المركزي» ..والدور المطلوب
بقلم : محمد السهلي
أمام المجلس المركزي مهمة إعادة الاعتبار لقواعد العمل الوطني الائتلافي بدءا من الشراكة في اتخاذ القرار وتنفيذه وصولا إلى عدم الانقلاب عليه
تأتي في مقدمة الملاحظات التي يمكن تسجيلها على أداء المجلس المركزي الفلسطيني ظاهرة تقطع اجتماعاته وعدم دورية انعقادها في وقت يفترض فيه أن تكون الهيئات والمؤسسات الوطنية القيادية في حالة انعقاد دائم, ربطا بتسارع التطورات المتصلة بالفلسطينيين.. وما حولهم.
ومن غير المعقول أن يجري التعامل مع المجلس كـ«هيئة احتياط» يتم استنفارها كلما برزت تقديرات تستنسب الوقت الصالح لحضوره في المشهد السياسي الفلسطيني.
وهذه النظرة امتداد لسياسات سابقة تعاملت مع هيئات منظمة التحرير ومؤسساتها المختلفة من زاوية استحضارها والاستقواء بها كلما برزت استعصاءات جهوية أو عقد سياسية مع هبوب رياح الضغط على الحالة الفلسطينية في مراحل متعددة, وعندما تزول «الأسباب» التي دعت لاستحضار هذه الهيئات يتم إيداعها برسم التقاعد المؤقت.
نود الإشارة إلى أن التأكيد على دورية اجتماعات المجلس وانتظامها لا يأتي فقط من زاوية الحرص على تجاوز المخالفة التنظيمية في هذا الشأن, بل ينطلق من دوافع سياسية من الدرجة الأولى.
لأن المجلس المركزي هو الهيئة التي ينبغي عليها أن تمارس دورها القيادي والرقابي على كل من اللجنة التنفيذية ومؤسسات السلطة على حد سواء.
وبالتالي فإن الملفات التي تتراكم على أجندة عمل هذين المجالين الرئيسين إنما يجب أن تجد حلولها وفق الأسس والقواعد التي يتم إرساؤها في نقاشات المجلس المركزي ومداولات أعضائه وليس العكس.
وعلى أهمية الاجتماعات المشتركة التي تعقدها من حين لآخر اللجنة التنفيذية وقيادات القوى والفصائل المنضوية في منظمة التحرير, إلا أن هذه الاجتماعات لا يجب أن تشكل بديلا أو تعويضا عن دورات عمل المجلس المركزي. وتخطئ كثيرا التقديرات التي تساوي من الناحية العملية أو «الواقعية» بين وظيفة هذه الاجتماعات واجتماع المجلس المركزي.
وتبدو المعادلة في كثير من المحطات مقلوبة بين المجلس واللجنة التنفيذية وخاصة عندما يتخذ المجلس قرارات يفترض أنها ملزمة للجنة ومؤسسات السلطة, لكن الذي يحصل هو القفز عن قرارات «المركزي» في موضوعات بالغة الأهمية.
من بينها ملف المفاوضات التي جرت مع الجانب الإسرائيلي العام الماضي وقد كان المجلس اتخذ قرارا واضحا بعدم الدخول في المفاوضات مع استمرار الاستيطان لكن الذي حصل أن «التنفيذية» والمفاوض الفلسطيني خرقا هذا القرار وتمت المشاركة في المفاوضات بصيغتيها «التقريبية» والمباشرة تحت يافطة الوعود الأميركية التي ثبت زيفها لاحقا.
كما كان المجلس المركزي قد اتخذ قرارا بإجراء الانتخابات المحلية في تموز/يوليو العام الماضي لكن الحكومة الفلسطينية (هذه المرة) ألغت هذه الانتخابات تحت يافطة تأجيلها, قبل أن تعود وتذعن لقرار المحكمة العليا وتقرر مجددا إجراء الانتخابات صيف هذا العام.
من هذه الزاوية, ينبغي النظر إلى الدعوة بانتظام اجتماعات المجلس المركزي باعتبارها الإطار التنظيمي لقيام المجلس بدوره القيادي والرقابي, وخاصة في ظل التقاعد القسري للمجلس الوطني الفلسطيني وتلاشي المجلس التشريعي للسلطة الذي أصبح جزءا رئيسيا من مشهد الانقسام الحاصل وتجلياته.
أمام المجلس المركزي مهام ملحة لا يمكن تأجيل البت فيها على المستويين السياسي والعلاقات الفلسطينية الداخلية.
· ففي الموضوع السياسي تنهض أمام المجلس مهمة كبرى تتعلق بإكمال نصف الخطوة التي اتخذها الاجتماع الفلسطيني القيادي في رام الله (18/2) وقرر عدم الالتفات إلى المغريات الأميركية التي قدمت مقابل سحب مشروع القرار الذي يدين الاستيطان في مجلس الأمن, وأكد الاجتماع على ضرورة التوجه نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران/يونيو 1967.
هنا ينبغي أن يعيد المجلس التأكيد على الاجماع الوطني بعدم العودة إلى المفاوضات بشروطها الراهنة.
ومن الضروري أن تفهم هذه الأمراللجنة التنفيذية وباقي مؤسسات السلطة التي تدخل على خط التسوية السياسية.
ومن المهم الرد بوضوح على المناورة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت مسمى «الخطة الجديدة» التي تعيد تكرار عناوين السياسة التوسعية الإسرائيلية, وتحاول ترسيمها بموافقة المفاوض الفلسطيني.
لكن نصف الخطوة المتمم هو الذي يجعل التوجه الفلسطيني متكاملا ويعطيه الزخم اللازم لتوحيد الجهد الوطني في الخطاب السياسي والميدان في وقت واحد. ويتعلق الأمر بتأكيد المجلس المركزي على فتح خيار المقاومة الشعبية كرد عملي على سياسة التعلق بالمفاوضات العبثية التي تبذل جهود دولية حثيثة من أجل إحيائها.
· وفي ملف الانقسام الفلسطيني المزمن, تنهض أمام المجلس مهمة المبادرة باتجاه استعادة الوحدة وفق آليات واضحة تخرج هذه المهمة من إسار التجاذبات بين حركتي فتح وحماس. ومن الضروري الالتفات هنا إلى حركة الشارع الفلسطيني في هذا الاتجاه والعمل من موقع المسؤولية الوطنية على خدمة هذه الحركة وفتح الأفاق أمامها.
لقد فشل المجلس التشريعي فشلا ذريعا عندما وضع نفسه بشكل آلي على جبهتي الانقسام. وإذا كان «التشريعي» محكوما بثنائية القطبية ربطا بقانون الانتخاب الذي أنتجه, فإن المجلس المركزي الفلسطيني كمؤسسة وطنية ائتلافية ينبغي أن يقدم الدور الوطني الجامع لجهة إرساء قواعد الشراكة السياسية بين مكوناته السياسية والاجتماعية, وإلا قدم نفسه كجهة تنظيمية وبذلك يتحول (كعنوان) إلى جزء من مشهد الانقسام ذاته.
وقد برزت مؤخرا دعوات «للمصالحة» تقفز عن الحوار الوطني الشامل وتسعى لإبقاء ملف الانقسام قيد التداول بين حركتيفتح وحماس, وسيؤدي الأمر حتى في حالة «نجاحه» إلى تجميد تجليات الانقسام بشكل مؤقت والابقاء على جمر السياسات الانقسامية قيد الاشتعال في أية لحظة إذا تمت المصالحة وفق تقاسم الصلاحيات بين الحركتين وأهمل الأساس الجوهري لاستعادة الوحدة وهو البرنامج السياسي الموحد.
· ربطا بما سبق, أمام المجلس ومكوناته, مهمة إعادة الاعتبار لقواعد العمل الوطني الائتلافي بدءا من الشراكة في اتخاذ القرار وتنفيذه وصولا إلى احترام ما يصدر عن الهيئات الائتلافية جميعها وعدم الانقلاب عليها كما حصل في محطات سابقة.
وإذا أراد المجلس المركزي أن يمارس دوره الرقابي والقيادي فعليا, نرى أنه من الضروري تفعيل دوره من خلال تشكيل لجان معنية بمختلف مجالات العمل الوطني وترشيد عملها والرقابة عليها, وإرساء العلاقة بين المجلس واللجنة التنفيذية ومؤسسات السلطة الفلسطينية وفق قواعد سليمة, والسعي الحثيث لانهاء ظاهرة التداخل في المسؤوليات والصلاحيات بين جميع هذه المؤسسات.
المصدر
- مقال:المركزي» ..والدور المطلوب المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات