الموقف الغربي من الإخوان المسلمين مراحل وتحولات
إعداد : ويكيبيديا الإخوان المسلمين
بقلم/ السعيد العبادى
تمهيد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 وأعقبها حرب فلسطين 1948 وظهور وافد جديد على المشهد السياسى العالمى وهى الولايات المتحدة الأمريكية التى سعت الى فرض المزيد من سطوتها وقوتها على منطقة النزاع الدائمة أو منطقة المصالح للدول الغربية ( الشرق الأوسط)
وخلال هذه المرحلة والتى أعقبت حرب فلسطين نشط الدور الأمريكي بالمنطقة وسعى لإيجاد همزة وصل بينهم وبين الإخوان المسلمون وتباينت مواقف أمريكا من الإخوان على حسب المراحل المختلفة التى مرت بها الجماعة فالإدارة الأمريكية ومع بداية نشاطها فى المنطقة كان لها دور فى الضغط على حكومة النقراشي لحل الجماعة وكما ذكرنا فى الجزء السابق أن ضغوط الحل كانت باجتماع تم بين سفراء دول انجلترا وأمريكا وفرنسا وظلت العلاقة بين الإدارة الأمريكية والإخوان تتأرجح بين القبول والرفض حتى نجد أنه هناك مواقف مختلفة متناقضة الى حد ما بين الإدارات الأمريكية المختلفة
ويذكر التاريخ أن معظم مواقف الإدارة الأمريكية منذ بزوغ قوتها واتجاهها لمنطقة الشرط الأوسط كانت فى مجملها عدائية للإخوان المسلمون
واذا كان لنا ان نقسم العلاقة ( وان كانت عبارة النظرة اكثر دقة لأنه لاتوجد علاقة حقيقية بين الطرفين ) بين الإدارة الأمريكية الى مرحلتين المرحلة الأولى مرحلة العداء والإقصاء والمرحلة الثانية مرحلة التفاهم وسنتعرض لهذا الجزء من البحث حول المرحلة الأولى وهى مرحلة العداء والإقصاء
الجزء الأول العداء والإقصاء
الإخوان والإدارة الأمريكية
يقول الإمام البنا: "لقد كان لتصريح الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأمريكا الذي أذاعته الصحف حديثًا حول فلسطين، وتشجيع فكرة الوطن القومي للصهيونية دون قيد ولا شرط، وفتح باب الهجرة لليهود على مصراعيه.. رنة أسى واستنكار، وصدى استياء وارتياع في جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي، ولا عجب فإن قضية فلسطين ليست قضية أهلها وحدهم، وإنما هي قضية مصر والعرب والإسلام، بل قضية عقيدة تهوى إليها النفوس، وتزهق لها الأرواح، وهي كذلك قضية إنسانية تقوم على دعائم الحق والعدل، وتهتز لها مشاعر الإنسانية وتثور أحاسيسها... وسواءٌ أكانت هذه التصريحات صيحات انتخابية عارضةً أم مقاصدَ حقيقيةً مدبرةً؛ فإننا نحن الإخوان المسلمين باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية لنرفع عقائرنا محتجِّين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم، ومتخطية ميثاق الأطلنطي وما ينطوي عليه من وعود وعهود وآمال وأحلام".
ويقول في موضع آخر: "ونحن باسم الإخوان المسلمين- ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين في مختلف أقطارهم- نحذِّر حكومتكم من الاسترسال في هذه السياسة الصهيونية الجائرة، فإنها وحدها هي التي تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم في العالم العربي والإسلامي كله بعدما كسبتم معركة الحرب بصورة حاسمة، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضًا عنها عند اليهود والصهيونيين".
وبعدما اعترفت أمريكا بإسرائيل بعث الأستاذ البنا ببرقية إلى الرئيس "ترومان" قال فيها: "اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامي، وإن إتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية لهو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وستؤدي حتمًا إلى إثارة عداء دائم نحو الشعب الأمريكي، كما ستعرض مصالحه الاقتصادية للخطر وتودي بمكانته السياسية، فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكي".
عقيدتنا في نظر كاتب أوروبي
يذكر الأستاذ البنا فى مذكراته احد المواقف التي تتعلق برؤية احد الكتاب الغربيين لعقيدة الإخوان فيقول مانصه ومن الطريف أن عدداً من أعداد المجلة وقع في يد الأخ الأستاذ عزت راجح المفتش بالمعارف الآن. وقد كان يومها طالباً بجامعة السوربون بفرنسا فعرض “عقيدتنا” على أستاذه”أرنست رينان” وهو حفيد رينان الكبير، فوصفها بكلمات رقيقة بليغة، وأرسل الدكتور عزت لأخيه الأستاذ أسعد راجح عضو المركز العام للإخوان بالقاهرة خطاباً بالحادث، فنشرته مجلة الإخوان ضمن مقال افتتاحي هذا نصه:
عقيدة الإخوان المسملمين في رأي الأستاذ “ أرنست رينان “أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالسوربون بباريس
أخي العزيز:
وبعد: فبينما كنت يوما بمسجد باريس إذ وجدت بين الجرائد والمجلات المعروضة هناك جريدة” الإخوان المسلمين” التي طالما حدثتني عنها وعن رجالها وأنا بمصر. وتحت عنوان عقيدتنا قرأت عقائد وتعهدات صادفت في نفسي إعجاباً وتقديراً. وبعد دراسة عامة لهذه المبادىء وجدتها جديرة بالعرض بعد ترجمتها على الأستاذ” أرنست رينان” أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة السوربون وأخذ رأيه فيها، ففعلت، وأخذها الأستاذ وأعادها بعد أيام. وقد كتب عليها ما ترجمته:
“إن هذه الكلمات عميقة المبحث والمقصد، وهي لا شك مستمدة من نفس المنهج الذي رسمه محمد صلى الله عليه وسلم ونجح في تنفيذه، فأسس به أمة ودولة وديناً، وقد زيد فيها بما يناسب روح العصر مع التقيد بروح الإسلام.
وفي عقيدتي أنه لا نجاح للمسلمين اليوم إلا باتباع نفس السبيل التي سلكها محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، غير أن تحقيق هذا على الحالة التي عليها المسلمون اليوم بعيد، وليس معنى هذا القنوط والقعود عن العمل. “إني لم أوفق إلى اليوم إلى موضوع الرسالة التي أقدمها لامتحان الدكتوراه ولن أنكر عليك أنه كان لهذه العقيدة وتعليق الأستاذ عليها في نفسي أثر كبير في توجيه فكرتي في اختيار الرسالة وسأخبرك عن الموضوع عند اختياره”.
للمزيد طالع مذكرات الدعوة والداعية للامام حسن البنا
نظرة أمريكا للإخوان
ربما ترسم احد الرسائل التى ذكرتها المفوضية الأمريكية والتي ذكرها الكاتب محسن محمد فى كتابه (من قتل حسن البنا) موقف الإدارة الأمريكية من الإخوان والتى عبرت عنها بقولها
" خطورة الإخوان تكمن فى المبادئ المتعصبة التى تعتنقها وطبقا لما يقوله الإخوان مادامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن" طالع كتاب من قتل حسن البنا للكاتب محسن محمد
كما يتضح أكثر من خلال مقال كتبته فتاة يهودية تدعى "روث كاريف" ونشرته لها جريدة (الصنداي ميرور) في مطلع عام 1948م، ونقلته جريدة (المصري) لقرائها في حينه تقول فيه: "إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعًا، وأفضل قانون تحيا عليه الأرض كلها"، ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت: "والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه، وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم "الإخوان المسلمين"".
الدور الأمريكي فى محاولة القضاء على الإخوان المسلمون
ذكرنا سابقاً دور الادارة الأمريكية فى استصدار قرار الحل الأول لجماعة الإخوان المسلمين بمعاونة فرنسا وبريطانيا ولم تكتف تلك المحاولات عند هذا الحد فتذكر مصادر عديدة دور المخابرات الأمريكية فى التخطيط والإعداد لحادثة المنشية الشهيرة
تمثيلية المنشية وخبير الدعاية الأمريكي
ويذكر الأستاذ عمر التلمسانى فى كتابه (قال الناس ولم أقل فى حكم عبدالناصر) موقف أخر لتعامل الإدارة الأمريكية مع الإخوان المسلمون وهو استعانة عبدالناصر بأحد رجال المخابرات لتخطيط حادثة المنشية الشهيرة والتي كانت المفتاح الرئيسي لاعتقال عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين وإعدام بعض قياداتهم فيقول الأستاذ التلمسانى( لقد أفحش حكم عبد الناصر في معاملة المواطنين، وأحس من حوله بخطر ما يفعل، فأرادوا أن يخلقوا له شعبية بين المواطنين، ولكن تفكيرهم أعجز من أن يصل إلى حل، فاستعانوا بخبير أمريكي يدبر لهم أمر إيجاد هذه الشعبية، واستمع إلى السيد/ حسن التهامي أحد الضباط الأحرار يكتب في روز اليوسف عدد أول مايو سنة 1978 عن حادث المنشية : (وقد شد انتباهنا وقتها أن خبيرا أمريكي الجنسية في الدعاية والإعلام ومن أشهر خبراء العالم وقتها في الدعاية كان قد حضر إلى مصر، وكان من مقترحاته غير العادية، والتي لم تتمش مع مفهومنا، وقت اقتراحها هو اختلاق محاولة لإطلاق الرصاص على عبد الناصر ونجاته منها، فإن هذا الحادث، بمنطق العاطفة والشعور الشعبي، لا بد أن يزيد شعبية عبد الناصر، لتأهيله للحكم الجماهيري العاطفي، أكثر من أي حملة دعائية منظمة توصله إلى القيادة الشعبية من أقرب الطرق العاطفية). هذا هو حادث المنشية الذي اخترعه خبير أمريكي في الدعاية يستدعي إلى مصر، لا للخبرة الصناعية أو العسكرية أو الزراعية أو الاقتصادية أو غيرها، أبدا ولكن لعبد الناصر في الحكم، أيا كانت هذه الوسيلة خسيسة أو غير شريفة، ليس ذلك بالأمر المهم، إنما المهم في إسعاد مصر هو أن يظل عبد الناصر حاكما، أيا كانت الوسيلة التي تبقيه على كرسي الحكم في مصر.
هذا هو الحادث الدنيء، الذي ابتدعه حكم عبد الناصر، والذي على أساسه المصطنع استباح كل شيء في مصر، بلا روية ولا هوادة ولا أخلاق ولا دين، ثم بعد ذلك ما يزالون يحدثوننا عن عبد الناصر وأياديه على هذا الوطن المسكين، دون رعاية لمشاعر المنكوبين على يديه، ولا تقدير لجراحهم الغائرة، التي لن يذهب بها إلا الموت، حيث تمسح رحمة الله ومثوبته على أصحاب تلك المآسي فيدخلهم رضوانه ويدخلهم جنته، في ملك لا يبلى، ونعيم لن يبيد. طالع كتاب قال الناس ولم أقل فى حكم عبدالناصر عمر التلمسانى
كما يذكر الكاتب محمد الطويل فى كتابه لعبة الأمم تفاصيل أكثر حول دور المخابرات الأمريكية فى حادثة المنشية فيقول تحت عنوان
دور الأمريكان فى التخطيط لحادثة المنشية (رأى آخر)
ففي ضوء الصراع الخفي بين عبد الناصر ومحمد نجيب فقد كان هناك لقاء في الثلاثين من يناير عام 1954 جمع بين كيم روزفلت مسئول المخابرات الأمريكية المركزية عن الشرق الأوسط الأدنى ومايلز كوبلاند المندوب المحلي المخابرات الأمريكية في مصر ومن جانب آخر كان هناك الرئيس محمد نجيب وعبد الناصر وزكريا محي الدين والسفير أحمد حسين.
وكان في تلك الآونة- يشعر محمد نجيب بالوحدة وأنه مغلوب على أمره في مواجهة عب الناصر وأعوانه من المصريين والأمريكان مما دفعه إلى دعوة الفريق عزيز المصري لهذا اللقاء ولكنه لم يلبي الدعوة فقد أراد نجيب بتواجد عزيز المصري أن يكون له بمثابة سند في هذه المواجهة لما له من تأثير معنوي كبير على الضباط باعتباره الأب الروحي لثورية هؤلاء الضباط كما أراد بوجود عزيز المصري أن يطرح بديلا عنه بدلا من عبد الناصر لو كان الأمر يتعلق بتنحيته في هذه المواجهة إلا أن عبد الناصر كان يخطط .. ويسير في تنفيذ خططه لتولي رئاسة وحكم مصر.
وحتى ذلك الحين – كما يروي حسن التهامي - فإن عبد الناصر لا يظهر في المحافل العلنية وإن كان كل ما يجري تحت اسم محمد نجيب بصفته رئيسا للجمهورية، بل إن المعونة الأمريكية التي جاءت على محمد نجيب على سبيل تعزيز وتدعيم النظام الجديد.. ومع ذلك فإن عبد الناصر كان صاحب قرار الاتفاق منها ولا يصرف أو ينفق منها أي مبلغ إلا بأوامره حيث كانت مودعة لدى خزينة ذكريا محيي الدين رئيس المخابرات العامة في ذلك الحين.
وقبل التعرض لخطة القضاء على خصومه.. فقد بدأت حملة من الدعاية المكثفة في ربيع عام 1954 لتقوية تأثير عبد الناصر تمهيد لرئاسة الجمهورية بل أن السفير الأمريكي بالقاهرة في ذلك الحين جيفرسون كافري وخبير الانقلابات العسكرية في المخابرات الأمريكية المركزية قد بعث في حضور أعظم المختصين في الدعاية السوداء والرمادية وهو باول لينبارجر الذي كان مسئولا عن الدعاية في مكتب الخدمات السرية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية وقد أشار أنور السادات في حديث له بمجلة أكتوبر إلى هذا الخبير والذي أورد ذلك على سبيل أنه قد فهم لأول مرة منه الفرق بين الدعاية السوداء والبيضاء والرمادية ولكنه لم يشر عن حقيقته !! أما حقيقة هذا الخبير الفريد في الدعاية السوداء كمايذكر مايلز كوبلاند فإنه جاء للقاهرة، وفي تلك الآونة كان صلاح سالم قد استبدل بالعقيد عبد القادر حاتم، ومكث بالقاهرة فترة ليست قصيرة حيث قام بتدوين نتائج دراسته بالقاهرة وقدمت في شكل تقرير للعقيد محمد عبد القار حاتم إلى جانب ما أنجز من أبحاث في عهد صلاح سالم وقام عبد الناصر بتوسيعها بعد تدوين بعض الملاحظات عليها نتيجة خبرته في السنة السابقة وبعدها جمعت كلها في دراسة موحدة احتفظ بها عبد الناصر نفسه في درج مكتبه وأقفل عليها.
فالخطة الإعلامية.. بالإضافة إلى الاتصالات السرية الناصرية الأمريكية كانت بالإضافة إلى خطة القضاء على الخصوم الوطنيين ... واتصالاته السرية مع إسرائيل حول السلام... كما تدور في طريق واحد يدفع بها عبد الناصر من أمامه كل عائق لتحقيق تسلطة على حكم مصر بديكتاتورية المعروفة فعقب اجتماعه مع نجيب ومايلز كوبلاند وكيم روزفلت في 30 يناير 1954، قد تم نهائيا استبعاد محمد نجيب من مثل هذه الاتصالات السرية وانفراد عبد الناصر بها تمهيدا لاتفاقه مع الأمريكان على تولية السلطة في مصر وإبعاد محمد نجيب بل تبدي هذا الاتفاق جديا وعلى طريق التنفيذ عقب فشل أزمة مارس والتي كان قد تقدم فيها محمد نجيب باستقالته.. وعودته مرة أخرى... وقد تجلى فيها تأثير وقوة عبد الناصر على الضباط والجيش .. ومحاولته مع المفاوضين الإنجليز الخفية لتوليه قيادة ومسئولية مفاوضات الجلاء .. حتى يخرج منها بطلا.. فإن هناك رسالة تحيطنا علما ببعض خلفيات هذا الاتفاق وسجل تنفيذه ودور الأمريكان معه في هذا الصدد فقد وده كيم روزفلت رسالة من واشنطن إلى مايلز كوبلاند بالقاهرة في الحادي عشرة من شهر مارس عام 1954 حيث جاء بها:
البيت الأبيض- واشنطن..
عزيزي /مايلز:
كنت قد نويت أن أكتب للمقدم ناصر بمجرد أن يكون هناك شيء نهائي لكي أبلغه عن نوايا البريطانيين نحو قبول مزيد من التنازلات وأيضا وبطبيعة الحال مدى ما تصل إليه حكومتنا في الاقتناع بمزيد من الضغوط من جانبها على البريطانيين بمزيد من التنازلات (ويقصد بموضوع التنازلات مفاوضات الجلاء على مصر) إن حكومة الولايات المتحدة قد قامت بالفعل وعلى قدر استطاعتها أن توقع على البريطانيين ضغوط كافية لمزيد من التنازلات وقد تأكد لنا ذلك.. وهذا لا ينفي كون حكومة الولايات المتحدة مستمرة في دفع الحقائق للحكومة البريطانية وتقديراتها للموقف (يقصد بموقف الشرق الأوسط) هذا وسنستمر في عمل ذلك مع بريطانيا.
وعلى وجه الخصوص نحن مستمرون في إبلاغ البريطانيين بأن الوقت قد حان فعلا للوصول إلى هذا الاتفاق دون تباطئ .. ونحن مستمرون في الحديث إليهم أنه بناء على تقديراتنا للموقف فيجب أن يحاولوا الوصول إلى اتفاق (حول الجلاء) وأن الوصول إلى اتفاق غاية في الأهمية (بالنسبة للأمريكان) وهذا في حد ذاته نوع من الضغط عليهم.
ومن وجهة نظري الشخصية فإن هذا هو رأي في المدى الذي يمكن أن نذهب إليه معهم (يقصد الضغط واستمرار التحالف مع بريطانيا).
وعلى كل فالتساؤل الأول عن نوايا البريطانيين في الوصول إلى اتفاق لا تزال غير واضحة الإجابة ولا سيما بالنسبة للتطورات في مصر ذاتها (بعد موقف عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة عقب فشل أزمة مارس) وفي مواجهة هذه الحقيقة لم أجد أمامي سببا كافيا لكتابة إلى المقدم ناصر شخصيا وكل ما يعنيني أن أقوله الآن هو إعادة تذكرته بما سبق أن قلته له في زيارة أخيرة للقاهرة.
ويمكني أن أعيد التعبير عن مشاعري تجاهه والتي تعرفها أنت والتي تحتوي على الصداقة والاحترام المتبادل والأمل المعقود عليه أقول الأمل لأن المقدم ناصر هو الشخص الذي قابلته وتأثرت به وأشعر بأنه يتحلى بكفاءات تؤهله لقيادة الشرق الأوسط- ليس مصر فقط – ولكن من خلال مصر يكون أصدقاءها العرب وجيرانها الآخرين (يقصد إسرائيل) لكي يقود المنطقة خارج الجو القاحل والضياع التي يتردون فيها بسرعة متزايدة وإنني متأكد أن تزويد المنطقة بقيادة خلاقة سيجعل من شعوب الشرق الأوسط أن تكون مؤهلة لإعادة تشكيل موقف جديد. وبدون هذه القيادة التي نراها ومع تزايد عناصر الضعف والمشاعر الوطنية الغير متعلقة واليأس ستدفع المنطقة إلى مزيد من التمزق.
وكما قلت كان يمكنني أن أكتب للمقدم ناصر بهذه المفاهيم ولكنني على يقين أنه يعرف مشاعر تجاهه (بأنه ذلك الأمل) ولذلك اعتبرت كتابتي في هذ الموضوع تكرارا ونوعا من المجاملة الجوفاء، ومع استمراري في الاعتقاد بأن ناصر يمثل أفضل الآمال بالنسبة لدولته وبالنسبة لنا. فإن تطور الأحداث بوجه القطع كان غير مشجع.
فيخيل لي وأنا على هذا البعد عن مصر، فإن مجلس قيادة الثورة قد تطلع إلى أهداف هامة دون أن يعد لها الدراسات أو التحضيرات الكافية ودون أن يكون لدى هذا المجلس الجهاز القادر على مده بالمعلومات والبيانات الكافية ليقوم بعمله.
وأتعشم أن يتعلم هذا المجلس الدروس الصحيحة من خلال خبرته القريبة وأن يقبلوا قانعين الموعظة من أصدقائهم الحريصين على مساعدتهم وفي نفس الوقت أرجو أن تدر ذلك وليس في حاجة إلى تكراره إليك فإن عملك في مصر قد أصبح الآن على جانب أكبر من الأهمية وسوف أعتمد عليك وضعي في الصورة أول بأول عن تقدم عملك في مصر ولست ي حاجة إلى التأكد عليك مرة أخرى في العالم إلا أنه يمكنك التأكد بأني على استعداد بصفة دائمة للعمل على توثيق العلاقات وتقوية صلاتنا بمصر.
أرجو نقل أطيب تحياتي لزوجتك لورين وأولادك.
ومن المحتمل أن أراكم قبل مرور هذا الصيف.
وأرجو أن تذكرني عند حسن التهامي ولا أعرف إذا كان فوستر دالاس قد تمكن من الكتابة إليه ليشكره على هديته قبل مغادرته كراكاس ولكني يمكني أن أذكر لك بأن وزير الخارجية قد تأثر جدا برسالته وهديته.
أخيك دائما
كيم.
11مارس 1954
ومن هذه الرسالة يمكن ملاحظة بعض النقاط على جانب كبير من الأهمية ومنها :
أولا: واضح من كلام كيم روزفلت أنه سبق والتقى بعبد الناصر وهمس له واتفق معه على إعداده لدور كبير نحو قيادة منطقة الشرق الأوسط ومصر خاصة نحو مخطط أو هدف أمريكي استراتيجي وأيضا نحو إسرائيل وأنه يرى ذكر ذلك نوع من التكرار الذي يعد مجاملة فقط.
ثانيا: أنه يذكر أن هناك ضغوطا أمريكية على بريطانيا في مفاوضات الجلاء عن مصر ويلمح بأنه إذا كانت هناك ضغوط إلا أن التحالف قائم مع بريطانيا باعتبار مصالحهم معا وأنه على ثقة من هذه الضغوط بأن تؤتي ثمارها بعد أن تنتهي التطورات الجارية في مصر وتأثيرها وكان يقصد بذلك أزمة مارس وتطورات الأحداث لتنحية محمد نجيب من هذه المفاوضات وتولى عبد الناصر لقيادة مصر رسميا للأهداف التي أشير إليها في هذه الرسالة.
ثالثا: أنه يشير إلى أعضاء مجلس قيادة الثورة ليسوا لديهم علم أو خبرة كبيرة أو كافية لإدارة شئون البلاد وأنهم يجهلون الحقائق وأن دور مايلز كوبلاند هام وكبير وحيوي ويتعاظم في ضوء ذلك حيث يقوم بالتوجيه والإرشاد دون أن يكابروا ويدعوا العلم والخبرة حتى تتحقق الأهداف الهامة في الوقت الذي ركز فيه مايلز كوبلاند باتصاله الشخصي مع عبد الناصر وذكريا محيي الدين وأهمل الباقي جميعا تقريبا.
رابعا: أنه رغم المشاكل العديدة التي تهتم لها الولايات المتحدة إلا أنها تعتبر مصر من أهم قضاياها وما يجري فيها من حيث إعداد وتجهيز قائدها أو حاكمها الجديد عبد الناصر لقيادة مصر والمنطقة نحو ما تصبوا إليه الولايات المتحدة في مواجهة الوطنيين المخلصين لبلادهم.
وفي ضوء هذه الحقيقة.. وهذا الإعداد المخطط لزعامته .. كان بدأ باعتقال السياسيين القدامى ورجال الحكم السابق ويصادر أملاكهم وثرواتهم التي لم تذهب إلى خزائن الدولة لفائدة الشعب والجماهير إنما سرق بعضها إلى جيوب وخزان الخاصة التي عاونته في مخططه وإن كان البعض يساعده مخلصا كواجب يراه من أجل مصر.. وقيادتها الجديدة الوطنية كما تبدي لها.
وفي يوم 23 نوفمبر 1954 عقد اجتماع حضره الرئيس جمال عبد الناصر والسيد القائد العام اللواء عبد الحكيم عامر والصاغ حسن التهامي من جانب والقائمقام جيرهارت وإيفلين ومايلز كوبلاند استمر لمدة أربع ساعات ودارت المناقشة فيه كالآتي: أوضح الرئيس جمال عبد الناصر المشاكل التي تمنعه من إمضاء اتفاقية أمن متبادل وقال الرئيس أن مشروعه للدفاع عن هذه المنطقة من العالم هو النهوض بمعاهدة الضمان الجماعي العربي وتقويته ليباشر هذه المهمة وأكد أن هذا هو أفضل طريق وأن قيادة الجيش العربي الجديد يجب أن تظل عربية صميمة وأنه يكفي بناء هذه القوة الدفاعي في نفس الوقت الذي يعمل فيه على الاستقرار الداخلي في كل من هذه الدول وأنه ينبغي على الولايات المتحدة ا، تساعد في بناء هذا المشروع ومحاولة الإيحاء إلى قيادات الدول الأخرى بذلك وإلا تقف في سبيل تقوية هذا الميثاق وأن تعد أمريكا بمساعدته. وجاء في الحديث عرض موقف الإخوان المسلمين والشيوعيين فقال أنه سينتهي من تطهير البلاد من هاتين الفئتين في مدى شهرين من تاريخه مما يوفر له الجو المناسب خلال المستقبل القريب.
وسئل الرئيس هل يمكنه أن يمضي اتفاقية بعد حركة التطهير هذه فقال: هذا يتوقف على الحالة ولكنة لا يعتقد ذلك. للمزيد طالع كتاب لعبة الامم وعبدالناصر لمحمد الطويل
موقف انضمام سيد قطب للإخوان
يقول سيد قطب رحمه الله فى كتابه : لماذا أعدموني:
(- لم أكن أعرف إلا القليل عن الإخوان المسلمين، إلى أن سافرت إلى أمريكا في ربيع 1948 في بعثة لوزارة المعارف (كما كان اسمها في ذلك الحين)، وقد قتل الشهيد حسن البنا، وأنا هناك في عام 1949م، وقد لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية، وكذلك الإنجليزية، التي كانت تصل إلى أمريكا، من اهتمام بالغ بالإخوان، ومن شماتة وراحة واضحة في حل جماعتهم وضربها وفي قتل مرشدها، ومن حديث عن خطر هذه الجماعة على مصالح الغرب في المنطقة، وعلى ثقافة الغرب وحضارته فيها، وصدرت كتب بهذا المعنى سنة 1950م، أذكر منها كتابا لجيمس هيوارث دين بعنوان: التيارات السياسية والدينية في مصر الحديثة، كل هذا لفت نظري إلى أهمية هذه الجماعة عند الصهيونية والاستعمار الغربي --) طالع كتاب لماذا أعدموني ص 11.
واقعة ميتشل والمخابرات الأمريكية
كما يذكر الأستاذ عمر التلمسانى أحد المواقف لتدخل المخابرات الأمريكية للنيل من الإخوان فيقول فى احد الروايات والتي ذكرها الأستاذ إبراهيم قاعود فى كتابه (الإخوان المسلمون.. الحقيقة الغائبة) بدأت أولى بوادر الصدام ـ فالسادات لم يرضيه موقف الإخوان من خطواته للصلح مع اليهود وفى أحد أعداد الدعوة .
نشرت رسالة بعث بها ريتشارد ميتشل أستاذ تاريخ مصر والعرب فى جامعة ميتشجن الأمريكية المتخصصة فى الشرق الأوسط وله دراسة عن الإخوان المسلمين الى رئيس هيئة الخدمة السرية بالمخابرات المركزية الأمريكية قال فيها
" بناء على ما أشرت اليه من تجمع المعلومات لديكم من عملاءنا ومن تقارير المخابرات الإسرائيلية والمصرية التى تفيد أن القوى الحقيقية التى يمكن أن تقف فى اتفاقية السلام المزمع عقدها بين أسرائيل ومصر هى التجمعات الإسلامية وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين بصورها المختلفة فى الدول الغربية وامتداداتها فى أوربا وأمريكا الشمالية ، وبناء على نصح مخابرات إسرائيل من ضرورة توجيه ضربه قوية لهذه الجماعة فى مصر قبل توقيع الاتفاق ضمانا لتوقيعه ثم لاستمراره وفى ضوء التنفيذ الجزئى لهذه النصيحة من قبل حكومة السيد ممدوح سالم باكتفائها بضرب جماعة التكفير والهجرة .. " وتمضى الوثيقة فى شرح وسائل القضاء على جماعة الإخوان على غرار وثيقة ضرب جماعة الإخوان فى عهد جمال عبد الناصر وقد ردت السفارة الأمريكية فى القاهرة وكذلك ريتشارد ميتشل ينفيان صحة هذه الرسالة وأنه لم تصدر منه رسالة للمخابرات كما لا توجد هيئة بهذا الاسم فى جهاز المخابرات ولكن بعد عامين كتب عمر التلمسانى فى افتتاحية الدعوة قائلا : وعندما نشرنا وثيقة منذ عامين أو أكثر أو أقل ترسم الخطة التى تؤدى الى القضاء على الإخوان المسلمين ثارت ثائرة البعض فى الداخل والخارج .. ولم نضف على أصحاب الشأن بنشر تكذيبهم لتلك الوثيقة وتجرى الأيام تباعا حافلة بكل ما يثبت أن ما جاء فى هذه الوثيقة تلك إنما هو جزء من كل اعد إعدادا دقيقا ومدروسا للتخلص من الإخوان المسلمين بكافة الطرق .. وإننى أعتقد أن هذه الوثيقة رغم تكذيبها صحيحة ..
ويكشف عمر التلمسانى عن حقيقة نوايا الغرب ضد الإسلاميين قائلا : فقد أذاعت وكالة أ . ش . أ . لندن فى 13 فبراير 1981 ما نصه ( ذكرت مجلة الايكونوميست البريطانية فى دراسة لها عن التهديد الذى تواجهه مصر من قبل الجماعات الإسلامية ما يلى : إن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر حتى الآن البديل الوحيد الممكن لنظام حكم السادات فى مصر وقالت ا لمجلة : إن الجماعات الإسلامية ظهرت كمنظمة قوية منذ ثلاث سنوات وأنها تضم نخبة طلابية إسلامية وهى تعمل علانية فى المدارس العليا والجامعات وأن عدد أعضائها نحو ما ئة ألف عضو وأن أعضاء الجماعة يتميزون بالاخلاص والنظام الشديدين وهم موزعون فى خلايا جيدة التنظيم حيث يستطيعون أن يحشدوا عشرة آلاف رجل وامرأة فى شوارع أية بلدة أو مدينة مصرية خلال ساعات وأنهم متعصبون وضيقو الأفق وغير متسامحين وهم على استعداد لاستخدام ا لقوة ضد معارضيهم على الرغم من أنهم لا يظهرون أسلحتهم وأوضحت المجلة أن الجماعات تتمتع بتأييد علنى بين رجال الشرطة ومن بينهم بعض الضباط ذوو الرتب المتوسطة ومن المشكوك فيه قيام البوليس باستخدام قوته الكاملة ضدهم وعن مصادر تمويل تلك الجماعات قالت الايكونوميست : إنه من المحتمل أن الأموال تأتى إليهم من السعودية ومن رجال الأعمال الذين يتسمون بالتقوى والورع ونوهت المجلة بالقوة المتزايدة للإخوان المسلمين فى السودان وذكرت أنه لدى الرئيس السادات ونميرى القوى لوقف الفيضان الإسلامى وإن كان الرئيسان يحاولان فى نفس الوقت استرضاء الميليشيات الإسلامية والمزايدة عليها وأشارت المجلة كذلك الى أن السادات تحدث كثيرا عن تغيير القانون المصرى لجعله موافقا للشريعة الإسلامية إلا أنه لم يجد بدا فى حقيقة الأمر من تأجيل تنفيذ ذلك ويرى الأستاذ عمر التلمسانى قائلا إن كل كلمة فى هذا المقال تقطر سما وتحمل تحريضا سافرا وتدعهوز الى اسلوب معين وتنبه الى أخطار وهمية وتسرد وقائع كاذبة لا أساس لها ولا وجود إلا فى مخيلى أعداء الإسلام الكارهين ليقظة أبنائه والمقاومين لمده . إن المقال يقرر أن الإخوان ا لمسلمين هم البديل الوحيد لنظام السادات فى مصر وهى القرية الكبرى التى يلوح بها أعداء الإسلام للفرقة بين كل حاكم لبلد اسلامى وبين دعاة الإسلام فى تلك البلاد وللأسف المخزى فقد أفلحت هذه الأكاذيب فى بعض بلاد المسلمين التى لا يستطيع داعية مسلم أن يباشرلا فيها مهمته فى نشر الدعوة الإسلامية .. إن الإخوان المسلمين لن يفكروا يوما من الأيام فى استبدال حاكم بحاكم " فالكل فى الهوى سواء " ولكنهم يعملون ويصرحون وينادون باحلال حكم الله محل حكم البشر لأن فيه الخير والصلاح " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ": ولو أراد الإخوان المسلمون الحكم لنالته أيديهم ولتسمنوا غاربة منذ أمد بعيد ولكنهم عن زهو الدنيا فى شغل وما أرادوا إلا حكم الله وتطبيق شريعته علىأية يد وأيا كانت هذه اليد التى تطبق هذه الشريعة السمحاء وما من شك أن كل حاكم لبلد إسلامى يعلم عن طريق جواسيسه ومخابراته أن الإخوان المسلمين لا يتآمرون ولا يخربون لأن أساس دعوتهم الحكمة والصراحة والوضوح " ادع الى سبيل ربك بالحكمة " وهم لو لجئوا الى الاستخفاء لما علم أحد بدعوتهم .."
(ونعود الى رسالة ميتشل للمخابرات المركزية الأمريكية والتى أحدثت ردود فعل غاضبة لدى السادات واستدعى كبار الأقطاب من الإخوان المسلمين للتحقيق فى هذه الرسالة .. ووجد أنور السادات فى هذه الوثيقة فرصته الذهبية للنيل من الإخوان والتشهير بهم وكان ذلك فى الملتقى الأول بمدينة الاسماعيلية ) للمزيد طالع كتاب الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة للأستاذ: إبراهيم قاعود
خاتمة الجزء الأول
من خلال هذا العرض لبعض مواقف الإدارة الأمريكية المعادية وبقوة تجاه جماعة الإخوان المسلمون تحديداً منذ مشاركة الجماعة فى حرب فلسطين عام 1948 يؤكد أن دائما تركزت النقاط الخلافية وأن السبب الرئيسى للموقف الأمريكى هى دولة اسرائيل وستظل كلمة السر دائما فى اى حوار بين الادارة الأمريكية اوأى إدارة غربية والإخوان هى (اسرائيل).