لماذا تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
بقلم:رضى السماك
غضب وسخط عربي علي المجازر الاسرائيلية

منذ سنوات غير قليلة ومع كل مجزرة جديدة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين يتصاعد الغضب والسخط العربي وعلى الأخص الفلسطيني للصمت العربي الرسمي تجاه العدوان أو المجزرة المرتكبة.
وقبل ذلك بسنوات بعيدة تمتد إلى أواسط سبعينات القرن الماضي مع بدايات ارتداد أنور السادات عن المشروع القومي الناصري وتضعضع قوة التضامن العربي كان السخط العربي يعبر عن نفسه لا للصمت العربي بل لغياب إدانة الدور الأمريكي وعدم اتخاذ إجراءات رادعة بحق المذابح والاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب،وهكذا وفي ظل مسلسل التراجعات العربية الرسمية المخزية منذ ثلاثة عقود تواضع الاستنكار العربي الشعبي إلى مجرد الاحتجاج لعدم صدور حتى بيانات شجب عادية مخففة تجاه الاعتداءات والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين.
بيد أن الحال لم يقتصر على هذه الحال من مسلسل تفاقم الضعف والهوان في الممانعة العربية على الجانب الرسمي بل امتد إلى الجانب الشعبي،وهكذا بتنا لا نكاد نشعر بأي ردود فعل شعبية منددة ومستنكرة بقوة للممارسات الوحشية الإجرامية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين،وإن صدر شيء من هذه الردود فغالياً ما يكون محدوداً وأشبه بالخجول لمجرد تسجيل مواقف بيانية للتاريخ ورفع العتب أو التخفيف من حدة ألم تأنيب الضمير.
على العكس من ذلك في سني الخمسينات والستينات والسبعينات،حيث كانت ردود الفعل الشعبية العربية الاحتجاجية حادة وعنيفة وغالباً ما تعبر عن نفسها بالمظاهرات الصاخبة في الشارع العربي والاعتصامات وغيرها من أشكال الاحتجاجات القوية الأخرى والتي جميعها تمثل وسائل ضغط قوية ومؤثرة في الحكومات العربية لاتخاذ أدنى المواقف التضامنية مع الشعب الفلسطيني أو غيره من الشعوب العربية المتعرضة للاعتداءات الإسرائيلية.
تعاطف مع العرب من غير العرب
ولعل أسوأ مراحل الانحدار والتراجع في الهوان والضعف الرسمي والشعبي العربي هو الذي شاهدناه خلال وبعد المحرقة الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبتها بحق أهالي غزة المدنيين والتي راح ضحيتها عشرات الأطفال والرضع والنساء والشيوخ الفلسطينيين،وذلك ليس أمام تفرج العالم بأسره، فلربما وجد من بين الرأي العام العالمي أوساط غير عربية أكثر تعاطفاً مع العرب واحتجاجاً ضد إسرائيل بل أمام تفرج العرب رسمياً و«شعبياً» بغض النظر عن الأسباب الدافعة لاتخاذ كلا الموقفين الرسمي والشعبي.
والحال لئن كان مفهوماً بالأمس أن تصدر مواقف شعبية عربية مستنكرة للصمت العربي الرسمي، فمن الصعوبة بمكان اليوم أن تتفهم أغلبية الأوساط السياسية الوطنية والشعبية في العالم العربي استنكار القوى والفصائل الفلسطينية للصمت العربي على الصعيد الشعبي وغياب تضامنه مع الموقف الفلسطيني في ظل استمرار حالة التشرذم والاقتتال الفلسطيني الداخلي السائدة، بل انتقالها من سيئ إلى أسوأ،ولا سيما بين الفصيلين الرئيسيين فتح وحماس،حيث لكل منهما سلطة لا تعترف بالأخرى،الأولى في رام الله،والثانية في غزة،ذلك بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الموقف الوطني والشعبي العربي من الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين أقوى من الموقف الفلسطيني. فجزء مهم من تقوية المواقف والممانعة السياسية والشعبية العربية إنما تستمد قوتها من قوة ووحدة الموقف الفلسطيني.
كما أن رخاوة المواقف وردود الفعل الوطنية والقومية الشعبية في البلدان العربية تنبغي قراءتها جيداً قراءة سياسية تاريخية موضوعية.فهذه المواقف تعبر عن حالة من التراكم الاحباطي المديد المتعدد الأشكال جراء الشعور بعدم جدوى تكرار أشكال الاحتجاج الباهتة، هذا إذا ما سمح بها أصلاً داخل البلدان العربية،فضلاً عن تقييدها وذلك في استمرار تكرس المواقف العربية الرسمية من التخاذل والهوان باتجاه القضية الفلسطينية.
يأس بشكل أكبر
والأهم من ذلك، فإن روح ونفسية الإنسان العربي اليوم حتى بالرغم من مشاعره وقلبه مع أشقائه الفلسطينيين هي ليست مثل روحه ونفسيته بالأمس في ظل تعاظم وتفاقم مشكلاته الداخلية الاقتصادية والمعيشية والسياسية،فإذا كانت القوى السياسية القطرية تواجه صعوبات اليوم لجذب المواطنين للأنشطة والفعاليات السياسية المتعلقة بقضاياه المصيرية الآنية الداخلية فمن باب أولى أن تواجه صعوبات جمة لجره للقضايا القومية الراهنة في ظل انشغال معظم الشعوب العربية بلقمة العيش،اللهم استثناءات وحالات محدودة أو غير منتظمة.
ولعل الكاتب الصحافي الفلسطيني ماجد الكيالي هو من أكثر الكتاب الفلسطينيين القلة الذين حللوا هذه الحالة الفلسطينية تحليلاً سياسياً صائباً يعبر عن قراءة موضوعية معمقة لضعف الورقة الفلسطينية المتعلقة بالممانعة الشعبية والتضامن العربي القومي،فهو يقول في إطار نقده لمراهنة حماس المطلقة على العمق العربي الإسلامي:
«إن الشارع العربي والإسلامي ليس في وارد هموم أخرى كبيرة وخطرة،وهو شارع خارج السياسة أو أخرج منها،وهذا الشارع الذي لا يخرج للانتصار للقمة عيشه وحريته وكرامته من الصعب عليه أن يخرج لمناصرة غيره...».
المصدر
- مقال:لماذا تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟ موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات