بعض من مخاطر «اتفاق الإطار»
بقلم : محمد السهلي
أي رهان على نتائج مفاوضات تسبق «اتفاق الإطار» ضمن الشروط القائمة أو تلك التي تنطلق بعد توقيعه، لن يؤدي إلا إلى الدخول في فخ تصفية الحقوق الوطنية
لعل أخطر ما في مسار تسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بحسب التوافقات بين واشنطن وتل أبيب هو ما يمكن أن يأتي تحت عنوان «اتفاق الإطار» الذي تحدثت عنه مرارا الوزيرة الأميركية كلينتون وقالت بأنه سيتضمن القضايا الأساسية للصراع، دون أن يعني ذلك أن يأتي هذا الاتفاق على ذكر أية حلول لهذه القضايا بل ستكون هي بحد ذاتها موضوعا لمفاوضات تجري في مرحلة تنفيذ الاتفاق، الذي قيل بأنه ينبغي التوصل له خلال عام كحد أقصى.
وحددت كلينتون في خطابها أمام مركز صابان مؤخرا القضايا الأساسية كالحدود والأمن والمستوطنات والمياه واللاجئين والقدس. وأشارت بوضوح إلى أن السعي باتجاه الوصول إلى اتفاق الإطار سيكون خلال البحث عن حلول وسط بشأن جميع هذه القضايا كي يكون الطريق ممهدا أمام ولادة «معاهدة سلام نهائية».
إذاً، هناك فاصل فعلي بين حضور قضايا الصراع في اتفاق الإطار وبين التوصل إلى حلول لها.
وهذا يتناقض أولا مع الإيحاءات الأميركية السابقة بأن هدف المفاوضات التي انطلقت كان التوصل إلى اتفاق حول الوضع الدائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبذلك فإن المفاوضات الحقيقية حول هذه القضايا ستنطلق بعد توقيع «اتفاق الإطار».
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تقر مبدئيا بأن الخلافات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي هي خلافات كبيرة وحقيقية، فإن التساؤل الأساسي يدور حول ماهية «اتفاق الإطار» وما يتضمنه من عناصر يمكن بحسب الرؤيا الأميركية أن يدفع باتجاه توقيع المعاهدة التي ذكرتها.
· فالإدارة الأميركية تنظر إلى قضايا الصراع ضمن مستويات مختلفة، حيث تعوِّم موضوعة الحدود من خلال تجاهل (اقرأ تجاوز) حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 باعتبارها حدود الأراضي الفلسطينية قبل الاحتلال الذي وقع في اليوم الثاني من التاريخ المذكور، وتطرح على كل من الجانبين مهمة «معرفة» حصته من الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
وكانت الوزيرة كلينتون واضحة عندما ربطت موضوعة الحدود بالأمن وخاصة عندما اعتبرت أن «اتفاق الإطار» سيمكن «القادة الإسرائيليين أن يقدموا لشعبهم حدودا معترفا بها دوليا تحمي أمن إسرائيل» بينما سيجعل الاتفاق الحكومة الفلسطينية «قادرة على أن تظهر لشعبها أن الاحتلال على وشك الانتهاء».
هذا يعني أن الاتفاق سيؤمن للإسرائيليين حل أمنيا ناجزا بينما تهمل موضوعة الأمن فيما يخص الفلسطينيين وتترك مسألة الحدود ذاتها كمشروع حل.
· وبحكم الواقع القائم في الضفة الفلسطينية لا يمكن الفصل من حيث المبدأ بين مسألة الاستيطان وبين موضوعة حدود الدولة الفلسطينية حيث تترك الإدارة الأميركية مصير المستوطنات إلى وقت يتم فيه معالجة قضايا الوضع الدائم (الوضع النهائي بحسب تعبير كلينتون) دون أن تبدي موقفا أميركيا واضحا من بنية الاستيطان المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الفلسطينية بما فيها القدس.
هنا، ينبغي أن نلاحظ أن كلينتون عندما تحدثت عن الحدود أكدت في خطابها على أن يتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على مسار الخط الذي ينبغي رسمه على الخارطة و«يقسم بين إسرائيل و فلسطين ».
أما في داخل الأراضي الفلسطينية، ومع غياب حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 ، وتحديد موقف من التوسع الاستيطاني وليس الاستيطان ببنيته المادية والبشرية، فإن المسألة متروكة لما يمكن أن تأتي به المفاوضات التي تنطلق بعد توقيع «اتفاق الإطار».
ونفهم من هذا أن توقيع اتفاق يرسم حدودا خارجية للدولة الفلسطينية (بغض النظر عن مدى مقاربتها لحدود 4/6/ 1967 ) يهدف إلى تقديم وجبة سياسية «مقنعة» للمفاوض الفلسطيني يمكن أن تساعده في الإيحاء بأن «الاحتلال على طريق الزوال» كما قالت كلينتون في خطابها.
· وتتعامل كلينتون مع مدينة القدس باعتبارها مدينة ذات أهمية قصوى بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الثلاث وهي قد فتحت الباب على إقصاء القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة عندما تجاوزت حدود 4/6/ 1967 وعندما لم تتخذ موقفا من مصير الاستيطان واكتفت بأن هدف المفاوضات لاحقا حول مصير المدينة ينبغي أن يؤدي إلى نتيجة «تحقق تطلعات كلا الطرفين» و«تحمي وضعها بالنسبة لكل الشعوب حول العالم».
ومع وجود موقف أميركي كهذا، فإن الطريق ممهد أمام الجانب الإسرائيلي كي يواصل سياسية فرض الأمر الواقع تأكيدا على ما كرر نتنياهو ذكره وهو أن القدس الموحدة ستكون عاصمة أبدية لإٍسرائيل.
· ومع تجاوز مستقبل الاستيطان في اتفاق الإطار فإن قضايا أخرى ستطرح من زاوية التعايش مع البنية الاستيطانية بما يتعلق بقضايا رئيسية مثل المياه على سبيل المثال.
حيث يجري الحديث في الأوساط الأميركية والإسرائيلية على ضرورة تقاسم المياه بما فيها تلك التي توجد خزاناتها الجوفية ضمن الحدود التي يمكن أن ترسم للدولة الفلسطينية، أي أن لا وجود للمعادلة التي وضعتها الاتفاقات الدولية بأن يتمتع كل طرف بالثروات الطبيعية التي تقع ضمن أراضيه أي أنه ـ وبحسب مؤشرات الاتفاق ـ سيكون من حق إسرائيل أن تطالب بحصة من خزانات المياه الجوفية المتواجدة في الضفة وليس لها أي امتداد جوفي في أراضي الـ 48.
· ولعل من مخاطر سيناريو «اتفاق الإطار» المطروح أن المفاوضات التي يمكن أن تنطلق بعد توقيعه لن تعالج القضايا الأساسية للصراع ضمن نسق واحد ولن تكون مترابطة وفق أجندة زمنية موحدة بل أن كل قضية من هذه القضايا يمكن أن تصل إلى خواتيمها ربطا بمحصلة مواقف الطرفين المتفاوضين وبدرجة الاستعصاءات الناشئة في نقاش كل منها على حدة حتى لو تطلب أن تستمر المفاوضات حول إحداها زمنا مفتوحا فهذا بنظر الأميركيين (بالاتفاق مع الجانب الإسرائيلي) لا يمس مكانة اتفاق الإطار.
· وبقدر ما تعاملت الإدارة الأميركية في خطاب كلينتون مع قضايا الصراع السابقة كعناوين سياسية من الدرجة الأولى فإنها تتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مسألة ضميرية ووصفتها بـ «الصعبة والمشحونة بالعواطف» متحدثة عن حل عادل ودائم لهذه القضية على أن يفي «باحتياجات كلا الجانبين» كما قالت في خطابها المشار إليه.
ونحن نعرف أن واشنطن وتل أبيب متطابقتان في الموقف من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها في العام 1948 لجهة شطب هذا الحق تماما وإحالة مسألة العودة إلى مناف جديدة بما فيها أراضي السلطة الفلسطينية العتيدة مع ملاحظة أن القسم الأعظم من اللاجئين الفلسطينيين سيكون في إطار مشروع التوطين في أماكن لجوئه بحسب الرؤية الأميركية ـ الإسرائيلية الموحدة تجاه هذا الموضوع.
وهذا يعني أن «اتفاق الإطار» سيتناول هذه القضية من هذه الزاوية تحديدا وستكون مسألة المفاوضات ذات الصلة بعد توقيع الاتفاق إنما تتعلق بحكم الأمر الواقع بآليات تنفيذ هذه الرؤية لا غير.
وبقدر ما تمثله مؤشرات «اتفاق الإطار» من تهديد للقضية الفلسطينية، فإن أي رهان على مفاوضات تسبق «اتفاق الإطار» ضمن الشروط القائمة أو تلك المفاوضات التي تنطلق بعد توقيعه، لن يؤدي إلا إلى الدخول في فخ تصفية الحقوق الوطنية.. ليس إلا.
المصدر
- مقال:بعض من مخاطر «اتفاق الإطار»المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات