رسالة إلى قمة دمشق
29-03-2008
بقلم: د. محمد مرسي
مقدمة

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..) (آل عمران: من الآية 110)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه، وبعد..
ينعقد مؤتمر القمة العربية في دمشق بسوريا اليوم وقد جرت قبله أحداثٌ كثيرةٌ في المنطقة العربية والإسلامية، وكثُر الكلام حول جدوى المؤتمر، وعمَّن سيحضر من الدول العربية، ومستوى التمثيل لهذه الدول في المؤتمر، ويمكن وبسهولة وبساطة قراءة المشهد على الساحة العالمية والإقليمية والداخلية في الدول المعنية بالصراع القائم الآن:
أولاً: على الرغم من تعثُّر المشروع الأمريكي الذي يسعى للسيطرة على العالم، وخاصةً منطقة الشرق الأوسط، إلا أن معظم الأنظمة القائمة في هذه المنطقة ما زالت، وبإخلاص شديد لأصحاب هذا المشروع، تخضع لأوامر وتوجيهات سيد البيت الأبيض وحواريِّيه من متطرِّفي اليمين الأمريكي المتصهين، وتنفِّذ هذه الأنظمة الضعيفة الواهية، بسبب بُعدها عن شعوبها، السياسةَ التي تُبرَم في واشنطن وتل أبيب دون تردُّد ولا وجَل، حتى لو كانت هذه السياسة لا تحقِّق أية مصلحة حقيقية للقائمين على هذه النظُم، فضلاً عن أنها تصادِمُ إرادةَ أبناء الوطن والأمة في عالمنا المغلوب على أمره.
ثانيًا: على الرغم من ضعف البنية الأساسية للكيان الصهيوني القابع على أرض فلسطين، ومن عدم قدرته على البقاء؛ لأنه يحمل عوامل فنائه في أحشائه وفي طبيعة تكوينه العدوانية ضد الإنسانية بصفة عامة وضد العرب والمسلمين على وجه الخصوص..
إلا أن النُّظُم التي لا تستمد شرعيتَها من شعوبها ولا من قدرتها على تحقيق المصلحة لهذه الشعوب تحسب له ألف حساب، وتخشى غضبه، وتحرص على إرضائه، بل والهرولة، وربما الركوض أحيانًا، إليه، وكثيرًا لا تجده، فتستمر هرولتُها ويستمر ركوضُها إلى سرابٍ كاذبٍ، أشار عليها به هؤلاء الصهاينة المجرمون، وعلى مرِّ التاريخ في حق الإنسانية التي لفظتهم في كل المجتمعات التي وُجِدوا فيها بسبب مكرِهم ودسائسهم وغدرهم، وعدوانية كامنة في داخلهم ضد البشر من غيرهم.
حركة الشعوب وصحوتها
ثالثًا: على الرغم من أن حركة الشعوب الآن وصحوتها أصبحت واضحةً وبيِّنةً، وتتبلور إرادتها يومًا بعد يوم ضد الظلم وضد الظالمين وضد المستعمرين وضد المغتصبين، وتدفع في سبيل ذلك ثمنًا باهظًا من أرواح أبنائها وأعراض نسائها.. ولا أدلَّ على ذلك من:
- المقاومة الطاهرة الباسلة في فلسطين التي وقفت للأعداء الصهاينة ولأذنابهم وعرَّابيهم بالمرصاد، ودخلت عليهم الباب بل الأبواب؛ فكانت بفضل الله وعونه وما زالت من الغالبين، وها هم المقاومون المجاهدون يقضُّون مضاجع الصهاينة ويؤرِّقون السيد الأمريكي المغرور المتكبِّر.
- المقاومة الوطنية المخلصة في العراق التي توجِّه سلاحها إلى العدوِّ المستعمر، فتدافع عن الأرض وعن العرض، وتدفع حتى عن الذين يحملون السلاح بحماقة ويوجِّهونه إلى إخوانهم وبني جلدتهم، وكم كان لهذه المقاومة وما زال الأثر الفعال الذي خيَّب ظن الغازي الأمريكي وأغرقه في وحْلٍ ودماءٍ من صنع يديه هو؛ فكانت خسائره بالآلاف، وهو ما لم يحسب له حسبانًا ولم يعدّ ولم يجهِّزْ له بيانًا ولا قرارًا؛ فأصبح يتخبَّط، وعن مخرج يبحث، ولكن هيهات هيهات فإنه خاسرٌ لا محالة، وإن غدًا لناظره قريب!.
نقول: على الرغم من كل هذا ومن غيره.. إلا أننا نرى، ومن عجب نرى، مِن الحكام وأصحاب الجلالة والسلطان مَن يحجب العون عن هذه المقاومة، بل مَن يقاوم هذه المقاومةَ ويحاصرُها ويُسيء إليها، ويردِّدُ ما يقولُه سادة أمريكا والصهاينة عنها، على الرغم من أنها تدفع عنه أيضًا، ولولا وجودُها لما خاطبه هؤلاء أو قابلوه أو حتى ذكروه أو تذكروه.
