أي أن يكون المجتمع فى حاجة إلى عمل المرأة خارج المنزل كأن يكون هناك نقص فى الرجال الذين يؤدون عملا ما، أو أن تقوم بالأعمال التى من المستحسن أن تؤديها امرأة مثل تقديم الخدمات للنساء فى التدريس والتمريض والطب.
- وفى حالة ثالثة أن يحتاج المجتمع الاسلامى إلى جهود النساء فى معركته ضد خصومه، كأن تصوت النساء غلى جانب المرشحين الإسلاميين فى الانتخابات المختلفة، أو ترشح نفسها إذا ما كان العلمانيون يستخدمون النساء فى هذه المجالات.
- - وهناك بعض يرى أن العمل خارج المنزل قد يكون فرض عين فى حالات معينة مثل الجهاد إذا تعرض أعداء الإسلام لأراضى المسلمين، وخاصة إذا كان هذا التعرض فجائي ، ويرون أن المجتمع الاسلامى يشهد هذه الحالة الآن مما يوجب على المرأة القيام بأدوار فى الدعوة كنوع من أنواع الجهاد.
- - تخرج المرأة للعمل خارج المنزل أيضا إذا كانت لها بعض الإمكانيات الاستثنائية مثل المواهب والقدرات الخاصة التى لا ينبغي أن تهدر بمنعها.
إلى جانب هذا توجد قضايا خلافية، مثل إلى أي المناصب والوظائف بالدولة يمكن أن تصل المرأة ، وإن كان هناك شبه إجماع على جواز توليها الامامه العظمى ( أي رئاسة الجمهورية) وبدرجة أقل ، على توليها منصب القاضي.
وهناك عديد من ألسباب وراء تأكيد الإسلاميين على ما يتيحه النظام الاسلامى وفق ما يعتقدون من مساحة لحركة النساء، وأهم هذه الأسباب هى وجود الغرب المعادى للأمة الاسلامية .
ويرى كثير من الإسلاميين أن الغرب فى محاولاته لهدم الأمة الاسلامية يقوم بدعاية مضادة للدين الاسلامى ترتكز على الوضع الدوني للمرأة فى المجتمع الاسلامى، على هذا فإن من واجب الإسلاميين بناء على فهمهم الصحيح للدين من مصادرة الأصيلة ( القرآن والسنة) رد الدعاوى المغرضة.
وفى سياق الصراع مع الغرب يجب ألا يبدو الالتزام بتعاليم الدين منفرا لجمهور المسلمين مما يدعو إلى تفريق الأمة، بل على العكس يجب أن يعرض الدين فى صورة جذابة.
ويمكن أن ينسحب القول عن الغرب فى هذا الصدد، على العلمانيين داخل الأمة الاسلامية أيضا، وهم فى الغالب تتم رؤيتهم على أنهم حلفاء الغرب.
وهناك أيضا من يرى أن الصراع مع الغرب لا يشمل كل الغرب بدرجة واحدة من الحدة، ولكن لابد أن تكون هناك لغة للتخاطب تزيد من الأنصار وتقلل من الخصوم.
وهذا يعنى التأكيد على ما يجمع والتجاوز عن ما ينفر فى حدود الإسلام الصحيح من وجهة نظرهم.
وفى ذلك ما يعزز الإمكانيات المتاحة أمام الأمة الاسلامية ويدعم النشر الواسع للدين الاسلامى.
ونلاحظ فى هذا الصدد وجود مهام أصيلة داخل المنزل- وهى الثابت- ومهام يجوز القيام بها خارج المنزل وفقا لشروط وما تقتضيه الظروف- وهى المتغير.
وهذا المتغير يتسع ويضيق أو يتلاشى وفقا للظرف الذى يمر به المجتمع والذي يرجع تقديره إلى المتولين أمور الدعوة.
ونرجح أن تقدير هذا الظرف يرتبط- ضمن أشياء أخرى- بمستوى تطور ونضج نفوذ الدعوة فى المجتمع وأيضا وضع خصومها.
ويتحدد وفق ميزان القوى إذا ما كان من مصلحة الدعوة اللجوء إلى التحدي وإبراز ما يميزها عن الخصم، أو عدم التأكيد على ذلك فى حالة أخرى لسحب البساط من تحت أقدامه بالتدريج .
ثانيا : نبذة تاريخية عن النساء فى العمل الأهلي الاسلامى:
من المعروف أن النشاط الأهلي فى مصر يضرب بجذوره عميقا فى القرن التاسع عشر. ومن المعروف أيضا أن نشأة هذا النشاط ارتبط بالمشاعر الدينية الاسلامية والمسيحية المتعلقة بحب الخير وأهمية التكافل الاجتماعي والعطف على الفقراء.
وظهر بوضوح فى ظل هذا الإطار النشاط الأهلي الاسلامى وتمثل فى عدد من الجمعيات التى أنشئت قبل الحرب العالمية الأولى مثل جمعية " مكارم الأخلاق الاسلامية" ثم نما عدد هذه الجمعيات نموا كبيرا فى العشرينات حتى بلغ عشرين جمعية كانت تتخذ مقرها الرئيسي فى القاهرة إلى جانب فروعها فى عواصم المحافظات ( مصطفى 1996 ص 347 ) .
ويذكر مرجع آخر أن إجمالي عدد الجمعيات فى العشرينيات كان 195 جمعية وأن وزن الجمعيات الدينية فيما بينها كان كبيرا. ( قنديل 1994 ص 58).
أما الوجود الواضح للنساء فى العمل الأهلي فيرجع إلى بداية القرن العشرين حيث ساهمت مجموعة نسائية جمعية للخدمات وهى " ميرة محمد على الخيرية " فى عام 1909 ( الباز 1995) وتذكر مي زيادة أن فكرة إنشاء جمعية لتحرير المرأة نشأت فى أذهان مجموعة من الشباب المتعلمين قبيل الحرب الأولى بوحي من كتاب قاسم أمين " تحرير المرأة" حيث اقترحوا تأسيس جمعية يدخل فيها الرجال وإذا ما بلغ عددهم الألف أطلقوا الحرية لنسائهم وأباحوا لهن السفور.
كما كان من أهداف الجمعية التعارف على القاعدة الحديثة فى تربية البنات والسعي لدى ا لحكومة لإصدار قوانين تضمن حقوق المرأة فيما لا يخرج عن حدود الشريعة الاسلامية ( زياد 1999 ص 159).
ولكن النساء تنتظرن تلك الخطوة بل أسس أول تنظيم غير حكومي نسائي وهو " الرابطة الفكرية للنساء المصريات" بقيادة ملك حفني ناصف وهدى شعراوي فى 1914.
وتوالى بعد ذلك تكوين الجمعيات النسائية مثل المرأة الجديدة فى 1919 ونادي سيدات القاهرة فى 1934 وجمعية تحسين الصحة فى 1936 ولجنة سيدات الهلال الأحمر فى 1939 ومبرة التحرير فى 1942 إلى جانب مشاركة النساء فى جمعيات أهلية عديدة إلى جواز الرجل ( الباز 1995).
وتتحدث مي زيادة عن أن الجمعيات النسائية الدينية غير الاسلامية قد سبقت الجمعيات النسائية الاسلامية قبل سنة 1920.
ولكن وجدت فى هذه الفترة – وحتى قبلها- سيدات موسرات قدمن كثيرا من الدعم المالي للعمل الأهلي الاسلامى وكفلن بناء مرافق ومؤسسات خيرية من مالهن الخاص. ونعطى مثلا بالخازندارة – اغفل اسمها- التى بنت مسجدا فخما باسم الخازندارة وألحقت به مبنى كلية أصول الدين غلى جانب ملجأ للأيتام ومستشفى.
ومنذ ما يزيد عن نصف قرن، كان كبار علماء الأزهر وقادة الفكر الاسلامى يدرسون للطلاب فى قاعات المبنى للطلاب فى مرحلة الشهادة العالية، أما الدراسات الأعلى فكانت يدرس لها فى حلقات داخل ا لمسجد نفسه.
وكان الشيخ محمد الغزالي من بين هؤلاء الطلاب ( ولا زال المسجد والمستشفى قائمين حاليا فى شارع شبرا بعد أن أصبحنا تابعين للدولة) ( الغزالي ، محمد 199 ص 85- 88).
اتسمت العشرينيات بتطور وصحوة الاتجاه الاسلامى. ومثلما انعكس ذلك فى تزايد الجمعيات الاسلامية كما أسلفنا ، فقد أسفر عن بروز بعض القيادات النسائية الاسلامية التى كان لها نشاطها فى تلك الجمعيات.
وتشير إحدى الدراسات إلى أن الخطاب النسوى شهد تنافسا فى تلك الفترة، ولم يعد حكرا على الاتجاه الليبرالي بل أصبح هناك الإسلاميون فى جانب واليساريون فى جانب آخر ( قنديل 1998 ص 28- 29).
ونود أن نشير إلى أن الخطاب النسوى التحريري الذى لفت الانتباه بشدة مع كتابي قاسم أمين لم ينشأ بعيدا عن المنظور الاسلامى ومفردات الخطاب الاسلامى التى تظهر بوضوح سواء عند قاسم أمين أو بعض رائدات العمل النسائي مثل ملك حفني ناصف. ونجد قاسم أمين موجها عناية كبيرة فى أعماله لإيضاح أن ما يدعو إليه هو من صميم الدين.
وهذا الأمر لم يفت على الشيخ محمد الغزالي الذى ذكر لقاسم أمين الدور الذى قام به فى الدفاع عن الاسم ضد الغزو الثقافي الفرنسي الذى حمى واشتد فى عصره وأنه كتب ما كتب عن حقوق المرأة فى هذا السياق( الغزالي ، محمد 1996 ص 17- 19).
وعلى هذا يمكن أن نقول إن ما حدث فى العشرينيات هو عملية فرز للخطاب النسوى إلى خطابات متعددة متنافسة ومتصارعة فيما بعد.
ولا يفوتنا أن نشير إلى الدور المباشر الذى لعبته القوى السياسية المتصارعة فى ذلك الوقت بهذا الصدد.
فقد وجد كل من الإخوان المسلمين واليساريون فى قضايا المرأة والنشاط النسائي مجالا لنشر دعايتهم ومد نفوذهم واكتساب أراضى فى مواجهة خصومهم.
وفى هذا السياق ضاعف فزع الإخوان المسلمين من المظاهر الاجتماعية للتحديث من اهتمامهم بموضوع المرأة .
وفى ذلك الوقت كانت تلك المظاهر قد قطعت شوطا بعيدا وتأثر بها جانب كبير من المواطنين فى علاقاتهم الاجتماعية ومسلكهم وأسلوب حياتهم مما بدأ يغير من نموذج المرأة والأسرة فى المجتمع وخاصة فى الطبقات العليا والوسطى.
وهكذا رأى الإخوان المسلمون أن عليهم أن يقدموا نموذجا للمرأة المسلمة وهم بذلك أولا ، يتحدون النموذج المتغرب الأخذ فى الانتشار، وثانيا يعملون على نشر الدعوة بتثبيت دعائم المجتمع المسلم، حيث أن المرأة المسلمة الصالحة تربى الأفراد المسلمين الصالحين المجاهدين لإعلاء الإسلام، وتؤسس البيت المسلم الصالح وهو لبنة بناء المجتمع المسلم إسلاما صحيحا.
وبالطبع يمكننا بسهولة ملاحظة ما يلف هذه الأهداف من دوافع سياسية واضحة.
1- الأخوات المسلمات
( نموذج لجناح نسائي من جمعية أهلية إسلامية)
أنشأ الإخوان منذ بداية نشاطهم فى الإسماعيلية مدرسة للبنات وهى مدرسة أمهات المؤمنين التى وضع لها حسن البنا منهجا إسلاميا يجمع بين أدب الإسلام وتوجيه الفتيات والأمهات والزوجات وبين العلوم النظرية والعلمية ( خيال 1993 ص 231) وتأسست من خلال تلك المدرسة أول فرقة للأخوات المسلمات،
وقد تشكلت من نساء الإخوان المسلمين وبناتهم وقريباتهم. وضعت أول لائحة للأخوات المسلمات فى أبريل 1933 ونشرت فى مجلة الإخوان المسلمين.
ونصت هذه اللائحة على أن المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمينهو رئيس الفرقة وهو يتصل بعضواتها عن طريق وكيلة عنه.
ثم أسندت رئاسة الفرقة إلى السيدة لبيبة أحمد. وكانت السيدة لبيبة أحمد صحيفة أصدرت ورأست تحرير مجلة النهضة الاسلامية قبل تأسيس الجماعة.
وتحدد اللائحة الغرض من تكوين الفرقة فى التمسك بالآداب الاسلامية قبل تأسيس الجماعة.
وتحدد اللائحة الغرض من تكوين الفرقة فى التمسك بالآداب الاسلامية وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات .
كما توضح الوسائل وهى الدروس والمحاضرات فى مجتمعات السيدات والكتابة والنشر. وأخيرا تبين نظام الفرقة ويتكون من سبعة بنود تنظيمية .
وفترت همة الفرقة على أثر سفر السيدة لبيبة لمرافقة زوجها، حتى أعيد تأسيسها فى 1944 من جديد فى شكل قسم الأخوات ا لمسلمات الذى شكل أول لجنة تنفيذية واتخذ مقره فى المنزل رقم 17 بشارع سندر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة ( خيال 1993، ص 234).
وفى 1948 تشكلت أول هيئة تأسيسية للقسم، وضمت خمسين أخت من القاهرة والأقاليم. وأشرف على الإدارة لجنة الإرشاد العامة للأخوات المسلمات وتتألف من اثني عشر أخت من أخوات الهيئة التأسيسية وينتخبن بالاقتراع السري وتنتخب من بينهن رئيسة ووكيلة وسكرتيرة وأمينة صندوق.
واتصلت هذه الهيئة بالمركز العام عن طريق السكرتير الذى انتدبه المرشد، واتصلت بالأخوات عن طريق الشعب ( يوسف 1998 ص 92- 94).
ويذكر أن عدد الشعب كان خمسين شعبة أو فرعا قبل الحل الأول فى 1948 خمسة آلاف أختا.
وفى ذلك الحين قدرت عضوية جماعة الإخوان المسلمينبما يزيد على النصف مليون، مما يعنى أن عضوية الأخوات المسلمات لم تكن كبيرة نسبة إلى عضوية الجماعة كلها.
وذكر أن عدد الأخوات المسلمات لم تكن كبيرة نسبة غلى عضوية الجماعة كلها.
وذكر أن عدد الأخوات المسلمات فى الجامعة كان ضئيلا على عكس الإخوان ( يوسف 199 ص 17) ووفق ما ذكره الأستاذ إبراهيم بيومي غانم، فإن الجناح النسائي من الجماعة كان يعانى من الضعف المتمثل فى محدودية التنظيم ومحدودية فى ذلك الوقت.
وقد أرجع السبب فى ذلك إلى آراء حسن البنا المتشددة حول المشاركة السياسية للمرأة والتي ارتبطت بظروف المجتمع فى هذه الفترة ( غانم 1992 ص 357- 259).
ويمكن أن نستنتج من قلة عدد الأخوات بالجامعة أن مستوى التعليم السائد بين الأخوات هو المستوى دون الجامعي.
وهذا على رغم ما ذكر من أن المرشد العام كان حريصا على إسناد التنظيم النسائي إلى مجموعة من الفتيات المثقفات ثقافة دينية ومدنية معا.
وانعكس هذا القول بالفعل فى تشكيل الهيئة التأسيسية للأخوات ولجنة الإرشاد العامة ( غانم 1992 ص 347) ويتضح أيضا التوجه إلى المثقفات وطالبات الجامعة من الوصايا التى أصدرها قسم الأخوات والتي تتضمن " يتحتم الآن على طالبات الجامعة والمثقفات أن يفهمن رسالة الإسلام من منبعها الأصيل: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن طريق القائمين لنشرها والعمل لها ومن ضحوا فى سبيلها ولا يزالون " ( خيال 1993).
ويمكن أن يفسر ذلك أن النسبة الكبيرة من عضوات القسم قد التحقن به نتيجة لعلاقتهن الشخصية بأحد من الإخوان فى الجماعة كأخت أو زوجة أو ابنة وبالتالي فليس للتوجه أو رغبة المؤسسين إسهاما كبيرا فى تحديد خصائص العضوية. وتتضح هذه العلاقات الشخصية من أسماء قيادات القسم مثل ، علية الهضيبى ووفاء مصطفى مشهور وأمينة قطبوحميدة قطب وزينب الشعشاعي ( زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي واعظ قسم الأخوات) وأمينة على الشهيرة بأمينة الجوهري ( زوجة محمود الجوهري سكرتير قسم الأخوات) وفاطمة عبد الهادي( زوجة يوسف هواش).
البرنامج وإعداد الأخت المسلمة
صدرت أول رسالة ثقافية عن قسم الأخوات فى 1947 وفيها برنامج صريح للقسم تحت عنوان رسالة " مع المرأة " ومن خلال البرنامج يتضح أن القسم كان له أهداف عامة تتعلق ببناء المجتمع الصالح القائم على الغيرة على الإسلام، وأيضا أهداف تخص المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الحقوق الإنسانية ، وحث المرأة فى الخروج مكشوفة الوجه واليدين ومساهمتها فى النشاط الاجتماعي وتسليم زمام قيادة النهضة النسائية القائمة على نظام مستمد من القرآن وروح الإسلام بما لا يتعارض مع الوظيفة الخاصة للمرأة فى المجتمع ( يوسف 1998) ص 92- 94 وقنديل 1998 ص 34- 35).
ويتضح من ما سبق أن الأهداف مصاغة بحيث تأخذ فى الاعتبار أنصار تحرير المرأة من جهة والجمعيات المتشددة التى لامت على جماعة الإخوان المسلمين إنشاء قسم للأخوات المسلمات من جهة أخرى( مثل جماعة شباب محمد ) .
فيؤكد البرنامج على الموقف ضد السفور بتحديد الزى الشرعي من وجهة نظر الإخوان المسلمينوهو ستر ما عدا الوجه والكفين، مع التأكيد على الوظيفة الخاصة للمرأة فى المجتمع ، وذلك فى صياغة تدافع عن حقوق المرأة فى العمل الاجتماعي، وهو بذلك يحاول سحب البساط من تحت أقدام الحركات النسوية ويبدى أهلية الأخوات لتسلم زمام قيادة النهضة النسائية.
وفى ذات الوقت فإن هذه الصياغة توضح الموقف من قضايا المرأة فى مواجهة مع المتشددين الذين يطالبون بالستر الكامل للمرأة وحجبها فى المنزل. ووجود مسافة بين روح صياغة هذا البرنامج وما يصرح به حسن البنا من مواقف خاصة بالمرأة لا يعنى وجود مساحة خلاف بين القسم وبين المرشد العام، فكما ذكرنا من قبل فإن له الإشراف على نشاط القسم من خلال السكرتير الذى انتدبه فيه. ولكن المرجح أن هذه الصياغة تعنى أسلوب بعينه فى خوض الصراعات السياسية.
وكان يتم إعداد الأخت المسلمة من خلال العمل الجماعي.
وتذكر رسالة واجبات الأخت المسلمة التى أصدرها عام 1952 أن السمات التى يحتاج إليها المجتمع الاسلامى الفاضل، والتي يعملن على اكتسابها وهى الإخاء والحب والغيرة على الإسلام- قد يجدي فى اكتسابها- الوعظ والإرشاد، ولكن الوسيلة الأعمق أثرا هى تأليف الجماعات الصغيرة، حيث أن الذكر والمدارسة فى جماعة أنشط لحوافز النفس وأعون على الإخاء وإحكام روابط المودة ( البنا ، حسن (د.ت) ص 39) . والتزمت الأخوات بزى موحد.
فكن يرتدين غطاء للرأس ( عرف باسم الطرحة) لونه أسود. وعندما أثار اللون الأسود نفور الأخوات المبتدئات حيث يعد شارة على الحداد، فقد تم تغيير اللون الأبيض ( قنديل 1998 ص 35).
نشاط قسم الأخوات المسلمات
ووفق ما ذكره الشيخ محمود الجوهري، كان قسم الأخوات المسلمات يقوم بنشاطه منفصلا بمكانه وإدارته وشئونه عن شئون وإدارة الإخوان، ولكنه يخضع لنظم الإخوان المسلمينكفرع من فروع النشاط التى تحكمها أنظمة الإخوان.
وبعد ذلك أصبح مقر شعب الأخوات ودروسهن هو دور شعب الإخوان أو بيوتهن أو المساجد التى يشرفون عليها، بعد أن يلاحظ إخلاء الدور من الإخوان تماما كلما كان هناك اجتماع أو درس للأخوات ( خيال 1993 ص 32- 35) ويبدو أن ذلك لم ينسحب على المقر الرئيسي للأخوات فى الحلمية الجديدة.
تضمن نشاط قسم الأخوات المسلمات إقامة الحفلات فى المناسبات الدينية وإقامة المعارض السنوية التى يخصص إيرادها لتنفيذ الأغراض الخيرية.
وقام القسم بتأسيس دار التربية الاسلامية للفتاة بالمنيرة وتأسيس المستوصفات ودور الطفولة ورعاية اليتامى والمدارس ومساعدة الأسر الفقيرة، هذا غلى جانب إصدار النشرات وتوزيعها فى الأوساط النسائية المختلفة ، ويتضح هنا التركيز على الدور الخدمي إلى جانب وجود دور دعائي.
ويذكر أن من النشاط السياسي للقسم توجيه مذكرة لوم إلى المندوب السامي البريطاني احتجاجا على اعتداء جنود الجيش البريطاني المحتل على المصريين الآمنين .
ونشر هذا الاحتجاج فى 5 مارس 1946 فى مجلة الإخوان المسلمين( خيال 1993 ص 237).
ولا شك أن هذا الدور متواضع للغاية نظرا لتفجير تلك الفترة بالأحداث السياسية، وخاصة فى ظل التاريخ الطويل من النضال السياسي للحركات النسوية فى مصر منذ مطلع القرن العشرين. ولكن يمكن أن نذكر هنا ما قيل بشأن رأى حسن البنا فى المشاركة السياسية للمرأة .
ومن هنا يتضح أن الغرض السياسي من قسم الأخوات المسلمات هو أن يستثمر وجودهن سياسيا وليس أن يقمن بدور سياسي بشكل مباشر .
وامتد نشاط فروع الأخوات المسلمات إلى بعض مدن الوجه البحري والصعيد، كما أنه امتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث كان قسم الأخوات المسلمات بنيويورك تحت سكرتارية السيدة سعاد الجيار يجمع التبرعات لإنشاء مقبرة للمسلمين والمسلمات هناك، ومدرسة لتعليم الأطفال المسلمين اللغة العربية والدين.
كما كان قسم الأخوات المسلمات فى القاهرة على اتصال بوفود تأتى للأخوات من البلاد الاسلامية مثل باكستان والأردن وسوريا وغيرها ( خيال 1993 ) وهنا يثور تساؤل فيما يتعلق بهذا الاتساع فى نطاق النشاط، وهو هل هذا الاتساع كان محصلة لتراكم خبرات ونشاط واتصالات الأخوات المسلمات، أم أنه ناتج أساسا عن شبكة اتصالات الجماعة الأم والتي أصبحت فى ذلك الوقت واسعة الانتشار فى أنحاء العالم الاسلامى؟
ولعب قسم الأخوات المسلمات بعد ذلك دورا هاما فى التخديم على حركة الإخوان المسلمينحتى فى فترات حل الجماعة.
وتمثل هذا الدور الهام أثناء عمليات الاعتقال والسجون التى لحقت بالحركة فى عهد عبد الناصر ( مورو (د.ت) ص 72) .
وتشكلت فى ذلك الوقت لجنتان من ألأخوات. وكانت مهمة اللجنة الأولى إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، بينما كانت مهمة اللجنة الثانية هى زيارة أسر الإخوان المسجونين بصفة مستمرة وتقديم كل ما تحتاجه هذه الأسر ماديا وأدبيا. بالإضافة إلى تقديم الشكاوى والتظلمات والاحتجاجات إلى الجهات المسئولة ( خيال 1993 ص 239- 244).
أما عن علاقة قسم الأخوات المسلمات بالجمعيات النسائية فى ذلك الوقت فيذكر أنها كانت منعدمة نظرا لاختلاف النظرتين والهدفين.
وكانت مجلة الإخوان المسلمينتنتشر على فترات متتابعة مقالات وآراء للأخت المسلمة ضد حملات الجمعيات النسائية العاملة بتوجيه استعماري لإخراج المرأة المسلمة من رسائلها. وكان القسم يرى أن قبلة الجمعيات النسائية هى حضارة الغرب وإيثار الأهواء والشهوات وأنهن يعملن مع العدو لدك حصون ألأمة، ويدعين إلى التبعية .
فى حين أن الأخوات يعملن على صد غارات العدو وتدعين للأصالة والتميز. وهكذا فلا مجال لاجتماع الداعيات إلى الجنة والداعيات إلى النار( خيال 1993 ص 238).
السيدات المسلمات
( نموذج لجمعية أهلية إسلامية نسائية)
يذكر أن الفترة من 1922 – 1952 شهدت إنشاء سلسلة من الجمعيات الاسلامية التى اقتصرت عضويتها على المرأة مثل جمعية السيدات المسلمات ( الباز 1995 ) وتأسست جمعية السيدات المسلمات فى عام 1937 بقيادة السيدة زينب الغزالي الجبيلى .
وكان مقرها فى شارع البيلاوى بالحلمية الجديدة. وتكاد السيدة زينب الغزالي أن تكون أشهر من مارسن الدعوة الاسلامية .
وتتحدث زينب الغزالي عن طفولتها فتقول إنها نشأت على حب الجهاد حيث كانت تقول فى ا لثالثة والنصف من عمرها أنا نسيبة بنت كعب المازنية ، وتفضل سيف خشبي على ما عداه من اللعب أو الحلوى التى قد تشد انتباه الأطفال. وتذكر أيضا أنها قبلت الزواج بشرط أن يتعهد لها زوجها بأن يطلق يدها فى الدعوة إلى الله.
وهكذا أسست وهى فى العشرين من عمرها جمعية " السيدات المسلمات" وأصدرت ورأست تحرير مجلة " السيدات المسلمات".
ويذكر أن حسن البنا قد دعاها لتلقى محاضرة بالمركز العام للإخوان المسلمين سنة 1940.
وعرض عليها بعد المحاضرة أن يتم ضم جمعية السيدات المسلمات إلى فرق الأخوات المسلمات، وأن تكون هى رئيسة للفرق.
ولم تتحقق الفكرة فى ذلك الوقت. ويذكر أن فى عام 1948 وقبيل حل جماعة الإخوان قامت السيدة بمبايعة حسن البنا حيث قالت له " أبايعك على الموت فى سبيل الله وقيام دولة الإسلام الحاكمة" ( غانم 1992 ص 359، 360).
ويبدو أن هذه المبايعة لم تكن تعنى أن تدمج جمعية السيدات المسلمات داخل الإخوان المسلمين حيث ظلت مستقلة على رغم نشاط زينب الغزالي فى صفوف الأخوات المسلمات كإحدى قياداتهم.
ويذكر أن جمعية السيدات المسلمات قد تم حلها مرتين قبل 1952 فى عام 1940 وعام 1950.
وفى المرتين كان النشاط يستأنف بقرار من المحكمة ( قنديل 1998 ص 35).
أغراض الجمعية ونشاطها
يذكر تقرير عن نشاط الجمعية فى 1959 أن الغرض الأول لجماعة السيدات المسلمات هو أن ترشد كل مسلم ومسلمة إلى أن الإسلام مسجد وحكومة مستمدة من داخل المسجد أساسها وحى السماء.
ويدلنا التقرير عن نشاط واضح للجمعية نستعرضه فيما يلي.
شملت مجالات نشاط الجمعية الوعظ والإرشاد ورعاية اليتيمات وتقديم المساعدات العينية والمالية وتشغيل العاطلين والعاطلات ومحاربة البدع والحفلات الخيرية والصلح بين العائلات.
أما عن النشاط فى عام 1959 فتضمن إلقاء 4416 محاضرة بمساجد الأوقاف وشعب الجماعة ومراكز نشاطها. وتمت إعانة 220 أسرة ماديا وعينيا .
وساعدت الجماعة أحد عشر رجلا وتسع فتيات على ا لالتحاق بعمل.
كما بلغ عدد اليتيمات بدار رعاية اليتيمات بدار رعاية اليتيمات ثمانون فتاة.
وقامت الجمعية بالصلح بين العائلات فى أحدى عشر حالة تمت جميعها بنجاح. وتمت زيارات للعائلات بخصوص محاربة بدع الأفراح والمآتم والزار والحفلات بلغت 234 زيارة.
وكان أعضاء بعثة الحج التابعة للجمعية 45 عضوا.
وتشير القوائم المالية للجمعية أن نسبة كبيرة من مصدر الدخل الرئيس لها من التبرعات حيث شكلت الاشتراكات 17,8% من دخل الجمعية فقط، فى حين شكلت التبرعات 60,9% وأن حوالي 43% من التبرعات من طوابع جمع التبرعات ، ونفس النسبة تقريبا من تبرعات هيئات حكومية إلى جانب تبرع شخصي من المشير عبد الحكيم عامر.
ويبلغ إجمالي المقبوضات فى هذا العام 3480 جنيها مصريا وهو مبلغ قليل فى ذلك الوقت، مما يساعد على تصور محسوس من النشاط للجمعية.
ويلاحظ أن الجمعية لا تتخذ لنفسها أغراض خاصة بالنساء أو قضاياهن وإنما هدفها عام يرتبط بتحقيق المجتمع الاسلامى دينا ودولة- ويمكن أن نتذكر هنا البيعة التى أعطتها زينب الغزالي إلى حسن البنا.
ويلاحظ أن نشاط الجمعية كان فى ذات المجالات التى تعمل فيها معظم الجمعيات الخيرية.
ولا يرتبط هنا بالنساء غير اسم الجمعية وعضويتها النسائية وتوجيه نشاط رعاية الأيتام إلى الفتيات دون الفتيان وهو ضرورة تمليها العضوية النسائية للجمعية.
ومن المثير للتساؤل هنا اعتماد الجمعية وهى ترفع هذا الشعار فى نسبة غير بسيطة من دخلها على الدعم من الحكومة وإحدى شركات القطاع العام، وخاصة فى ظل العلاقات غير الودية التى كانت سائدة بين الدولة والتيار الاسلامى فى ذلك الوقت.
وعلى كل حال فقد صدر فى عام 1964 قرار وزاري بحل المركز العام للسيدات المسلمات ودمجها فى جمعية أخرى. وفى مواجهة ذلك القرار عقد مجلس إدارة ا لجمعية ثم الجمعية العمومية اجتماعا استثنائيا. وتم الاتفاق على رفض قرار الحل وعرض الأمر على القضاء.
وذكرت الجمعية فى ردها على قرار الحل:" نحن السيدات المسلمات نرفض قرار الحل وليس لرئيس الجمهورية وهو ينادى صراحة بعلمانية الدولة حق الولاء علينا، ولا لوزارة الشئون الاجتماعية كذلك" ولم يحل ذلك بالطبع دون تنفيذ قرار الحل واعتقال السيدة زينب الغزالي فى عام 1965 ( قنديل 1998 ص 43، 44) .
وتعرضت السيدة زينب الغزالي فى أثناء اعتقالها الذى تم فى السجن الحربي ثم سجن القناطر لأشكال من التعذيب واستغرقت فترة الاعتقال سبع سنوات، حيث خرجت من السجن فى عام 1972 ( 1995، ص 147) .
ولم يقتصر دور زينب الغزالي فى الحركة على قيادة الأخوات المسلمات أو السيدات المسلمات، ولكنها كان لها دور منفصل عن ذلك فيذكر أنها فى عام 1957 ساهمت فى دفع التفكير فى إعادة تنظيم صفوف جماعة الإخوان بعد حلها الثاني فى 1954 .
كما يذكر أنها عندما خرجت من المعتقل كان يلتقي فى منزلها بعض أنصار من الجماعة.
وجاء أن فى اعترافات صالح سرية فى قضية تنظيم الفنية العسكرية ، أنه اتصل ببعض القيادات القديمة للإخوان المسلمين فى مصر ومنهم الهضيبى ومحمد الغزالي وزينب الغزالي وإنه التقى بطلال الأنصاري فى منزلها وفاتحه بشأن تشكيل التنظيم فقبل.
وردت زينب الغزالي فى بيان أرسلته إلى الصحف بعد ذلك بأن أنور السادات ليس هو الرجل الذى تقبل زينب الغزالي أن تعمل ضده.
وقالت أن أنور السادات جاء وبحار من الظلم تجرى فى مصر ، فعمل على أن يوقفها وأوقفها وأنها تستنكر ما ارتكبه صالح سرية من جرائم ضد هذا البلد العزيز المسلم"(رمضان 1995 ص 98 , 206). ويتضح من هذا السرد أن صالح سرية يعتبرها من قيادات حركة الإخوان المسلمين، وأيضا إن لها الوزن السياسي الذى يجعلها تعتقد فى أنها يجب أن ترد فى بيان وأن تنشره فى الصحف.
ثالثا: النساء فى الجمعيات الأهلية الاسلامية
يذكر أحد المراجع أن عدد الجمعيات الاسلامية فى الستينيات 579 جمعية أي ما يمثل 16,6% من إجمالي الجمعيات المسجلة خلال ذلك العقد.
كما يذكر نفس المرجع أن الجمعيات الاسلامية كانت معطى هام خلال هذه الفترة، أي أنها لم تولد مع ما سمى بالصحوة الاسلامية فى السبعينيات حتى إذا ما ساعدت هذه الصحوة على انتشار الجمعيات وإعطائها معان محددة مختلفة.
وبلغت نسبة الجمعيات الاسلامية الآن وفق ذات المرجع حوالي 32,8% من إجمالي الجمعيات أو ما يعادل 1243 جمعية ، مما يعنى وجود حركة تصاعدية مستمرة ( قنديل 1998 ص 98 و 100 و 102).
ويذكر مرجع آخر- بناء على دراسة ميدانية على عينة من 615 جمعية أهلية فى مصر- أن نسبة الجمعيات الأهلية الاسلامية قد وصلت إلى 43,8% فى عام 1995.
وأن هذه الجمعيات تقدم إلى جانب النشاط الديني، خدمات اجتماعية متعددة مثل الخدمات الصحية عن طريق العيادات الملحقة بالمساجد.
والخدمات التعليمية وبرامج التدريب المهني للشباب. وتقدم أيضا قاعات للأفراح والمآتم، وتقوم بدور فعال فى الإغاثة ( الباز 1997 ، ص 87- 88).
وتشير الدراسات إلى أن نموذج الجمعية الأهلية الاسلامية أصبح الآن ممثلا للجمعيات المصرية فهو إما يتشابه مع أغلبية الجمعيات وإما يضفى خصائصه على الجمعيات الأخرى.
وترجع الدوافع وراء إنشاء الجمعيات ألإسلامية – مثلها فى ذلك مثل الجمعيات الأخرى - إلى ارتفاع عدد السكان فى المحافظة وارتفاع نسبة الحاصلين على مؤهلات ومستوى معيشي بما يعنى توفر الميسورين الذين يسعون غلى مساعدة من هم فى حاجة إلى المساعدة، إلى جانب توفر مستوى اقتصادي اجتماعي يسمح بوجود من تتوفر لديهم المعرفة بالقانون وبكيفية الاتصال بالجهات الإدارية والتحكم فى بعض الإمكانيات البشرية والمادية ( قنديل 1998 ص 206 ز 241).
وسنقدم فيما يلي نماذج لبعض الجمعيات الأهلية الاسلامية فى محاولة لتوضيح قدر اهتمام هذه الجمعيات بالنساء فى الجمعيات التى تعمل فيها.
ويعد ذلك مدخلا يمهد لتناول نتائج الدراسة الميدانية التى أجراها مركز البحوث العربية.
(أ) مدخل : نموذج لاهتمام الجمعيات الأهلية الاسلامية بالنساء
الجمعية الشرعية الرئيسية
نستعرض فيما يلي نشاطات إحدى الجمعيات الأهلية الاسلامية الموجه إلى النساء لنعطى صورة واضحة عن تلك الأنشطة. وهذه الجمعية هى الجمعية الشرعية الرئيسية فضلا عن بعض الأفرع.
وذلك مع الأخذ فى الاعتبار أنه هذه الجمعية تتميز أولا بضخامة وتنوع واتساع نطاق النشاط، وثانيا الامتداد التاريخي، وثالثا بعلاقة واضحة مع أحد تيارات الإسلام السياسي وهو الإخوان المسلمين( الباز 1997 ص 88) .
وهذه الميزات تعطى لتناولها أهمية على رغم أنها لا تمثل بالضرورة كل الجمعيات الأهلية الاسلامية.
تأسست الجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية فى عام 1912 ميلادية ، وأعيد شهرها بتاريخ 1967.
وكما هو معروف فقد أسسها الشيخ محمود محمد خطاب السبكى بغرض إحياء الدين الصحيح والعمل بما ثبت من السنة بعيدا عن البدع والخرافات وتوالى على رئاستها كل ن الشيخ أمين محمود خطاب( ابن الشيخ محمود السبكى) ثم الإمام يوسف أمين محمود خطاب ثم الإمام عبد اللطيف المشتهرى إبراهيم ثم الإمام محمود عبد الوهاب فايد ثم الدكتور فؤاد على مخيمر رئيسا حاليا . ( الجمعية الشرعية، كتيب تعريفي).
وتذكر إحدى الدراسات بناء على لقاء مع عضو مجلس إدارة الجمعية أن عدد فروع الجمعية فى بداية التسعينيات كان 350 فرعا مشهرا فى مختلف المحافظات وأن حجم عضويتها بلغ ثمانية مليون عضو منهم ثلاثة آلاف عضو مؤسس و3 مليون عضو عامل والباقي أعضاء بالمساهمة أو المشاركة سواء بالتبرع أو العيني. وترجح الباحثة أن هذه الأرقام مبالغ فيها( مصطفى 1996 ، ص 348).
ونحن إذ نؤيد بشدة هذا الترجيح إلا أننا يمكن أن نستشف من هذه الأرقام الانتشار الواسع للجمعية.
ويذكر تعريف أصدرته الجمعية عن نشاطها فى عام 1998 بعنوان نداء أن عدد الأفرع المسجلة للجمعية بلغ خمسمائة فرع وأنه يتبعها ما يقرب من أربعة مسجد منتشرين فى أنحاء الجمهورية ( الجمعية الشرعية – كتيب تعريفي).
ويذكر أن النمو المتزايد لأفرع الجمعية أعطى لها فرصة كبيرة فى توسيع وجودها على أكبر مساحة جغرافية.
وأن اتجاهها بحكم طابعها الخيري إلى مجالات العمل الاجتماعي ( إلى جانب العمل الديني) قد عمل على ربط شرائح اجتماعية مختلفة بالجمعية وبتوجهها الفكري وساعد على وجود شبكة من علاقات الولاء بين المستفيدين من هذه الخدمات وقيادات الجمعية، كما ساعد على ازدياد المناخ الديني العام الذى تحرص عليه الجمعية ( مصطفى 1996 ، ص 350، 351).
ويذكر الحاج عبده مصطفى من قيادات الجمعية أن من بين أسباب قرار وزيرة الشئون الاجتماعية بحل مجلس الإدارة فى 7/ 6/ 1990 وتعيين مجلس جديد، اتجاه الجمعية غلى المشروعات التى تهدف إلى امتزاج الإسلام بجوانب الحياة المختلفة من النواحي الاقتصادية والعلاجية والاجتماعية والفكرية والثقافية تمهيدا للوصول إلى المجتمع المسلم. وقد أكدت هذه الفكرة أيضا جريدة النور الاسلامية .
ومن أمثلة هذه المشروعات رعاية الطفل اليتيم ومشروع التربية الاسلامية ومشروع رعاية الفتيات المسلمات ومشروع رعاية المعوق المسلم، إلى جانب متابعة النشاط الاساسى للجمعية فى المستوصفات والمستشفيات الاسلامية ودور الحضانة والمدارس والجمعيات الإنتاجية ومشاغل الفتيات والدروس المهنية والخدمية ( المختار الاسلامى 1990 النور 1990)
وكان مشروع الطفل اليتيم فى 17 محافظة وبلغ عدد فروعه ومكاتبه 358 فرع وامتدت رعايته لتشمل 78698 طفل وطفلة على مستوى المحافظات وبلغ عدد الأطباء المشرفين عليه 3737 طبيبا ( مصطفى ، ص 350) .
أما مشروع رعاية ا لفتيات المسلمات فكان يهدف إلى تشجيع المسلمات على الالتزام بالحجاب كمدخل للالتزام بالحياة الاسلامية الكاملة وذلك من خلال تشجيعهن بالحوافز المادية والمعنوية والعلمية والفكرية ( النور 1990 ) ويعنى هذا المشروع أن التأثير فى النساء من خلال المشروعات الخدمية يشكل جانبا من اهتمام الجمعية، وأن هذا يؤدى إلى تزايد نسبة النساء بين الفتيات الاجتماعية المرتبطة بالجمعية ونشاطها. وكما سنرى فيما يعد فإن جانب كبير من النشاط موجه إلى النساء.
ويذكر فى مجلة الاعتصام ( وهى المجلة المعبرة عن الجمعية ) أن المسئولين عن الجمعية يحبذون فى بعض المساجد وخاصة الكبير منها أن يوجد مكان للنساء للصلاة والعبادة يحضرن إليه باللباس الشرعي الساتر ما عدا الوجه والكفين ( الاعتصام 1978 ) . ونستعر فيما يلي النشاط الموجه إلى النساء من الجمعية الشرعية – الفرع الرئيسي.
1- لجنة الداعيات بالجمعية: أنشأت الجمعية لجنة للداعيات تتكون من خريجات معاهد إعداد الدعاة بالجمعية، وعضوات هذه اللجنة مؤهلات لدعوة الأخوات ولقاء اليتيمات وهن يقمن بأداء العمل الدعوى فى نطاق القاهرة الكبرى كخطوة أولى لتعميم نشر هذا العمل على مستوى الجمهورية.
2- مشروع تيسير زواج الفتيات اليتيمات: ويهدف إلى مساعدة الفتيات اليتيمات المقبلات على الزواج فى تيسير وتوفير احتياجات الزواج بتقديم الإسهامات العينية الضرورية.
وقد تقدمت للاستفادة من المشروع حتى الآن 4563 فتاة يتيمة تمت مساعدة 3814 فتاة بمتوسط 500 جنيه لكل فتاة تتحملها الجمعية الرئيسية والفروع مناصفة ، ويبلغ ما تم صرفه 1206063 جنيها خلال 3 أعوام من عمر المشروع ، ويتم الإعداد الآن للإسهام فى زواج عدد 750 فتاة يتيمة أخرى.
3- مشروع محو الأمية وتعليم الكبار : وقد بلغ عدد فصوله 600 فصل .
وتنتظم الدراسات إلى جوار الدارسين فى هذه الفصول حيث تتعلمن إلى جوار القراءة الكتابة مهارات حرفية أخرى كالحياكة والتريكو.
4- مشروع تشغيل أمهات الأيتام: ويهدف المشروع إلى تحويل أم الأيتام من أم تتلقى إعانة شهرية لا تكفيها إلى أم منتجة بما يكفى سد احتياجاتها وأسرتها.
وتم إنشاء تسع وحدات إنتاجية بالسيدة عائشة والمعصرة بالقاهرة، وبهتيم والقناطر بالقليوبية ، والاستقامة والعياط بالجيزة، وكوم حلين بالشرقية ، والباجور بالمنوفية ، والمحلة الكبرى بالغربية .
وتتكون كل وحدة من مركز تفصيل وتشطيب يتبعه 200 ماكينة حياكة تتسلمها الأمهات ويعملن عليها فى بيوتهن ويباع المنتج بسعر التكلفة الفعلية دون اى هامش ربح، ويبلغ متوسط إنتاج الأم 100 جلباب شهريا تتقاضى عنها أجرا قدره مائة جنيه ،
ونشير هنا أن الجمعية تصل إلى هدفين برمية واحدة، أولا بيع منتجات رخيصة تعمل على ربط أعداد أكبر من الفقراء فى محيط الجمعية إلى جانب مساعدة الأم التى ترتبط هى وأبنائها بالجمعية كمصدر للرزق.
ولا يفوتنا هنا ملاحظة المبلغ الضئيل الذى تحصل عليه الأم فى مقابل حجم إنتاج كبير يستغرق بالتأكيد قسما كبيرا من وقتها وجهدها ( الجمعية الشرعية – كتيب تعريفي).
وكل هذه الأنشطة الموجهة بشكل مباشر إلى النساء إلى جانب الأنشطة الأخرى الموجهة بشكل عام الرجال والنساء على السواء.
ومن أمثلة ذلك المستشفيات والمستوصفات ومساعدات المرضى والحضانات وتحفيظ القرآن .. الخ وذلك إلى جانب أنشطة الفروع التى سنوضح جانبا منها فيما يلي:
الجمعية الشرعية – فرع المطرية
يعتبر هذا الفرع من الأفرع الكبيرة للجمعية ، حيث يقوم على نشاطاته الكثيرة أكثر من ألفين من العاملين والعاملات، ويتبعه 66 مسجدا و16 مستشفى ومستوصف و11 مدرسة لتحفيظ القرآن وورش لتعليم الحرف ومشاغل...الخ.
وأما الأنشطة الموجهة إلى النساء بشكل مباشر فتشمل 4 دور للمغتربات ودار للمسنات وستة عشر دار حضانة ومركز لتدريب الفتيات وقسما لربات البيوت ونادي نسائي وأربع وحدات إنتاجية للملابس الجاهزة يتبعها مركز تدريبي ويقوم الإنتاج على تدريب الفتيات والسيدات المهارات اللازمة مع بيع الإنتاج فى ثلاث معارض لبيع المنتجات.
ويوجد بالمستشفيات التابعة للجمعية وحدات لرعاية الطفولة والأمومة ومتابعة الحوامل ورعايتهن وتطعيم الأطفال ووحدات للأطفال المبتسرين.
وهذا إلى جانب استفادة النساء من دور الحضانة ونادي الطفل. وتقوم الجمعية بإلحاق العديد من السيدات والفتيات بالعمل فى فروع خدماتها المختلفة كنوع من المساعدة الاجتماعية- تعمل بالجمعية ثلاثمائة وخمسة وأربعون سيدة وفتاة.
هذا إلى جانب استفادة النساء من باقي أنواع الخدمات الموجهة إلى الرجال والنساء على السواء ( الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة 1998).
الجمعية الشرعية – فرع الهدى المركزي- حدائق حلوان
ومقره بمسجد الهدى الذى كان يتبعه ثمانية مساجد عام 1984 أصبحت عام 1990 عشرون مسجدا.
ويتضمن نشاط الفرع نشاط الدعوة بالمساجد وحضانات ومدرسة ومساعدات اجتماعية ومساعدة الأيتام ومشغل وعيادة ونشاط للحفاظ على البيئة كالكسح.
وبالنسبة للحضانات فإن الأمهات العاملات تستفيد منها بشكل مباشر ، إلى جانب أن معظم العاملات بها من النساء.
وتضع اللجنة المكلفة بنشاط الحضانات المناهج وتعقد الدورات التدريبية للمدرسات كما أنها تختبر المدرسات الجدد.
ويكون رئيس هذه اللجنة عضوا من أعضاء مجلس الإدارة.
ويعد هذا النوع من النشاطات مولدا للدخل بالنسبة للجمعية.
وقد زادت إيرادات الحضانات بفرع الهدى من 12420 عام 1984 إلى 68528 عام 1989.
كما أن عدد الحضانات التابعة للفرع قد ارتفع من حضانتين تعمل بها تسعة عشر مدرسة وتستوعب 290 إلى سبع حضانات عام 1989 يعمل بها 64 مدرسة وتستوعب 1523 طفل .
ويتبع الفرع ثلاث مشاغل للفتيات أحدها ف مسجد الهدى وهو التعليم والإنتاج .
وقسم الإنتاج بالمشغل به ستة ماكينات وينتج 1000 قطعة فى العام توزع معظمها على الحالات الاجتماعية.
أما المشغلين الآخرين فمها للتعليم فقط وأحدهما فى مسجد فجر الإسلام والآخر بمسجد الرحمن.
ويبلغ عدد الفصول فى مشاغل التعليم ستة فصول ينتظم بها أكثر من 123 متدربة.
وتعمل الجمعية إلى جانب ذلك على توفير فرص العمل للأمهات والفتيات فى الحضانات أو المشغل أو المدرسة. ( سعيد 1990) .
الجمعية الشرعية – فرع المنيا
ويقدم هذا الفرع من الخدمات منها حضانة للرضع وحضانة للأطفال ومدرسة ابتدائية ومدرسة إعدادية ومستشفى ونادي للطفل ومشغل ومكتب توجيه أسرى، هذا إلى جانب نشر الوعي الديني عن طريق توفير الدعاة والخطباء والدروس اليومية .
والنشاط الذى يستفيد منه النساء هو حضانة الرضع التى تقبل الأطفال من ثلاثة شهور إلى ثلاثة سنوات، وبها 35 طفل إلى جوار المحضنة التى بها أكثر من 80 طفل.
والحضانة البرى وتبدأ من ثلاث سنوات وحتى خمس سنوات ونصف وفيها حوالي 180 طفلا. ومعظم العاملات بها من النساء ( المشرفات والعاملات والدادات .. الخ).
ويوجد بالجمعية دار للمغتربات تضم أكثر من 180 فتاة من خارج محافظة المنيا. والدار عبارة عن مبنى مكون من طابقين، يضمان حوالي ستين حجرة تقريبا.
أما مشغل الفتيات فيقوم بالإنتاج الموجه إلى أفرع الأنشطة الأخرى مثل إنتاج بلاطي للمستشفى أو ملابس للحضانات والمدارس التابعة للجمعية، وهم بذلك يتلافون مشاكل التسويق ( عبد الله 1998 ، ص 258، 260).
ويتبع الجمعية مكتب للتوجيه والاستشارات الأسرية وهو تابع لوزارة الشئون وهو من أهم الأنشطة المؤثرة على حياة النساء.
ويستهدف المكتب حماية الأسرة من التفكك نتيجة للخلافات التى تحدث بها والأغراض التى يسعى إلى تحقيقها هى دراسة المشكلات التى تتعرض لها ألأسرة ومعرفة الأسباب لمحاولة الوصول إلى حل يرضى الأطراف المتنازعة وتوجيه الأسر إلى مصادر الخدمات الموجودة فى المجتمع ومحاولة الاستفادة منها ومعاونة قضاة الأحوال الشخصية فى المحاكم فى بعض القضايا .
يقوم المكتب بإقامة الندوات فى الأماكن المختلفة فى البندر والقرى لنشر الوعي الأسرى. ويضم المكتب مديرا وأخصائية اجتماعية.
وعندما تأتى المشكلة إلى المكتب يبدأ بحلها باستدعاء الطرف الآخر ثم تأتى محاولة إيجاد حل أو تقريب وجهات النظر.
ويذكر مدير المركز أن الحالات التى ترد إلى المكتب هى حالات قليلة جدا، ولذلك فهم يلجئون إلى المحكمة ويتعرفون على الحالات المتقدمة إليها حديثا ويحصلون على اسم الزوج والزوجة والأطراف.
ثم تبدأ عملية استدعاء الأطراف بإرسال خطابات لهم تتضمن أنهم يحاولون حل الخلاف وديا بدون نفقات التقاضي.
ويتم الحصول على المعلومات من المحكمة بصورة ودية أيضا- غير رسمية ( عبد الله 1998، ص 293- 295).
ويذكر مدير المكتب أنهم يحلون بهذه الطريقة على خمسين أو ستين حالة كل شهر.
ويلاحظ على هذا النوع من النشاط أنه على قدر ما يمس جانبا حيويا من حياة النساء على قدر ما يساعد الجمعية على اكتساب مصداقية ويوفر إمكانية للتغلغل فى الأسر والتأثير فى صياغتها بما يتناسب مع رؤى الجمعية والأفكار التى تسعى إلى نشرها فى المجتمع المحيط.
وعلى الرغم من أن النشاط يتم فى إطار وزارة الشئون او بمساعدة غير رسمية من القضاء- وهذا قد يشير غلى نفوذ نشطاء الجمعية لهذا الجهاز- إلا أن التحكيم فى الغالب لا يلتزم بالقوانين الرسمية فى البلاد وإنما يلتزم إما بالأعراف السائدة فى المحيط أو بالأحكام التى يرى القائمون على النشاط أنها تتبع الشريعة الاسلامية من وجهة نظرهم.
وهذا يعنى أن النساء فى محيط هذه الجمعية تقع النفوذ المباشر للقائمين عليها بعيدا عن مؤسسات الدولة.
ويتضح من نموذج الجمعية الشرعية وفروعها أن هناك اهتمام ملحوظ بتوجيه نشاطها إلى النساء حتى مقارنة بالحجم الاجمالى الكبير لنشاط الجمعية.
ويركز هذا النشاط على تقديم الخدمات إلى جانب الاهتمام بتوجيه الدعوة إليهم كما يتضح من الفرع المركزي بالقاهرة وفرع المنيا.
ويلاحظ أن الاهتمام بتدريب الداعيات لا يستهدف ضم النساء إلى صفوف الدعاة قدر ما يستهدف توفير عدد من النساء للتوجه إلى النساء وذلك وفقا للفكرة الأساسية وهى أن تقوم النساء بتقديم الخدمات إلى النساء حرصا على عدم الاختلاط والعزل بين الجنسين.
ونقترب أكثر بتوضيح حجم ونوع وجود النساء فى الجمعيات الأهلية الاسلامية.
وسوف نتعرف على ذلك من خلال بيانات الدراسة الميدانية التى أجراها مركز البحوث العربية على عينة من تسع وعشرين جمعية أهلية إسلامية تتضمن أثنى عشر جمعية من محافظة القاهرة وثماني جمعيات من محافظة دمياط وتسع جمعيات من محافظة المنيا، إلى جانب أربع جمعيات إسلامية نسائية تتضمن ثلاث جمعيات من القاهرة الكبرى وواحدة من محافظة المنيا.
وحيث أن العينة محدودة، وحيث أن الجمعيات الأهلية الاسلامية ليست ظاهرة متجانسة ، فإننا لن نعتمد على العينة على أنها مطابقة للمجتمع، وبالتالي لن تصلح النسب والبيانات المستخرجة منها للتعميم بأي درجة، ولكن يمكن استخدامها فى استنتاج اتجاهات عامة ( محكومة بظروف الدراسة) ، تفيد فى رسم الملامح الأساسية ( انظر الجدول بالملحق).
(ب) الدراسة الميدانية لعينة من الجمعيات الأهلية الاسلامية
1- عضوية النساء فى الجمعية الأهلية الاسلامية
بلغت نسبة النساء فى عضوية الجمعيات العمومية للجمعيات ( فى عينة الدراسة) حوالي 2,6% تقريبا وهى فى القاهرة ودمياط والمنيا على التوالي 3,3% , 1,3% و0.6% تقريبا ويتضح من هذه النسب أن العضوية شديدة المحدودية.
ونذكر فى هذا السياق أن ثماني عشرة جمعية من التسع وعشرين جمعية ليس فى جمعياتها العمومية أية عضوية نسائية.
كانت خمس منها فى القاهرة وخمس جمعيات من ثماني جمعيات فى دمياط، وثماني جمعيات من تسع جمعيات فى المنيا.
أما عضوية مجالس إدارة الجمعيات فكانت النسبة العامة فى العينة 0,9% ، وهى فى القاهرة ودمياط والمنيا على التوالي صفر و 1,3% و1,6% .
وفى واقع الأمر فإن جميع الجمعيات فى المحافظات الثلاثة لا توجد نساء فى مجالس إداراتها فيما عدا جمعيتين من تسع وعشرون وجدت سيدة واحدة فى مجلس إدارة كل منهما، وإحداهما فى دمياط وكانت عضو مجلس إدارة مديرة سابقة بالشئون الاجتماعية وهى عضوة فى عدد من الجمعيات الأخرى، والثانية فى ا لمنيا.
وفى السؤال الموجه إلى مسئولي الجمعيات عن وجود نساء فى مجالس الإدارة السابقة أجاب الجميع بالنفي ما عدا الجمعيتان سابقتا الذكر.
ويعنى كل هذا ندرة مشاركة النساء فى مجلس الإدارة.
ولتعزيز هذه النتائج نذكر أن فى دراسة ميدانية أخرى شملت 1084 جمعية أهلية كان 22,4% من عضوية الجمعيات العمومية و18,8% بالنسبة لمجالس الإدارة من النساء.
وتراوحت هذه النسبة وفقا لطبيعة النشاط، فكانت تقل فى جمعيات المساعدة الاجتماعية وتنخفض أكثر فى الجمعيات الثقافية والعلمية والدينية التى وصلت عضوية النساء فى مجالس إدارتها إلى 7% فقد ( الباز 1995 ، ص 10).
وفى تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر فى يوليو 1993- وهو يضم إحصاءات خاصة بالجمعيات الحاصلة على إعانات حكومية عن عام 1989- يتضح أن أعلى نسبة لمساهمة النساء فى الجمعيات العمومية تكون فى جمعيات رعاية الأسر وتنظيم النسل ( 43,86% فى الجمعية العمومية و 41,96% فى مجلس الإدارة) ثم تأتى جمعيات الطفولة والأمومة ثم الجمعيات الخيرية التقليدية وجمعيات المساعدات الاجتماعية،
ثم تكون أقل نسب فى الجمعيات الثقافية والعلمية والدينية وهى 14,4% فى الجمعية العمومية و7,98% فى مجلس الإدارة ( بن نفيسة 1994 ، ص 95-96) ورغم انخفاض النسب المستخرجة من دراسة مركز البحوث العربية عن مثيلتها فى الدراسات الأخرى إلا أنها جميعا توضح ضآلة وجود النساء فى الجمعيات العمومية وشبه انعدامه فى مجالس الإدارات.
أما عن حضور آخر اجتماع للجمعية العمومية ( فى عينة دراسة مركز البحوث العربية) فإن نسبة النساء تقل فتصل النسبة العامة إلى حوالي 1,2% .
وهى فى القاهرة ودمياط والمنيا 1,6% و 1,0% و 0,3% على التوالي .
ويعنى هذا غياب جزء كبير من العضوية النسائية الضئيلة أصلا عن هذا الاجتماع، مما يشير إلى اتجاه بعدم انتظام العضوية النسائية فى حضور الاجتماعات بما يفيد بأن عضويتهن شكلية وغير نشطة.
2- عمل النساء المأجور فى الجمعيات الأهلية الاسلامية
تشير الدراسة الميدانية التى أجراها المركز إلى اعتماد الجمعيات الأهلية الاسلامية الملحوظ على العمالة النسائية. وقد كانت نسبة العاملات بأجر فى العينة العامة 18,4% من إجمالي العاملين بأجر.
وكانت النسب فى محافظات القاهرة ودمياط والمنيا هى 15,8% و 52,2% و 44,1% على التوالي .
وهذه النسب مرتفعة خاصة إذا ما قورنت بنسب المشاركة فى الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة حيث تقرب نسبة النساء من نصف العمل المأجور فى المنيا، فى حين تتجاوز النصف فى دمياط.
وتشير بيانات الدراسة الميدانية إلى أن نسبة تطوع النساء فى الجمعيات هى نسبة ضئيلة جدا فهي فى القاهرة 5,2% وفى دمياط 12,9% وفى المنيا 3,0% ولكن يجب أن نشير هنا إلى أن عناصر التطور النسائي منعدم فى جميع الجمعيات البالغ عددها تسع وعشرون ما عدا أربعا منها.
اثنتان فى القاهرة والاثنتان الأخريان إحداهما فى المنيا والأخرى فى دمياط وهما ذات الجمعيتان اللتان توجد امرأة فى مجلس إدارة كل منهما ، والتي شكلت المتطوعات فى إحداها 65,2% من إجمالي النساء المتطوعات فى كل الجمعيات.
ويعنى هذا أن الجمعيات الأربع تشكل حالات استثنائية ، حيث لا يمكن أن تزيد نسبة التطوع عن نسبة العضوية فى الجمعية العمومية، ومن المعروف أن التطوع فى النشاط يستوجب مستوى من الاهتمام والانتماء يفوق على عضوية الجمعية العمومية.
أما عن الإشراف على النشاط أو تولى مهام به، ففي أربع جمعيات فى القاهرة لم تتولى فيها النساء أي مسئوليات ولم تشرف على أي نشاط.
أما السبع جمعيات الباقية فإن المسئوليات التى تولتها النساء فيها هى العمل فى الحضانة والمستشفى كطبيبات وممرضات والعمل فى مشروعات الأسر المنتجة ونشاطات رعاية الطفولة.
وكانت الأنشطة التى تشرف عليها نساء هى دور الحضانة ومشروعات الأسر المنتجة.
أما فى دمياط لم تشرف المرأة على أي نشاط ولم يكن لها أي مسئوليات فى ثلاث جمعيات. ولم تشرف على أي نشاط وإنما تولت مهام فى أربعة جمعيات.
وكانت هذه النشاطات هى تحفيظ القرآن للأطفال ومعلمات فى المدرسة وممرضات وطبيبات وفى إلقاء محاضرات على النساء وموظفات إداريات وفى محو الأمية.
وفى جمعية واحدة أشرفت النساء على النشاط وساهمن فيهن وهى الجمعية التى يوجد فى مجلس إداراتها امرأة .
وفى المنيا لم تشرف النساء على أي نشاط ولم تمارس أي مهام فى جميع الجمعيات ما عدا جمعية واحدة ( التى توجد امرأة فى مجلس إدارتها). وكانت النساء تشرف على دور الحضانة فى هذه الجمعية.
ويرجح أن هذه المهام بما فيها المهام الإشرافية تندرج تحت العمل الوظيفي المأجور الذى أسلفنا الحديث عنه.
3- النساء كمستفيدات من نشاط الجمعيات الأهلية الاسلامية
كانت غالبية المستفيدين من النشاط فى جمعية واحدة من جمعيات القاهرة من النساء .
وكانت نسبة المستفيدات متساوية مع المستفيدين فى خمس جمعيات.
وفى جمعية اختلفت نسبة الاستفادة وفقا لنوع النشاط، وفى جمعيتين كانت نسبة استفادة النساء ضئيلة.
وفى دمياط كانت نسبة النساء المستفيدات متساوية مع الرجال فى أربع جمعيات وكانت نسبة النساء أكبر فى جمعيتين.
واختلفت النسب وفق نوع النشاط فى جمعيتين. وفى ا لمنيا كانت نسبة استفادة النساء من النشاط متقاربة مع نسبة استفادة الرجال فيما عدا جمعية واحدة كانت نسبة استفادة النساء قليلة.
وعموما فإن نسبة استفادة النساء من نشاط الجمعيات التى تقدم الخدمات هى نسبة كبيرة وتتساوى مع نسبة استفادة الرجال وتفوقها فى بعض الحالات.
أما الحالات التى كانت نسبة استفادة النساء فيها قليلة فهي فى الغالب فى الجمعيات التى يميل نشاطها فى معظمه إلى الاعتماد على المجال الديني والوعظي والارشادى.
ومن النشاط الخدمي للجمعيات الاسلامية الذى تستفيد منها النساء بوجه خاص المساعدات المالية والعينية التى تستفيد منها الأرامل ومعيلات الأيتام والفقيرات المقبلات على الزواج وطالبات الجامعة والمدارس.
وتستفيد النساء أيضا من دور الحضانة كأمهات عاملات ومن مشروعات الأسر المنتجة والمشاغل التى يتحدد إنتاجها أساسا فى المشغولات اليدوية والحياكة والتطريز.
هذا إلى جانب استفادتهن من بعض الخدمات ضمن الفئات الأخرى مثل الخدمات الصحية والبيئية ورحلات الحج والعمرة.
4- اتجاهات بعض النشطاء فى الجمعيات الأهلية الاسلامية حول عمل المرأة ومشاركتها فى العمل الأهلي
تضمنت الدراسة الميدانية لقاءات مع بعض نشطاء الجمعيات الأهلية الاسلامية الممثلة فى العينة.
واشتمل دليل المقابلة على بعض الأسئلة المتعلقة بعمل المرأة العام وعضويتها لمجالس إدارة الجمعيات الأهلية.
وكشفت استجابات النشطاء حول هذه الأسئلة عموما عم موقف إجمالي غير مرحب بوجود النساء خارج المنزل.
وبالنسبة إلى عمل المرأة أعرب ثلاثة نشطاء فقط من القاهرة عن موافقتهم غير المشروطة، حيث حبذ اثنان عمل المرأة وذكر آخر أن لا يرى مانعا فيه.
ووافق باقي النشطاء على العمل مع الأخذ فى الاعتبار أن عمل المرأة الاساسى هو داخل المنزل وأن عملها بالخارج يجب أن تحكمه شروط أولها ملائمة ظروفها ( أي عدم الإخلال بعملها الاساسى).
ويلي ذلك أن تكون هناك ضرورة للعمل ( مثل حاجة الأسرة) أو أن يكون فيما تستطيع ويتناسب معها من أعمال ( مثل الأعمال الإدارية أو الحسابات.. الخ) وكانت هناك استجابات بالموافقة ولكنها تشي بموقف معادى لعمل المرأة والدعاية الدائرة حوله مثل القول "يجب أن تكون قادرة على العمل لا أن تعمل مجاراة للمؤتمرات التى تعقد الآن".
وفى دمياط كان هناك نشيطان فقط لا يمانعان فى عمل المرأة عموما.
وعبر باقي النشطاء عن أن دور المرأة هو فى المنزل وخاصة فى تربية أجيال جديدة قادرة على قيادة العمل الاسلامى.
وأعرب أحد النشطاء عن أن العمل للضرورة فقط مع التشديد على الزى الاسلامى حيث يرى أن عدم الالتزام به هو أصل الفساد الحالي فى المجتمع، كما ذكر أن زوجته منقبة.
أما فى المنيا ، فلم تأت ولا استجابة مع عمل المرأة بشكل مطلق. ورأى ثلاثة نشطاء أن للمرأة أن تعمل فى حالة الضرورة فقط، وقد حدد اثنان الضرورة فى الاحتياج للمال، أما الثالث فقال أن هناك ضرورة لعمل المرأة فى التعليم.
وشرط أحد النشطاء عمل المرأة بالالتزام بالآداب. بينما كان موقف ثلاثة نشطاء آخرين ضد عمل المرأة حيث أن دورها فى الأسرة أهم.
وهكذا فإن خمس استجابات فقط من خمس وعشرين كانت محايدة أو محبذة لعمل المرأة .
فى حين كانت هناك سبع حالات ضد عمل المرأة بشكل قاطع. أما باقي الاستجابات فكانت مع العمل بشروط.
وتتلخص هذه الشروط فى الالتزام بالآداب الاسلامية( وهو شرط يتضمن جانبا من عدم الثقة فى النساء العاملات حيث من المفترض أن يطلب الالتزام بالآداب الاسلامية من النساء غير العاملات والرجال أيضا)، أو فيما يناسب طبيعتها من أعمال أو فى تقديم الخدمات للنساء أو إن كانت تستطيع القيام بهذا العمل ( وهذا الشرط يتضمن أن قدرة المرأة موضوعة محل تساؤل، حيث أن أي شخص مقدم على عمل يجب أن تتوفر لديه قدرة القيام به).
أما عن مشاركة النساء فى مجالس إدارة الجمعيات الأهلية الاسلامية فقد رأى ثلاثة نشطاء من القاهرة أن لا مانع من ذلك بينما رفض ثلاثة آخرون ذلك على أساس أن عمل مجلس الإدارة يحتاج إلى خشونة أو أن مشاركتها فى الأنشطة أكثر فاعلية.
ووافق أربعة على اشتراكها بشروط وهى أنتكون الجمعية نسائية أو متعلقة بالأسرة والطفل أو ألا يؤثر على مهمتها فى بيتها أو أن تكون لديها القدرة ويتم انتخابها ( وهنا نعود للتشكيك فى قدرات النساء من خلال التساؤل مرة أخرى).
وكانت استجابة واحدة فى دمياط مع انضمام المرأة غلى مجالس إدارة الجمعيات، فى حين كان هناك موقفان رافضان لذلك.
أما باقي النشطاء وهم خمسة فقد كانوا مع عضوية النساء لمجالس إدارة الجمعيات النسائية أو العاملة فى مجال المرأة والطفل فقط ومع عدم وجودها فى مجالس إدارة الجمعيات العامة.
وفى المنيا، كانت هناك خمس استجابات تحبذ مشاركة النساء فى النشاط أو فى مجالس الإدارة فى الجمعيات النسائية.
وهكذا فقد وافق على مشاركة المرأة فى مجالس الإدارة أربعة نشطاء من ثلاثة وعشرين تم توجيه السؤال لهم، بينما رفض خمسة ووافق أربعة عشر بشروط تتعلق أحيانا بوظيفة المرأة فى المنزل وأحيانا أخرى بالتساؤل حول قدرتها على أداء ذلك الدور.
(ج) خلاصة: فاعلية وجود النساء ومدى استفادتهن فى الجمعيات الأهلية الاسلامية=
نستنتج من كل ما سبق ما يلي:
1- تميل عضوية النساء فى الجمعيات الأهلية الاسلامية إلى الانخفاض بالمقارنة مع الجمعيات الأهلية الأخرى التى تنخفض فيها عضوية النساء أصلا.
وهذه النتيجة تتفق مع الدراسات الميدانية والإحصائية الأخرى.
وهناك نسبة كبيرة من الجمعيات لا توجد بها عضوية نسائية على الإطلاق. وقد لوحظ أن مشاركة النساء فى الجمعيات العمومية للجمعيات الاسلامية تقل فى محافظات الوجه البحري عنها فى القاهرة،
وتندر فى محافظات الوجه القبلي. ويتضح أيضا أن العضوية النسائية القليلة فى الجمعيات العمومية لا تنظم فى حضور الاجتماعات .
وإذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه السمة تسرى على جميع الأعضاء فى الجمعيات الاسلامية وغير الاسلامية أيضا، إلا أن نسبة انتظام النساء فى الجمعيات الاسلامية تظل أقل من مثيلاتها فى كل الحالات.
وإذا انتقلنا إلى المستوى القيادي أو مجالس إدارة الجمعيات نجد أن المشاركة النسائية تنخفض بشدة بالنسبة للجمعيات الاسلامية.
حيث تكاد تنحصر فى بعض الحالات النادرة المرتبطة ببعض الظروف الاستثنائية لبعض الشخصيات النسائية مثل أن تكون مديرة سابقة فى وزارة الشئون الاجتماعية أو أن تكون مرتبطة بصلة شخصية بأحد الأعضاء الذكور.
ويلاحظ أيضا أن هذا الوجود الاستثنائي يكون له أثره الايجابي على المشاركة النسائية فى نشاط الجمعيات بشكل إجمالي. وأخيرا، يتضح من كل ما سبق محدودية وجود النساء كنشيطات داخل الجمعيات الأهلية الاسلامية وندرته فى مستويات اتخاذ القرار.
2- لا يتعارض مع الاستنتاج السابق اعتماد الجمعيات الأهلية الاسلامية على نسبة كبيرة من العمل النسائي المأجور فى تسيير شئونها اليومية.
حيث تظل هذه النسبة الكبيرة من الوجود النسائي الوظيفي مقصورة فى حدود أداء وظيفة محددة فى مقابل أجر فى علاقة لا تختلف عن علاقة أي جهة توظيف بالعمالة المرتبطة بها.
ومن الواضح أن الجمعيات ألأهلية الاسلامية تستفيد من عمل النساء فى الأعمال الوظيفية الى لا يمارسها الرجال عادة، أو يفضل أن تؤديها النساء لتقليل الاختلاط بين الجنسين.
ويؤكد هذا وجود النسبة الكبيرة من العمل النسائي المأجور فى الجمعيات التى تمتلك مشروعات خدمية تحتاج إلى نسبة كبيرة من العمالة لتسييرها، دون الجمعيات التى تعتمد على النشاط الديني أو والارشادى.
ومن المنطقي أن لا يتيح مثل هذا الوجود للنساء العاملات فرصة التأثير الفعال فى الأهداف أو القرارات أو فى ملامح وطبيعة النشاط الذى تقوم به الجمعية أو مجريات الأمور بها بشكل عام.
3- ومن ما سبق يتضح أن أول شكل مباشر لاستفادة النساء من نشاط الجمعيات الأهلية الاسلامية هو توفير فرص عمل لعدد غير قليل منهن.
ويأتي ثاني شكل مرتبطا بالدور الخدمي أو الخيري الذى تؤديه الجمعيات الأهلية الاسلامية والذي يستهدف الفئات المستضعفة من المجتمع.
ووفقا لهذا المنطق تكون استفادة النساء كبيرة حيث يشكلن نسبة كبيرة من هذه الفئات مثل الأرامل والمعيلات لليتامى والفقيرات المقبلات على الزواج.
ويسرى نفس المنطق الحيرى على مشروعات الأسر المنتجة والمشاغل التى تؤسسها الجمعيات الاسلامية لمساعدة الأسر الفقيرة، هذا بالإضافة غلى أن نوع المهارات المطلوبة لإنتاج السلع التى تنتجها هذه الجمعيات يتوافق مع المهارات التى تكتسبها النساء تقليديا، مثل الحياكة والمشغولات اليدوية والتطريز.
وهكذا تستقطب نسبة أكبر من النساء للاستفادة منها بوجه خاص.
وبالنسبة لدور الحضانة التى تستهدف بها كثير من الجمعيات الأهلية الاسلامية للتنشئة ا لدينية للجيل الجديد، فهي ترتبط باستفادة النساء منها حيث تقرن النظرة التقليدية لدور المرأة الاجتماعي ما بين النساء ورعاية الأطفال.
ونلاحظ أن النشاط الخدمي والخيري الذى تستفيد منه النساء بنسبة كبيرة ، تشترك فى تقديمه الجمعيات الإسلامية مع غيرها من الجمعيات الأهلية الأخرى.
أما ما يميزها كجمعيات دينية من نشاط ديني وإرشادي ودعائي فإن نسبة استفادة النساء فيه تكون منخفضة وغير مباشرة .
ويمكن أن نستنتج أن استفادة النساء من نشاط الجمعيات الاسلامية لا تعود إلى استهدافهن بشكل أساسي إلا فى نطاق محدود ، وـاتى فى الغالب فى سياق الرغبة فى الانتشار أو مد النفوذ أو فعل الخير.
4- يتضح من اتجاهات النشطاء المتعلقة بعمل النساء ومشاركتهن فى الجمعيات الأهلية الاسلامية، وأيضا من حجم وجود النساء داخل الجمعيات، أن موقفهم يتفق مع موقف الأدبيات الاسلامية التى تمت مراجعتها فى بداية هذا العمل حول أن الدور الرئيسي للمرأة ينحصر داخل المنزل.
ونلاحظ هنا أن النشطاء من الوجه القبلي أكثر تأكيدا على ذلك من النشطاء فى الوجه البحري والقاهرة.
وهذا يعنى التأثر أيضا بالموقف الاجتماعي السائد حول المرأة فى البيئات المحلية المختلفة.
5- رغم ما أسلفنا من تشابه بين موقف نشطاء الجمعيات الأهلية الاسلامية فى عينة الدراسة الميدانية وموقف الأدبيات الاسلامية التى تمت مراجعتها إلا أننا نلاحظ أن الأدبيات تعطى حجما أ كبر للدور الاجتماعي للنساء أيا كان موقعه.
كما تعطى مساحة أرحب لما يمكن أن تؤديه المرأة خارج المنزل.
فإذا كانت عينة الدراسة ممثلة لموقف الجمعيات الأهلية الاسلامية فإننا يمكن أن نفسر المسافة بين موقف النشطاء بها وما ذكر فى الأدبيات الاسلامية بأحد الاحتمالين التاليين أو كليهما:
(أ) إن التعبير النظري عن الموقف فى إصدار مثل كتاب أو كراس مطبوع يمكن أن يستجيب للمؤثرات السائدة بشكل يختلف عن استجابة الممارسة العملية.
تتمثل بعض هذه المؤثرات فى الجهود الرسمية وغير الرسمية الساعية إلى إيجاد دور اجتماعي أوسع للمرأة، فى ظل ميزان قوى محدد يحكم التنافس فى مد النفوذ السياسي والثقافي بين التيارات الاسلامية والتيارات الأخرى.
وهكذا قد لا تنعكس بالضرورة معالجة بعض القضايا الاجتماعية فى الأدبيات بصورة مباشرة على سلوك من يعتبرون هذه الأدبيات مرجعا لهم. ويمكن أن نشير هنا إلى أن قضايا المرأة كانت دائما مادة للمصالحة أو النزاع السياسي.
(ب) أن النطاق المرن الذى حددته الأدبيات الاسلامية لدور النساء خارج المنزل يتيح أساليب متباينة من الفهم وطرق متباينة للتطبيق .
وهكذا يمكن تطبيق الحد الأعلى من هذا النطاق فى موقع ما ، والحد الأدنى منه فى موقع آخر، وفقا لظروف العمل وحاجاته والبيئة التى يتم فيها وتوجيهات القائمين به.
وبناء على ذلك فإن الجمعيات الأهلية الاسلامية قد لا تكون من الواقع التى يعول على المشاركة النسائية فيها غلى حد بعيد.
6- وأخيرا يمكننا تشبيه علاقة النساء بالجمعيات الأهلية الاسلامية بالطبقات المتتالية المساحة للهرم.
فنجد قاعدة الهرم هى الاهتمام بالدعاية حول الدور الاجتماعي للنساء وحجمه فى المجتمع الاسلامى، وتليها طبقة ذات مساحة أضيق نسبيا تعبر عن استفادة النساء من نشاط الجمعيات الأهلية الاسلامية، ثم طبقة أضيق تعبر عن العمل الوظيفي للنساء داخل الجمعيات الاسلامية، وطبقة محدودة تمثل الوجود النشيط للنساء داخل الجمعيات. ثم تعبر قمة الهرم عن وجود النساء فى مراكز صنع القرار أو مجالس الإدارة .
وهناك ملحوظة أخيرة وهى فى حاجة إلى التأكيد من خلال دراسات ميدانية أخرى وهى أن الجمعيات التى يتضح فيها نفوذ لإحدى الجماعات الاسلامية السياسية، يكون الاهتمام بالمرأة فيها أكثر بروزا.
رابعا : الجمعيات الأهلية الاسلامية النسائية
لن نثير هنا الجدل المألوف حول تعريف الجمعية الأهلية النسائية وعلاقة ذلك بتقسيمات الشئون الاجتماعية وإمكانية النفاذ غلى البيانات والمعلومات عن الجمعيات،
ولكن سوف نعتمد على تعريف للجمعية النسائية يحددها فى الجمعيات التى تتخذ لنفسها صفة النسائية سواء كان ذلك واضحا فى الاسم أو فى العضوية أو فى الأهداف أو فى الجمهور المستهدف.
ويبلغ عدد الجمعيات الأهلية النسائية فى مصر- وفق هذا التعريف – 200 جمعية تتضمن فيما بينها 119 جمعية يتضح من تسميتها صفتها النسائية، هذا إلى جانب 32 جمعية نسائية إسلامية و23 جمعية نسائية مسيحية و 16 نادي اجتماعي نسائي.
وبهذا التقدير فإن نسبة الجمعيات النسائية هى 1,4% من إجمالي الجمعيات الأهلية فى مصر ( قنديل( 1994) ص 95- 96 ( 1995) ص 8).
وإذا كانت لا توجد بيانات توضح تطور عدد الجمعيات الأهلية الإسلامي النسائية إلا أنه من المرجح أن هذا الرقم قد تزايد فى الفترة الأخيرة مع زيادة عدد الجمعيات الأهلية الاسلامية عموما.
ومن المعروف أن ظاهرة الحجاب قد تصاعدت فى مصر فى العقود الأخيرة.
وعلى الرغم من تعدد أنماط الحجاب، من الحجاب الأنيق عند نساء الطبقات الميسورة والوسطى، أو الحجاب المعتاد ( غطاء الرأس الذى يخفى الشعر) عند الطبقات الشعبية أو على الصورة التى عرفت بالخمار أو الأخرى التى عرفت بالنقاب، إلا أنه يشير إلى تأثر نسبة غالبة من نساء مصر بالمناخ الذى أصبح سائدا وهو ما أسماه بعضهم بحالة الأسلمة.
وبصرف النظر عن أسباب سيادة هذا المناخ سواء كانت فى نفاذ دعاية ا لتيارات الاسلامية أو فى مزايدة الدولة عليهم فى سباق الهوية الاسلامية ، أو فى الفراغ الناجم عن سقوط المشروع القومي بطموحاته العلمانية الكبرى،ن أو فى اللجوء إلى شكل من إشكال التحصن بالذات فى مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى تدور حولهن بسرعة رهيبة، إلا أنه أصبح سائدا وفقا لإجماع كثير من المحللين وفى كل الأحوال يمكن أن نتوقع فى هذا المناخ زيادة اتجاه من لديهن الاستعداد للانخراط فى العمل الأهلي- وخاصة من الطبقات الميسورة- إلى الجمعيات الاسلامية.
حجاب الفنانات والعمل الأهلي الاسلامى النسائي
ويمكن أن نشير فى هذا الصدد إلى أن المناخ السابق الحديث عنه كان مناسبا لانتشار ما سمى بتوبة الفنانات أو حجاب الفنانات. وقد أعلن الشيخ الشعراوى أن أغلبهن تاب على يديه( رمضان 1995 ، ص 380) .
كما أجابت زينب الغزالي عن سؤال موجه لها حول مسئوليتها عن ذلك، فقالت إن هذا شرفا لا تدعيه وأن الفضل بعد الله يرجع إلى ابنتها إفراج الحصرى.
وتتواصل هؤلاء الفنانات ببعضهن فيما يشبه المجتمع المغلق .
وتقول زينب الغزالي أنه كلما تقرر إحدى الفنانات الاعتزال التوبة فإن جميعهن يحتفلن بها فى " مركز الحصرى الاسلامى" ( الغزالي ، زينب 1993).
وهكذا فإن نماذج كثيرة من هؤلاء الفنانات قد تفرغت بعد اعتزال العمل الفني إلى إنشاء جمعيات أهلية إسلامية أو التحقن بجمعيات موجودة فتقدمن لها الدعم المالي والأدبي الاعلامى.
ومن الأمثلة على ذلك مركز الحصرى الاسلامى الذى تقوم على إدارته السيدة إفراج الحصى .
وقد أسست السيدة إفراج الحصرى هذا المركز من خلال الوقف الذى تركه والدها الشيخ محمود الحصرى حيث أوصى بثلث تركته للأغراض الخيرية والمركز تابع لمسجد الشيخ الحصرى الذى تجتمع فيه السيدات مرة كل أسبوع لتدارس شئون الدين.
وتقول السيدة إفراج الحصرى إن ما تقدمه للمرأة من خلال المركز هو دور تثقيفي وتحفيظ القرآن ومحو الأمية والمساعدات الاجتماعية وحل المشاكل النفسية والحياتية بتقديم الرأي السليم لها.
هذا إلى جانب توضيح الإسلام كدين وسط به مساحة إباحة كبيرة وتحريم أقل، أو حسب تعبيرها لا تفريط ولا إفراط.
كما يمارس المركز إلى جانب هذه الأنشطة دورا فى العلاقات بالإسلاميين بالخارج. ويتم ذلك من خلال ما يتم من رحلات، مثل الرحلة التى قامت بها السيدة إفراج الحصرى إلى كوسوفو أو البوسنة أو أمريكا أو كندا.
وبدأ المركز فى تأسيس مجمع اسلامى تحت اسم دار الأمان فى مدينة 6 أكتوبر وسوف يتضمن هذا المشروع مسجدا ومستوصفا ودارا للأيتام. كما يتضمن دفن الموتى والمساعدات الاجتماعية ( إفراج الحصرى 1999).
ومن الأمثلة الأخرى عن دور الفنانات المحجبات فى العمل الاسلامى النسائي السيدة مديحه حمدي عضوة مجلس إدارة جمعية الخدمات الاجتماعية العامة وهى جمعية نسائية إسلامية تمارس نشاطا تثقيفيا من خلال ندوة ثقافية أسبوعية إلى جانب النشاط الخدمي المتمثل فى فصول محو الأمية ورعاية الأسر الفقيرة وإقامة المعارض الخدمية.
ومثل آخر على هذا النشاط وهو دار رعاية الأيتام الاسلامية بالمعادى التى تعمل السيدة كاميليا العربي المذيعة السابقة بالتليفزيون من خلالها.
والسيدة كاميليا العربي من أوائل العاملات فى حقل الإعلام اللاتي اعتنقن هذا الاتجاه.
وقد رفض المسئولون بالتلفزيون ظهورها على المشاهدين فى زى الحجاب، الشيء الذى أدى بها إلى تقديم استقالتها.
وهى تقول أنها بعد استقالتها كان لها نشاط كبير خارج المنزل فى المساجد حتى هداها الله إلى دار رعاية الأيتام الاسلامية، وأصبحت لأيتام الدار بمثابة الأم.
ومساهمة الفنانات فى النشاط الاسلامى النسائي لا يعنى أن هذا المجال مقتصر عليهن بالطبع. ولكننا نلقى الضوء على هذه النشاطات باعتبارها من المستجدات فى الفترة الأخيرة .
أما الآن فنستعرض نموذجا آخر للعمل الاسلامى النسائي.
لجنة الزكاة بمسجد صلاح الدين بالمنيل
وهى أول لجنة نسائية معتمدة من بنك ناصر الاجتماعي ( تحت رقم 29 لسنة 1993).
ومن أغراضها القيام بدور فعال فى بناء المجتمع على قيم من الدين والخلق والشعور بالمسئولية " من عمق الأسرة المصرية وهى المرأة" .
وقد بدأ نشاط هذه اللجنة بشكل غير رسمي أثناء حرب أكتوبر 1973 فى مجالات رعاية الجرحى والمصابين وأسرهم فى القصر العيني.
وأدى هذا النشاط إلى تكوين تجمع نسائي داخل المسجد، وتطور اهتمامهن إلى الانصراف إلى المجتمع المحيط.
أما مجالات نشاط اللجنة حاليا فهي متنوعة المجالات ففي المجال الثقافي تعقد حلقات ترشيد دينية وتعليم القرآن الكريم.
كما يوجد نشاط محو أمية وحلقات نسويه ومكتبة إسلامية. وفى مجال النشاط الاجتماعي تقدم اللجنة إعانات أسبوعية وشهرية وموسمية، فضلا عن الاغاثات السريعة فى حالات العجز والمرض وكفالة الأيتام والمشاركة فى حالات الزواج والوفاة وتقدم اللجنة فى هذا المجال قروضا حسنة وتيسر الحج بالاشتراك مع فوج بنك ناصر للصحبة المأمونة، كما أنها تقيم موائد الرحمن خلال شهر رمضان.
أما عن النشاط الطبي فتتعاون اللجنة مع المستشفيات بتقديم الأدوية والأجهزة التعويضية كما تتعاون مع الأطباء بالعيادات الخاصة لصالح بعض المستحقين. وتقوم اللجنة بأنشطة أخرى مثل مد مدارس الحي بالزى المدرسي ودفع المصروفات الدراسية ومعاونة طلبة الجامعة ودفع إقامة المدينة وتقديم رأسمال عيني لبعض المشروعات المحدودة. هذا إلى جانب بناء بعض المساجد.
وبدأت اللجنة فى تأسيس مسجد ومدرسة ودار للمناسبات ومكتبة بمدينة 6 أكتوبر بعد الحصول على مساحة الأرض اللازمة لذلك - لجنة الزكاة بمسجد صلاح الدين بالمنيا، تقرير).
ويلاحظ إنه رغم الصفة النسائية للجنة وعضويتها النسائية إلا أنه لا يوجد نشاط يتعلق بقضايا نسائية أو موجه أساسا للنساء وينصب نشاط اللجنة على الجانب الخيري الخدمي وفقط.
دراسة ميدانية لأربع جمعيات أهلية إسلامية نسائية
شملت الدراسة الميدانية التى أجراها مركز البحوث العربية أربع حالات لجمعيات إسلامية نسائية، اثنتان منهما ترد كلمة نسائية فى اسم الجمعية، وثلاثة منها ترد فى اسمها أعلام من أهل البيت أو تذكر كلمة إسلامية.
وتوجه الأربع جمعيات نشاطها إلى النساء أساسا، فيما عدا الخدمات التى تستفيد منها ألأسرة كلها مثل المساعدات الاجتماعي أو الحضانات.
العضوية: مقتصرة على النساء فى جمعيتين والأخريان تتضمن العضوية فيهما عددا قليلا من الذكور. ويوجد بهاتين الجمعيتين أعضاء ذكور فى مجلس الإدارة.
ويتراوح عدد أعضاء الجمعيات العمومية ما بين 63 و 168 عضوا.
وتلتزم معظم العضوات بارتداء الحجاب العادي (أغطية الشعر) ، بينما تتواجد نسبة قليلة ترتدين الخمار وقليل من النساء اللاتي ترتدين النقاب.
مجلس الإدارة: يتراوح عدد أعضاء مجلس الإدارة ما بين أربعة أعضاء وتسعة أعضاء ويشتمل مجلس الإدارة على ذكور فى الجمعيتين اللتين يوجد بهما ذكور فى الجمعية العمومية .
أما المهن الأصلية لعضوات مجالس الإدارة بالجمعيات الأربع فكانت : مدير عام – مدير بالشئون الاجتماعية- مدير علم بالتربية والتعليم- سيدات أعمال- ربات بيوت.
يوجد عدد من عضوات مجلس الإدارة عضوات فى جمعية سيدات الأعمال. وفى إحدى الجمعيات يتكون مجلس الإدارة من ثلاث نشيطات وأزواجهن، وهم المؤسسون للجمعية والمشكلون لمجلس إدارتها منذ نشأتها.
ويمتلك الأزواج المبنى الذى يوجد به مقر الجمعية وهم المنشئون للمسجد المجاور له.
كما أنهم يمتلكون بعض العمارات فضلا عن مركز تجارى ضخم فى الشارع الرئيسي من المنطقة.
إحدى الجمعيات حديثة النشأة والجمعيات الثلاث الأخرى تشغل رئيسة مجلس الإدارة منصبها منذ سبع دورات وخمس دورات وثلاث دورات.
ويقل دخول أعضاء جدد إلى مجلس الإدارة. وتتخذ القرارات اليومية من خلال مجلس الدارة والمسئول عن النشاط.
ومن ما سبق نرى أن الجمعيات لا تتمتع بدوران حقيقي للسلطة.
وأن الأمور تحكم من قبل عدد قليل من الأعضاء وهم أعضاء مجلس الإدارة الذى لا يتجدد بصورة فعالة، ولا يتضح دور هام فى اتخاذ القرارات للجمعية العمومية.
ثانيا، أن معظم أعضاء مجلس الإدارة بالجمعيات يتميزون بيسر واضح فى مستوى معيشتهم، أم بمراكز اجتماعية مرموقة.
وفى الغالب مثل هؤلاء الأشخاص هم من يتوافر لديهم الإمكانيات والعلاقات والوقت للعمل الأهلي، وخاصة العمل الخدمي والخيري. وبوجه عام فإن هاتين الملاحظتين تنسحبان ليس على الجمعيات الأهلية الاسلامية عموما فحسب، بل على معظم الجمعيات الأهلية فى مصر.
الأنشطة : تتحدد الأنشطة التى تمارسها الجمعيات فى توعية المرأة دينيا من خلال الندوات الثقافية والدروس الدينية- تدريب الفتيات والأرامل- من خلال المشاغل ومعارض الأسر المنتجة- مراكز التدريب المهني- المساعدات الاجتماعية- حضانات- مستوصف- فصول محو أمية- نادي صيفي- تجهيز عرائس- تنظيم أسرة.
وعبرت رئيسة مجلس إدارة إحدى الجمعيات عن تطلع الجمعية لأن تلعب دورا فى حل المشكلات العامة.
وأن ذلك كان سببا فى ما يرتبون له من حملة للتوعية البيئية.
كما أن نشاط الجمعية يمكن أن يتضمن محاولات لحل المشكلات العائلية والشخصية من خلال اكتساب ثقة أولياء أمور أطفال الحضانة والمترددات على الجمعية.
وتتوقع أحد عضوات مجلس إدارة الجمعية أن تقوم جمعيتها بدور رئيسي فى تكوين اتحاد نوعى للجمعيات النسائية فى محافظتها.
وقد لوحظ أن لغة التخاطب مع الجمهور وخاصة أطفال الحضانات يشتمل غالبا على كثير من المفردات الدينية. كأن يذكر لا تفعل هذا فهو حرام، أو افعل ذلك حتى يحبك الله..الخ .
وإلى جوار هذا يستخدم فى بعض الحالات بعض المفردات من اللغة الانجليزية مثل كان عندنا meeting ، وبعض المفردات التى تتردد فى الأدبيات عن الجمعيات الأهلية مثل القطاع الثالث والمجتمع المدني و الـ ngos .. وهكذا.
ولوحظ أن هناك حرص على أن يتم الاحتفال بالمناسبات الدينية مع شرح الخلفيات الدينية والتاريخية لهذه المناسبات والعظة التى تشتمل عليها.
كما يتم تعليم الأطفال القصص الدينية إلى جانب تحفيظهم بعض قصار الصور.
ويلاحظ على مجالات النشاط أنها نفس النشاطات التقليدية للجمعيات الأهلية فى مصر عموما وليس فى الجمعيات الاسلامية أو الاسلامية النسائية فقط.
التمويل
الجمعيات التى توفرت عنها بيانات الميزانية هى ثلاث جمعيات ( انظر الجدول 2 بالملحق – أشرنا للجمعيات بأرقام مسلسلة 1، 2، 3، 4، ).
وكان مصدر التمويل الرئيسي فى إحداها من أموال الزكاة والأخريان من إيرادات الأنشطة. ولم تمثل الاشتراكات سوى نسبة ضئيلة من التمويل.
ولا تعتمد إحدى الجمعيات على إعانة حكومية بينما تمثل الإعانة الحكومية نسبة كبيرة فى الجمعيتين الأخيرتين.
ويمكن أن نستنتج من هذا أن هذه الجمعيات لا تعتمد أساسا على الحكومة فى تمويلها. ونستنتج أيضا أن بعض الأنشطة التى تمارسها الجمعيات تولد دخلا مناسبا لتسيير نفقات الأنشطة الأخرى، ومن أمثلة ذلك الحضانات والمستوصفات.
ملخص لاتجاهات بعض النشيطات: فى محاولة للتعرف على النشيطات من خلال أربعة لقاءات مع إحدى النشيطات فى كل جمعية من خلال دليل لقاء معد سلفا، كانت الاستخلاصات التالية:
الدوافع وراء الانضمام للجمعية
- عبرت أحد النشيطات عن أن دوافعها للالتحاق ( أو تأسيس) الجمعية كانت رعاية المرأة وأطفالها وبالتالي رعاية الأسرة، حيث أوصى الرسول برعاية المرأة.
- وعبرت أخرى عن أنها راغبة فى مواجهة تخلف المرأة المسلمة من خلال نشر القيم الاسلامية الصحيحة والتشبه بالسيدة عائشة ، وأن الالتحاق تم بتشجيع من إحدى قريباتها. والتحقت أخرى بجمعيتها لرغبتها فى معاونة النساء وخاصة غير المتعلمات ، ومساعدة الطلبة ( انطلاقا من القيم الاسلامية التى تحض على مساعدة الغير).
التعاون مع الجهات المختلفة=
وذكرت النشيطات أن جمعيتهن متعاونة مع الجمعيات الأهلية المختلفة وخاصة جمعيات المرأة ولا يوجد احتكاك بينها وبين الأحزاب حيث، نشاط الجمعيات بعيد عن السياسة.
مشاكل العمل الأهلي: ذكرت النشيطات أن من أهم مشاكل العمل الأهلي
- • عدم وجود وعى بأهمية العمل الطوعي لدى النساء وخاصة الشابات منهن.
- • عدم وجود تمويل دائم ومتواتر للنشاط.
- • تدخل موظفي الشئون الاجتماعية فى كل صغيرة وكبيرة.
- • تدخل بعض الأطراف- غير وزارة الشئون الاجتماعية- فى نشاط الجمعيات فيما يعد مخالفا للقانون.
مقترحات لتطوير العمل الأهلي
- • توفير الأزهر لداعيات إسلاميات وانتدابهن للعمل فى الجمعيات وخاصة فى المناطق العشوائية.
- • تداول الخبرات والتجارب والمعلومات بين الجمعيات من خلال اتحاد الجمعيات بالمحافظة والزيارات المتبادلة بين الجمعيات.
- • توفير الدولة لشقق فى المناطق الفقيرة لنشاط الجمعيات.
- • المزيد من دعم رجال الأعمال للنشاط الأهلي.
- • تكوين اتحاد نوعى للجمعيات وما سوف يحققه من توفير تمويل للجمعيات التى ليس لها علاقات تحصل من خلالها على تبرعات أو مشروعات مدرة للدخل.
- الاتجاه نحو عمل المرأة ودورها الاجتماعي: استنكرت النشيطات التساؤل حول دور المرأة الاجتماعي الآن فى نهاية القرن العشرين. وذكرن أن المرأة منذ مطلع القرن لها دور سياسي ودور اجتماعا ودور مؤسس فى الجمعيات الأهلية.
وهى وزيرة منذ خمسين عاما ووكيلة وزارة ومديرة ورئيسة نيابية وغيره.
كما ذكرن أن المرأة المسلمة مسئولة بحكم إسلامها عن المشاركة فيما يخدم وطنها.
أما عن تناقض الأدوار التى تقع فيه المرأة ، فقد أوضحت إحدى النشيطات أنه بالتنظيم وترتيب الوقت يمكن للمرأة أن تقوم بدورها داخل وخارج المنزل فى أي مرحلة من مراحل حياتها.
وأن المرأة التى لها دورها خارج المنزل تتعود على أداء المهام المختلفة فى سرعة، أما إذا اقتصرت حدودها على المنزل فهى تعتاد على إهدار الوقت.
- الاتجاه نحو نشاط المرأة فى العمل الأهلي: ذكرت إحدى النشيطات أن مشاركة المرأة فى العمل الأهلي الآن من البديهيات ـ فقد أسست منذ فترة طويلة جمعياتها المستقلة وأدارتها وشاركت مع الرجال فى جمعيات أخرى.
وأكدت على عدم وجود أي موانع سياسية أو قانونية أو اجتماعية أو دينية تحول دون مساهمة المرأة فى العمل الأهلي.
وذكرت نشيطة أخرى أن المرأة لها حق عضوية مجلس الإدارة فى أي جمعية وأن اللجوء إلى الاسلامى للحيلولة دون ذلك غير صحيح.
وأن هذا يعتبر إهدارا حيث أن طاقة المرأة لا حدود لها.
وفى هذا الصدد أكدت إحدى النشيطات على أن المرأة أقدر من الرجل على التعرف على الأسر والاحتكاك بكل أفرادها، وأنم المرأة بطبعها فياضة وقادرة على العطاء.
ونلاحظ على هذه التعبيرات نبرة الحماس للدور الاجتماعي للمرأة خارج المنزل.
وهذا قد يكون منطقيا حيث أن هؤلاء النشيطات من القيادات التى مارست العمل العام لفترة طويلة.
ولكن غير المنطقي ألا يترجم هذا الحماس إلى نشاط فعلى تمارسه الجمعية ( النشيطات فى مراكز مؤثرة بالجمعيات) يوجه لمساعدة النساء فى التغلب على المعوقات التى تحول بينهن وممارسة دور فعال خارج المنزل.
ويبدو من حديث النشيطات أنهن يعولن فى انطلاق المرأة إلى أدوارها خارج المنزل على طاقة النساء أنفسهن وحسن إدارتهن لوقتهن ونفس الشيء ينطبق على تعبير النشيطات عن رغبتهن فى مساعدة النساء أو مواجهة تخلف المرأة المسلمة كدوافع وراء انضمامهن ( أو تأسيسهن) للجمعية، فى ذات الوقت الذى لم تمارس فيه الجمعية نشاطا يستهدف تغيير أوضاع تخلف المرأة فى المجتمع.
كما نلاحظ أيضا إطلاع النشيطات على الحوار الدائر حول الدور الاجتماعي للمرأة وانحيازهن مع فريق من المتحاورين، ولكنهن لم يذكرن كيف ترجم هذا الانحياز إلى موقف واضح أو مؤثر فى هذا الحوار.
ونجد تشابه فى مضمون نشاط الجمعيات الأهلية الاسلامية النسائية اليوم ومثيله فى الماضي كما يتضح من النموذج الذى قدمنا له فى النبذة التاريخية.
وخاصة فيما يتعلق بعدم إثارة مطالب نسائية خاصة أو طرح القضايا النسائية بشكل مباشر والانخراط فى أنشطة اجتماعية وخيرية مختلفة قد تتشابه مع نشاط غيرها من الجمعيات.
النساء فى الجمعيات الأهلية الاسلامية
عينة دراسة مركز البحوث العربية
الفصل الخامس قراءة تحليلية لواقع عينة من الجمعيات الأهلية الاسلامية
د. عماد صيام
عينة الدراسة الميدانية
تعد محاولة الدراسة الميدانية لعينة ممثلة من الجمعيات الاسلامية " طبقا للتعريف الوارد فى الدراسة النظرية" ، خطوة نحو الاقتراب من فحص نتائج واستخلاصات الدراسة النظرية ومحاولة تعميقها.
إلا أن الصعوبات الموضوعية التى تتعلق بمثل هذا النوع من الدراسات الميدانية أثرت بدرجة كبيرة على حجم وأسلوب اختيار العينة حيث أدت هذه الصعوبات إلى عدم القدرة على اختيار عينة ممثلة موزعة على المحافظات الرئيسية التى تتواجد بها الجمعيات الاسلامية كما أنها لم تسمح باختيار عينة كبيرة الحجم،
وفى محاولة للاقتراب من هذه الهيئات تم:
- 1- اختيار عدد محدود من الجمعيات 27 جمعية.
- 2- اختيار عدد من الجمعيات من محافظتي القاهرة/ المنيا لتمثيل المحافظات التى تتواجد بها الجمعيات الاسلامية بكثافة ، وعدد من الجمعيات بمحافظة دمياط، تمثل المحافظات الأخرى التى يقل فيها تواجد الجمعيات ألأهلية الاسلامية وينخفض فيها حجم ونفوذ حركة الإسلام السياسي بشكل عام .
وكان توزيع الجمعيات الاسلامية فى العينة كالتالي:
المحافظة | عدد الجمعيات |
---|---|
القاهرة | 10 |
المنيا | 9 |
دمياط | 8 |
1- قائمة الجمعيات بعينة الدراسة الميدانية:ك
القاهرة :
- 1- الجمعية الشرعية – بالمطرية .
- 2- جمعية شريف الاسلامية- بالساحل.
- 3- جمعية الوعي الاسلامية – بالساحل.
- 4- جمعية عباد الرحمن- بمدينة نصر.
- 5- جمعية الإخلاص الاسلامية – بالشرابية .
- 6- جمعية النصر الاسلامية - بالخلفاوى.
- 7- جمعية دار الأرقم- بمدينة نصر .
- 8- جمعية ذات النطاقين – بمدينة نصر .
- 9- جمعية الشبان المسلمين – رمسيس.
- 10- جمعية عمر بن عبد العزيز – بمدينة نصر.
- 1- جمعية على بن أبى طالب – بنى مزار.
- 2- الجمعية الخيرية الاسلامية – دير مواس.
- 3- جمعية الشبان المسلمين – مدينة المنيا.
- 4- جمعية الإيمان والعلم الاسلامية – سمالوط.
- 5- جمعية الهدى الاسلامية – مدينة المنيا .
- 6- الجمعية الخيرية الاسلامية – بنى مهدي.
- 7- جمعية البر والتقوى الاسلامية – البرجاية.
- 8- الجمعية الاسلامية للاصطلاح والتوجيه- مدينة المنيا.
- 9- جمعية السلام الاسلامية- ملوي.
- 1- جمعية مسجد الشيخ عمرو للخدمات الدينية والاجتماعية.
- 2- جمعية دعوة الحق الاسلامية.
- 3- جمعية أنصار السنة المحمدية.
- 4- جمعية كفالة اليتيم والتنمية.
- 54- جمعية الرعاية الاجتماعية وتيسير شئون الحج والعمرة بحي الناصرية.
- 6- جمعية تحفيظ القرآن الكريم وتيسير شئون الحج والعمرة بقسم رابع.
- 7- جمعية الشبان المسلمين.
- 8- الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة بكفر الغاب.
وتمثل الجمعيات الواردة فى العينة الميدانية تقريبا كافة التصنيفات الواردة فى تحديد الجمعيات الاسلامية، وكان توزيعها كالتالي:
والجمعيات الممثلة فى العينة منها ما هو جمعية مركزية ( لها أفرع أخرى فى عدد من المحافظات) مثال ذلك:
- - جمعية الشبان المسلمين وتمثل فى العينة بـ 3 أفرع فى المحفظات الثلاث.
- - جمعية أنصار السنة ، وتمثل فى العينة بفرع واحد.
- - الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة وتمثل بفرعين أما باقي الجمعيات وعندها 23 جمعية فهي تعمل فقط على نطاق الحي/ القرية / أو المدينة التى أشهرت بها.
أدوات البحث
نظرا للعديد من الاعتبارات الموضوعية الخاصة بموضوع البحث والحساسيات التى قد تحول فى كثير من الأحيان دون الحصول على إجابات واضحة وحاسمة تكشف عن القضايا الرئيسية التى تهتم بها الدراسة،
وأدت لصغر حجم العينة واستخدام الصلات الشخصية والمباشرة، التى توفرت بالفعل لفريق البحث مع عدد من الجمعيات ثم تصميم أدوات تعتمد فى الحصول على أكبر قدر من دقة المعلومات على التالي:
1- الأسئلة التى توجد إجابات مسجلة لها فى الوثائق الرسمية لجمعيات العينة والمعروفة أصلا للجهة الإدارية ( نموذج البيانات الأساسية الخاصة بالشهر / بيانات أعضاء مجلس الإدارة/ أغراض الجمعية الأساسية/ الأنشطة المسجلة رسميا فى سجلات الجمعية / بيانات جمعية عمومية/ الميزانيات/ حركة العضوية .. .الخ).
وهى البيانات التى حاولنا الحصول عليها مباشرة من السجلات والدفاتر الرسمية لهذه الهيئات أو مطبوعاتها.
وهى الأسئلة التى ورد معظمها فى دليل الملاحظة والدراسة المتعمقة لجمعية أهلية إسلامية.
وبجانب هذه الأسئلة المباشرة تطلب الأمر قيام الباحث فى نفس الاستمارة بتسجيل الملاحظات الميدانية التى ترتبط بموضوع البحث مثل:
موقع المسجد من ا لجمعية/ أو الشعارات ومجلات الحائط الدينية / مظهر الأعضاء والنشطاء فى الجمعية / العلاقة بين الذكور والإناث داخل الجمعية من حيث مستوى الاختلاط أو الفصل / مستوى مشاركة النساء فى أنشطة الجمعية ...الخ.
وكانت الأداة الثانية لجمع مادة البحث هى دليل المقابلة مع نشطاء الجمعيات الأهلية الذى اهتم بالتعرف على رأى بعض النخب النشطة فى هذه المؤسسات من خلال الحوار المباشر، والذي تم تسجيل نقاطه الرئيسية فى وجود المبحوث.
وكانت أسئلة الدليل تركز على مجموعة من القضايا الأساسية هى :
- 1- الدوافع وراء المشاركة فى أنشطة الجمعية أو الانضمام إليها.
- 2- مستوى ونوعية التأثير الذى تمارسه الجمعية فى المجتمع المحلى.
- 3- العلاقة مع المنظمات والهيئات الأخرى الموجودة فى المجتمع( هيئات حكومية/ أحزاب / منظمات غير حكومية).
- 4- الموقف من مشاركة المرأة فى العمل الأهلي.
- 5- طبيعة دور الجمعيات فى المجتمع ومستوى التمايز عن دور الدولة.
ورغم تقسيم هذه القضايا الأساسية على العديد من الأسئلة الفرعية ( حوالي 20 سؤال) إلا أنه فى العديد منها ولإدراك من تمت مقابلتهم لطبيعة الضغوط التى تتعرض لها مؤسساتهم جاءت إجابتهم عامة وغير ذات دلالة، بل إنها كانت فى أحيان كثيرة ورغم بعد المسافات واختلاف الباحثين الميدانيين ،
كانت واحدة تقريبا وه ما يعكس توجس واضح من الحوار حول بعض القضايا مثال ذلك العلاقة مع الأحزاب السياسية، حي كانت الإجابة المعتادة لمعظم أفراد عينة البحث هى أن الجمعيات تعمل فى العمل الأهلي وبعيدة عن العمل السياسي، وكأن عينة البحث تريد أن تسجل موقف أو ترسل رسالة لجهة ما.
أيضا السؤال الخاص بمستقبل مصر كما يراه المبحوثين حيث جاءت الإجابات عامة وواحدة مثل " نتمنى الخير والتقدم" ،وبعد إفراد عينة البحث تماما عن تحديد الإطار السياسي أو المرجعي لهذا التقدم أو شروطه،
والتي سبق وأن أوضحوها بشكل غير مباشر عند الحديث عن دوافعهم للنشاط فى المنظمات الأهلية التى ينتمون إليها، لهذا تم التجاوز عن إجابات بعض الأسئلة التى رفض المبحوثون بشكل غير مباشر الإجابة عليها، واعتمد على استخلاص مواقفهم الحقيقية من خلال الإجابات على الأسئلة غير المباشرة أو مقارنة إجاباتهم بواقع الحال فى الجمعيات التى ينشطون بها للتأكيد من مصداقية هذه الآراء، أو الكشف عن مزيد من جوانبها كما سيأتي فى قراءة البيانات الواردة من هذه الجمعيات.
الجمعيات الأهلية الاسلامية المشاركة والديمقراطية الداخلية
تشير البيانات والمعلومات الواردة فى:
- • دليل الملاحظة والدراسة المتعمقة لجمعية أهلية إسلامية.
- • دليل مقابلة مع نشطاء الجمعيات الأهلية الاسلامية.
إلى عدم وجود تفاوت حقيقي فى أوضاع الجمعيات الأهلية الاسلامية مقارنة بباقي الجمعيات الأهلية فى مصر ، بل كل منظمات المجتمع المدني والمنظمات السياسية الموجودة فى المجتمع المصري، والتي تعانى من غياب أبنية وآلية ديمقراطية حقيقية توسع نطاق المشاركة الداخلية فى هذه المؤسسات فى مجال تحديد رؤيتها وأولويات أنشطتها،
والرقابة عليها من قبل أعضائها وهو ما حول هذه المنظمات فى النهاية إلى منظمات نخبوية ضيقة ومغلقة، رغم اتساع العضوية فى بعض الأحيان ( إلا أنها فى الحقيقية عضوية غير فاعلة وغير مشاركة) ، أو اتساع النشاط فى أحيان أخرى ( فهو فى نهاية الأمر نشاط خدمي يقوم على تنفيذه محترفون أو عاملون بالأجر) ،
وهو ما يهمش تماما دور هذه المؤسسات فى ترسيخ قيم المشاركة والعمل الجماعي، أو نهج وروح العمل العام القائم على التطوع والبذل والمرتبط بقضية أو هموم فئة اجتماعية محددة، مستهدف تحسين أوضاعها وحل مشكلاتها من خلال تطوير وعيها وتمليكها للمعارف والمهارات والخبرات اللازمة للقيام بذلك بنفسها، وعبر إشراكها الفعلي فى مجمل الأنشطة والفعاليات التى تنفذها هذه المؤسسات، من لحظة التخطيط وحتى التنفيذ والتقييم،
وكان لغياب هذه الرؤية المؤسسة على تغيير الوعي عبر المشاركة الفعلية آثاره الواضحة ليس فقط فى غياب الديمقراطية الداخلية بهذه المؤسسات ولكن عدم قدرتها على إحداث قدر حقيقي من التغيير الديمقراطي بالمجتمعات التى تنشط بها، حتى لو كان هذا التغيير فى أدنى حدوده المتمثلة فى تغيير الاتجاهات القيمية لدى المرتبطين بهذه الجمعيات ، وهو ما حاول جمهورها فى النهاية إلى مجرد متلقي للخدمة ، والتي قد يجدها فى المستقبل بمستوى أفضل وتكلفة أقل لدى هيئة أو جمعية أخرى.
وكون هذه الجمعيات مجرد مؤسسات نخبوية مغلقة سهلة الإدارة والتحكم والتوجيه، تسهل كثيرا من الأمور خاصة فى مجال التوظيف على دعم تيار سياسي محدد، حيث لا مجال هنا للتعددية أو الاختلافات طالما لا توجد إمكانية للمشاركة الحقيقية فى صنع القرار داخل هذه المؤسسات.
وهناك العديد من المؤشرات التى تعكس نخبوية، وأزمة غياب المشاركة والديمقراطية داخل هذه الجمعيات، مثال ذلك:
- • النمو الحقيقي فى العضوية الفاعلة والنشطة لهذه الجمعيات.
- • مستوى المشاركة فى حضور الجمعيات العمومية السنوية.
- • معدلات التغيير فى عضوية مجالس إدارات هذه الجمعيات.
- • التنوع ( فى الأعمار / النوع/ الوضع الاجتماعي) فى تركيبة مجلس الإدارة.
- • مستوى وحجم العمل التطوعي المشارك فى إدارة أنشطة الجمعية.
- • آلية إصدار القرارات والإدارة اليومية لهذه الجمعيات.
وتحليل المعلومات والبيانات الواردة من الجمعيات التى تدخل فى إطار عينة البحث الميداني سوف يهم بلا شك فى إلقاء مزيد من الضوء على أوضاع المشاركة والديمقراطية الداخلية بهذه الجمعيات، برصد هذه المؤشرات.
حيث يشير الجدول التالي إلى النمو فى حجم عضوية الجمعيات الاسلامية التى تأتى ضمن العينة ومستوى المشاركة فى حضور الجمعيات العمومية .
جمعيات توفر فقط العضوية بها عام 1995.
ورغم وجود تفاوت فى حجم عضوية جمعيات العينة، كما يشير الجدول السابق إلا أن هناك قدر من الاستخلاصات العامة التى تدور حول مستوى المشاركة وجماهيرية هذه الجمعيات.
أولا: وجود تآكل فى عضوية بعض الجمعيات واتجاه أعداد عضويتها للانخفاض كما فى :
- • جمعية الإخلاص الاسلامية بالشرابية – القاهرة.
- • الجمعية الخيرية الاسلامية ببني مهدي- المنيا.
- • جمعية أنصار السنة المحمدية – دمياط.
- • جمعية تحفيظ القرآن وتيسير شئون الحج- دمياط.
- • جمعية الرعاية الاجتماعية وتيسير شئون الحج – دمياط.
- • الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة – دمياط.
وهى الجمعيات التى تشكل نسبة 21,4% من إجمالي جمعيات العينة
ثانيا : باقي جمعيات العينة تشهد نموا محدودا وضئيلا للغاية فى حجم عضويتها، خاصة إذا تم النظر للزيادة فى حجم العضوية فى ضوء الاعتبارات التالية:
- • اتساع المدى الزمني بين تاريخ التأسيس وبالتالي حجم العضوية المؤسسة، وبين حجم العضوية فى عام 1998، والذي يصل فى بعض الأحيان إلى 32 عام.
- • الارتفاع فى عضوية عدد من الجمعيات يأتي كشرط للحصول على الخدمات التى تقدمها، وهو ما لا يعكس ارتباطا حقيقيا بنشاط الجمعية وأهدافها نموذج لهذا .
- - جمعية الشبان المسلمين التى توفر إمكانيات النشاط الرياضي لأعضائها فقط ( 800 عضو عام 98 فى القاهرة ، 500 عضو عام 98 فى دمياط).
- - جمعية النصر الاسلامية التى تنظم رحلات الحج والعمرة وتشترط العضوية بها للاستفادة من هذه الرحلات ( 1811 عضو فى عام 98).
- • ارتباط الارتفاع فى عضوية عدد من الجمعيات بأعداد المشاركين فى ا لتبرعات لمشروعات محددة ( مثل كفالة اليتيم، تيسير الزواج على الفقيرات ، بناء المساجد) وهى الأعداد التى تسجل أعداد المتبرعين، وإن كانت لا تعكس عضوية فاعلة ومشاركة ونشطة بالجمعية ،
نموذج لهذا :
- - جمعية كفالة اليتيم والتنمية – دمياط ( 430 عضو فى عام 98).
- - جمعية دعوة الحق الاسلامية – دمياط ( 450 عضو فى عام 98).
- • يعكس الارتفاع فى أعداد عضوية بعض الجمعيات ازدياد أعداد أفرعها خاصة إذا كانت جمعية مركزية، وهى الأفرع التى قد لا يتجاوز نشاطها فى أحيان كثيرة بناء مسجد يقوم مجلس إدارة الجمعية ( الفرع) على إدارته بأفراد معظمهم فى غالب الأحيان من المسنين نموذج لهذا
- - العديد من أفرع الجمعية الشرعية .
ثالثا: بصرف النظر عن النمو المحدود فى عضوية جمعيات العينة سوف نجد أيضا أن إجمالي حجم عضويتها فى الغالب الأعم لا يتجاوز بضع عشرات، خاصة إذا استثنيت الجمعيات التى تضيف إلى عضويتها من يتلقى خدماتها مثل جمعيات الحج والعمرة، وهو مؤشر واضح على حجم جماهيرية هذه الجمعيات وقدرتها المحدودة على اكتساب عضوية جديدة حيث يتراوح أعضاء جمعيات العينة التى تنمو عضويتها بين 32 عضو فى الحد الأدنى و215 فى الحد الأقصى.
رابعا: إذا كان النمو فى أعداد عضوية الجمعية الأهلية يعتبر مؤشرا دالا على قدرتها على اجتذاب عناصر ونشطاء جدد فمستوى المشاركة والحضور فى الجمعية العمومية ( أعلى سلطة فى الجمعية بحكم القانون) ، يشير إلى مستوى فاعلية ومشاركة أعضاء الجمعية فى صنع توجهاتها وتحديد أولويات أنشطتها ،
والرقابة على أعمالها ومن الجدول سنجد أن خمس جمعيات فقط بنسبة 17,9% هى التى تجاوز فيها الحضور فى الجمعية العمومية الأخيرة 1998 نسبة 50% من إجمالي أعضاء الجمعية بحد أقصى 65% كما يلي:
- - جمعية ذات النطاقين – القاهرة 50% .
- - جمعية مسجد الشيخ عمرو- دمياط 53,1%
- - جمعية أنصار السنة – دمياط 57,5% .
- - جمعية تحفيظ القرآن – دمياط 61,8% .
- - جمعية الرعاية الاجتماعية وتيسير شئون الحج – دمياط 65% .
أما باقي الجمعيات 82,1% من حجم العينة فنسبة المشاركة فى حضور الجمعية العمومية تتراوح بين 3,8% - 41,8% أي أقل من 50% من حجم العضوية ، ورغم محدودية المشاركة فى أعمال الجمعية العمومية إلا أن الأرقام الحقيقية أقل من ذلك كثيرا، نتيجة استخدام التوكيلات فى حضور الجمعية العمومية لإكمال نصابها والذي يصل أحيانا إلى 50% من حجم المسجلين فى كشوف حضور الجمعيات العمومية .
خامسا: يبقى هنا ملاحظة أخيرة تشير إليها بيانات الجدول السابق وهى أن نسب المشاركة المرتفعة فى أعمال الجمعيات العمومية ترتبط غالبا بحجم عضوية محدود للغاية قد لا يتجاوز فى معظم الأحيان 40 عضو ، وبالتالي يصبح اجتماع 20 فردا فقط محققا للنصاب القانوني لاجتماع الجمعية العمومية ، هذا النصاب الذى قد يصل فى الحقيقة إلى 10 أفراد باستخدام التوكيلات، وبالتالي لا يتجاوز الحضور الفعلي فى الجمعيات العمومية أعضاء مجلس الإدارة فى كثير من الأحيان.
سادسا: الاستخلاص الاساسى مما سبق يؤكد شكلية الجمعيات العمومية أهم مؤسسات المشاركة داخل الجمعيات الأهلية، وبالتالي تتركز إدارتها وسياساتها فى يد نخبة محدودة العدد هى التى تشكل مجالس إدارات هذه الجمعيات لعشرات السنين بدون تغيير وهو ما يشير إليه الجدول التالي الذى حاول تتبع المدى الزمني لتواجد بعض أعضاء مجلس الإدارة خاصة الذين يتحكمون بشكل فعلى فى صنع القرار داخل هذه المؤسسات وهى مناصب:
- - رئيس مجلس الإدارة.
- - السكرتير العام.
- - أمين الصندوق.
وذلك عبر التعرف على بداية تاريخ انضمامهم لعضوية مجلس الإدارة والتي تمتد حتى عام 1998 بدون انقطاع يتم فيها أحيانا تبادل المواقع.
ومن الجدول نجد أن 37 ( عضو مجلس إدارة بين رئيس / سكرتير / أمين صندوق) تمتعوا ( وما زالوا ) بعضوية مجلس الإدارة لفترة تتجاوز عشر سنوات بنسبة تصل إلى 47,7% من إجمالي أصحاب المواقع الرئيسية فى مجالس إدارات جمعيات العينة وترتفع هذه النسبة إلى 80,8% إذا كانت الفترة تتجاوز خمس سنوات فقط.
من المهام أيضا إدخال تاريخ التأسيس فى الاعتبار عند حساب الفترة الزمنية التى انضم فيها هؤلاء الأفراد لعضوية مجلس الإدارة، حيث سنجد أن نسبة كبيرة منهم تتمتع بعضوية مجلس الإدارة منذ تاريخ تأسيس الجمعية،
وهو ما يزيد من وضوح الصورة حول مدى ضيق النخب المسيطرة على هذه الجمعيات، وتصلب شرايينها وعدم قدرتها على تجديد دماء قيادتها المسيطرة والمزمنة،
وهو ما يعكسه ضيق التنوع فى تركيب مجالس إدارات هذه الجمعيات التى يغيب عن عضويتها بشكل أساسي النساء باستثناء جمعيتين ، والتي توجد سيدة واحدة فى عضوية مجلس إدارة كل منهما، وهو ما يعنى أن 92,6% من الجمعيات فى العينة مقصورة عضوية مجلس إدارتها على الرجال فقط، أما الرجال أنفسهم أعضاء مجالس الإدارات فتقع أعمارهم بين 35 سنة كحد أدنى وحتى 78 سنة وبالتالي يغيب الشباب وهى الفئة الفاعلة والنشطة فى المجتمع عن مؤسسات صنع القرار والإدارة اليومية للجمعيات الاسلامية.
سابعا : يبقى المؤشر الأخير على مدى حيوية ومستوى المشاركة فى أنشطة وإدارة هذه المؤسسات عبر التعرف على حجم العمل التطوعي داخل هذه المؤسسات ، والذي يشير غلى نوعية من الأعضاء مهتمة برسالة الجمعية ودعم دورها والمشاركة فى صنع هذا الدور.
[[صور|تصغير|350بك|center|
]]
عامل بأجر منتدب يقصد به هنا من تتحمل وزارة الشئون الاجتماعية كامل راتبه مقابل انتدابه للعمل بالجمعية، وهى نسبة تصل فى إجمالي العاملين بالأجر بجمعيات العينة إلى 7% ـ وهى مؤشر على مدى توظيف المصالح الشخصية بين بعض مؤسسات الدولة وهذه الجمعيات والتي تخلق نوعا من الدعم والمصالح المتبادلة التى تؤدى فى النهاية لتيسر الكثير من أنشطة هذه الجمعيات وتخفيف تدخل الجهة الإدارية، حي يوجد العمل بالانتداب فى 51,9% من جمعيات العينة.
من جدول بيان مدى اعتماد الجمعيات على العمل المأجور أو التطوعي على مستوى العينة فالمحافظات الثلاث سنجد:
- • 9 جمعيات فقط بنسبة 33,3% لا تعتمد على العمل المأجور بأي شكل فى تنفيذ أنشطتها وتعتمد فقط على العمل التطوعي، وهى نسبة محدودة جدا، إذا اعتبرنا أن الأصل فى هذه المؤسسات هى إدارة وتنفيذ أنشطتها من خلال العمل التطوعي.
- • وسنجد هنا ملاحظة جديرة بالانتباه وهى أن معظم هذه الجمعيات 6 جمعيات أي 66,7% من الجمعيات التى تعتمد على العمل التطوعي تتركز فى محافظة المنيا وهو ربما ما قد يعود للمناخ الأمني السائد فى تلك المحافظة التى تعتبر أحد أهم مراكز نشاط جماعات الإسلام السياسي المتبنية للعنف المسلح، وهو ما فرض قيودا أمنية شديدة على أنشطة هذه الجمعيات خاصة فى مناطق التوتر، وهو ما أدى لانحسار مواردها، حيث تتميز جمعيات المنيا بفقر الموارد( أغناها لم تتجاوز مواردها فى عام 98 مبلغ 23000 جنيه فى السنة ) .
وبالتالي انخفاض قدرتها على التوظيف، بجانب ما قد يؤدى إليه التشدد الأمني أيضا من تراجع الراغبين فى العمل حتى ولو بأجور منخفضة خشية وضعهم فى دائرة الاشتباه أو تعرضهم للاحتكاك بالأمن الذى عرف بقسوته فى أماكن التوتر تلك، وأخيرا ما نلاحظه من اعتماد نسبة كبيرة من الجمعيات على العمل المأجور من خلال الانتداب من وزارة الشئون الاجتماعية، والتي تتحمل أجر الموظف المنتدب والمتفرغ للعمل بالجمعية،
وهى نسبة تصل كما يوضح الجدول إلى 51,9% من إجمالي جمعيات العينة وهو ما يعنى إن الدولة ممثلة فى وزارة الشئون تدعم طاقم العمالة بهذه الجمعيات هذا الدعم الذى يمنع عن الجمعيات التى تسعى الدولة ( وزارة الشئون / أجهزة الأمن) للتضييق على أنشطتها، وهو ما يؤكده 46% من إجمالي جمعيات العينة التى لا يوجد بها أي موظف منتدب للعمل بمحافظة المنيا فقط.
وإذا عدنا مرة أخرى لدلالات الأرقام الواردة فى الجدول السابق سنجد أن أربع جمعيات من الجمعيات التى تعتمد على العمل التطوعي فقد أي 14,8% من إجمالي العينة تعتمد على عمل طوعي يشارك فيه أعضاء مجلس الإدارة،
وأعضاء من خارج المجلس، وهى النسبة الحقيقية للجمعيات التى يتسع فيها نطاق المشاركة بدرجة أفضل نسبيا على مستوى العينة، حيث أن مساهمة أعضاء من الجمعية بشكل طوعي فى إدارتها وتنفيذ أنشطتها يمنحهم بالتأكيد فرصة أكبر فى المشاركة فى صنع توجهات الجمعية وتحديد أولوياتها.
وهناك دلالة واضحة عند المقارنة بين نسب العاملين بالأجر والمتطوعين فى الجمعيات التى تلجأ للعمل المأجور، والتي تصل نسبتها غلى 66,7% من إجمالي جمعيات العينة، حيث سنجد فى معظمها تفوق أعداد العاملين بالأجر على أعداد المتطوعين، بل سنجد أن معظم المتطوعين هم فى الحقيقة أعضاء مجلس الإدارة ( فى 13 جمعية بنسبة 48% من العينة) ، وهو ما تحول هذه الجمعيات فى الواقع لمؤسسات تشغيل أو توظيف أعداد متفاوتة من ألأشخاص،
وليس لمؤسسات تدريب على المشاركة فى العمل العام، فالموظف أو العامل لا يطلب منه فى حقيقة الأمر إلا الانصياع لرئيسه فى العمل، وخضوعه لتوجيهاته، وهى التوجيهات التى تصدر فى حالتنا تلك عن النخبة الضيقة الممثلة فى مجل الإدارة.
يؤكد هذا محاولة رصد آلية صنع القرارات والسياسات الموجهة لأنشطة الجمعيات وأولوياتها حي تشير النتائج إلى :
البيان | القاهرة | المنيا | دمياط | إجمالي |
---|---|---|---|---|
مجلس الإدارة هو المسئول فقط عن إصدار القرارات | 6 | 4 | 7 | 17 |
مجلس الإدارة مسئول عن إصدار القرارات يعاونه اللجان | - | 2 | 1 | 3 |
مجلس الإدارة مسئول عن إصدار القرارات يعاونه مسئولو الإدارة اليومية غ | 2 | 2 | - | 4 |
مجلس الإدارة مسئول عن إصدار القرارات يعاونه اللجان النوعية ومسئولو الدارة اليومية | 2 | 1 | - | 3 |
وكما يشير الجدول فالسلطة الفعلية فى يد مجلس الإدارة فى كل الجمعيات على مستوى العينة، وينفرد بشكل مطلق فى 17 جمعية بنسبة 63% من إجمالي جمعيات العينة.
وإذا حاولنا التعرف على مركز الثقل داخل مجالس الإدارات برصد توزيع مسئوليات الإدارة اليومية لأنشطة الجمعية ومن يقوم بها سنجد التالي:
البيان | القاهرة | المنيا | دمياط المنيا | إجمالي | ||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الإدارة اليومية يشرف عليها وينفرد بها رئيس مجلس الإدارة | 4 | 1 | 2 | 7 | ||||||
إلإدارة اليومية يشرف عليها رئيس مجلس الإدارة ويعاونه احد أعضاء المجلس بالتناوب ومدير مسئول | 1 | 4 | 1 | 6 | ||||||
الإدارة اليومية يشرف عليها رئيس مجلس الإدارة ويعاونه أحد أعضاء المجلس بالتناوب ومدير مسئول | 3 | 2 | 2 | 7 | ||||||
الإدارة اليومية يشرف رئيس مجلس الإدارة ويعاونه مدير مسئول | 2 | - | 1 | 3 | ||||||
الإدارة اليومية يشرف عليها بالتناوب أعضاء مجلس الإدارة | - | 2 | - | 3 | ||||||
الإدارة اليومية يشرف عليها أعضاء مجلس الإدارة مع مدير مسئول | - | - | 2 | 2 | - | 10 | 9 | 8 | 27 |
ومن الجدول السابق سنجد أن 23 جمعية بنسبة 85,2% من العينة يشرف رئيس مجلس الإدارة على العمل اليومي ويصدر القرارات لتسييره، ليس هذا فقط بل ينفرد تماما بهذه المسئولية فى 7 جمعيات بنسبة 26% من جمعيات العينة، وهى ا لنسبة التى ترتفع إلى 37% إذا أضفنا الجمعيات بنسبة 26% من جمعيات العينة،
وهى النسبة التى ترتفع إلى 37% إذا أضفنا الجمعيات التى يشرف على نشاطها اليومي رئيس مجلس الإدارة ويعاونه مدير مسئول، والذي لا يتجاوز دوره حدود موظف وليس صانع قرار أو مشارك فيه فى الغالب، والنتائج السابقة تعطى مؤشرات واضحة عن صاحب القرار الفعلي داخل هذه الجمعيات.
واستعراض ما سبق يشير إلى استخلاص رئيسي وهو أن الجمعيات الاسلامية فى العينة، هى جمعيات تعتمد فى معظمها على عضوية اسمية معظمها قليل الفاعلية والمشاركة، يغلب اعتمادها على العمل المأجور فى تنفيذ أنشطتها، الذى تسيطر على القائمين به روح الموظف وليس المشارك فى صنع القرار بداخلها، يمسك بالسلطة الفعلية فيها حلقة ضيقة تسيطر على الجمعية لسنوات طويلة لا تتجدد دماؤها ( عضويتها) غالبا، إلا لأسباب قهرية مثل الموت أو السفر لفترات طويلة خارج البلاد،
مركز الثقل الرئيسي داخل هذه الحلقة الضيقة لرئيس مجلس الإدارة الذى يظل فى الغالب محتلا لهذا الموقع لعدة دورات وبالتالي فهي جمعيات رغم اتساع نشاطها والخدمات التى تقدمها إلا أنها جمعيات نخبوية غير جماهيرية مما يسهل تماما إمكانيات التوجيه والسيطرة على سياساتها من خلال بضعة أشخاص لا يتجاوز أعدادهم أصابع اليد الواحدة، وهى الإمكانية التى تتسع فى حالة وجود أفرع ( مساجد) لهذه الجمعيات والخاضعة لنفس المركز أو النخبة.
الجمعيات الأهلية الاسلامية ، التمويل المتجدد
يعتبر توفير مصادر التمويل والدعم من أهم التحديات التى تقابل منظمات العمل الأهلي بشكل عام، وتحدد قدرتها على تنفيذ أنشطتها ومدى اتساع نطاق نفوذها وتأثيرها،
وهو المجال الذى استطاعت الجمعيات الأهلية الاسلامية أن تحقق فيه نجاحا ملحوظا، فى محاولة لرصد إيرادات جمعيات العينة ومصادر تمويلها من خلال الميزانيات الرسمية لعام 1998،
وجد أن إجمالي إيرادات هذه الجمعيات لعام واحد يصل إلى 9584293 جنيه مصري أي ما يتجاوز تسع ملايين ونصف جنيه مصري ،
وهو ما لا يدخل فيه قيمة الأصول الرأسمالية الثابتة من مباني/ أراضى / ومقرات/ معدات وتجهيزات .. الخ، وهو ما يعنى أن متوسط إيرادات الجمعية الواحدة يصل إلى 353973 جنيه فى العام الواحد، وهو ما يعنى أيضا أن هذه الجمعيات بدرجة أو بأخرى لا تعانى أي فقر فى الموارد ( بالقياس لجمعيات أخرى) ،
والتي تتعدد مصادرها كما يشير الجدول التالي:
ومن الجدول نستنتج :
أولا: تعدد مصادر تمويل الجمعيات الأهلية الاسلامية والتى تصل إلى 6 مصادر أساسية.
ثانيا: الجزء الاساسى من الاحتياجات التمويلية للجمعيات الاسلامية يأتي من مصادر لا تؤثر على استقلاليتها أو تحد من قدرتها على تنفيذ أنشطة محددة، وهو ما يحدث غالبا إذا اعتمدت على مصادر تمويل حكومية،
وهى المصادر التى لا تشكل فى حالتنا تلك إلا 02,3% من حجم إيرادات هذه الجمعيات، وهى نسبة لا تؤثر كثيرا على الهياكل التمويلية لهذه المؤسسات.
ثالثا: الجزء ألأكبر من موارد هذه الجمعيات ( اشتراكات / تبرعات/ تصاريح جمع المال/ عائدات أنشطة وممتلكات) والذي يصل إلى 97% تتميز بأنها .
- 1- دائمة ومتجددة.
- 2- تعتمد فى تعبئتها على توظيف البعد الديني بشكل أساسي ( صدقات/ زكاوات/ كفالة / يتيم / إسهام فى رعاية مساجد وإقامتها/ تيسير إقامة الفرائض كالحج) وهو ما يمثل مصدرا أساسيا من مصادر تمويل 96,3% من إجمالي جمعيات العينة.
- 3- الجزء الأكبر منها يعتمد على مشروعات ذات طابع اقتصادي خدمي ( فى مجال التعليم/ الخدمات الدينية / الخدمات الصحية) والتي توفر وحدها 51,8% من إجمالي إيرادات هذه الجمعيات وتشكل مصدرا أساسيا من مصادر تمويل 96,3% من إجمالي جمعيات العينة وهى تحقق حزمة من الأهداف فى ذات اللحظة.
- (أ) تقديم خدمة قليلة لقطاعات واسعة من السكان من الفئات الفقيرة والمهمشة لا تتوفر لهم ف الغالب وتقدم فى إطار يؤكد الانطباع لديهم بقدرة للتيار الاسلامى على أن يكون البديل الذى يرعى مصالحهم كأحد آليات بناء النفوذ السياسي.
- (ب) هذه المشروعات تخلق فرص عمل لأعداد ليسن قليلة من الأنصار والمؤيدين الذين يضمن تشغيلهم استمرار ولاءهم، نجد على سبيل المثال أن جمعيات العينة توفر 2378 فرصة عمل بالأحر.
- (ج) هذه المشروعات تحقق عائدا اقتصاديا كبيرا يتيح للجمعيات الاسلامية فرصة تنفيذ مزيد من الأنشطة وتوسيع نطاق الخدمات التى تكسبها مزيدا من النفوذ والأنصار.
رابعا: أما الجمعيات التى يعد الدعم الحكومي أحد مصادر مواردها وليس المصدر الوحيد أو الاساسى فلا يتجاوز نسبتها 26% من إجمالي جمعيات العينة وهو ما يشير إلى حجم السيطرة والتدخل الفعلي الذى يمكن أن يشكله الدعم المالي الحكومي الموجه لهذه الجمعيات والذي يعد مصدرا ثانويا ( 2,2% من إجمالي تمويلاتها عام 98) يمكن الاستغناء عنه، فهو لا يشكل فى أكبر حالات الدعم الحكومي المقدمة للجمعية ( نموذج الجمعية الشرعية ) أكثر من 3% من إجمالي مواردها الأخرى فى عام 1998.
خامسا: هناك هيئات أخرى تقدم دعما للجمعيات قد يتوقف على مدى الصلة أو العلاقة وتشمل هذه الهيئات ( الجمعية المركزية التى تتبع لها الجمعية إذا كانت فرعا، البنوك وهيئات أخرى لم يرد توضيح بخصوصها إلا ن هذا الدعم لا يتجاوز أيضا 0,8% من إجمالي موارد هذه الهيئات.
سادسا : بمتابعة أشكال الدعم المقدم خاصة فى مجال التبرعات سنجد درجة كبيرة من التنوع بين تبرع نقدي ، وعيني قد يشمل مأكولات/ ذبائح/ ملابس/ أكفان... وهو ما يشير إلى درجة عالية من المرونة لدى هذه الهيئات وقدرة واضحة على تعبئة الموارد.
سابعا : ملاحظة أخيرة بخصوص الثقل النسبي لمصادر التمويل سنجد أنه فى القاهرة والمنيا تعتمد الجمعيات بشكل أساسي على عائدات الأنشطة والممتلكات، على عكس دمياط حيث تأتى التبرعات فى المركز الأول، وربما يعود هذا بتقديرنا إلى رسوخ قوة نشاط حركة الإسلام السياسي فى المحافظتين هذا الرسوخ الذى اكسب نشطاء الحركة الاسلامية بشكل عام قدرا من الخبرات والقدرات تمكنهم من تجاوز واقع التعبئة الدينية والسياسية، إلى توظيف نتائجها فى أبنية مؤسسية لها طابع الاستقرار والاستمرارية والقدرة على إحداث التراكم فى اتجاه تغيير موازين القوى.
والخلاصة أن الجمعيات الاسلامية بالعينة استطاعت التغلب على مشكلة محدودية الموارد، حيث تتمتع بتنوع واضح فى مصادر الموارد، واستقلاليتها عن الدولة ، وهى موارد دائمة ومتجددة يعتمد فى تعبئة معظمها على البعد الديني، وكفاءة الإدارة الاقتصادية.
المرأة والجمعيات الأهلية الاسلامية بين التوظيف المقيد والمشاركة فى صنع القرار
- نجد أن مستوى مشاركة المرأة فى العمل الأهلي ما زال يعانى من الانحصار الشديد نتيجة سيادة الأنماط الثقافية المحافظة التى ما زالت تميز بين الرجل والمرأة ، وهو ما سنجده أيضا فى الجمعيات الاسلامية التى تتميز هنا بمحاولة إيجاد غطاء أيديولوجي يبرر هذه القيود حيث يصبح مستوى ونوعية ومجالات مشاركة المرأة فى العمل الطوعي والعام من خلال الجمعيات الأهلية الاسلامية تتحدد برؤية الفكر الديني لدور المرأة بشكل عام، وحدود علاقاتها سواء داخل الأسرة أو خارجها وعلاقتها بالرجل على نحو أكثر خصوصية.
حيث ما زالت كل تيارات حركة الإسلام السياسي ( رغم الاختلاف النسبي) تتبنى رؤية محافظة وتقليدية تميز بين الرجل والمرأة فى الدوار الاجتماعية وتجعل القوامة للرجل، ولا تعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة سواء داخل الأسرة أو خارجها .
فما زال الإطار العام لرؤى جماعات الإسلام السياسي يقف عند اعتبار المنزل هو المجال الطبيعي والأساسي لنشاط المرأة ، هذا النشاط الذى يدور حول إرضاء الزوج وتهيئة المناخ لرعاية الأسرة، وتربية الأبناء على القيم الاسلامية وفى حدود هذا الدور يجب أن تدور أيضا كل المعارف والخبرات والمهارات التى تلقن للمرأة أو تكتسبها، لتعظم من قدرتها على القيام به، وحتى عند اضطرارها للخروج للعمل، فإن مجالات العمل المسموح بها تدور بشكل مباشر وغير مباشر حول تدعيم هذا الدور النسوى، وفى مناخ لا يجب أن يخل بالضوابط والشروط الاسلامية ( كما تراها هذه التيارات) ، وإلا كان الإخلال بها نوعا من الإباحية والخروج عن صحيح الدين،
وهى الشروط التى تدور فى الغالب حول:
- الفصل بين الجنسين فى مجالات العمل.
- الالتزام بالزى الاسلامى ( الحجاب) فى الحد الأدنى وصولا لارتداء النقاب.
- العمل فى مجالات تهتم بالأطفال والنساء فقط، وهى مجالات العمل التى تناسب طبيعة المرأة .
وعلى الرغم من حاجة الحركة الاسلامية لتجييش كل قواها( رجال ونساء) لدعم عمليات بناء نفوذها الفكري والسياسي، إلا أن هذه الرؤية المحافظة لدور المرأة انعكست بشكل مباشر على مستوى ونوعية إسهام المرأة ومشاركتها فى بناء هذه الحركة، وأدت لتدنى مستوى مشاركتها،
وهو ما يبدو واضحا بدرجة كبيرة عند الاقتراب من متابعة أوضاع مساهمة ومشاركة المرأة فى الجمعيات الأهلية الاسلامية ، فرغم كون هذه الجمعيات بالمعنى العام والواسع أحد قواعد بناء النفوذ الفكري والسياسي، وإحداث التغيير الثقافي كأحد آليات بناء المجتمع المسلم والدولة الاسلامية ، أي أنها فى النهاية جزء من أدوات ومؤسسات عملية التغيير السياسي،
وهى الوات والمؤسسات التى من المفترض أن تسعى وتعبئ كل قوى التغيير، وتحررها من قيوده ليس فقط كجزء من عملية تعبئة واستنفار فى إطار عملية التغيير ذاتها، ولكن أيضا وبالأساس لترسيخ وبلورة قيم وعلاقات المجتمع الجديد، الذى تكتسب فيه هذه القوى خبرات ومهارات وأدوار- جديدة عب ممارستها ومشاركتها فى عملية التغيير ذاتها.
إلا أن الواقع عند الاقتراب من الجمعيات الأهلية الاسلامية يشير بوضوح لعكس هذا وذلك لتأثرها بالرؤية المحافظة للحركة الاسلامية لدور المرأة ، بحيث يمكن القول إن هذه المؤسسات من خلال انشطتها وجهودها لعبت دورا حاسما فى إعادة إنتاج وتثبيت وتعميق كل لتراث السلفى والمحافظ الذى يؤكد أوضاع التهميش والتمييز التى تعانى منها المرأة.
وهو ما حاولنا التوصل له من خلال التعرف على مدى تواجد النساء فى مؤسسات العمل الهلى بمستوياتها المختلفة الجمعية العمومية، مجلس الادارة، العمل والنشاط الطوعى اليومى، العمل المأجور، وهى المستويات التى يحدد مدى إسهام وتواجد المرأة بها مستوى المشاركة المتاحة لها فى صنع القرار داخل هذه الجمعيات والاسهام فى صنع سياساتها وتوجهاتها، بجانب كونها محك فعلى يظهر مدى التغير الحادث فى رؤية الحركة الاسلامية لدور المرأة فى مجتمعها.
وكان المستوى الأول الذى يعكس مدى إسهام المرأة ونشاطها بالجمعيات الأهلية الاسلامية ، هو حم مشاركتها فى عضوية هذه الجمعيات، وهو ما يوضحه الجدول التالي:
المحافظة | عدد الجمعيات | جمعيات تسمح بعضوية الإناث | % |
---|---|---|---|
القاهرة | 10 | 7 | 70 |
المنيا | 9 | 11 | 11,1 |
دمياط | 8 | 2 | 25 |
الاجمالى | 27 | 10 | 37 |
حيث نجد أن 37% فقط من إجمالي العينة هى التى تسمح للنساء بالعضوية، أي أن 63% من جمعيات العينة مقصورة أصلا على الذكور، ولا يسمح فيها للنساء بالتواجد، وسنجد من الجدول أيضا أن محافظة المنيا هى صاحبة أقل نسبة للجمعيات التى تسمح بمشاركة المرأة فى العمل الأهلي،
وهو ما يجد تفسيره فى انتشار الاتجاهات الأكثر أصولية بهذه المحافظة ( تنظيم الجماعة الاسلامية ) على عكس القاهرة التى يتواجد بها تيار الإخوان لهذا قد تمثل محافظة دمياط النموذج السائد بين الجمعيات الاسلامية فى المحافظة التى لا يبرز فيها تيارات الإسلام السياسي كأحد القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة.
وإذا حاولنا الاقتراب أكثر من الجمعيات التى تسمح بعضوية المرأة للكشف عن حجم هذه العضوية ومدى فاعليتها كما فى الجدول:
المحافظة | عدد الجمعيات | إجمالي العضوية | إجمالي عضوية النساء | % | المشاركة فى الجمعية العمومية لعام 98 | المشاركات فى الجمعية العمومية لعام 98 | % |
---|---|---|---|---|---|---|---|
القاهرة | 7 | 4583 | 230 | 5 | 426 | 16 | 3,7 |
المنيا | 1 | 80 | 6 | 7,5 | 17 | 1 | 9,9 |
دمياط | 2 | 880 | 20 | 2,3 | 142 | 5 | 142 |
إجمالي | 10 | 5543 | 256 | 4,6 | 587 | 22 | 3,4 |
سنجد دلالات واضحة على المشاركة الهامشية للمرأة فى عضوية هذه الجمعيات والتي لا تتجاوز فى أفضل الأحوال 7,5% من إجمالي أعضاء الجمعية، بمتوسط عام لا يزيد عن 4,6% وهى المشاركة التى تظهر حقيقتها إذا نظرنا إلى حجم الحضور من النساء فى آخر جمعية عمومية 1998،
والتي لم تتجاوز 8,5% من إجمالي النساء المشاركات فى عضوية هذه الجمعيات، ولا تتجاوز 3,8% من إجمالي نسبة الحضور بشكل عام فى الجمعيات العمومية ،
وهى نسب فى منتهى التدني، ترتبط بحجم متدني لعضوية النساء فى هذه الجمعيات ، هذا الحجم الذى يقل كثيرا وتلك المشاركة التى تتدنى أكثر إذا عرفنا أن جزء كبيرا من العضوية أو الحضور فى الجمعية العمومية للنساء العاملات بالجمعية ذاتها ( ثماني جمعيات من 10 توظف النساء) والذي يتم حضورهن فى الغالب لاستكمال النصاب/ أو لتكتيل الأصوات.
وإذا كانت مشاركة النساء فى عضوية الجمعية أو حضورهن الجمعية العمومية على هذه الحالة من التدني، فالوضع يزداد تدهورا فى المؤسسات المسئولة عن صنع القرار داخل الجمعيات الأهلية ألا وهى مجالس الإدارة التى تشير البيانات الواردة بالعينة إلى أن 25 جمعية من جمعيات العينة بنسبة تصل 92,6% من جمعيات العينة لا توجد نساء فى مجالس إدارتها ( معية فى المنيا وأخرى فى دمياط).
هذه المؤشرات لا تؤكد فقط على تهميش المرأة فى مجال صنع القرار داخل مؤسسات العمل الأهلي الاسلامية ،
ولكن أيضا فى مجال العمل التطوعي بشكل عام حيث تتضاءل بدرجة كبيرة نسبة المتطوعات فى جمعيات العينة مقارنة بالذكور كما يشير الجدول:
وهو ما يظهر بوضوح طبيعة المطلوب من دور للنساء هذا الدور الذى يقتصر على بعض الأنشطة التنفيذية كعاملات نظافة عاملات فى الجهاز الادارى، مدربات فى مشاغل تعليم الخياطة والتريكو، ممرضات وطبيبات فى بعض الأحيان وهنا ترتفع نسبة تواجد النساء كما يشير الجدول:
المحافظة | عاملون بالأجر ( ذكور +إناث) | عاملات بالأجر | % |
---|---|---|---|
القاهرة | 2340 | 380 | 16,2 |
المنيا | 59 | 26 | 44,1 |
دمياط | 157 | 82 | 52,2 |
الاجمالى | 2556 | 488 | 19,1 |
وفى محاولة للتعرف على خريطة قوة العمل النسائية بالجمعيات وجدنا فى حدود المعلومات المتاحة من العينة التالى:
وهو ما يشير إلى الاعتماد على المرأة فى الأنشطة التنفيذية ذات الطابع الخدمي خاصة الموجهة للأطفال أو المرأة ، يؤكد هذا التوجه استطلاع رأى عينة من نخبة للنشطاء بالجمعيات الأهلية فى العينة كان توزيعها كالتالي:
حيث استطلع رأى هذه النخبة حول قضية مشاركة المرأة فى العمل الأهلي وجاءت إجاباتهم موزعة كالتالي:
نشاطها هو المنزل.
وإذا حاولنا تحليل نتائج آراء نخبة العمل الأهلي فى الجمعيات الأهلية الاسلامية حول مشاركة النساء فى العمل التطوعي سنجد أن نسبة الموافقة بدون قيود تساوى الرفض المطلق وهى ( 07,7) ،
ولكن إذا حللنا الآراء المرافقة بدون تحفظ سنجد التالي:
أن أحدهما ينسب إلى قيادة فى جمعية لا تسمح أصلا للنساء بالحصول على عضويتها، أما الثاني فهو ينسب لقيادة تسمح للنساء بالحصول على عضويتها ولكن لا توجد نساء فى مجلس إدارتها/ جهازها العامل بالأجر أو حتى بين المتطوعات. وعلى الرغم من أن نسبة النساء فى الجمعية تصل إلى 21,7% من إجمالي العضوية، إلا أن نسبة مشاركتهن فى آخر جمعية عمومية ( 1998) بجمعيات أصحاب هذا الرأي تحديدا كانت صفر، وبالتالي يمكن القول أن الآراء الموافقة بدون تحفظ على مشاركة المرأة فى العمل الأهلي لا تعكس موقفا حقيقيا لأفراد هذه العينة.
أما الجزء الأكبر من أفراد العينة 69,3% فهو يوافق على مشاركة المرأة ولكن فى ظل قيود وشروط محددة، تحددها الرؤية المحافظة للمرأة وطبيعة الأدوار الاجتماعية المنوطة بها كما تتبناها تيارات حركة الإسلام السياسي،
والتي تكرس أوضاع تهميش المرأة وممارسات التمييز ضدها، ليس هذا فقط بل إن مفهوم المشاركة كما ورد لدى آراء هذه النخبة يخلط ربما عن عمد بين الإسهام فى العمل العام الطوعي وإتاحة فرص العمل المأجور للنساء داخل جمعياتهم،
وهو ما يكشف عن أن فكرة مشاركة النساء فى اتخاذ القرارات وإدارة العمل الطوعي داخل منظمات العمل الأهلي غير واردة أصلا على أذهان هذه القيادات.
وهو ما يوضحه بكل أبرز رأى هذه النخبة فى مشاركة النساء بشكل محدد فى عضوية مجالس إدارات الجمعيات الأهلية الاسلامية.
الرأي فى مشاركة المرأة فى مجلس إدارة الجمعية الثقل النسبي:
وإذا حاولنا تحليل نتائج الجدول الخاص بآراء نخبة جمعيات الاسلامية فى ا لعينة حول مشاركة النساء فى عضوية مجلس الإدارة سنجد:
أن 15,9% من الآراء الواردة بالعينة تشير غلى الترحيب بدون قيود، إلا أن النظر فى أوضاع جمعيات النخب التى لا تمانع من مشاركة النساء فى عضوية مجالس الإدارة بدون قيود يؤكد على هذا الرأي لا يعكس موقفهم فجمعيات هذه النخب تتميز بـ :
- • واحدة منها لا تسمح بعضوية النساء أصلا والباقي على الرغم من وجود نساء فى عضوية الجمعية إلا أنهن لا يمثلن فى مجلس الإدارة، بل إن واحدة من هذه الجمعيات لم تشارك العضوات بها فى حضور الجمعية العمومية.
- • القيادات أصحاب الرأي الرحب بالمشاركة بدون تحفظ( أحدهم سكرتير عام جمعية والباقي رؤساء مجالس إدارة) من النخب المسيطرة على مقاليد الأمور فى جمعياتهم ولفترات طويلة، أحدهم رئيس منذ أكثر من 25 عام والآخر منذ أكثر من 24 عام والسكرتير منذ 10 سنوات، وبالتالي إذا كان ترحيبهم بمشاركة المرأة فى عضوية مجلس الإدارة يعبر عن موقف حقيقي لكان قد انعكس فى تحريكهم الأمور فى داخل جمعياتهم فى هذا الاتجاه.
تظل الكتلة الرئيسية من الآراء 73,7% والتي تضع قيود على مشاركة المرأة فى عضوية مجالس الإدارة، وهى قيود كما جاء فى الجدول إما أنها تحول دون مشاركة المرأة بالفعل فى عضوية مجالس الإدارة مثل الشرط الخاص بانتخاب الأعضاء لها، وهو شرط يستحيل تحققه فى الواقع العملي بين أناس يؤمنون بقوامة الرجل على المرأة ،
وبأن مجال نشاطها الاساسى هو المنزل وتربية الأبناء، أما الشرط الخاص بضرورة أن تكون مثقفة علميا ودينيا واجتماعيا فإذا كان لا يطبق عمليا على الرجال فهو يأتي هنا من باب التعجيز وتضييق الفرص أو فى أحسن الأحوال إتاحتها لبعض كوادر الحركة الاسلامية من النساء للعب أدوار محددة ومؤقتة.
ثم يأتي القيد الأخير الذى يقصر هذا الحق على الجمعيات النسائية الاسلامية والتي يجب أن توجه نشاطها لخدمة المرأة والطفل فقط، كاشفا عن الرأي الحقيقي الذى يميل إلى عدم مشاركة النساء للرجال فى قيادة هذه الجمعيات بل ضرورة عزلهن ترسيخا لرؤية الحركة الاسلامية بضرورة الفصل بين الجنسين.
وهكذا يبدو من تحليل نتائج الجدول السابق أن الاتجاه العام لا يسمح بدور حقيقي للنساء فى الجمعيات الاسلامية يتجاوز حدود القيام ببعض الوظائف مقابل أجر وفى حدود ضيقة وتحت إشراف النخب المسيطرة عليها من الرجال.
الجمعيات الأهلية الاسلامية وبناء النفوذ الفكري والثقافي للحركة الاسلامية
لا يمكن اعتبار الجمعيات الأهلية الاسلامية جزءا من الحركة الاسلامية، أو الحالة الاسلامية الساعية لإحداث تغيير ثقافي حقيقي، يساعد على تهيئة وتجهيز الواقع لنجاح المشروع السياسي لمنظمات الإسلام السياسي فى بناء الدولة الاسلامية بدون فحص الأغراض الحقيقية التى أسست عليها هذه الجمعيات، بشيء من التفصيل، والنظر فى مدى تحقيقها لهذا التغيير الثقافي الساعي لجعل الفكر الديني هو المرجعية الأساسية،
وهو ما حاولنا التعرف عليه من خلال رصد الأغراض التى كانت من وراء تأسيس جمعيات العينة كما جاءت فى الإجابة على السؤال الخاص بذلك فى دليل الملاحظة والدراسة المتعمقة،
وتشير النتائج إلى تحرك هذه الأغراض فى ثلاث مجالات أساسية هى:
- 1- أغراض دينية مباشرة تتصل بنشر العقيدة الاسلامية وتأدية فرائضها، وسننها.
- 2- أغراض دينية غير مباشرة تتصل بتأكيد بعض القيم والأخلاقيات الاسلامية.
- 3- أغراض غير دينية تقوم فى ظل وتحت رموز وشعارات دينية لدعم مصداقية نشطاء الحركة الاسلامية وتقديمهم كبديل.
ويشير الجدول التالي إلى الثقل النسبي لهذه الأغراض التى تتكرر أو تتشابه فى عدد كبير مكن الجمعيات.
أولا: الأغراض الدينية المباشرة:
ثانيا : الأغراض الدينية غير المباشرة
ثالثا : أغراض غير دينية
ومن الجدول تجد أن الأغراض الدينية هى ألأساس فى تأسيس هذه الجمعيات من حيث تعددها 13 غرض تشكل 48% من إجمالي أغراض هذه الهيئات، وترتفع إلى 16 غرض بنسبة 59% من إجمالي أغراض هذه الهيئات إذا أضفنا إليها الأغراض الدينية غير المباشرة، بحيث نجد فى جميع العينة عدم خلو أي جمعية من غرض أو أكثر يتبع كل منهما،
وهو ما يعنى أتن الأغراض ذات البعد الديني تعتبر هى الأغراض الأساسية لهذه الجمعيات، التى تأتى الأغراض الأخرى الثانوية لتحقيقها ،
وهو ما يتضح فى حجم الأنشطة والمشروعات التى أمكن رصدها فى هذه الهيئات والتي تخدم بشكل أساسي الرسالة الدينية لهذه الجمعيات حيث كان توزيع الأنشطة فى مدى تحقيقها للأغراض السابقة كالتالي:
أولا: أنشطة ذات هدف ديني مباشر :
ثانيا:أنشطة ذات هدف ديني غير مباشر
ثالثا: أنشطة ذات أهداف غير دينية
ومن الجدول سنجد أن إجمالي الأنشطة التى تم رصدها فى جمعيات العينة تصل إلى 150 نشاط كان توزيعها كالتالي:
وهو ما يعنى أن الأنشطة الفعلية التى تمارس فى هذه الجمعيات والتي تدور فى فلك تحقيق الأغراض الدينية تصل إلى 60,7% ، وأما باقي الأنشطة 39,3% فهي توظف فى الحقيقة لخدمة الرسالة الدينية لهذه الجمعيات.
وهى الرسالة التى تضخ المياه بشكل مباشر فى طاحونة أهداف حركة الإسلام السياسي الساعية لنشر ثقافة التدين، ويؤكد على هذا الدور المحوري الذى تلعبه الجمعيات فى هذا المجال التالي: 1- حجم الأموال الموظفة فى المشروعات ذات الغرض الديني المباشر وغير المباشر والتي أمكن رصدها كما يوضح الجدول.
1- الموارد الموظفة فى الأنشطة ذات الغرض الديني المباشر
2- الموارد الموظفة فى الأنشطة ذات الغرض الديني غير المباشر
أنشطة ذات غرض غير ديني
ومن الجداول الثلاثة السابقة يمكن استخلاص الثقل النسبي لمجالات اهتمامات وأنشطة الجمعيات الاسلامية التى تختص بالجزء الأكبر من الموارد كالتالي:
أي أن 77,5% من إجمالي الموارد التى تتوفر لهذه الجمعيات توظف فى أنشطة دينية مباشرة وغير مباشرة، تسعى لتحقيق الرسالة الدينية لهذه الجمعيات، أما الجزء المتبقي من الموارد والذي لا يتجاوز 22,5% من إجمالي موارد جمعيات العينة، فهو وإن كان يوظف فى خدمات ليس لها علاقة مباشرة بالأغراض الدينية إلا أنه يقدم فى ظل مناخ يشمل حزمة من الرموز والإشارات وأساليب التعامل والتخاطب،
تسعى لتأكيد الهوية والغرض الاسلامى لهذه المؤسسات وهو ما يمكن تلمسه فى :
- • كون معظم جمعيات العينة ( 21 جمعية بنسبة 77,8% ) إما جزءا من مسجد، أو ملحقا بها مسجد منفصل أو تخصص بمقرها مكان بارز للصلاة.. وهو ما يخلق ارتباطا واضحا بين الجمعية كمؤسسة وما تقدمه من خدمات وبين المسجد وما يرمز لع من أبعاد دينية وثقافية وسياسية.
- • الفصل الذى يتم بين الذكور والإناث فهناك 30% من جمعيات العينة تفصل تماما بين الذكور والإناث فى مجال الخدمات والأنشطة 4,8% من جمعيات العينة تمارس الفصل فى مجال الأنشطة ( خاصة الدينية )، وتتجاوز عنه نسبيا فى مجال الخدمات ( فصول الحضانة، المترددون على المستوصفات) ، أي أن هناك 35% من جمعيات العينة تمارس أو تسعى للفصل بين الإناث والذكور، وهى النسبة التى ترتفع بدرجة كبيرة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود 17 جمعية فى العينة بنسبة 63% لا تسمح أصلا بعضوية النساء، وبالتالي لا تتجاوز الاختلاط الفعلي مجال من يتلقى الخدمة.
- • مجال آخر يدعم هذا التوجه هو تميز النشطاء فى الجمعية أو العاملين بها أو المترددين عليها والتزامهم بمظهر محدد كالجلباب الأبيض أو الحجاب أو إطلاق اللحى، وهو ما تم رصده بشكل واضح فى عدد من الجمعيات ( 15 % تقريبا من جمعيات العينة، فى الوقت الذى يوجد هذا التميز بدرجات متفاوتة الانتشار فى باقي الجمعيات .
- • يستكمل هذا المناخ وجود اللوحات والشعارات ومجلات الحائط المعلقة على الجدران وفى أماكن بارزة أحيانا بمقار هذه الجمعيات، والتي تحمل مضمونا دينيا واضحا قد يتناول بعض الأحاديث النبوية أو القدسية، أو بعض آيات القرآن الكريم، أو بعض النصائح والتعاليم التى تسعى لترسيخ القيم الأخلاقية الاسلامية ، أو لإعطاء الأنشطة التى تمارس داخل الجمعية مضمونا ومعنى إسلاميا خالصا، وهى المظاهر التى تم رصدها بشكل واضح فى 59% من جمعيات العينة.
• وأخيرا تأتى المواد المطبوعة والمقروءة التى تحتوى على مكتبات هذه الجمعيات والمساجد الملحقة بها لتستكمل هذا الإطار الديني، حيث حاولنا بشكل سريع عمل تصنيف عام للكتب والمطبوعات المتوفرة بمكتبات هذه الجمعيات فوجدناها لا تخرج عن:
- 1- كتب التفاسير ( ابن كثير/ السيوطي/ الوسيط/ ظلال ا لقرآن/ القرطبي/ ابن تيمية/ ابن القيم/ الطبري/ الجلالين).
- 2- المصحف الشريف.
- 3- كتب الفقه ( فقه السنة للشيخ سيد سابق).
- 4- كتب كبار رموز الحركة الاسلامية ( للشيخ الشعراوى/ محمد الغزالي/ سيد قطب/ كشك/ عطية صقر/ عبد الحليم محمود/ أحمد حسن الباقورى).
- 5- بعض الكتابات الاسلامية لـ طه حسين/ العقاد/ محمد حسين هيكل/ عبد الحميد جودة السحار/ مصطفى محمود.
- 6- مجلات دينية ( الدين الاسلامى/ منبر الإسلام).
- 7- كتب فى الأدب ( نجيب محفوظ/ عبد الرحمن الشرقاوي/ توفيق الحكيم وتوجد فى مكتبة واحدة هى مكتبة جمعية الشبان المسلمين).
وإذا كانت أغراض التأسيس ونوعية الأنشطة وثقلها النسبي والمناخ الذى تقدم فيه تحسم الوظيفة أو الرسالة الدينية التى تقوم بها هذه المؤسسات، إلا أن ما يوضح دورها المباشر كأحد آليات بناء النفوذ الفكري والثقافة لحركة الإسلام السياسي الساعية لتغيير المجتمع بكامله يتضح أكثر إذا حاولنا التعرف على الدوافع وراء نشاط النخب المسيطرة على هذه الجمعيات،
والتي كانت وراء تأسيسهم لها، أو انضمامهم إليها، حيث كانت دوافعه كما أشاروا إليها كالتالي:
ومن الجدول السابق نجد أن الدوافع الدينية المباشرة هى الأساس وتشكل 77,8% من الدوافع ويصل ثقلها النسبي من التكرارات إلى 54,1% إذا أضفنا إليها الدوافع الدينية غير المباشرة ترتفع إلى 88,9% من الدوافع وبثقل نسبى من التكرارات يصل إلى 62,2% .
وهذا النسبة الغالبة للدوافع الدينية لدى عينة النخب المسيطرة على جمعيات العينة والمحركة لنشاطها، والتي كانت وراء تأسيس هذه الجمعيات أو الانضمام إليها تكشف بشك لواضح ومباشر عن الدور الذى تلعبه الجمعيات الاسلامية فى حرث الواقع لعملية التغيير القيمى والثقافي،
كمقدمة ضرورية لعملية التغيير السياسي التى تتبناها الحركة الاسلامية، حيث تتجاوز حالة هذه النخب مستوى التدين العادي، أو الإيمان الفردي بالفكر الديني للحركة الاسلامية، وما تطرحه من قيم ومفاهيم، بل ينطلق هذا الإيمان إلى نطاق الدعوة والتجسيد فى إطار مؤسسي ومنظم،
يأخذ شكل الجمعية الأهلية الاسلامية، التى تروج للفكر والقيم والمفاهيم الاسلامية بشكل مباشر، والذي جاء على حد تعبير بعض نخب هذه الجمعيات كنوع من " الحساس بالمسئولية تجاه المسلمين" أو بتعبير أوضح " الدعوة إلى الله بطريقة منظمة" يؤكد هذا التوجه للعب دور قصدي ومحدد أن أغلب النشطاء الذين تم استطلاع رأيهم فى العينة هم أعضاء مؤسسون كما فى الجدول.
أي أن 63% منهم تقريبا كان من المؤسسين لهذه الجمعيات، وهو ما يشير إلى أن النخب المسيطرة على هذه الجمعيات تسعى لبدء واستكمال دور محدد تعتقد أنه جزء من واجبها الديني الذى لن ينتهي بالتأكيد إلا بتحقيق الغاية من ورائه، حيث بدأ هذا الدور أو النشاط بتأسيسهم لهذه الجمعيات أو الانضمام إليها، وهى نفس الغاية التى تسعى كل فصائل الإسلام السياسي، لتحقيقها، وإن كان من على أرضية سياسية مباشرة،
وبالتالي إن لم يكن هناك نوع من الارتباط أو العلاقة ففي الحد الأدنى توجد درجة من التعاطف والتوحد فى الغايات والأهداف، هذا التوحد الذى يجعل ما تقوم به الجمعيات الأهلية الاسلامية يصب بشكل مباشر فى طاحونة حركة الإسلام السياسي،
ونضرب مثلا محددا بنوعية القيم الاسلامية التى تسعى هذه الجمعيات لترسيخها وتثبيتها فى المجتمع من خلال نشاط جمعيات العينة، كما يراها أعضاء النخب المسيطرة والذي تم استطلاع آرائهم بصددها كما يلي:
وإذا كانت هذه القيم لا تختلف كثير حتى فى اللغة عما يرد فى أي مطبوع خاص بأي تنظيم من تنظيمات الإسلام السياسي، فالصلة بين هذه الجمعيات الاسلامية ، وتيارات الإسلام السياسي تزداد وضوحا وتأيدا من خلال الأساليب أو الطرق التى أشار أفراد العينة الذين تم مقابلتهم،
والتي يرونها السبيل لتحقيق هذه القيم والت تشمل:
- • التقيد بمبادئ الشريعة السمحاء.
- • التقيد بالكتاب والسنة والعمل بهما.
- • استخدام موارد الزكاة فى مصارفها الشرعية.
- • زيادة الوعي الديني بالمبادئ الدينية الصحيحة.
وهى كلها كما نرى أبرز النقاط البرنامجية التى يكاد تتفق عليها كل فصائل حركة الإسلام السياسة.
هكذا يبدو وبوضوح الدور الذى تلعبه الجمعيات الأهلية الدينية فى دعم وبناء النفوذ الفكري والثقافة لتيارات الإسلام السياسي والترويج لأفكارها، ليس هذا فقط بل واكتساب مزيد من النشطاء الساعين للانخراط فى دعم هذه التيارات سواء بشكل مباشر من خلال عضويتهم بها، أو النشاط من خلال الجمعيات الأهلية الاسلامية ،
وهو ما يشير إليه 37% من النخب الذين تم مقابلتهم والذين انضموا لجمعيات العينة من خلال:
- 1- الدروس والندوات التى تلقى بمساجد الجمعية .
- 2- دعوة وإقناع الأصدقاء الذين يشاركون فى أنشطة هذه الجمعيات وتأسيسها.
- 3- استفادتهم المباشرة من أنشطة الجمعية .
ويبدو أن الوسيلة الأخيرة تعد أكثر الوسائل فاعلية فى توسيع رقعة المؤيدين والأنصار وأيضا النشطاء، وهو ما يبدو فى مقدمة الأهداف من وراء العديد من الأنشطة والخدمات التى تقدم فى الجمعيات الأهلية الاسلامية،
والتي تسعى لتحقيق نتائجها فى هذا المجال، عبر التأثير فى اتجاهات وقيم قطاعات محددة من الفئات المستفيدة بخدمات هذه الجمعيات، خاصة قطاع الأطفال والشباب،
وهى الدائرة المرشحة لإمداد الحركة بنشطاء المستقبل، بجانب ضمان تأييد فئات أخرى من السكان خاصة المهمشين وذوى الظروف الصعبة،
خاصة فى حالة المعارك أو التوترات أو الضغوط السياسية المتوقعة، مجرد نموذج لهذه الوسائل وحجم التأثير المتوقع منها نورد الجدول التالي الذى يشير غلى بعض المشروعات التى تحقق هذا الهدف وحجم التأثير المتوقع من خلالها.
الهدف/ المشروع | عدد الجمعيات المنفذة | الفئة المستهدفة وحجمها |
---|
والمشروعات السابقة تمثل الحد ألأدنى، فهي فقط المشروعات التى تم رصد وتحديد الفئات المستفيدة منها، من واقع البيانات الموجود فى بعض الجمعيات وليس كل الجمعيات،
وإذا اعتبرنا أيضا الفئات التى تقع فى دائرة تأثير جمعيات العينة فإعادة تصنيفها يشير إلى :
8836 طفل / طفلة يتعرضون لتأثير مباشر يسعى لتعديل اتجاهاتهم وقيمهم وسلوكياتهم
76 فتى / فتاة يتعرضون لتأثير مباشر يسعى لتعديل اتجاهاتهم وقيمهم وسلوكياتهم
2163 طفل / طفلة يرتبطون بالجمعيات الاسلامية من خلال الدعم المباشر
314 فتى / فتاة يرتبطون بالجمعيات الاسلامية من خلال الدعم المباشر
4676 فرد ( امرأة / رجل/ طفل) يرتبطون بالجمعيات الاسلامية من خلال الدعم المباشر
72 أسرة يرتبطون بالجمعيات الاسلامية من خلال الدعم المباشر
أي أننا أمام دائرة تمارسها جمعيات العينة لتشمل فى الحد الأدنى 10999 طفل وطفلة.
390 فتى وفتاة .
4671 فرد ( امرأة / رجل / طفل).
72 أسرة .
وسوف ترتفع بالتأكيد هذه الأعداد إذا أضفنا إليها هذه الجمعيات والعاملين بها.
وإذا كانت هذه هى الحدود الدنيا لتأثير عدد من الجمعيات الأهلية فى عينة البحث وإذا كانت هذه هى الدوافع الرئيسية لنشطاء هذه الجمعيات والنخب المسيطرة عليها من وراء تأسيسها أو الانضمام إليها.
وإذا كانت هذه هى الأغراض والأنشطة التى تعكسها وتمارس من خلال هذه المؤسسات.
هل يمكن بعد هذا إنكار هذه الخيوط الحريرية التى تربطها بشكل مباشر بحركة الإسلام السياسية، واعتبارها أحد مجالات وقواعد بناء النفوذ ليس الفكري أو الثقافي فقط وهى الشيء الواضح ، بل أيضا النفوذ السياسي والتنظيمي، وهو الجانب الذى لا يمكن رصده بدقة، لاعتبارات عديدة أهمها وجود تيارات الإسلام السياسي خارج نطاق الشرعية القانونية ، وأكد بعضهم تعاطفه وارتباطه بطروحات حزب العمل الخاصة بتطبيق الشريعة، بل إن بعضهم اعتقل بالفعل فى فترات تاريخية سابقة.
الفصل السادس خبرة ميدانية
1- الجمعيات الاسلامية بمحافظة دمياط
دراسة حالى
2 - الجمعيات الأهلية الاسلامية فى مصر
الجمعيات الأهلية فى مصروإشكالية التعريف
إذا كان تعريف الجمعيات ألأهلية عموما قد أثار إشكاليات عدة لا تتعلق بالتسمية فى حد ذاتها وإنما تتجاوز ذلك إلى مفهوم وأهداف وأساليب عمل تلك المنظمات... فإن ذلك مرجعه على ما يبدو إلى المحيط السياسي والثقافي والاجتماعي الذى نشأت فيه. وسواء كان التعريف بأنها المنظمات غير الحكومية والمنظمات التى لا تهدف إلى الربح أو المنظمات التطوعية أو غير ذلك من التسميات.
ومن المتفق عليه عموما أيا كانت " التسمية" هى أن الجمعيات منظمة غير حكومية لا تهدف إلى الربح فى الغالب وتنشأ تعبيرا عن رغبات وتطلعات وإرادات مؤسسيها لتحقيق أغراض معينة... وهى بذلك المعنى ليست تنظيمات سياسية حزبية. وإن كانت تلتقي مع الأخيرة – أحيانا- فى طريقة النشأة أو بعض الأهداف أو أسلوب الإدارة .. الخ.
غير أن هذا التعريف يصبح فضفاضا حيث يمكن أن يشمل بعض منظمات المجتمع المدني مثل النقابات واتحادات ومرتكز الشباب والأندية وغيرها ..
وبالتالي فإن ما يعنينا فى هذه الدراسة تلك المنظمات ذات الطابع الاجتماعي أو بمعنى أكثر تحديدا الجمعيات المشهرة طيقا لأحكام القانون 32 1964 وتعديلاته والتي تقدرها إحصائيات وزارة الشئون الاجتماعية بحوالي (14000 ) أربعة عشر ألف جمعية.
الجمعيات الاسلامية
وإذا كانت هناك إشكاليات تتعلق بتعريف الجمعيات عموما – فإن إشكالية تعريف الجمعيات الاسلامية تبدو إشكالية حقيقية فى بلد مثل مصر فإذا أمكن اعتبار الجمعيات ظاهرة أيديولوجية وثقافية ودينية فإنه من الطبيعي أن يكون الدين أو الثقافة الدينية من بين عوامل نشأة الجمعيات باعتباره من أهم مكونات الثقافة المصرية.. بل إن نشأة الجمعية الأهلية فى القرى ارتبطت بنوازع دينية بدورها.. حيث نشأت فى البداية جمعيات المساعدات الاجتماعية للفقراء وبعض هذه الجمعيات نشأت فى أحضان الكنيسة.
والمتتبع لتاريخ حركة الجمعيات الأهلية فى مصر سوف يدرك للوهلة الأولى أن العمل الخيري من منطلقات دينية كان من بين أهم العوامل وراء ظهور الجمعيات الأهلية التطوعية فى مصر .. ومن ثم ظهرت الجمعيات الأهلية فى أحضان المفاهيم والقيم الاسلامية .. وكان طبيعيا أن تحتل الجمعيات ذات النمط الاسلامى مكان الصدارة بالنسبة لباقي الجمعيات الأهلية.
اطراد ونمو حركة الجمعيات الإسلامية
من خلال القراءة الإحصائية يمكن أن نلاحظ اتجاها فى النمو بالنسبة للجمعيات الاسلامية ليس فقط من الناحية الكمية ولكن من حيث المحتوى الكيفي واتساع دائرة نفوذ هذه الجمعيات وقد يرجع ذلك لبعض الافتراضات التى يراها الباحث ذات أهمية من بينها:
- على أنه بالرغم مما يقال من انكماش الطبقة الوسطى فى مصر بفعل التحولات الاجتماعية والسياسية .. فإن هذه التحولات نفسها قد ساعدت على اتساع بعض شرائحها بفعل الحراك الاجتماعي الذى صاحبها بالإضافة إلى الشرائح العليا فى البرجوازية الصغيرة والتي شعرت بالحاجة إلى إضفاء طابع ديني على سلوكها فقد يمنحها ذلك نوعا من الشرعية على رغبتها الجامحة فى اجتياز بعض درجات السلم الاجتماعي ..
فمن الملاحظ مثلا أن التوجه لأداء مناسك الحج والعمرة قد زادت فى السنوات الأخيرة مما استتبع معه إنشاء جمعيات دينية تعمل فى هذا المجال بالرغم من أن الكثير من تلك الجمعيات تكون الأهداف الدينية مجرد شعار لأهداف أخرى.
• زيادة الهامش الديمقراطي – نسبيا- إضافة إلى تنامي الدعوة إلى إزالة القيود المفروضة على الحركة الاجتماعية والسياسية ساعد على التفكير فى إنشاء مزيد من الجمعيات.
وإن كان من الملاحظ أن ثمة قيودا تفرض على الجمعيات ذات الجمعيات ذات النمط الاسلامى خاصة إذا كانت هناك علاقة بينها وبين تيار الإسلام السياسي.. غير أن هذه القيود تتأثر بحركة المد والجزر بين نظام الحكم وجماعات الإسلام السياسي.
• كما أن نمو تيار الإسلام السياسي.. ربما خلق مناخا فى حد ذاته ساعد على نمو حركة الجمعيات الاسلامية دون أن يكون هناك دليل واضح على أن تيار الإسلام السياسي سعى إلى إنشاء مثل تلك الجمعيات وأنه وضعها ضمن أولوياته كما فعل بالنسبة للنقابات المهنية مثلا ويمكن الافتراض بأن الملاحقات الأمنية لتيار الإسلام السياسي دفعت بعض أنصاره والمتعاطفين معه- وليس بالضرورة كوادره وأعضائه- إلى اللجوء لإنشاء الجمعيات والانضمام إليها كنوع من الحماية وفى نفس الوقت تحقيق بعض أهداف وأغراض الإسلام السياسي من خلال الجمعيات الأهلية.
البواعث والغايات
• وفى جميع الأحوال فإنه من الهام أن ندرس البواعث والأهداف وراء إنشاء الجمعيات ذات النمط الاسلامى وهى عملية شديدة الصعوبة والتعقيد.
• لأننا نستطيع أن نقيس النوايا بمقاييس علمية وإن كانت دراسة البرامج والتعرف على نظام العمل فى هذه الجمعيات من الداخل وبمنهج الملاحظة المباشرة ربما يساعد على الاقتراب من التعرف على البواعث والغايات.
فثمة جمعيات أهلية ذات نمط إسلامي تأسست على خلفية دينية باعتبار أن الدين يدعو إلى ا لخير ويحث على الفضيلة ويعمل من أجل التكامل بين المسلمين ربما يكون ذلك هو الهدف النظري العام والمعلن لمعظم الجمعيات فى مصر، بيد أن هناك جمعيات أخرى ذات نمط إسلامي تأسست على خلفية المساهمة فى إنشاء ركائز المجتمع الاسلامى باعتبار أن الإسلام دين ودولة.
ويجب أن نشير ونحن نبحث فى إشكالية تعريف الجمعيات الاسلامية إلى أن الطابع الديني أو النزعة الدينية كانت مرتبطة بصورة أو بأخرى بحركة النهضة أو التحرر فى فترات تاريخية معينة.
أو بمعنى آخر ببعض الحركات ذات الطابع السياسي مثل:
- - السنوسية فى ليبيا.
- - الحزب الوطني فى مصر( مصطفى كامل) ودعوته إلى الخلافة الاسلامية.
وهذا يقودنا إلى ملاحظة تلك الازدواجية فى الرؤية والفعل التى تحكم التوجهات على مختلف الأصعدة والمستويات فيما يتعلق بمفهوم الدين من ناحية ومتطلبات وآليات الحكم السياسي من ناحية أخرى.
- النخب الحاكمة فى كثير من البلدان العربية ومنها مصر يتضمن خطابها السياسي أن الإسلام دين ودولة غير أنها فى الوقت ذاته تضع قيودا على التطور الطبيعي لحركة الجمعيات ذات النمط الاسلامى فى بلد مثل الجماهيرية الليبية يلغى الدستور باعتباره وثيقة علمانية وضعية ويستبدل بإعلان قيام سلطة الشعب التى تعتبر القرآن شريعة المجتمع. وفى الوقت نفسه لا نلاحظ نموا موازيا للجمعيات الدينية .. فالأمة العربية فى مجملها تضع قيودا كثيرة على إنشاء جمعيات إسلامية مستقلة أو ذات طموح يتجاوز الأغراض الدينية الخالصة.
فى ظل تلك الازدواجية بين الثقافة السائدة- التى يمثل الدين الاسلامى مكوناتها- ومحاصرة العمل الأهلي ومنظمات المجتمع المدني، يتم تحديد مسار وهامش الحركة للجمعيات ذات النمط الاسلامى يتسع ويضيق حسب مقتضيات وظروف معينة طبقا لصالح النخب الحاكمة، لاعتبارات سياسية فى معظم الأحيان.
ظروف النشأة والتكوين
عادة ما تنشأ الجمعيات ذات النمط الاسلامى مثلها مثل غيرها من المنظمات الاجتماعية التطوعية بمبادرة من مجموعة من ألأفراد الذين يهدفون إلى تحقيق أغراض أو تقديم عمل له طابع خيري ديني وفقا لمعايير ومفاهيم كل منهم.. كما قد تنشأ الجمعية بمبادرة خاصة من شخصية ذات توجه إسلامي حيث يخصص مبلغا من المال لإنشاء مشروعات إسلامية ( مجمع إسلامي – مسجد- عيادة طبية .. الخ).
ثم تشهر جهة الإدارة هذه المشروعات فى إطار من المشروعية القانونية.. وقد تنشأ الجمعية من خلال جمعية أخرى قائمة فعلا مثلما حدث بالنسبة لجمعية دعوة الحق الاسلامية التى انفصلت عن جمعية أنصار السنة المحمدية لأسباب متعلقة بوجود خلافات أو اختلافات منهجية بين قيادات الجمعية وربما لأسباب شخصية متعلقة بالتنافس على المواقع القيادية بالجمعية ، وأخيرا فقد تنشأ الجمعية فى ظل توجيه وتخطيط من قبل تيار الإسلام السياسي، لكن مثل هذه الجمعيات قد تتعرض أكثر من غيرها لضغوط أمنية وإدارية قد تؤدى فى النهاية إلى حلها خاصة إذا كان واضحا الدور الذى يقوم به تيار الإسلام السياسي داخلها- وذلك مرتبط بطبيعة الحال باعتبارات سياسية يقدرها النظام الحاكم ذاته..
مثلما حدث مثلا ومنذ سنوات قليلة حيث صدر قرار بحل جمعية التربية الاسلامية فى محافظة دمياط التى كان يهيمن عليها الإخوان المسلمون.
وهى الجمعية التى كانت تدير عددا من دور الحضانة ورياض الأطفال والمربيات والمدرسات عليهم ارتداء النقاب ويركز البرنامج على الثقافة الاسلامية والمحافظة الشديدة على الشكل الاسلامى واستخدام طقوس معينة فى التخاطب وفى العملية التعليمية ، غير أن المثير فى الأمر أنه بعد حل الجمعية أعيد تسجيل دور الحضانة ورياض الأطفال كمؤسسة تعليمية خاصة طبقا لقانون التعليم الخاص وما زالت تعمل وفق المنهج السابق الإشارة إليه.
وإذا نحينا البواعث والغايات جانبا فإننا وصولا إلى فهم مشترك لتعريف الجمعية الاسلامية يمكن أن نتفق على الآتي: جمعيات يدل اسمها على أنها جمعيات إسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين، جمعية العاملين بالكتاب والسنة، جمعية المحافظة على القرآن الكريم- جمعية تيسير الحج والعمر – جمعية أنصار السنة المحمدية – جمعية دعوة الحق الاسلامية .. الخ.
ومع ذلك قد نأخذ الاسم ببعض التحفظ لأن بعض جمعيات الحج والعمرة مثلا تعمل مثل شركات السياحة ولا تركز إلا على النواحي المالية أو الإدارية وقد يكون لبعض قياداتها أهداف غير دينية مثل تحقيق أرباح مالية بالتحايل على القانون ..
كما أن جمعية الشبان المسلمين وإن كانت تقوم ببعض الأنشطة ذات الطابع الاسلامى خاصة الندوات والاحتفالات الدينية فى المناسبات المختلفة إلا أنها فى حقيقة الأمر تركز على الأنشطة الرياضية مثل أي ناد رياضي كما أننا نلاحظ – فى محافظة دمياط – أن معظم ـأعضائها وقيادتها من المواطنين العاديين الذى لم يعرف عنهم توجه ديني، كما أن نسبة كبيرة منهم من قيادات الحزب الحاكم والمنضمين إلى صفوفه.
جمعيات تركز على المشروعات ذات البعد الاسلامى مثل جمعيات كفالة اليتيم التى يقتصر نشاطها على مساعد الأيتام دون سواهم ( اليتيم هو القاصر الذى توفى والده ).
حتى لو كانت هناك حالات أكثر استحقاقا للمساعدة مثل الفقراء والمرضى من الرجال تطبيقا للحديث الشريف " أنا وكافل اليتيم فى الجنة" .. وكذلك الجمعيات التى تهدف إلى نشر الثقافة الاسلامية أو إدارة وإنشاء المساجد وغيرها.
جمعيات قد لا يدل اسمها على أنها جمعية ذات نمط إسلامي كما قد لا يدل على ذلك طبيعة الأنشطة التى تمارسها أو تديرها مثل المشروعات الصحية أو النقدية لكنها تخضع لقيادات يغلب الطابع الأصولي عليها.. ومن ثم فإنها تحاول صبغ مشروعاتها بصبغة إسلامية وهذا النوع من الجمعيات قد يصعب حصره بسهولة لأن ذلك يحتاج إلى دراسة خاصة .
محافظة دمياط الواقع الاجتماعى والاقتصادى
مدخل
نعتقد أن أي دراسة لواقع الجمعيات الأهلية فى دمياط بما فيها الجمعيات ذات النمط الاسلامى – وبصرف النظر عن المحاور المنهجية التى تنطلق فيها لابد أن تبدأ بإطلالة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي وربما الواقع السياسي كذلك..
خاصة وأن الجمعيات الأهلية على وجه الخصوص منظمات اجتماعية تعمل بالضرورة فى إطار محيط اجتماعي له سماته الخاصة.. فهي لا تعمل من فراغ وإنما من خلال واقع متغير له خصائصه الذى يفرز أشكالا من التنظيمات التى يفترض – نظريا- استجابتها أو تغييرها عن حركة الصراع الاجتماعي أو البناء الثقافي أو الاحتياجات المادية والإنسانية الضرورية.
وتبرز الجمعيات الأهلية كأهم أشكال هذه التنظيمات، باعتبار أن نشأتها أكثر سهولة – رغم القيود الإدارية والقانونية – من باقي تنظيمات المجتمع المدني الأخرى .
فالجمعيات التى غالبا ما تهدف إلى القيام بمشروعات ذات طابع ديني أو خيري أو إنساني أو ثقافي .. الخ ليست بجديدة على أي مجتمع إنساني، إلا فيما يتعلق بالأساليب أو الأنماط التى تتبعها أو الإطار القانوني والاجتماعي الذى تعمل من خلاله...
تلك الأساليب والأطر إنما كانت نتاج تطور المنظومة الاجتماعية ذاتها، ومن ثم يمكننا ملاحظة استمرار وجود الأشكال البسيطة الأولى من الجمعيات، التى تفضل أن تعمل بعيدا عن الرقابة الحكومية حيث يعتقد المنتسبون إليها أنها تمثل عائقا أمام حريتهم فى الحركة، خاصة مع فقدان الثقة فى المنظمات المؤسسية بفعل ميراث طويل من عدم الثقة فى تلك الجمعيات التى ارتبطت فى أذهان الكثيرين بمؤسسات الدولة، وسوف أرجع للحديث عن مثل هذه الجمعيات فى حينه.
محافظة دمياط الخصائص السكانية
تقع محافظة دمياط فى أقصى الشمال الشرقي من دلتا نهر النيل حيث يحدها من الشمال البحر الأبيض ومن الشرق بحيرة المنزلة يخترق أراضيها من المنتصف تقريبا نهر النيل . وتبلغ مساحتها ا الكلية 589,7 كم مربع ويقطنها 914614 نسبة طبقا لتعداد 1996 .
وتقع فى الترتيب الثامن عشر بين محافظات مصر 1,5% من إجمالي عدد سكان الجمهورية . تتكون دمياط من قسم واحد هو مدينة دمياط و (4) مراكز إدارية ( مركز دميا – مركز فارسكور – مركز سعد – مركز الزرقا).
يبلغ عدد سكان الحضر 251087 نسمة بنسبة 27,5% إلا أن تحديد هذه النسبة اعتمد على التعريف الادارى للمدينة والقرية. فى حين أنه من الملاحظ أن نسبة الحضر تتجاوز ذلك بكثير إذا أخذنا ببعض المؤشرات خاصة مؤشر النشاط الاقتصادي حيث نلاحظ أن بعض الصناعات الحرفية – مثل صناعة الأثاث – قد تجاوزت حدود مدن المحافظة لتدخل إلى القرى بقوة .. فقرية الشعراء هى مجتمع حضري متكامل حيث يعتمد المصدر الرئيسي للدخل على النشاط الصناعي والحرفي إضافة غلى نمط ومستوى الحياة الحضرية التى يعيشها سكان معظم القرى فى محافظة دمياط.
ويبلغ معدل النمو السنوي 2,2% عام 1996 مقابل 2,5% عام 1986.
- (أ) معدل النمو لسكان الحضر بين التعدادين 3%
- (ب) معدل النمو لسكان الريف بين التعدادين 1,8% .
كما يبلغ متوسط حجم الأسرة 4,3% فى تعداد 1996 بينما كان هذا المتوسط 4,8 فردا فى تعداد 1986.
الحالة التعليمية
بيان بالحالة التعليمية مقارنة بها على مستوى الجهورية
فإن نسبة الحاصلين على مؤهلات جامعية تقل بصورة ملحوظة عن النسبة العامة على مستوى الجمهورية ( دمياط 04,4% الجمهورية 7,3% ) وربما يرجع ذلك إلى أن سوق العمل استطاعت أن تمتص عددا كبيرا من قوة العمل خاصة بعد الحصول على المؤهلات المتوسطة أو بعد التعليم الاساسى المحدود خاصة بمدينة عاصمة المحافظة.
النشاط الاقتصادي
بالرغم منعدم توفر إحصائيات دقيقة، فإن النشاط الاقتصادي للسكان يتركز فى :
- 1- النشاط الزراعي ( المحاصيل التقليدية – الأرز – أشجار الفاكهة) خاصة النخيل والجوافة.
- 2- النشاط الصناعي الحرفي ( صناعة الأثاث المنزلي- الصيد – صناعة الجلود – الحلويات – منتجات الألبان) .
- 3- صناعة الغزل والنسيج.
وقد اشتهرت بعض الصناعات الدمياطية الصغيرة كصناعة الجبن الدمياطي حيث تنتشر معامل صناعة الجبن فى أنحاء المحافظة، مع أن كميات الألبان المنتجة لا تكفى لتشغيل هذه المعامل مما جعل دمياط تلجأ إلى استيراد الألبان من المحافظات المجاورة لتصنيعه فى معاملها.
وبالنسبة للزراعة يلاحظ أن منطقتا كفر البطيخ والسنانية من أهم مناطق الجمهورية فى إنتاج البلح والجوافة.
كما يلاحظ أنه كانت لدمياط شهرة قديمة منذ العصر الفرعوني فى صناعة النسيج " الحرير" إلا أن هذه الصناعة بدأت تتقلص خاصة الورش والمصانع الحرفية الصغيرة إلى أن أنشئ مصنع دمياط للغزل والنسيج فى الخمسينيات .
وهذا المصنع الكبير بدأ بدوره يعانى من أزمات واختناقات.
وقد ساعد الرواج الاقتصادي النسبي إلى تقليل نسبة البطالة مقارنة بالمحافظات الأخرى- بالرغم من أن نتائج تعداد 1996 لا تعكس هذه الحقيقة.
فمن الملاحظ مثلا أن أهالي ( لا يزاولون عادة الأعمال والمهن الهامشية فمعظم عمال النظافة من خارج المحافظة وكذلك بائعات الأسواق اللاتي يحضرن إلى دمياط منذ الصباح الباكر من المحافظات المجاورة مثل محافظة الدقهلية ، وكفر الشيخ).
صناعة الأثاث
كما سبق أن أشرنا فإن صناعة الأثاث تعتبر العمود الفقري للنشاط الاقتصادي للسكان، حيث يعمل بها حسب بعض التقديرات ( 100000 ) مائة ألف عامل وحرفي تضمهم حوالي ( 40000 ) أربعين ألف ورشة صغيرة ، وقد ارتبطت بهذه الصناعة أنشطة صناعية وتجارية أخرى مكملة كصناعة شرائط التنجيد أو الكرينه من حزم النخيل التى تستخدم فى التنجيد وتجارة وصناعة بعض مستلزمات الإنتاج الضرورية .
ومع أنه من الطبيعي أن تكون الحرفة مقدمة لتطور صناعي أكبر بحيث تحل الصناعة المتوسطة والكبيرة بعد ذلك محل نمط الإنتاج الحرفي .. وبالرغم من وجود بعض مظاهر وأسس هذا التطور فى الأربعينيات وبداية الخمسينيات ( مصانع صغيرة يوجد بها من 15 – 25 عاملا) .. إلا أن عملية التطور الطبيعي أجهضت بفعل بعض العوامل الموضوعية والذاتية ..
منها التخصص الشديد وإدخال الميكنة الصغيرة فى العمل اليدوي الحرفي.. إضافة إلى تحاشى البرجوازية الدمياطية لبعض القوانين الخاصة بالصناعة مثل تلك المتعلقة بالتأمينات الاجتماعية وفضلت البرجوازية الدمياطية تجميع قطع الأثاث من الورش الصغيرة المتناثرة والأشراف على مراحل التصنيع المختلفة فى مختلف الورش الصغيرة المتخصصة .. غير أن ذلك لا ينفى كون دمياط مصنعا كبيرا للأثاث.
ومع بداية عصر ما يسمى بالانفتاح الاقتصادي بدأت بعض رؤوس الأموال تتجه ببطء شديد للاستثمار فى مجال صناعة الأثاث فبدأت تظهر بعض المصانع الصغيرة .. بعد المنافسة الشديدة من جانب بعض المشاريع الاستثمارية فى المدن الجديدة من ناحية وكاستجابة للاحتياجات التصديرية المحدودة من ناحية أخرى.
إلا أن هذه الصناعة الحرفية الرئيسية تعانى من صعوبات ومشكلات أو ما يمكن تسميته بفوضى الإنتاج حيث يلاحظ أن مشكلة التسويق تعوق تطور ونمو هذه الصناعة الحرفية خاصة وأن قوة العمل تتجه لها مباشرة لعدم وجود فرص عمل أخرى مما مثل عبئا كبيرا على صناعة الأثاث من ناحية وعلى العمالة وتدنى مستويات الأجور والعائد الاقتصادي من ناحية أخرى.
ومن الملفت للنظر أن الآلاف من أصحاب الورش الحرفية الصغيرة يعانون من مشكلات جمة باعتبارهم الأضعف فى العملية الإنتاجية ، ومن مظاهر ذلك وجود آلاف القضايا المنظورة أمام المحاكم والخاصة بتداول شيكات بدون رصيد وهى ظاهرة كانت لها آثارها السلبية على ا لحياة الاجتماعية للعاملين فى هذه الصناعة خاصة الحرفيين منهم.
مدينة دمياط
تعتبر مدينة دمياط عاصمة المحافظة من أقدم المدن المصرية فقد جاء ذكرها منذ العصور الفرعونية القديمة حيث كانت تسمى المنطقة التي تقع فيها حاليا " تنيس " ...
وارتبطت مع البلدان الواقعة في شرقي البحر الأبيض المتوسط عن طريق مينائها القديم بروابط اقتصادية وثقافية ما زالت آثارها باقية حتى الآن ...
فقد كانت تستورد الحرير منها وتعيد صناعته وتصديره ... كما أن شهرتها جاءت من كونها أهم الموانئ المصرية على البحر الأبيض قبل إنشاء ميناء الأسكندرية ـ ومع أنها بدأت تفقد تلك الأهمية تدريجيا بعد ظهور ميناء الأسكندرية وحفر قناة السويس وإنشاء ميناء بور سعيد وترسب الطمي في مدخل مينائها القديم ... إلا أنه في الثمانينيات بدأت محاولة لاستعادة مكانتها القديمة بعد إنشاء ميناء ( دمياط الجديد ) .
ولا ننسى أيضا أن هذه الشهرة قد جاءت نتيجة لتعرضها لحملات الغزو اللاتيني ( الحروب الصليبية ) ، والمقاومة التي أبدتها وتعرضها أكثر من مرة للحصار والغزو الخارجي .. وتدميرها ونقلها من موقعها القديم ، وهو موضوع خارج عن نطاق هذه الدراسة .
المسجد ـ الورشة ـ المقهى
كانت للطبيعة الخاصة لدمياط أثرها على البنية الثقافية والاجتماعية لشعبها ... وليس غريبا أن تلاحظ على شعب دمياط ميله إلى " التدين " وتمسكه ببعض العادات والقيم الخاصة بالمجتمعات " المحافظة " فقد كنا إلى عهد قريب نجد أن أصحاب الحوانيت يسارعون إلى الصلاة في المساجد دون أن يغلقوا حوانيتهم اكتفاء بوضع " كرسي " في مدخل الحانوت علامة على ذهابهم إلى المسجد لأداء الصلاة ....
والدمياطي عادة لا يستقبل " الغرباء " في بيته وإنما يفضل استقبالهم على " المقهى " حيث تعقد الصفقات التجارية أو تناقش أحوال " الحرفة " وبالتالي كان من الطبيعي أن يدور عالم " الدمياطي " في إطار هذا الثالوث ( الورشة ـ المقهى ـ المسجد ) .. وفي كثير من الأحيان نجد الورشة أسفل المنزل الذي يقيم فيه ،
ومع ذلك يمكن أن نلاحظ أنه قد حدثت بعض التغيرات على هذه المنظومة من القيم والعادات خاصة بعد الانفتاح على العالم الخارجي والداخلي ( عمليات التصدير المحدودة خارجيا والهجرة من بورسعيد إلى دمياط بعد عام 97 داخليا ) .
وحلم الحرفي الصغير أن يمتلك " معرضا " لتجارة الأثاث وأن " يحج " بيت الله ... هذا العالم الخاص للدمياطي انعكس على مجمل حياته الروحية والمادية ... فاهتم بالمساهمة في بناء المساجد مثلا ... حيث بلغ عدد المساجد المسجلة في دمياط طبقا لتعداد عام 1996 ( 1137 ) مسجدا وبمقارنة هذا العدد من المساجد بإجمالي عدد المساجد المسجلة في ج . م . ع والتي تبلغ 69257 نجد أن المسجد يخدم 804 نسمة في حين أنه يخدم 886 نسمة على مستوى الجمهورية .. أي أن نسبة عدد المساجد فى دمياط تزيد عن النسبة العامة فى مصر .
الحياة السياسية والحزبية
لا تكاد تختلف محافظة دمياط عن غيرها من المحافظات بالنسبة للحياة السياسية فهي راكدة مثل غيرها لظروف كثيرة ليس المجال هنا يسمح بمناقشتها إلا أنه تبرز ظاهرة خاصة ربما تميز دمياط عن غيرها خاصة مدينة دمياط عاصمة المحافظة..
فالشعب الدمياطي منحاز فى مجمله إلى جانب " المعارضة السياسية " للحزب الحاكم ويتمثل ذلك فى التصويت غالبا لجانب مرشحي المعارضة أو المستقلين فى انتخابات مجلس الشعب بصرف النظر عن النتائج النهائية التى تسفر عنها هذه الانتخابات لما يشوب العملية الانتخابية من تجاوزات كثيرة ويحظى تيار الإسلام السياسي " الإخوان المسلمون " بشعبية أكثر من غيره من القيادات السياسية يلي ذلك اليسار بصفة عامة ( التجمع ، الناصري ) لذلك فإننا نلاحظ أن أهم الأحزاب السياسية التى لها تأثير فى الشارع الدمياطي الإخوان المسلمون ثم أحزاب التجمع والناصري.
ومع ذلك فإن انخراط الدمياطي فى العمل السياسي والحزبي المباشر محدود مثل غيره من أبناء الشعب المصري، خاصة وأن الطبيعة الخاصة للنظام الاقتصادي ( الحرفي) لا تمنحه فسحة كافية من الوقت كي يمارس نشاطا حزبيا..
إضافة إلى أن " الدمياطي" مسالم بطبعه ويخشى الدخول فى دوامة من الملاحقات والمضايقات من قبل أجهزة الدولة التى تجرم " عمليا " النشاط السياسي والحزبي.. غير أننا يمكن أن نرصد – رغم ذلك – النفوذ الكبير لتيار الإسلام السياسي فى دمياط حيث يعتبر البعض دمياط أقوى معامل هذا التيار على مستوى الجمهورية خاصة الإخوان المسلمون .. ونذكر أنه تم إعدام أحد قياداتهم وهو المرحوم عبد الفتاح إسماعيل أثناء حكم الفترة الناصرية فى الستينيات . يلي ذلك بعض التيارات الجهادية غي أن الأخيرة بدأت فى الانكماش والتقلص بفعل الملاحقات الأمنية،
فى الوقت الذى بدأت فيه جماعة الإخوان فى التواجد الفعلي على ساحة العمل العام خاصة ما يتعلق بالمشاركة فى الانتخابات العامة ( حصل الإخوان على جميع مقاعد المجلس الشعبي المحلى لبندر دمياط فى انتخاب عام 1990 كما حصل مرشحهم فى انتخابات مجلس الشعب عام 1995 على أعلى الأصوات بفروق شاسعة بينه وبين جميع المرشحين مما دفع السلطة للتدخل السافر فى انتخابات الإعادة لإسقاطه).
إن هذا النفوذ الواضح لتيار الإسلام السياسي فى دمياط يطرح سؤالا بديهيا حول مدى انتقال هذا النفوذ للجمعيات الأهلية خاصة الجمعيات ذات النمط الاسلامى ؟
ولقد أسفرت الدراسة عن طريق الملاحظة المباشرة ودراسة حركة الجمعيات من ناحية وجماعات الإسلام السياسي من ناحية أخرى عدم توفر دلائل تشير غلى وجود صلة مباشرة بين هذه الجماعات السياسية وبين الجمعيات الأهلية عكس ما كان متوقعا ومنتظرا وهو ما سوف يتضح لنا فيما بعد..
الجمعيات الأهلية فى محافظة دمياط
الواقع أن محافظة دمياط لا تنفرد – على ما يبدو – بسمات خاصة بالنسبة لظروف نشأة حركة الجمعيات الأهلية. فمثلها مثل باقي محافظات مصر ظهرت الجمعيات الأهلية – فى ا لبداية – استجابة لنوازع دينية وخيرية فاتجهت إلى العمل فى ميدان المساعدات الاجتماعية وأعمال البر أو الإدارة وإنشاء المساجد ودور العبادة.
لذلك لم يكن غريبا أن تكون جمعية البر بالفقراء وجمعية أنصار السنة المحمدية من أوائل الجمعيات التى أنشئت فى دمياط .
واكب ذلك ظهور جمعيات الإصلاح الاجتماعي فى الأربعينيات والخمسينيات خاصة فى ريف المحافظة.
وقد بلغ عدد الجمعيات المشهرة حتى شهر مارس 1999 طبقا لأحكام القانون 32 لسنة 1964 الخاص بالجمعيات والمؤسسات الخاصة عدد 206 جمعية تعمل فى شتى مجالات العمل الاجتماعي التى نص عليها القانون المشار إليه..
وقد فضل الباحث الأخذ بمعايير مختلفة لتصنيف هذه الجمعيات دون التقيد بميادين العمل المحددة فى قرارات الشهر.. اعتمادا على النشاط الاساسى الذى تركز عليه الجمعية، أما فيما يتعلق بالجمعيات ذات النمط الاسلامى فقد اعتمدت على المعايير السابق توضيحها فى صدر هذه الدراسة عند التعرض لإشكالية التعريف..
وبالتالي يمكن تصنيف الجمعيات الأهلية المشهرة كالآتي:
لا يعنى هذا التصنيف بطبيعة الحال أن الجمعيات الاسلامية لا تعمل فى ميدان رعاية الطفولة أو لا يتبعها دور حضانة وبالمثل لا يعنى أن جمعيات التنمية لا تمارس نشاطا ذا طابع ديني.. وإنما أردنا من هذا التصنيف أن نوضح المجال العام لنشاط الجمعيات فى دمياط.
وإذا استثنينا جمعيات التنمية التى غالبا ما تنشأ بإيعاز من وزارة الشئون الاجتماعية وبتشجيع منها تلبية لاحتياجات اجتماعية أو لإسناد بعض المشروعات الحكومية إليها لإدارتها فإن الجمعيات الاسلامية تحتل المرتبة الأولى بعد جمعيات التنمية بالنسبة لعدد الجمعيات فى المحافظة يل ذلك مباشرة الجمعيات التى يقتصر نشاطها على خدمة أعضائها.
ومن بين الجمعيات المشهرة وعددها 206 جمعية توجد 25 جمعية تم شهرها خلال عامي 1997, 1998 وحدهما أي حوالي 12% من عدد الجمعيات التى تم شهرها خلال العامين الأخيرين فقط.
وهى موزعة كالآتي:
وتوضح هذه الإحصائية أن الجمعيات الاسلامية تحتل المرتبة الأولى بالنسبة لعدد الجمعيات المشهرة حديثا يلي ذلك الجمعيات التى تخدم أعضاءها.
كما يلاحظ أنه لم يتم شهر أي جمعيات جديدة للتنمية خلال عامي 97، 98 . ويمكن أن نفسر ذلك النمو المطرد لشهر الجمعيات ذات النمط الاسلامى بأن الانطلاق من الرؤية الدينية ما زال الحافز الرئيسي وراء شهر الغالبية العظمى من الجمعيات فبالإضافة إلى الجمعيات الاسلامية ( 10 جمعيات ) يمكن إضافة جمعيات الرعاية الاجتماعية والصحية ( 4 جمعيات ) وكذلك جمعيات المساعدات ( 3 جمعيات) والتي غالبا ما تكون الدوافع الدينية من بين أسباب شهر مثل تلك الجمعيات بجانب دوافع أخرى بطبيعة الحال.
بينما بلغت الجمعيات التى توقف نشاطها بسبب صدور قرارات إدارية بحلها خلال السنوات الأخيرة ( 94- 1998) 23 جمعية بينها ( 7 جمعيات فقط صدرت قرارات بحلها عامي 97, 1998 وذلك طبقا للبيان التالي:
الجمعيات الاسلامية
تطرح هذه الدراسة – فيما يتعلق بالجمعيات ذات النمط الاسلامى- بالضرورة بعض الأسئلة التى يمكن أن تساعد فى محاولة الاقتراب من الإجابة عليها التعرف أكثر على هذه الجمعيات ..
ولعل أهم سؤال هو : هل هناك سمات خاصة لهذه الجمعيات مختلفة عن السمات الخاصة لباقي الجمعيات الأهلية فى المحافظة ؟
مع ما يمكن أن يكون هناك من تشابه فى ألأهداف والأغراض وحتى فى المشروعات التى تديرها هذه الجمعيات. وربما يساعدنا على ذلك مناقشة بعض المفردات أو المحاور المتعلقة بحركة الجمعيات الأهلية مثل المحاور التالية:
1- العضوية
رغم الموقع المتميز للجمعيات ذات النمط الاسلامى على خريطة الجمعيات الأهلية فى دمياط، إلا أن الانضمام إلى عضويتها رسميا ما زال محدودا ، فالكثيرون قد يفضلون المشاركة فى أنشطة الجمعية دون أن يكون لهم استمارات عضوية أو مسجلين فى سجلاتها.
فما زال هناك نوع من التوجس والحذر من قبل المواطنين للانضمام إلى الجمعيات الأهلية عموما بما فى ذلك الجمعيات الدينية إضافة إلى أن الممارسة العملية الحقلية مع الجمعيات الأهلية تشير إلى إن الجمعيات ذاتها لا تسعى لتوسيع قاعدة العضوية لأسباب تتعلق بضمان استمرار هيئة أعضاء مجالس الإرادات الحالية على مقدرات الجمعيات كما أنه من بين الأسباب أيضا عدم وضوح إجراءات اكتساب العضوية الجديدة ...
وبالغم من ذلك فإنه باستثناء الجمعيات التي يقتصر نشاطها على خدمة أعضائها , بحكم أن الجمعيات الأخيرة تضم إليها قطاعات كاملة من العاملين في المصالح الحكومية وغيرهم مثل الروابط الاجتماعية كجمعية رابطة التعليم الابتدائي بمحافظة دمياط .
فباستثناء مثل هذه الجمعيات فإن العضوية في الجمعيات ذات النمط الإسلامي أكبر قليلا من باقي الجمعيات الأخرى .
وقد لوحظ أن جمعية كفالة اليتيم وهي من أكبر الجمعيات الإسلامية في المحافظة – قد ضمت إلى عضويتها عند تأسيسها لأول مرة في عام 1989 عدة آلاف موزعين على قرى ومدن المحافظة المختلفة ، وكان ذلك حدثا مثيرا للتأمل والدراسة .
ويعتقد الباحث أن البواعث الدينية كانت من أهم الأسباب وراء الانضمام الكبير للجمعية ، إضافة إلى أنها نشأت منذ البداية بعيدا عن التدخل الحكومي .
حتى أن بعض من انضموا كانوا أطفالا رغم مخالفة ذلك القانون المنظم للجمعيات.
كان الوازع الديني فى الأساس- كما سبق أن أشرت – هو السبب الرئيسي وراء كبر حجم العضوية .. لكن هذا الوازع الديني لم يكن وحده كافيا لولا التشجيع والمبادرات والجهد من قبل مجلس إدارة الجمعية .
إلا أن هذه العضوية الكبيرة ما لبثت أن تقلصت بسرعة حيث مثلت بعض الصعوبات والعقبات عند عقد الجمعية العمومية السنوية العادية التى اشترطت مواد القانون أن تعقد فى مكان واحد.
كما أنها مثلت عقبة كذلك أمام مجلس الإدارة الذى ربما يكون قد رغب فى إزاحة أية إمكانية محتملة لتغييره فأقدم على تحويل معظم هذه العضوية الكبيرة إلى عضوية منتسبة ليس من حقها حضور الجمعية العمومية أو الاشتراك فى مداولاتها وبالتالي التأثير فى قراراتها .
وفى جمعية دعوة الحق الاسلامية قام مجلس الإدارة بتقليص العضوية العاملة بحجة عدم توقيع الأعضاء على استمارات العضوية رغم أن عضويتهم بالجمعية قديمة وممتدة منذ سنوات طويلة .. وكان الهدف- أيضا – ضمان بقاء أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجمعية العمومية .
ملخص القول إنه كان يلاحظ نمو فى حركة العضوية بالنسبة للجمعيات الاسلامية إلا أنه نمو محدود، وتتأثر حركة العضوية إلى حد بعيد بمدى رغبة قيادة الجمعية فى توسيع قاعدة العضوية من عدمه.
وإذا كانت الجمعيات الأهلية بطبيعة تكوينها وفلسفتها منظمات تطوعية مفتوحة لكل من ينطبق عليه شروط عضويتها، إلا أن الدافع يشير غلى أنها منظمات شبه مغلقة وتوسيع قاعدة عضويتها مرهون – فى الغالب- بإدارة قيادتها الفعلية. ما عدا الجمعيات التى تقتصر خدماتها على أعضائها كما سبق أن توجهنا.
2====2- المسجد كمؤسسة دينية ====
مملا لا شك فيه أن المسجد يلعب دورا رئيسا ليس فقط بالنسبة للحياة الروحية للمصريين ولكن أيضا بالنسبة للحياة الاجتماعية.
خاصة لمجتمع الغالبية العظمى من سكانه من المسلمين .. ولسنا هنا بصدد الدور التاريخي للمسجد على مختلف الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية.. ولسنا هنا بصدد الدور التاريخي للمسجد على مختلف الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية ..
وكان طبيعيا أن يكون نقطة انطلاق وتجمعا ومركزا للإدارة بالنسبة لحركات الإسلام السياسي بكافة فصائلها وتياراتها.. لذلك اهتمت الجمعيات الاسلامية بإدارة وبناء المساجد.. بل أن بعض هذه الجمعيات كجمعية أنصار السنة المحمدية بدمياط، وجمعية دعوة الحق الاسلامية بدمياط اعتبرتا إنشاء وإدارة المساجد النشاط الرئيسي لهما فبلغت المساجد التى أنشأتها جمعية دعوة الحق الاسلامية ( 33) مسجدا بينما بلغت المساجد التابعة لجمعية أنصار السنة المحمدية ( 20) مسجدا لما فى باقي الجمعيات الدينية فقد قامت ببناء أو الإشراف على (10) مساجد، ومن ثم تصبح المساجد التابعة للجمعيات الاسلامية فى محافظة دمياط 53 مسجدا،
وهو عدد ليس بالقليل خاصة مع وجود سياسة رسمية فى محافظة دمياط 53 مسجدا، وهو عدد ليس بالقليل خاصة مع وجود سياسة رسمية تقضى بالتوسع فى ضم المساجد لتكون تحت إشراف وزارة الأوقاف- الجمعيات الاسلامية علاقات غير مباشرة بها سواء عن طريق مشاركة أعضاء مجالس إدارة الجمعيات فى عضوية مجالس إدارة المساجد وقيام الجمعيات الاسلامية بالمشاركة فى حملات التبرعات لصالح أعمال الصيانة والتجديد.
وتكتسب الجمعيات الاسلامية نفوذا خاصة من خلال المساجد إضافة إلى قيامها بأعمال الإدارة وما يستلزم ذلك من تعيين الموظفين والوعاظ ومحفظي القرآن الكريم والخدم مما يساعد أكثر على تأكيد هذا النفوذ الذى يتجاوز بكثير إمكانيات الجمعيات ذاتها فالمسجد يلعب دورا هاما فى نشر أهداف وأغراض الجمعيات الدينية الاسلامية ويخلق قاعدة مؤسسية تنطلق منها الجمعيات نحو ترسيخ تواجدها،
باعتبار أن المسجد وسيلة وغاية فى الوقت ذاته.. كما أن الجمعيات الاسلامية استفادت من المساجد التابعة لها فى ا لقيام بمشروعات مثل دور الحضانة وبعض المستوصفات الصحية.. الخ فى نفس مبنى المسجد،
وتسمية بعض الجمعيات بالمجتمع الاسلامى مثل المجتمع الاسلامى لجمعية دعوة الحق فى مدينة رأس البر الذى يضم صيدلية ومستشفى ودار حضانة .. ومكتب لتحفيظ القرآن الكريم .
الموارد المالية والمصروفات
لا شك أن حجم الموارد المتاحة والإنفاق السنوي والأصول الاستثمارية والثابتة للجمعيات تعتبر من بين المؤشرات الرئيسية لتقييم دور الجمعيات ومدى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وتحقيق أغراضها المعلقة ، كذلك مدى حجم مشاركتها فى عمليات الرعية والتنمية الاجتماعية.
ورغم عم وجود بيانات دقيقة عن موازنات هذه الجمعيات وحجم أصولها إلا أنه أمكن رصد موازنات 156 جمعية من بين 206 جمعية مشهرة بمحافظة دمياط، حيث بلغت (10575366) أي حوالي عشرة ملايين وخمسة وسبعين ألف جنيه خلال عام 1996 إيرادات ، بينما المصروفات ( 8248271) حوالي ثمانية ملايين ومائتين وثمانية وأربعين ألف جنيه خلال نفس الفترة.
من بين هذه الجمعيات 29 جمعية إسلامية توفرت بيانات عن أرصدتها وموازناتها من إجمالي عدد الجمعيات الاسلامية البالغ 34 جمعية ، حيث بلغت الإيرادات حوالي (3728000 ) فى حين بلغت المصروفات (3249000 ) وذلك خلال عام 1996.
ومن خلال دراسة وتقييم البيانات المتوفرة عن الجمعيات الاسلامية وأنشطتها وحركتها الميدانية فى الواقع يمكن استخلاص بعض النتائج منها:
- 1- بالنسبة للجمعيات الدينية قد لا تمثل الإيرادات والمصروفات المدرجة فى الموازنات السنوية الأوضاع المالية لهذه الجمعيات بكل دقة ..
- حيث يمكن ملاحظة وجود إيرادات أخرى لا ترصد فى الحسابات الختامية السنوية منها بعض التبرعات العينية أو التبرع بأراض أو التبرعات النقدية التى تصرف مباشرة لتحقيق أغراض الجمعية دون أن ترصد فى حساباتها،
- خاصة تلك التبرعات التى حصل عليها الجمعية من دون أن ترصد فى حساباتها، خاصة تلك التبرعات التى تحصل عليها الجمعية من خلال صناديق التبرعات بالمساجد والتي غالبا ما تنفق لأعمال صيانة المساجد أو صرف مكافآت العاملين فيها وليس هناك رقابة على هذه الصناديق سوى ضمائر القائمين عليها.
- 2- قد لا تعكس حركة الإيرادات والمصروفات- بالضرورة – حركة النشاط والتأثير الفعليين بالنسبة للمجتمع المحلى خاصة ما يتعلق بالتأثير الثقافي وهو من بين أهم أغراض الجمعيات الاسلامية على وجه الخصوص، فأنشطة الدعوة الاسلامية من خلال المساجد قد لا تحتاج إلى إنفاق مالي ضخم.
- 3- تمثل التبرعات التلقائية الجانب الاساسى من موارد الجمعيات الدينية ثم تأتى إيرادات المشروعات والخدمات فى المرتبة الثانية ، بينما لا تمثل اشتراكات العضوية جانبا يذكر ما عدا جمعية كفالة اليتيم.
- 4- لا تعتمد الجمعيات الاسلامية على الإعانات الحكومية مثل باقي الجمعيات الأخرى بل إن ثلاث جمعيات إسلامية كبيرة وهى جمعية كفالة اليتيم ، جمعية دعوة الحق الاسلامية ، جمعية أنصار السنة المحمدية لا تتلقى إعانات حكومية
- 5- باستعراض المشروعات المدرجة فى خطة التنمية الاجتماعية لمحافظة دمياط نلاحظ أن الجمعيات الاسلامية ليست فى مقدمة الجمعيات التى تسند إليها الدولة مشروعات لإدارتها، فنادرا ما تسند مشروعات لهذه الجمعيات مثل مشروعات دور الحضانة أو مراكز التدريب على أعمال الأسر المنتجة أو غيرها فى المشروعات .
خاصة وأن المشروعات التى تمول بالجهود الذاتية من قبل الجمعيات الاسلامية تحقق عائدا نظرا للإقبال على مثل هذه المشروعات من قبل المواطنين .. ذلك أنه قد لوحظ الإقبال المتزايد على دور الحضانة التابعة لهذه الجمعيات بالمقارنة بغيرها من الجمعيات.
وقبل أن نختتم هذه الدراسة نرصد ظاهرة قد لا نخص بها محافظة دمياط وحدها وهى ظاهرة الجمعيات الدينية غير المسجلة وعادة ما تصل هذه الجمعيات فى مجالين رئيسيين.
المجال الأول: تقديم المساعدات الاجتماعية بأنواعها المختلفة، نقدية وعينية .
المجال الثاني: إنشاء ورعاية المساجد.
وتكاد هذه الجمعيات أن تكون شبيهة بالجمعيات المسجلة من حيث أعضاء بها ( المتبرعون ) ومسئولون عن عمليات جمع التبرعات وتوزيعها على المستحقين ( متطوعون ) وهناك دراسة تتم للحالات من قبل أعضاء الجمعية ويتم تحديد مخصصات شهرية أو فى المواسم المختلفة لحالات المساعدات..
وقد لاحظت طوابير طويلة معظمهم من النساء " متجر" أحد قيادات هذه الجمعيات لتلقى المساعدات وفق كشوف معدة سلفا. وتنشط هذه الجمعيات فى شهر رمضان وفى المناسبات والأعياد الدينية ..
وتلعب دورا هاما فيما يتعلق بالمساعدات الاجتماعية حيث تصرف أحيانا مبالغ كبيرة لعلاج الفقراء أو لشراء الأثاث المنزلي للمقبلات على الزواج فى الأسر الفقيرة خاصة الأيتام.. وقيادات هذه الجمعيات ترفض بصورة قاطعة التعامل مع الجمعيات المشهرة حيث يعتبرونها مؤسسات شبه حكومية وأنهم لا يثقون فى القائمين عليها ولا فى أبواب الصرف ويشككون فى نزاهة القائمين عليها .
علاقة الجمعيات الاسلامية بجماعات الإسلام السياسي
يطرح هذا العنوان بعض الإشكاليات وبعض التساؤلات ، خاصة وأن قياس هذه العلاقة يتطلب اختبار معايير خاصة وربما معقدة.. فما هى جماعات الإسلام السياسي ؟ وما هى وشائج هذه العلاقة إن وجدت ؟ وهل هى علاقات مباشرة أو غير مباشرة ؟
ونقصد بجماعات الاسلامى السياسي تلك المنظمات السياسية التى تجعل من الدين الاسلامى مرجعيتها الفكرية الأساسية وربما الوحيدة، والتي تنادى بتطبيق الشريعة الاسلامية وفق رؤيتها الخاصة والتي ترفع شعار الإسلام هو الحل.
غير أننا نلاحظ انه نتيجة لملاحقة النظام لهذه الجماعات فقد لجأت غلى العمل شبه السري إلا بالنسبة لبعض كوادرها السياسية التي تدفع بها للمشاركة في العمل العام .
وبالتالي تنشأ صعوبة البحث عن علاقة الجمعيات الإسلامية بالحركة السياسية عموما وحركة الإسلام على وجه الخصوص ، ومع ذلك فإن التعرف على طبيعة الخطاب الديني والبرامج الإنمائية لهذه الجمعيات سوف يساعد على اختبار هذه العلاقة من عدمه .
وعلى خلاف النقابات المهنية التي تتواجد فيها كوادر رئيسية من " جماعة الإخوان المسلمين" .... فقد أسفرت الدراسة عن افتقاد الجمعيات الأهلية الإسلامية إلى كوادر تنتمي إلى جماعة الإخوان أو غيرها من جماعات الإسلام السياسي .
ولقد حاولت " جماعة الإخوان المسلمين" في فترة سابقة من نفوذها الاتجاه إلى الجمعيات الأهلية فبادرت بإنشاء " جمعية التربية الإسلامية " التي ما لبثت أن " حلت " بقرار من السلطة المختصة حيث يمنح قانون الجمعيات سلطات واسعة للجهة الإدارية في التدخل شئون الجمعيات كما هو معروف بإيعاز من جهات الأمن المختصة .
والسؤال هو : هل يعني ذلك عدم وجود علاقات بين الجمعيات الإسلامية وحركة الإسلام السياسي ؟
والإجابة هي أن المؤشرات تشير إلى وجود علاقات غبر مباشرة .. فثمة قيادات داخل الجمعيات ممن يتعاطفون مع تيار الإسلام السياسي .... كما لوحظ أن بعضا من قيادات الجمعيات الإسلامية كانوا في فترات زمنية سابقة من المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين.
ولكن بصفة عامة فإن نسبتهم العددية محدودة ، خاصة وأن بعض الجمعيات الإسلامية مثل جمعيات الحج والعمرة ، جمعية الشبان المسلمين وغيرها يمثل الإسلام مجرد لافتة شعارية لحركتها أكثر منه منهجا للعمل اليومي .
وفي قراءة سريعة وعامة لشكل ومحتوى البرامج والخدمات التي تقوم بها الجمعيات الإسلامية في دمياط لأمكن ملاحظة الآتي :
وتعكس الإحصائية السابقة بعض المؤشرات منها: أن تحفيظ القرآن الكريم يحتل المرتبة الأولى فى نشاط الجمعيات الإسلامية 73,5% يلي ذلك العمل فى مجال المساعدات والبر بالفقراء 47% بينما تأتى الأنشطة الرياضية أو خدمات تنظيم الأسرة فى ذيل القائمة.
وبالنسبة للمساعدات الاجتماعية فإنها تركز على فئة الأيتام أكثر من غيرها فى الفئات كما لم نجد جمعية إسلامية تعمل فى رعاية الفئات الحاضنة أو المعاقين إلا من زاوية مساعدة بعض تلك الفئات ماليا.
وثمة بعض الملاحظات المتعلقة بالمظهر العام للجمعيات الإسلامية فى دمياط فرغم عدم وجود فروق كبيرة فى المظهر العام بينها وبين باقي الجمعيات بصفة عامة إلا أنه من الملاحظ أن الجمعيات الإسلامية تهتم بالملصقات ذات الطابع الديني كما أن بعضها يضع شروطا صارمة على سلوك وزى النساء العاملات فيه كمشروعات دور الحضانة والحجاب أو النقاب من أهم مظاهر زى المشروعات،
وكذلك فإن بعض الجمعيات الإسلامية يحرص أعضاء مجالس إدارتها على الظهور بمظهر إسلامي – من وجهة نظرهم- من ارتداء الجلباب والسروال وإطلاق اللحية. غير أن ذلك لا يمثل قاعدة عامة بالنسبة للجمعيات الإسلامية .
وفيما عدا جمعية واحدة فقط وهى – جمعية كفالة الأيتام بدمياط لا تشارك المرأة فى أية مراكز قيادية داخل الجمعيات الإسلامية باعتبار أنه لا يجوز للمرأة قيادة العمل طالما أنه هناك رجال قادرون على ذلك كما أشار بذلك أحد قيادات الجمعيات الإسلامية فى حوار عام معه فمكان المرأة هو المنزل لتربية أطفالها ورعاية زوجها وأسرتها وإذا كانت نظرة المجتمع الدمياطي إلى المرأة ما زالت نظرة دونية فإن نظرة الجمعيات الإسلامية بدمياط ( ثلاث نساء) لأسباب متدينة ..
وربما كانت مشاركة المرأة فى مجلس إدارة كفالة الأيتام بدمياط ( ثلاث نساء) لأسباب تتعلق بدرجة من الاستنارة لدى مجلس الإدارة أو لاعتبارات وأسباب شخصية.
وبصفة عامة يمكن القول إنه رغم العدد الكبير للجمعيات فى محافظة دمياط بما فى ذلك الجمعيات ذات النمط الاسلامى . فإنها حتى ألآن لم تخلق بعد إلا دورا محدودا لها فى بنية المجتمع يتفق مع عددها المنتشر فى أنحاء المحافظة..
فما زالت عضويتها محدودة.. لكنها فى جميع الأحوال يمكن أن تلعب دورا هاما وربما خيرا فى المستقبل إذا توفرت عوامل وشروط معينة خاصة مع الاتجاه نحو تعديل القوانين الخاصة بالجمعيات الأهلية بما فى ذلك القانون 32 لسنة 1964 وإطلاق حرية تكوين الجمعيات .
حيث يتوقع الباحث أن تقوم هذه الجمعيات بدور أكثر فى المستقبل خاصة إذا وضعها تيار الإسلام السياسي ضمن أولوياته وهو الأمر الذى نلاحظ بعض مؤشرات " جنينية" له فى الوقت الحاضر.
الجمعيات الأهلية الإسلامية فى النشأة – التمويل والعلاقة مع الدولة ( مصر 1975 - 1995 )
لا تزال المعرفة المتصلة بالجمعيات الإسلامية فى مص ولم تنل من الدراسات والبحوث المختلفة عن العمل الأهلي التطوعي التى تمت نصيبا كافيا لتوضيح دورها خاصة فى الفترة من أعوام 1975 – 1995 وهى الفترة التى برز فيها تنفيذ وتفعيل السياسات الاقتصادية المتعلقة بالخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري وهدفت إلى الإصلاح الاقتصادي الذى واكبه بالطبع تغيرات اجتماعية سياسية أو سياسية اقتصادية ذات مردود وتأثير اجتماعي.
ربما ذا تأثيرات سلبية أثرت على فئات عديدة من الشعب المصري وأوجدت تلك السياسات حاجة ماسة لكيانات أو تنظيمات مختلفة لمواجهة تلك الآثار السلبية وكان أكبر هذه التنظيمات وأبرزها وأفعلها الجمعيات الأهلية.
ولقد واكب تلك التوجهات والسياسات الاقتصادية ذات الآثار الاجتماعية والسياسية واكب ذلك نمو التيار الديني سواء كان إسلاميا أو مسيحيا وأيضا برز تيار علماني لكننا نعنى هنا بالتيار أو التوجه الخلفية الإسلامية لنشاط الجمعيات الأهلية .
سواء تلك التى يظلها اسم اسلامى أو تتضمن أنشطتها كلية أو جزئيا نشاطا إسلاميا ويستوي فى ذلك التى تسيطر عليها قيادات إسلامية أو تلك التى تقصر العضوية فيها على المسلمين .
ونرى أن تلك الدراسة ستصل إلى مؤشرات عامة توضح الواقع الفعلي وليس ترديدا لتصورات أو إطلاقات عامة لا تستند على دراسة.
وبداية نقول إن العمل الأهلي ارتكز على عدة محاور منذ ظهور العمل الأهلي المنظم المسجل حكوميا.
- 1- محور عقائدي يدعو إلى أفكار ومذاهب دينية ( الجمعية الشرعية – أنصار السنة المحمدية – المحافظة على القرآن الكريم – جمعيات عديدة بأسماء رموز إسلامية تاريخية ( أبى بكر – عمر – على – عثمان .. الخ).
- 2- محور تنظيمي للخدمات الإسلامية أساسا والاجتماعية الصحية من هذا المفهوم خاصة فى فترات الوعي الوطني ومحاربة التخلف والاحتلال أو رغبة فى تقليد الغرب فى تطوره الثقافي والعلمي والتكنولوجي وتجلى ذلك بالذات فى القرن 19 وبدايات القرن 20 وقد تجلى مرة أخرى فى السبعينيات وأصبح له صدى ودور متنامي فى الثمانينيات والتسعينيات خاصة بعد توفر الدعم والتمويل الأجنبى بصورة كبيرة.
- 3- محور يهدف غلى الحصول على مكاسب مادية أو أدبية أو سياسية لبعض منشئ تلك الجمعيات (أ) تحت اسم الدين الاسلامى (ب) أو بدعوى الاهتمام بالعقيدة (ج) أو التحرر الديني الثقافي .
وتمثل ذلك فى :
- (أ) إنشاء الجمعيات المعنية بالحج والعمرة بعد أن أخذت الدولة ابتداء من 1982 تخصص أعدادا للحج للجمعيات، وهناك جمعيات عددية تخصصت فى هذا النشاط أو أضافت هذا النشاط لأنشطتها الأصلية والتي لم تكن بالضرورة جمعيات دينية ( جمعيات المساعدات – جمعيات التنمية فى المجتمعات الحضرية والسكنية – جمعيات البيئة – جمعيات المعوقين- الجمعيات الأدبية – جمعيات رعاية الأسرة – جمعيات رعاية المرأة ..الخ).
- (ب) جمعيات أنشأت مدارس ومعاهد تحت مظلة أسماء إسلامية بعضها اعتنى بالشكل والأساليب التعليمية الاسلامية ( الاهتمام بتخصيص أماكن للصلاة – التوعية الاسلامية ) وبعضها اهتم بنشر التراث وتأليف الكتب- وتعليم النشء ولكنها لم تمارس الأمر عن عقيدة والتزام بدليل تحويل الكثير منها للنيابة أو ظهور خلافات بين قياداتها ربما يكون وراء الخلافات من زكى ذلك لأسباب مختلفة وصلت للمحاكم.
- (ج) جمعيات اهتمت بالتحرر الديني والثقافي بدعاوى منظور وتفعيل دور أكثر للمرأة والشباب من مفهوم أن الإسلام وعى وأكد تلك المفاهيم وإن كانت تلك الجمعيات رغم أنشطتها تلك ليست معنية بالإسلام لا اسما ولا دورا ولا هم قيادات إسلامية ( رابطة المرأة العربية – بحوث المرأة للتنمية – رعاية المرأة – تدعيم الأسرة – أصدقاء الطفولة .. الخ.
إلا أن الظاهرة التى لا يمكن أن يغفلها دارس ه ظهور وسيطرة ونمو وانتشار نشاط اجتماعي من مفهوم إسلامي عقائدي انتشر بشكل شامل ضم الحابل والنابل ودعمه وساعد على نجاحه وانتشاره تعدد الفهم للعقيدة الدينية الإسلامية وهو نشاط رعاية الأيتام الذى أصبح موضة لكل الجمعيات أيا كان توجهها أو المظلة التى تظلها أو القيادة التى تهيمن على إدارتها لأن الناس تتجاوب بسخاء فى هذا المجال من دعم مالي بغير حدود.
لقد بدأت الجمعية الشرعية هذا النشاط بشكل ملفت للنظر فى السبعينيات أو قبلها وكان وراءه هدف هو رعاية أسر المعتقلين من الإخوان المسلمينوتوسع النشاط وضم أسرا فقيرة لأرامل.ز الخ.
وهذا يقودنا إلى مدخل هام وهو الحديث عن أهم التيارات الإسلامية فى مصر وهم جماعة الإخوان المسلمينالتى بدأت بالتركيز على التربية الإسلامية وبعض الأنشطة الاجتماعية المحدودة وبدأت مع تغليب بعض المفاهيم لديها من أن الإسلام ليس عقيدة وعبادة فقط، بدأت تشارك فى الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها باعتبار العم تحت عباءة الإسلام يأخذ الحياة من جميع جوانبها،
وباعتبار أن الإسلام دين الشورى من هذين المفهومين تداخلت أفكار الجماعة ودخلت إلى مجال العمل الأهلي منذ نشأة الجماعة وإذا ركزنا فى الدراسة عن الفترة من 1975- 1995 نلاحظ الآتي:
- 1- خلال الستينات وقبلها فى الخمسينيات لم يكن يسمح لنشاط أو اسم أو قيادة تمت للإخوان برائحة أن تعمل ومن عمل فى تلك الفترة كان من الذكاء والحنكة بحيث لم يصنف أنه إسلامي وذلك فيما عدا بعض القيادات التى انضمت لجمعية الشبان المسلمين ( الطحاوى – الباقورى .. الخ) . أو قيادات سمح لها بقدر محدود فى الجمعية الشرعية فترات قليلة وسيطر تيار من الاتحاد القومي أو الاشتراكي على الجمعية الشرعية .
- 2- عندما قرر السادات رحمه الله إعادة قيادات الإخوان للعمل والسماح لهم بالحصول على الجوازات والجنسيات .. الخ. والإفراج عن المعتقلين كانت تلك البداية لظهور توجهات وأنماط إسلامية فكرية عديدة وصاحب كل نمط توجه لنشاط اجتماعي خاصة فى مجال الشباب. وتولد عن كل نمط أنماطا عدة ونشأت جماعات أو جمعيات بأسماء مختلفة ولم يعارضها لا الشئون الاجتماعية الواجهة ( ولا الأمن وهو المعنى بالموضوع خفية ).
- 3- وعن دور تلك الأنماط الفكرية الإسلامية التى تظللت بالجمعيات الأهلية وغلب على دورها ونشاطها التربية الدينية ( محاضرات – لقاءات فكرية – توجيه وإرشاد وتربية الأعضاء على قواعد الدين الصحيح- إنشاء معهد الدعاة – إنشاء جماعة شباب الإسلام وهى أكبر وأهم جمعية ظهرت ونمت فى أسيوط بدعم ورعاية الدولة وكان لها فضل أن تصبح أسيوط معقلا عنيدا للعمل الاسلامى السياسي.
ومع الوقت القليل تسللت الأنماط الإسلامية من الفكر إلى مواقع العمل المختلفة وكان مردوده دعم بعض الجمعيات بالتبرعات ودعم تلك الجمعيات لبعض القيادات فى المعارك التى أشعلوها للسيطرة على النقابات والجمعيات وخاصة جمعيات نواد هيئات التدريس بالجامعات.
إن الجمعيات الإسلامية كانت ترفض دائما الدعم الحكومي وكان الدعم الخارجي رجسا من عمل الشيطان خاصة الغربي ولكن مع بداية الثمانينيات انقلب الحال وأصبح التمويل الغربي ركنا هاما ودعما أساسيا ( لدرجة أن الدولة عدلت من قانون الجمارك عام 1982 ..
وألغت حق الجمعيات فى الحصول على هبات ومعونات من الخارج إلا بشروط وموافقات خاصة من لجنة السياسات ودراسات لوزير المالية مع وزارة الشئون الاجتماعية وكان الأمر السابق على ذلك هو موافقة وزارة الشئون فقط ) بل إن الجمعيات جميعها تكالبت على الدعم الأمريكي المتمثل فى المشروعات المتعلقة بالتنمية المحلية الأمريكية من عام 1987 وتنافست الجمعيات الدينية الشهيرة على الحصول على ذلك الدعم وأعتقد أن ذلك يرجع لسببين : أولهما القيود التى وضعتها الدولة على الدعم العرى وتدخل الأمن أحيانا فى التمويل الذى يأتي من جهات عربية أو إسلامية معينة بحجة الدعوة لمذاهب إسلامية معينة ( وهابي – شيعي) ثانيهما : أن بعض الجمعيات ذات التوجه الاسلامى رأت أن ذلك يعنى أنها تتمشى مع توجهات الدولة وعلاقاتها الدولية وفى النهاية هو دعم ومال ومشروعات.
نقطة هامة نود أن نلفت النظر إليها أن كثيرا من الجمعيات محل الدراسة لم تتمشى خططها وبرامجها فى أحيان كثيرة فى بداية الثمانينيات مع التوجه الاقتصادي والسياسي للدولة فلم نلحظ أن جمعيات قامت بتنفيذ مشروعات تنمية للأسر التى تضررت مثلا من الإصلاح الاقتصادي أو أقامت مشروعات لتشغيل العاطلين رغم أنها لو توجهت هذا التوجه لوجدت دعما أهليا وتمويلا رسميا ( الصندوق الاجتماعي ،
وزارة الشئون الاجتماعية ..الخ) وقلة قليلة من الجمعيات التى تحمل أسماء إسلامية هى التى توجهت إلى جهات مانحة تطلب دعما لإقامة مشروعات تنموية لمواجهة آثار الإصلاح الاقتصادي ( القاهرة – سوهاج – أسيوط) وهى لا يسيطر عليها قيادات إسلامية ولا تعمل من مفهوم إسلامي لكنها تحمل أسماء إسلامية وتديرها قيادات اجتماعية – سياسية تحت مظلة اسم إسلامي لدرجة أن أحد رؤساء هذه الجمعيات وكان يلبس زيا أزهريا كانت إحدى الجمعيات المسيحية تحرص على إشراكه فى ندواتها ويتم تصويره بالندوة مع المشاركين وكانت ترفق الصور وشرائط الفيديو لجهات مانحة.
طبيعة نشاط تلك الجمعيات
لو نظرنا بإيجاز لنماذج لتوضيح البعد التاريخي لمرجعيات إنشاء تلك الجمعيات نجد:
- 1- ظهور جماعات ( جمعيات ) المجاورين بالأزهر الشريف لتوفير رعاية اجتماعية / ثقافية / سياسية وكان لها دورها فى مواجهة حكام مصر على مدى تاريخ الأزهر.
- 2- فى القرن 19 / 20 ظهرت جمعيات سنشير إليها بما ورد على مدى تاريخ الأزهر.
- (أ) المعارف للتأليف 1868 وعنيت بتنوير العقول وحجب غير المأثور وكشف حديث الفكر والنور بهدف إدراك للرقى المأمول بالغرب المغرور.
- (ب) الجغرافية 1875 وعنيت ببحث أمور البلاد والعباد وشاركت فى بحوث حوض النيل وقامت بالجهود لعمل أول تعداد للسكان عام 1882.
- (ج) الخيرية الإسلامية الأولى لمواجهة طغيان النفوذ الأجنبي وانشغال الحكومة بدعم المحتل ولمواجهة نفوذ الإرساليات. قامت بإنشاء المدارس وإعانة الفقراء.
- (د) الخيرية الإسلامية الثانية واهتمت بالتعليم والخدمات الصحية وهى ما زالت قائمة حتى الآن وبها أنشطة عديدة .
- (هـ) جمعية الدعوة والإرشاد 1893 ( لتعاظم دور الإرساليات وقيامها بالتبشير وحدوث حالات ارتداد عن الإسلام خاصة فى بعض المناطق بجنوب مصر) أقامت الكتاتيب والمدارس والخدمات الاجتماعية وكان على رأسها محمد عبده / رشيد رضا وقد سبق لهما إقامة العروة ودعما جهود إقامة المساعي المشكورة بالمنوفية الآن.
وباختصار بلغ عدد الجمعيات المسجلة رسميا 65 حتى نهاية القرن التاسع عشر تعمل فى أنشطة تعليمية – صحية – دينية ( توعية – ونشر التراث والتأليف ) عملية ( الجمعية الجغرافية) وانتشرت بأنحاء مصر من أسوان حتى بور سعيد.
وكان من بين تلك الجمعيات عدد من الجمعيات القبطية الوطنية ( التوفيق القبطية – الخيرية القبطية – خلاص النفوس ) ومع دخول بداية القرن العشرين توجهت الجمعيات إلى مجالات سياسية قومية لمواجهة الاحتلال فنجد جمعيات تولت توجيه وتحريك الرأي العام نحو القضية الوطنية – ونجد جمعيات عملت على مواجهة سطوة وقوة نفوذ الأجانب خاصة فى مجال الاستغلال والرهن العقاري مثل الدعوة لتطبيق نظام الوقف الاسلامى والقبطي للأعمال الخيرية،
بل أن دعوتها إلى حدث الوطنيين لشراء الرهونات العقارية ووقفها مع نمو وازدياد الوعي الوطني ومع اليقظة والوطنية التى بثتها ثورة 1919 ظهرت أنشطة اجتماعية للجمعيات بخلفيات سياسية ساعد عليها وقوى من ساعدها:
- 1- زيادة عدد العائدين من البعثات الخارجية بأفكار وتوجهات متطورة حديثة وقناعتهم بأهمية التطوير ومشاركة الجامعة والطلبة في تصعيد المشاعر الوطنية في مواجهة الاحتلال .
- 2 ـ ظهور مشكلات اجتماعية واكبت الزيادة السكانية التي نمى الإحساس بها عقب نظريات مالتس السكانية .
- 3 ـ إنشاء الجامعة المصرية وتعدد كلياتها والمعاهد العليا .
- 4 ـ نمو وتعاظم حركة تحرير ومشاركة المرأة في الحياة العامة .
- 5 ـ ظهور جمعيات دعمت العمل الاجتماعي بالدراسات وإنهائها لمعاهد الخدمة الاجتماعية بالأسكندرية والقاهرة ( جمعية الدراسات الاجتماعية 1937 ـ الجمعية الطبية المصرية 1626 ) .
- 6 ـ إنشاء المجلس الأعلى للإصلاح الاجتماعي 1936 لمراقبة ودراسة التطور الاجتماعي .
- 7 ـ ظهور اتحاد المشتغلين بالخدمة الاجتماعية 1941 .
- 8 ـ إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية 1939 والتي نص قانون إنشائها على " حتى لا تترك الأمور لحكم الصدفة ولتضارب التيارات المختلفة سياسيا ودينيا ولمواجهة النزعات المتضاربة في المجتمع " واعتبر ذلك رسالة أساسية له .
- 9 ـ تخريج دفعات الأخصائية الاجتماعية من عام 1940 .
كل ذلك دعم وآزر من دور وفعاليات الجمعيات الأهلية بصفة عامة وبرزت أدوار للجمعيات بهدف إسلامي أو باسم إسلامي أو بقيادات لها توجهات إسلامية .
ومع هذا التطور وهذا الدور الفعال ولبروز وتعدد الجمعيات ذات المسمى والمحنى الإسلامي ( الجمعية الشرعية ـ أنصار السنة ـ الشبان المسلمين ـ الشابات المسلمات ) .
والجمعيات المختلفة التي تولاها أو ساندتها شعب الإخوان المسلمين في المحافظات اتجهت الدولة لإصدار التشريعات التي تضع أطرا وحدودا وخطوطا للعمل الأهلي ولتولي الرقابة على تلك الجمعيات .
فكان صدور القانون المدني عام 1883 وتولت مواده تنظيم الولاية غلى الأنشطة الاجتماعية وغيرها من الأنشطة الأهلية .
وكان لابد من قانون خاص تولت إعداده وزارة الشئون الاجتماعية وتلته عدة قوانين مكملة من واقع التطبيق العملي فكان القانون 49 لسنة 1945 والذي تضمن نصوصا بمسميات الجمعيات الخيرية ـ المؤسسات الخيرية ـ بتنظيم التبرع للوجوه الخيرية .
وتلاه القانون 5 لسنة 49 منظما لأنشطة الشباب ومشاركتهم الاجتماعية وتربيتهم الثقافية والرياضية وتلاه القانون 156 لسنة 50 لتنظيم الأنشطة الاجتماعية الخاصة بالادخار والمعونة المتبادلة بين المواطنين ومع تعاظم دور التنظيمات العسكرية وخاصة تلك التنظيمات المرتبطة بحركة الإخوان المسلمينصدر قانون جديد يركز على الرقابة على أعمال الجمعيات الدينية والعلمية والثقافية وأسند رقابة أعمال تلك الجمعيات لوزارة الشئون ووزارة الداخلية وهو القانون 66 لسنة 1951 .
ومع تداخل عدد الأنشطة الاجتماعية مع تنظيمات غير خاضعة لقوانين الجمعيات ومع ظهور لافتات بأسماء جمعيات تحت مسميات حزبية وتشكيلات غير مشهرة طبقا لقوانين الجمعيات صدر القانون 4 لسنة 1952 بتحديد طرق وأساليب وأشكال النظم التى تتبع لشهر الجمعيات والمؤسسات.
وعموما فلقد واكب تلك الفترة ( النصف الأول من القرن العشرين ) تنوع وتعدد أشكال وأنماط الجمعيات بشكل يعكس الإحساس بالحاجات الاجتماعية غير الملباه من قبل الدولة ويعكس أثر الاتصال بالغرب بصفة خاصة فنجد ظهور جمعيات رعاية مرضى الدرن ( جمعيات تحسين الصحة ) جمعيات الإسعاف – الجمعيات الخاصة ( أبناء البلاد – أبناء الطوائف – العاملين فى جهات معينة ) والتي أدت خدمات وقامت بأدوار اجتماعية خاصة فى مواجهة الفقر والتكافل الاجتماعي .
ولا يمكن أن ينسى أي ملاحظ لحركة نشاط الجمعيات خلال العقد الخامس من هذا القرن تعرض البلاد فى أوائل الأربعينيات لكثير من الأوبئة نتيجة دخول جنود من جنسيات مختلفة خلال الحرب العالمية الثانية مع قوات الحلفاء لمصر فكانت هنا قوات من الهند والسودان وأواسط أفريقيا وجنوب أفريقيا واستراليا ونشرت تلك القوات الأمراض المستوطنة ببلادهم كالملاريا الخبيثة والكوليرا والتيفود فكانت للجمعيات دور كبير فى تقديم الخدمات الطبية والعلاجية والوقائية ونشر الثقافة الصحية ( الهلال الأحمر – الخيرية الإسلامية – الخيرية القبطية – مبرة محمد على والجمعيات والروابط الأجنبية ) وكان بعضها يحمل أسماء إسلامية وبعضها يهيمن عليه أسماء إسلامية وكلا النوعين لم يعن بتقديم خدمات اجتماعية مجردة أساسا وإن قامت ببعض الأنشطة الدينية ( الاحتفال بالمناسبات ومحو الأمية وتوزيع الكتب الدينية بالتقسيط ).
وإجمالا فإنه بنهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت الجمعيات ذات المسمى الاسلامى أو ذات القيادة إسلامية أو ذات الأنشطة الإسلامية تعمل فى ظل مظلة حكومية وكلما تحركت أية قيادات إسلامية التواجد على الخريطة تحت مظلة جمعية تنبهت الدولة وعدلت من القوانين بما يسمح للدولة بالهيمنة على الأنشطة الاجتماعية وكشف ما وراءها من توجهات سياسية أو دينية .
وكانت الجمعيات تنتشر بمعدلات تعطى مؤشرا أنه كلما ظهر نوع من الجمعيات الإسلامية قابله إنشاء جمعيات مسيحية وحدث كثيرا عكس ذلك خاصة فى محافظات أسيوط والمنيا وفى بعض الأحياء فى القاهرة والأسكندرية ( شبرا – حلوان – سيدي بشر ومنطقة الرمل عموما) وقد كانت منافسة ذات مردود اجتماعي مهما كانت أسبابه إلا أن العائد كان محمودا.
بيان عدد الجمعيات المعنى بها البحث من 1820حتى 1950 وعدد الجمعيات إجمالا المسجلة رسميا

وتتمثل أهم خدمات تلك الجمعيات فى :
- 1- خدمات دور العبادة – الوعظ والإرشاد – مدارس ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم .
- 2- الخدمات الطبية والصحية – المستوصفات والمستشفيات.
- 3- المساعدات الاجتماعية – نقدية وعينية – تكفين الموتى وترحيل الغرباء.
- 4- الخدمات الثقافية – مدارس – ندوات – فصول تقوية – محو أمية – مكتبات.
- 5- أنشطة أخرى رعاية الطفولة – رياضية وترويحية – تدريب مهني- رعاية الشيخوخة .
وقد بلغت قيمة خدمات تلك الجمعيات عن بحث أجرته وزارة الشئون الاجتماعية فى يوليو 1961 عن الجمعيات القائمة فى نهاية 1960.
بلغت قيمة خدماتها الدينية----- 3144010 جنيها
الطبية----- 124210 جنيها
المساعدات----- 84004 جنيها
الثقافية----- 72650 جنيها
أنشطة أخرى-----25718 جنيها
ولعل ظاهرة لافتة للنظر فى نمو نوع من الجمعيات خلال تلك الحقبة ( 1900- 1950) خاصة بداية من الثلاثينيات وهى جمعيات خدمة الريف سواء أنشئت فى الريف أو فى القاهرة لتعمل بالريف ( جمعية النهوض بالقرى – جمعية سيدات القاهرة – الجمعية النسائية لتحسين الصحة – جمعية الدراسات السكانية – جمعية الدراسات الاجتماعية وجمعيات الإصلاح الاجتماعي والإصلاح الريفي).
وقد قامت تلك الجمعيات بالاهتمام بمواجهة – الفقر – الصناعات الزراعية والبيئية – والمرض ومحو الأمية – رعاية الطفل – التوعية والإرشاد الزراعي- تنمية الثروة الحيوانية .
وظهر مشروع المراكز الاجتماعية والمحلات الاجتماعية وهما مشروعان رائدان للعمل فى الريف والمناطق الفقيرة، ولكن للأسف كانت تهتم بالوجه البحري وخدماتها فى الوجه القبلي كانت رمزية لذلك النوع من الخدمات ولا يعنى هذا إن القطاع الريفي لم ينتفع من الجمعيات الأخرى وإنما فى هذه الفقرة نشير فقط إلى ذلك النوع من الخدمة والعمل الاجتماعي الذى برز خلال الفترة إضافة إلى خدمات الجمعيات الأخرى .
وملاحظة على الجمعيات فى تلك الحقبة إذ بلغ عدد الجمعيات
القاهرة العضوية فيها على الرجال -----2218 جمعية
القاهرة العضوية فيها على النساء-----0135 جمعية
الغالبية العضوية فيها للرجال ----- 0755 جمعية
الغالبية العضوية فيها للنساء----- 0087 جمعية
يتبع تلك الملاحظة أخرى أن الجمعيات النسائية كانت بمحافظات القاهرة 33 الأسكندرية 18 الدقهلية 12 الغربية 10 ولا توجد فى دمياط – بنى سويف ، الوادي – مطروح وسينا).
مؤشرات تمويل الجمعيات
لم تتح بيانات دقيقة عن إيرادات ومصادر تمويل الجمعيات فى أية بحوث متاحة سوى ما ورد ببحث تقييم الجمعيات الأهلية الذى قامت به وزارة الشئون الاجتماعية عام 61 عن الجمعيات القائمة فى 31/ 12/ 60 وموقفها المالي عن العام 59/ 1660.
ويتضح أن إجمالي الإيرادات عن هذا العام 6044489 جنيها مصدرها تبرعات واشتراكات وإعانات حكومية وإيراد ممتلكات ومقابل خدمات وبلغ قيمة التمويل الأجنبي 91851 جنيها أي بنسب 1,5 من الإيرادات فى تلك السنة ومؤشرات ذلك أن العلاقات المصرية كانت فى تلك الآونة سيئة مع دول ا لغرب إجمالا ( 59/ 60) وطيبة مع الشرق وهو لا يمول مثل تلك الأنشطة الاجتماعية بأي صورة من الصور.
وكانت دول الخليج فى حاجة للمساعدات ولم تكن لديها موارد توزعها ( أغلبها وأغناها فى السبعينات والثمانينيات ) بإعطاء،
وأقصى ما سمحت به ظروف تلك الدول هو السماح لذوى الاتجاهات الدينية والقيادات الإسلامية بالعمل لديها .. مؤشر آخر لتلك الموارد من الخارج أنها وردت كالآتي:
القاهرة----- 53%
أسيوط ----- 29%
الدقهلية-----11%
قنا----- 0,5%
باقي المحافظات 6,5% عدا الجيزة – البحيرة – دمياط – السويس – سوهاج والوادي الجديد ومطروح وسيناء.
ملاحظات عامة عن تلك الفترة 1820- 1960
- 1- أن عدد الجمعيات ذات الاسم الاسلامى أو القيادة ذات الاتجاه الاسلامى أو تلك التى تقدم خدمات تحت اسم إسلامي بلغ 268 جمعية وتمثل نسبة 8,5% من الجمعيات .
- 2- إن النسبة قليلة نسبيا لأن عدد الجمعيات القائمة كان 3159 من بينها 1113 جمعية روابط للعاملين وأبناء البلاد ولم يظهر فى بياناتها أثر لأنشطة ذات حجم فيما عدا دفن الموتى والتسفير لأعضائها المصريين ولكن خدماتها عموما كانت خدمات خاصة بأعضائها.
- ويرجع زيادة هذا العدد لإلغاء القانون 384 لسنة 56 لنقابات عمال الحكومة ولجوء أعضائها لإنشاء روابط فى ظل ذلك القانون.
- 3- إن توزيع عدد الجمعيات المعن كانت : القاهرة 82 سوهاج 17 الشرقية – الأسكندرية – الجيزة 15 البحيرة 14 الغربية 13 المنوفية – الدقهلية – بنى سويف 12، أقل المحافظات دمياط – بور سعيد – أسوان – سيناء – الوادي – مطروح لم يتعد العدد بكل منها 2 وهى مؤشرات ذات دلالة بلا شك لو تمت دراسات عميقة لكل محافظة على حدة وإن كنا نعتقد صعوبة الحصول على المعلومات الموثقة،
- وللأسف فإن أغلب المعلومات ومصادرها عن تاريخ العمل الاجتماعي خاصة وأن الشعب المصري له تاريخه بلا جدال فى جميع مجالات الحياة ونظرا لما يتميز به دائما من سيطرة النزعة الدينية منذ آلاف السنين وحبه للخير ومساعدة الآخرين وهما دعامتا العمل الاجتماعي وليس أدل على ذلك من تلك الصروح القائمة من عشرات السنين لتقديم الخدمات الاجتماعية والأمل أن يكون هناك اهتمام بهذا ا لتاريخ خوفا عليه من النسيان والاندثار،
- وحقيقة لابد أن نذكر ما قامت به قيادات وزارة الشئون الاجتماعية خلال العقد الثامن من هذا القرن من مهمة إصدار مرجع لتاريخ العمل الاجتماعي الأهلي ولم يتمكنوا سوى من إصدار جزء واحد صدر عام 1983 ركز على تأصيل برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية ودور الهيئات الأهلية وانتهى الموضوع بتوقف بحوث أغلب الفاعلين المعنيين بهذا الموضوع.
الجمعيات من 61 إلى 1975
لا شك أن قيام المواطنين بتكوين هيئات أهلية اجتماعية لتحقيق أهداف معينة إن هو إلا نشاط تلقائي يبلغ من نفوسهم ويعبر عن شعورهم بالمسئولية الاجتماعية عن مشاكل المجتمع واقتراح الحلول وتلبية الاحتياجات وعلى ضوء المفاهيم الاشتراكية التى سارت اعتبارا من 1961 ( عقب الانفصال والتأميمات الشهيرة وأفول دور القطاع الخاص القادر خاصة الملاك الكبار فى مجال الزراعة والتجارة .
وصدور ميثاق العمل الوطني 1962 كما سبق صدور الخطة الأولى للتنمية الاجتماعية الاقتصادية 1960/ 1965 توجهت الدولة لمزيد من التقييد فى حرية الأفراد فى التطوع بادعاء الرغبة فى التوجيه وبادعاء أن الدولة مسئولة عن التخطيط لبرامج الرعاية الاجتماعية وباعتبار الجمعيات الأهلية مشاركة فى تقديم تلك البرامج وأنه لابد لأي جمعية إذا رأت أن تقوم فلابد للحكومة من التأكد من حاجة المجتمع لخدمات تلك الجمعية .
واتجهت الأفكار أنه لابد أن تتحدد أنشطة الجمعيات ولا تتعدد بادعاء أن التفرد فى النشاط يوفر قدرة على العطاء وأن التخصص هو أساس التنسيق الذى يجب أن تتولاه الدولة بين الجمعيات،
ومع التوجه السائد فى تلك الفترة من أن الأسرة الخلية الأساسية للمجتمع وأن الطفولة هى صانعة المستقبل وترديد تلك الشعارات ومع زيادة النمو السكاني ظهرت فى الأفق أصوات تنادى بدور للهيئات الأهلية فى تنظيم الأسرة ومع شيوع أن الدولة توفر الخدمات الصحية المجانية وانتشار الخدمات الصحية فى الريف قبل الحضر بدأت تظهر دراسات تعلن زيادة أعداد المسنين ومع التطور الاجتماعي والتصنيع وزيادة الهجرة الداخلية وظهور بوادر تفكك الأسرة سيزداد أعداد الشيوخ ممن يتركهم أبناؤهم فنادت أصوات كثيرة بأهمية توجه الهيئات الاجتماعية لتقديم خدمات لتلك الفئة .
ونظرا لظهور تنظيمات( اتحادات) لأنواع معينة من الجمعيات اختيارا وقيام بعضها بأدوار لدعم وحماية الأعضاء من التسلط الادارى ( مجلس خدمات الأسكندرية- هيئة تنسيق الخدمات بالجيزة) نادت أصوات بأن تنشى الدولة اتحادات على مستوى المحافظات وعلى مستوى المدن وعلى مستوى الجمهورية ،
لكل هذا وغيره كثير تجمعت تلك الأفكار ولقيت تلك الأصوات وخاصة فى أروقة الاتحاد القومي بضرورة تعديل القانون 384 لسنة 56 المنظم للعمل الاجتماعي وفجأة صدر قرار جمهوري بقانون رقم 32 لسنة 1964 فى 12 فبراير 1964 نص على أن تحدد اللائحة التنفيذية المقصود من أغلب مواده ولم يتم إعمال القانون لمدة عامين من صدوره فقد صدرت اللائحة التنفيذية فى 22 مارس 1966 والطريف أن مجلس الدولة وافق على القانون فى 7/ 8/ 1963 ولم يعرض على مجلس الأمة وصدر بقرار جمهوري بعد موافقة مجلس الدولة بستة (6) أشهر .
وأخطر ما ورد بذلك القانون وجوب إعادة شهر الجمعيات القائمة مما أتاح للدولة التخلص من العديد من الجمعيات بدعاوى مختلفة.
وكان لهذا أثره البعيد فى حركة نمو الجمعيات ونوعيتها ابتداء من 1967 إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة أدت إلى لجوء الجمعيات ذات التوجه السياسي للتعمية والتمويه واستخدام مسميات عامة وتحديد أهداف وأغراض هلامية مثل تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية – العمل على رفع مستوى اهالى منطقة عمل الجمعية اجتماعيا وصحيا وثقافيا واقتصاديا.. الخ من مسميات نتيجة ما لاقاه العمل الأهلي عقب إعمال القانون 32 اعتبارا من 1964 ولما لاقاه العمل الديني السياسي من مواجهة دامية واجهته أسر هؤلاء الذين تصدوا للعمل الديني السياسي ولسطوة عناصر عسكرية وحدوث مواجهات وتعذيب وحراسات و و .........فنجد أن حركة إنشاء الجمعيات ونوعية الجمعيات أصبحت بالشكل الهرمي الآتي:
رعاية طفولة وأمومة رعاية أسرة
جمعيات خدمات ثقافية علمية دينية
جمعيات مساعدات اجتماعية ( تكافل – دفن موتى )
جمعيات تنمية محلية
وتمكنت اتجاهات سياسية ودينية من إنشاء جمعيات لتخترق المجتمع بها تحت مسمى جمعية تنمية المجتمع المحلى ( وما حدث فى إمبابة من سنوات قلائل من قلاقل وصدامات مثال على ذلك ) .
وكانت أعدادها عام 1975.
2568 جمعيات تنمية فى الريف والمناطق الشعبية بالمدن.
1937 جمعيات مساعدات اجتماعية .
1879 جمعيات ثقافية وعلمية ودينية ولم تظهر الجمعيات الدينية بمسمى ميدان خاص لأن القانون دمج الأنشطة الدينية مع الثقافية والعلمية.
وكانت تلك خطة أو توجها له خلفية أمنية لا يدركها الكثيرون ظهرت فيما بعد .
إذ الجمعيات حتى الدينية الخالصة اسما وتوجها ( الشرعية – أنصار السنة .. الخ) .
كان ميدان عملها الرئيسي : الخدمات الثقافية والعلمية والدينية ( لاحظ الترتيب) وكان هذا مقصودا حتى إذا رؤى حل مجلس الإدارة لأسباب ما تجد جهة الإدارة المبررات وهى أن الجمعية أشهرت وميدان عملها الرئيسي بهذا الترتيب،
ومفروض أن نشاطها يشمل الأنشطة الثلاثة الثقافية والعلمية والدينية ونظرا لأن الجمعيات الدينية يكاد نشاطها الثقافي العام يكون محدودا وكذلك نشاطها العلمي بالمفهوم العام والعلوم غير الدينية .
إذن الجمعية قسرت فى القيام بأغراضها مما يستوجب حل مجلس الإدارة مما اضطر بعض القيادات بتلك الجمعيات إلى اللجوء لحيل منها إضافة ميادين عمل جديدة يمكن لها أن تغطى أنشطة الجمعية ويمكن أن تبرر الجمعية عند حسابها أنها تقدم العديد من الخدمات مثل : المساعدات ( كفالة اليتيم ) رعاية المعوقين – دور الحضانة ورعاية المرأة وهى أنشطة يمكن أن تكون منافذ لتوجهات سياسية ولكن مظلتها اجتماعية .
بل أن بعض الجمعيات الدينية لجأت لحيل خطيرة وهى إنشاء عيادات لتنظيم الأسرة لكنها لم تمارس فعليا الأنشطة وبعضها أنشأ مستوصفات لم يكن هدفه تقديم الخدمة الصحية أساسا ولكنها كانت تهدف منها مساحة أكبر من تردد المواطنين والتعرف عليهم ولكن فى مرحلة تالية وجد أن المستوصفات يصدر عنها دخل فاعتمدت عليها بعض الجمعيات وتخصصت فيها جمعيات ( الجمعية الطبية الإسلامية ) .
وكانت منافذ جيدة لتوجهاتها، وتغلبت الجمعيات بذلك على ما يواجهها من قبل الجهة الإدارية بدفع من جهات أخرى ولذا نجد أن عدد الجمعيات التي حلت مجالس إدارتها عام ( 66، 1967) 1220 جمعية وعام 75 هى 33 جمعية .
وكانت هناك ظاهرة تميزت بها الفترة ( 61- 1975) وخاصة الفترة ( 72- 1975) وهى انتشار نوعيات من الجمعيات الإسلامية أشهرت بعد مواجهة لها مع تنظيمات مسيحية كنسية كالاستيلاء على أرض بحجة الاتجاه لإقامة كنيسة عليها وانتشرت تلك الجمعيات فى بعض المناطق بالقاهرة والأسكندرية وأغلب محافظات الصعيد بل أن محافظات لم يعرف عنها الخلافات الطائفية مثل أسوان أشهر بها جمعيات خلال الفترة ( 72- 1975) بلغت 26 جمعية دينية .
والحقيقة أنه لم تجد صعوبات فى إجراءات الشهر والتسجيل ولم يعترض الأمن رغم أن تلك الجمعيات أنشئت عقب صدام ( جمعية عمر بن الخطاب فى أسوان) لماذا ؟؟؟ ،
والوجه الآخر للظاهرة هو بروز الدور الاجتماعي للكنيسة المصرية الأرثوذكسية وهو تبنيها خلال تلك الفترة للأنشطة الاجتماعية بدلا من إنشاء جمعيات مسيحية وظهرت خدمي اجتماعية تكلفت بها الكنيسة مقابل تكفل الجمعيات غير المسيحية بها وهى خدمة ورعاية الطلبة والمغتربين وأنشأت الكنائس والجمعيات المسيحية النوعية والسابق شهرها عام ( 72/ 75) وأنشأت دور إقامة للطلبة والطالبات.
وقد ظهرت فى المقابل دعوة لم تحقق المرجو منها وهى الفكرة التى دعي لها الإمام المرحوم عبد الحليم محمود وهى فكرة المسجد الجامع الذى يعنى بشئون المسلمين مثل رعاية الكنيسة ولم تنجح الفكرة واستعيض عنها بخطة ضخمة لإنشاء المعاهد الأزهرية فى القرى والمدن والأحياء لنشر التعليم الديني.
وقامت الجمعيات بإنشاء المدارس الخاصة بشكل ملحوظ وبلغ عدد المدارس 1308 ( 1975) ومكاتب تحفيظ القرآن ( عدد 868 جمعية لها مكاتب) مدارس أحد 288.
ظاهرة أخرى خلال تلك الفترة خاصة ( 66- 75) وهى زيادة عدد العاملين بأجر بالجمعيات لأسباب:
1:- سماح القانون 32 بندب العمالة من وزارة الشئون للجمعيات بل أن بعض الوزارات كانت تندب موظفيها لوزارة الشؤون وتقوم الأخيرة بندبهم للجمعيات لأن القانون نص على ندب العاملين لوزارة الشئون دون غيرها من الوزارات.
- 2- قيام الدولة بتحديد الحد الأدنى للأجور وتقرير علاوة وتحمل الميزانية العامة للدولة بتلك التكلفة للجمعيات.
- 3- التوسع فى النشاط الاجتماعي وقد بلغ عدد العاملين المنتدبين عام ( 1966) 2115 موظفا وعام ( 1975) 20978 وهنا نجد أن أغلب المنتدبين كانوا من عناصر سعت الجمعيات إليها وكنت إذا زرت جمعية دينية تجد أن المنتدبين لها من العناصر ذات التوجه الديني وكانوا يمثلون دفاعا ودعما للجمعيات ذات التوجه السياسي الديني،
وهناك قصة واقعية وهى أن جمعية بالسويس وكان لها نشاط ديني هام ومنتشر فى عدد من المحافظات كان منتدبا للجمعية عدد من موظفي الشئون الاجتماعية وكانوا جميعا من المؤمنين بأفكار الشيخ رئيس الجمعية وكانت الشئون الاجتماعية عندما تحاول حل مجلس الإدارة تواجه بأن أعمال وإدارة الجمعية ملتزمة بصريح مواد القانون مما كان يقف عقبة أمام حل المجلس ومواجهة الجمعية،
ووجد مثل ذلك فى الجمعية الشرعية الرئيسية بشارع الجلاء عندما كانت الانتخابات تأتى بعناصر لا ترضى عنها الجهة الإدارية وتتعلل بأي أسباب لحل المجلس كانت الجمعية بفضل دعم بعض العناصر من ذوى الخبرة بالشئون الاجتماعية كانت تحصل على أحكام بإلغاء أية قرارات حل أمام القضاء.
باختصار كانت الكرة بين ملاعب وزارة الشئون الاجتماعية وبين الجمعيات ذات التوجه الديني خلال تلك الفترة المنتهية عام 1975.
الجمعيات خلال الفترة 76- 1995
هذه الفترة لها خصوصية ولها وضعية خاصة وهى فترة إعادة هيكلة الاقتصاد المصري وخصخصته بما واكبه من تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة إضافة إلى ظروف سياسية خارجية كان لها أثرها وكانت فاعلة اجتماعيا واقتصاديا وهى أزمة الخليج 90 / 91 وما واكبها من مشاكل وتأثيرات اجتماعية فى مصر بعودة آلاف المصريين إضافة إلى التوجهات السياسية الكبيرة من ظهور المنابر والأحزاب بشكل ما لهدف ما ولكنه كان له تأثير كبير على التوجه الاجتماعي.
وعلى دور المنظمات الأهلية إضافة إلى سياسة التحرر الاقتصادي التى لازمها مشاكل فى التطبيق خلقت بيئات صار فيها تفاعل ضار ومؤلم بين توجهات لاستغلال مستويات الإنتاجية الضعيفة والمنخفضة والحاجات غير الملباه وشيوع أنماط من الأفكار الاستهلاكية وشيوع مفاهيم جني ثمار حرب أكتوبر- جني ثمار السلام والوعود بصلاح البلاد والعباد دون مردود حقيقي.
إضافة إلى ضغوط مباشرة وغير مباشرة من المؤسسات المالية الدولية المعنية بالإصلاح الاقتصادي ومشكلة المديونية ومشكلة إعادة بناء البنية الأساسية .. الخ.
كل ذلك له تأثير على حركة العمل الأهلي الشعبي خلال تلك الفترة وعلى توجهات الجمعيات المعنى بها للبحث بالذات. وكان أخطر ما فى الأمر عدم سيادة مفاهيم أن التنمية يمكن أن تقوم بها الدولة نيابة عن الشعب وتجاهل أن التنمية نتيجة عضوية لنظام قيم المجتمع واهتماماته وأن دور الشعب ( الناس كل الناس) المشاركة الفعالة فى عملية التنمية وخاصة أن مصر تتسم بأن أعظم وأهم مواردها هو شعبها.
وكانت هذه الأفكار خلال التسعينيات هى الفاعل فى ظهور العديد من الجمعيات ذات التوجه المدعم لدور المواطنين سواء بدعم وتوجيه داخلي أو خارجي فى الأغلب وكان المفترض أن يكون للجمعيات دور لتوفير خدمات ضرورية لطائفة كبيرة من الناس مثل إيجاد فرصة عمل، فرص استثمار عن طريق المشروعات الصغيرة فى ظل توجه وانكماش رسمي لمثل هذه الاهتمامات،
وكان من المتوقع أن يكون للمنظمات الأهلية دور تكامل هذا القطاع الأهلي فعليا مع خطط وبرامج الدولة لعدم إشراكها أو أخذ رأيها فى أية برامج أو خطط إضافة إلى دور أجهزة الدولة فى تصيد الأخطاء لا دعم تلك المنظمات وكان من المتوقع أن تكون لتلك المنظمات اهتمامات فى ظل السياسة الاقتصادية .
- 1- دعم وتمويل والإشراف على المشروعات المدرة للدخل.
- 2- تطوير وتفعيل خدمات البنية الأساسية الاجتماعية ( الصحة الوقائية – تنظيم الأسرة – رعاية الطفولة والأمومة ).
- 3- تنمية الجهود التطوعية لدعم الأنشطة الاجتماعية وخاصة مع بروز هياكل رأسمالية خاصة وبداية نمو قطاع خاص قادر على دعم الجهود الأهلية بدلا من الاعتماد الكلى على التمويل الخارجي.
- 4- التنمية المتواصلة المستمرة للأنشطة الاجتماعية والتمويل الذاتي لمواردها.
لكنها كانت تواجه سلبيات من الدولة مثل إلغاء الإعفاءات الجمركية على الهبات وما تستورده الجمعيات من عدد وآلات وأجهزة لازمة لنشاطها فى ذات الوقت تقرر للدولة إعفاءات للأنشطة الاستثمارية .
المعاملة الأنانية من جانب الدولة للجمعيات ( فى ظروف زلزال 92 قامت الجمعيات بدور هام وبارز فى كفالة ومساعدة وإيواء المواطنين وتلقت تبرعات لكن الدولة أصدرت أمرا عسكريا بحظر ذلك النشاط إلا على جمعية الهلال الأحمر وكانت النتيجة أن سيل الدعم الشعبي الأهلي تعثر واعتمد فى الهلال الأحمر على الدعم الرسمي والدولي للأسف بحجة أن التيار الاسلامى قام بدور بارز).
