د. رشاد البيومي: شباب الإخوان ينحتون في الصخر
حوار- هاشم أمين
- المدوِّنون لهم الحرية الكاملة لكن الالتزام بالضوابط ضرورة
- الخلافات بين الأجيال والقيادات في الإخوان صناعة إعلامية
- نتحدى أن تكون في مصر شفافية كانتخابات الإخوان
- إبداء الرأي لدينا عبادة وشبابنا لا يعرفون الطاعة العمياء
- التقارب مع الآخر لا يعني التنازل عن الثوابت
- أنصح الشباب بعدم ابتلاع طُعم نشر الفتن والخلافات
- حال الجامعات المصرية انعكاس لواقع عام مرير
جيل الشباب في كل مؤسسة أو جماعة أو مجتمع يمثلون المستقبل؛ ولذلك يكثُر الحديث عنهم، وتحظَى تصرفاتهم- كبرت أم صغرت- باهتمام إعلامي كبير، ولقد أثار التناول الإعلامي لبعض الصحف المصرية في الفترة الأخيرة لقضية شباب المدوِّنين أو "الجيل الثالث" كما أطلَق عليه البعضُ التساؤلات والاستفسارات حول حقيقة موقف الجماعة من هذه القضية، وكيفية تعاملها معها، وتشكيك البعض في مساحة الحرية المتاحة للنقد داخل الجماعة، ومكانة الشباب وحظّهم داخل الجماعة، وكذلك موقف الجماعة من التعامل مع المستجدَّات من الأفكار الشبابية، كما كانت أحداث الجامعات المصرية مؤخرًا ملفًّا آخر لم يغفل ( إخوان أون لاين) عن التطرق إليه في الحديث مع الدكتور رشاد البيومي - أستاذ الجيولوجيا المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة وعضو مكتب الارشاد ب جماعة الإخوان المسلمين ، وهو المشرف على النشاط الطلابي داخل الجماعة.
والدكتور رشاد البيومي من مواليد محافظة سوهاج عام 1935 م أشرف على 16 رسالة دكتوراه و12 رسالة ماجستير، عرف الإخوان إبَّان فترة حرب فلسطين 1948 م، وعمل معهم في الجامعة، وكان مسئولاً عن الإخوان في كلية العلوم مع بداية محنة 54، واعتقل وحُكِم عليه بالسجن عشر سنوات، أكمل بعدها دراسته إلى أن اختير معيدًا بالكلية عام 1974 م، واختير عام 1995 م عضوًا بمكتب الإرشاد ب جماعة الإخوان ، وتمَّ القبض عليه في القضية العسكرية عام 1995 م، وحكم القضاء له بالبراءة بعد أن قضى حوالي 5 أشهر، ثم اعتُقل عام 2002 م, وقضى بالسجن شهرين ونصف الشهر، وهو عضو الجمعية الجيولوجية المصرية، ووكيل أول نقابة العلميين منذ عام 1991 حتى الآن وعضو الجمعية الجيولوجية الأمريكية..
- في البداية سألناه: كيف ترى مساحة الحرية داخل جماعة الإخوان المسلمين ؟!
- أحب أولاً أن أؤكد أن الكلمة أمانة، والكلمة حين تخرج من لسان صاحبها لا يمكن أن تعود إليه مرةً أخرى، فيجب أن يحسب كل إنسان حسابًا للكلمة، كما أؤكد أنه في أي مجتمع محترم أو في أي جماعة تعمل بشكل جماعي لا بد أن تضع لها ضوابطَ ولوائحَ ونظُمًا للعمل فيها؛ حتى تكون الأمور بداخلها مستقرةً، ولا بد لأفراد الجماعة أن يكون عندهم التزام بهذه النظم وهذه اللوائح، كما لو كانت عهدًا بين القائمين على الأمر فيها، ويعتبر هذا نوعًا من أنواع العقود بين الفرد وبين المجتمع الذي يعيش فيه، فأي جماعة أو فئة أو حتى "شلّة" أصدقاء يخرجون للتنزه، لا بد لهم من ضوابط يرتضونها ويلتزمون بها، ولا بد للناس أن ترتضي هذه الضوابط لأجل أن تسير الأمور، أما لو كل إنسان سار على هواه فلن تستقيم الأمور.
ولا أريد أن أكرر كلامًا، ولكني أحسب أن قضية حرية الرأي داخل جماعة الإخوان مسألة ليس فيها خلاف، لكن كل شيء لدينا له ضوابط، وليس من حرية الرأي أبدًا أن يتشدَّق الإنسان بكلام، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ويرى أن في هذا إبرازًا لشخصيته ليبيِّن كيانه ويبيِّن أن له اعتبارَه، ويعتبر نفسه أحدَ المُنظِّرين للجماعة.
إن الأوقع والأكثر أهميةً بالنسبة للفرد داخل الجماعة أن يكون فهمُه منضبطًا بالضوابط التي تربطه بهذا المجتمع، الذي ارتضى هو أن يلتزم بقيمه وبنُظُمه ولوائحه وبترتيباته؛ فهذا هو الأصل بالنسبة لنا.
* ولكن ثمةَ من يردِّد أن هذه الحرية في تراجع؛ خلافًا لما تقولون!!
- سأوضح كلامي بمزيد من التفصيل، إذا ظهر أمرٌ من الأمور للجماعة، فقد تطلب الجماعة فيه ردًّا سريعًا، وقد يكون على التراخي، فإذا كان الأمر على التراخي فلعلَّكم عايشتم هذا الأمر كموضوع دخول الانتخابات مثلاً، وهل ندخلها أو لا؟! هذا الموضوع نزل للمكاتب الإدارية، والمكاتب ناقشتها على المستوى الذي رأته ملائمًا بالنسبة لها، ثم يُرفع الرأي لنا ابتداءً: هل ندخل الانتخابات كجماعة أو لا؟! ثم في مرحلة ثانية يأتي الرأي: هل لديهم كمنطقة أو كمكتب إداري استعدادٌ لخوض الانتخابات أو لا؟! وإذا قرَّروا الدخول فما هي الأعداد التي ستتقدم للترشيح؟! ثم ترجع الآراء لنا ونبدأ في تجميعها، وبالتالي يُتَّخَذ القرار من خلال الرؤية العامة التي استُخلصت من تجميع الآراء.
انتخابات الكتلة البرلمانية للإخوان تعكس مدى الحرية داخل الجماعة
أما إذا كانت هناك قضية من القضايا المتعجِّلة أو يصعُبُ أخْذُ رأي جميع الأفراد فيها، فهنا ينبغي توضيح أمر مهم، وهو أن الأصل في المجموعة التي تُدير العمل أنها جاءت من خلال انتخابات، ولم تأتِ عنوةً أو بالتعيين، وأعتقد أنه لا يوجد في مصر انتخاباتٌ دقيقةٌ وشفافةٌ ونزيهةٌ كانتخابات الإخوان، من بداية انتخابات الشُّعَب والمناطق والمكاتب الإدارية ومجالس الشورى ثم مكتب الإرشاد.
وقبل أن تسأل هنا في هذه النقطة سأوضحها: بالنسبة لمكتب الإرشاد؛ ففي بعض الأوقات التي ضُيِّق فيها على الإخوان بهذه الطريقة الفجَّة تم تعيين بعض الإخوان بدلاً ممن تم اعتقالهم أو من تَوفَّاهم الله، وهذا يُعتبر ظرفًا مؤقتًا بالنسبة لنا، وليس هو القاعدة، فمن يمثلون المجموعة التي يؤخذ رأيها في الأمور العاجلة يُعتَبرون أهل الحل والعقد في الجماعة، وهم لم يأتوا أبدًا قسرًا على الإخوان، وحين يُبدُون رأيَهم في مثل هذه القضايا فإنهم يستشعرون أنهم يمثلون كل الجماعة.
ونحن في كل لقاءاتنا مع شباب الجماعة، ولا أريد أن أقول القاعدة والقمة؛ فهذا توصيف ربما يأتي عفويًّا، ولكن الأصل أن كلنا أبناء دعوة واحدة وكلنا إخوان، وأنا دائمًا ما أذكر أن مسئولية كل فرد في الجماعة لا تقل أبدًا عن مسئولية المرشد العام ؛ لأنه يقف على ثغرة من الثغرات، ويجب ألا تؤتَى الجماعة من هذه الثغرة.
* ولكنَّ هذه النقطة ثار حولَها كلامٌ كثيرٌ، وهو ما يتطلَّب منكم مزيدًا من التوضيح؟!
- حين تُعرَض قضية ويقول إخوانُنا رأيَهم فيها، فإننا نحرص على أخذ أكبر قدر ممكن من الآراء القريبة منا، وبعد ذلك نردُّ عليهم، ولكن السؤال الأهم: هل هناك أحدٌ من الإخوان أراد أن يقول رأيًا من الآراء وتم الردُّ عليه بأن يمتنع عن الكلام أو إبداء رأيه؟! وأنا أريد بالفعل أن يقوم أحدٌ بعمل جرد أو استقصاء حول هذا الأمر، ولكننا نستثني من هذا أن يكون هذا الرأي يخالف نصًّا من النصوص الشرعية أو النصوص المتفق عليها، وهي الحالة الوحيدة التي ننبِّه على الفرد فيها بتجاوز الخلاف، وأكرر أن الحالة الوحيدة هي أن يكون مقالُه مخالفًا لنص شرعي أو مخالفًا لقاعدة ارتضتها الجماعة، والفرد داخل الجماعة حين ارتضى أن يلتزم بهذه الجماعة كان يعلم أن هذا الأمر أو هذه القاعدة من خصائص هذا المجتمع، وهو مع هذا ارتضى أن يكون فردًا من أفراده أو لبنةً من لبناته على هذه الأسس.
* ولكنَّ هناك شكاوى من تصرفات بعض القيادات التي ترفض النقد حتى في الأمور التي تفتحها الجماعة للنقاش، وتُصدِّر لهم مقولات: الثقة، والسمع والطاعة؛ بل إن بعضهم يمنع مَن يعترض عليه من الوصول إلى أي قيادة أعلى منه وانتشرت مقولة: "آخرك أنا"!..
- إذا كانت هناك بعض الحالات الشخصية أو الفردية فإنه لا يمكن تعميمها، وإذا كان بعض الأشخاص داخل الجماعة يقولون هذا الكلام فبالطبع هو تصرف غير طبيعي، وليس من ديدن الإخوان ولا أسلوبهم ولا منهجهم أبدًا، بل بالعكس فأنا دائمًا أنادي وأقول: رُبَّ وجهة نظر يقولها أحد الإخوان- أيًّا كان موقعه- يكون فيها الخير الكثير ويستفاد منها، وهذه حقائق لا بد أن تكون واضحةً عند الجميع، ومَن يفعل غير هذا فإنه يخالف أصلاً من أصولنا، وهذا أمر واضح.
مناقشات الحزب
الأخذ بالشورى حتى في المحن التي مرت بها الجماعة
* إذن أين موقع هذا الأمر تحديدًا في مناقشات الحزب؟!
- هناك أولاً قضية أحب أن أنبِّه عليها، وهي أنه في بعض القضايا الكبرى التي لها تأثيرٌ على نظُم المجتمع أو على نظُم الجماعة، فإننا نحرص فيها على أن يظهر فيها رأيٌ واحدٌ للجماعة، وسأضرب لك مثالاً بقضيةٍ من أخطر القضايا التي مرَّت بالجماعة، وهي محاولة جرّ الجماعة إلى تأييد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ونحن في السجون، وتم الضغط علينا وقتها بكل أنواع الضغوط والوسائل، وبالترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وهناك رخصة، ولها صفة الشرعية أن ينطق الإنسان بكلمة ولو كانت كلمة الكفر، وفي نفس المعنى قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضطُّرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 173) ولكن الجماعة رأت من خلال موقعها ومن خلال ظروفها ومن خلال الحال الذي كانت عليه وقتها ألا تأخذ بالرخصة، وأن تأخذ بالعزيمة، واتخذت هذا القرار، وهي حين اتخذته من ضمن آراء فقهية مختلفة فإنه أصبح رأي الجماعة، ويصبح الخارج عليه خارج على نظُم الجماعة.
وحين نتحدث الآن ونقول: إن هناك آراء ترى بجواز تولِّي القبطي أو المرأة الولاية العامة، فأيًّا ما كانت هذه الاعتبارات فإننا أخذنا برأي الجمهور، والذي يرى عدم تولي القبطي ولا المرأة الولاية العامة، وحينئذ يصبح لزامًا على كل فرد من الإخوان أن يلتزم بهذا الرأي.
والقضية الشكلية في هذا الأمر لا بد أن تُحترم، فنحن في أي لقاء أو اجتماع نقوم بعرض قضية ما فإننا نتناقش فيها، وكل فرد منا يقول رأيه ووجهة نظره، وهذا حقه، ثم حين ننتهي من الكلام والمناقشة فإننا نأخذ بالرأي العام فيها، فإما أن يكون هناك إجماعٌ أو أغلبيةٌ، فإذا كان هناك إجماعٌ فبِهَا ونعمتْ، وإذا كانت أغلبية فإنه يصبح لزامًا على الذي كان رأيه مخالفًا أن يدافعَ عن الرأي الذي انتهت إليه الأغلبية، ولا يصحُّ أن يخرج علينا معلنًا أن الجماعة كانت ترى كذا وأنا كان رأيي كذا، هذا أمرٌ في منتهَى الخطورة، وهذا لا يمكن أن يكون أبدًا ملمحًا سليمًا ووعيًا سليمًا داخل الجماعة على الإطلاق.
النقطة الثانية، وهي أن أحد الإخوان مثلاً له وجهة نظر، وعرضها، وتمت دراستها، ثم رُئي أنها لا تصلح أو ربما لا تصلح في هذا الوقت وتصلح في وقت آخر، فيجعلها حجةً له أننا لم نأخذ برأيه، ويبدأ يُطنطن ويولول، ويقول: لقد قلتُ رأيي ولم يأخذوا به!!.
إن من علامات الصحة داخل الجماعة أن يقول كل إنسان رأيه، وعلامات الصحة أيضًا أن تذهب كل هذه الآراء عند من بيدهم مقاليد الأمور من التجربة والمعرفة والحسّ والرؤية الواسعة، فإنه قد يكون أحدنا يعيش في وسط محدود قليلاً، والمسئول الأكبر يكون في سعة أكبر في الرؤية وهكذا، فيمكن أن يُؤجل الأمر أو يوقف لاعتبارات معينة، ولا يصبح لزامًا على الجماعة أن تأخذ بالرأي؛ لأن هذا الفرد رآه، وإن لم تأخذ برأيه فتكون هناك مظاهرة إعلامية! كل هذه الأمور لا بد أن تكون واضحة.
وسأضرب لك مثالاً في منتهى العجب، فقد كنت أعيش في دولة الإمارات ووقتها تُوفِّيَ فضيلة الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة، والحاج حسن عبد المنعم، والذي هو نسيبي، هو الذي اتصل بي وأبلغني الخبر، وأبلغته عزائي للإخوان كلهم، بعدها ببضعة أيام كان هناك أحد الشباب قد عرف الإخوان في الإمارات، ووجدته قد أتى إلى بيتي وجلستُ معه وبدأ هذا الحوار وهو يقول لي: يقولون إنهم يريدون اختيار محمد حامد أبو النصر مرشدًا عامًّا للإخوان، فقلت له: وما المشكلة في هذا الأمر؟! فقال لي: هناك شبابٌ أحق منه وأقدر منه بهذا الأمر، مثل الدكتور يوسف القرضاوي، فسألته: هل رأيت القرضاوي من قبل؟! قال: لا، ولكني أسمع به!!
وهنا نقطة يجب أن نلتفت لها، وهي أن الأستاذ أبو النصر كان يكبر الدكتور القرضاوي بعشر سنوات، فقلت له: ما دمتَ أنت لا تعرف هذا ولا تعرف هذا، وفي نفس الوقت لا تعرف الظروف المحيطة، ونحن هنا في الغربة بعيدون عنهم، وأنا حين بُلِّغتُ بهذا الأمر لم أجرُؤ على أن أسأل عن مَن سيتم اختياره؛ لأنني ما دمت بعيدًا عنهم فإنني لا أستطيع الإدلاء بالرأي، فالقريب من المكان هو الأدرى بالظروف والأعرف بمَن يكون مناسبًا في هذه المرحلة، ونحن حين نوافق على هذا الأمر فإننا نتعبَّد به لله، وليس كما يدَّعي البعض أنها "طاعة عمياء".
ففي بعض الأحيان، يكون الأخ حديث عهد، أو خبرته في مجال المسئولية قليلة، فتجد أنه يتصور أنه إن لم يؤخذ برأيه- وهو صاحب التجربة المحدودة- فإن الدنيا لن ينصلح حالها، وهنا يكون دور سلامة الصدور ضروري جدًّا، فأنا دائمًا وأبدًا أكون مشغولاً بجماعتي وبالمسلمين جميعًا، وأن أكون دائم التفكير في الحلول المثلى لكل القضايا، سواءٌ كانت قضايا عامة أو خاصة، وتكون لي وجهة نظر ورؤية فيها، ولكنني أسلم هذه الرؤية لِمَن هم أقدر على بلورة هذه الأفكار، وحين يقولون رأيًا يخالف رأيي فإن السلامة تقتضي أن أسمع وأطيع لهذا الأمر حتى وإن خالف رأيي.
أزمة المدوّنات
* وما رأيك في نقل إطار هذه الحرية وهذا الكلام إلى المدونات ووسائل الإعلام؟!
- من المطلوب أن يتحدث الشباب ويتناقش، ولكن أخشى ما أخشاه أن تُتَّخَذَ هذه ذريعةً من بعض المغرضين، كما كتبوا في بعض الجرائد عن انشقاق في الجماعة، وكل هذا الكلام ليست له أي قيمة اعتبارية، فنحن نشجِّع أولادنا أن يكتبوا وأن يعبِّروا عن رأيهم، ولكن ينبغي عليهم الحذر ألا تأخذهم هذه الدوَّامة، ويتم الضحك عليهم بها؛ لأنه هو الخاسر أولاً وأخيرًا، والرابح هو عدوّ دعوتنا، ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قال: لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني، ويعني أنه ليس مخادعًا أو خبيثًا، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن يُخدَع من أحد الخبثاء أو المخادعين، وهذا أمر ينبغي أن يكون واضحًا لنا جميعًا، ولا بد لشبابنا أن يكون واعيًا، وقد حدثني الأستاذ مهدي عاكف أن أحد الشباب جاء وجلس معه ليحدِّثَه في التجربة التركية لحزب العدالة والتنمية هناك، وأن هذا الشاب ظلَّ يناقشه لمدة ساعة ونصف، وأنه بعد أن خرج من عنده وهو مستقرٌّ تمامًا ذهب بنفس الأسئلة للدكتور محمد حبيب- نائب المرشد- وجلس معه ما يقارب نفس الوقت الذي جلسه مع المرشد العام!! فهذا النوع يريد الكلام فقط، فأنت قد ذهبت لأكبر رأس في الجماعة وتحدثت معه وأخبرك بوجهة النظر التي ارتأتها الجماعة، ألا يكفي هذا؟! وأظن أنه لا يليق أبدًا أن تأخذ هذا الكلام ثم تذهب مرةً أخرى للدكتور حبيب وتُعيد معه نفس الحوار وكأنك على غير قناعة بكلام الأستاذ، رغم أنك أبدَيت له اقتناعَك بكلامه، وبوجهة النظر التي رآها، وبالمعاني التي أوردها في حديثه.
* مشكلة "المدوِّنين" وموقف الجماعة منهم، ما رأيكم فيها؟ وهل ما حدث كان مفيدًا للجماعة أو أضرَّ بها؟!
- بالنسبة للجماعة فإننا نقول لشبابنا: نحن نعطيكم حرية الرأي أن تتحدثوا، لكن لا بد من ضوابط تحرصون عليها، فتكون حريصًا من خلال كلامك أن تكون مع الجماعة سبيلاً إلى الخير، ولا تكون أبدًا عاملاً من عوامل التثبيط، أو بذر بذور الفتنة أو الشقاق، لا بد أن يكون هذا الأمر واضحًا في أذهاننا.
الأمر الثاني أن الجماعة لا تمنع أحدًا من الكلام، لكن لا بد من تحرِّي الدقة، فحين يكون هناك أمرٌ غير واضح لديه، فعليه أن يسأل فيه من هو أعرف منه حتى يعرف الحقيقة في هذا الأمر، ولا يتمادى بعد أن يعرف الحقيقة فيُمارِي فيها؛ لأن هذا قد يضعُه في موضع الإثم إن كان على هذه الشاكلة، وعلى الإنسان ألا يعمل لذاته بقدر ما يعمل لجماعته، وهذا هو المعنى الكبير الذي نؤكده، ولا نقول: يعمل لجماعته ولكن يعمل لدينه.
لا يسمعنا أحد
* قلتم: إذا أراد أن يعرف أمرًا فعليه أن يسأل، ولكنهم يقولون إننا حين نسأل لا يسمعنا أحد!!
- بالعكس، أنا نفسي لم يأتني أحدٌ للحديث والنقاش معي، وأبوابُنا مفتوحة، وليس هناك كبير أو صغير يأتي إليَّ إلا وأفرح به، ويسعدني أن يأتي أيُّ أخ من الإخوان فيتحدث معي في أي قضية مهما كانت صغيرةً أو كبيرةً؛ فالباب مفتوح، والذي يقول هذا الكلام فإنني- آسفًا- أقول: إنه يَتَجنَّى، بمعنى أنه ربما ذهب لسؤال أحد الأفراد فقال له ردًّا لم يعجبْه، فأصدر هذا الحكم، وهذه ليست أمانة في هذا الأمر، وكل مَن تعاملوا معي يعرفون هذا الأمر عني، وهذه ليست وجهة نظري وحدي، وأحسب أنها وجهة نظر كل إخواني، وهذا الكلام أراه نوعًا من أنواع التعلُّل غير السليم، وينبغي أن يكون الأخ صادقًا مع نفسه ومع إخوانه، هذا لم يسمعه فليذهب لغيره ولغيره وهكذا، وفضيلة المرشد نفسه نقول له أحيانًا: يكفي هذا؛ و"انت زَوَّدتها وفاتح بيتك على البَحَري" كما يقولون، فهذه المعاني التي يردِّدها البعض معانٍ غريبةٌ علينا ولا نعرفها.
بداية التنازل
* بعد أن أعلنت الجماعة عن رأيها في مسألة ترشيح القبطي والمرأة للرئاسة، وجدنا عددًا من أفراد الجماعة يعلنون- على مدوّناتهم، بل وفي وسائل الإعلام- مخالفتهم لهذا الرأي، فكيف يكون تصرف الجماعة معهم؟ وهل تقبلونهم داخل الصف؟!
- لا أريد أن ندخل في مسألة قبوله داخل الصف أو عدم قبوله، ونحن نكتفي بأن نقول: إنه قد خالف رأي الجماعة، فإما أن يئوب إلى نفسه أو أن يرى أن هذه الجماعة غير نافعة معه، وأنها ليست أهلاً لأن يكون هو عضوًا فيها، فهو حُرٌّ في هذه المسألة، فنحن قلنا من بداية الأمر إن لنا ضوابطَنا ولنا نظُمَنا ولنا اختياراتِنا؛ فإذا أعجبني هذا الأمر فأهلاً وسهلاً، وإذا كنت أرى أن هذا دون فهمي ودون إدراكي فأنا في حِلٍّ من أمري أن أرى جهةً أخرى أو مكانًا آخر، لكنَّ الجماعة لا تستبعد أحدًا، فنحن نحافظ على ظُفر أي أخ من الإخوان، ونحاول أن نلفت نظره مرارًا، وفي هذه المسألة- على وجه الخصوص- رَأيُنا لم يكن اختراعًا اخترعَه الإخوان، ولكنه جاء بتأصيلٍ شرعيٍّ، فإن كان هناك مَن قال برأيٍ آخر أو يريد الأخذَ برأيٍ آخر فهذا شأنه، ونحن قد أخذنا برأي الجمهور وهذا شأننا أيضًا.
وهنا نقطة في منتهى الخطورة، لا بد أن ننبِّه عليها جيدًا، فنحن في بعض الأحيان بدعوى تعاملنا مع الآخر والتقارب مع الآخر، نبدأ في التنازل عن ثوابتنا لتحقيق هذا التقارب، وهذا أرى له تصويرًا في كتاب الله عز وجل: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُوْدُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: من الآية 120) وأتذكر هنا مرةً أخرى محنة التأييد داخل السجون، فهم حين أرادوا أن يلقوا بورقة التأييد هذه بدأوا بالحديث مع البعض: تعالَ يا فلان واكتب هذه الورقة وعبد الناصر سيفرج عنك غدًا، وهدفهم بالطبع كان معروفًا من وراء هذا الأمر، فإن أخذ أحدٌ هذه الورقة ووافق عليها فإنهم يتركونه لمدة أسبوع، فيَسأل مَن وافق على الورقة عن سبب وجوده بالسجن رغم أنه قد وقَّع على الورقة!! فتأتي الإجابة منهم: إن الورقة التي كتبتها لم تكن كافيةً والمسئولون لم يرضوا عنها!! فما الحل؟! لا بد أن تزيد في الورقة أن الجماعة كانت على خطأ، وإذا كنت ستكتب أن الجماعة على خطأ فلا بد أن تُبرز نشاطًا لها، وأن تقول إنهم كانوا يفعلون أفعالاً خاطئةً، وهكذا وهكذا حتى يصل به إلى درجة تسحق شخصيته تمامًا وتنزل به إلى دركٍ أسفل، وفي النهاية قد يخرج وقد لا يخرج!!
وأتذكر وقتها أحد الناس- عافانا الله وعافاه- كان يعلِّق صورة الرئيس عبد الناصر داخل الزنزانة حتى يُثبت ولاءه لهم، فكان كلما نادَوا كشفًا للخروج ولم يكن اسمه فيه فإنه يقوم بخلع الصورة ووضعها في جردل البول، وبعدها يتذكَّر ويخاف إن رأى أحدٌ منهم هذا الأمر، فيقوم بغسل الصورة وتنظيفها ثم يقوم بتعليقها مرةً أخرى!!.
كل هذا يعلِّمنا أن التعلُّق بأهداب البشر من الممكن أن يجعل المرء منا يتنازل عن الكثير، وإنني حين أتعامل مع الآخر فإنني أتعامل معه بكل حرية، ولكن تضبطني ثوابتي وأصولي التي لا أتأخر عنها على الإطلاق، وليس لأجل أن أُرضِي الآخر، فإنني أُغضبُ الله سبحانه وتعالى أو أُغضبُ جماعتي، ولا يمكن أن تكون هذه صورةً من صور التقارب مع الآخر، فهذه صورة خطيرة، وللأسف بعضنا يحاول أحيانًا لأجل الجو السياسي والمناقشات وهذه الأمور.. أن يكون عنده نوع من التنازلات، وهذه التنازلات كافية أن تدمر، والعجيب أنك بعد أن تقدم هذه التنازلات فأنت ما زلت لا تعجبه، فأكثر مَن أرسلنا لهم نسخةَ تصوُّرِنا للحزب كانوا مسرورين بهذا التصوُّر، ولكن بدأ بعضهم في ترديد كلام غير هذا.
وما دمتم تنقدون هذه النقطة هكذا وتكررونها في كل محفل، أليس أمامنا دولة لبنان والرئيس فيها لا بد أن يكون مسيحيًّا مارونيًّا، ورئيس مجلس النواب لا بد أن يكون شيعيًّا ورئيس الوزراء لا بد أن يكون سنيًّا؟! هل يمكن أن يترشح في أمريكا أو إنجلترا مسلم؟!
* صمتت الجماعة فترةً على كتابات بعض المدوِّنين وقيل: إنه حين استفحل أمرُهم أرادت الجماعة أن تحتويهم وأن تمنع هذا "التمرُّد"- كما وصفته إحدى الصحف- فكان لقاء الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد معهم، فما ردُّكم على ذلك؟!
د. محمد مرسي
- ماذا تقصد بـ"الاحتواء"؟! أولادنا ليسوا بهذه البلاهة والسذاجة حتى أحضره لكي أحتويه، هل سأعطي له مُرتَّبًا أو أعرض عليه بعض المُغرِيات مثلاً؟! إنما هو تبادل لوجهات النظر من أجل إزالة أيِّ لَبْسٍ كان، فهذا هو الهدف، وهذا الذي كان في ذهن الدكتور مرسي حين اجتمع بالشباب.
أما عن التمرد أو خلافه، فالجماعة في تاريخها حدثت لها أمورٌ كثيرةٌ لم تُؤثِّر فيها، وينبغي أن نَعِيَ أن مثل هذا التيار الجارف من العمل الإسلامي وهذه الجماعة مترامية الأطراف، لا بد أن يحدث بها ما يمكن أن نطلق عليه "فقاعات"، وقبل هذا كان خروج أحمد السُّكَّرِي و"شباب محمد" و"الشباب المسلم" وقضية التأييد في السجون، وكذلك بعض مَن لم يعجبهم الحال.. كل هذه الأمور تحدث، ولكن المسيرة مستمرة بفضل الله، فلم يستفحل الأمر كما قلتَ، وأنا واحد من الناس، نادرًا ما أقرأ هذا الكلام الذي يُكتَب على المدوّنات، وهذا ليس لعدم اعتباريته عندي، ولكن لضيق الوقت لديَّ، وحين يكون هناك شيءٌ جادٌّ فإنني أقرأه وأطَّلع عليه وأكون سعيدًا به لدرجة كبيرة، وفي مرةٍ من المرات حدث بيني وبين أحد الناس عتابٌ شخصيٌّ؛ لأن مدونته كانت بها بعض الألفاظ التي لا تليق، وتحاورتُ معه واتفقنا ألا يعود لهذه الألفاظ المرفوضة وأحسب أنه التزم باتفاقنا.
وليس الأمر كما صورته وسائل الإعلام من أن هذه الأمور مثلت لنا إزعاجًا أو شيئًا من هذا داخل الجامعة، فإذا كان الكاتب يعمل لله وبِنِيَّةٍ حسنةٍ فأجرُه على الله، ونحن نضع كلامه في الاعتبار، أما إذا كان غير هذا فإنه يحمل تبعات هذا الأمر عند الله، وهو يحاسبه على كلامه.
* قيل: إن عدم احتواء الطاقات وحسن استغلالها من جانب الجماعة للشباب هو سبب المشكلة، ونادى البعض بوجود لجان متخصصة داخل الجماعة تضمُّ الشباب، فما قولكم في هذا الرأي؟!
- كل مكان يوجد فيه الشاب القادر على العطاء لا بد أن يكون له نشاط ووجهات نظر ويقدِّمها ويوصلها إلينا، ومَن لا يستطيع أن يوصلَها عن طريق المكان الذي يعمل فيه فليأتِ بها مباشرةً إلينا ونحن نسعد به، واللجنة السياسية المركزية وكذلك اللجنة الإعلامية نحن بحاجة إلى مَن يدعمها، والمشكلة بصدقٍ أننا حين نبحث عن هؤلاء لا نجدهم، ونحن نسمع هذا الكلام كثيرًا ولكن حين ننزل إلى ميدان العمل لا نجد إلا القليل، فالبعض يهوى الكلام فقط.
* كيف ترى تعامل جيل الشباب الآن مع قيادات الجماعة وهيئاتها؟ وما هي أهم الاختلافات التي تراها بين هذا الجيل والجيل السابق؟!
- أنا لا أريد أن أكرِّرَ هذه النغمة كثيرًا؛ فالجماعة بها أجيال، وكل جيل يُسلِّم للآخر، وفي بعض الأحيان يكون الجوُّ العام والبيئة العامة لهما تأثيرٌ على الناس، سواءٌ كانوا من الإخوان أو من غير الإخوان، وهذا أمرٌ واضحٌ في كل الأجيال، وأنا لا أنكر أنني أرى نوعيات من الشباب الآن في غاية العظمة وفي غاية الفهم وفي غاية الأدب الإسلامي الرفيع، وهم صور مُشرِقة، وهم ولله الحمد كثيرون، ولا نريد أن نتهم الشباب بأنهم أقل من غيرهم أو أن حالهم متدنٍّ- حاشا لله- فالصورة مختلفة تمامًا، ونرى نوعيات من الشباب ندعو الله أن يبارك فيهم، فهؤلاء الشباب رغم كل هذه الأحداث ورغم التضييق والاعتقالات وكل هذه الأمور ما زال يعيش ويؤدي رسالته ويلتزم بالجماعة، وهذا فيه خير كثير، وفي كل الحالات فنحن حين نسمع ونطيع لإخواننا فنحن لا نفعل هذا لذات الفرد ولا لأجل شخص معين، وإنما نفعله تعبُّدًا لله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته.
ما يمكن أن أقوله في هذه النقطة هو أن الوسائل اختلفت عن زمن شبابنا، ولعل هذا هو ما باعد بين الناس، فقد كنا في الماضي نتربَّى بطريقة تشبه طريقة الشيخ والمُرِيد، وقد بدأَت علاقتي بمجموعة من الإخوان كالحاج أحمد حسانين وسيد عارف بهذه الطريقة، وقد كانت سمة هؤلاء قلة الكلام وكثرة الفعل، فكنا لا نرى من هؤلاء إلا أفعالاً عاليةَ المستوى وقليلاً من الكلام، ففعلُه وعملُه يغلِب كلامَه دائمًا وأبدًا، وهذه الملاصقة لهؤلاء الناس كنا نتعلم ونتربى على أساسها، أما الآن فربما تباعدت المسافات وتزايدت وسائل الاتصال والتي قرَّبت المسافات من ناحية أخرى، ولكن تبقى المعايشة أمرًا مهما؛ لذلك أتمنَّى من الأخ الذي يكون في نفسه شيءٌ أن يقترب من أحد إخوانه الكبار قليلاً، ويرى بنفسه هل هذا الرجل كما يريد البعض أن يصوِّرَه بأنه جافٌّ وذو طبيعة عسكرية وتربية النظام الخاص ومثل هذا الكلام الذي يقال؟! كل هذه الأمور لن يشعر بها الأخ إلا إذا عايشها بنفسه.
علماني في الجماعة
* وما رأيكم فيما تردَّد من وجود تنازع بين اتجاهين: سلفي وعلماني داخل الجماعة، وسيطرة أصحاب الاتجاه السلفي؟!
- الجماعة في نص كلام الإمام البنا جماعة سلفية، ولكنها السلفية بمفهومها العلمي وليس بمفهومها الضيِّق، ومن غير الجائز أن نتَّهِمَ أحدًا من الإخوان بأنه يسعى للعلمانية، ولكن لعلَّ النقطة الأخيرة التي ذكرتُها لك من اندفاع البعض إلى التنازل عن الثوابت بحجة مَدِّ الجسور مع الآخر هي التي تدفع البعض لهذا التوصيف، وفي النهاية هؤلاء بضعة أفراد يُعَدُّون على الأصابع وليسوا تيارًا أو اتجاهًا داخل الجماعة.
* ولكن هذا التيار يرى أنه إذا كانت الجماعة قد أرسلت نسخًا من تصورها للحزب لبعض المثقفين ونشرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بعض هذه النسخ، فلماذا لم تعرضه الجماعة على شبابها؟ أليس في هذا نوعًا من عدم الاعتناء برأيهم؟!
- فلنأخذ الأمر بهدوء، فهذا العرض ليس نهائيًّا، وأحببنا قبل أن نعرضه في صورته النهائية أن نأخذ رأيَ بعض المثقفين والمفكِّرين الذين لهم وجهات نظر، وليس في هذا معنى إتاحته للبعض وحجبه عن البعض الآخر؛ لأننا هنا بصدد الحديث عن قضايا عامة وليست قضية خاصة بالجماعة نفسها، ولو كانت القضية خاصة بالجماعة كان من الممكن أن نقبل هذا الكلام، لكنها قضايا عامة، أحببنا أن نسمع فيها رأيًا، كموضوع جبهة العلماء مثلاً، وكان للمثقفين رؤيةٌ في هذا الأمر ونحن غالبًا ما سنستجيب لها.
وهناك تعبير إنجليزي يقول: hunting mistakes أي تصيّد الأخطاء، فهذا الإنسان الذي لديه خلفية سوداوية حين يتعامل مع الناس، فإن هذه الخلفية السوداوية هي المتغلِّبة عليه، ويصبح كلُّ همِّه أن يلتقط النقائص، والآخر- الذي هو سليم- إن رأى خطأً فإنه يُعبِّر عنه في حينه، وهذا حقُّه الذي لا يُماري فيه أحدٌ، ولكن لم يكن هدفه أن يقف ويذيع ويهلل أني وجدت خطأً، ولكنه كشخص سليم حين يفعل هذا فإنه يفعله لأجل أن يصل للحق بصورة مثلى.
فلم يكن مقصودًا على الإطلاق أن نقتصر على مَن هم بالخارج أو الداخل، مَن قال هذا الكلام؟! وأزيدُكَ أنه قيل أيضًا: إنه لم يتم أخذ رأي إخوان الخارج، ولكن لأننا ما زلنا في مرحلة التداول والأخذ والرد وليست الصورة النهائية، ستظل هناك تعديلات عليها.
وهناك نقطة ألفت النظر إليها، وهي أن الحزب نقطة صغيرة جدًّا في العمل العام للجماعة، والجماعة أكبر بكثير من هذا، ولن تُختصَر أبدًا في الحزب، فالحزب هو الجزئية التي تُعنَى بالعمل السياسي في الجماعة وليس بديلاً عن الجماعة أو هو الوجه الآخر للجماعة.
أين الشباب؟!
* في الماضي كان جيل الشباب يحتل مساحةً مهمةً في الجماعة؛ فمصطفى مؤمن مثلاً عندما كان طالبًا أرسله الأستاذ البنا ليمثِّل الإخوان في الأمم المتحدة، وكنا نسمع أن أغلب قيادات الجماعة كانت قيادات طلابية، ولكننا الآن نرى أن الشباب ينتهي دورهم عند مستويات معينة!!
- أنا سأسألك سؤالاً: مَن الذي يعمل في الإخوان الآن؟ ومَن هم المسئولون في الجماعة الآن؟ هذا كلام غريب، فجيل الوسط الآن هو الذي يقود الجماعة، دَعْكَ من أبو الفتوح والعريان، ولكن انظر لأناس مثل محمد سعد، والغنيمي، ومحيي حامد، وغيرهم.. هؤلاء وغيرهم هم مَن يقودون الجماعة بالفعل، هؤلاء هم المسئولون الحقيقيون في أماكنهم، ولو نظرنا لأي وجود إخواني في أي مكان فإننا لا نرى إلا الشباب، وبالعكس فالجيل القديم والجماعة "العواجيز" بدأوا في التآكل والتناقص، وكل فترة يتوفَّى أحدُهم، والباقي كله جيل الشباب، وهذه الأسماء التي تتحدث عنها قديمًا لها ظروفها، وربما لقلة الأعداد المطروحة وقتها كانت لهم ظروفهم، لكننا الآن ومع تزايد الأعداد لا نشعر بهذا الأمر، وواقع الأمر أن من يقودون العمل هم الشباب، وأنتم مثلاً في موقع ( إخوان أون لاين) وهو الموقع الرسمي للجماعة كل مَن يقودون العمل فيه من جيل الشباب.
أنا أريد أن أقول لأبنائنا: احذروا أن تُلقَى إليكم مشكلة من الخارج فتتلقَّفونها وتسيرون وراءها، وهي مرسلة إليكم من الخارج بقصدٍ معينٍ، ولا بد أن نكون من الوعي بمكان، بحيث يدرك الشباب أن هناك مَن يستهدف هذه الجماعة من الداخل ومن الخارج، وهناك مَن لا هَمَّ لهم إلا التفكير في كيفية الدخول لهذه الجماعة وإثارة المشاكل فيها، ويأتون من المدونات تارةً ومن غيرها تارةً أخرى، فلا بد أن نأخذ حذرَنا من هذه الأمور، فهي مشاكل تُصدَّر لنا من خارج الجماعة، ويتلقَّفها البعض في بعض الأحيان ويتعايش معها، ولعلها تصادف أحدًا في مكان من الأماكن فيبني عليها أحكامًا، بينما هو لو أخذ هذا الأمر وذهب لأحد المسئولين في الجماعة فربما يختلف الأمر لديه كليةً بدلاً من أن يظل بمفرده يبني أحكامًا ومواقف.
* بعض الشباب في الجماعة انفتح على التيارات الأخرى كالشيوعيين واليساريين والعلمانيين وغيرهم بشكل كبير، وربما وجد بعضهم نوعًا من الانبهار في هذه التيارات وطريقتها في تناول الأمور، بقدر ربما يكون أوسع وأسرع من تناول الإخوان، وكذلك طريقتهم في الأحاديث السياسية، التي ربما تكون فيها جرأة أكثر تصل إلى حدِّ السباب والشتائم للنظام السياسي المستبد، وربما يكون ذلك سببًا في تغيره تجاه الإخوان!!.
- الإخوان لم يُقصِّرُوا أبدًا في ترتيب دورات وبرامج ودروس ثقافية، وفي أُسَر الإخوان هناك مناهج يتم تدريسها، وكَوْن الفرد في هذه المرحلة لا يدرس هذه الأمور فهذه مسئوليته وليست مسئولية الجماعة، أما بالنسبة للتيارات الأخرى- كالشيوعيين واليساريين- فأنا لي معهم تاريخ طويل، وبعضهم يكتفي بحفظ بضعة كلمات يردِّدها في كل مكان وفي كل مناسبة كالبرجوازية والبروليتاريا ورأس المال.. إلخ، وأتذكر أحدًا ممن كنت أعرفهم من الشيوعيين حين قال لي: لدينا 13 كلمة نحفظها ونرددها في كل المحافل، هذه هي ثقافتهم.
أما ثقافة الأخ فمختلفة عن هذا، ضَعْ أي أخ من الإخوان في أي مجتمع من المجتمعات حتى ولو كان صغير السن، فتشعر بتميزه عن الآخرين في فهمه وإدراكه، وأبناء الاتجاهات الأخرى إن عُرفوا فهم يُعرفون في مجال معين، لكننا نحاول بقدر كبير أن نوسع مدارك أبنائنا، وأن نُوجِد لديهم قاعدةً ثقافيةً عامة، يستطيعون بها مواجهة الآخرين، وعلى الأخ أيضًا أن يُنمِّي ثقافته بنفسه، ولا ينتظر أن يكون مُتلقِّيًا فقط، ولا بد أن يكون له دوره الخاص، وأن يقرأ في هذا، ويدرس هذا، وليس من المقبول أن نمشي وراء كل فرد نُلقِّنه كل الأمور.
وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أنه لم يواجه أحد طيلة السنوات الماضية ما واجهه الإخوان، فهؤلاء ربما سُجن أحدهم مرةً أو مرتين، وبعدها يخرج شَتَّامًا، ونحن نربأ بأنفسنا أن نكون شَتَّامِين؛ ونحن نُعلِّم أولادنا ألا يصل الأمر بأحدهم أن يكون سَبَّابًا أو شَتَّامًا أو لَعَّانًا، فقضيته قضية حقٍّ، يُدافع عنه ويتكلم عنه بما يُرضي الله سبحانه وتعالى.
الجامعة
- لو انتقلنا إلى محور آخر، وهو محور الجامعات المصرية.. كيف ترى حالها الآن في ظل هذه الظواهر الأخيرة، من تدخل للأمن بدرجة كبيرة، واقتحام البلطجية للحرم الجامعي..؟!
د. أحمد زكي بدر يتابع اعتداء البلطجية على الطلاب!!
- حال الجامعات المصرية كحال البد كلها، فما من مرفق من مرافق البلد إلا وهذه هي حالته، وقد كنا نربأ بالجامعات أن تصل إلى هذا المستوى المنحدر، فهي لها في أذهاننا نوعٌ من القدسية، وسأضرب لك مثالاً يوضح ما وصل إليه الحال، حين أرادت قوات الأمن سنة 1948 م القبض على الدكتور إبراهيم فرج - أحد أساتذة كلية العلوم وعضو الهيئة التأسيسية ل جماعة الإخوان ، وهو ما زال على قيد الحياة بارك الله في عمره- وكان مدير الجامعة وقتها هو عبد الوهاب مورو باشا، والذي رَدَّ على قوات الأمن وقتها بأنه لا يقبل أن يُعتقل أحد الأساتذة، وأن استقالته موجودة لو حدث هذا الأمر، وقام بإخراج الدكتور إبراهيم فرج إلى بعثة خارجية على أن يُصرَف مرتبه من الداخل حتى لا يحتاج أهله إلى شيء، وخرج سنة 48م، ولم يعد إلا بعد أن استقرت الأمور في مصر.
وهكذا كان رؤساء الجامعات، ولكن حين أصبح منصب رئيس الجامعة وعمداء الكليات بالتعيين، وصل الحال إلى ما وصل إليه، فللأسف الشديد هم يختارون نوعيات من الناس كل همِّهم إرضاء الأمن كي يرضى عنهم، ولم نكن نتخيل أن يفعل رئيس جامعة عين شمس ما فعل بهذه الصورة، ولكن يبدو- كما وصف أحد الصحفيين- أن جينات زكي بدر وزير الداخلية الأسبق انتقلت إلى ابنه بصورة إيجابية!! فكيف يُسمَح لبلطجي أن يدخل الجامعة ويقوم بضرب أحد الطلاب؟! كيف يُسمَح بوجود هذا العدد الكبير من المخبرين داخل الجامعات؟! أشياء كثيرة نتعجب لها كل العجب، وأنا حزين على الحال الذي وصلت إليه جامعاتنا، وقد كانت قلعةً من قلاع الحرية، ولكن يبدو أنهم يدمرون هذه القلاع الواحدة تلو الأخرى، من القضاء إلى الصحافة إلى الجامعات و"ربنا يستر"، فالصورة سيئة جدًّا، ولا أعتقد أن هناك تعليمًا جامعيًّا على الإطلاق، فالتعيينات كلها تتم عن طريق المحسوبية، والترقيات تتم أيضًا بهذا الشكل، كل هذا يؤدي بنا إلى منحدر خطير.
* ما تقييمكم- وأنتم من كبار المتابعين- للعمل الطلابي الإخواني داخل الجامعات؟
- أرى أنهم يَنحتُون في الصخر، فكل السهام موجَّهة ضدهم، بدايةً من الأمن الموجود داخل الجامعة بكثافة، إلى بعض الأساتذة الذين لا يخافون الله، إلى الإداريين الذين يعرقلون تحركاتهم وأنشطتهم، فنسأل الله لهم النجاة من هذا الضيق الذي هُمْ فيه، أليس هناك عميد أو رئيس جامعة جريء يرفض شطب الطلاب ويترك الأمر لهم حتى يختاروا ما يرونه الأصلح؟!
نشاط مميز لطلاب الإخوان في الجامعات
ويأتي كل هذا في الوقت الذي نرى فيه مناظر يندَى لها الجبين، مثل الـ couples أو الثنائيات الموجودة داخل الجامعات بين الأولاد والبنات بشكل مُخزٍ، فقد كنتُ في بعض الأحيان أتأخَّر في الخروج من الجامعة، وكنت أرى العجب العجاب داخل الجامعة! فإلى أي مدىً سيصل هذا التدنِّي وهذا الإسفاف؟! فالطالب المتميز والنشيط نُضيِّق عليه ونضطهده، والطالب المتفلِّت نتركه يرتع كما يشاء!! والبنت الملتزمة نَهُزُّ كيانها والأخرى المستهترة نتركها تفعل ما تشاء بكل حرية!!.
* كان الطلاب يعملون من قبل باسم "الجماعة الإسلامية" ثم طلاب "التيار الإسلامي" والآن باسم "طلاب الإخوان المسلمين " بكل صراحة ووضوح، فهل تقبل قيادات الإخوان والطلاب التنازل عن هذا الاسم الذي يرى البعض أنه عائقٌ لهم عن العمل داخل الجامعة بكل حرية، خاصةً أن اللائحة الطلابية تمنع العمل الحزبي حيث يرى البعض أن المشكلة تكمن في الاسم؟
- وما المشكلة الضخمة لهذه الدرجة في الاسم؟! لماذا هذه الحُرقَة والغيظ الشديد من الاسم؟! وهل تظن أن الطلاب لو تنازلوا عن الاسم وقاموا بتغييره فسيتم السماح لهم بممارسة النشاط؟! كل هذه المراحل التي مرَّ بها تغيير الاسم ولم يتم السماح لهم بالعمل، فلماذا يُغيِّرُه الطلاب الآن؟! وإذا كانت الجامعة تمنع العمل الحزبي فما معنى وجود جمعية "جيل المستقبل" ومبناها الضخم داخل الجامعة وممارستها لأنشطتها بكل حرية؟! أليس هذا عملاً حزبيًّا ممنوعًا؟!!
إنهم لا يريدون منع اسم طلاب الإخوان ، بل إنهم يريدون منع كل ما هو إسلامي أو يمتُّ إلى الإسلام والالتزام بصلة، وتنازل طلاب الإخوان عن اسمهم ليس هو الحل، فالمشكلة ليست عندهم وليست المشكلة في الاسم في حَدِّ ذاته كما يتوهَّم البعض.
المصدر
- مقال:د. رشاد البيومي: شباب الإخوان ينحتون في الصخرإخوان أون لاين