رابعًا: تتحرك الشعوب وتلتفُّ حول مَن يقودها إلى مشروعها الحضاري العربي الإسلامي، وتتنامى هذه الحركة وتزداد الصحوة وتقوى وتتجذَّر داخل الأمة، ونرى المشاركة السياسية والشعبية والمجتمعية تحرص بشدة، والله من وراء القصد، على تحقيق المصلحة العليا للأمة، ويستلزم هذا الصبر على الابتلاء، خاصةً أنه يأتي من شركاء الوطن من بني الجلدة وبعض نسيجه، يأتي الابتلاء من القائمين على أمرِ أوطاننا، فتحمل الشعوب أرواحَها على أكفِّها، وتصبر على جلاَّديها، وترفع راية الوطن، وتُعلي قيمته والانتماء إليه، ومع الأسف والمرارة فإن الحكام، بحرصهم على كراسي الحكم وبنظرة ضيقة قاصرة، يقفون ضد شعوبهم وكأنهم يقتلون الأبناء وفلذات الأكباد، فيقتلهم (أي الحكام) بعد ذلك أحفاد القردة والخنازير وذئاب الصهاينة وحكام الجبروت الأمريكان.
خامسًا: تنزف الدماء الزكِيَّة من شرفاء الأمة المقاومين، وتُقيَّد المعاصم التي ترفع لواء الحق لإصلاح الحال وصلاح الأنفس، وتبدو الأنظمة ومؤسسات الدول ممزقةً، فتدفع الشعوب ثمنًا؛ جزاؤه الخير في الدنيا والآخرة، ويدفع الحكام ثمنًا آخر؛
جزاؤه الخوف والاضطراب والقلق وعدم الاستقرار، وفي الآخرة يحكم الله ويفصل بينهم وبين من ظلموا؛ ببغيهم وفساد بطانتهم؛ فلا ينالون خيرًا في دنياهم، ولا يجدون ما يحاجُّون به عن أنفسهم في أخراهم.
ومن يربح الآن؟ العدوّ يربح في الدنيا، ويهرب من المسئولية، ولكنه يتخبَّط، ومن الميدان يفرّ، وفي الآخرة عذاب شديد.
الخلاصة
وخلاصة القول: أيها السادة المؤتمِرون الحاضرون والغائبون والمقاطعون.. لا فرق.. أمَا لكم فيما مضى معتبَر؟ أما لكم من هذا الواقع الذي تعيشون فيه وترونه ويراه كل الناس.. أما لكم فيه واعظ؟ فمن أيِّ الأمرين تفرُّون: من عدوِّكم وعدوِّ شعوبكم، والله هو كذلك، أم من الواعظ الأكبر وحينئذٍ لن ينفع الندم؟!!
أفيقوا سادتَنا الكرام، وعودوا إلى ربكم.. عودوا إلى شعوبكم..
- فأصلحوا أحوالكم مع الله واتقوه..
- وأصلحوا أحوالكم مع شعوبكم واعدلوا..
- وأصلِحوا أحوالَكم مع أعدائكم وأعداء أمتكم؛ فانفروا واتحدوا، ولا ندعوكم أبدًا إلى شنِّ الحروب، ولكن إلى توحيد الأمة التي شبَّت عن الطوق، وبلغت بفضل الله الرشد، وستجدونها معكم إن صدقتم، وكونوا لها مُثلاً تكن لكم تبعًا.
- وأصلحوا ذات بينكم تهُن عليكم الدنيا، وإن فعلتم فإن النصر حليف أمتكم.
- وأصلحوا بطانتكم تكُن لكم عونًا وسندًا..
- وازهدوا في مناصب الحكم تعزُّوا وتربحوا..
- وأعدوا واستعدوا.. بنشر العدل والحق ولو على أنفسكم وذويكم، وبالاستغناء عما في يد عدوِّكم، تعفوا وتصبحوا السادة..
- واعلموا أن وطننا الكبير قد أودع الله فيه من الخيراتِ ومن الثروات ما يستطيع به لو صحَّت النوايا وصَفَت النفوس وعفَّ أولو الأمر أن يكتفي، ولو تكامل الكل فيه وتعاونوا على الخير لعاد كما كان قوةً وحضارةً، تفيء إلى غيرها من الأمم، لا أن تنتظر فتاتَ ما يُلقَى إليها من هؤلاء أو هؤلاء.
هذه رسالتنا عن الشعوب إليكم.
فهل تلقى آذانًا صاغيةً وقلوبًا واعيةً.. نرجو الله ذلك، وما ذلك على الله بعزيز.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
__________
المصدر
- مقال: رسالة إلى قمة دمشق موقع اخوان اون لاين