وكانت الجمعيات تواجه بمعوقات لا يقدر على التغلب عليها إلا القليل من المواطنين فتضاءلت حركة إنشاء الجمعيات فى الريف وزادت فى المدن والحضر عموما ومما شجع على هذا الاتجاه توفر التمويل الأجنبي وأثر ذلك بشكل حاد خلال الفترة 75- 85 على إنشاء الجمعيات إذ نجد أن الجمعيات القائمة ( حضر ومدن) 90 – 70% والريف 27% .
وبداية من 88 وظهور تمويل موجه لتنمية الريف وخاصة الصعيد ومع التركيز على مشروعات المرأة والشباب كثر عدد الجمعيات فى الريف واضطر الكثير من الجمعيات القائمة فى المدن والحضر للتقدم للحصول على دعم للعمل فى الريف وإن كانت تلك الجهود لم تقابل فعلا الاحتياجات الحقيقية للناس فى الريف وخاصة فى الصعيد وانتشرت الأنشطة النمطية التكرارية محو الأمية ( بدون عائد فعلى) مراكز ومشاغل الفتيات ( سجاد وكليم ) وأصبحت خريطة الجمعيات على النحو التالي عام 1990.
جمعيات تنمية فى الريف وعشوائي الحضر 3430
( تمشيا مع توجهات الجهات المانحة).
جمعيات مساعدات اجتماعية----- 3014
جمعيات ثقافية وعلمية ودينية----- 2542
وزاد عدد جمعيات المعوقين ----- 23 عام 1975
( بسبب اهتمام حرم رئيس الجمهورية السادات / مبارك) 150 عام 1990
وبالنسبة لأنشطة الجمعيات برزت أنشطة جديدة لتتمشى مع التوجه السياسي العام والمانح الدولي المتيح للتمويل .
مثلا زاد عدد الجمعيات التى تعنى بخدمات تنظيم الأسرة من 185 ( 1975 إلى 467 عام 1990 ) .
وتحت أنشطة توعية وتمكين المرأة كنشاط لرابطة المرأة العربية بكل محافظات مصر.
وزادت الخدمات الصحية التى تقدمها الجمعيات من 4,5 مليون شخص 1980 إلى 14 مليون عام 1992 كل ذلك بسبب:
- 1- توفر التمويل الأجنبي وتفضيله دعم هذه الأنشطة .
- 2- لجوء عدد من الجمعيات ذات التوجه الاسلامى إلى هذا النشاط لأهداف عدة وتحقيق مكاسب سياسية اجتماعية وإقبال الأطباء وزيادة التبرع من أشخاص لهم نفس توجهات الجمعية.
- 3- مشاكل الخدمة الصحية الحكومية وقصورها.
- 4- اعتبرت الخدمة الصحية بالجمعيات مصدر دخل فعال لدعم أنشطة كثيرة .
وهنا تبرز ملاحظة على الجمعيات الإسلامية وهى توفر الدعم البشرى لها من الأطباء ومقدمي الخدمة وتمويل شراء الأجهزة والمعدات وتتسم هذه الظاهرة بأن مقدمي الخدمة الطبية لم ينضموا للجمعيات ولا لمجالس إدارتها وكانت مشاركتهم بهدف دعم الجمعيات بدون مشاكل مع أي جهة وقد حدث عندما أقام مجلس إدارة جمعية السيدة زينب مباني للخدمات الصحية خلف المسجد وفوق دورات المياه أن اعترض على ذلك من جهات بحجة عدم صلاحية المكان هندسيا وكان السبب أن كوادر من الجمعية الطبية الإسلامية استطاعت أن تحصل على حق إدارة واستغلال تلك المنشآت من جمعية السيدة زينب ولم تنجح خطة إلغاء النشاط من جانب الجهة الإدارية عام 1984.
ظاهرة أخرى ظهرت ودعمتها الجمعيات الدينية وتوافرت لها عناصر دعمت دور الجمعيات وهى النشاط التعليمي ( فصول التقوية ) وقد غزت الجمعيات ذات التوجه التعليمي خاصة فى المساجد وملحقاتها ورغم ضعف دور هذا النشاط تنمويا لأنه يتبع نظام التلقين المدرسي بعيوبه.
لكنه كان نشاطا اخترقت به الجمعيات الدينية الشباب فى ظل نشاط نال رضا وتقدير الجميع .
منذ ظهور الصندوق الاجتماعي وبدأ أنشطة توليد الدخل لجأت جمعيات دينية عديدة ونجحت فى الحصول على تمويل منه ( مشروعات تشغيل فتيات – مشروعات تجارية ( أغلبها تجارة الكتب الدينية والروائح – مشروعات حرفية ) ورغم الصعوبات التى واجهت بعض الجمعيات فى تسويق مشروعاتها ومنتجات المشروع فإن الجمعيات الدينية نجحت فى مشروعاتها وفى تقرير الصندوق فى مجال القروض يذهب هباء فى تحصيل القروض ولم ينجح سوى الجمعيات الدينية فى تنفيذ المشروعات.
لماذا تتعثر جهود الجمعيات فى مواجهة وعلاج الآثار الاجتماعية الاقتصادية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي؟
- 1- السياسة العامة للصندوق الاجتماعي أن الفئات المستهدفة لتلقى الدعم والمساعدة لمواجهة الآثار هى محدودو الدخل – الخريجون – المرأة – العائدون من الخليج- سكان المناطق الأقل نموا- سكان المناطق العشوائية والمحرومة- الفئات التى تأثرت من برامج الإصلاح ( الشركات التى تم بيعها- خصخصتها).
- 2- إن الدولة اعتمدت فى مواجهة تلك الآثار على جهات كفيلة ووسيطة ومنفذة مثل الوزارات والشركات من القطاع العام والخاص إلى جانب الجمعيات التى عاقها متطلبات الائتمان من شروط.
وأهم دور لتلك الجهات التعرف على الاحتياجات وتحديد أولوياتها وإعداد المشروعات المناسبة.
والجمعيات رغم أنها مؤهلة للقيام بدور هام فى هذا المجال إلا أن :
- 1- الأجهزة المهيمنة على المنح خاصة المحلية والصندوق الاجتماعي من مشاكل واجهتا مع الجمعيات لا ترحب- رغم الصوت العالي بأن الجمعيات لها أولوية- لا ترحب بالعمل مع الجمعيات عامة بل تتعامل مع جمعيات لديها قدرات على الاتصال والإقناع و ... وهو ما لا يتوفر إلا لعدد قليل بل أن بعض الأشخاص ذوى القدرات الخاصة يقومون بإنشاء جمعيات بعد الاتفاق على المشروع ومفرداته وتكون الجمعية تفصيل...
- 2- أن البنوك والشركات لديها الخبرات الائتمانية المختلفة والكفاءة أو الخبرة الإدارية للأفراد وإقامة المشروعات وحضانات المشروعات مما يجعل المانح بتعامل معها خاصة القطاع الخاص منها وأنشئت شركات متخصصة للائتمان وضمان مخاطر الائتمان، وفى النهاية فالمانح يفضل الضمانات وفرص النجاح من المجازفة مع أى جمعية.
مبادرات الجمعيات الدينية البارزة فى مواجهة آثار الإصلاح الاقتصادي
- 1- تميزت فعاليات وأنشطة الجمعيات خلال الفترة 75- 1995 بلجوئها لمصادر تمويل باستثمار الدين من زكاة مال وزكاة فطر وصدقات وأفردت العديد من الجمعيات صناديق خاصة بدور العبادة التابعة لها وبالحصول على تراخيص جمع مال لهذا الغرض، وكانت تلك الموارد مصدرا فعالا للتمويل سواء لتقديم وتنظيم دور التوعية ونشر التراث ودعم المؤلفات الدينية .
- وكان الجانب الأكبر من هذا التمويل موجها للخدمات الصحية بصفة خاصة وانتشرت صروح صحية تحت لافتات لجمعيات إسلامية وتحت لافتات لجمعيات عامة لأفراد لهم توجهات إسلامية وبعض هذه الجمعيات لها مبادرات متميزة وخدمات صحية أكثر تميزا وكفاءة مثل جمعية مسجد مصطفى محمود – مجد الإسلام- فجر الإسلام وعشرات الجمعيات بالمحافظات.
- 2- تميزت أنشطة الجمعيات خلال تلك الفترة بدفع بعض شبابها أو أعضائها نتيجة الصعوبات الاقتصادية إلى العمل بالخليج وليبيا لتحقيق فرص حياة أفضل كمصدر لتمويل الجمعية ولكن هذا الموضوع واجه الجمعيات بصعوبة تعويض هؤلاء فى عضوية جديدة بالجمعيات ولم تستفد الجمعيات من هجرة بعض كوادرها إلا فى الحصول على تمويل غير رسمي لأنشطة الجمعيات ومما مكنها من تكوين كوادر تؤمن بفكر قيادة الجمعية ،
- وفى الوقت نفسه جنت الجمعيات مشاكل تعدد الآراء والتوجهات نتيجة زيادة عدد أعضائها الجدد واستفادت الجمعيات من تجربة فتح باب العضوية الذى مارسته جمعية أنصار السنة فى أوائل السبعينيات مما أدى إلى سيطرة عناصر من الشرعية على الجمعية وظهور مشاكل أدت إلى دمج الجمعيتين معا ( أنصار السنة دمجت فى الشرعية الرئيسية ) رغم إشهار جمعية جديدة لأنصار السنة بعد مدة قصيرة وكان وراء الدمج توجهات أمنية .
- 3- تميزت أنشطة الجمعيات خلال تلك الفترة فى القدرة( قدرة أغلب الجمعيات ) على العمل تحت مظلة اجتماعية ومن مفاهيم وشعارات اجتماعية جنب بعضها مشاكل مع الجهات الإدارية وأصبح بعضها لديه القدرة على ربط خدمات الجمعية بانتماء اجتماعي للأهالي بالجمعية وحقق مكاسب سياسية للجمعيات فى ظروف انتخابية خاصة فى النقابات إذ أن بعض الجمعيات استقطبت بعض العناصر المهنية بعضويتها وكانت سندا فى السيطرة على بعض النقابات.
- 4- نجحت بعض الجمعيات فى دمج المواطنين فى الجمعية وتبنت احتياجاتهم لدرجة أن بعض الجمعيات عندما اصطدمت مع السلطة دعمتها الجماهير ( المنيرة فى إمبابة).
- 5- نجح عدد من الجمعيات الدينية فى البروز العام مما جعل بعض القيادات السياسية تلجأ إليها وتدعمها عن طريق الدولة أو من مصادر مختلفة، وأدى هذا إلى تنامي دور الجمعية القيادي والريادي على الجماهير بفضل توفر هذا الدعم وتقديمها خدمات للجماهير والتوسع فى الخدمات.
- 6- تميزت الجمعيات الدينية فى تلك الفترة بقدرتها على القيام بدور اجتماعي كبير بتوجه سياسي غير مباشر وكانت الجمعيات تقوم بدور الحزب فى كل مكان تتواجد فيه رغم عدم وجود منبر أو حزب ديني رسمي ونجحت القيادات من داخل الجمعيات فى العمل ولم تتصادم مع الجهة الإدارية وتميزت الجمعيات موضوع الدراسة بقدرتها على الحصول على تمويل من جهات خارجية بصفة رسمية أو غير رسمية بفضل قدرتها على الاتصال والعلاقات ووجود كوادر تنتمي لها بالخارج وكانت حسابات تلك الجمعيات يظهر بها مبالغ ضخمة تحت مسمى تبرعات من أهل الخير وحقيقة الأمر أنها أموال وردت مع عائدين من الخارج بدون تصريح تم إيداعها فى حساب الجمعية .
تطور أعداد الجمعيات الدينية وأنشطتها خلال الفترة 1975- 1995
تضمنت المادة 55 من الدستور حق المواطنين فى تكوين الجمعيات وبتنظيم هذا الحق القانوني.
والمبادئ العامة أن القانون المنظم للحق لا يعنى تقييد الحق أو وضع القيود لاستخدام الحق.
وخلال الفترة من 77 حدثت تغيرات بعيدة المدى فى السياسات الداخلية تركت آثارا عميقة على مختلف الفئات الاجتماعية.
وأصبح الحق الدستوري مقيدا بترسانة من القوانين بخلاف القانون الخاص بالجمعيات الأهلية وأطلق على ت لك الفترة ( القوانين سيئة السمعة) .
- 1- القانون 2 لسنة 77 بشأن تغليظ عقوبات على التجمهر والتجمع.
- 2- القانون 40 لسنة 77 بشأن الأحزاب السياسية وتعديلاته بالقانون 26 لسنة 79.
- 3- القانون 33 لسنة 78 بشأن حماية الجبهة الداخلية.
- 4- القانون 95 لسنة 80 بشأن حماية القيم من العيب.
- 5- القانون 105 لسنة 80 بشأن محاكم أمن الدولة.
- 6- القانون 110 لسنة 80 بشأن تنظيم الوضع تحت رقابة البوليس وغيرها من القوانين التى عصفت بالحقوق والحريات العامة والتي تكاد تجعل الشخص معدوما اجتماعيا وسياسيا وأهليا هذا بالإضافة إلى السلطات التى وفرها القانون 32 لسنة 64 لوزير الشئون / للمحافظين / لمجالس المحافظات / وكيل وزارة ا لشئون / مدير الشئون بالمحافظات / للموظفين حتى أصغر موظف بإدارة الجمعيات ووصل عدد تلك المواد التى يظهر فيها تدخل الإدارة إلى حوالي 57 مادة تشمل وضع النماذج واللوائح واعتماد الترشيح والانتخاب وإدارة الجمعية وحل مجلس إدارتها وحل الجمعية نفسها وفى ظل هذه السلطات صدرت مئات القرارات المفسرة والمعبرة عن سلطات كل هؤلاء فأصبحت الجمعيات بين :
- 1- الالتزام برغبات جهة الإدارة ( ترسانة من السلطات).
- 2- الالتفاف حولها وهو أمر لا يجيده إلا القليل وكانت النتيجة شيوع البيروقراطية فى إدارات الجمعيات وتسلط جهات الإدارة فى كل صغيرة وكبيرة.
مما أثر على نشاط الجمعيات القائمة وعلى إقبال المواطنين على إنشاء جمعيات جديدة رغم ظهور حاجات غير ملباه لا من قبل الدولة ولا من قبل الجمعيات القائمة وأثرت هذه القوانين أيضا على لجوء البعض إلى الاستعانة بأشخاص لهم علاقات سياسية مع التنظيم السياسي القائم لهذه الجمعية وبعد فترة يسيطرون على الجمعية أو بدأت بإنشاء مسجد وتقديم خدمات عن طريق لجان الزكاة والتحول بعد ذلك إلى جمعية.
وفى بحث أجرى عام 1978 عن موقف الجمعيات الدينية فى 1975 اتضح الآتي:
- 1- إجمالي عدد الجمعيات الإسلامية القائمة والتي تعمل فى إجمالي أنشطة ميدان الخدمات الثقافية والعلمية والدينية ( مسماه القانوني) 1470 جمعية .
- عدد الجمعيات ذات الأنشطة الدينية 1090 جمعية .
موزعة كالآتي:
32% تهتم بإنشاء وإدارة دور العبادة
26% تهتم بالأنشطة التعليمية والأبنية .
13% تهتم بالأنشطة التربوية المدرسية.
29% لها أنشطة متنوعة.
- 2- عدد الجمعيات المركزية والتي لها فروع بالمحافظات 12 جمعية أهمها الشبان المسلمون ولها 80 فرعا.
-الشرعية 110 فرعا ومكتبا.
- 3- وقد بلغ إجمالي مصروفات الجمعيات الإسلامية ذات الأنشطة الدينية عام 1975 3,085 مليون جنيه منها 1,14 مليون جنيه مصروفات مباشرة على أنشطة دينية ( دور عبادة وتعليم ديني).
وكانت أهم المشاكل التى واجهت تلك الجمعيات من واقع ذلك البحث الذى أجرى عام 1978 عن موقف الجمعيات:
1:1- مشاكل تتعلق بالنواحي القانونية فى علاقتها مع أجهزة الدولة.
- 2- مشاكل تتعلق بقصور وضعف التمويل المتاح.
- 3- عدم الإقبال على العضوية وهذا لا علاقة له بتبرعات المواطنين فقد يتبرع مواطن ولكن لا يقبل على العضوية .
- 4- صعوبة الحصول على مقار للأنشطة.
- 5- قصور فى الأجهزة والتجهيزات والمعدات.
- 6- عدم سداد الاشتراكات.
مع بداية وبشائر الانفتاح وإقبال الهيئات المانحة العربية والدولية كل له أسبابه بدأت تروج وتنتشر الجمعيات وبدأت حركة الانتعاش فى أنشطة عدد من الجمعيات القائمة ومع عودة كوادر كانت بالخارج وأصبح الباب مفتوحا أمامها للمشاركة الاجتماعية السياسية أو قل السياسية التى من باب الحرص تظللت بالمظلة الاجتماعية وبرزت على الساحة.
1- الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية
وكان لها توجهات بارزة فى إنشاء وشهر الفروع فى كل مناطق الجمهورية.
وحيث لا توجد كوادر واضحة العلاقة مع الجمعية أنشأت مكاتب لها ( عبارة عن فرع ولكن لا يشهر ويتبع أحد الفروع وكان هناك أكثر من مكتب للفرع الواحد بالذات فى القاهرة .
وتم الاستيلاء على أي منطقي أرض فى أي موقع تسمح بإنشاء مصلى أو مسجد فيما بعد وكان مدخلها إنشاء الزوايا والمصليات والمساجد ونشر الدعاة التابعين لها ويمكن أن يحتاج هذا الموضوع لدراسة تفصيلية تحليلية وهو أمر قد لا أكون مؤهلا له لأنني منحاز للجمعيات الدينية فى أغلب الأمور فى علاقتها بالدولة من واقع الخبرة العملية فى وزارة الشئون الاجتماعية وإن كان ذلك الحق لا يمنع أن لي تحفظات كثيرة على بعض التصرفات المالية لتلك الجمعيات .
2- جماعات أو تجمعات الإخوان المسلمين فى بعض المساجد وسيطرة البعض على بعض الفروع ومكاتب الجمعية الشرعية وسيطرة بعضهم على بعض الجمعيات والتي لا تحمل اسما دينيا أو تحمل اسما لشخصية إسلامية وكان الأمن دائما عينه عليهم ولكن كان أغلب النشاط لأناس آخرين أمام الأمن.
3- جمعية أنصار السنة المحمدية وكانت تنتشر بحذر ولكنها كانت فاعلة فى مجال الفكر والدعوة وكانت الأنشطة هدفا ثانيا وكان له الأولوية فى السجلات والتقارير بذكاء.
4- جمعية شباب محمد ظهرت فى الثلاثينيات وجمد نشاطها فى بداية الثورة طبقا لأحكام القانون 384 لسنة 1956 بشأن الجمعيات إلا أن كوادرها عادوا للعمل والحركة وكانت وراء كثير من الشعارات المتعلقة بالحجاب وإطلاق اللحى والتعلق بالتعامل بالأنماط الإسلامية ( التحية والسلام) ومواجهة فتاوى الاستثمار والفائدة ولكن بذكاء، وسيطروا على بعض المساجد، ولكن بدون شعار لهم ولا ( لوجو) لهم كغيرهم.
5- جمعية العشيرة المحمدية كان لها توجهات دينية خالصة صوفية، ولكن كانت لها مفاهيم تصطدم بها مع أغلب التيارات المعتدلة فى الفكر الاسلامى وكانت تشطط أحيانا لكن حدود توجهاتها كان محدودا بالذات فى المجال الاجتماعي.
6- جمعية دعوة الحق الاسلامى وهى أحدث الجمعيات الإسلامية ونشأت تحت اسم داعية هو المرحوم أ. د. السيد رزق الطويل وهو أستاذ بجامعة الأزهر واشتهرت عام 1976 ولها حاليا أكثر من عشرين فرعا مشهرا بالمحافظات وكانت تهدف حسب وثيقة شهرها إلى مواجهة الأمور التالية:
- (أ) انتشار الخلافات بين الفرق الإسلامية وحدوث مصادمات.
- (ب) التركيز على فروع فى القضايا وترك الأصول منها.
- (ج) جمود أساليب الدعوة.
- (د) موت فكرة المسجد الجامع ( للعبادة والعلم والخدمات الاجتماعية) .
وبدأت الجمعية نشاطها بعرض الإسلام بصورته الصحيحة من وجهة نظرها وباعتباره نظاما كاملا للحياة.
وأصدرت مجلة " الهدى النبوي" وكثفت من المحاضرات وخطب الجمع وأصبحت الجمعية مثل الوسط الاسلامى ونظمت لقاءات لكافة اتجاهات الفكر الاسلامى واتجهت أيضا للخدمات الاجتماعية بدون تجديد( كفالة اليتيم ) واعتمدت فى تمويلها على التبرعات، وكانت التبرعات كبيرة وكافية ووفرت لها ودائع وكانت تبرعات فى إطار قانوني ولم تعرض نفسها فى أي وقت لمخالفات قانونية أو مالية فى كل إمبابة.
وأنشأت خدمات طبية فى الدقي والوايلى ودمياط وقرى الجيزة ( بلدة رئيس الجمعية والقرى المحيطة) وكان لها صدامات عديدة مع الشباب الذى قاموا بالاستيلاء على فرع دمياط وكانت قضية انتهت لغير صالح الجماعة.
ورغم علاقات الجمعية بالجهات الإدارية المهادنة إلا أن الفكرة العامة عنها لا تدعو للاطمئنان لدى البعض خاصة دورها الأخير فى التصالح بين المعتقلين والدولة ( حادثة تغيير وزير الداخلية عبد الحليم موسى).
ملاحظات عامة عن الجمعيات الإسلامية الكبرى خلال 75- 95
1- تمكنت تلك الجمعيات بسياسة رشيدة من ترسيخ أقدامها من مداخل اجتماعية ودينية شكلية ( إنشاء المساجد الكبيرة) واستثارة عاطفة الجماهير بالاستيلاء على أي أرض فضاء لإقامة الجمعيات الإسلامية وتجهيز سيارات دفن الموتى والأكفان والمقابر وكانت كلها مداخل عاطفية اجتماعية.
2- نفذت مشروعات كبيرة خاصة فى المجال الصحي والتعليمي والآن توجد مستشفيات للجمعيات أكبر ومجهزة أكثر من المستشفيات الحكومية ولديها كتائب من الأطباء فى كل التخصصات نظرا للعائد الكبير الذى لا يحصل عليه الطبيب فى عيادته الخاصة.
3- تطورت وتواكبت أنشطة الجمعيات لتواجه حاجات المواطنين فمن مدارس التعليم وفصول التدريب على الخياطة والتريكو إلى مراكز الكمبيوتر والصيدليات والمعاهد المتخصصة والأندية الاجتماعية للشباب.
4- تضاعفت موارد الجمعيات وزادت توسعاتها بصورة أصبحت مباهاة بين الجمعيات لدرجة أن بعض الجمعيات الدينية الآن ليست فى حاجة لتبرعات لكفاية مواردها من أنشطتها المتنوعة المتطورة ولبعضها أرصدة بالملايين فى البنوك.
5- اتسمت إدارة تلك الجمعيات بالتحرر وحدوث الكثير من المصادمات مع جبهة الإدارة ولكنها تسير فى الطريق وحققت الإدارة تلك تناميا فى الموارد وتنوعا فى الخدمات يحتاج لدراسة خاصة.
6- لا تخلو الساحة من أصحاب أطماع مادية لا علاقة لهم بالدين أو العمل الاجتماعي الانسانى وتشهد ملفات الشئون الاجتماعية مجالات عديدة من الكسب غير المشروع والثراء الفاحش والتسلط على الجمعيات وصورية الانتخابات وسيطرة متوسطي الثقافة العامة أو الدينية على الجمعيات ( فرع الجمعية ا لشرعية بالعتبة الذى تحول إلى جمعية تنمية اجتماعية ).
7- يحسب لبعضها مبادرة التعامل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية والحصول على مشروعات صغيرة للشباب ويشهد لها تحسين الإدارة ومصداقية التعامل.
8- يحسب لها اهتمامها بالمسنين وبالطالبات المغتربات وهو نشاط ضروري وهام كذلك دور الأيتام لدى بعضها والمشروعات القوية الكبيرة لرعاية الأيتام ماليا ورعاية الأرامل.
9- يؤخذ على بعضها عدم الاهتمام الديني فنجد فصول التقوية تعمل خلال أوقات الصلاة دون إرجاء ولو فترة الصلاة، ولا تشجع الشباب على الصلاة وقد تكون الفصول فوق المسجد وهو انفصام عجيب. بل يتعطل ميكرفون الفقه حتى لا يشوش على الفصول. والاهتمام بدهان العيادات وفصول التقوية سنويا بينما المسجد لم يناله شيء منذ سنوات.
10- لأسباب مختلفة حصلت على تبرعات من أفراد بمبالغ كبيرة فى وقت رفض المتبرعون عضوية الجمعية .
11- يؤخذ عليها انعدام الديمقراطية فى إدارة الجمعيات وانعدام خلق وضم كوادر شبابية لمجال إدارتها.
علاقة الجمعيات بالتمويل الأجنبي
تزايد التمويل المتاح خلال العقد الأخير بصورة مغرية حتى للجمعيات الدينية التى لم تكن تسمح لنفسها بالتفكير فى ا للجوء إلى هذا المصدر وقد بلغ حجم المنح المسجلة التى حصلت عليها الجمعيات الدينية خلال هذا العقد 85- 95.
بالجنيه المصري--------4204650
بالدولار -------- 149895
المارك الألماني--------1600140
فرنك سويسري--------551225
استرلينى --------126268
ريال سعودي--------6382510
ين ياباني -------- 16385160
عملات أخرى-------- 3685900
هذا بخلاف التبرعات العينية من سيارات وأجهزة وعدد وآلات وكتب ومصاحف وليس هناك تقدير لقيمتها.
وبخلاف أيضا ما تحصل عليه بعض الجمعيات الدينية من تسهيلات وتبرعات خلال رحلات الحج التى تنظمها من قبل أفراد سعوديين من توفير مساكن مجانية أو بأجور رمزية وتقديم تبرعات على شكل أجهزة تكييف ومراوح وأغذية مختلفة ولا يوجد حصر ولا تقدير لقيمتها لكن حجم المنح والهبات المالية التى ترد للجمعيات بطرق غير رسمية مع أشخاص أو بأسهم ويتم التبرع بها فأعتقد من مقابلات لبعض مسئولي الجمعيات أنه يبلغ أضعاف ذلك.
ملاحظات عامة على دور الجمعيات الدينية فى 1975- 1995
بصرف النظر عن الخلفية وراء إنشاء الجمعيات الدينية سواء دينيا خالصا أو أن وراءه توجها سياسيا فعليا قدر تعاملي مع قيادات إسلامية من المعروفة بدورها مثلا فى جماعة الإخوان المسلمين ومنعم شخصيات اعتقلت أكثر من مرة خلال الخمسينيات والستينيات لمدد مختلفة فإنهم يرون أن إنشاء الجمعيات الخيرية له أساس شرعي فى المصالح المرسلة مسايرة للتطورات رغم عدم وجود نص ولا إجماع ولا قياس خاصة وأن جزئيات مصالح الناس لا تتناهى وتختلف باختلاف البيئات وإنشاء الجمعيات الخيرية.
لم ير الكثيرون لزوم شرعيتها وجود نصوص وليس لها مصادمة مع نص فى القرآن أو السنة ولا تهدم مبدأ شرعيا.
وقيام الدولة 1954 بإلغاء قانون الوقف بصفة عامة وتنظيم الوقف الأهلي وإلغاء الوقف الخيري ( العام) كان لمواجهة حملات منظمة دينية لتفعيل وزيادة حالات الوقف للأعمال الخيرية.
وكانت حملات منظمة يقف وراءها قيادات معروفة إخوانية خلال أوائل الخمسينيات من هذا القرن بالدعوة للوقف باعتبار أن الوقف هو أفضل قربة وصدقة وتبرع لوجوه البر وأعمال الخير وإن أساسه فى القرآن الكريم هو عموم الآيات الدالة على التصدق والإنفاق فى وجوه الخير.
كما أن له أساسا من السنة بتصدق عمر بن الخطاب بأرض بخيبر على ألا يباع أصلها ولا يورث ولا يذهب.
نقطة هامة وهى أن كثيرين عندما توسعوا فى إنشاء الجمعيات سواء كانوا من لهم توجه سياسي أو ديني فقد رأوا أن أفضل تواجد فى ظل سياسة التضييق عليهم هو التوسع فى إنشاء جمعيات بالذات أو بواسطة آخرين كان دائما حال تقييم أعمالهم بناء على طلب جهات غير وزارة الشئون الاجتماعية كانوا بكل هدوء يرددون أن الشريعة الإسلامية تحث على إقامة مرافق الخير لأنه فريضة إلزامية وأن الانضمام إليها ودعمها يعتبر أمرا مشروعا لتحقيق مبدأ التكامل الاجتماعي.
ولا زلت أذكر مواجهة مع قيادات بالجمعية الشرعية الرئيسية ( كان قرار قد صدر بتنحيتهم عن إدارة الجمعية بحل مجلس الإدارة وتعيين آخرين كانوا على صلة وعضوية بالاتحاد الاشتراكي وأحدهم وكان من المعنيين بمجلس الإدارة الذى حل محل المجلس المنحل كان عضوا بمجلس الأمة ممن رشحهم الاتحاد الاشتراكي وكان وراء نجاحه عام 1966 وهو بالمناسبة الذى رقص فى مجلس الشعب عقب الهزيمة عندما رجع رئيس الجمهورية عن استقالته) أنهم ردوا عندما قلت لهم: العمل الخيري مفتوح وأنهم كل يوم والثاني حل وقضايا .. الخ قالوا: إن الغرض الأسمى من خلق الإنسان هو عبادة الله وإن أوسع الطرق لعبادة الله هو إعمار الأرض واستخراج خيراتها والمحافظة على الإنسان خليفة الله فى أرضه.
وإن قدرات الأفراد أكبر من قدرات الدولة ولابد أن تقوم الجهود الفردية مجتمعة لتحقيق أكبر قدر من مساعدة وتحقيق أكبر قدر من السعادة لهم فى الدنيا والآخرة ، وكانوا يرددون آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة . ملخصها أن الزكاة بأنواعها هى المورد الأصلي لفعل الخير للغير.
إن الجمعيات الدينية النشطة والتي يتولى إدارتها قيادات إسلامية معروفة أو تلك التى يشاع أن وراءها قيادات دينية ذات توجه سياسي، تتميز بقدرة على التنظيم والتحكم فى إدارتها بطريقة تكاد تكزن عسكرية.
كما أن لها قدرة متميزة فى تعبئة وزيادة مواردها بأساليب مختلفة ونادرا ما تتعثر لأسباب مالية.
كما يلاحظ توفر قدرات لديها على تحديث وتطوير خدماتها وأنشطتها ولا يعوزها كفاءات من تخصصات مختلفة إذا أرادت البناء توفر لها المهندسون إذا أرادت المستشفيات يتوفر لها جميع عناصر مقدمي الخدمة ومن تخصصات أحيانا نادرة.
إن تلك الجمعيات لديها قدرات بارزة فى تحريك المجتمع ولا يعوزها المؤيدون والمدعون والمدافعون عنها ولو حدث أي تدخل من أي جهة نجد الفدائيين ممن يتصدون .
إن تلك الجمعيات يتوفر لديها معلومات عن منطقة عملها جغرافيا وبشريا لو أرادت إقامة مشروع تجدها تضع يدها فجأة على أرض لم يتوقع أحد وجودها ولو طلبت دعما بشريا تجد أعددا تفوق الحاجة متواجدة ومتوفرة للعمل ( حالات الاستيلاء على الأراضي بدعوى أن نشاطا مسيحيا سوف يقام عليها) ويتم الانجاز فى وقت قياسي وأذكر أن مسجدا أقيم عل مساحة 3000 م فى الفترة من بعد صلاة الجمعة وتم فيه صلاة العشاء.
تقييم لإدارات الجمعيات الدينية اسما أو ذات الخلفية الدينية لقياداتها
1- القدرة على مواجهة ما نراه مخالفا لعقيدتها أو ما نراه بدعا سواء فى القيادات أو المعاملات وتجنيد كوادرها للدعوة لما تراه بغير هوادة ( نظام إقامة صلاة الجمعة- تكبير عيد الأضحى..,.الخ).
2- القدرة على خلق العقل الجمعي الذى يسيطر على الجماهير وتجنيدها سواء للدعوة أو للتمويل.
3- القدرة على مواجهة المتغيرات الاجتماعية والسياسية وإضفاء الطبيعة الدينية على الأنشطة التى تبتكرها لمواجهة ذلك( رعاية الأسرة بمفهوم كفالة اليتيم- رعاية الأسرة بمفهوم زواج الفتيات – تنفيذ المشروعات ذات العائد بدلا من المساعدات الدورية شهريا).
4- استغلال النقد بأسلوب ديني من خلفية استغلال صفات وسلوك الرسول أو الخلفاء.. وتوظيف تلك الصفات لمواجهة ونقد الموقف والسلوك السياسي السائد.
5- حسن استغلال سلبيات الانفتاح وخاصة الاعلامى للدعوة وتكريس وضعها المجتمعي والتمويلي.
6- قدرتها على استقطاب الكوادر والأنصار والتعرف على الطالح والصالح من وجهة نظرها وخاصة الشباب والمرأة وهو أسلوب عجزت الأحزاب وأغلب النقابات فى دعم كوادرها عدا تلك التى سيطرت عليها الجماعات ذات التوجه الديني.
7- قدرتها على تنمية مواردها من مصادر ذاتية خدمية والتي بالتالي تشجع وتحفز على التبرعات التى تمول صناديقها من أنواع الزكاة ( فطر/ مال/ عقارات) والصدقات وقدرتها على دفع المواطنين على التبرع بالمال وحملاتها المنظمة الناجحة للتمويل لدرجة إن بعض الجمعيات لديها أرصدة ضخمة تظهر فجأة حال قيامها بإنشاء مجمع إسلامي ضخم من عدة أدوار وتجهيزه فى مدد قياسية.
8- سيطرة مبادئ اقتصادية فى إدارة الجمعية مثل إنشاء مصادر دخل ثابتة ( محلات ودكاكين بخلوات عالية تحت مسميات غير مخالفة للقانون) وتبدأ التكلفة الاقتصادية للخدمات للقادرين ( تبرع لغير القادر) ومبدأ استرداد تكاليف العلاج من القادرين بالتقسيط وتقسيط الحج والعمرة والسلع ...الخ.
وبهذا تضمن تمويلا وتنجح فى تسويق اسم الجمعية وسمعتها لدى الغير، وبالتالي تسويق علاقات جماهيرية ذات مردود وعائد.
9- تبنت مداخل اجتماعية لدعم موقفها المجتمعي مثل دور المغتربين – الطالبات- معارض الملابس الدينية بأسعار لا تنافس.. الخ.
10- قدرتها على تغطية المخالفات واحتوائها خاصة المخالفات المالية وأطماع واستغلال بعض أعضائها وإدارتها لموارد الجمعية.
11- قدرتها على الاستغلال الأمثل لتفعيل اجتماعاتها العمومية ومجالس الإدارة وإعداد سجلات لها وأوراقها بطريقة قانونية يعجز أكفأ عناصر الفحص والتفتيش فى التعرف عليها.
نقطة أخيرة
للأسف الشديد فإن كافة الإحصاءات والدراسات لا توفر معلومات محدودة عن تلك الجمعيات ذات المسمى الديني ولا ذات الخلفية الدينية عن الإنشاء وإن ميدان العمل القانوني ميدان متداخل ثقافيا وعلميا ودينيا وسبق توضيح اللبس الذى يحوط هذا الميدان وكافة الدراسات المتوفرة عن تلك الجمعيات أغلبها دراسات شخصية والمعلومات الواردة بها استنتاجيه أو تحليلية ولكنى أدعى أنه لا توجد دراسة متخصصة وواقعية وفعلية على حالات يمكن أن تمثل هذا النوع من الجمعيات بشكليه..
نقطة أخيرة وهامة جدا
1- أن هناك دراسات وبحوث وكتب منشورة وبعضها مجلدات تقدم تحليلات وتفسيرات عن بيانات متاحة لها بشكل ما عن الجمعيات وادعى أن نسبة كبيرة من تلك التحليلات والتفسيرات خاطئة فلا يعنى حل جمعيات تحت مسم ما أن هناك توجه من الدولة نحو تلك الجمعيات إطلاقا وأى جمعية تحل يكون لتوقف نشاطها ولا تستطيع الدولة حل جمعية يوم على شئونها أشخاص لهم توجهات ما لأنهم سوف يرفعون القضايا وهو ما يحدث بالذات فى حالة الجمعيات الدينية لأن جمعيات ميتة ما يحدث أن الدولة تواجه أي تيار يحل مجلس الإدارة لا حل الجمعية التى لها نشاط إطلاقا .
2- أن قانون الجمعيات حدد ميادين عمل بالاسم للجمعيات وتقوم بعض الدراسات بتقسيم الجمعيات بمسميات لا تمت بصلة لنشاط الجمعية العام وهو تخريج وتقسيم لأنشطة الجمعية منشأة لكل هذه الأنشطة للأسس والأساليب الإحصائية التنمية الصحية لأن من يقوم بجمع البيانات أو تفريغ البيانات أو تحليلها ليس من بينهم متخصص أو دارس للعلوم الإحصائية حتى تستطيع أن يصل إلى مؤشرات سلمية حقيقية صحيحة وللأسف يستند إليها الباحثون.
3- أن أغلب الباحثين يحرص على تفسير المعلومات لخدمة البحث بدون مراعاة لواقع حال الجمعية وبدون مراعاة لظروف أو تنظيم إداري بوزارة الشئون مثل النظر لزيادة عدد الجمعيات الإسلامية من 1982 على أنه له علاقة بمعرفة الرئيس السادات والحقيقة أن الدولة خصصت لوزارة الشئون الاجتماعية 12 ألف مكان للحج لتوزيعها على الجمعيات الدينية فتسابق أناس حقيقة ذوى لحى لإنشاء جمعيات دينية من أغراضها الحج والهجرة ولا يخلو موسم حج من تحويل العديد من الجمعيات للنيابة ولا تخلو جريدة من نشر حوارات وقضايا تلك الانحرافات.
4- حقيقة واقعة ثابتة وهى أن الانجاز بالإسلام وباسم الإسلام وتحت عباءة الإسلام وتخلله أنشطة إسلامية أكبر وأوسع من ينسب لتيارات سياسية ذات مرجعية دينية والحقيقة أن عددا كبيرا من المواطنين ينشىء الجمعية تحت اسم إسلامي أو بأغراض إسلامية ويعلم الله أن نسبة كبيرة ( والأعمال بالنيات) لا يشغلها سوى الكسب والاستفادة المادية.
5- أن الكتب الإحصائية الصادرة عن وزارة الشئون الاجتماعية لا تمثل البيانات الواردة بها عن الجمعيات الواقع ولا الحقيقة لأن الإحصاءات أعدت بطريقة لا تسمح بجدولة البيانات.